إسلام ويب

إلى الباحثين عن السعادةللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جميع الناس يبحثون عن السعادة مع اختلاف أفكارهم ومبادئهم وعقائدهم، فبعضهم يراها بجمع المال وبعضهم يراها في المنصب والجاه، وبعضهم يراها في تقليد الغرب، فيستورد الأفكار المنحلة منهم، ولكن سرعان ما تنقضي هذه السعادة ويدب اليأس من جديد. وذلك لأن السعادة الحقيقية ليست إلا من التزم بكتاب الله وسنة رسوله، فهما أساس السعادة الحقيقية في الدارين.

    1.   

    الناس جميعاً يبحثون عن السعادة

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً[النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    ثم أما بعد:

    فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء! وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء! وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منـزلاً، وأسأل الله جل وعلا الذي جمعنا في هذا المسجد الطيب المبارك على طاعته؛ أن يجمعنا وإياكم مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    أحبتي في الله: (إلى الباحثين عن السعادة) هذا هو عنوان لقائنا معكم في هذا اليوم الكريم المبارك، وكعادتي فسوف ينتظم حديثي معكم تحت هذا العنوان في العناصر التالية:

    أولاً: الناس جميعاً يبحثون عن السعادة.

    ثانياً: سعادة العالم بين الوهم والحقيقة.

    وأخيراً: هذا هو طريق السعادة.

    فأعرني قلبك وسمعك أيها الحبيب، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه؛ أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.

    مهما اختلفت عقائد الناس وأفكارهم ومبادؤهم، فإنك لو سألت أي إنسان على ظهر الأرض: لمَ فعلت كذا؟ ولم صنعت كذا؟ لقال لك إما بهذه الأحرف أو بكلمات تختلف: أبحث عن السعادة. إنها غاية يتفق فيها الخلق جميعاً، ولكن يختلف الناس في سبيل الحصول على هذه السعادة.

    السعادة لا تكون في جمع المال

    من الناس من يظن أن السعادة في جمع المال، ولو كان من الحرام، المهم أنه يريد أن يجمع المال بأي سبيل، ولا تعنيه الوسيلة لجمع هذا المال.

    وأود أن أقول بدايةً: أنا لا أريد أن أقلل من شأن المال، فقد يكون المال سبب السعادة في الدنيا والآخرة، وقد يكون المال سبب الشقاء في الدنيا والآخرة، المال ما أكرمه إذا حركته أيدي الصالحين والشرفاء، وما أشرف المال إذا عرف المسلم غايته، وعلم أن المال ظل زائل، وعارية مسترجعة، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد من حديث أبي كبشة الأنماري، وفيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إنما الدنيا لأربعة نفر: -وذكر النبي صلى الله عليه وسلم منهم- رجلاً آتاه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقاً) فهذا في أفضل المنازل عند الله جل وعلا.

    فالمال ظل زائل، وعارية مسترجعة، لو عرف المؤمن غاية وحقيقة المال والوظيفة التي ينبغي أن يُسخر لها، فأنفق في سبيل الله جل وعلا، وعلم يقيناً أن ماله الحقيقي هو ما قدم، وبُذِلَ في حياته، ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه يوماً فقال: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله! ما منا من أحد إلا وماله أحب إليه من مال وارثه، فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: فإن ماله ما قدم ومال ورثته ما أخر)، وفي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وغيره أنه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (مالك يا بن آدم! تقول: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت) ورحم الله من قال:

    النفس تجزع أن تكون فقيـرة     والفقر خير من غنىً يطغيها

    وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت     فجميع ما في الأرض لا يكفيها

    ***

    هي القناعة فالزمها تكن ملكاً     لو لم تكن إلا راحة البدن

    وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها     هل راح منها بغير الطيب والكفن

    قال جل وعلا: الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً * وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف:46-49].

    فالمسلم إذا عرف غاية المال واستخدمه استخداماً صحيحاً؛ فالمال يكون حينئذٍ سبب في سعادته في الدنيا والآخرة، وقد يكون المال من أسباب الشقاء في الدنيا والآخرة؛ إذا عاش الإنسان من أجل المال، وأصبحت غايته في هذه الدنيا أن يجمع المال بأي سبيل وطريق حتى ولو على سبيل الآخرة، يسمع النداء يقول: حي على الصلاة. ولكنه منشغل بتجارته وبأولاده وبكرسيه ومنصبه، ما استجاب لله جل وعلا، بل من أجل الدنيا والمال غفل عن الآخرة، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الغفلة، فقال كما في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري : (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء).

    كم ممن ينتسبون الآن إلى الإسلام لا همَّ لهم إلا المال والدنيا، إن أمروا بأمر الله ما أتمروا، وإن نهاهم الله جل وعلا ما انتهوا، وإن حد لهم الله جل وعلا حدوداً تجاوزوا وتعدوا حدود الله تبارك وتعالى، وأصبحت الدنيا الغاية التي من أجلها يخططون ويبذلون، بل وينفقون العقل والوقت والجهد والمال من أجلها.

    أيها الأحبة: ليس كل صاحب مالٍ سعيد، وأنتم تقرءون آيات القرآن التي قص الله علينا فيها قصة قارون الذي انشغل الناس بملكه وسلطانه، ومع ذلك لما ذُكر بالله ما تذكر، اتق الله، ورد الفضل إلى الله جل وعلا، واعلم أن ما أنت فيه من نعمة إنما هو بفضل الله جل وعلا عليك، فرد قارون باستعلاء وكبر وقال: قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي [القصص:78] (إنه فن الإدارة) هذه الكلمة التي يرددها أصحاب المال الآن إلا من رحم ربك، فكانت النتيجة: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ [القصص:81].

    ولعل البعض منكم قد تابع قصة أغنى امرأة في العالم، فتاة في العشرين من عمرها، إنها: كريستينا أونسيس ابنة الملياردير الشهير أونسيس ، لما هلك أبوها ورثت هذه الفتاة مع زوجة أبيها هذه التركة الضخمة؛ المليارات، والأساطيل، والشركات، وتزوجت هذه الفتاة برجل أمريكي عاشت معه فترة قصيرة ثم طلقته، ثم تزوجت برجل يوناني عاشت معه فترة قصيرة فطلقها أو طلقته، ثم تزوجت برجل روسي شيوعي، فتعجب الصحفيون في حفل زفافها، وقال لها صحفي: كيف تلتقي قمة الرأسمالية بـالشيوعية ؟ فقالت الفتاة بصدق ووضوح: أبحث عن السعادة، ثم عاشت معه وطلقته، ثم تزوجت للمرة الرابعة برجل فرنسي فتقدمت صحفية لتقول لها: هل أنت أغنى امرأة؟ قالت: نعم. أنا أغنى امرأة ولكني أشقى امرأة، ثم وجدوها جثة هامدة في إحدى الشاليهات بدولة الأرجنتين .

    فليس كل صاحب مال سعيد -أيها الإخوة- والله لن يذوق طعم السعادة إلا رجل منّ الله عليه بالمال؛ فعرف الغاية والوظيفة لهذا المال، فأنفقه لله جل وعلا في الليل والنهار، اكتسبه من الحلال، وأنفقه فيما يرضي الكبير المتعال.

    لا تنال السعادة بالمناصب

    قد يظن صنف من الناس أن السعادة الحقيقية في المنصب، والجاه والسلطان، وأنا أقول لكم: قد يكون المنصب سبباً من أسباب السعادة في الدنيا والآخرة؛ إذا اتقى الإنسان فيه ربه، وعرف أن المنصب والكرسي الذي أجلسه الله عليه أمانة، وعرف أن هذه الأمانة يوم القيامة قد تكون حسرة وندامة، ففي صحيح مسلم أن أبا ذر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! ألا تستعملني؟ -لماذا لا تعطيني منصباً أو كرسياً في هذه الدولة العظيمة- فقال له المصطفى بعد أن ضرب على منكبه: يا أبا ذر ! إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها).

    فالمنصب والمسئولية أمانة، وأستحلفك بالله: أن تتدبر هذا الحديث الذي يرعب القلب لخطره ومسئوليته، والحديث في أعلى درجات الصحة، فقد رواه البخاري ومسلم من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ما من عبد يسترعيه الله رعيةً، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) تدبر أيها المسئول، مهما كانت مسئوليتك، ومهما كان منصبك، أنت في أمانة إن أديتها ربما أوصلتك هذه المسئولية إلى الجنان، إن اتقيت الله وعرفت قدر هذه المسئولية وقدر هذه الأمانة، فإن خان الإنسان هذه الأمانة؛ كان المنصب سبباً في شقائه في الدنيا والآخرة.

    لذا نرى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يكاد ينام ليلاً أو نهاراً، يمر في السوق فيلفت نظره إبل سمينة، فيقول عمر : [إبل من هذه؟ فيرد عليه بعضهم ويقول: إبل عبد الله بن عمر! -وكأن حية رقطاء قد أفرغت كل سمها في جوفه- ائتونِ به، ويأتي عبد الله وهو يرتجف -وأنتم تعملون أن عبد الله بن عمر إمام من أئمة الزهد والورع- فيقول له أبوه: ما هذه الإبل يا عبد الله ؟ فيقول: إبل هزيلة اشتريتها بخالص مالي يا أمير المؤمنين، وأطلقتها في الحمى ترعى؛ لأبتغي ما يبتغيه المسلمون من الربح والتجارة، فقال عمر في تهكم لاذع وهو الذي عرف حجم المسئولية وقدر الأمانة، قال: بخٍ بخٍ يا بن عمر ، وإذا رأى الناس إبلك قالوا: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، فتسمن إبلك، ويربوا ربحك يا ابن أمير المؤمنين، عبد الله! قال: لبيك يا أبتي! قال: اذهب الآن فبع الإبل، وخذ رأس مالك ورد الربح إلى بيت مال المسلمين] لله دره! هؤلاء كانوا يقفون أمام كل لقمة شهية، وثوب جميل، ونعمة، يقفون وهم يرتعدون من الله جل وعلا.

    ويقول عمر لنفسه: [ماذا أنت قائل لربك غداً يا عمر ، كنت فقيراً فأغناك الله، وكنت وضيعاً فأعزك الله، وكنت ذليلاً فأعزك الله، ثم ولاك الله هذه الأمانة، فماذا أنت قائل لربك غداً يا عمر ؟!!].

    فيا أيها الحبيب! مهما كان حجم منصبك، ومهما كانت حجم مسئوليتك فإنها أمانة، وإنها يوم القيامة حسرة وندامة، أما إن اتقيت الله، وجعلت هذا المنصب وسيلة للجنة لتفريج كربات الناس، فلا. ولا تعقد مصالح خلق الله، ولا تعقد مصالح عباد الله، بل كن مفتاح خير، فإن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، فكن مفتاح خيرٍ بمنصبك، وكن مفتاح خير بكرسيك، واستغل هذا الكرسي لمرضاة الله، ولا تستغل هذا الكرسي لمن أجلسك عليه من العباد، فإن الكرسي ظل زائل، وعارية مسترجعة، ولو دام هذا المنصب لغيرك لما وصل إليك.

    دع عنك ما قد فات في زمن الصبا     واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب

    لم ينسه الملكان حين نسيته     بل أثبتاه وأنت لاهٍ تلعب

    والروح منك وديعة أودعتهـا     ستردها بالرغم منك وتسلب

    وغرور دنياك التي تسعى لهـا     دار حقيقتها متاع يذهب

    الليل فاعلم والنهار كلاهـما     أنفاسنا فيهما تعد وتحسب

    فقد يكون المنصب سبباً من أسباب السعادة في الدنيا والآخرة، كما أنه قد يكون المنصب سبباً من أسباب الشقاء والهلاك في الدنيا والآخرة.

    لا تدرك السعادة بمحاكاة الغرب

    هناك صنف ثالث يظن أن السعادة الحقيقية في أن يسافر إلى الغرب، وأن يستورد أفكاره، فهؤلاء هم الذين يعيشون في سعادة من وجهة نظرهم، وأنا أقول لكم أيها الأخيار: والله الذي لا إله غيره! من سافر إلى بلاد الغرب علم يقيناً أن هؤلاء يعيشون الضنك بكل معانيه.

    نعم. هم حولوا العالم كله إلى قرية صغيرة عن طريق هذه التقنية المذهلة في عالم الاتصالات والمواصلات، فجَّروا الذرة، وانطلقوا في أجواء الفضاء، وغاصوا في أعماق البحار، وأعطوا البدن كل ما يشتهيه، وبقيت الروح في أعماقهم تصرخ، تبحث عن غذائها ودوائها، وهنا وقف الغرب أمام الروح وقفة العاجز، لماذا؟ لأن الروح لا توزن بالجرام، ولا تقاس بالترمومتر، ولا تخضع لبوتقة التجارب في معامل الكيمياء والفيزياء، فوقف الغربي حائراً عاجزاً.

    إن المتابع للإحصائيات الأخيرة سيعجب عجباً حينما يرى هذا الانتشار السريع لعيادات الطب النفسي، ولحالات الانتحار الجماعي؛ لأن الإنسان بدن وروح، ولا يمكن لطائر جبار أن يحلق في أجواء الفضاء بجناح واحد لمدة طويلة، فإن طار وإن طالت مدة طيرانه سيسقط حتماً لينكسر جناحه الآخر، وهنا يقول الحق جل وعلا عند الروح: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً [الإسراء:85] فالإنسان جسد وروح، ومحالٌ أن يجد الإنسان غذاء هذه الروح إلا في منهج الخالق جل جلاله، قال سبحانه: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14].

    كنت ألقي محاضرة في المركز الإسلامي في لوس أنجلوس ، ودخل عليّ أمريكي مع أخوين مسلمين، وقطعا الأخوان محاضرتي وقالا لي: نريد أن تنطق هذا الأمريكي الشهادتين.

    قلت: الحمد لله، تقدم يا أخي، وقبل أن ينطق الشهادتين، قلت له: لماذا أتيت مسلماً وأنت ترى واقع المسلمين لا يسر عدواً ولا حبيباً.

    رد عليّ الأمريكي وقال: يا أخي أنا رجل ثري، أملك الشركات والأموال الطائلة، ومع ذلك يقول: فكرت في الانتحار أكثر من عشر مرات، يريد أن يتخلص من الحياة، لا يشعر للحياة بلذة ولا بذوق ولا بطعم، يقول: وعندي هذا الأخ، وأشار إلى موظف مع الأخوين اللذين جاءا معه، هذا الأخ الموظف عندي في إحدى شركاتي، ما من مرة أدخل عليه إلا وأراه مبتسماً نشيطاً في عمله، أميناً في عمله، صادقاً جاداً، فاقترب منه هذا الأمريكي وقال: يا أخي، ما من مرة أدخل عليك إلا وأرى السعادة تعلو وجهك، وأرى عليك الجد والنشاط والحيوية، وأنا صاحب هذه الشركة لا أشعر بما تشعر به، فرد عليه هذا الأخ الذي كان مثالاً للمسلمين، إذ أنني أعتقد من كثرة سفراتي إلى هذه البلاد أن المسلمين هم حجر العثرة في طريق التزام هؤلاء بالإسلام؛ لأن الأمريكي أو الغربي ينظر إلى كثير من المسلمين فيراهم قد انحرفوا عن منهج رب العالمين، هذا يشرب الخمر، وهذا يبيع الخنزير في محله، وهذا يعاقر الزنا، يقول: فما الفرق بيني وبينه؟!

    إذاً: لو كان المسلم مثالاً حقيقياً لهذا الدين بأخلاقه وسلوكه؛ لتغيرت هذه الصورة المقززة، التي نقلت إلى الغرب والشرق عن الإسلام والملتزمين المسلمين.

    يقول: فرد عليَّ هذا الأخ المسلم وقال لي: الحمد لله أنا أشعر بالسعادة؛ لأنني مسلم.

    قال: وما معنى ذلك؟ وهل المسلم يشعر دوماً بالسعادة؟

    قال: نعم؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم علمنا حديثاً صحيحاً في صحيح مسلم من حديث أبي يحيى صهيب يقول: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له, وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له).

    فرد الأمريكي وقال: فهل لو دخلت الدين الذي أنت عليه سأشعر بالسعادة التي تشعر بها؟ قال: نعم.

    قال: أدخلني، دلني، فأمره بالاغتسال، فاغتسل وجاء به إلى المركز الإسلامي؛ ليعلن الشهادة، ووالله يا إخوة، ما إن وقف الأمريكي ليردد خلفي كلمة الإيمان والتوحيد إلا وبكى بكاءً هستيرياً طويلاً، فأراد الإخوة أن يسكتوه، فقلت لهم: دعوه، فلما أنهى بكاءه وجلس قلت له: لماذا بكيت؟

    فقال لي: أشعر الآن بشيء من الفرح في صدري ما شعرت به قبل ذلك.

    قلت: صدق ربي إذ يقول: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه:123-124] إنها نعمة شرح الصدر والهداية، لا يتذوق طعمها إلا من ذاقه وعرفه.

    قالوا لنا الغرب، قلت: صناعة     وسياحة ومظاهر تغرينا

    لكنه خاوٍ من الإيمان لا     يرعى ضعيفاً أو يسر حزينا

    الغرب مقبرة المبادئ كلما     رفعت يداً أبدى لها السكينا

    الغرب يكفر بالسلام وإنما     بسلامه الموهوم يستهوينا

    الغرب يحمل خنجراً ورصاصة     فعلام يحمل قومنا الزيتونا

    كفر وإسلام فأنى يلتقي     هذا بذلك أيها اللاهونا

    1.   

    سعادة العالم بين الوهم والحقيقة

    أيها المسلم! اعلم بأن السعادة الحقيقية تكمن في دين الله جل وعلا وامتثال منهجه.

    إن العالم كله محروم من السعادة بلا نزاع وجدال، على الرغم من كثرة الأموال والبنوك والأسواق.

    وعلى الرغم من كثرة المخترعات في جانب الأمن فإن العالم محروم من نعمة الأمن والأمان، ومحروم من نعمة السعادة!

    لماذا؟

    لأنه انحرف عن منهج الله جل وعلا، وابتعد عن منهجه، ولا سعادة لمخلوق على ظهر هذه الأرض إلا إذا سمع عن الله فامتثل، واستجاب لأمر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

    ولا تقل لي: أين النموذج؟

    أقول لك: ما وجد هذا النموذج الذي يحول الإسلام في واقع الناس إلى منهج حياة، وإلى واقع عملي، فمن الظلم إذاً أن نحكم على منهج الله ودين الله بأنه ما حقق السعادة للناس على أرض الواقع؛ لأنه ما قدم إلى الآن هذا المنهج بالصورة التي ارتضاها الله جل وعلا أو رسوله صلى الله عليه وسلم.

    وهاهو المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، يوم أن حول أصحابه هذا الدين إلى واقع عملي ومنهج حياة، تحولوا من رعاة للإبل والغنم إلى سادة وقادة للدول والأمم، فلا سعادة إلا إذا عادت البشرية إلى الله، بعد أن أحرقها لفح الهاجرة القاتل، وأرهقها طول المشي في التيه والظلام، فإن البشرية كلها من خلق الله، ولن تعالج فطرتها وأمراضها إلا بدواء يقدم لها من عند الله، وهذا الدواء هو كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فهيا أيها المسلم! قم وضم العالم كله إلى صدرك، وأسمعه خفقات قلبك الذي وحد الله جل وعلا، هيا قم ودثر العالم كله ببردتك ذات العبق المحمدي، بيّن للدنيا عزة وعظمة وأخلاق هذا الدين، والله أسأل أن يجعلنا وإياكم خير دعاة بأقوالنا وأخلاقنا وسلوكنا ورحمتنا وتواضعنا وبذلنا لهذا الدين، فإن أعظم خدمة نقدمها اليوم أيها المسلمون لهذا الدين العظيم هي: أن نشهد له شهادة عملية على أرض الواقع، بعدما شهدنا له جميعاً شهادة قولية؛ لأننا نرى انفصاماً رهيباً بين هذا المنهج المنير، وبين هذا الواقع المر المرير.

    والله أسأل أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

    1.   

    هذا هو طريق السعادة

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    أيها الأحبة الكرام وأخيراً: هذا هو طريق السعادة:

    الإيمان والعقيدة هما الأصل في إيجاد السعادة

    لخص الله هذا الطريق في آيات محكمة لمن أراد السعادة في الدنيا والآخرة، قال جل جلاله: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] إيمان بالله جل وعلا، وعمل صالح، واستقامة على هذا الدرب حتى تلقى الله مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النحل:97] إذ أن الإيمان والعقيدة هما الأصل، ولا تصدق أبداً أن الأمة الآن أصبحت في غنىً عن العقيدة، أو في غنىً عن دعاة يركزون على العقيدة والتوحيد، فإن التوحيد هو اللبنة الأولى إن أرادت هذه الأمة أن يعاد إليها عزها ومجدها المسلوب.

    فالإسلام عقيدة تنبثق منها شريعة تنظم هذه الشريعة كل شئون الحياة، ولا يقبل الله من قوم شريعتهم إلا إذا صحت عقيدتهم، يخرج علينا من يقول: لا تكثروا الدندنة حول الإيمان أو التوحيد؛ لأن النبي بدأ بالتوحيد، إذ أنه بدأ في بيئة شركية، فلا داعي للإكثار من الحديث عن التوحيد والإيمان وأركانه وأبوابه.

    أقول: إن الأمة اليوم في أمس الحاجة إلى التوحيد، بل لقد قال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا [النساء:136] فقد أثبت لهم عقد الإيمان ابتداءً؛ ومع ذلك يأمرهم بالإيمان؛ ليظل الإيمان عقيدة حية في قلوبهم، وراسخة في ضمائرهم، وعاملة في حياتهم وواقعهم، فلا بد أيها الحبيب من تأصيل الإيمان وتحقيقه وتجريده وتخليصه من أي شائبة من شوائب الشرك، فالأمة لا زالت الملايين المملينة فيها تسأل غير الله، وتستغيث بغير الله، ونحَّت شريعة الله جل وعلا، في كل عام في مصر وفي غيرها يحج إلى بعض القبور الملايين من البشر، وسمعنا بآذاننا عبر شاشات التلفاز من يقول: إننا الليلة نحتفل بمولد السيد البدوي المهاب، الذي إذا دعي في البر والبحر أجاب، وسمعنا من يخاطب النبي المصطفى ويقول:

    يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به     سواك عند حلول الحادث العمم

    ومن فيض جودك الدنيا وضرتها     ومن علومك علم اللوح والقلم

    وسمعنا من أبناء الأمة من يقول:

    هبوا لي ديناً يجعل العرب أمـة     وسيروا بجثماني على دين برهم

    سلام على كفر يوحد بيننا     وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم

    وسمعنا من أبناء الأمة من يقول: إن مصر ستظل فرعونية، ولو وقف الإسلام حجر عثرة في طريق فرعونيتنا لنحينا الإسلام جانباً لتظل مصر فرعونية.

    وسمعنا من أبناء الأمة من يقول: إن القرآن منتج ثقافي.

    وسمعنا من يقول:

    آمنت بالبعث رباً لا شريك له     وبالعروبة ديناً ما له ثانِ

    ويخرج من يقول: كفوا عن التوحيد، أين التوحيد في هذه الأمة؟ ليكف الدعاة عن التركيز على التوحيد والإيمان؛ لتحقيقه وتجريده، فوالله لا عز ولا نجاة لهذه الأمة إلا إذا حققت الإيمان بالله جل وعلا ابتداءً: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النحل:97].

    التقرب إلى الله سبب السعادة في الدنيا والآخرة

    صمنا رمضانات كثيرة، ومع ذلك لو سألنا أنفسنا -إلا من رحم الله- هل خرجنا بالتقوى من رمضانات كثيرة صمناها؟ لكان الجواب: لا. إلا من رحم الله، لماذا؟ لأننا دخلنا رمضان مدرسة الصوم بغير الشرط الذي به سنحصل التقوى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] لن تخرج من رمضان بالتقوى إلا إذا دخلت رمضان بالإيمان، إن لم تحقق الإيمان فلن تخرج بالتقوى، كم من المسلمين يذهب إلى حج بيت الله الحرام، وعلى عرفات ، ورب الكعبة لقد رأيت بعيني على عرفات، من جلس بلباس الإحرام ليلعب (الورق)، فكاد قلبي أن ينخلع، فقلت: يا أخي في هذا اليوم العظيم تقضي هذا الوقت في مثل هذا؟ فقال: إن اليوم طويل، وأنا أريد أن أقضي بعض الساعات في اللعب حتى لا أشعر بالملل، هذا في عرفات ، لا يشعر بلذة ولا بعظمة هذا اليوم؛ لأنه ما حقق الإيمان، فلن تخرج بتقوى، ولن تستطيع أن تغض بصرك، وأن تكف عن الحرام، وتمتنع عن الربا، وتفعل شيئاً على الإطلاق إلا إذا حققت الإيمان ابتداءً بالله جل وعلا.

    مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97] حياة سعيدة كريمة، سينشرح صدرك، وييسر الله جل وعلا أمرك، وستشعر بالراحة والطمأنينة وأنت في رحاب الله، وفي قرب من الله جل وعلا، إن أتيت الصلاة، أو قمت الليل، أو أكلت لقمة شعرت باللذة والسعادة، فحقق الإيمان واحرص على العمل الصالح؛ وستسعد بهذه الدنيا، بل وستدخل جنة الدنيا قبل جنة الآخرة، فإن في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة، إنها جنة القرب من الله، وجنة الطاعة لله، وجنة اللذة بالأنس مع الله جل جلاله، فاحرص على الإيمان والعمل الصالح؛ لتشعر بالسعادة في هذه الدنيا قبل الآخرة.

    يحدثني أستاذ جامعي في المنصورة في مصر ابتلاه الله بمرض في القلب، فسافر إلى بريطانيا لإجراء جراحة عاجلة، فلما قرر الأطباء الجراحة وظن أنه ربما يموت، قال: أمهلوني ثلاثة أيام لأرجع إلى أهلي لألقي عليهم نظرة أخيرة، ولأرتب بعض الأمور، فإن قدر الله عليَّ الوفاة أكون مطمئناً، فعاد الرجل وقبل أن يسافر بيوم إلى بريطانيا مرة أخرى لإجراء الجراحة، كان يجلس إلى جوار صديق له في مكتب إلى جوار جزار؛ -أي: رجل يبيع اللحم- ولفت نظره امرأة كبيرة تلتقط العظم وبعض قطع اللحم النيئ من الأرض وتضعه في سلة معها، فتعجب الرجل وخرج ونادى على هذه الأم الكبيرة، وقال: ما تصنعين يا أماه؟

    قالت: والله يا بني لقد رزقني الله خمساً من البنات، ما ذاقوا طعم اللحم منذ عام تقريباً، فأنا أجمع لهم بعض هذه القطع.

    فبكى الرجل وتأثر ودخل على هذا الرجل وقال: يا أخي هذه المرأة ستأتيك في كل أسبوع وأعطها من اللحم ما تريد.

    قالت: لا، أريد كيلو فقط.

    قال: بل أعطها اثنين، وأخرج من جيبه مباشرة قيمة لحم لعام كامل مقدماً، فبكت المرأة ولم تصدق، ورفعت يديها تتضرع بالدعاء إلى الله جل وعلا أن يسعد هذا الرجل وهو صاحب القلب المريض.

    يقول لي: والله ما إن عدت إلى بيتي إلا وأنا أشعر بهمة ونشاط، حتى لو كلفوني بهدم بيت لفعلت ذلك.

    يقول: فلما دخلت قابلتني ابنتي وقالت: ما شاء الله يا أبي أرى اليوم حركتك ونشاطك وجدك زاد، ما هذا؟ أرى وجهك يتهلل، فقص عليها القصة فبكت البنت، وكانت صالحة ورفعت يديها إلى السماء لتدعو الله جل وعلا وتقول: أسأل الله أن يسعدك بشفاء مرضك، كما أسعدت هذه المرأة وأولادها.

    واستجاب الملك، وسافر الرجل بعد إصرار من أهله وهو الذي شَعُر بالتحسن الكامل، وأمام أطبائه في بريطانيا صرخ طبيبه الذي يعلم حالته وقال: ما هذا؟

    فنظر إليه وقال: ما الذي حدث؟ قال: من الذي بذل لك العلاج بهذه الصورة؟ وعند أي الأطباء قد تعالجت وطلبت العلاج؟

    فبكى الرجل بين يديه وقال: تاجرت مع الله فشفاني الله جل وعلا، بين غمضة عين وانتباهتها.

    فاعلم أن الله على كل شيء قدير، وأنك ستسعد في الدنيا والآخرة؛ إن قربت من الله وعرفت طريقه، وحققت الإيمان به، وسرت على درب الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    هذا هو طريق السعادة يا شباب! هذا هو طريق السعادة يا أصحاب الأموال والمناصب! لن تشعروا بالسعادة في الدنيا والآخرة إلا إذا سلكتم هذا الدرب: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32]، لتسعد بعد ذلك إن سلكت هذا الدرب سعادة حقيقية أبدية لا تشقى بعدها أبداً في جنات النعيم، فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55]، وقال تعالى: يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود:105-108] هذه هي السعادة، إنها دار السعادة، ولن تدخل دار السعادة إلا إذا دخلتها في الدنيا، فحققت الإيمان، وسرت على درب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    سعادة أهل الجنة ونعيمهم

    أيها الحبيب الكريم! روى مسلم في صحيحه من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله تعالى: يا أهل الجنة هل رضيتم؟ فيقول أهل الجنة: وما لنا لا نرضى وقد أدخلتنا الجنة، وأنجيتنا من النار، فيقول الله جل وعلا: أفلا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقول أهل الجنة: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول الله جل وعلا: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً).

    أيها الأخيار! إن نعيم الجنة الحقيقي ليس في لبنها، ولا خمرها، ولا ذهبها، ولا قصورها، ولا حريرها، ولا حورها، وإنما نعيم الجنة الحقيقي في رؤية وجه ربها، قال جل جلاله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23] قال تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26] والحسنى: هي الجنة، والزيادة: هي أن تتمتع بالنظر إلى وجه الله في جنات النعيم.

    أيها الحبيب الكريم! هذا هو طريق السعادة، فداوم على هذا الدرب، واحرص عليه، واحرص على السير على طريق محمد بن عبد الله، فوالله ثم والله لن تشعر في دنياك بالسعادة ولا بنجاة وفوز وفلاح في أُخراك، إلا إذا سلكت هذا الدرب وهذا الطريق.

    والله أسأل أن ييسر لي ولكم هذا الدرب، وأن يثبتنا وإياكم عليه.

    اللهم اجعلنا من أهل السعادة في الدنيا والآخرة، اللهم يسرنا بفضلك لليسرى، اللهم ارزقنا التقى والعفاف والغنى.

    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756384963