الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
نعم يرتكب بعض الحجاج أخطاءً في الهدي منها:
وأما قوله: (فما استيسر)، أي: بالنسبة لوجود الإنسان لثمنه مثلاً؛ ولهذا قال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة:196]، فتجده يذبح الصغير الذي لم يبلغ السن، ويقول: هذا ما استيسر من الهدي، ثم يأكله أو يتصدق به، وهذا لا يجزئ للحديث الذي أشرنا إليه.
الشيخ: أقول: إن هذا عملٌ خاطئ مخالفٌ لشريعة الله، وتغريرٌ لعباد الله عز وجل، وذلك أن الهدي محل ذبحه مكة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما ذبح هديه بمكة ولم يذبحه في المدينة ولا في غيرها من البلاد الإسلامية، والعلماء نصوا على هذا، وقالوا: إنه يجب أن يذبح هدي التمتع والقران والهدي الواجب لترك واجب في مكة، وقد نص الله على ذلك في جزاء الصيد، فقال: يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة:95]، فما قيد في الشرع في أماكن معينة لا يجوز أن ينقل إلى غيرها، بل يجب أن يكون فيها، فيجب أن تكون الهدايا في مكة وتوزع بمكة، فإن قدر أنه لا يوجد أحدٌ يقبلها في مكة، وهذا فرضٌ قد يكون محالاً، فإنه لا حرج أن تذبح في مكة، وتنقل لحومها إلى من يحتاجها من بلاد المسلمين الأقرب فالأقرب، أو الأشد حاجة فالأشد، هذا بالنسبة للهدايا، فهل سمعت شيئاً من الضحايا؟
المقدم: لا. الضحايا لم أسمع لكن هناك من يقول أيضاً أن الضحايا تذبح في الأماكن البعيدة التي يحتاجها المسلمون، فهل الأضحية تنطبق على الهدي؟
الشيخ: أي نعم، ينطبق على الأضحية ما ينطبق على الهدي؛ ولأن الأضحية المشروع أن تكون في مكان المضحي، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ذبح أضحيته في بلده وبين أصحابه، حيث كان يخرج بها إلى المصلى فيذبحها هناك إظهاراً لشعائر الله عز وجل، والدعوة إلى أن تؤخذ الدراهم من الناس وتذبح الضحايا في أماكن بعيدة دعوةً إلى تحطيم هذه الشعيرة، وخفائها على المسلمين؛ لأن الناس إذا نقلوا ضحاياهم إلى أماكن أخرى لم تظهر الشعائر في الأضاحي في البلاد، وأظلمت البلاد من الأضاحي، مع أنها من شعائر الله عز وجل، ويفوت بذلك أولاً: مباشرة المضحي بذبح أضحيته بنفسه؛ لأن هذا هو الأفضل والسنة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يذبح أضحيته بيده عليه الصلاة والسلام.
ثانياً: يفوت بذلك سنية الأكل منها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالأكل من الأضاحي كما أمر الله بذلك في قوله: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28]، فإن هذا أمر بالأكل من كل ذبيحة يتقرب بها الإنسان إلى الله عز وجل، ولما أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مائة بدنة، ذبح منها ثلاثاً وستين بيده الكريمة وأعطى علياً رضي الله عنه الباقي فوكله في ذبحه، ووكله أيضاً في تفريق اللحم، إلا أنه أمر أن يؤخذ من كل بدنة بضعة، -أي: قطعة من لحم- فجعلت في قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها، وهذا يدل على تأكد أكل الإنسان من ذبح ما يهديه من الذبائح، وكذلك مما ضحى به، نحن نقول: إنه يجوز أن يوكل الإنسان من يذبح أضحيته، لكن لا بد أن تكون الأضحية عنده وفي بيته أو في بلده على الأقل يشاهدها ويأكل منها وتظهر بها شعائر الدين، وليعلم أنه ليس المقصود من الأضاحي المادة البحتة وهي اللحم، فإن الله تعالى يقول: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37]، والنبي صلى الله عليه وسلم قال فيمن ذبح قبل الصلاة: (فإنما هو لحم قدمه لأهله)، وقال لـأبي بردة : (شاتك شاة لحم)، ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الأضحية وبين اللحم، وأيضاً فإن العلماء يقولون: لو تصدق بلحم مائة بعير فإنه لا يجزئه عن شاةٍ واحدةٍ يضحي بها، وهذا يدل على أن الأضحية يتقرب إلى الله تعالى بذبحها قبل أن ينظر إلى منفعة لحمها.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر