وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمر بالمحافظة على نعمه بشكرها، ونهى عن تعريضها للزوال بكفرها، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله ليتمم مكارم الأخلاق ويهدي لأقوم السبل، فكانت بعثته رحمة للعالمين، وحجة على الخلق أجمعين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى واشكروه على نعمة الإسلام.
أيها المسلمون: إن بين أيديكم ديناً عظيماً، اختاره الله لكم ومنَّ به عليكم، ملة أبيكم إبراهيم، دين اشتمل على كل ما اشتملت عليه أديان الأنبياء، فهو خلاصتها وخاتمتها، قال الله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ [الشورى:13] واختار لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم خير رسول عرفته البشرية، فهو أفضل المرسلين وخاتم النبيين، به تمت به النعمة وانجلت به عنكم ظلمات الجهالة والشرك والظلم والعدوان، قال الله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164].
أمة الإسلام: لقد أوصاكم ربكم جلَّّ وعلا بالتمسك بهذا الدين، والاقتداء بهذا الرسول، قال الله جلَّ وعلا: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153].
أيها المسلمون: إن أمامنا طريق السعادة مفتوح، فلماذا لا نسلكه؟!
أمامنا طريق الرقي والفلاح واضح، فلماذا نعدل عنه ونتركه، ونسلك طريق التأخر والشقاء والخسران؟!
أرأيتم أن دينكم قصر في إرشادكم إلى سبيل الفلاح؟! أرأيتم أن دينكم قصر في إرشادكم إلى طريق الفلاح فعدلتم عنه؟!
هل قرأتم في تعليمه ما يصدكم عن جلائل الأعمال ومكارم الأخلاق فهجرتموه؟!
كلا. ثم كلا. ثم كلا. إنه دين الله الذي يبقى طريقاً للسعادة والرقي إلى يوم يبعثون.
إن دين الإسلام ما وجد من فضيلة إلا حث على التخلق بها، وما من رذيلة إلا حذر من قبحها وبين سوء عاقبتها، فما بال أكثرنا يسيرون على غير هدى، ويقلدون الكفار فيما حرمه الإسلام ونهى عنه، قد أهمل الكثير أمر الدين. واستهانوا بحقوقه، وعبثوا بواجباته، وتجرءوا على انتهاك حرمات الله، واستبدلوا ذلك بأخلاق الكفار وعاداتهم وتقاليدهم مع الأسف الشديد.
ثم يطلب منه شيئاً يسيراً، ولكنه عزيز في نفسه رضي الله عنه، يقول له: تقبل رأسي وأطلق صراحك، ويقول: -بعد التردد- نعم وتطلق صراح جميع أسرى المسلمين، قال: نعم. فأطلق سراحه وسراح أسرى المسلمين، فلما وصل إلى عمر رضي الله عنه وأخبره بالقصة، قال: [[حق على كل مسلم أن يقبل رأسك وأنا أول من يقوم]] فقام عمر رضي الله عنه فقبل رأسه.
أيها المسلمون: هذه نماذج من ثبات المسلمين على دينهم مع شدة الأذى والتعذيب، أضف إلى ذلك ما قدموه في سبيل هذا الدين حماية لهذا الدين ونشره من جهاد بالأنفس والأموال، يتساقط منهم مئات الشهداء في المعارك وهم مغتبطون بذلك، فخورون بل تركوا من أجله الديار والأموال، وهاجروا فراراً بدينهم؛ أن يخدش أو يدنس يبتغون فضلاً من الله ورضوانا، وينصرون الله ورسوله.
وما ذلكم -يا أمة الإسلام- إلا لما عرفوا في هذا الدين من الخير والسعادة، فتأصل حبه في قلوبهم حتى صار أحب إليهم من أنفسهم وأولادهم وأموالهم وديارهم، حتى قال قائلهم: "إذا عرض بلاء فقدم مالك دون نفسك، فإن تجاوز البلاء، فقدم نفسك دون دينك".
ما بال الكثير من المسلمين يتشبهون بالكفار في زيهم؟! في لباسهم؟! في أكلهم؟! بل في أكلهم وشربهم، بل في عاداتهم، بل في حلق لحاهم وتنمية شواربهم، بل في لبس خواتم الذهب، بل في الذهاب إليهم في بلادهم ومشاركتهم في شرب الخمور، وأكل لحم الخنزير، وارتكاب الزنا واللواط، والجلوس أمام الأفلام الخليعة في مسارح الشر والعار، ثم يعود إلى بلاد المسلمين متنكراً لدينه وآدابه، يحاول أن يحول بلاده إلى قطعة من بلاد الكفار التي قدم منها، فإنا لله وإنا إليه راجعون!
اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، إنا لله وإنا إليه راجعون! اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا حول ولا قوة إلا بالله! نسألك اللهم أن تعز الإسلام والمسلمين، عاجلاً غير آجل في جميع أقطار العالم، إنك على كل شيء قدير.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38].
اللهم بارك لنا بالقرآن العظيم، وانفعنا بما صرفت فيه من الآيات والذكر الحكيم، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم اجعلنا هداة مهتدين.
وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه ، يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين، وناصر الموحدين من عباده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ البلاغ المبين، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]
عباد الله: إن دينكم دين عظيم، هو صلاح البشرية جمعاء، فلا يرخُص لديكم، تمسكوا بهديه وعضوا عليه بالنواجذ، إن دينكم يريد منكم الصدق والصبر والجلد والبذل في سبيله، وصد الهجوم المعادي له، والأخذ على أيدي السفهاء، عن العبث بتعاليمه؛ وإلا فسيرحل عنكم إلى غيركم، فتخسرون الدنيا والآخرة، وصدق الله العظيم: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38].
فتمسكوا بدين الإسلام، دين الرحمة والبر والإنصاف والعدل والأخوة والمساواة، دين الحق والخير والسلام وصدق الله العظيم حيث يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً [المائدة:3] اللهم إنا رضينا بك رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.
اللهم ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذا هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً ورزقنا اجتنابه، هكذا ينبغي للمؤمنين أن يقولوا إذا سمعوا داعي الله، أن يقولوا سمعنا وأطعنا، سمعنا وأطعنا، ويمتثلون أوامر الله ويطبقون شرع الله كما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.
اعلموا -أيها المسلمون- أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وأمركم أنتم -أيها المسلمون- أن تصلوا على رسوله بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: (من صلىَّ علي صلاة صلىَّ الله عليه بها عشراً).
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي وعن جميع أصحاب رسولك أجمعين، وارض اللهم عن رجال قاموا بدينك وناضلوا في سبيلك، وصدوا كل عدوان عن دين الله وعن سنة رسول الله وفازوا وسموا رجالاً فهنيئاً لهم: مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب:23] سماهم الله رجالاً؛ لأنهم قاموا بدين الله رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النور:37] فهنيئاً لهم تلك الأسماء الحميدة.
اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه وجنبنا ما تبغضه وتأباه، اللهم دلنا على صراطك المستقيم، وثبتنا عليه حتى نلقاك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، الذين يفسدون في الأرض ويصدعون عن سبيلك، اللهم دمرهم تدميراً، اللهم دمرهم تدميراً، اللهم ارفع عنهم يدك وعافيتك، اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم اجعل بينهم العداوة والبغضاء، اللهم اجعلهم حرباً على بعضهم يا رب العالمين، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأئمة ولاة أمور المسلمين أجمعين، في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم وحد صفوف المسلمين تحت راية لا إله إلا الله، اللهم وحد صفوفهم تحت راية لا إله إلا الله.
اللهم انصر دينك عاجلاً غير آجل، اللهم انصر كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر عبادك الموحدين، اللهم انصر عبادك الموحدين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في برك وبحرك يا رب العالمين.
اللهم ثبت أقدامهم وأمدهم بنصرك وعونك وقوتك يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين.
اللهم لا تدع لنا في هذه الساعة المباركة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عدواً إلا قطعته، ولا عدواً إلا خذلته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضا، ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها بحولك وقوتك يا رب العالمين.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:90-91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر