الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام المنذري رحمه الله: [كتاب الجمعة
الترغيب في صلاة الجمعة والسعي إليها وما جاء في فضل يومها وساعتها
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا) رواه مسلم.
وعنه أيضًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) رواه مسلم وغيره.
وروى الطبراني في الكبير من حديث أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجمعة كفارة لما بينها وبين الجمعة التي تليها وزيادة بثلاثة أيام وذلك لأن الله عز وجل قال: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160]).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة: من عاد مريضاً، وشهد جنازة، وصام يوماً، وراح إلى الجمعة، وأعتق رقبة) رواه ابن حبان في صحيحه.
هذه أحاديث من صحيح الترغيب والترهيب للإمام المنذري رحمه الله في كتاب الجمعة وفي الترغيب في صلاة الجمعة والسعي إليها وما جاء في فضل يومها وفضل ساعة الإجابة التي فيها، ويوم الجمعة هو أعظم أيام الأسبوع كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث، وصلاة الفجر يوم الجمعة أعظم من الصلوات الخمس التي يصليها المسلم في الأسبوع كله، ومن أعظم شيء أن تصلي صلاة الجمعة، ولكن الصلوات المفروضات الخمس المكتوبات في اليوم أعظمها صلاة فجر يوم الجمعة.
كان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم في فجر يوم الجمعة يقرأ بسورة السجدة كاملة ويقرأ بسورة الإنسان كاملة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم أغلب أحواله يصلي بهاتين السورتين في فجر يوم الجمعة ويخبر عن يوم الجمعة أن صلاة الفجر فيه أعظم صلاة في الأسبوع تصليها، لذلك ينبغي على المسلم أن يحرص على صلاة الفجر في كل يوم، وإذا حرص على صلاة الفجر فغيرها من باب أولى أن يحرص عليها، وأن يحرص على فجر الجمعة خاصة؛ لأنها أعظم الصلوات، وأن لا يمل ولا يتعب من السورتين سورة السجدة وسورة الإنسان كاملتين في صلاة الفجر يوم الجمعة فإنها سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيهما التذكير بخصال هذا اليوم. وقد خلق آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام في هذا اليوم، والساعة تقوم في هذا اليوم، ويوم الجمعة يوم عيد للمسلمين فهو يوم عظيم.
لذلك لا بد أن يحرص المسلم على أن لا يقصر في ذلك، فلو أنه حضر الخطبة فنام فلم يستمع ولم ينصت فليس له ذلك الفضل، فيحرص المسلم على الاستماع، ولو أنه جلس فلغا بأن كلم هذا وكلم هذا ففاته من الخطبة شيء فهذا لم يستمع فليس له ذلك الفضل، بل لا جمعة له كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال هنا في هذا الحديث (استمع وأنصت غفر له ما بينه وبني الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام)، أي: من فضل الله أنك إذا حضرت الجمعة يغفر الله لك من الأسبوع إلى الأسبوع سبعة أيام فقط، ولكن الله كريم ومن كرمه أنه عز وجل جعل الحسنة بعشر وليس بسبعة، فعلى ذلك أعطاك فضلاً ثلاثة أيام وهذا من فضله وكرمه وجوده سبحانه تبارك وتعالى.
ولو أن إنساناً لعب أثناء الخطبة بمسباحة في يده، أو حصى على الأرض، أو كان يخط خطوطاً على الرمل الذي أمامه، فلا جمعة له، كما قال: (ومن مس الحصى فقط لغى)، أي: ليس له جمعة، ولا صلاة.
فالإنسان قد يفعل أشياء صغيرة لا يلقي لها بالاً فتضيع عليه الجمعة، ويضيع منه الأجر العظيم وأصبحت جمعته كصلاة الظهر، أي: ليس له أجر الجمعة.
ومن كفارات أو مكفرات الذنوب على شرط البعد عن الكبائر: الصلوات الخمس، فالصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما، فعندما تأتي للمسجد فتصلي والصلاة التي تليها كفارة، وفي حالة عدم وجود ذنوب، فيحصل على حسنات ودرجات فإما أن تحصل على كفارات تبعد عنك الأذى والخطايا وإما أن تحصل على درجات من فضل الله سبحانه تبارك وتعالى، يقول لنا: (والجمعة إلى الجمعة) أي: كذلك كفارة لما بينهما، (ورمضان إلى رمضان) ولكنه قيدها فقال: (إذا اجتنبت الكبائر) .
فعلى ذلك يحرص المؤمن أن يقول في أذكار الصباح في كل يوم لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، أو يزيد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير مائة مرة فيكون له كعتق عشر رقاب.
وجاء في حديث آخر: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر) فإن الاغتسال في الجمعة فيه شيء من المبالغة (من طيب ويدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين) وهذا من آداب يوم الجمعة، فإذا أردت أن تجلس بين اثنين فعليك أن تستأذن ولكن لا تفرق بينهما فهما قد يكرهان ذلك.
قال: (ثم يصلي ما كتب له) فلما أن تتقدم لصلاة الجمعة والخطيب لم يأتِ بعد (ثم تنصت إذا تكلم الإمام إلا غفر لك ما بين جمعتك وبين الجمعة الأخرى) .
فجملة الأحاديث فيها: أن المسلم عليه أن يحرص على التبكير لصلاة الجمعة، وعلى الاغتسال لها، وعلى أن يمشي إليها بقدر المستطاع، وعليه أن يجلس قريباً من الإمام ويدنو منه، ولا يفرق بين اثنين، ولا يلغو، وأن ينصت للإمام فيكون له هذا الأجر العظيم.
نسأل الله عز وجل أن يعطينا من أجره وفضله ورحمته.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر