إسلام ويب

كتاب الزكاة [6]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اتفق العلماء على زكاة الفضة والمقدار الواجب فيها، واختلفوا في الذهب في نصابه والمقدر الواجب فيه، وكذلك اختلفوا في أوقاص الذهب والفضة هل تزيد الزكاة بزيادته على قولين: الجمهور على فرض الزكاة بحسب الزائد، وقال أهل العراق: لا شيء في الزائد حتى يبلغ نصاباً، واختلف العلماء في ضم الذهب إلى الفضة لإكمال النصاب، وفي كون النصاب لمالك واحد أو اثنين، وكذلك وقع الخلاف في المعدن والقدر الواجب فيه.

    1.   

    زكاة الفضة وبيان مقدارها

    الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد, وسلم تسليماً كثيراً.

    وبعد:

    قال المصنف رحمه الله: [ أما المقدار الذي تجب فيه الزكاة من الفضة؛ فإنهم اتفقوا على أنه خمس أواق؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: في الحديث الثابت ] الصحيح: [ (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة)، ما عدا المعدن من الفضة ]، يعني: من الفضة والذهب, [ فإنهم اختلفوا في اشتراط النصاب منه، وفي القدر الواجب منه ]، يعني: المعدن الذي يخرج من الأرض, فيه كلام سيأتي.

    [ والأوقية عندهم أربعون درهماً كيلاً ] -يعني: وزناً- [ وأما القدر الواجب فيه فإنهم اتفقوا على أن الواجب في ذلك ربع العشر ].

    اتفقوا على أن الواجب في الزكاة في الذهب والفضة ربع العشر، [ أعني في الفضة والذهب معاً، ما لم يكونا خارجاً من معدن ], ففيه خلاف, [ فاختلفوا من هذا الباب في مواضع خمسة.

    أحدها: نصاب الذهب ], كم نصاب الذهب؟

    [ والثاني: هل فيهما أوقاص أم لا؟ أعني هل فوق النصاب قدر لا تزيد الزكاة بزيادته ] فهو معفو عنه.

    [ الثالث: هل يضم بعضها إلى بعض ]، يعني: هل يضم الذهب على الفضة [ في الزكاة فيعدان كصنف واحد, أعني: عند إقامة النصاب, أم هما صنفان مختلفان.

    الرابع: هل من شرط النصاب أن يكون المالك واحداً لا اثنين.

    الخامس: في اعتبار نصاب المعدن وحوله وقدر الواجب فيه.

    1.   

    نصاب الذهب

    قال المصنف رحمه الله: [ أما المسألة الأولى: وهي اختلافهم في نصاب الذهب، فإن أكثر العلماء على أن الزكاة تجب في عشرين ديناراً وزناً, كما تجب في مئتي درهم, هذا مذهب مالك و الشافعي و أبي حنيفة وأصحابهم و أحمد وجماعة فقهاء الأمصار ], قالوا: تجب في عشرين ديناراً، وهو ما يساوي خمسة وثمانين جراماً من الذهب, وتجب في مائتي درهم، وهو ما يساوي خمس مائة وخمسة آلاف وتسعمائة وخمسين جراماً من الفضة وزناً [ وقالت طائفة منهم الحسن بن أبي الحسن البصري : وأكثر أصحاب داود بن علي ليس في الذهب شيء حتى يبلغ أربعين ديناراً ], ففيها ربع عشرها دينار واحد.

    وقالت طائفة ثالثة: ليس في الذهب زكاة, حتى يبلغ صرفها مائتي درهم أو قيمتها ], لأنه لم يرد فيها نصاب فرجعناها على النصاب المتفق عليه الوارد فيه وهو الفضة.

    [ فإذا بلغت ففيها ربع عشرها، كان وزن ذلك من الذهب عشرين ديناراً أو أقل أو أكثر ], ننظر إلى القيمة, [ هذا فيما كان دون أربعين ديناراً ], أما إذا وصل إلى أربعين ديناراً فلا ننظر إلى القيمة, بل نقول: إنه نصاب, [ فإذا بلغت أربعين ديناراً كان الاعتبار بها نفسها لا بالدراهم, لا صرفاً ولا قيمة ].

    سبب الاختلاف في نصاب الذهب

    قال المصنف رحمه الله: [ وسبب اختلافهم في نصاب الذهب, أنه لم يثبت في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما ثبت ذلك في نصاب الفضة, وما روي عن الحسن بن عمارة من حديث علي أنه عليه الصلاة والسلام قال: ( هاتوا زكاة الذهب من كل عشرين ديناراً نصف دينار ) ]، هذا الحديث فيه كلام طويل، لكن يقول صاحب التعليق: إن الشيخ عبد القادر الأرناؤوط يقول: إنه حديث حسن, ولكن قالوا: إن فيه ابن عمارة وقد رمي بأنه متروك.

    قال: [ وليس عند الأكثر مما يجب العمل به ] يعني هذا الحديث [ لانفراد الحسن بن عمارة به، فمن لم يصح عنده هذا الحديث اعتمد على الإجماع ], فقد نقل ابن المنذر الإجماع على أن نصاب الذهب عشرون مثقالاً, فكان اعتماده على الإجماع, [ وهو اتفاقهم على وجوبها في الأربعين ]، ولكن ابن المنذر نقل الاتفاق على عشرين دينار في كتابه الإجماع؛ لأن له كتاباً يسمى: الإجماع صغير، وكتاباً يسمى الأشراف في مسائل الخلاف.

    [ وأما مالك فاعتمد في ذلك العمل؛ ولذلك قال في الموطأ: السنة التي لا خلاف فيها عندنا ] يعني: الطريقة التي لا خلاف فيها في المدينة [ أن الزكاة تجب في عشرين ديناراً كما تجب في مائتي درهم.

    وأما الذين جعلوا الزكاة في ما دون الأربعين تبعاً للدراهم ] يعني قالوا بالقيمة [ فإنه لما كان عندهم من جنس واحد ] مثمنات من جنس واحد يعني: عملة في البيع, [ جعلوا الفضة هي الأصل؛ إذ كان النص قد ثبت فيها, وجعلوا الذهب تابعاً لها في القيمة لا في الوزن, وذلك فيما دون موضع الإجماع ] يعني: الأربعين [ ولما قيل أيضاً: إن الرقة اسم يتناول الذهب والفضة.

    وجاء في بعض الآثار: ( ليس فيما دون خمسة أواق من الرقة صدقة )].

    إذاً سيكون بالوزن, لكن هذا الحديث يقول فيه المعلق: لم أجده، أقول: لم يصح في نصاب الذهب حديث وما جاء في ذلك لم يسلم من مقال في سنده، ولكنها يقوي بعضها بعضاً, ويعلم أن لها أصلاً, ويقوي ذلك عمل الصحابة فمن بعدهم، حتى استقر الإجماع على ذلك.

    قال الإمام الشافعي في الأم (2/34): لا أعلم اختلافاً أن ليس في الذهب صدقة حتى يبلغ عشرين، فإذا بلغت عشرين مثقالاً ففيها الزكاة.

    وقال النووي : كما نقل الإجماع على ذلك ابن عبد البر .

    1.   

    مسألة الأوقاص في الذهب والفضة

    قال رحمه الله: [ المسألة الثانية: هل في الذهب والفضة أوقاص يعني: عدد لا تجب فيه الزكاة حتى يبلغ العدد الآخر.

    وأما اختلافهم فيما زاد على النصاب فيها، فإن الجمهور قالوا: إن ما زاد على مائتي درهم من الوزن، ففيه بحساب ذلك أعني: ربع العشر, وممن قال بهذا القول مالك و الشافعي و أبو يوسف و محمد صاحبا أبي حنيفة و أحمد بن حنبل وجماعة ], كلهم قالوا فيها أوقاص.

    [ وقالت طائفة من أهل العلم أكثرهم العراق: لا شيء فيما زاد على مائتي درهم, حتى تبلغ الزيادة أربعين درهماً, فإذا بلغتها كانت فيها ربع عشرها وذلك درهم, وبهذا القول قال أبو حنيفة و زفر وطائفة من أصحابهما.

    وسبب اختلافهم, اختلافهم في تصحيح حديث الحسن بن عمارة ], وهو حديث ضعيف على كل حال.

    [ ومعارضة دليل الخطاب له ].

    أولاً: معارضة دليل الخطاب، وهو ( ليس فيما دون خمسة أواق صدقة ), فمفهومه أنه في الخمسة الأواق صدقة, وإنما زاد عليها ففيه الصدقة، ولكن إذا كان أقل فليس فيه صدقة، بحسابها هذه مفهومه.

    ثانياً: وأما حديث الحسن بن عمارة فهو يقول: إنه يدل على أنه لا يجب الزكاة إلا إذا وصل أربعين.

    ثالثاً: وأما القياس فبعضهم قاس على الحبوب, فقال: تجب بحسابه, وبعضهم قاسها على الأنعام فقال: فيها وقص.

    [ وترددهما بين أصلين في هذا الباب مختلفين في هذا الحكم، وهي الماشية والحبوب.

    أما حديث الحسن بن عمارة فإنه رواه عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: ( قد عفوت عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، فَهَاتوا من الرقة ربع العشر، من كل مائتي درهم خمسة دراهم, ومن كل عشرين ديناراً نصف دينار، وليس في مائتي درهم شيء حتى يحول عليها الحول, ففيها خمس دراهم، فما زاد ففي كل أربعين درهماً درهم ) ], هذا هو الشاهد, [ وفي كل أربعة دنانير تزيد على العشرين ديناراً درهم حتى تبلغ أربعين ديناراً، ففي كل أربعين دينار, وفي كل أربعة وعشرين نصف دينار ودرهم.

    وأما دليل الخطاب المعارض له فقوله عليه الصلاة والسلام: ( ليس فيما دون خمسة أواق من الورق صدقة )]، والحديث صحيح، [ ومفهومه أن فيما زاد على ذلك الصدقة قل أو كثر.

    وأما ترددهما بين الأصلين اللذين هما الماشية والحبوب، فإن النص على الأوقاص ورد في الماشية. وأجمعوا على أنه لا أوقاص في الحبوب، فمن شبه الفضة والذهب بالماشية قال: فيهما الأوقاص، ومن شبههما بالحبوب قال: لا وقص ].

    الراجح في مسألة أوقاص الذهب والفضة

    أقول: بما أن حديث عمارة ضعيف فالراجح العمل بالمفهوم, ولا سيما في الوقص, إذ ليس له دليل, وإن كان في النصاب ترتاح النفس على العمل به؛ لما نقل من الإجماع ونقل من عمل الصحابة، لكن في الوقص لم ينقل.

    وأما قياسها على الحبوب الذي أجمعوا أنه ليس فيه وقص فهو الأقرب، فالراجح أن ما زاد على النصاب فبحسابه، ويؤيد ذلك ما روي عن علي , موقوفاً, (فما زاد على ذلك فبحسابه), وقد اختلف في رفع هذه الزيادة ووقفها وعلى كلٍ فالموقوف له حكم الرفع؛ لأنه مما لا يمكن أن يقال من قبل الرأي. انظر تلخيص الحبير لـابن حجر (2/174).

    1.   

    ضم الذهب إلى الفضة لإكمال النصاب

    [ أما المسألة الثالثة: ] هل يجمع بين الذهب والفضة في الزكاة, [ وهي ضم الذهب إلى الفضة في الزكاة، فإن عند مالك و أبي حنيفة ] و أحمد [ وجماعة أنها تضم الدراهم إلى الدنانير, فإن كمل من مجموعهما نصاب وجبت فيه الزكاة ], وهؤلاء قالوا بالظن، [ وقال الشافعي و أبو ثور و داود : لا يضم ذهب إلى فضة ولا فضة إلى ذهب.

    سبب خلاف العلماء في ضم الذهب إلى الفضة لإكمال النصاب

    وسبب اختلافهم هل كل واحد منهما يجب فيه الزكاة لعينه ] أي لذاته [ أم لسبب يعمهما ], يعني: كونهما أثمان, [ وهو كونهما كما يقول الفقهاء: رءوس الأموال وقيم المتلفات ], يعني: إذا أتلفت شيء فيقولون: كم قيمته بالفضة؟

    [ فمن رأى أن المعتبر في كل واحد منهما هو عينه؛ ولذلك اختلف النصاب فيهما ], فالفضة نصابها مائتان والذهب نصابه عشرون, [ قال: هما جنسان لا يضم أحدهما إلى الثاني, كالحال في البقر والغنم, ومن رأى أن المعتبر فيهما هو ذلك الأمر الجامع, الذي قلناه ] يعني: أنها قيم متلفات, [ أوجب ضم بعضها إلى بعض, ويشبه أن يكون الأظهر اختلاف الأحكام حيث تختلف الأسماء ]، فذاك ذهب وهذا فضة.

    [ وتختلف الموجودات أنفسها إذا كان قد يوهم اتحادهما اتفاق المنافذ, وهو الذي اعتمده مالك رحمه الله ], أي أن مالكاً لما قال: هي متفقة منافعها قال: بوجوب ضم بعضها إلى بعض [ في هذا الباب وفي باب الربا ]، فجعلها شيئاً واحداً، [ والذين أجازوا ضمها اختلفوا في صفة الضم ] كيف يضم؟ [ فرأى مالك ضمها بصرف محدود ]، يعني: كيفما كان في زمن الرسول ذلك الصرف نمسك به دائماً.

    [ وذلك بأن ينزل الدينار بعشرة دراهم أبداً, على ما كانت عليه قديماً, فمن كانت عنده عشرة دنانير ومائة درهم وجبت عليه فيهما الزكاة عنده ], فمثلاً لو أن لديك مائة درهم وعشرة دنانير فقيمة العشرة الدنانير مائة درهم فالمجموع مائتان إذاً وجبت عليك الزكاة, وعلة مالك في ذلك كونهما قيم المتلفات وأثمان الأشياء فلو أنك أكلت طعام إنسان, فنقول لك مثلاً: ادفع قيمته كذا وكذا أنت أكلته فقيمته إما بالذهب وإما بالفضة.

    وأما كونهما قيمة المتلفات, إذا أتلف شيء وليس له مثل, يقومه بالذهب أو بالفضة, وهما أثمان متعامل بهما.

    [ وجاز أن يخرج من الواحد عن الآخر ], يعني: لك أن تخرج ذهباً أو أن تخرج فضة.

    [ وقال من هؤلاء آخرون: تضم بالقيمة في وقت الزكاة], أي يقال: وقت الزكاة كم صرف الذهب, [ فمن كانت عنده مثلاً مائة درهم, وتسعة مثاقيل قيمتها مئة درهم وجبت عليه فيهما الزكاة, ومن كانت عنده مائة درهم تساوي إحدى عشر مثقالاً, وتسعة مثاقيل وجبت عليه أيضاً فيها الزكاة ], يعني: بالقيمة، [ وممن قال بهذا القول أبو حنيفة , وبمثل هذا القول قال الثوري إلا أنه قال: يراعى الأحوط للمساكين في الضم أعني: القيمة أو الصرف المحدود ], يعني: إذا كان كلام مالك أحسن, فنرجع إلى كلام مالك , وإن كانت القيمة أحسن رجعنا إلى كلام أبي حنيفة ، [ ومنهم من قال: يضم الأقل منها إلى الأكثر ] بقيمة الأكثر [ ولا يضم الأكثر إلى الأقل, وقال آخرون: تضم الدنانير بقيمتها أبداً كانت الدنانير أقل من الدراهم أو أكثر، ولا تضم الدراهم إلى الدنانير؛ لأن الدراهم أصل والدنانير فرع ], فالدراهم هي التي ورد فيها النص بالزكاة, [ إذ كان لم يثبت في الدنانير حديث ولا إجماع حتى تبلغ أربعين.

    وقال بعضهم: إذا كان عنده نصاب من أحدهما ضم إليه قليل الآخر وكثيره، ولم يرَ الضم في تكميل النصاب, إذا لم يكن في واحد منهما نصاب، بل في مجموعهما.

    [ وسبب هذا الارتباك ], جعل هذا الخلاف ارتباكاً ولم يجعله خلافاً معتبراً [ وسبب هذا الارتباك ما راموه من أن يجعلوا من شيئين نصابهما مختلف في الوزن نصاباً واحد ]، أي أن نصاب الذهب كذا ونصاب الفضة كذا، وأرادوا أن يجعلوا منها نصاباً واحد فاختلفوا، [ وهذا كله لامعنى له, ولعل من رام ضم أحدهما إلى الآخر فقد أحدث حكماً في الشرع حيث لا حكم ]. يرد على مذهب مالك , وإن كان المؤلف مالكياً؛ [ لأنه قد قال بنصاب ليس هو بنصاب ذهب ولا فضة، ويستحيل في عادة التكليف والأمر بالبيان أن يكون في أمثال هذه الأشياء المحتملة حكم مخصوص فيسكت عنه الشرع ], يعني: لو كان هناك ضم ما سكت عنه الشرع. [ حتى يكون سكوته سبباً لأن يعرض فيه من الاختلاف ما مقداره هذا المقدار, والشارع إنما بعث صلى الله عليه وسلم لرفع الاختلاف ].

    القول الراجح في مسألة ضم الذهب والفضة بعضهما لبعض لإكمال النصاب

    أقول: الراجح أنه لا يجمع بينهما في تكملة النصاب، قال الإمام الشوكاني في السيل (2/44): ليس في تكميل الجنس بالآخر أثارة من علم، ولم يوجب الشارع فيهم الزكاة إلا بشرط أن يكون كل واحد منهما نصاباً حال عليه الحول, والاتفاق كائن أنهما جنسان مختلفان؛ ولهذا لم يحرم التفاضل في بيع أحدهما بالآخر، ولو كانا جنساً واحداً لكان التفاضل حراماً, انتهى كلام الشوكاني .

    1.   

    اشتراط النصاب لمالك واحد

    قال المصنف رحمه الله: [ وأما المسألة الرابعة: ] هل من شرط النصاب أن يكون لمالك واحد لا لاثنين، [ فإن عند مالك و أبي حنيفة أن الشريكين ليس يجب على أحدهما زكاة حتى يكون لكل واحد منهما نصاب, وعند الشافعي أن المال المشترك حكمه حكم مال رجل واحد.

    وسبب اختلافهم الإجماع الذي في قوله عليه الصلاة والسلام: ( ليس فيما دون خمسة أواق من الورق صدقة )، فإن هذا القدر يمكن أن يفهم منه أنه إنما يخصه هذا الحكم إذا كان لمالك واحد فقط, ويمكن أن يفهم منه أنه يخصه هذا الحكم كان لمالك واحد أو أكثر من مالك واحد، إلا أنه لما كان مفهوم اشتراط النصاب إنما هو الرفق ] أي: بالمالك. [ فوجب أن يكون النصاب من شرطه أن يكون لمالك واحد, وهو الأظهر، والله اعلم.

    و الشافعي كأنه شبه الشركة بالخلطة ] وسيأتي حكم الخلطة [ ولكن تأثير الخلطة في الزكاة غير متفق عليه, على ما سيأتي بعد ]. فهو شبهها بشيء مختلف فيه.

    أقول: ما رجحه المؤلف هو الأقرب؛ لظاهر النصوص الموجبة للزكاة في النصاب، والمتبادر منها أن النصاب لمالك واحد.

    1.   

    نصاب المعدن وحوله

    [ وأما المسألة الخامسة: ] مقدار نصاب المعدن وحوله، وقدر الواجب فيه, [ وهي اختلافهم في اعتبار النصاب في المعدن وقدر الواجب فيه، فإن مالكاً و الشافعي ] و أحمد [ راعيا النصاب في المعدن ], فقالوا: لا بد أن يكون المعدن المستخرج من الأرض يساوي مائتي درهم أو عشرين ديناراً, ومثقال، [ وإنما الخلاف بينهما أن مالكاً ] و أحمد [ لم يشترط الحول، واشترطه الشافعي ], فقال الشافعي : إذا أخْرجت الذهب من الأرض لا بد أن يمضي عليه حول ثم تزكيه، ولكن هذه النسبة فيها كلام, قال الإمام النووي في المجموع (6/80): المنصوص في معظم كتب الشافعية، وبه قطع جماعة وصححه الباقون، أنه لا يشترط الحول، بل يجب في الحال.

    يدل هذا على أن النسبة من المؤلف لمذهب الشافعي كانت نسبة على قول ضعيف في المذهب, [ على ما سنقول بعد في الجملة الرابعة, وكذلك لم يختلف قولهما ] يعني مالك و الشافعي [ إن الواجب فيما يخرج منه هو ربع العشر ] وبه قال أحمد , [ أما أبو حنيفة فلم يرَ فيه نصاباً ولا حولاً وقال: الواجب فيه الخمس ] كالركاز.

    سبب خلاف العلماء في نصاب المعدن

    قال رحمه الله: [ وسبب الخلاف في ذلك: هل اسم الركاز يتناول المعدن أم لا يتناوله؟ ] والركاز: هو دفين الجاهلية؛ [ لأنه قال عليه الصلاة والسلام: ( وفي الركاز الخمس ) ]، أخرجه البخاري و مسلم , [ وروى أشهب عن مالك أن المعدن الذي يوجد بغير عمل أنه ركاز وفيه الخمس ].

    تكلم على المعدن ولم يتكلم على أنواع المعدن، ولكنه أدخله في الذهب والفضة، فقد يُتوهم ويقال: إن المعدن المراد به الذهب والفضة فقط, وإن العلماء اتفقوا على أنه لا تخرج الزكاة إلا بالذهب والفضة من المعدن, أما البترول وغيره من المعادن الأخرى فلا تخرج فيه الزكاة، ولكن الإمام أحمد قال: إنها تجب في الخارج من الأرض, [ وسبب اختلافهم في هذا هو اختلافهم في دلالة اللفظ، وهو أحد أسباب الاختلافات العامة التي ذكرناها ], وعلى كل حال فالمعادن التي توجد منها الثروة يجب فيها زكاة للفقراء والمساكين, ونخصص من الزكاة خارجاً عما يصرف من الأموال على المصالح العامة للدولة وللحكومة الإسلامية.

    مثلاً: إذا كان هناك معدن بترول أو غيره، نخرج ربع العشر منه للأصناف الثمانية, ويبقى الباقي تصرفه الدولة في مصالح الأمة الإسلامية، أينما كانت وأينما كانوا, ورابطتهم الإسلام, فالأموال العامة للمسلمين, وليس لها حدود خاصة سياسية إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، ( المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً )، فالقوة في أي دولة قوة للدولة الأخرى، ويجب على الدولة المسلمة أن تقوي جيرانها من الدول المسلمة، وأن تحسن إلى الضعفاء, ومن بات شبعان وجاره جائع فليس بمسلم، إذاً المعادن كالبترول وغيرها ليست خاصة بدولة واحدة من الدول العربية، بل هو مال عام لجميع المسلمين على وجه الأرض, ويجب أن يصرف في مصالح المسلمين وفي أن تكون حكومة إسلامية واحدة على الأقل في العملة, ويكون له قيمته في العملة الإسلامية, ويجب على المسلمين أن يتراحموا وعلى رؤساء الدول أن يكونوا في الإمداد كدولة واحدة، يضم بعضهم بعضاً, ( وكالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ), وألا تخرج تلك الأموال إلى الدول الكافرة وتحرم منها الدول المسلمة.

    الراجح في زكاة المعادن

    أقول الراجح في المعادن: أن الزكاة تجب في كل ما يخرج من الأرض من المعادن، وبه قال أحمد ، واستدل له ابن قدامة في المغني (3/53) بعموم قوله تعالى: وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ [البقرة:267]؛ ولأنه معدن تعلقت الزكاة بالخارج منه كالأثمان, يعني: كما أن الأثمان الذهب والفضة معدن تعلقت الزكاة به، فكذلك هذا معدن خارج من الأرض تتعلق الزكاة به، فهذا الاستدلال بالقياس، ولأنه خارج من الأرض ونماؤه دفعة واحدة, فيلحق بالنبات في الزكاة وعدم الحول.

    أما القدر الواجب فيه (هل يجب فيه الخمس أو ربع العشر)، فالأقرب أنه ربع العشر؛ لأنه يحتاج إلى مؤنة في استخراجه غالباً.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756945609