بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى.
أما بعد:
إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ومرحباً بكم في هذه الحلقة التي أبدأ فيها بالإجابة عن أسئلة إخوتي وأخواتي مما ورد كتابة.
السؤال: لا يجوز تأخير الصلاة إلا لعذر شرعي، ما هي تلك الأعذار؟
الجواب: من الأعذار الشرعية: النوم عن الصلاة، فلو أن إنساناً غلبته عيناه فنام وما استطاع أن يقوم فإنه معذور، وبمجرد أن يستيقظ فإنه يقضي تلك الصلاة، فالنبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه لما كانوا في غزوة من الغزوات ونزلوا منزلاً قبل الفجر كلفوا بلالاً رضي الله عنه أن يحفظ لهم الفجر، لكنَّ بلالاً غلبته عيناه فنام، وما أيقظهم إلا حر الشمس، فالنبي عليه الصلاة والسلام أمرهم بأن يرتحلوا عن ذلك المكان، ثم توضئوا وأمر بلالاً فأقام الصلاة، ثم صلى النبي بهم صلوات ربي وسلامه عليه بهم الصبح قضاءً.
ومن الأعذار كذلك: النسيان، فلو أن إنساناً نسي صلاة وسها عنها ثم بعد ذلك تذكرها فإنه يقضيها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ).
ومن ذلك أيضاً: إذا احتلم الصبي، يعني: لو كان الصبي لم يبلغ الحلم ثم بلغ في آخر الوقت فإنه يؤدي تلك الصلاة، ولا إثم عليه، مثلاً: لو أنه بلغ قبيل غروب الشمس فإنه يغتسل ويصلي العصر، وليس عليه إثم، يعني: لا يشمله الحديث: ( تلك صلاة المنافق ينتظر حتى إذا كانت الشمس بين قرني شيطان، قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً ).
ومن ذلك أيضاً: المجنون إذا أفاق، فلو أن إنساناً أصابه جنون، وبقي في ذلك حيناً من الدهر، ثم أفاق مثلاً قبيل غروب الشمس فإنه يصلي الظهر والعصر، أو أفاق قبل طلوع الفجر بما يسع أربع ركعات، فإنه يصلي المغرب والعشاء، وإذا أفاق قبل غروب الشمس بمقدار ما يسع خمس ركعات فإنه يصلي الظهر والعصر.
وكذلك المرأة الحائض والنفساء إذا طهرت في وقت متأخر، فإنها تغتسل وتصلي وليس عليها إثم. هذه جملة الأعذار التي لا يؤاخذ بها المرء إذا أخر الصلاة.
أما إنسان يتعمد أن ينام إلى قبيل طلوع الشمس، أو إلى أن تطلع الشمس، أو ينام إلى قبيل الغروب، أو إلى أن تغرب الشمس، فهذا الإنسان يشمله الوعيد الوارد في قول ربنا: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5].
السؤال: أحب شيوخاً لأسلوبهم، وأحب التواصل معهم فهل علي إثم؟
الجواب: إذا كان التواصل لطلب علم، أو لجواب عن سؤال فليس هناك إثم إن شاء الله.
السؤال: ما حكم سماع القرآن للجنب؟
الجواب: لا حرج في ذلك، وقد اتفق أهل العلم على جواز ذلك، فلا حرج في أن يسمع الجنب القرآن، وكذلك الحائض تسمع القرآن، وقد ثبت في الصحيح (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتكئ في حجر أمنا عائشة فيرتل القرآن وهي حائض)، يعني: عائشة رضي الله عنها تكون حائضاً، والنبي عليه الصلاة والسلام يرتل القرآن وهي تسمع.
السؤال: هل يجوز لي أن أختم المصحف قراءة ثم أعاود قراءته من جديد، ثم أختمه ثم أبدؤه، وهل فيه إثم؟
الجواب: سبحان الله! بل هذا هو الأجر العظيم والثواب الكبير، (وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة للحال المرتحل)، والحال المرتحل: الذي كلما ختم بدأ، يعني: كلما وصل إلى سورة الناس بدأ سورة الفاتحة، وهو ممن يدخلون في قول ربنا: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ [البقرة:121] ، وفي قول ربنا: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ [فاطر:29]، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها حلو )، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ( أهل القرآن هم أهل الله وخاصته )، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف ).
السؤال: طلقني زوجي نية ليس لفظاً، وأنا أقضي شهور العدة عند أهلي، كيف العدة؟
الجواب: كيف طلقك نية ليس لفظاً؟ وإذا كان نية فكيف عرفتِ أنه طلقك؟ النية محلها القلب، والطلاق لا يعتد به إلا إذا تلفظ به إما صراحة، وإما كناية وأقر على نفسه بأنه يقصد طلاقاً، أما من نوى طلاقاً فلا يعد هذا طلاقاً، فكثير من الناس يحصل بينه وبين زوجه خلاف أو ترغب نفسه عنها، فينوي أن يطلق ثم يصرفه الله عن تلك النية، فلذلك مجرد النية وحديث النفس لا يعد طلاقاً، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( إن الله عفا عن أمتي عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم أو تفعل ).
فلو أن الزوج طلق لفظاً أو كتابة، فيجب على الزوجة أن تلزم بيت الزوجية إذا كان الطلاق طلاقاً رجعياً، يعني: إذا كانت طلقة أولى أو ثانية على غير عوض، فإنها تلزم بيت الزوجية؛ لقول الله عز وجل: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [الطلاق:1]، وخلال تلك العدة للزوج أن يراجعها؛ لقول الله عز وجل: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ أي: في العدة إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً [البقرة:228].
المتصل: الله يبارك فيك يا شيخ! معك حسان ولدي ثلاثة أسئلة أرجو الإجابة عليها:
السؤال الأول: توفي والدي بعد رمضان مباشرة، فأصبح عليه قضاء شهر رمضان، ونحن أولاده مجموعة يصلون إلى العشرة من بنين وبنات، فهل يمكن أن نتقاسم صيام الشهر نيابة عن والدنا؟ وإذا كان يمكن ذلك فهناك اثنان من الإخوة مريضان هل يطعمون بدلاً عن نصيبهم من الصوم؟
السؤال الثاني: هل دعاء الزوجة لزوجها المتوفى يصله أم أن ذلك مقيد بالولد الصالح كما في الحديث: ( إذا مات المسلم انقطع عمله إلا من ثلاث وذكر منها: أو ولد صالح يدعو له )؟
السؤال الثالث: الشواهد التي توضع للقبور هل هي حلال أم حرام؟
الشيخ: إن شاء الله أجيبك عن أسئلتك.
المتصل: يا شيخ! معك محمد عز الدين ولدي ثلاثة أسئلة أرجو الإجابة عليها:
السؤال الأول: أنا أسافر سنوياً إلى السعودية في موسم الحج لخدمة الحجاج هناك عن طريق النقل الجماعي، وعندما نصل إلى عرفات آخذ إحرامي وأحرم من هناك، فبعضهم يقول لي: أنت لم تأت بنية الحج، فهل حجي صحيح أم لا؟ مع العلم أني على هذه الحال لأربع سنوات.
السؤال الثاني: أنا أحياناً أصلي بزوجتي وأطفالي في البيت جماعة، فهل أحصل على أجر الجماعة الذي يفوق صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة؟
السؤال الثالث: أحياناً أقوم بتربية لحيتي ثم أحلقها، فهل عليّ إثم؟
الشيخ: إن شاء الله أجيبك عن أسئلتك.
المتصل: يا شيخ بارك الله فيك! أنا اسمي أشرف أحمد عثمان، توفي والدي وأخي، وأنا كنت أعيش في مصر منذ خمس وثلاثين سنة، وأريد الآن أن أتزوج، وأمي متعبة قليلاً، فما الحل رأيكم؟
الشيخ: إن شاء الله أجيبك عن سؤالك.
الشيخ: أخونا حسان من القضارف يذكر بأن والده رحمة الله عليه توفي وعليه شهر رمضان فما الحكم؟
نقول: إذا كان الوالد قد مرض في شهر رمضان ثم توفي قبل أن يتمكن من القضاء فليس عليه شيء؛ لكن لو أطعمتم فهو خير، بمعنى: نطعم عن كل يوم مسكيناً نفدي عنه، ولا حرج في أن نتقاسم هذا الإطعام، بمعنى: لو كان عنده ستة أولاد، فكل واحد يطعم خمسة مساكين، ولو كان عنده مثلاً ثلاثة أولاد، فكل واحد يطعم عشرة مساكين، فلا مانع من هذا. ومثله أيضاً يجوز الصيام، للحديث الوارد: ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ). وأيضاً لا مانع من أن يوزع الصيام سواء كان على أولاده أو على غيرهم، يعني: لو لم يصم عنه وليه وصام غيره أجزأ؛ لأن العلماء رحمهم الله قالوا: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( صام عنه وليه ) ليس مقصوداً به حصر القضاء في الولي، بل لو صام عنه غير الولي أجزأه.
والإطعام أفضل من الصيام؛ لأن الإطعام نفعه يتعدى للمساكين، فيا حسان يمكنكم أن تطعموا عن كل يوم مسكيناً؛ لكل مسكين سبعمائة وخمسون جراماً من طعام، يعني: من تمر أو من قمح، ولو أنكم صنعتم طعاماً من خبز ومعه إدام أو ملاح وما أشبه ذلك مما جرت العادة بأكله فإنها تبرأ ذمة الوالد إن شاء الله بذلك ولكم أجر البر.
الشيخ: دعاء الزوجة لزوجها المتوفى يصل إليه وينتفع به، وليس المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث.. إلى أن قال: أو ولد صالح يدعو له )، ليس المقصود بأن انتفاع الميت محصور في دعاء الولد الصالح، بل لو دعا مسلم لمسلم فإن هذا الدعاء ينفعه، ويدل على ذلك أن ربنا جل جلاله علمنا أن ندعو للسابقين الأولين، قال ربنا جل جلاله: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10]، ويدل على ذلك أن نبينا صلى الله عليه وسلم أوصانا بالصلاة على الجنازة، وأن نخلص في الدعاء للميت، وكان من دعائه صلوات ربي وسلامه عليه: ( اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، إنك تعلم منقلبنا ومثوانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان )، وكان من دعائه كما ثبت من حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه: ( اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وقه فتنة القبر وعذاب النار.. حتى قال عوف بن مالك : تمنيت أني ذلك الميت ).
وأيضاً قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( دعاء المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجاب، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل: آمين ولك مثل )، فقوله عليه الصلاة والسلام: (لأخيه) يشمل الحي والميت، ودعاء الزوجة لزوجها والزوج لزوجته مستجاب إن شاء الله.
الشيخ: الشواهد على القبور أيضاً لا حرج فيها إذا قصد بها تعليم القبر ومعرفته؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما دفن أبا السائب عثمان بن مظعون الجمحي رضي الله عنه، وكان أول من مات من المهاجرين في المدينة، ودفن في بقيع الغرقد، فإن النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن دفنه وضع على قبره حجراً، وقال: (علامة أعرف بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهله).
لكن هذه الشواهد لا يكتب عليها، يعني: لا نكتب على الشاهد يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً [الفجر:27-28]، وهذا قبر المرحوم فلان بن فلان، توفي في يوم كذا، وغير ذلك مما يكتبه الناس، فهذا لا ينبغي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكتابة على القبور.
السؤال: أخونا محمد عز الدين يذكر بأنه يذهب إلى البقاع المقدسة في كل عام لخدمة الحجاج في النقل الجماعي، ثم بعد ذلك يحمل معه إحرامه فيحرم من عرفات، فما الحكم؟
الجواب: يا محمد بارك الله فيك! إذا كنت ناوياً النسك منذ دخولك مكة، فتدخل مكة معتمراً، يعني: تدخل مكة تنوي التمتع، فتعتمر ثم تتحلل من ثيابك، فإذا كان يوم عرفة تحرم من أي مكان من عرفة أو من غيرها، وتباشر مناسك الحج، وحجك صحيح، وليس عليك شيء إن شاء الله.
أما إذا كنت ناوياً الحج فأخرت الإحرام إلى عرفة ولست متمتعاً فإنه يلزمك دم؛ لأنك تجاوزت الميقات من غير إحرام، وتركت بذلك نسكاً، ومن ترك نسكاً فعليه دم.
السؤال: أخونا محمد عز الدين ذكر أنه أحياناً يؤم زوجته وأطفاله في البيت، فهل له أجر الجماعة؟
الجواب: إن شاء الله أن لك أجر الجماعة، لكن يا محمد لو أنك أممت الزوجة والعيال، وأنا أممت الزوجة والعيال، وذاك أمَّ الزوجة والعيال، فمن للمساجد؟ يعني: لن يذهب إليها إلا العزاب، ولا يصلح ذلك، والله عز وجل أمرنا معشر الرجال أن نسعى إلى بيوت الله عز وجل، قال: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور:36-37].
والنبي عليه الصلاة والسلام قال: ( من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر )، وقال عليه الصلاة والسلام للرجل لما استأذنه في أن يصلي في بيته: ( أتسمع النداء؟ قال: نعم. قال: فأجب )، ولذلك يا أخي! يمكن أن تصلي بالزوجة والعيال إذا كان هناك عذر، كما لو كنت مريضاً، أو شغلت عن الصلاة وما أدركت الجماعة لسبب ما، أو لأنك كنت متعباً مرهقاً، أو جئت من سفر أو تأخر نومك بالليل، أو أن يأتي الإنسان إلى البيت جائعاً قد عضه الجوع بنابه، فتقام صلاة العصر ولو ذهب إليها لما صلى خاشعاً، وإنما سيكون أغلب همه في الطعام، وما أعدت له الزوجة في البيت، ففي مثل هذه الحال خير له أن يأكل إلى أن يقضي من الطعام وطراً، ثم بعد ذلك يصلي بالزوجة والعيال.
فالمقصود يا محمد ألا تجعل هذه عادة لك؛ أن تصلي دائماً بالزوجة والعيال، لكن أحياناً لا بأس.
الشيخ: بالنسبة للحية لا ينبغي لك أن تحلقها يا أخي؛ لأن نبينا عليه الصلاة والسلام وهو القدوة والأسوة كان كث اللحية، تملأ لحيته صدره عليه الصلاة والسلام، والله عز وجل يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، ونبينا عليه الصلاة والسلام أمرنا بتوفيرها وإعفائها وإكرامها، ونهانا صلى الله عليه وسلم عن حلقها، ( فإنه لما رأى رجلين من المجوس قد حلقا لحاهما، ووفرا شواربهما قال: من أمركما بهذا؟ قالا: ربنا -يعنون كسرى- فقال عليه الصلاة والسلام: لكن ربي أمرني بغير هذا، أمرني بأن أحف شاربي وأوفر لحيتي ).
الشيخ: أخونا أشرف يقول: إنه يريد أن يتزوج؛ لكن الوالدة كأنها تعارضه فما الحل؟
أقول: يا أخي! إذا كانت الوالدة تعارضك في شخص من اخترتها فخير لك أن تطيعها وأن تبرها، أما إذا كانت تعارض في مبدأ الزواج أصلاً فلا ينبغي لها ذلك؛ لأن الزواج حاجة فطرية، والله عز وجل قال: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذاريات:49]، وقال: سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ [يس:36]، وقال: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً [النحل:72]، وقال: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً [الروم:21]، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: ( النكاح من سنتي )، فينبغي لك أن تذكر الوالدة بهذه النصوص، فإن لم تكن تحسن فتستعين عليها بمن يذكرها من أخوالك وخالاتك، وأعمامك وعماتك، والجيران والإمام الذي في حيكم أو في بلدكم، وهي ستقتنع إن شاء الله ما دامت مسلمة موحدة، وأنا أسأل الله أن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرزقك الزوجة الصالحة التي تقر بها عينك.
المتصل: يا شيخ! ما هو ضابط الريح الناقض للوضوء؟ هل هو الذي يخرج بصوت أو الذي تشعر به وإن لم تجد رائحة؟ مع العلم يا شيخ! أني قبل ثلاثة أشهر حصل لي انتفاخ في البطن، وبسبب هذا الانتفاخ كنت أخرج الريح باستمرار، مما اضطرني إلى الوضوء ست مرات في الوقت الواحد، وقد عرضت نفسي على طبيب فأعطاني دواء، لكن ما زالت تلك الحال موجودة، فأرجو توجيهي.
الشيخ: إن شاء الله أجيبك.
المتصل: يا شيخ بارك الله فيك! استدنت مبلغاً من المال من بعض الناس، واشتريت سيارة من خارج السودان بإجراءات قانونية باسم زوجتي، فأنا اشتريتها من زوجتي عن طريق البنك، يعني: البنك اشتراها من زوجتي وباعها لي، فأنا أخذت المال من زوجتي وسددت الدين الذي كان علي، فما حكم هذه المعاملة؟
الشيخ: إن شاء الله أجيبك.
المتصل: يا شيخ بارك الله فيك! نحن نعمل في مجال الذهب، فنذهب إلى الخلاء -الصحاري- فنأتي بتراب فيه ذهب، ثم نغربل هذا التراب لاستخلاص الذهب، ويبقى بعض التبر والشوائب من الذهب في التراب، وهذا يسمونه: الكرتة، فما حكم بيعه وشرائه؟
الشيخ: إن شاء الله أجيبك عن سؤالك.
المتصل: يا شيخ بارك الله فيك! أرجو منك أن تجيب على السؤالين الآتيين:
السؤال الأول: هناك حديث يقول: ( من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معاً فعليه بالعلم )، فنريد أن نعرف كلمة العلم ما المقصود بها، هل هي العلم الشرعي أم علم آخر غير العلم الشرعي؟
السؤال الثاني: نريد أن نعرف فضل صلاة الضحى؟
الشيخ: إن شاء الله أجيبك عن سؤاليك.
السؤال: أخونا أبو مهجة من السعودية -أسأل الله أن يعافيه ويشفيه وأن يصرف عنه كل سوء- سأل عن الريح الذي يبطل الوضوء، وسأل بأنه قد أصيب بانتفاخ في البطن واضطراب في جهازه الهضمي، فجعله يتوضأ للوقت الواحد ربما ست مرات، يعني: يتوضأ، ثم ينتقض وضوءه، ثم يتوضأ ثم ينتقض وضوءه وهكذا، وأنه راجع الطبيب فأعطاه أدوية، لكن الحال لا تزال مستمرة، فما الحل؟
الجواب: الريح من مبطلات الوضوء؛ لأنه حدث، والأحداث المبطلة للوضوء هي: الريح، والغائط، والبول، والمذي، والودي، ودم الاستحاضة. لكن بالنسبة لك يا أبا مهجة ! عافاك الله وشفاك أنت مصاب بما يسميه علماؤنا بانفلات الريح، يعني: الريح ينفلت منك لا إرادياً، وحكمك: أن تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، يعني: لا تصلِ فرضين بوضوء واحد، وإنما تتوضأ للظهر ثم إذا دخل وقت العصر تتوضأ وضوءاً آخر، فإذا دخل وقت المغرب تتوضأ وضوءاً آخر، فإذا دخل وقت العشاء تتوضأ وضوءاً آخر، فإذا دخل وقت الصبح تتوضأ وضوءاً آخر، وبعد وضوئك لو خرج منك ريح فلا يضرك، ولا يترتب عليك شيء؛ لأن هذه حالة مرضية، والله عز وجل قضى في كتابه أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها، وقضى في كتابه بأن هذا الدين يسر، قال الله عز وجل في ختام آية الوضوء: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:6]، وقال في الصيام: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ [البقرة:185]، وقال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا [الطلاق:7]، وقال: لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:233]، وقال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286]، وقال: لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [الأنعام:152]، فهذه كلها نصوص من القرآن، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: ( إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه )، ولذلك علماؤنا أخذوا من ذلك قاعدة: أن المشقة تجلب التيسير، وأن الأمر إذا ضاق اتسع.
ولذلك أقول لك: ليس مطلوباً منك أن تكرر الوضوء خمس مرات أو ستاً، بل ولا مرتين، وإنما كل صلاة تتوضأ لها مرة واحدة، لكن بعد دخول وقتها، فلا ينفع أن تتوضأ للفجر قبل وقته، ولا ينفع أن تتوضأ من الساعة الحادية عشرة صباحاً لصلاة الظهر، وإنما تتوضأ بعد أن تسمع الأذان ويدخل الوقت، وبعد ذلك تذهب إلى المسجد، وإذا كان عندك عذر فإنك تصلي في البيت حتى لو خرج منك شيء فلا يضرك، سواء خرج قبل الصلاة أو في أثنائها.
السؤال: أخونا عبد الله من المعمورة ذكر بأنه قد اشترى سيارة، يعني: استوردها من خارج السودان، وهذه السيارة قد سجلها باسم زوجته من أجل أن يدخل في مرابحة بنكية، بمعنى: أن البنك يقوم بشرائها من الزوجة ثم بعد ذلك يبيعها على عبد الله مالك السيارة الأصلي، ثم بعد ذلك المبلغ الذي دفعه البنك لزوجته باعتبارها المالكة للسيارة يأخذ هذا المال ويستفيد منه في عمل آخر يريده؟
الجواب: يا عبد الله ! أصلاً بيع المرابحة للآمر بالشراء كما لا يخفى عليك بعض أهل العلم لا يجيزه ابتداءً باعتبار أنه تحايل؛ لأن المنصف يعلم بأن البنك ليس له غرض في السيارة، وإنما غرضه في أنه يعطيك مالاً ثم بعد ذلك يتقاضاه منك مالاً أكثر منه، لكن أكثر العلماء المعاصرين الآن يجيزون بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على شروطه الشرعية.
وهذا الذي فعلته هي حيلة في نهاية الأمر، والحيلة إذا لم تكن مفضية إلى محرم فإنها مباحة، يعني: مثلما قال الله عز وجل في حال يوسف: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [يوسف:76].
ولذلك علماؤنا قالوا: الحيل حرام إذا كانت تفضي إلى حرام، أما إذا كانت الحيلة مفضية إلى مباح فإنها مباحة، ومثلها أيضاً إذا كانت الحيلة مؤدية إلى القيام بواجب أو لدرء مفسدة فإنها في هذه الحال تكون واجبة.
وما أرى في هذه المعاملة أنها قد أدت إلى شيء محرم، إنما هي حيلة من أجل الوصول إلى المال عن طريق هذا البيع الذي أباحه أكثر العلماء المعاصرين.
الشيخ: أخونا محمد عبد الله من نهر النيل ذكر بأنهم يذهبون إلى الفيافي، ويذهبون إلى الخلاء من أجل أن يبحثوا عن الذهب، وقد بلغنا بأن بعض الناس ذهب للبحث عن الذهب فوجد شيئاً كثيراً وصار ذا مال بعد أن كان معدماً، وبعضهم ذهب فهلك، وهكذا سنة الله يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ [الرعد:26]، والتجارة قائمة على المخاطرة، يعني: الإنسان قد يخاطر بنفسه، كمن يركب البحر وكمن يسافر في الأماكن البعيدة وما إلى ذلك، وقد تؤدي إلى غناء وثراء، ونسأل الله أن يوسع على المسلمين أجمعين.
ثم يقول: إنهم يأتون بهذا التراب الذي فيه التبر ثم يغربلونه ويستخلصون الذهب، ويبقى بعد ذلك تراب فيه شوائب، يسمونها: الكرتة، وهذا التراب الذي فيه لا يخلو من ذهب، يقول: هل يجوز بيعه؟
فنقول: لا يجوز بيعه ولا شراؤه لوجود الغرر؛ لأنه لا يعرف كمية الذهب الموجودة فيه، ولربما يشتري الإنسان هذا التراب فلا يجد فيه شيئاً أصلاً، ومن شروط صحة البيع: أن يكون الثمن معلوماً والمثمن معلوماً، وقد ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغرر ).
والبيوع المحرمة في شريعتنا حرمت إما لعلة الغرر، وإما لعلة الربا، وإما لعلة الغش، أي: ما يكون فيها من غش وتدليس؛ ولذلك لا بد من الصدق والبيان.
فيا محمد أحسن الله إليك! لا تبيعوا الكرتة ولا تشتروا الكرتة، وإنما بيعوا ذهباً واضحاً معلوماً من أجل أن يقع بيعكم صحيحاً.
الشيخ: أخونا مازن من الصحافة يسأل عن حديث: ( من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معاً فعليه بالعلم ) فنقول: ليس هذا حديثاً مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو قول مأثور منسوب إلى أبي الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو سيد من سادات المسلمين، وعالم من كبار علماء هذه الأمة، وقد أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: ( وأقضاها علي )، يعني: أحسن قاضي في هذه الأمة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم علي رضي الله عنه.
مثلما أثنى على أبي بن كعب بأنه: ( أقرأ هذه الأمة )، وأثنى على معاذ بأنه: ( أعلم هذه الأمة بالحلال والحرام )، ومثلما أثنى على زيد بن ثابت في علمه بالفرائض رضي الله عن الجميع أثنى على علي في علمه بالقضاء؛ ولذلك كان عمر رضي الله عنه يقول: أعوذ بالله من قضية ليس لها أبو الحسن . فـعلي رضي الله عنه قال هذه الكلمة: من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معاً فعليه بالعلم.
والعلم إذا أطلق فأول ما يدخل فيه أشرف العلوم وأفضلها وأنفسها وأعظمها: العلم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو العلم، وهذه حقيقة العلم إذا أطلقت، ثم بعد ذلك تأتي العلوم النافعة جميعاً سواءً كانت علوماً تجريبية، أو كانت علوماً عقلية، أو كانت علوماً إنسانية، وهذه كلها داخلة في العلم الذي حثنا عليه الشرع؛ ولذلك مثلاً إمام كبير من أئمة المسلمين وهو أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله قال: ما أعلم بعد علم الكتاب والسنة أشرف من علم الطب، يعني: الإمام الشافعي يقول بعد علم الكتاب والسنة يأتي العلم بكيفية إصحاح البدن وتطبيب المرضى وما إلى ذلك.
وهذا المعنى قد أخذ به الإمام الألبيري رحمه الله حين أوصى ولده أبا بكر قال له:
أبا بكر دعوتك لو أجبتا إلى ما فيه حظك لو عقلتا
إلى علم تكون به إماماً مطاعاً إن أمرت وإن نهيتا
ويجلو ما بعينك من عشاها ويهديك الطريق إذا ضللتا
إلى آخر ما قال رحمه الله.
السؤال: ما فضل صلاة الضحى؟
الجواب: النبي عليه الصلاة والسلام أخبر: ( أن ابن آدم يصبح وعلى كل سلامى منه صدقة -يعني: على كل مفصل من مفاصله صدقة- فأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، وتصلح بين الاثنين صدقة، ولك بكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، .. إلى أن قال: ويجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى )، وقال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه: ( يا ابن آدم! لا تعجز عن أربع أول النهار أكفك آخره )، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الأوابين ففي الحديث: (صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال) أي: إذا اشتد الحر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على هذه الصلاة وكان يؤديها إذا اشتد حر النهار، والمحافظون عليها داخلون في قول ربنا جل جلاله: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه ).
السؤال: ما تفسير الآية: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31]؟
الجواب: يا أخي الكريم ! هذه الآية للمفسرين فيها أقوال مردها إلى ثلاثة:
القول الأول: أن المراد بالزينة ما كان من أصل البدن، فقوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] أي: الوجه والكفان، وهذا هو قول الحبر البحر عبد الله بن عباس وجمع من أهل العلم.
القول الثاني: الزينة ما كان خارجاً عن أصل الخلقة، ولا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من البدن، والمقصود بذلك: الثياب الخارجية، وهذا قول ابن مسعود وجماعة من أهل العلم.
والقول الثالث: أن الزينة ما كان خارجاً عن أصل الخلقة، ولكن رؤيته تستلزم رؤية شيء من البدن، وأعني بذلك: ما كان على الوجه من الزينة كالكحل أو ما كان على الكفين كالخضاب أو ما كان فيهما من الفتخ والختم وما أشبه ذلك، هذا كله يعد من الزينة.
والشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان قال: وباستقراء القرآن علم بأن الزينة إذا أطلقت إنما يراد بها ما كان خارجاً عن أصل الخلقة، كقول الله عز وجل: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الكهف:7]، وكقول الله عز وجل: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ [الأعراف:31]، والزينة هنا المقصود بها الثياب، خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]، وكقول الله عز وجل: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ [الأعراف:32]، وقوله سبحانه: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ [الصافات:6]، وكقوله سبحانه: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ [الملك:5]، إلى غير ذلك من الآيات.
المتصل: يا شيخ! معكم ندى ولدي سؤالان:
السؤال الأول: ما حكم تأمين السيارات، هل فيه حرمة أم لا؟
السؤال الثاني: بالنسبة لقيام الليل في جوف الليل الآخر، لو أن شخصاً استيقظ في الليل، وظل يدعو الله ويذكره وهو على سريره دون أن يقوم ويتوضأ ويصلي، فهل يحصل على أجر في ذلك؟
الشيخ: إن شاء الله أجيبك عن سؤاليك.
المتصل: يا شيخ! عندي سؤالان:
السؤال الأول: أسأل عن حال حديثين: الحديث الأول: عن طلحة بن مصرف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن أخوف ما أتخوفه على أمتي آخر الزمان ثلاث: إيمان بالنجوم، وتكذيب بالقدر، وحيف السلطان )، الحديث الثاني: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( سيكون في آخر الزمان قوم يكون حديثهم في مساجدهم ليس لله فيهم حاجة ).
السؤال الثاني: كل عام تقوم إدارة أندية كرة القدم بالتعاقد مع لاعبين أجانب بمليارات الجنيهات من العملة الصعبة، ألا يعتبر هذا تبذيراً وإسرافاً في المال؟ علماً بأن أوجه عمل الخير كثيرة من دعم المستشفيات وكفالة الأيتام وبناء المساجد، سؤالي هو: ما رأي الشرع الحنيف في ذلك؟ وجزاكم الله كل خير وبركة.
السؤال: الأخت ندى تسأل عن تأمين السيارات ما حكمها؟
الجواب: إن استطعت ألا تفعلي فلا تفعلي؛ لأن التأمين حقيقة تعتريه كثير من الشبهات، وبالنسبة للتأمين الصحي قد يكون فيه ضرورة، ونظامه أصلاً قريب من روح الشرع، والدولة مأمورة بأن توفر للناس العلاج، فلا حرج على من دخل في التأمين الصحي، أما تأمين العربات فليس هناك ضرورة تدعو إليه، ولذلك لا أنصح به، أعني بذلك: التأمين الشامل، أما التأمين الإجباري فلا حيلة لنا فيه.
السؤال: إنسان يقوم في الليل فيذكر الله على سريره دون أن يقوم ويصلي، فهل له أجر؟
الجواب: لا شك أن له أجراً عظيماً، والنبي عليه الصلاة والسلام: لما ذكر رجلاً من أهل الجنة، قال: (يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، وكرر ذلك ثلاث مرات، فبات عنده عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: ما رأيت عليه من كثير صلاة ولا صيام غير أنه كلما تعار على فراشه ذكر الله وهلل )، يعني: إذا تقلب على فراشه بالليل يذكر الله عز وجل، والنبي عليه الصلاة والسلام أخبر: ( أن من تعار على فراشه فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله ، والله أكبر، كتب له كذا وكذا ).
فذكر الله والإنسان على فراشه فيه أجر، كذلك لو أنه قرأ القرآن وهو على فراشه فله أجر، ولكن الكمال أن يقوم في جوف الليل فيركع لله ركعات، ولو أنه ركعهن قبل أن ينام أيضاً له أجر عظيم، ولو استيقظ قبل طلوع الفجر فركع له أجر عظيم.
والمقصود: أن الإنسان يأخذ من ذلك بما استطاع، والله لا يضيع أجر المحسنين.
السؤال: أخونا طه أحسن الله إليه ذكر حديثاً مروياً عن طلحة بن مصرف رحمه الله، عن نبينا عليه الصلاة والسلام: (إن أخوف ما أتخوفه على أمتي: إيمان بالنجوم، وتكذيب بالقدر، وحيف السلطان)، والحديث الآخر: (سيكون في آخر الزمان قوم حديثهم في مساجدهم ليس لله فيه حاجة) ويسأل عن حالهما؟
الجواب: هذان الحديثان حقيقة لا علم لي بهما، و طلحة بن مصرف رحمه الله من أوعية العلم وأئمة القراء، لكنه ليس صحابياً، فالحديث يحتاج إلى بحث، وكون النبي صلى الله عليه وسلم تخوف علينا من هذه الثلاث، قد ثبتت في أحاديث صحاح، كقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( بادروا بالأعمال ستاً: كثرة الشرط، وإمرة السفهاء، واستخفافاً بالدم، وبيعاً للحكم، ونشواً يتخذون القرآن مزامير )، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( معاشر المهاجرين خصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن.. إلى أن قال: وما منع قوم زكاة أموالهم إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان )، وكذلك في الحديث الصحيح قال النبي صلى الله عليه وسلم ليلة مطروا: ( أتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال الله عز وجل: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، أما من قال: مطرنا بنوء كذا فهو كافر بي مؤمن بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب ).
فقضية اعتقاد أن النجوم هي التي تصرف الكون، وأن لها تأثيراً في الأحداث لا شك بأن هذا من الضلال العظيم والدجل المبين، ولا ينبغي للمسلم أن يقع في مثل هذا.
وكذلك التكذيب بالقدر، النبي عليه الصلاة والسلام لعن من كذب بالقدر، و عبد الله بن عمر رضي الله عنه لما قيل له: إن قوماً يكذبون بالقدر، قال: أنا بريء منهم وهم بريئون مني.
الشيخ: قضية التعاقد مع اللاعبين هذه تكلمنا عنها مراراً، ونذكر بأن كل جنيه ستسأل عنه أيها الإنسان! من أين اكتسبه وفيم أنفقته؟ فيوم القيامة ماذا ستجيب ربك إذا قال لك: كان في جيرانك وأرحامك والمسلمين المريض، والموجوع، والأسير المقهور، والجائع، والضائع، وكان فيهم من لا يجد لباساً يستر عورته، وأنت أنفقت من الدولارات كذا وكذا من أجل أن تشتري لاعباً يركل الكرة بقدمه؟ فأعد لهذا السؤال جواباً يا صاحب المال.
السؤال: هل صلاة الرغيبة سراً أم جهراً؟
الجواب: كلاهما جائز، والأمر في النوافل واسع، وبعض العلماء قال: النوافل تبع للفرائض؛ فالنوافل الليلية يجهر فيها، والنوافل النهارية يسر فيها.
السؤال: هل تجوز لي القراءة جهراً وأنا منفردة في الظهر والعصر للخشوع؟
الجواب: لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلوا كما رأيتموني أصلي )، وقد صلى الظهر والعصر والأخيرتين من العشاء وأخيرة المغرب سراً.
السؤال: ما معنى اسم إيناس؟
الجواب: الإيناس من الأنس، آنس يؤنس إيناساً.
السؤال: متى يبدأ وقت أذكار المساء؟
الجواب: من بعد صلاة العصر.
السؤال: ما حكم تخطيط الحواجب بالقلم دون النمص؟
الجواب: ما فيه مانع إن شاء الله، فالممنوع هو النمص، أما إذا خططت الحواجب زينة للزوج فأنت مأجورة إن شاء الله، وهذه زينة طارئة، مثلما تتزين المرأة بالكحل وبالأصباغ وبالخضاب وما إلى ذلك، فلا حرج عليها أن تزين حواجبها بالقلم من أجل أن تدخل السرور على زوجها، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: ( أنه ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيراً من امرأة صالحة؛ إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله ).
السؤال: هل الإفرازات المهبلية المستمرة تنقض الوضوء؟
الجواب: لا تنقض الوضوء؛ لأنه لم يقم دليل على النجاسة، والأصل في الأشياء الطهارة.
إخوتي وأخواتي! أسأل الله أن يكتب لنا أجر الذاكرين العابدين، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن يعفو عنا بمنه وكرمه إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وخير المسئولين وخير المعطين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى جميع المرسلين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر