وبعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أما بعد:
فلا يزال الكلام موصولاً عن الفرق التي ظهرت في الإسلام، وقد تكلمنا عن الفرقة الأولى وهي: الشيعة، وهي من أوائل الفرق ظهوراً، وبينا أن الشيعة إنما مردها جميعاً إلى أصول ثلاثة: فهم إما غلاة، وإما زيدية، وإما إمامية.
وتكلمنا عن بعض فرق غلاة الشيعة وقلنا: إن منها: السبئية أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أظهر الإسلام.
ومنها: الكاملية، وهم أصحاب أبي كامل .
ومنها: البيانية، وهم أصحاب بيان بن سمعان .
ومنها: المغيرية، وهم أصحاب المغيرة بن سعيد .
ومنها كذلك: المنصورية، وهم أصحاب أبي منصور العجلي .
ومنها: الجناحية، وهم أصحاب عبد الله بن جعفر ذي الجناحين.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومنها: الخطابية، وهم أصحاب أبي الخطاب الأسدي ، واسمه: محمد بن أبي زينب الأجدع، مولى بني أسد، أبو إسماعيل، وقد قتله عيسى بن موسى والي الكوفة من قبل العباسيين في عام 143هـ.
وقد عزا أبو الخطاب الأسدي نفسه إلى أبي عبد الله جعفر الصادق ، فلما علم منه جعفر الصادق غلوه في حقه تبرأ منه، فلما اعتزل عنه ادعى الأمر لنفسه، وهو نفس ما فعله من قبل أبو منصور العجلي]، أي: أنه لما يظهر غلوه يتبرأ منه الإمام، ثم يزعم أن الأمر لنفسه بعد ذلك.
وهؤلاء الخطابية يقولون: إن الأئمة أنبياء أو رسل، وهذه أول بلية من بلاياهم، وهم يقولون: إن أبو الخطاب إمام، إذاً فهو نبي، ويزعمون أن الأنبياء فرضوا على الناس طاعة أبي الخطاب، أي: أن الأنبياء تنبئوا بنبوة أبي الخطاب ، ولذلك أمر كل نبي قومه بطاعة أبي الخطاب، بل يزيدون على ذلك ويقولون: إن الأئمة آلهة، وهذا الكلام لا يستغرب منهم؛ لأن الذي يغالي في الإمام لابد أنه يضعه في موضع العصمة، وبالتالي لابد أن يثبت له النبوة، ثم إذا ثبت لأحد النبوة عند هؤلاء الفرق الضالة فاعلم أنه لابد أن يصل إلى مرحلة ادعاء الإلهية.
كما يزعمون أن الحسنين ابنان الله تعالى! وأن جعفر الصادق إله، لكنَّ أبا الخطاب أفضل منه ومن علي ، ويستحلون شهادة الزور لموافقيهم على مخالفيهم، والإمام بعد قتل أبي الخطاب هو معمر ، ذهب إلى ذلك جماعة منهم، فعبدوا معمراً كما كانوا يعبدون أبا الخطاب ، وقالوا -أي: المعمرية أتباع معمر خليفة أبي الخطاب-: إن الجنة هي نعيم الدنيا، والنار آلامها، أي: أنهم لا يؤمنون بالجنة والنار كما يؤمن أهل السنة، والدنيا عندهم لا تنتهي بقيام الساعة؛ لأنهم لا يؤمنون بالساعة، ولا يؤمنون بالبعث ولا بالنشور.
كما استباحوا المحرمات: من الخمر والسرقة والزنا وشرب الخمر وغير ذلك، وتركوا الفرائض من التوحيد والصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها من سائر الواجبات.
وقيل: إن الإمام بعد قتله هو بزيغ ، ذهب إلى ذلك طائفة أخرى منهم، وقالوا -أي: البزيغية- : إن كل مؤمن يوحى إليه! أي: أن الوحي لا يزال ينزل على كل مؤمن، متمسكين في ذلك بقوله تعالى: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [آل عمران:145]، أي: إلا بوحي من الله، فلا تموت عندهم نفس قط إلا إذا أوحى الله تعالى إليها، ولو أوحى إليها: أن موتي؛ فهذا نوع من أنواع الوحي.
وزعموا أن في أصحاب بزيغ من هو خير من جبرائيل وميكائيل! وإذا كان هذا في أصحاب بزيغ وهو الإمام الثالث في هذه الطائفة من الخطابية بعد أبي الخطاب ومعمر؛ فما بالكم بـبزيغ كيف يكون حاله؟!
وهم لا يموتون أبداً، فإذا بلغوا النهاية رفعوا إلى الملكوت، وعلى أي حال فهذا مصطلح عندهم ربما عم به البلاء؛ لكن البلاء عندما أوصلوا بـبزيغاً إلى مرحلة الإلهية، وبزيغ قد مات، وهم الذين دفنوه، فكيف يدفن إله، ومن دون الإله يرفع إلى الأعلى؟! فهذا كلام كله تخبيط.
كما قالوا: إن جبريل عليه السلام أُمر أن ينزل بالوحي على علي ، لكن لوجود الشبه بين علي ومحمد أخطأ جبريل فنزل على محمد.
ولذلك هم يتقربون إلى الله -بزعمهم- بسب صاحب الريش، ويعنون بصاحب الريش: جبريل عليه السلام، فهم دائماً يلعنون جبريل عليه السلام.
أي: هم يقولون: بإلهية علي بن أبي طالب ، وأن علي بن أبي طالب -باعتباره إلهاً- هو الذي بعث محمداً عليه الصلاة والسلام؛ ليدل الناس عليه، لكنه دل الناس على نفسه، وبالتالي يكون محمداً قد غدر وخان إلهه وهو علي بن أبي طالب .
وقالت طائفة منهم بإلهيتهما، أي: بإلهية محمد وعلي ، وأظن قائل هذا القول من فرق المعتزلة، ولهم في التقديم خلاف مشهور، أي: هما إلهان، لكن أيهما أكثر إلهية من غيره؟ فمنهم من قال: محمد، ومنهم من قال: علي.
وقال بعضهم بإلهية خمسة أشخاص، وهذه فرقة ثالثة داخل الفرقة الأولى، فقالوا بإلهية خمسة: محمد، وعلي ، ثم الحسن، والحسين، وفاطمة رضي الله عنهم.
كما يزعمون أن هؤلاء الخمسة شيء واحد، وأن الروح حالة فيهم بالسوية، أي: أن الروح الإلهية نزلت فتقسمت وتوزعت بين هؤلاء الخمسة بالسوية، فلا مزية لواحد منهم على الآخر، ولا يقولون: فاطمة ؛ تحاشياً للأنوثة؛ ولأنهم يعتقدون أن الإله لا يكون أنثى، بل يعبرون عنها بأي رمز، ورموزهم في ذكر فاطمة كثيرة جداً.
فإذا كانوا يعتقدون أن الإله لا يكون أنثى، ويتحاشون عن ذكر الاسم ليقينهم بأنها أنثى، وأنها أم الحسن والحسين؛ فكيف يجعلونها إلهاً في الوقت نفسه؟!
وهؤلاء هم أصحاب هشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقي ، وقد زعموا أن الله تعالى جسد، واتفقوا على ذلك، ثم اختلفوا، أي: اتفقوا على أنه جسد، لكنهم اختلفوا في كنه هذا الجسد، فهم قد اتفقوا على الكفر، ثم تفرع وتغلغل كل منهما في كفره.
يقول هشام بن الحكم : الله تعالى طويل، عريض، عميق، متساو طوله وعرضه وعمقه، وهو كالسبيكة البيضاء الصافية، ويتلألأ من كل جانب، وله لون وطعم ورائحة! تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.
وأقول هذا الكلام وأنا في منتهى الحزن، وغاية الغم والنكد أن يقول أحد ممن ينسب إلى الإسلام هذا الكلام، ولولا إجماع أهل العلم على أن ناقل الكفر ليس بكافر، وأن أئمة الدين وأعيان الشريعة إنما نقلوا إلينا مقالة هؤلاء الملاحدة الكفار؛ ما نقلنا إليكم كلمة واحدة من هذا.
وهذه الصفات المذكورة ليست غير ذاته تعالى، فهو تعالى يقوم ويقعد، ويتحرك ويسكن، وله مشابهة بالأجسام، ولولاها لم تدل عليه، ويعلم ما تحت الثرى بشعاع ينفصل عنه إليه! أي: أن الله تعالى لا يعرف ما تحت التراب إلا بشعاع ينبثق منه إلى هذا الذي تحت الثرى.
وهو سبعة أشبار بأشبار نفسه، مماس للعرش بلا تفاوت بينهما، على وجه لا يفضل أحدهما على الآخر، وإرادته تعالى حركة هي لا عينه ولا غيره، وإنما يعلم الأشياء بعد وقوعها وحدوثها لا قبل ذلك، وهم بهذا يتفقون مع القدرية.
وعلمه بالأشياء بعد كونها لا قبله بعلم لا قديم ولا حادث؛ لأنه صفة والصفة لا توصف، وكلامه صفة له لا مخلوقة ولا غير مخلوقة؛ لما مر.
والأعراض لا تدل عليه، وإنما تدل عليه الأجسام؛ لما عرفت من مشابهته إياها.
والأئمة عندهم معصومون دون الأنبياء، وحجتهم في ذلك: أن النبي يوحى إليه، ويتقرب به إلى الله، بخلاف الإمام فإنه لا يوحى إليه، فوجب أن يكون معصوماً، وكذلك: أن الله تعالى هو الذي تولى حفظ ورعاية النبي، وهذا بخلاف الإمام، فإنه للزوم عصمته لابد أن يكون له ملك السماء.
وقال هشام بن سالم الجواليقي : الله تعالى على صورة الإنسان له يد ورجل، وخمس حواس: أنف وأذن وعين وفم، وله وفرة سوداء -أي: شعر أسود- ونصفه الأعلى مجوف ونصفه الأسفل مصمت، إلا أنه ليس لحماً ودماً!
وقائل هذا الكلام يكفر بلا خلاف عند أهل العلم.
وقبل حدوثها لم يكن لله تعالى حياة ولا علم ولا قدرة ولا سمع ولا بصر، فيلزم حينئذ ألا يكون حياً، ولا عالماً، ولا قادراً، ولا سميعاً، ولا بصيراً!
وكذلك يسمون النعمانية؛ نسبة إلى صاحبهم محمد بن النعمان أبي جعفر الأحول الملقب بـشيطان الطاق ، ويلقبه الشيعة بمؤمن الطاق! فانظر إلى تحريف الشيعة، فالعالم كله يسمونه: شيطان الطاق ، لكن لما كان شيعياً ومنظراً من منظري الشيعة سموه: مؤمن الطاق! وهو ليس مؤمناً.
وقد صنف كتباً جمة للشيعة منها: افعل لم فعلت، ومنها: افعل لا تفعل.
ويذكر في هذه الكتب أن كبار الفرق أربع: القدرية، ثم الخوارج، ثم العامة، ثم الشيعة.
وقال هذا الشيطان: إن الله نور غير جسماني، ومع هذا هو على صورة إنسان، وإنما يعلم الأشياء بعد وقوعها لا قبلها.
وهؤلاء قالوا: إن الإمامة بعد علي لـمحمد بن الحنفية ، ثم لابنه عبد الله ، ثم لـعلي بن عبد الله بن عباس ، ثم لأولاده إلى المنصور ، ثم حل الإله في أبي مسلم ، وأنه لم يقتل، واستحلوا المحارم، وتركوا الفرائض]، واستحلالهم للمحارم لوحده كاف في الكفر؛ لأن أهل السنة متفقون على أن من أحل حراماً، أو حرم حلالاً متعمداً بعد قيام الحجة عليه؛ فإنه يكفر.
بينما تقرأ في كتب الأزهر: أن الله تعالى يتكلم بكلام نفساني، فما معنى: أن الكلام نفساني؟ إن كنت لا تعلم معناها فستمرها كما هي، ثم بعد ذلك عندما تكون في موطن المسئولية ستعلمها الغير، وبهذا تكون قد أسهمت في نشر الباطل وأنت لا تدري أنه باطل.
القول بالكلام النفساني لله عز وجل أمر في غاية البطلان والخذلان، وهو مصطلح عند الأشاعرة والماتريدية الذين يقولون: إن الله تعالى لا يتكلم بصوت ولا حرف، وأما أهل السنة فيعتقدون أن الله تعالى يتكلم بصوت وحرف، بينما الأشاعرة يقولون: لا يتكلم بصوت ولا حرف، وإنما هو كلام نفساني، أي: أن الكلام يدور في نفس الله عز وجل، مثل السر تماماً حينما يحيك في صدرك، ثم إن الله عز وجل يطلع جبريل عليه السلام على هذا الكلام النفساني فيعرفه جبريل، فإذا عبر عنه بالعبرانية كان توراة، وإذا عبر عنه بالسريانية كان إنجيلاً، وإذا عبر عنه بالعربية كان قرآناً، وهذا يعني في نهاية الأمر أن القرآن هذا كلام جبريل، وليس بكلام الله عز وجل!
أرأيتم خطورة هذا المصطلح، ففي نهاية الأمر أن الله تعالى لا يتكلم، لكنه يدور في نفسه الشيء فيطلع عليه جبريل، ثم يعبر عنه جبريل من عند نفسه؛ لأن جبريل له شأن كبير، فهو يعرف كل اللغات، فإذا عبر بالعبرانية فهو التوراة، وإذا عبر بالسريانية فهو إنجيل، وإذا عبر بالعربية فهو قرآن.
وفي نهاية الأمر هذه الكتب السماوية من كلام جبريل لا من كلام الله عز وجل! والصواب: أن الله تعالى يتكلم بحرف وصوت، ويتكلم بما شاء، وكيف شاء، ومتى شاء، وأن كلام الله تبارك وتعالى لا ينفد ولا يفنى.
وأما أهل الباطل فإنهم يعتقدون أن الله تعالى لا يتكلم بحرف ولا صوت، وإنما له كلام نفساني.
وكذلك مصطلح: البداء، فإنك تجد بعض الفرق تجوُّز على الله البداء، أي: أن الله تبارك وتعالى يقول الشيء، ويأمر بالشيء، وينهى عن الشيء، ثم يعرض له ما كان جاهلاً به فيرجع عن أمره وينهى، فبعد أن نهى وهو يعلم أن هذا النهي فيه مصلحة للناس يبدو له بعد ذلك أن هذا النهي ليس فيه مصلحة للناس، بل فيه مفسدة، فيرجع عن نهيه، أي: أنه يفعل الشيء ثم يبدو له خلاف ما كان عليه في الأول، وهذا اتهام لله عز وجل بأنه ليس عظيماً ولا قديراً ولا حكيماً.
والذين جوزوا البداء على الله عز وجل هم من الفرق الضالة وليسوا من أهل السنة، ولا علاقة للنسخ ألبتة بالبداء، والنسخ محل نزاع بين أهل السنة، فمنهم من يقول به، ومنهم من لا يقول به، لكن الذي يقول به ليس من باب البداء على الإطلاق، وإنما هو باب آخر.
والبدائية لقبوا بذلك لأنهم جوزوا البداء على الله تعالى.
فقال: إذا اعترضكم شيء في أمر دينكم فاسألوا عنه أحد الناصبة، فـالخميني والاثنا عشرية الإمامية يسمون أهل السنة الناصبة؛ لأننا بزعمهم ناصبنا علياً العداء، ونحن في الحقيقة نحب علياً رضي الله عنه، لكن بغير إفراط ولا تفريط.
فقال: إذا اعترضكم شيء في أمر دينكم فاسألوا عنه أحد الناصبة -أي: أحد أهل السنة- ثم اعملوا بخلاف قوله! إنه حقد دفين، هذا الخميني الذي كان يمدحه ويثني عليه الكثير هنا في مصر، بل إن أعظم محافظة فتنت بـالخميني هي المنصورة؛ إذ إنها أكثر محافظة فيها شيعة بعد القاهرة، وأنتم تعلمون أن أئمة التشيع في مصر وجودهم في المنصورة بعد وجودهم في القاهرة، لكن ليس لهم انتشار في المنصورة كما هو انتشارهم في القاهرة.
والنصيرية موجودة في سوريا، والزيدية وجودهم في منطقة من اليمن، والاثنا عشرية وجودهم الأول في إيران، ثم في العراق، والعجيب أن الزيدية والاثنا عشرية انتشروا انتشاراً عظيماً جداً في جنوب الحجاز، أي: في جنوب المملكة العربية السعودية، وأصبح لهم قوة وصولة وجولة لا يقف أمامها ملك البلاد ولا غيره.
كما لابد أن تعلموا أن الأسرة الحاكمة منذ قديم الزمان في سوريا نصيرية، وحافظ الأسد أنا أعتقد أنه لا علاقة له لا بالنصيرية، ولا بالنصرانية، ولا باليهودية، ولا بالإسلامية، فهو كغيره من الناس لا علاقة له بهذا كله، لكن أنا أقصد بالنصيرية هناك في سوريا في الشام، وحافظ الأسد ينسب إليها شاء أم أبى، وكذلك ولده الذي يحكم البلاد الآن هو نصيري.
فانظر إلى عقيدة هؤلاء فقد قالوا: إن الله تعالى تجلى في علي ، فإن ظهور الروحاني في جسد جثماني أمر لا ينكر، وهذه العقيدة هي التي سماها الصوفية: عقيدة الحلول والاتحاد، أي: أن روح الإله حالة في روح فلان، أو حلت في فلان حتى صار فلان هو الإله، والإله هو فلان، وهذا هو الاتحاد، فصار كل منهما يدل على الآخر.
أما في جانب الخير فكظهور جبريل في صورة البشر، وأما في جانب الشر فكظهور الشيطان في صورة الإنسان.
ثم قالوا: لما كان علي وأولاده أفضل من غيرهم، وكانوا مؤيدين بتأييدات متعلقة بباطن الأسرار قلنا: ظهر الحق سبحانه وتعالى في صورتهم، ونطق بلسانهم، وأخذ بأيديهم.
إذاً: فـ ابن حافظ الأسد عُين ملكاً أو رئيساً على هذه البلاد؛ لأن النصيرية يعتقدون أن روح الإله تحل في هذا الغلام؛ إذ إنه مؤيد بتأييدات السماء وبتأييدات الأرض.
وعليه فالذي اختاره عليهم هو الإله؛ لأن هذا معتقدهم، ومن هاهنا أطلقوا الآلهة على الأئمة، فهم يقولون: إذا حلت روح الإله في الإمام؛ مع اتحاد الإله والإمام باتحاد الروح فيهما؛ فلا بأس أن يكون الإمام إلهاً، ولذلك يقولون: من هاهنا أطلقنا الآلهة على الأئمة، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل المشركين؛ لأن هؤلاء شركهم ظاهر لا خفاء فيه، بل كانوا ينصبون له العداء، وأما المنافقون فإنهم أظهروا الإسلام، وشاركوا المسلمين في الأعمال الظاهرة، لكن علياً عرفهم فقاتلهم فقتلهم، وهذا يدل على أن علياً إله؛ لأنه يعلم السر وهو النفاق، وأما محمد فإنه ليس كذلك، بل عمل بالظاهر، فقالوا: إن محمداً حارب المشركين لظهور شركهم، وما استطاع أن يحارب المنافقين؛ لأنه لم يعلم النفاق فيهم، مع أن الله تعالى قد أطلعه على المنافقين بأسمائهم وأعيانهم وذواتهم، لكنهم ينكرون هذا كله.
وأن علياً قاتل المنافقين؛ لأنه عرفهم، وهذا يدل على أنه قد حلت فيه روح الإله، ولذلك يقولون: إن النبي عليه الصلاة والسلام يعلم الظاهر والله تعالى يتولى السرائر، ويقولون: إن علياً يعلم السرائر.
فلا يعقل أن هذه عقيدة رجل أو طفل أو غلام أو أحد يحكم بعض بلاد المسلمين!
والباطنية لقبوا بذلك لأنهم يعتقدون أن للقرآن ظاهراً وباطناً، وأن المراد باطنه لا ظاهره، وأن العمل بالظاهر يؤدي إلى ترك العمل بالباطن، وهو المراد، ويحتجون في ذلك بقول الله تعالى: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [الحديد:13]، مع أن الآية حجة عليهم وليست لهم.
ثم بعد الإمام: الحجة، وانتبه إلى هذا الترتيب؛ حتى تعلم من أين أتى الإيرانيون بهذه الألقاب! فالشيعة قالوا: إن الخميني حجة -وهذا هو دينهم- وهو يؤدي عن الإمام؛ لأن الخميني اثنا عشري، وهو من أكابر علماء الشيعة بشهادة الألباني ، وهذا من باب العدل في إثبات العلم له، لكن هل هو مجتهد؟ هذه قضية أخرى، فالثناء عن الرجل هو في باب واحد توغل فيه وهو علم الشيعة، أو علم التشيع.
وعلى أي حال فالحجة يكون بعد الإمام، وهو يؤدي عن الإمام، ولذلك نحن نعلم الآن أن الشيعة دائماً لهم إمام، وهم يحفظون إمامهم، وهو محمد بن الحسن العسكري الذي اختفى في سرداب سامراء وعنده من العمر أربع سنوات، وهذا هو الإمام الثاني عشر؛ لأنهم يتبعون الأئمة الاثني عشرية، وآخر الأئمة عندهم هو محمد بن الحسن العسكري الذي اختفى في سرداب سامراء بالعراق، وينتظرونه يوماً في كل عام بالخيل والطبول والزينة والبهرج وغير ذلك.
وإيران تعتقد أن الاتصال قائم بين الحجة -أي: الخميني- والإمام، فـالخميني كان يؤدي عن الإمام.
وهم يقولون: صلاة الجمعة لا تجوز إلا خلف الحجة؛ لأنه يؤدي عن الإمام؛ لأن أصل المعتقد عندهم أن الجمعة تسقط عن الشيعي في غيبة الإمام، لكن إذا أدى عنه الحجة فلا بأس، وقبل هذا الحجة كان هناك كلب من الكلاب موجود اسمه: شاه إيران، وهو فعلاً شاة، حتى إن الشاة أنظف منه؛ لأن الشاة تؤكل وتحلب ويشرب لبنها، وأما هذا فكان مجرماً، وكان قبل وجود الخميني ، والخميني كان مبعداً في فرنسا، وكان القائم على أمر الشيعة عموماً في إيران : شاه إيران، وهو لا يؤمن بالإمامة ولا بالحجة، بل لا يعرف أين يقف في الصف ليصلي.
ومصر بلد بابها وصدرها واسع ورحب، وهي ترحب بكل من يأتي إليها، ففيها الشيعي والشيوعي والملحد، يعني: فيها كل شيء، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولذلك فمصر سوف تظل على ثغر إلى يوم القيامة، أعني موحدي مصر سيظلون على ثغر إلى يوم القيامة، وموقفهم هو الصمود أمام الباطل إلى قيام الساعة، فهذه منطقة حساسة جداً، ولذلك الطمع فيها بالليل والنهار، وأنت الوحيد الذي تعمل غصة في حلقهم، وكل ملل الكفر والإلحاد والزندقة ممكن أن يضعوا أيديهم في أيدي أي شخص، إلا أنت فلا تضع يدك إلا في يد من هو على شاكلتك، ولذلك أنت تسبب إزعاجاً كبيراً جداً، فمرة يسمونك بالمتطرف، ومرة يسمونك بالإرهابي، ومرة يسمونك بالأصولي، ومرة يقولون: إنك تريد أن تصل إلى السياسة وإلى السلطة، وأن تحكم البلد، وتريد، وتريد..، وكل هذا وهم يعلمون ويفهمون جداً أنك في أول أمرك وآخره صاحب الشأن، وهم أعلم الناس بشأن هذه الدعوة.
فالحجة يؤدى عن الإمام، ويحمل علمه، ويحتج به.
الثالث من مراتبهم: ذو مطة، مط مطة من العلم، أي: من علم الحجة.
الرابع: داع أكبر، وهو يرفع درجات المؤمنين! مع أنه في الحقيقة لا يرفع الدرجات إلا الله عز وجل.
الخامس: داع مأذون، أي: مأذون له في التصرف، فيأخذ العهود على المخالفين من أهل الظاهر، وقد قلت: إنهم يهتمون بالباطن؛ لأن الباطن هو المراد، وأما الظاهر في القرآن فغير مراد، وهذا يعني أن أهل الظاهر مخالفون لهم، فالداعي الآخر مهمته هي: أنه يأخذ العهود والمواثيق على أهل الظاهر المخالفين ليدخلهم في خدمة الإمام, أي: أن هذا دوره أن يعمل معك عهداً وميثاقاً.
والعهود والمواثيق كثيرة جداً في هذا الزمان، وأنا أتوقع أن العقود والمواثيق الآن يمكن أن تباع في السوبر ماركت خاصة عند الصوفية، وقد يأتي الواحد منهم فيقول لك: يا شيخ! أنا أعمل كيت وكيت، فتقول: هذا لا يجوز، فيقول لك: أنا لا أستطيع أن أرجع، فقد عاهدت، فتقول له: هل قال لك: المكان الفلاني لا تذهب إليه؟ هذا كذب، فيقول: أنا لو تركته فسيهلك أولادي وامرأتي وأبي وأمي، أرأيت إلى أين أوصله هذا؟! يعني: ما هو إلا خرقة في أيديهم يتصرفون فيه كيف شاءوا، وفي مثل هذه الحالات قد يستخدمون الجن، والسحر، والشعوذة.. وغير ذلك.
السادس: مكلب، وهو يستاهل هذا اللقب، وهو من ارتفعت درجته في الدين لكن لم يؤذن له في الدعوة، بل في الاحتجاج على الناس، فهو يحتج ويرغب إلى الداعي ككلب الصيد.
بمعنى: أنه لم يؤذن له في الدعوة العامة، بل يؤذن له في أنه يصطاد واحداً أو اثنين أو ثلاثة فيوصلهم إلى الإمام أو الشيخ، وهذه الألقاب لها سحر في القلوب، فلدى هذا الإمام والخليفة الراشد ألقاب كبيرة جداً، فحينما يسمعها الشخص يقول لك: إلى أين أذهب؟ فيقوم بأخذه ويذهب به إلى المأذون وهو الداعي، والذي سوف يقرأ عليه العهود والمواثيق، وبعد ذلك يسلمه إلى الذي فوقه، وهذا يسلمه إلى الذي فوقه وهكذا، فيكون عندهم درجات وترتيبات, حتى إذا احتج على أحد من أهل الظاهر وكسر عليه مذهبه -يعني: أفسد عليه عقيدته- بحيث رغب عنه وطلب الحق؛ أداه إلى داع المأذون ليأخذ عليه العهد.
واعلم أن الجماعات المنحرفة على الساحة تسلك هذا المسلك، إي والله! كجماعة التكفير، فإذا أردت أن تجلس مع رئيسهم فلابد أن تمر عليك سنتان أو ثلاث في الجماعة، وتنتقل من الحلقة الصغيرة إلى الحلقة الكبيرة، ومن هذا الأخ إلى هذا الشيخ، ومن هذا الشيخ إلى هذا العالم، وكلهم جهلة لا علم عندهم، وبعد ذلك يمكن أن تقابله، ويمكن ألا تقابله.
وهذا موجود عند بعض الجماعات الموجودة على الساحة الآن، فلا تستطيع أن تصل إلى الكبير إلا بعد أن تمر على خمسين صغيراً في البداية؛ حتى يتأكدوا من عقيدتك جيداً، ثم بعد ذلك يوصلوك إلى الإمام الكبير حتى تبايعه.
وأنا أريد أن أقول لك: إن الجماعات المنحرفة الموجودة على الساحة الآن مستفيدة تمام الفائدة من هذه الفرق الضالة على الأقل في الترتيب والنظام والإدارة وغيرها.
قال: [ومؤمن يتبع الداعي، وهذا الذي أخذ عليه العهد، فدخل في ذمة الإمام وحزبه هو تابعه، فهؤلاء قالوا: إن ذلك الذي ذكرناه أمر لا ينسى] فالتسبيع عندهم، السبعبة والعمل بالرقم سبعة أمر غير ممكن؛ لأن الله خلق السماوات سبعاً، والأرضين سبعاً، والبحار سبعة، وأيام الأسبوع سبعة، والكواكب السيارة سبعة، فلماذا أنتم تنكرون ذلك؟ فلو كان العدد سبعة منكراً لم يكن يخلق الله هذا الرقم، ولا خلق الخلق على هذا الرقم.
قال: [حتى قالوا: والكواكب السيارة التي هي المدبرات أمراً، فكل منها سبعة كما هو المشهور]، مع أن الكواكب السيارة ليست هي المدبرات أمراً، بل المدبرات هي الملائكة.
وهذا نفس الذي يصنعه اليهود الآن، حيث أيقنوا بأنه لا يمكن غلبة المسلمين بالسيف، وأن مواجهة المسلمين بالسيف سيجعل القاصي والداني يدافع عن دينه وعرضه ووطنه، فراموا إلى تغيير الشرائع عند ذلك، فغيروا وبدلوا دين المسلمين على أيدي أبناء لهم في بلاد المسلمين لا على أيديهم هم، وهذا وضع طبيعي جداً، ولذلك فما أشبه اليوم بالبارحة.
فقالوا: لكننا نحتال بتأويل شرائعهم إلى ما يعود إلى قواعدنا، ونستدرج به الضعفاء منهم.
ولذلك لا يمكن قط أن يدعوا العلماء، أي: لا يمكن لأي فرقة ضالة أن تدعو عالماً إلى دعوتها وإلى مذهبها، ودائماً تجد في أصول المبتدعة أنهم لا يدخلون بيتاً فيه سراج، ويقصدون بالسراج: العالم، وهذا أمر مشهور عند جماعة التبليغ، واسمحوا لي أن أفصح عن هذا.
فجماعة التبليغ يقولون: لا ندخل بيتاً فيه سراج، وإذا أتيت إلى جماعة التبليغ لوجدت أن من تعاليم الزعيم الأول الذي أسس هذه الجماعة وهو الكاندهلوي أنه يحذر أتباعه من أن يدخلوا بيتاً فيه سراج، ويقصد بالسراج: العالم؛ لأن العالم عنده من الحجج ما يستطيع بها أن يرد عليهم، وأن يثبت أن ما هم عليه ضلال.
فكذلك هؤلاء إنما يدعون الضعفاء، وهذا يوجب اختلافهم واضطراب كلمتهم، ورئيسهم في ذلك هو حمدان قرمط، ولهم في الدعوة مراتب، ولابد أن تدرك أن الذي بلغ مبلغاً عظيماً في الباطل لم يبلغه في يوم وليلة، وإنما تدرج في هذا الباطل درجة بعد أخرى، وسلماً بعد آخر، وفي كل درجة يمكث فترة من الزمان كفيلة باستمرار هذه الدرجة، ثم الإيمان بهذه الدرجة، أي: أن يصدق بما هو عليه، وإذا كان يعلم من قبل أنه باطل لكن بمكثه على الباطل فترة من الزمان يألفه، فإذا ألفه صدقه، وإذا صدقه دافع عنه، وإذا دافع عنه دعا إليه بعد ذلك.
ولذلك الباطل لا يمكن أن يستقر في القلب بين يوم وليلة، بل لابد من المكوث عليه فترة طويلة من الزمان؛ حتى يتأهل صاحبه إلى الدعوة إلى هذا الباطل.
المرحلة الأولى: مرتبة الرزق، وهو تفرغ حال المدعو من جهة حاجته إلى الدنيا، وهذه طريق للنصارى الآن يستخدمونه خاصة في دعوتهم، فيذهبون إلى كثير من الشعوب وهم يعلمون أن هذه الشعوب مطحونة جوعاً، في الوقت الذي تلقى فيه المواد الغذائية والسلع وغيرها في المحيطات والبحار، وتترك هذه الشعوب الجائعة فريسة في أيدي النصارى، فإذا طلبت هذه الشعوب -تحت وطأة الجوع- طعاماً وشراباً ذهب القساوسة وذهب النصارى إلى هناك، وبينوا بعد ذلك محاسن الدين النصراني، ومحاسن الشريعة النصرانية، وإثبات أن عيسى نبي الله ورحمة الله، أو رحمة السماء إلى الناس وغير ذلك، ثم يقدمون لهم الطعام والشراب باسم المسيح، أو باسم مريم أو يسوع أو غير ذلك، مع جهل هؤلاء المطبق في دين الله عز وجل، فانظر إلى الجهل ويجمع إليه الجوع! ويجمع إليه تقصير المسلمين في حق إخوانهم في جنوب أفريقيا، ويجمع في مقابله دعوة علماء النصرانية إلى دين النصرانية!
وقد بلغني بأنه وجد في إحدى البلدان العربية أن قسيساً مد رغيفاً إلى رجل فلما أراد هذا الرجل أن يتناوله قال له: أتؤمن بعيسى؟ قال: نعم، قال: أتؤمن بمحمد؟ قال: نعم، قال: ليس الرغيف لك، يجب أن تقول: الإيمان بعيسى، والكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام في مقابل رغيف!
وحتى في مصر يذهبون إلى بيوت الفقراء؛ فيقدمون لهم المساعدات والمعونات وغير ذلك.
المرحلة الثانية: ما يطلقون عليها بالأرض السبخة، أي: دعوة من ليس أهلاً لها، أي: أرض ميتة.
المرحلة الثالثة: مرحلة التأنيس، أي: استمالة كل واحد من المدعوين بما يميل إليه هواه وطبعه من رقص وخلاعة وغيرها، فإن كان يميل إلى الزهد زينوه في عينه وقبحوا نقيضه، وإن كان يميل إلى الخلاعة زينوها وقبحوا نقيضها؛ حتى يحصل له الأنس بهم، فإذا كان يشرب خمراً قالوا له: تعال إلى المسجد وكأس الخمر معك، وادخل المسجد بزجاجة الخمر.
ولذلك كتب بعض أهل العلم: أن مما يثبت أن الدخان حرام عند العامة: أن أحدهم لا يجرؤ أن يدخن في المسجد، ولو كان حلالاً زلالاً فما الذي يمنعه من أن يدخن في المسجد؟ وهذا قد يجده على زنا ولا يقول له: الزنا حرام، بل يقول له: عليك أن تفعل هذا على سطح المسجد، إي والله! لذا فالمهم عنده أنه يلم ويجمع، وليس من المهم التربية والتعليم، وغير مهم بناء الشخصية العلمية القوية التي تزلزل الجبال، لكن المهم بدل أن يكونوا اثنين أن يكونوا ألفاً، لكن هؤلاء الألف لا يثبتون عند أول صيحة.
المرحلة الرابعة: التشكيك في أركان الشريعة، فيقول له: ما قيمة هذا الكلام الم الر عسق ؟ لا يمكن أن يكون ديناً ولا قرآناً، ولا يمكن أن يكون هذا كلام ربنا عز وجل!
والمدعو جاهل من الأصل فيصدق هذا الكلام، بل ويزيده تشكيكاً في دينه فيقول له: لم وجب قضاء صوم الحائض دون قضاء صلاتها؟ ولم وجب الغسل من المني دون البول مع أنهما يخرجان من سبيل واحد؟ ولم كان عدد الركعات بعضها أربعاً وبعضها ثلاثاً وبعضها اثنتين؟ إلى غير ذلك من الأمور التعبدية، فيشككونهم في هذه الأشياء، ويطوون الجواب عنهم؛ لتتعلق قلوبهم بمراجعتهم إياهم فيها، فيذهبون إليه ويقولون له: إذاً ما هو السبب؟ فيقول له: ليس هذا وقته، فلا يزال أمامك وقت، فانظر إلى هذا الكلام الفارغ!
وربما يقول له: هذه المسألة كبيرة عليك! مع أنكم تعلمون أن البدوي كان يأتي من البادية وليس هناك رزق ولا تشكيك ولا تأنيس، فيدخل بجرأة على النبي عليه الصلاة والسلام فيقول له: أين محمد؟ فيقول له: أنا محمد، فيقول له: أنا أريد أن أسألك عن كيت وكيت وكيت، والنبي عليه الصلاة والسلام يجيبه بكلام مفهوم وواضح، ثم لا يستفسر منه عن شيء، وإنما يأخذ هذا الكلام ويذهب إلى قومه فيدعوهم بهذه الكلمات البسيطات.
لكن كلام هؤلاء الناس كلام فارغ، وقد استفادت منه جميع الطوائف والفرق حتى في العمل، فحينما تريد أن تذهب لتقابل رئيس مجلس إدارة أخرى فأول شيء تقابل الزبال، والزبال يعرف منك قضيتك من أولها إلى آخرها، فتقول له: أتيت إلى رئيس مجلس الإدارة في موضوع شخصي، وأنا صاحبه وأعرفه، فيقول لك: أنا آسف، أنت صاحبه، لكن هذا أيضاً للمصلحة، ثم يرفع الزبال قضيتك إلى رئيس الزبالين، ورئيس الزبالين يرفعها لعامل المطعم، وعامل المطعم يرفعها للسكرتير الأول، وبعد ذلك الثاني والثالث والرابع والنائب والذي فوق النائب، إلى أن تقول: حقيقة أنا أستقيل من هذه المصلحة، وقد قاربت أن تصل، لكنك قلت ذلك من الملل الذي أصابك.
وانظروا إلى الرجل الذي أتى فربط حماره بباب المسجد النبوي ودخل، وقبل أن يسلم أو يتكلم تنحى في المسجد وبال فيه، وبعد أن بال قال: أين محمد؟ قال: أنا، فقال: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً، فهل مر هذا بمراحل؟ لم يمر على عمر أولاً، وعمر سلمه إلى أبي بكر ، وأبو بكر يسلمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، إنه لا يوجد مثل هذا الكلام.
و عمر أمير المؤمنين ينام تحت شجرة فمن أراده أتاه هناك، والنبي عليه الصلاة والسلام ينام تحت شجرة فمن يريده يجده، إلى أن خرج عليه يهودي بالسيف فقال: من يمنعك مني يا محمد؟! قال: الله عز وجل، فوقع السيف من يده.
فإن حققت كمال الإيمان والتقوى يحصل هذا معك؛ لأن هذه ولاية، والله عز وجل يجري كراماته على أيدي أوليائه وأصفيائه، ومن أصول أهل السنة والجماعة الإيمان بكرامات الأولياء، فالله تبارك وتعالى يخيف منك العالم، لكن عليك أن تخاف الله تعالى.
المرحلة الخامسة: مرحلة الربط، والربط هذا من وجهين:
الوجه الأول: أخذ الميثاق، أي: يأخذوا عليك الميثاق، وذلك بأن يقولوا: قد جرت سنة الله تعالى بأخذ المواثيق والعهود، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ [الأحزاب:7]، ثم يأخذون من كل واحد ميثاقه بحسب اعتقاده ألا يفشي سرهم، ثم هو بعد ذلك يموت دون ذلك، أي: إذا كتب ووقع على الميثاق فلا يمكن أن يفشي سراً وإن قطع قطعاً صغيرة، ولو كانت دعوة حق وقلت له: الحق هذا اكتمه إلى أن يأتي وقته، يقول لك: لا يا أخي! هذا حق، ويفهم أن هذا دين ربنا يجب أن نبلغه للناس، وهؤلاء لا يفهمون مراتب الدعوة، ولا فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
لذا فليس من الحكمة أن تبلغ كل الدين، فالذي ينفعك قد لا ينفع غيرك بل يضره، والذي يضرك قد ينفع غيرك وهكذا، ولو حدثت الناس بكل ما سمعت لكان ما تفسد أكثر مما تصلح، ولذلك الدعوة واحدة، ومن لم يكن على فقه فيما يدع فليس بداع في الحقيقة.
الوجه الثاني: حوالته بعد أخذ الميثاق، أي: حوالته على الإمام الكبير في حل ما أشكل عليه من الأمور، بأن يقول له: إن العارف بها، والذي لا يقدر عليها غيره -حتى يترقى من درجته- هو الإمام، فينتهي إلى الإمام ويذهب إليه.
المرحلة السادسة: مرحلة التدليس، أي: المكر والخداع والمداهنة، وهي دعوى موافقة أكابر الدنيا والدين لهم؛ حتى يزداد ميله إلى ما دعوه إليه، وهذا نفس ما يعملونه الآن، فتجد منهم من هو طبيب وضابط ومهندس ومحامي، فحينما تقول له: الصلاة في مسجد فيه قبر لا تجوز، يقول لك: فلماذا كلهم يذهبون؟ أليس هؤلاء العلماء والوجهاء يذهبون؟ أليس فلان الفلاني، واللواء الفلاني، والدكتور الفلاني، والمهندس الفلاني، والمحامي الفلاني يذهبون إلى المسجد؟! وأنتم تعرفون أناساً أنظف من هؤلاء، وأحسن من هؤلاء هم وجهاء الدنيا، ومع هذا طلاب كنائس، ولو كانت جماعتنا ودعوتنا هذه على باطل ما الذي كان يدخل هؤلاء الناس؟ فكيف تأتي وتقول: حرام وحلال؟ لماذا لا نترك الكلام هذا للشيخ الفلاني والعالم الفلاني والمتخصص الفلاني وغيرهم؟! هؤلاء هم المبتدعون وأنتم يا من لا يحملون شيئاً كيف تعترضون؟!
وأصحاب النبي عليه الصلاة والسلام كانوا من الفقراء ومن البسطاء، وأنتم تعرفون أن من علامات النبوة: أن أتباع كل نبي هم فقراء وبسطاء الناس، فما حارب النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر إلا الأشراف من قريش، واليهود في المدينة، وكان التابع له: بلال وعلي وعثمان وغيرهم من فقراء الإسلام.
المرحلة السابعة: مرحلة التأسيس، وهي تمهيد ومقدمات يقبلها ويسلمها المدعو، وتكون سائقة إلى ما يدعوه إليه من الباطل.
أي: أن عندهم أساسيات وفرعيات، وتتفق معهم في الأصول والقواعد، وسيقول لك: نحن اتفقنا على هذه القاعدة، إذاً فاعلم أنك ملزم حين النزاع في الفرعيات بالرد إلى هذا الأصل وإلى هذه القاعدة، وتسأله: أنت عازم على اتباع هذه القاعدة؟ فيقول: نعم، فيقوم ويسرد لك عليها فرعين أو ثلاثة أو أربعة أو عشرة من الباطل، وبعد ذلك تقول له: تعال نعرض هذه الفرعية على الأصول التي اتفقنا نحن وأنت عليها.
إذاً: هذه هي مرحلة التأسيس التي هي إرساء القواعد التي يرجع إليها حين الخلاف في الفروع.
المرحلة الثامنة: مرحلة الخلع، وهي الطمأنينة إلى إسقاط الأعمال البدنية: من صلاة وصيام وحج وزكاة وغيرها من الأعمال، لكن ليس إسقاطها بالكلية، وإنما تأويلها على غير المراد بها.
المرحلة التاسعة: مرحلة السلخ عن الاعتقادات الدينية، ولذلك لو قابلت صوفياً يدرس في بلدكم أو في قريتكم بعدما كان حمامة في المسجد، فتجده أول ما تصوف ومكث في التصوف قدر أربع سنوات، وحينما يموت يعملون له قبراً وضريحاً ومولداً سنوياً؛ لأنه ولي من أولياء الله، وعندما تسأله لم لا تصلي يا ولي؟ يقول لك: قد وصلت إلى مرحلة اليقين، والله تعالى يقول: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، أي: حتى إذا أتاك اليقين فلا تعبد ربك، هذا هو فهم الصوفية للآية.
لكن فهم أهل السنة والجماعة في الاعتقاد والقول والعمل يخالف ذلك، لكن هو يقول لك: إن أهل السنة والجماعة هم أهل الظاهر، ونحن أصحاب الباطن، والمراد هو الباطن وليس الظاهر.
والصلاة: عبارة عن الناطق الذي هو الرسول عليه الصلاة والسلام؛ بدليل قوله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، فيقول: الصلاة التي نصليها تتكلم! فتقول له: لا، فيقول لك: هنا نص على أن الصلاة تتكلم؛ لأنها تنهى، والذي ينهى هو الرسول، إذاً فالصلاة هي الرسول صلى الله عليه وسلم، إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ، أي: إن الرسول ينهى عن الفحشاء والمنكر.
والاحتلام: عبارة عن إفشاء سر من أسرارهم إلى من ليس من أهله، بغير قصد منه.
والغسل: عبارة عن تجديد العهد، أي: يكتب عهداً جديداً وعقداً جديداً.
والزكاة: عبارة عن تزكية النفس بمعرفة ما هم عليه من الدين.
والكعبة: عبارة عن النبي عليه الصلاة والسلام.
والباب: عبارة عن علي .
والصفا: هو النبي، والمروة: هو علي .
والميقات: هو الإيناس، أي: الأنس.
والتلبية: إجابة المدعو.
والطواف بالبيت سبعاً: هو موالاة أئمتهم السبعة، وآخرهم محمد المهدي .
والجنة: هي راحة الأبدان عن التكاليف، أي: من الصلاة والصوم والزكاة.
والنار: مشقتها، أي: مشقة التكاليف.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر