فإن للنوم آداباً ينبغي على المسلم مراعاتها:
ثبت في صحيح البخاري عن شداد بن أوس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت )، يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: ( من قالها عند الصباح وهو موقن بها فمات قبل أن يمسي دخل الجنة، ومن قالها عند المساء وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح دخل الجنة ).
يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وسط النهار، فلما التفت إليّ رآني، فقلت له: أنت هنا من صلاة الفجر؟ قال: نعم، هذا غدائي، ووالله! لولا هو لفنيت نفسي وتعبت، أي: فذكر الله جل وعلا يعطي الإنسان قوة أعظم من الاستعانة بخادم، وذكر أن شيخ الإسلام قال: إن الله لما خلق حملة العرش -والأثر رواه الطبري وابن أبي الدنيا أيضاً- قال حملة العرش: يا ربنا! لم خلقتنا؟ قال: لحمل عرشي، قالوا: ومن يقوى على ذلك وعليه جلالك وجمالك ووقارك، فقال: قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقالوه فأعانهم الله على حمله، قال الإمام ابن القيم : وللذكر أثر عظيم لإعانة الإنسان لاسيما: لا حول ولا قوة إلا بالله، وقد شوهد بالتجربة أن هذا الذكر ينفع إذا التقى الجيشان، يقول: ولما التقى جيش الإسلام مع جيش الكفر وانهزم المسلمون، قال سلمة بن حبيب : لا حول ولا قوة إلا بالله، فقالها المسلمون وكبروا فانتصروا، هكذا كان سلفنا الصالح، ومعاركنا الآن مع الأعداء خائبة لأننا تركنا لا حول ولا قوة إلا بالله، وذهبت هذه المعاني منا.
عباد الله! هذا الذكر لابد من التنبيه عليه في هذا الوقت بعد أن عمت المفاسد في بيوتنا من الشغالين والشغالات، من السائقين والخادمات في بيوتنا، فاطمة رضي الله عنها طلبت من النبي أمة أو خادماً، أي: رقيقاً رجلاً أو امرأة فلم يعطها بل أرشدها إلى الذكر، والخادم إن كان رجلاً فيحل له أن يرى وجه سيدته وكفيها، وبعد ذلك سيزاول هذه الأمور دون اختلاف، وهذا حكم الرقيق في الإسلام، وإن كانت أمة حلت لسيدها كما تحل له زوجته، أما الآن فتأتي الشغالة إلى بيوت المسلمين فيرون وجهها وشعرها وساقيها ويديها ولابد، بأي شرع يستباح هذا؟! ثم ماذا في بيوت المسلمين الآن من جهد ومن كلفة؟ فالبيوت مفروشة من فناء المنزل إلى الحجر، وغير ذلك من التكاليف، والمرأة التي ستجلس أمام التلفاز إلى الساعة الواحدة أو الثالثة تحتاج إلى عشر خدامات وليس إلى واحدة، فاتقوا الله عباد الله، وإذا كان عند الإنسان زوجة مسلمة فليعلمها هذا الدعاء فهو خير لها من خادم، والمفاسد التي حصلت من الخدامات ومن السائقين لا أريد أن أذكر شيئاً منها في هذه الساعة المباركة، ونلوث بها هذا المجلس، فاتقوا الله عباد الله فالباب قد فتح على مصراعيه، وبدأ الناس يتباهون بهذا، فحالهم كحال الجبابرة عنده شغالة وعنده تمثال وعنده سائق أو ثلاثة، فنسأل الله أن يلطف بحالنا، وعلينا أن نعلم الذرية والأسرة طلب المعونة من رب البرية فهو خير لهم من خادم، ومن فعل هذا أعطاه الله قوة.
يقول الإمام ابن القيم -انظروا هذا في الوابل الصيب في الفائدة واحدة وستين -يقول: ولقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام، أي: ابن تيمية عجباً لمحافظته على ذكر الله، فكان يكتب ما لا يكتبه النساخ في أسبوع، يكتب في ساعة أو في يوم ما لا يكتبه النساخ في الأسبوع، وقد شاهد منه الجنود في الحرب ما لا يخطر ببالهم من القوة.
فإذاً لابد من الاستعانة بهذا، أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]، فإذا نمت لتكتسب قوةً ونشاطاً في حال يقظتك، فكبر الله أربعاً وثلاثين، واحمده ثلاثاً وثلاثين، وسبحه ثلاثاً وثلاثين، ونم، لترى القوة التي تكسبها بعد ذلك إذا استيقظت.
واقرأ آية الكرسي ( فلا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح )، كما ثبت هذا في صحيح البخاري عن نبينا صلى الله عليه وسلم، فإذا فعلت هذا وقمت بهذه الآداب فستنتقل هذه العادة في حقك إلى أعظم الطاعات وإلى أعظم العبادات، وإذا فرطت فأنت المغبون الخاسر، ثبت في سنن أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه بإسناد جيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه كان عليه ترةً، ومن اضطجع مضطجعاً لم يذكر الله فيه كان عليه ترةً ).
وإذا حافظت على الأذكار وأصبت بعد ذلك بأرق وذكرت الله في حال أرقك، أو دعوت بشيء استجيب لك إذا حافظت على الأدعية الواردة، ثبت في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه بسند صحيح عن معاذ بن جبل ، وفي سنن الترمذي أيضاً عن أبي أمامة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من مسلم يبيت على طهارة وذكر فيتعار من الليل )، أي: يأرق ويستيقظ فيتعار من الليل، فيسأل الله جل وعلا خيراً من أجر الدنيا والآخرة إلا أعطاه، وفي صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من تعار من الليل )، أي: استيقظ ( فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، والحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم اغفر لي، أو دعا استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته )، نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا ممن يأخذون بهذه الآداب، وممن يقومون بحق الله جل وعلا عليه في حال يقظتهم ونومهم إنه على كل شيء قدير، وأسأله جل وعلا أن يجعل نومنا من أعظم الطاعات، وأن نلتقي في نومنا به وبأنبيائه وبالصالحين من عباده إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
الجواب: يقول هنا: عاهد ربه على أن يصلي الوتر قبل الفجر؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان ينتهي وتره إلى السحر، فما تيسر له ذلك، ومن لوازم العهد أنه قسم، وأن هذا بمثابة اليمين. الإنسان يعاهد ربه أيضاً على فعل كل الطاعات، فإذا حصل في ذلك قصور أو تقصير في بعض الأحيان خارج عن إرادة الإنسان فلا يعتبر هذا نكثاً للعهد أبداً، كما أن الإنسان إذا تعب وقال: لله علي ألا أعود، ولا يقصد من هذا الحلف ألا يعود أبداً، إنما يقصد من هذا: إنني سأستمر على طاعتك، والإنسان يعاهد في الأصل ربه على فعل الطاعات وترك المعاصي في جميع الأوقات، فإذا وقع في بعض الأحيان في خلاف هذا فلا يعتبر نكثاً للعهد إذا لم يكن هذا النكث باختياره، كأن نام فأخذ على عينيه في بعض الأيام، فإذا كان هناك فسحة فليوتر قبل أن يصلي صلاة الفريضة في المسجد، وإن أذن الفجر، وضاق الوقت فعليه أن يدرك صلاة الجماعة، فيقدم صلاة الجماعة وليصل صلاة الوتر بعد طلوع الشمس على القول الراجح المعتمد، أن الوتر يقضى؛ لأن له منزلة أكبر من منزلة النوافل كلها.
الجواب: الإنسان إذا كان في أسرة وسيطرت عليها آلات الملاهي من تلفزيون أو من فيديو وغيرها، وهذه الأجهزة تفتح، فأنت بين أمرين يا عبد الله: فإذا كنت تستطيع الخروج من هذا البيت، ولا يترتب على خروجك فتنة، فالخروج واجب، وبقاؤك معهم في هذا بقاء المقر على المعصية وإن كنت تنكر، وإذا كنت من الخروج لا تتمكن كما يحصل هذا في بعض الأحيان في حق النساء، ويعلم الله أن عدداً من الأسئلة من قبل البنات الصالحات وجهت إلي بهذا، تقول: ماذا تعمل؟ فنقول: يا أمة الله! اصبري وصابري، إنما الحجرة التي يحصل فيها هذا البلاء لا يجب أن تدخليها، ولا أن تجلسي فيها، وتقول: الصوت يأتي من الحجرة الثانية، فنقول: يأتي وأنت له كارهة ولست فيه راغبة، وليس لك مندوحة بالمفارقة، فإذا كان لك طريق للمفارقة فالمفارقة واجبة، وإذا كانت المفارقة صعبة وليست متيسرة ويترتب عليها بلاء، فماذا يعمل الإنسان؟ يرتكب أخف الضررين ويكره هذا، ويصر دائماً على الإنكار، وليس معنى هذا أنه يدخل أيضاً وهو عابس الوجه.
نسأل الله أن يلطف بحالنا، وأن يفرج كروبنا إنه سميع مجيب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر