اليهود المغضوب عليهم يعيثون اليوم فساداً في أرض الإسراء، فيبطشون بالمسلمين الأبرياء، لا يفرقون في ذلك بين كبير وصغير، ولا بين مريض وصحيح، ولا بين رجل وامرأة، بل يحرصون على أن تسيل منهم الدماء، ومع هذا يخادعون الأمة المحيطة بهم بدعوى السلام، ووالله لن يخرجوا من الأرض المقدسة إلا بالجهاد المبني على العقيدة.
-
الانفصام بين المنهج المنير والواقع المرير
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأحبابه وأصحابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد:
فحياكم الله جميعاً أيها الإخوة الفضلاء الأعزاء! وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً، وأسأل الله الحليم الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتي في الله! حقوق يجب أن تعرف، سلسلة منهجية تحدد الدواء من القرآن والسنة لهذا الداء العضال الذي استشرى في جسد الأمة، ألا وهو: داء الانفصام النكد بين المنهج المنير والواقع المرير، فأنا لا أعلم زماناً قد انحرفت فيه الأمة عن منهج ربها ونبيها كهذا الزمان، فأردت أن أذكر نفسي وأمتي من جديد بهذه الحقوق الكبيرة التي ضاعت! عسى أن تسمع الأمة مرة أخرى عن ربها ونبيها صلى الله عليه وسلم، وأن تردد مع السابقين الصادقين قولتهم الخالدة التي حكاها الله بقوله:
سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285].
ونحن اليوم على موعد مع اللقاء الخامس عشر من لقاءات هذه السلسلة الكريمة، وحديثنا اليوم في هذا الظرف العصيب، وفي هذا الوقت الحرج، عن حق عظيم جليل كبير ألا وهو: حق القدس.
فإن الداعي الصادق -أسأل الله أن نكون منهم- لا ينبغي أبداً أن يكون بموضوعاته وأطروحاته في وادٍ وأن تكون أمته الجريحة المسكينة بأحداثها المؤلمة المفجعة في وادٍ آخر، ومن ثمَّ فحديثنا هذا في سلسلة الحقوق هو عن حق القدس المبارك، وسوف ينتظم حديثي في هذا الموضوع الجريح النازف في العناصر المحددة التالية:
أولاً: اليهود إخوان القردة والخنازير وزمرة الشيطان.
ثانياً: متى يفيق النائمون؟
ثالثاً: مقومات النصر.
وأخيراً: سيهزم اليهود.
فأعيروني القلوب والأسماع جيداً، والله أسأل أن يهزم اليهود، وأن ينصر المسلمين في فلسطين؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
اليهود هم إخوان القردة والخنازير وزمرة الشيطان.
أيها المسلمون! والله الذي لا إله غيره! لولا أن الله قد أخذ على أهل العلم العهود والمواثيق أن يبينوا ويتكلموا ما تكلمنا، فلقد مضى زمن الكلام، وانتهى زمن التنظير، ولا مجال مطلقاً للجهود الدبلوماسية بعدما نطقت الدبابة والبندقية على أيدي أرذل وأنجس وأحقر أهل الأرض من إخوان القردة والخنازير، فلا مجال للكلام مطلقاً، ولولا أن الله قد أخذ على أهل العلم العهد والميثاق أن يبينوا والله! ما بينا، ووالله! ما تكلمنا.
لقد طاردتني الصور المؤلمة التي تحرق فؤاد كل مسلم حي -هذا إن كنا لا زلنا نحمل في الصدور أفئدة- ولا حول ولا قوة إلا بالله.
طاردتني كما طاردت كل مسلم صادق هذه الصور المؤلمة التي تحرق القلب، إنها صورة الطفل المسكين الذي لا ذنب له ولا جريرة إلا أنه ولد فوق الثراء الطاهر والأرض المباركة، فوق مسرى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ، فقام اليهود المجرمون الأنذال الذين لا يعرفون رحمة ولا يعرفون شفقة بقتله، حتى بعدما احتمى الطفل بأبيه، وجعل يرفع يديه خائفاً من هؤلاء المجرمين، وجعل الوالد المسكين يرفع يده مسلماً مستسلماً، ولكن هيهات هيهات أن يعرف اليهود الرحمة، اللهم إلا إذا دخل الجمل في سم الخياط! فأطلقوا الرصاص على رأس هذا الطفل المسكين فأردوه قتيلاً، وإن شئت فقل: لقد قتلوا أباه وإن لم تمته الرصاص، فتصور أن يموت ولدك بين يديك بهذه الصورة التي تحرق الأفئدة؟!
والله! لقد نظرت إلى أطفالي بالأمس القريب، وتخيلت أن قاذفة من قاذفات العدو اليهودي قد أطلقت على بيتي وأنا فيه مع أهلي وأولادي، فتمزقت أشلاء أطفالي أمام عيني وبين يدي، فلم أذق طعم النوم؛ فأنى للقلوب التي تعرف حقيقة الإيمان، والتي ذاقت حلاوة الولاء والبراء أن تعرف طعم النوم، وأن تعرف طعم الراحة؟
والله! لولا أن المصطفى كان في المصائب يأكل لما أكلنا، إنها المصيبة والمأساة، فالطائرات والدبابات والصواريخ والمدفعية تدق بيوت الفلسطينيين العزل الذين لا يملكون إلا إيماناً بالله جل وعلا، ثم الحجارة، ثم الحجارة، ثم الحجارة.
وطاردتني صورة امرأة عجوز يتساقط بيتها فوق رأسها، وهي تنظر إلى سقف البيت يتحطم، ولا تملك أن تفعل شيئاً على الإطلاق.
وطاردتني صورة الأقصى الجريح وهو يأن ويستجير، وهو يصرخ في المسلمين: واإسلاماة! واإسلاماة! لكن من يجيب؟! القدس يصرخ، ولقد انتابتني حالة نفسية عجيبة.. حالة نفسية مؤلمة، لكن من يجيب؟ كنت أصرخ، ولكن الصرخة في صحراء مقطعة مهلكة، كما قال الشاعر:
عبثاً دعوت وصحت يا أحرار! عبثاً لأن قلوبنا أحجار
عبثاً لأن عيوننا مملوءة بالوهم تظلم عندها الأنوار
عبثاً لأن شئوننا يا قومنا! في الغرب يفتل حبلها وتدار
ولأننا خشب جامدة فما ندري ماذا يصنع المنشار
أما سقوط الأقصى فحالة مألوفة تجري بها الأقدار
هذي شئون القدس ليس لنا بها شأن وما للمسلمين خيار
يا ويحكم! يا مسلمون! قلوبكم ماتت فليست بالخطوب تثار
أنكرتم الفعل الشنيع بقولكم شكراً لكم لن ينفع الإنكار
شكراً على تنظيم مؤتمراتكم وعلى القرار يصاغ منه قرار
وعلى تعاطفكم فتلك مزية فيكم تصاغ لمدحها الأشعار
يا ويحكم! يا مسلمون! نساؤكم في القدس يسألن عنكم والدموع غزار
هذه تساق إلى سراديب الهوى سوقاً وتلك يقودها الجزار
لو أن سائحة من الغرب اشتكت في أرضكم لتحرك الإعصار
أما الصغار فلا تسل عن حالهم مرض وخوف قاتل وحصار
واليهود يذبحون ويقتلون وما لهم ناصر ودمع عيونهم مدرار
يا ويحكم! يا مسلمون! تنسون أن الضعف في وجه العدو مذلة وصغار
هذي هي القدس يحرق ثوبها عمداً ويهتك عرضها الأشرار
تبكي وأنتم تشربون دموعها وعن الحقائق زاغت الأبصار
وهذا هو الأقصى يُهوَّد جهرة وبجرحه تتحدث الأخبار
هذا هو الأقصى يطحنه الأسى وجموعكم يا مسلمون عار
ملياركم لا خير فيه كأنما كتبت وراء الواحد الأصفار
ما جرأ اليهود إلا صمتكم ولكم يذل بصمته المغوار
خابت سياسة أمة غاياتها تحقيق ما يرضى به الكفار
يا قدس! أرسل دمع العين مدراراً عميق الحزن وصب من النزف أنهار
يا قدس! تاه الأهل والأحباب وعدت بأرض الأنبياء كلاب
قدساه! أرض النور دنسها الدجى والحق ضاع وتاهت الأنساب
قادت قرود الإفك قافلة الهدى وسجى بوجه النائمين ذباب
ليكود قاد عصابة يعلو بها بالقدس مكر محدق وحراب
طعنوا بها الشرفاء طعن مذلة فثوى بقدس المعجزات خراب
والقبة العظمى تسيل دماؤها والقدس يبكي واشتكى المحراب
وبدا اليهود بأرضنا وكأنهم أصحاب أرض ما لها أصحاب
ضاعت فلسطين الجريحة واعتلى أقصى المساجد بالسواد ثياب
قدساه! أين الفاتحون؟ أين
عمر بن الخطاب ؟ أين
أبو عبيدة بن الجراح ؟ أين
صلاح الدين ؟ أين
محمود نور الدين ؟ أين
قطز ؟
قدساه! أين الفاتحون وعزهم أين الجهاد الحق والألباب
ماذا أصاب المسلمين فهل ترى يجدي لديهم بالخطوب عتاب
اليهود هم اليهود، وقد كررنا ذلك حتى بحت الأصوات، لكن الأمة لا تريد أبداً أن تصدق رب الأرض والسماوات، فمتى وفى اليهود بعهد على طول التاريخ؟!
لقد نقض اليهود العهود مع الأنبياء ومع رب الأرض والسماء، وأسأل بمرارة هل ينقض اليهود العهود مع الأنبياء ورب الأرض والسماء ثم يوفي اليهود اليوم بالعهود للحكام والزعماء؟!
ها هو
رابين قد أعلنها صريحة مدوية: لقد ماتت عملية السلام! وقد قلنا ذلك مراراً قبل ذلك فلم يصدقنا أحد.
فحال أمتنا حال عجيبة، وهي لعمر الله بائسة كئيبة
يجتاحها الطوفان طوفان المؤامرة الرهيبة
ويخطط المتآمرون كي يغرقوها في المصيبة
وسيحفرون لها قبوراً ضمن خطبتهم رهيبة
قالوا: السلام، قلت: يعود الأهل للأرض السليبة
وسيلبس الأقصى غداً أثواباً قشيبة
فإذا سلامهم هو التنازل عن القدس الحبيبة
فبئس سلامهم إذاً، وبئست هذه الخطط المريبة
فالمسجد الأقصى بالدماء له ضريبة
قال ربنا الذي خلق اليهود وهو وحده الذي يعلم من خلق:
أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، وقال جل وعلا:
أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ [البقرة:100]، وقال جل وعلا:
فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ [المائدة:13] أي: على خيانة بعد خيانة، هذا كلام ربنا جل وعلا، ولا أريد أن أقف مع آيات القرآن؛ فالآيات كثيرة.
قال جل جلاله:
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ [المائدة:60]، وقال جل وعلا:
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ *
كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79].
فها هو القرآن يُقرأ ويُتلى في الليل والنهار، ولكن من يطبق كلام العزيز الغفار؟! ومن يطبق كلام النبي المختار صلى الله عليه وسلم؟! اليهود قوم بهت، وقوم خيانة، وهم متخصصون يا مسلمون! في نقض العهود، والله! الذي لا إله غيره لن تجد في إسرائيل وزارة أبرمت عهوداً ووفت بها في تل أبيب أو في غيرها، ولن تجد وزارة أو حزب عمل أو حزب ليكود يحترم عهداً أو ميثاقاً، فهذه جبلة وطبيعة اليهود منذ أول لحظة هاجر فيها المصطفى إلى المدينة، وقام
عبد الله بن سلام حبر اليهود الكبير فنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فعرف أنه ليس بوجه كذاب، فشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وقال للمصطفى: (
يا رسول الله! اليهود قوم بهت، وأهل ظلم ينكرون الحقائق، فاكتم عنهم خبر إسلامي وسلهم عني، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بطون اليهود وقال لهم: ما تقولون في عبد الله بن سلام؟ قالوا: سيدنا وابن سيدنا، وحبرنا وابن حبرنا، فقام
عبد الله بن سلام إلى جوار رسول السلام صلى الله عليه وسلم، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فرد اليهود الكلاب المجرمون على لسان وقلب رجل واحد في حق
عبد الله بن سلام، وقالوا: هو سفيهنا وابن سفيهنا، وجاهلنا وابن جاهلنا).
الكفر ملة واحدة، فمتى سترجع الأمة إلى ربها سبحانه وتعالى لتحقق منهج الله في الأرض، ولتكون أهلاً لنصرة الله؟! فالأمة تملك مقومات النصر، وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء، وأعظم مقوم تملكه أمة التوحيد هو: عقيدة (لا إله إلا الله)، لقد صرخ أبطالنا المصريون في حرب العاشر من رمضان بلفظة التوحيد: الله أكبر، لا إله إلا الله، فرأينا أسطورة العدو الذي لا يقهر تتهاوى إلى ركام في ركام في ساعات قليلة.
فمتى عرفت الأمة ربها، ورددت كلمة لا إله إلا الله، وكبر في قلبها وعظم في صدرها جلال الله، وقالت: الله أكبر؛ نصرها ربها تبارك وتعالى، كما قال عز وجل:
وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [آل عمران:126].
فالعقيدة هي التي حولت سحرة فرعون إلى موحدين في التو واللحظة، واسترخصوا واستعذبوا كل بلاء، إنها العقيدة التي تملأ القلوب بالثقة في رب الأرض والسماء، والعقيدة تجعل كل فرد في الأمة ينظر إلى أمم الكفر على أنها هباء، وأنا لا أقول ما لا أعرف، بل أنا أعلم يقيناً حجم قوة أعدائنا، وأعلم يقيناً أن أمريكا من وراء اليهود، فإسرائيل غدة سرطانية في قلب العالم الإسلامي غرسها أعداء الإسلام، وغرستها أمم الكفر في قلب الوطن العربي.
وإن شئت فقل: إسرائيل حاملة طائرات ودبابات وصواريخ، يسكن على ظهرها ما يزيد عن خمسة مليون هم لأمريكا بمثابة اليد الطولى، فهي قريبة من روسيا من ناحية، ومن أوربا من ناحية، وفي قلب العالم الإسلامي من ناحية ثالثة، وقريبة من آبار النفط والموارد المعدنية من ناحية رابعة.
ومن ناحية خامسة فهي تشكل عمقاً استراتيجياً يمتد عبر ثلاث قارات، فهذه الدولة لا يمكن لأمريكا أن تتخلى عنها أبداً؛ لأنها تمثل اليد الطولى لأمريكا في المنطقة وفي قلب العالم الإسلامي والعربي، ومن ثمَّ فستظل أمريكا وراء اليهود حتى تفيق الأمة وترجع من جديد إلى العزيز الحميد؛ لتأخذ بما تملك من أسباب ومقومات النصر، وهي كثيرة.
أقسم بالله إن الأمة الآن قادرة على أن تجعل أمريكا في الغد تركع، يا إخوة! أنا أعي ما أقول تماماً، أقول: يكون ذلك بالعقيدة وبكلمة سواء يتخذها قادة العرب برجولة وصدق وقوة؛ فلم يعد هناك مجال للخلافات والنزاعات والتشرذم والتهاون، ولم يعد هناك وقت للضياع، فلو اتخذوها وأعلنوها لله تبارك وتعالى لتغيرت الموازين.
ولو اتخذت الأمة الآن قراراً بإسقاط التعامل بالدولار الأمريكي -لا أقول: في الاقتصاد ككل بل في مبيعات البترول فقط- والله! لانهارت أمريكا في التو واللحظة، فبمجرد هذه الأزمة ارتفعت أسعار البترول في البورصة العالمية، فهددت هذه الأسعار أمريكا اقتصادياً؛ حتى اضطرت أمريكا أن تعلن أنها ستسحب من احتياطياتها من البترول، والآن ارتفعت أسعار البترول مرة أخرى لهذا الوضع الحرج.
تستطيع الأمة بقرار -كما استطاعت في حرب العاشر من رمضان بقرار البترول- أن تغير الدفة، وأن تغير الموازين، فالأمة تستطيع أن تفعل شيئاً كبيراً جداً؛ لأنها تملك العدد، وتملك العتاد، وتملك العمق الاستراتيجي، وتملك العقول الموهوبة التي لا تقل أبداً عن عقول الغرب، بل إن عقول أبناء الأمة في الغرب تبدع، وليست فقيرة، وليست جاهلة، وليست ضعيفة، لكنها مهزومة نفسياً، والمهزوم النفسي مشلول الفكر والحركة.
فلتصحح الأمة عقيدتها بالله جل وعلا، فتلك العقيدة هي التي ستخرج الأمة من هذا المستنقع، ومن الهزيمة النفسية القاتلة.
تلك العقيدة هي التي جعلت أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم يتحولون من رعاة للإبل والغنم إلى سادة وقادة لجميع الدول والأمم.
تلك العقيدة هي التي انطلقوا بها فدمدموا العالم القديم بصولجانه وجبروته، واستطاعوا بهذه العقيدة الصحيحة الصافية أن يقيموا للإسلام دولة من فتات متناثر في وسط صحراء تموج بالكفر موجاً فإذا هي بناء شامخ عظيم لا يطاوله بناء.
تلك العقيدة هي التي جعلت
طلحة بن عبيد الله يرمي بين يدي المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يحمي رسول الله بصدره وهو يقول: (نحري دون نحرك يا رسول الله!).
تلك العقيدة جعلت
عمير بن الحمام يسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (
قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض فيقول عمير: بخ بخ! جنة عرضها السماوات والأرض، فيقول له المصطفى: يا
عمير! ما حملك على قول: بخ بخ؟ فيقول
عمير : لا يا رسول الله! إلا أني رجوت أن أكون من أهلها، فقال المصطفى: أنت من أهلها) فأخرج تمرات يأكلهن ليتقوى بهن على القتال، وبينما هو يأكل تذكر الجنة وتذكر الموت في سبيل الله فقال لنفسه: ما بيني وبين الجنة إلا أن آكل هذه التمرات، وأنطلق في الصفوف لأقاتل فأقتل، والله! لأن حييت حتى آكل هذه التمرات إنها لحياة طويلة، فألقى التمرات على الأرض، واندفع في صفوف القتال صادقاً مع الله ليصدقه الله عز وجل.
العقيدة هي التي جعلت الصحابة رضوان الله عليهم يبذلون الغالي والنفيس في نصرة دين الله.
العقيدة هي التي ستحرك القلوب والجوارح للجهاد في سبيل الله، فأنا أدين لله تبارك وتعالى أن طريق النصر آتٍ بتصحيح العقيدة ورفع راية الجهاد في سبيل الله، والله الذي لا إله غيره! لو أعلن الجهاد الآن وقيل: حي على الجهاد! من قبل أي حاكم من حكام العرب والمسلمين، والله! لخرج ملايين الشباب، بل والشيوخ، بل والنساء، بل والله! لخرج صبياننا وأطفالنا، والله! لخرجوا بغير سلاح ليصد أحدهم بصدره فوهات مدافع اليهود، ليرزقه الله الشهادة في سبيله، وليعلم أنجس أهل الأرض أن محمداً ما مات، وما خلف بنات، بل خلف أطهاراً أبراراً تحترق قلوبهم شوقاً للشهادة في سبيل الله.
والله الذي لا إله غيره! لم يعد لهذه القضية إلا الجهاد، فليفطن إليها الحكام والزعماء، وليعلم اليهود أن الشباب المسلم التقي النقي، وهذه الأمة التي قد مرضت واعترتها فترات من الركود الطويل أنها ما ماتت، ولن تموت بموعود الله، وبموعود الصادق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدق المصطفى إذ يقول كما في مسند
أحمد بسند صحيح من حديث
ابن عمر : (
إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، واتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)، وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: (
إن في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، أعدها الله للمجاهدين في سبيله) ، وفي صحيح مسلم من حديث
أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (
من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً دخل الجنة، فقال أبو سعيد : أعدها عليَّ يا رسول الله! فأعادها عليه، ثم قال: ألا وإن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، أعدها الله للمجاهدين في سبيله) .
فأمريكا، وهيئة الأمم، وحلف الأطلنطي، ومجلس الأمن؛ كل هذه الهيئات والمنظمات لا تريد أبداً للقضية أن تصبغ بالصبغة الإسلامية، لا تريد أبداً للقضية أن تخرج عن إطار القومية والوطنية والعروبة، فهم يعلمون أن القضية لو صبغت بالصبغة الإسلامية، ورفعت راية الجهاد لتحولت الموازين.
فاليهود يحاربوننا عن عقيدة، وقد أعلنها
بن غوريون أول رئيس وزراء إسرائيل، في هيئة الأمم بعدما اعترفت الدول العظماء بإسرائيل فقال بالحرف: قد لا يكون لنا الحق في فلسطين من منظور سياسي أو قانوني، ولكن فلسطين حق لنا من منظور ديني، فهي أرض المعاد التي وعدنا الله إياها من النيل إلى الفرات، ثم قال: لا معنى لفلسطين بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل، ولا معنى لقيام دولة إسرائيل على غير أرض المعاد!
وترجم هذه العقيدة كل رؤساء وزرائهم، بدأ من
بن غوريون إلى
باراك ، ولقد أصدر
نتنياهو أربعة عشر قراراً استيطانياً في فترة حكمه، وكان من آخرها القرار الذي صدر بالاستيطان في منطقة جبل أبو غنيم ليؤكد بذلك التطوق السكاني اليهودي في القدس الشرقية، وقد صرح مراراً أنه لا مجال لأي مفاوضات لتقسيم القدس، فالقدس بشطريها عاصمة أبدية لإسرائيل!
فهم على عقيدة، ولاحل إطلاقاً مهما جلسوا للمؤتمرات واتخذوا القرارات إلا إذا صححت الأمة عقيدتها، ورفعت راية الجهاد في سبيل الله؛ فلم يعد هناك وقت للتنظير ولا للكلام، وليرى الحكام من هذه الأمة ما تقر به عيونهم إن صححوا العقيدة ورفعوا راية الجهاد في سبيل الله.
هذا ما أدين به لربي في هذا الظرف الحرج، وأسأل الله جل وعلا أن يهزم اليهود، وأن يخلص إخواننا المستضعفين العزل من شرهم وكيدهم، وأن يحرك قلوب حكام العرب لما يحبه ويرضاه؛ إنه ولي ذلك ومولاه.
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
-
إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بهزيمة اليهود
ثبت عن نبينا الصادق الذي لا ينطق عن الهوى في مسند
أحمد وغيره بسند صحيح: أنه (
وضع يوماً يده على رأس أبي حوالة الأسدي رضي الله عنه، ثم قال النبي لـ
أبي حوالة: يا
أبا حوالة! إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك) وأنا أسأل وأقول: هل تنزل الخلافة الأرض المقدسة والقدس عاصمة أبدية للصهاينة؟
وفي الصحيحين من حديث
أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (
لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون) وهذا وعد الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، وأنا أرى فيما أراه الآن من حرب بكل معنى الكلمة من اليهود للعزل والمدنيين في فلسطين، أرى أن في هذه الحرب خيراً كثيراً، ولا أراها خيراً في ذاتها، بل أراها -إن شاء الله تعالى- القشة التي ستقصم ظهر البعير.
فإنا لم نر منذ الاحتلال إلى يومنا هذا مثل هذه الحرقة على القدس وعلى فلسطين بين أبناء الشارع الإسلامي والعربي في كل مكان، بل بين المسلمين في العالم أجمع كما رأينا في هذه الأيام، أرى أن الشعوب بدأت تضغط على حكامها ولو بصورة خفيفة، لكنها بداية أرجو من الله أن يجعل منها النهاية لليهود؛ إنه على كل شيء قدير، فأنا اعتقد اعتقاداً جازماً أنه لا يوجد شر محض أبداً، بل الشر يحمل في ثناياه ما لا نعرفه من الخير، قال تعالى:
وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:216].
فلتقدم الأمة من أجل القدس خمسة ملايين أو عشرة ملايين شهيداً، ورب الكعبة! إننا لمستعدون الآن أن نخرج بدون سلاح، وما أحلاها من كلمات تلك الكلمات التي يرسلها إمام من أئمة المجاهدين العلماء لعابد من الزهاد العباد!
إنها كلمات
عبد الله بن المبارك لأخيه عابد الحرمين
الفضيل بن عياض يرسل بها
ابن المبارك من ساحة الوغى وميدان البطولة والشرف لأخيه في مكة ليقول له:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الكريهة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا قول صحيح صادق لا يكذب
لا يلتقي غبار خيل الله في أنف امرئ ودخان نار تلهب
فليمت من إخواننا من يقدر الله له هذا الشرف، وأسأل الله أن يتقبلهم جميعاً في الشهداء؛ فإما عيش بكرامة وإما شهادة في سبيل الله، فالكل سيموت، وإن تعددت الأسباب فالموت واحد، فما أحوج الأمة الآن إلى أن تعي واجبها في هذا الظرف الحرج!
أيها المسلم! لا تنس إخوانك من الدعاء، وذلك أضعف الإيمان، وبالمال إن استطعت، ثم رب نفسك وولدك على روح الجهاد، إن المعركة قادمة، إي وربي! إن المعركة مع اليهود قادمة، فهيئ نفسك، ورب ولدك، ورب امرأتك، ورب بناتك، ورب أولادك.
أتعجب حينما رأى بعض الناس
معاوية بن أبي سفيان وهو طفل صغير يلعب، ورأوا عليه ملامح الذكاء، وأمه تنظر إليه بإعجاب، فقال الحاضرون: لو شب
معاوية سيسود قومه، فقالت أمه: ثكلته إن لم يسد إلا قومه. تريد أن يسود العالم كله، تريد أن يسود الدنيا كلها، فلماذا لا نربي أولادنا وأنفسنا على هذه العقيدة؟ ولنبذل أقصى ما في وسعنا، فالله يعلم قدراتنا وإمكانيتنا، ويعلم ضعفنا وواقعنا، ووالله! لو سأل الله أحدنا الشهادة بصدق لبلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه، قال المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في صحيح
مسلم : (
من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه) .
وأخيراً:
يا راحلين إلى البيت العتيق لقد سرتم جسوماً وسرنا نحن أرواحاً
إنا أقمنا على عذر وعن قدر ومن أقام على عذر فقد راح
اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، اللهم إنك قلت لنبيك:
وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17]، اللهم ارم عنهم يا رب العالمين! اللهم إنهم مغلوبون فانتصر.
اللهم عليك باليهود، اللهم عليك بأمريكا، اللهم عليك باليهود وأعوان اليهود، اللهم عليك بالخونة يا غفور! يا ودود! اللهم إنا نشكو إليك خيانة الخائنين، اللهم ارفع الظلم عن المظلومين، اللهم اكتب النصر للمستضعفين، يا من هزمت الأحزاب وحدك! اهزم اليهود المغتصبين.
اللهم رد الأمة إليك رداً جميلاً، اللهم انزع الخوف من قلوبنا، وانزع الجبن من صدورنا، وانزع الهزيمة من بيننا، اللهم ألف بين القلوب، ووحد بين الصفوف، اللهم وفق قادة العرب للعودة لدينك، اللهم اقذف في قلوبهم ما يرضيك، اللهم حول قلوبهم إلى ما يرضيك.
اللهم انصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم أيد إخواننا في الشيشان وفي الفلبين، وفي كشمير وفي فلسطين، وفي كل مكان يا أرحم الراحمين!
اللهم وفق مصر لتقوم بدورها، اللهم اجعل مصر واحة للأمن والأمان، اللهم احم مصر من الفتن ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا رب العالمين! وجميع بلاد المسلمين.
اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع الكريم ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ميتاً لنا إلا رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا طائعاً إلا زدته وسددته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين!
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا شقياً ولا محروماً.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام نائمين، واحفظنا بالإسلام في كل وقت وحين.
اللهم إن أردت بالناس فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين ولا مفرطين ولا مضيعين، ولا مغيرين ولا مبدلين.
اللهم اكفنا شر الظالمين، اللهم اكفنا شر المجرمين.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين.