وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد.
فها نحن مع هذه الآيات من سورة القمر، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ * وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ * وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ * فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:33-42].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! لولا أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله فكيف يقص هذه القصص؟ من أين يأتيه؟ ففي هذه الآيات تقرير النبوة المحمدية, وأنه رسول الله حقاً وصدقاً، وإلا فكيف يحدث عن قرون مضت منذ آلاف السنين, من يقص عليه القصص؟ هذه آية أنه نبي الله ورسوله.
قال تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ [القمر:33], كذبت قبل المشركين, قبل قريش في مكة, كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ [القمر:33], ما هم بأول من كذب يا رسولنا، فاصبر وتحمل ولا تغضب ولا تجزع، فأمتك ليست أول أمة كذبت، فأمم كذبت من قبل.
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ [القمر:33] من لوط هذا؟ هذا نبي الله ورسوله ابن هاران أخي إبراهيم عليه السلام، لوط عمه إبراهيم الخليل عليه السلام.
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ [القمر:33], قوم لوط هم الذين أرسله الله إليهم, وهم أهل سذوم وعمورة، والآن مكانهم هو البحر الميت, بعثه الله إليهم رسولاً، وهم يأتون أفحش الفواحش ويرتكبون أكبر المنكرات، فأرسل الله تعالى إليهم رسوله لوطاً عليه السلام.
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ [القمر:33] فوعدهم وخوفهم بالعذاب أنه سينزل بهم, فما استجابوا، أصروا على اللواط -والعياذ بالله تعالى- وارتكاب الفواحش، كذبوا بالنذر التي أنذرهم بها وخوفهم بها.
هكذا يقول تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ [القمر:33-34] آل لوط: لوط وابنتاه والمؤمنون الذين آمنوا معه، إِلَّا آلَ لُوطٍ [القمر:34] لوط على رأسهم، وبنتاه هو من باب أولى, والمؤمنون معه, نجيناهم وقت السحر قبل الفجر، لما خرجوا من البلاد بأمر الله تعالى وطلع الفجر نزلت العاصفة، ثم انقلبت الأرض ظهراً على باطن.
ثم قال تعالى: كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ [القمر:35] هذه هي الموعظة، هكذا نجزي من شكر، من آمن بنا وبرسولنا وأطاعنا وأطاع رسولنا وعبدنا وشكرنا وذكرنا فإننا ننجي من شكر، فليسمع الكافرون والمشركون والفجرة والفاسقون كلهم بهذا، هكذا نجزي من شكر، فلوط عليه الصلاة والسلام وابنتاه والمؤمنون شكروا الله فنجاهم، وإلى اليوم ينجي الله الشاكرين من أي فتنة أو بلاء عام, ينجي الله الشاكرين، من هم الشاكرون؟
الذين آمنوا حق الإيمان وأطاعوا الله ورسوله بما أوجب عليهم من الطاعات من فعل الواجبات وترك المحرمات, أولئك هم الشاكرون, كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ [القمر:35].
وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا [القمر:36] ضربتنا القاسية التي نبطشهم بها، وتماروا في ذلك وشكوا وما استجابوا، بمعنى أن الله ما أهلكهم إلا بعد أن بلغهم رسوله وحذرهم وبين لهم طريق النجاة وطريق الهلاك والدمار, وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ [القمر:36].
قال تعالى: وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ * وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ [القمر:36-37] مراودة, يقولون: اسمح لنا، ائذن لنا، اتركنا ندخل على هذا الضيف نفعل به الفاحشة! فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ [القمر:37], قال لهم: ذوقوا العذاب، فهؤلاء الذين جاءوا ليرتكبوا الفاحشة مع الضيوف أعماهم الله تعالى على الفور، وبعد ذلك من الصباح الآتي سينتهي أمرهم كلهم.
هكذا يقول تعالى: وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ [القمر:38] لازم دائم ما يذهب ولا ينتهي، في البرزخ إلى يوم القيامة وهم في العذاب، ويوم القيامة في العذاب الدائم.
فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ [القمر:39] يعني: قلنا لهم: ذوقوا عذابي ونذر، ذوقوا عذابي وما أنذرتكم به وخوفتكم من العذاب الشديد.
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ [القمر:40] لحفظه وتلاوته والعمل بما فيه، فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:40], فهل من متذكر يا عباد الله يقبل على كتاب الله يقرؤه ويحفظه ويعرف معانيه ويعمل بما فيه ليكون من الذاكرين الشاكرين؟
واستجاب لهذا المؤمنون على عهد رسول الله من أصحابه الأنصار والمهاجرين وغيرهم.
وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ [القمر:41] أنذرهم موسى وهارون، خوفهم من عذاب الله، هددهم، توعدهم بالعذاب فأصروا على الشرك والكفر والعناد والعياذ بالله تعالى.
ففرعون جاءه موسى وهارون بالآيات فما آمن بآية، فإذا لم يؤمن المشركون معك يا رسولنا فلا تكرب ولا تحزن، فالآيات تقرر النبوة المحمدية, وتحمل رسول الله على الصبر حتى ما يضيق ولا يقف دون دعوة الله، بل يبلغها للبعيد والقريب.
هكذا يقول تعالى: وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ [القمر:41] والنذر: جمع نذير.
كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:42], ما هذا الأخذ؟ كيف تم؟ أعلن الله لموسى وأعلمه أن ينفصل مع بني إسرائيل وأن يتكونوا في مكان بعيد عن المشركين، فاجتمعوا بنسائهم وأطفالهم، ثم أمرهم تعالى أن يمشوا إلى البحر الأحمر فمشوا، فبلغ فرعون ذلك فأمر رجاله فخرج في مائة ألف ليقهروا موسى وبني إسرائيل ويردوهم إلى عبادتهم وطاعتهم، ولما وصل موسى بقومه -وكانوا حوالي سبعمائة ألف- أمر الله تعالى أن يضرب البحر بعصاه فضربه فانفلق، وأصبح الطريق وسط البحر، آية من آيات الله، ودخل بنو إسرائيل الستمائة رجل وامرأة وطفل يمشون في داخل البحر، والبحر جدار من هنا وجدار من هنا.
ولما انتهى فرعون إلى البحر دخل برجاله، ما إن دخل حتى خرج بنو إسرائيل من طرف البحر، ولما توسط البحر وما بقي جندي خارجه وفرعون معهم أطبق الله عليهم البحر فغرقوا أجمعون, ورفع الله تعالى فرعون فوق الماء ليكون آية، ما بقي داخل البحر, بل صار فوق البحر يعوم فوق الماء؛ حتى يقول بنو إسرائيل: حقاً مات فرعون، وإلا فلخوفهم ولما هم عليه من عشرات السنين لن يصدقوا.
هكذا يقول تعالى: وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ [القمر:41-42] قوي مُقْتَدِرٍ [القمر:42] حقاً هذا هو الأخذ، مائة ألف يغرقون في ساعة، أي أخذ أعظم من هذا؟ أي عزيز أعز من هذا؟ وصدق الله العظيم.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:
[ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
أولاً: تقرير ربوبية الله تعالى وألوهيته بالالتزام, وتقرير التوحيد, وإثبات النبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم ].
من هداية هذه الآيات: تقرير النبوة المحمدية, وهي أن محمداً رسول الله، وتقرير الربوبية والألوهية لله عز وجل؛ لأن الألوهية تابعة للربوبية, فما دام أنه رب يملك كل شيء وبيده كل شيء فعبادته واجبة وفريضة على كل إنسان.
قال: [ إذ أفعال الله العظيمة من إرسال الرسل والأخذ للظلمة الكافرين بأشد أنواع العقوبات من أجل أن الناس لم يعبدوا ولم يطيعوا دال على ربوبيته وألوهيته، وقص هذه القصص من أمي لم يقرأ ولم يكتب دال على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ].
ما زالت الآيات تقرر الألوهية, وهي أن الله إله الأولين والآخرين، وأنه لا يُعبد إلا هو، وأن عبادته استلزمتها ربوبيته, فما دام أنه خالق كل شيء وبيده ملكوت كل شيء، ويحيي ويميت؛ فلم لا يُعبد؟ كيف يُعبد غيره؟ مع أن عبادته سلم الكمال والسعادة، هذه العبادة التي يكفرون بها ويهربون منها ولا يريدونها اليوم وقبل اليوم؛ والله! لهي سلم السعادة في الدارين، لا طريق للنجاة والكمال إلا عبادة الله عز وجل، لم؟ لأنها طاعة أوامره التي تأمر بما فيه خير، وترك النواهي التي فيها شر والعياذ بالله تعالى.
[ ثانياً: بيان جزاء الشاكرين لله تعالى بالإيمان به وطاعته وطاعة رسله ].
بيان جزاء الشاكرين في كل زمان ومكان، الشاكرون لله العابدون له بعد الإيمان به وبما أمرهم أن يؤمنوا به هؤلاء تجلى جزاؤهم بين أيدينا، وإلى الآن إذا جاءت محنة أو فتنة فالشاكرون ينجيهم الله: كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ [القمر:35], وهم الذين عرفوا الله وعبدوه وشكروا نعمه عليهم، فما عصوه ولا خرجوا عن طاعته.
[ ثالثاً: مشروعية الضيافة وإكرام الضيف، وفي الحديث: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ) ].
من هداية الآيات: مشروعية إكرام الضيف، والضيافة من حيث هي معروفة عند البشر، فهذا لوط استضاف جبريل وميكائيل وإسرافيل، وإبراهيم استضافهم، ففي الآية دليل على مشروعية الضيافة، والرسول الكريم يقول: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه )، والضيافة حدها ثلاثة أيام، ومن قبل ما كان هناك مطاعم، فإذا جاءك العبد من بعيد فلا بد أن تستضيفه ثلاثة أيام, وبعدها أنت حر, فيخرج من بيتك، ففي الضيافة تطعمه وتسقيه وينام في بيتك، والآن مع الفنادق ما بقي من يستضيف، ومع هذا إذا جاءك ضيف فلا بد أن تستضيفه.
[ خامساً: تيسير القرآن وتسهيله للحفظ والاتعاظ والاعتبار ].
من هداية الآيات: تيسير القرآن وتسهيله ليحفظ وليفهم وليعمل به، فالله يسره فله الحمد والمنة، فالله تعالى يمتن علينا فيقول: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:40], اللهم اجعلنا من المتذكرين الذاكرين يا رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر