الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير.
اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3].
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد: معشر الإخوة الكرام! تقدم معنا أن المقرر عند أئمة الإسلام أن الابتداع يوجب سوء الخاتمة للإنسان، وكنا نتدارس المبحث الأول من مباحث البدعة الذي دار حول تعريفها وحول بيان ما يتوجب علينا نحو ذلك التعريف القويم المستقيم، ولا زلنا نتدارس هذا الأمر.
تقدم معنا أن البدعة هي: الحدث في الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان، مع زعم التقرب بذلك إلى الرحمن، ولا تشهد لذلك الحدث نصوص الشرع الحسان.
وهذا التعريف السديد المحكم الرشيد تقدم معنا أنه انحرف عنه فرقتان: فرقة أفرطت فوسعت دائرة البدعة، فوسعت في ذلك دائرة المحظور، وحكمت بالبدعية على ما هو مباح في شرع العزيز الغفور، وربما اشتطت فحكمت بالبدعة والضلال على ما هو مستحب في شريعة ذي العزة والجلال.
والفرقة الثانية: فرطت وقصرت، فألغت البدعة كلها أو بعض صورها، وهي بذلك أباحت ما كرهه الرحمن واستحلت ما هو حرام، والفريقان يلحقهما الملام، فكل منهما أدخل عقله في ما لم يأذن فيه الرحمن، يقول الله جل وعلا في آخر سورة النحل: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل:116-117].
قال الإمام ابن كثير عليه رحمات ربنا الجليل في تفسيره عند تفسير هذه الآية في الجزء الثاني صفحة تسعين وخمسمائة: ويدخل في هذا -أي في هذا الوصف فيقول على الله ما لا يعلم، ويدخل عقله في التحليل والتحريم- كل من ابتدع بدعة لم يشهد لها الشرع الحنيف، كما يدخل في هذا كل من حرم ما أحله الله وكل من أحل ما حرمه الله سبحانه وتعالى، فالآية شاملة لهذه الأصناف: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل:116-117].
إخوتي الكرام! وتقدم معنا مناقشة الفرقة الأولى وبيان ضلالها وزيغها، واستعرضت كثيراً من الصور في ذلك مما حكموا عليه بالبدعية، وهو جائز أو مستحب في شريعة رب البرية.
أولها: التشريع من خصائص الرحمن.
وثانيها: أركان هداية الإنسان.
وثالثها: منزلة الاجتهاد في الإسلام.
فلنتدارس هذه الأمور إخوتي الكرام لنكون على بينة من أمرنا، ولنعرف كيف نرد بعد ذلك على من فرط أو أفرط في شرع ربنا.
التشريع من خصائص الله سبحانه وتعالى، ولا غرو في ذلك ولا عجب، فهو الخالق، والخالق هو المشرع، فهو الذي يعلم ما يصلح عباده سبحانه وتعالى، وهو بهم رؤوف رحيم، بل أرحم بهم من أنفسهم، فشرعه يوافقهم، وهو الذي يضع الأمور في موضعها فهو الحكيم العليم سبحانه وتعالى، وكل من لم يتصف بصفة الخالق فلا يجوز له أن يشرع، فإذا لم تكن خالقاً فلا ينبغي أن تكون آمراً ناهياً، فالآمر الناهي هو الخالق وهو السيد وهو رب العالمين سبحانه وتعالى، ولذلك لا يجوز أن تحكم على أمر بأنه بدعة أو سنة، أو هدى أو ردى، أو حلال أو حرام إلا على حسب شريعة الإسلام كما بين لنا نبينا عليه الصلاة والسلام.
فالخالق هو الآمر الناهي، وهو المشرع سبحانه وتعالى، وهو الذي يحل ما يشاء ويحرم ما يشاء، وهو بأمور عباده خبير بصير، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54].
وهكذا قرر الله هذا المعنى في كثير من آيات القرآن، وبين أن الخالق هو الذي ينبغي أن يشرع الأمور والحلال والحرام لعباده من بني الإنسان، يقول الله جل وعلا في سورة الشورى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ * فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الشورى:10-12] فالله هو الذي خلق السماوات والأرض على غير مثال سبق، وهو الذي فطرهما، وهو الذي أوجدهما من العدم، وله مقاليد السماوات والأرض وهو خالق كل شيء، إذاً ينبغي أن نحتكم في جميع شئون حياتنا إليه، وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [الشورى:10].
وهكذا تقرر كثير من الآيات هذا المعنى وتوضحه، وهو: أن الخالق هو المشرع سبحانه وتعالى، يقول الله جل وعلا مقرراً هذا المعنى ومشيراً إليه أيضاً في سورة الرعد: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [الرعد:16].
قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [الرعد:16] أي: تعبدونهم ويشرعون لكم وتحتكمون إليهم، والحال أنهم: لا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ [الرعد:16] أي: الكافر والمؤمن، أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ [الرعد:16] أي: الحق والباطل، والإسلام والكفر، أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ [الرعد:16]، هل هناك من نازع الله في الخلق وشاركه في ذلك فاشتبه عليهم خلقهم بخلق ربهم، ومن أجل ذلك أعطوا صفة التشريع لبعض الخلق؛ لأن هذا البعض خلق شيئاً في هذا الكون؟ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [الرعد:16]، فهذا الخالق المدبر الذي يعلم السر وأخفى هو الذي ينبغي أن يشرع لهذه البشرية ما يسعدها في الحياة وبعد الممات.
نعم فالله هو الخالق وهو المشرع سبحانه وتعالى، هو الذي يأمر وينهى، ولا يجوز لبشر أن ينازعه شيئاً من ذلك، وعليه؛ فلا يجوز للإنسان أن يحرك لسانه بأن هذا حلال وهذا حرام، وهذا فضيلة وهذا رذيلة، وهذا حسن وهذا قبيح، إلا على حسب شرع الله جل وعلا الذي بلغه إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن التقنين والتشريع نوع من الحكم، بل هو سنام الحكم، والله لا يشرك في حكمه أحداً، وأمرنا أن لا نشرك في حكمه أحداً، ولذلك بين أئمتنا هذا، وبينوا أن من شرع لغيره فقد جعل نفسه نداً لله واستعبد عباد الله.
إن التشريع فيه استعباد من المشرع لمن يشرع لهم، ولا حرج في أن يشرع الله لعباده ما شاء، ولا غضاضة علينا في ذلك، فهو سيدنا وربنا وخالقنا ونحن عبيده نتذلل له ونفتخر بحكمه، إنما الحرج كل الحرج والغضاضة كل الغضاضة أن يشرع بشر لبشر وأن يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله، وإلى هذا أشار بعض العلماء فقال:
تغرب لا مستعظماً غير نفسه ولا قابلاً إلا لخالقه حكما
أي: أنت لا تجل إلا نفسك، ليس من باب التعالي على الغير، إنما أنت من باب عزة النفس، ثم بعد ذلك لا تقبلوا حكم أحد، إنما تقبلوا حكم الله.
إخوتي الكرام! لقد قصر الله الحكم عليه، وحصره فيه في كثير من آيات القرآن، فقال ربنا الرحمن في سورة الأنعام آمراً نبيه عليه الصلاة والسلام أن يقول: قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ [الأنعام:57]. وقال الله جل وعلا في سورة يوسف مخبراً عن نبيه يوسف على نبينا وعليه صلوات الله وسلامه، أنه قال لصاحبي السجن: يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:39-40].
وهكذا أخبر الله جل وعلا في نفس هذه السورة عن والد نبي الله يوسف ألا وهو نبي الله يعقوب على نبينا وعليهما صلاة الله وسلامه، فقال لبنيه: لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ [يوسف:67]، إن الحكم إلا لله سبحانه وتعالى، فهذا محصور فيه ومقصور عليه، وهو الذي يحل ويحرم ما شاء، وهو الذي يشرع لعباده ما شاء، وهو أعلم بمصالحهم، وهو أرحم بهم من أنفسهم، وهو أعلم بما يسعدهم وبما يعزهم في الدنيا وفي الآخرة، إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ [يوسف:67].
أحبارهم: علماؤهم، ورهبانهم: عبادهم، فكانوا إذا أحلوا شيئاً أحله الأتباع، وإذا حرموا شيئاً حرمه الأتباع، فجعلوا هؤلاء الأحبار والرهبان أنداداً لذي الجلال والإكرام ينازعونه في التشريع، ثم يطيعونهم بعد ذلك فيما يشرعون.
ثبت في سنن الترمذي والحديث رواه الإمام ابن سعد في الطبقات وعبد بن حميد في مسنده، ورواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير والإمام البيهقي في السنن الكبرى، ورواه ابن جرير في تفسيره، وهكذا رواه أهل الكتب التي تروي التفسير بالأسانيد كالإمام ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وغيرهم، والحديث إسناده حسن وله شواهد من رواية حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما موقوفاً عليه في تفسير الطبري وسنن البيهقي ، وله شواهد رويت من كلام عبد الله بن عباس ورويت آثار أخرى تشهد له، وكما قلت: إن الحديث حسن، وقد حسنه عدد من أئمتنا منهم شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوى، ولفظ الحديث: (عن
فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (يا
إخوتي الكرام! عند هذه القضية لابد من بيان أمر يتكلم الناس فيه في هذه الأيام، فلابد من وضع الأمر في موضعه الشرعي.
إن الذي ينحرف عن شرع الله، والذي لا يعمل بحكم الله، له أربعة أحوال: حالة كفر، وحالة بدعة، وحالة معصية، وحالة خطأ، فلنعرف هذه الأمور لنضع كل شيء في موضعه، ولئلا نشتط، ولئلا نقول في دين الله برأينا.
الحالة الأولى: أن يرى أن شريعة الإسلام باطلة، وأن القوانين الوضعية والأنظمة البشرية هي أحق من شريعة رب البرية، فمن اتصف بهذا الأمر وجحد أحقية حكم الله ولم ير فيها صلاحاً وفلاحاً لعباد الله فلا شك في كفره وردته وخروجه من الإسلام وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، فإذا كان يرى أن شريعة الإسلام لا يصلح أن يحكم بها في هذا الزمان وإنما ينبغي أن نحتكم إلى فلان وفلان فلا شك في كفره.
والحالة الثانية: أن يرى أحقية حكم الله بالحكم وأن شريعة الله حق وصواب، لكنه يقول: إن نظامنا الوضعي أيضاً حق وصواب ولا مانع أن نحكم به، ونظامنا يساوي شرع ربنا؛ فلا شك في كفر هذا وردته وخروجه من الإسلام أيضاً.
والحالة الثالثة: أن يقول: إن شرع الله حق وصواب ولا يجحد أحقيته ومنزلته ومكانته ويقول: إن التشريعات الوضعية والأحكام البشرية دونه في المنزلة والرتبة؛ لكن مع ذلك يجوز أن نحتكم إليها، فمن فعل ذلك أيضاً وأباح الاحتكام إلى غير شريعة الله فلا شك أيضاً في كفره.
الحالة الرابعة: أن يقول: إن شريعة الله حق وصواب، لكن قوانين البشر فيها صواب وفلاح وخير أكثر من شريعة الله -وهي تقابل الصورة الثالثة- ولذلك نحتكم إليها، فلا شك أيضاً في كفره وردته.
والحالة الخامسة: أن يقول: شريعة الله حق وصواب وفيها هدى ونور، لكنه يستخف بها ويستهزئ بها ويعارضها مع علمه بما فيها من خير ونور؛ فلا شك في كفره وردته أيضاً.
والحالة السادسة: أن يقول: شريعة الله فيها حق وصواب لكنه يعرض عنها ولا يبالي بها، وحاله كما قال الله جل وعلا: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف:28]، وقال: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ [النور:48]، فهو يعرض عن الاحتكام إلى شريعة الرحمن وكأنه يرى أن هذه الحياة لا شريعة فيها لرب الأرض والسماوات، فمن اتصف بشيء من ذلك فلا شك في كفره وردته.
والخلاصة:
الحالة الأولى: يجحد أحقية حكم الله ولا يرى في شريعة الله خيراً ورشداً وصواباً.
الحالة الثانية: أن يقول: إن شريعة الله فيها حق وصواب ولا يجحد أحقيتها لكنه يقول: إن شرائعنا تساويها ويجوز الاحتكام إليها.
الحالة الثالثة: أن يقول: شريعة الله حق وصواب وهي أعلى من تشريعاتنا الوضيعة، لكن يجوز أن نحكم بالتشريعات الوضعية.
الحالة الرابعة: أن يقول: شريعة الله حق وصواب لكن الصواب في تشريعاتنا وأنظمتنا أكثر مما هو موجود في شريعة ربنا.
الحالة الخامسة: أن يقول: شريعة الله حق وصواب لكنه يستخف بها ويجحدها ويستهزئ بها.
والحالة السادسة: أن يقول: يعرض عنها ولا يبالي بها.
فمن اتصف بشيء من ذلك فقد نازع الله جل وعلا في ربوبيته وألوهيته، وجعل نفسه نداً لله، وفرض نفسه على عباد الله، ولذلك من اتصف بشيء من ذلك فلا شك في كفره وردته وخروجه من دين ربه.
ولا يقولن قائل: إن بعض التشريعات الوضعية ليس بينها وبين الإسلام اختلاف كثير، وعليه؛ لا مانع من أن نأخذ بها.
إن من يقول هذا -كما قلت- خارج من دين الإسلام.
إن كثرة الفروق بين شريعة الخالق والمخلوق مانعة للمسلم من أن يأخذ بالتشريع الوضعي، وإن قلة الفروق عنده تعتبر أمنع مانع وأكبر حاجز؛ لأنه إذا قلت الفروق بين التشريعات الوضعية وتشريعات رب البرية فعلام إذاً نعرض عن تشريعات ربنا ويقبل بعضنا على تشريعات بعضنا؟ إن قلة الفروق ليست مبررة للأخذ بالتشريعات الوضعية، إنما تكون أمنع عند الإنسان من الأخذ بهذه التشريعات الوضعية؛ لأن قلة الفروق تدل على أننا لا نبالي بشريعة ربنا، وتدل أيضاً على أنه لا داعي إذاً للأخذ بذلك التشريع مع قلة الفروق، وإذا انتفت الفروق كما يتوهم بعض الناس بين الشريعة الإسلامية والتشريعات الوضعية فالأخذ بالتشريعات البشرية في ذلك الوقت كفر صريح، وارتداد قبيح، وإذا لم يكن هناك فارق بين شرع الله وشرع المخلوق، فعلام انتسبت إلى شرع المخلوق ولم تأخذ بشرع الخالق سبحانه وتعالى؟
ولا يقولن قائل: لا فارق بينهما، نقول: ما الداعي لهذا التشويش والإعراض عن شرع الله الجليل إذا لم يكن هناك فارق بين التشريع الرباني والتشريع الوضعي.
إن كثرة الفروق -كما قلت- تمنع المسلم من أن يترك دين ربه ليأخذ بشرع غيره، وإن قلة الفروق تعتبر عنده من أكبر الموانع بل أمنع مانع؛ لأنه لا داع إذاً للأخذ بغير شريعة الله؛ ولأنه في هذه الحالة يدل أخذه بغير شريعة الله على عدم مبالاته بشريعة الله.
ولو قدر أن الفروق قد انعدمت فالأخذ بالتشريع الوضعي في هذا الوقت كفر بواح وردة صريحة؛ لأنه لا مبرر للأخذ بذلك إذا انتفت الفروق إلا كراهية الانتساب إلى الإسلام.
يقول بعضهم: هذا حكم إسلامي لا نريده، وهذا تشريع وضعي وهذا كهذا، لكنا ننسب أنفسنا إلى التشريعات البشرية ولا نريد أن نأخذ بتشريعات رب البرية. هذا كله دافعه إذاً كره للإسلام ومحادة لذي الجلال والإكرام.
إذاً: هذه هي الحالة الأولى: من انحرف فيها عن حكم الله ولم يأخذ بشريعة الله فلا شك في كفره ضمن هذه الأحوال الستة.
فالخروج عن حكم الله تارة يعتبر كفراً، وتارة بدعة، وتارة فسقاً، وتارة خطأً لا خطيئة فيه على صاحبه.
فمن نازع الله في التشريع واستحل ذلك ورأى أن تشريعه ينبغي أن يحكم بين الناس، وأن تشريع الله لا يصلح أن يكون حكماً بين عباده فلا شك في كفره وردته.
سبحان ربي العظيم! لا يشرك ربنا في حكمه أحداً، وأمرنا أن لا نشرك في حكمه وفي عبادته أحداً.
ويحصل أيضاً الجمع بين هذا وبين ما قاله عدد من أئمتنا كـعبد الله بن عباس ، وغيره من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين أنه كفر دون كفر.
فبالتفصيل المتقدم نزل هذه الأحوال على حالة الناس، فمن اتصف بالحالة الأولى فكفره يخرجه من الملة، ومن اتصف بالحالة الثانية والثالثة فإنه كفر دون كفر، أي: هو مبتدع أو فاسق، ومن اتصف بالحالة الرابعة كما تقدم معنا فهو مخطئ ولا خطيئة عليه -كما سيأتينا إن شاء الله- فمن اتصف بالأحوال الستة المتقدمة فكفره يخرجه من الملة، ومن اتصف بعد ذلك بشبهة دفعته لترك حكم الله أو شهوة دفعته لترك حكم الله فكفره دون كفر، أي: كفر معصية، أو كفر نعمة ولا يخرجه ذلك من دين الله وشريعته.
بهذا التفصيل الذي ذكرته لأحوال المعرضين عن شرع رب العالمين، يحصل الجمع بين ما نقل عن سلفنا من أن الكفر هنا يراد منه الكفر المخرج من الملة، أو أن المراد كفر دون كفر.
إخوتي الكرام! هذا المعلم الأول الذي ينبغي أن ننتبه له في حياتنا: التشريع من خصائص ربنا، فلا يجوز أن تحكم على أمر بأنه بدعة أو سنة إلا على حسب نص شرعي، فيا ويح من يطلقون ألسنتهم في هذه الأيام بتبديع أهل الإسلام وليس عندهم في ذلك نص وبرهان.
فينبغي أن نتقي الله في ألسنتنا، وينبغي أن نتقي الله نحو أمة نبينا عليه الصلاة والسلام، ولا يجوز أن نضلل ونبدع إلا بعد برهان ويقين، وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ [النحل:116].
لهداية الإنسان ركنان، لا تحصل الهداية إلا بهما:
أولهما: شرع قويم.
وثانيهما: عقل سليم.
فلابد لحصول الهداية في الإنسان أن يوجد شرع، وأن يكون هذا الشرع قويماً وذلك هو شرع أحكم الحاكمين، شرع ربنا العظيم سبحانه وتعالى، وهذا الشرع يصاحبه بعد ذلك عقل سليم في الإنسان، اهتدى هذا العقل بشرع ربه فحصلت الهداية للإنسان.
أما الشرع القويم فإنه يقوم على أمرين ثم يفصل إلى أربعة أمور:
الشرع القويم: كتاب الله جل وعلا وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وما بني عليهما من إجماع رشيد وقياس سديد، فهذا شرع الله القويم، كتاب وسنة وما بني عليهما من إجماع الأمة ومن القياس السوي الصحيح، فهذا شرع الله، فإذا وجد هذا وكان عند الإنسان عقل نظيف كامل اهتدى بهذا الهدى وسعد في هذه الحياة وبعد الممات.
فالعقل السليم هو وصف غريزي يوجد في الإنسان، يفارق به البهيم الأعجم من الحيوان، ويحصل به العلوم النظرية ويدبر الصناعات الخفية، وهذا الوصف يوجد في الإنسان عند اجتنانه في بطن أمه، ولا يزال يكبر معه حتى يبلغ، فإذا بلغ اكتمل عقل الإنسان وجرى عليه قلم التكليف، فإذا اكتمل العقل فيك عند بلوغك واهتديت بشرع ربك فأنت على هدىً تام.
إخوتي الكرام! والصلة بين هذين الأمرين: الشرع القويم والعقل السليم، كالصلة تماماً بين الشمس والعين، فالعين بمنزلة العقل، والشمس بمنزلة شرع الله عز وجل، والعين مهما قويت فيها قوة الإبصار لا ترى بدون نور، والعقل مهما قوي فيه الذكاء والألمعية لا يهتدي بدون شرع العزيز الغفور، ولذلك كان وحي الله ودينه لعقولنا كالشمس لأعيننا، وهذا قرره أئمتنا الكرام قاطبة رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين منهم الإمام الحارث بن أسد المحاسبي الذي توفي سنة ثلاث وأربعين ومائتين للهجرة، وهو من العلماء الربانيين في هذه الأمة، وهو الذي يقول الإمام الذهبي في ترجمته: هو العارف الزاهد شيخ الصوفية وصاحب الكتب الوعظية. وقال مرة لتلميذه الجنيد عليهم جميعاً رحمة الله: ما أكثر ما تقول: أنسي في عزلتي، يعني: أن الإمام الجنيد يكثر من هذا القول، يقول: أنا عندما أكون في خلوتي مع ربي يحصل لي أنس وسرور، أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] يقول المحاسبي: والله لو أن نصف الخلق جالسوني لما أنست بهم، ولو أن نصف الخلق ابتعدوا عني وتركوني لما استوحشت منهم، فعلام تكثر بعد ذلك أن تقول: أُنسي في خلوتي؟ يقول: علق قلبك بربك جل وعلا ولا تُبَالِ بالناس إن أقبلوا أو أعرضوا.
ومن أحوال هذا العبد الصالح وكراماته عند ربه أنه كان بينه وبين الله عهد أنه إذا مد يده إلى طعام فيه شبهة أو حرام لا يستطيع أن يدخله فمه، فمرة مر ببعض الشوارع ورآه بعض تلاميذه وأصحابه وفيه علامة الضر والجوع فأدخله ليأكل، فمد الشيخ يده إلى الطعام، فلما رفعها إلى فيه طرحها على الأرض وخرج، فلحقه هذا وقال: كسرت خاطري، فماذا جرى؟ قال: بيني وبين الله عهد إذا كان الطعام فيه شبهة أو كان حراماً، إذا رفعته إلى فمي أن يخرج منه رائحة لا أستطيع أن آكله، قال له: إنني جائع وحاجتي ضرورية لكن هذا الطعام ليس من طرق شرعية.
وهذا الحارث بن أسد المحاسبي جرى بينه وبين الإمام أحمد عليهم جميعاً رحمة الله شيء مما ينبغي أن يطوي طالب العلم صفحاً عنه، وإذا أردت أن تبحث في هذا الأمر بإنصاف لئلا تقع في الضلال والاعتساف فانظر في طبقات الشافعية الكبرى للإمام السبكي في الجزء الثاني صفحة ثمان وسبعين ومائتين؛ لتعرف بعد ذلك ما ينبغي أن يكون عليه موقف طالب العلم نحو أئمتنا وما جرى بينهم من اختلاف، رحمة الله عليهم جميعاً.
الحارث المحاسبي عليه رحمة الله يقول: العقل كالبصر، وعلم الشرع كالسراج، والبصر لا يرى بدون سراج.
لا يمكن أن يرى البصر بدون سراج، ومن فقد البصر لا ينتفع بالسراج، ومن كان عنده بصر ولا سراج له لا يبصر ما يحتاج، فلابد من بصر وسراج، ولابد من عقل ووحي، ولذلك شرع الله لعقولنا كنور الشمس لأعيننا.
إخوتي الكرام! وإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن نهتدي بشريعة الله عز وجل لتذكو عقولنا، والانحراف عن شريعة الله مضيعة في الحياة وهلاك بعد الممات، وقد كان الإمام المبجل أحمد بن حنبل رحمة الله عليه وعلى أئمتنا أجمعين، كثيراً ما ينشد في مجالس تعليمه كما في كتاب جامع بيان العلم وفضله للإمام ابن عبد البر في الجزء الثاني صفحة خمس وثلاثين، فيقول الإمام أحمد :
دين النبي محمد أخبار نعم المطية للفتى الآثار
لا ترغبن عن الحديث وأهله فالرأي ليل والحديث نهار
ولربما جهل الفتى أثر الهدى والشمس بازغة لها أنوار
الرأي ليل والحديث نهار، وشريعة الله ضياء والعقل ظلمة، وكل عقل لا يهتدي بنور الله جل وعلا فهو عقل رديء، ولا خير في الذكاء الذي فيه إذا لم يصحبه الذكاء ألا وهو الاهتداء بشريعة الله الغراء.
وهذه الأبيات نسبها شيخ المحدثين الإمام الخطيب البغدادي في كتابه شرف الحديث وأهله إلى عبدة الأصبهاني ، فهي من شعره وهو من شيوخ الخطيب البغدادي ، قال: أنشدني عبدة ، ثم رواها، لكنها مقولة -كما قلت أيضاً- عن الإمام أحمد ومنقولة ولا مانع أن يتناقلها طلبة العلم والحديث، رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين.
وعليه إخوتي الكرام! لا يجوز لإنسان أن يدخل عقله في أمر من الأمور ليحكم عليه بأنه حرام أو حلال، حسن أو قبيح، حق أو باطل، خير أو شر، فضيلة أو رذيلة، محمود أو مذموم، منكر أو مشروع، هدى أو ردى؛ إلا على حسب شرع الله عز وجل، ومن أدخل عقله في هذه الأمور -أعني فيما يتعلق بسلوك الإنسان في هذه الحياة- وحكم على شيء من تصرفاته بأنه مباح أو محظور دون الالتجاء إلى شريعة العزيز الغفور، فهو ضال مبتدع مخرف يحكم العقل ويعرض عن شرع الله عز وجل.
فلابد من وعي هذا، فجميع الأمور السلوكية ينبغي أن ترد إلى شريعة رب البرية، فهو الخالق وهو المشرع، لا يشرك في حكمه أحداً سبحانه وتعالى.
إخوتي الكرام! هذا الأمر -كما قلت- لابد من وعيه غاية الوعي وهو أن هداية الإنسان في هذه الحياة تتوقف على أمرين: على شرع قويم وعلى عقل سليم، وهذا العقل ينبغي أن يهتدي بنور الله العظيم، ولا يجوز للعقل أن ينفرد في هذه الحياة بتحليل أو تحريم، ولا يجوز أن يدخل نفسه في أمر التشريع فهذا من خصائص الله جل وعلا.
وقد ألف الإمام ابن تيمية عليه رحمة الله رسالتين يقرر فيهما هذا الأمر، الرسالة الأولى: القاعدة الجامعة النافعة في وجوب اتباع نبينا عليه الصلاة والسلام، والرسالة الثانية: معارج الوصول إلى أن أصول الدين وفروعه قد بينها الرسول عليه الصلاة والسلام، والرسالتان ضمن مجموع الفتاوى في الجزء الثالث عشر صفحة ثلاث وتسعين في الرسالة الأولى، والرسالة الثانية تبدأ من صفحة خمس وخمسين ومائة فما بعدها.
وقد ألف الإمام ابن تيمية في توضيح هذه القضية كتاباً كبيراً سماه: درء تعارض العقل والنقل، ويسمى أيضاً بموافقة صريح المعقول لصحيح المنقول، والكتاب في عشرة مجلدات كبيرة ضخمة يزيد كل مجلد منها على أربعمائة صفحة، وبعضها يزيد على خمسمائة صفحة، يبين فيه موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول، وأنه لا يتعارض عقل صريح مع نقل صحيح، وإذا تعارضا فالآفة في واحد منهما.
هذه عقول تعترض على شرع الله وعلى هدي الرسول عليه الصلاة والسلام، فهي عقول فاسدة منكرة باطلة، عقول فيها فساد وخبث، عقول باض الشيطان فيها وعشعش وفرخ، فلا يغرنك هذا، فلا خير في قوة العقل وذكائه إذا لم يصحبه نور الله وهداه.
إن قوة العقل كقوة البدن، وإن الذكاء في الإنسان كحال الحكم عند من يلون الحكم، ولا خير في قوة البدن ولا في قوة الحكم ولا في قوة الرأي إذا لم تعبد هذه الأمور لله جل وعلا، إذا لم يكن الحاكم مطيعاً لله جل وعلا فلا خير فيه، وإذا لم يكن الذكي مطيعاً لله جل وعلا فلا خير فيه، وإذا لم يكن القوي الذي قوته في بدنه يصرف قواه في طاعة ربه فلا خير فيه، ولذلك كان أئمتنا إذا ذكروا بعض الأذكياء الذين غضب عليهم رب الأرض والسماء، ففي عقولهم ذكاء وألمعية لكن لم يهتدوا بشريعة رب البرية كـابن سينا والمعري وأضرابهما، إذا ذكروا هؤلاء يتلون قول الله جل وعلا: أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ [غافر:21-22].
فقوله: كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ [غافر:21] شامل لقوة البدن ولقوة العقل، ولا خير في القوتين إذا لم تعبد الله جل وعلا، ولا خير في الذكي ولا في القوي في بدنه إذا لم يعبدا الله عز وجل، هكذا كان مشايخنا يتلون هذه الآية عندما يذكرون ابن سينا وأضرابه كما ذكر هذا شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية أيضاً في مجموع الفتاوى في الجزء الثامن عشر صفحة ستين فقال: كان أئمة الإسلام ومشايخ الحنفية إذا ذكروا ابن سينا تلوا قول الله جل وعلا: أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ [غافر:21]، وفي آخر سورة غافر يقول الله جل وعلا: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون * فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ [غافر:82-85].
إذاً: كانوا أكثر منهم وأشد قوة، إذا زادوا عليهم في الكم وفي الكيف، لكن عقولهم انحرفت عن الهدى المقبول، فلا خير في عقولهم، ولذلك سيقر الكفار على أنفسهم يوم القيامة عندما يلقون في الجحيم بأنه لا عقل لهم ولا وعي في هذه الحياة: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10-11].
إخوتي الكرام! لابد من وعي هذه القضية، ولا يمكن أن يتناقض عقل صريح مع نقل صحيح، وإذا تعارضا فالآفة في واحد منهما.
إن الشرع -كما قال أئمتنا- أعظم مرشد للإنسان في ظلمة الشهوات والشبهات وظلمة اختلاف الآراء، ولذلك قال أئمتنا عليهم جميعاً رحمة الله:
الشرع أعظم مرشد في ظلمة الشبه البهيمة
والعقل يقفوه ولولاه لكنا كالبهيمة
فاتبعهما ومن لحاك عليهما قل يا بهي مه
الشرع أعظم مرشد في ظلمة الشبه البهيمة
أي: الشبه العظيمة السوداء الشنيعة فلا ينقذك منها إلا الشرع.
والعقل يقفوه، ولولا أن من الله علينا بالعقل لكنا كالبهيمة وهو البهيم من الحيوان.
فاتبعهما ومن لحاك عليهما أي: ذمك لأنك تتبع الشرع وتجعل عقلك تابعاً له: فقل يا بهي مه.
وهنا يقصد من هذه اللفظة (يا بهي) أي: يا ظريف، يا عاقل، يا كيس! مه! أي: انكفف عن لومك وعتبك، فنحن إذا لم نسترشد بنور الشرع ولم نجعل عقولنا تبعاً لشرع ربنا فقد ضللنا.
فالبهيمة في قوله: في ظلمة الشبه البهيمة في البيت الأول بمعنى: الخالصة السواد والفساد، والبهيمة في البيت الثاني بمعنى: الحيوان البهيم، والبهيمة في البيت الثالث كلمة مفصولة ووصلت -كما قال أئمتنا- لتحقيق التورية أي: يا بهي مه، أي: كف عن هذا، كيف تلومني على اتباع الشرع وأن أجعل عقلي تابعاً لشرع ربي؟!
علم العليم وعقل العاقل اختلفا من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا
فالعلم قال أنا أحرزت غايته والعقل قال أنا الرحمن بي عرفا
فأفصح العلم إفصاحاً وقال له بأينا الله في فرقانه اتصفا
هل اتصف بالعلم أو بالعقل؟
فبان للعقل أن العلم سيده فقبل العقل رأس العلم وانصرفا
نعم، إن علم الشرع معصوم لا يخطئ، وإن العقول عرضة للخطأ، وما عبادة الأحجار والأشجار والفروج إلا من جراء التعويل على العقل المعكوس المنكوس، لأن العقل إذا كان صريحاً لا يتعارض مع شرع الله الصحيح، ولذلك قيل لأعرابي: ما الذي دعاك للإيمان؟ قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بشيء فقال عقلي: ليته لم يأمر به، ولا رأيته نهى عن شيء فقال عقلي: ليته أمر بخلافه، ولا رأيت رسول الله عليه الصلاة والسلام أحل شيئاً فقال عقلي: ليته حرمه، ولا رأيته حرم شيئاً فقال العقل: ليته أحله.
فالعقل إذا كان صريحاً سيوافق ما أتى به النقل الصحيح، وإذا تعارضا فالآفة في أحد منهما، فإذا ثبت النقل وكان صحيحاً تعين أن تكون الآفة في عقلك. فانتبه لذلك!
يقول الله جل وعلا: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا * قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا [الإسراء:61-63] إلى آخر الآيات.
ومعنى قوله: (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا) أي: لأستولين عليهم كما يستولي الجراد على الزرع، يقال: احتنك الجراد الزرع إذا استأصله، ولأقودنهم إلى حيث شئت من الإغواء والإغراء، كما يقال: جعلت للفرس حنكة إذا جعل الرسن في فيه، ليقوده إلى أي مكان شاء. فهو يريد أن يستولي على ذرية آدم بالإغواء والإضلال والإفساد.
انظر للشبهة التي عنده: لم لا يسجد لأبينا آدم؟ يقول: ذاك خلق من طين وهو -أي: إبليس- خلق من مارج من نار، وهو خير منه فكيف يسجد له؟! أيها اللعين! الشيطان الرجيم، أنت تدري على من تعترض في هذا الحين؟ أنت تعترض على رب العالمين سبحانه وتعالى، والنقل إذا ثبت لا يجوز أن تعارضه بعقلك، ولذلك قال أئمتنا: إذا عارض الرأي نصاً فهو رأي فاسد الاعتبار لا ينظر في مضمونه ولا يعول عليه ولا يؤبه به.
فكيف يعارض مخلوق الخالق؟ سبحان الله! مؤدى هذا الكلام: يا من خلقتني! أنا أعلم منك، ويا من أحكمت كل شيء! أنا أحكم منك، مؤدى هذا الكلام، أنك تعترض على ذي الجلال والإكرام، ثم بعد ذلك تأخذ العهد بأنك ستغوي بني آدم؟ وهذه زيادة فساد، فأنت تعلم علم اليقين أنك لو أغويت جميع المخلوقين لما تضرر رب العالمين، وأنت تسوق هذا مساق الإغاضة لله جل وعلا وهو لا ينتفع بطاعة الطائعين ولا يتضرر بمعصية العاصين.
وأنت تعلم علم اليقين أنك لا تضل وتضر إلا أمثالك وأتباعك، ولا تستطيع أن تضل من حفظه الله وهو من أوليائه الصالحين، إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [الإسراء:65]، انظر لهذا الاعتراض من هذا العبد المخذول، من هذا الأحمق إبليس.
ثم إن هذا الكلام مع فساده ومعارضته لشرع الله هو كلام متناقض في نفسه باطل لا حقيقة له، فما الذي فضل جوهر النار على جوهر الطين؟ ولم كان جوهر النار أفضل من جوهر الطين؟
إن الأمر على العكس من ذلك، إن جوهر الطين فيه رزانة وهدوء وحلم وأناة وروية، وإذا أردت أن تعرف أثر الطين فانظر إلى البساتين، تضع في الطين حبة فتخرج لك شجرة فيها الثمار والأزهار، وأما النار فطبيعتها الطياشة والحماقة والتفريق والإفساد، فجوهر الطين أيضاً خير من جوهر النار، وأنت تقول: أنا خير منه، هذا كلام باطل.
لو سلمنا لك ما تقول وأن جوهر النار خير من جوهر الطين، لو سلمنا، فهل يلزم أن كل فرد وفرع من ذلك الأصل -أي: من جوهر النار- هو خير من كل فرد ونوع من جوهر الطين؟ لا، ثم لا، ونقول لك ما قاله القائل:
إذا افتخرت بآباء لهم شرف قلنا صدقت ولكن بئس ما ولدوا
ويكفي أنك تعترض على ربك جل وعلا. فهذا هو المخذول الأول.
فأخبر الله عن افتخاره بنعم الله فقال: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ [الزخرف:51]، ثم أخبر الله عنه بأنه ادعى الربوبية، كما قال الله جل وعلا في سورة النازعات: فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى [النازعات:23-25]، يقول: الأنهار تجري من تحتي. من الذي أجراها؟ إنه الله رب العالمين، وهي موجودة قبلك، وملكك الله هذا، فقابلت نعم الله بأشنع أنواع الكفر؟! أهذا هو نتيجة إنعام الله عليك؟ أن تقابل نعمه بأشنع أنواع الكفر؟ وتعارضه في الربوبية وتدعي أنك رب معه سبحانه وتعالى؟ يا سبحان الله! ما هذا الجنون البارد؟ كيف تفتخر بساقية ما أجريتها، لا تعلم مبتداها ولا منتهاها، ولا تعلم عدد الأنهار سواها، فبأي شيء تفتخر؟ تفتخر بأن الماء يجري تحت قصورك وهو عما قريب سيجري فوق بدنك؟ ولذلك عندما أدركه الغرق: قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90] فقيل له: آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ [يونس:91-92].
يقول هذا في سلسلة كتب أخرجها هي سلسلة دراسات سكيلوجية، وكتابه أسس الصحة النفسية يزيد على خمسمائة صفحة، ليس فيه باسم الله ولا قال الله ولا بين رسول الله عليه الصلاة والسلام، والكتاب يقرر أيضاً على أولاد المسلمين في مراحل الجامعة على البنين والبنات، ولما عورض هذا الكتاب من قبل بعض الناس نحي هذا الكتاب، لكن مع تنحية الكتاب نحي المعترض أيضاً، وفي هذا الكتاب يذكر ما هو كفر بواح عن طريق هذا العقل البشري، وهذا الكفر يراد أن يقرر في هذه الأيام فانتبهوا له إخوتي الكرام.
إن ما يجري في هذه الأيام -كما يقولون- من مؤتمر الإسكان، وجمع له الناس من أقطار البلدان، يبحث في النمو البشري على تعبيرهم وليقرروا ما سيذكرونه مما سينشر بعد حين، إن هذا سبقته دراسات ودراسات، فانظر لدراسة هذا العبد المخذول الزائغ في كتابه أسس الصحة النفسية وفي سلسلة الدراسات السكيولجية.
يقول: يجب الخلط بين البنين والبنات في جميع مراحل التعليم. لم؟ ما الدليل؟ انتبه وانظر للدليل العقلي، فليس عنده لا كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس، قال: لأن المدارس صورة للمجتمع، وبما أنه يختلط البنون والبنات في المجتمع فينبغي أن نخلط بينهم في المدرسة. وهذا هو الدليل الأول. من قال لك: إن بنات المسلمين يختلطون مع أبناء المسلمين؟ إنهم لا يختلطون، وإذا قدر أنهم يسيرون في شارع واحد أو في سوق واحد فهناك حواجز، كل واحد لا صلة له بالآخر إلا ضمن حدود الشرع، فمن قال لك بأنهم يختلطون؟
الأمر الثاني: يقول: عندما نخلطهم نرفع الحواجز والكبت من نفوسهم، وبذلك نسعد الصنفين.
الأمر الثالث بعد ذلك: يقول: إذا خلطنا بينهم في معاقل التعليم ينبغي أن نرفع كل حاجز اصطناعي يوضع، فلا مراقبة ولا معاتبة؛ وعليه ينبغي أن نقرر الأولاد من بنين وبنات على النظام في تلك المدارس حسب حاجتهم ومشاكلهم، فإذا جرى من أحد الصنفين نحو الآخر استلطاف فمد يده وضمه إليه أو قبله أو.. أو.. أو.. يقول: هذا كله أمر طبيعي، لا يجوز أن يفسر بأنه عشق وغرام، إنما هذا تعبير عن الصداقة.
وهذا ما يروج له في هذه الأيام أن البنات ينبغي أن يأخذن حريتهن في الفساد، وأن الأولاد من صنف الذكور كذلك، وإذا حصل أن بطن الأنثى قد انتفخ فينبغي بعد ذلك على المستشفيات العامة أن تقوم بعملية الإجهاض. سبحان رب العباد! سبحان الله العظيم! دعوة إلى الزنا لكن باسم الصداقة، إن هذا النوع من الزنا كان معروفاً في الجاهلية وهو اتخاذ الأخدان، ولذلك لا يجوز للنساء أن يتخذن الأخدان، ولا يجوز للأزواج أن يتخذوا أيضاً الأخدان، كما نص الله على هذا في سورة النساء وفي سورة المائدة. والخدن: هو المصاحب، وغالب ما يقال في صحبة الشهوة، وقد كان هذا موجوداً في الجاهلية، يكون للمرأة حليل وخليل، وإذا اجتمعا كان لحليلها ما تحت الإزار، وكان لخليلها ما فوق الإزار، وربما سأل أحدهما البدل فيتبادلان. يراد إعادة هذه الجاهلية في هذه الأوقات الرديئة؟
وأما نغمة الاقتصاد التي يبحث بها أهل عقول الفساد فأقول: إن الاقتصاد يقوم على ركنين ركينين: الموارد، الإنتاج، والتوزيع والتصريف، ولا تصاب الأمة بضائقة لقلة إنتاج، إنما تصاب بضائقة لسوء التوزيع وللفساد في التصريف، ولذلك الأمم تشقى في هذه الأيام لعدم مراقبة الله في إنفاق المال وفي تصريفه حسبما شرع الله جل وعلا.
إخوتي الكرام! وما سينتج عن هذا المؤتمر -مؤتمر الإسكان- لابد من أن يقف نحوها المخلصون، وأن يحذروا عباد الله.
إخوتي الكرام! أما ما يتعلق بالأمر الثالث ألا وهو: منزلة الاجتهاد في الإسلام، وهو المعلم الثالث من المعالم الثلاثة التي ينبغي أن نعيها فأرجئ الكلام عليه مع شيء من التوضيح للأمر الثاني أيضاً حول موقف العقل من النقل إلى الموعظة الآتية إن شاء الله.
اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، اللهم ألهمنا رشدنا، اللهم ألهمنا رشدنا، اللهم ألهمنا رشدنا، اللهم احفظنا من شرور أنفسنا، اللهم قنا شح نفوسنا يا أرحم الراحمين، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم اغفر لمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر