الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وآله وصحبه أجمعين. أما بعد:
قال المصنف رحمه الله: [فصل: والاعتكاف سنة، ولا يصح ممن تلزمه الجماعة إلا في مسجد تقام فيه إن أتى عليه صلاة، وشرط له طهارة مما يوجب غسلاً.
وإن نذره أو الصلاة في مسجد غير الثلاثة؛ فله فعله في غيره، وفي أحدها فله فعله فيه وفي الأفضل، وأفضله المسجد الحرام ،ثم مسجد النبي-عليه السلام- فالأقصى.
ولا يخرج من اعتكف منذوراً متتابعاً إلا لما لا بد منه، ولا يعود مريضاً، ولا يشهد جنازة إلا بشرط .
ووطء الفرج يفسده، وكذا إنزال بمباشرة، ويلزم لإفساده كفارة يمين.
وسن اشتغاله بالقرب، واجتناب ما لا يعنيه .]
يذكرون الاعتكاف بعد الصيام اقتداء بالكتاب العزيز، فإن الله تعالى لما ذكر الصيام أتبعه بالاعتكاف في قوله تعالى : وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187].
والاعتكاف : لزوم مسجد لطاعة الله، هذا هو الاعتكاف في الشرع، فلابد أن يكون في مسجد؛ حتى لا تفوت المعتكف الجمعة والجماعة؛ لأن التفرد والوحدة التي تفوت صلاة الجماعة لا خير فيها.
والقصد من الاعتكاف : التفرغ للتزود من العبادة، فلأجل ذلك فالمعتكف يكون منفرداً مشتغلاً في زاوية من المسجد بأنواع الطاعة: فيقرأ القرآن، ويكثر من تدبره، ويكثر من ذكر الله تعالى بأنواع الذكر، ويكثر من الأدعية رجاء إجابتها، ويشتغل بالصلوات النوافل، ويكثر من التقرب إلى الله تعالى، ويعتزل مجالسة العامة، والخوض في الدنيا وفي أمورها الخاصة، ويصون لسانه عن الكلام السيئ الذي ينافي العبادة، ولا يهتم بأمور الدنيا، ولا ينشغل بشيء من ملذاتها، ولا يهتم بالسؤال عن شيء من أمور الدنيا من أمواله أو نحوه إلا لضرورة.
ودخل مرة معتكفه، وأمر أن يبنى له خباء في جانب المسجد، فبني له خباء يستتر به، واستأذنته عائشة أن تعتكف وتبني لها خباء، فلما رأتها حفصة بنت خباء، ثم رأتهن زينب فبنت خباء، فلما انصرف من صلاة الصبح وإذا بالمسجد قد امتلأ بتلك الأخبية التي ضيقت على المصلين، فعرف أن هذا من باب المنافسة، فأمر بها فنقضت؛ وترك الاعتكاف في تلك السنة، واعتكف في شوال عشرة أيام؛ لأنه أحب أن يداوم على هذه العبادة.
والاعتكاف سنة، ولكنه يجب بالنذر، فإذا نذر أن يعتكف لزمه الوفاء بنذره.
يصح ممن تلزمه الجماعة، وهو: المسلم الحر البالغ العاقل، فلا يصح الاعتكاف من الكافر، ولا من الصغير، ولا من المجنون، ولا يصح من العبد إلا بإذن سيده.
ويشترط أن يكون في مسجد، قال تعالى: (( وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ))[البقرة:187]، ويشترط في هذا المسجد أن تقام فيه صلاة الجماعة، وإذا كان يتخلل اعتكافه الجمعة اختار أن يعتكف في مسجد فيه جمعة حتى لا يخرج؛ لأنه إذا اعتكف في مسجد لا تصلى فيه الجماعة احتاج أن يخرج كل يوم خمس مرات، وكثرة الخروج تنافي الاعتكاف، فإذا كان في مسجد تقام فيه الجماعة فإنه يصلي فيه، ولا تفوته الجماعة، ولا يخرج من معتكفه.
ويشترط أيضاً: الطهارة مما يوجب غسلاً، فلا يعتكف في المسجد وهو جنب، وإذا قدّر أنه احتلم خرج فوراً واغتسل.
أما إذا خص أحد المساجد الثلاثة فإنه يلزمه فيه، والمساجد الثلاثة هي التي تشد إليها الرحال، وأفضل المساجد الثلاثة : المسجد الحرام؛ لأن الصلاة فيه بمائة ألف، ثم يليه المسجد النبوي، والصلاة فيه بألف، ثم المسجد الأقصى والصلاة فيه بخمسمائة.
روي أن رجلاً قال: (يا رسول الله ! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في المسجد الأقصى، فقال: صل ها هنا) يعني : في مسجد مكة؛ لأنه أفضل، فقال: (إني نذرت في ذلك المسجد، فكرر عليه ذلك مراراً، فقال: شأنك إذاً) فإذا اخترت ذلك فلك ذلك، فمن نذر أن يصلي أو يعتكف في المسجد الأقصى جاز له أن يقضي نذره أو صلاته في المسجد النبوي؛ لأنه أفضل، ومن نذر أن يعتكف أو يصلي في المسجد النبوي جاز له أن يعتكف أو يصلي في المسجد الحرام؛ لأنه أفضل، ومن نذر أن يعتكف أو يصلي في المسجد الحرام لم يجزئه في غيره؛ لأنه ليس هناك ما هو أفضل منه، فأما المساجد الأخرى فإن بعضها ينوب عن بعض، فإذا نذر أن يعتكف أو يصلي في مسجد قباء جاز أن يصلي أو يعتكف في غيره من مساجد المدينة، أو في المسجد الأموي في دمشق الشام أو في مسجد عمرو بن العاص في مصر، وكذلك في غيره.
والحاصل : أنه إذا نذر في غير المساجد الثلاثة صلاة أو اعتكافاً فإنه يجزئه في غيره، وأما في الثلاثة فلابد أن يجزئ في أحدها، وإن عين الأفضل لم يجزئه في غيره، والأفضل هو مسجد مكة (المسجد الحرام) ثم المسجد النبوي ثم المسجد الأقصى (مسجد بيت المقدس).
ثم إن المعتكف لا يخرج إلا لما لابد منه، يخرج مثلاً لقضاء حاجته من البول ونحوه، ويخرج للطهارة إذا لم يكن هناك في المسجد ما يتطهر به، ويخرج للأكل إذا لم يجد ما يأكله أو لم يأت ما يأكله، أو يخرج لإحضار الطعام، ولكن يقتصر على قدر الحاجة.
والصحيح أنه لا يلزم، والحديث الذي فيه (لا اعتكاف إلا بصوم) لم يثبت، والدليل على أنه يصح بدون صيام : الحديث الذي ذكرنا عن عمر أنه نذر أن يعتكف ليلة، والليل ليس محلاً للصوم، فدل على أنه يصح بلا صوم، والسبب في ذلك أنه عبادة مستقلة، والاعتكاف هو التفرغ للعبادة، فإن تيسر الصيام معه فهو أفضل، أما إذا كان في رمضان فيلزم؛ لأن رمضان واجب صومه بأصل الشرع، وإن اعتكف في غير رمضان فسنة أن يعتكف صائماً.
الصحيح أنه لا يفعل ذلك إلا إن اشترط فقال مثلاً: لله علي نذر أن أعتكف في هذا المسجد أسبوعاً، فلا يخرج لا لعيادة مريض ولا لشهادة ميت أو تشييعه إلا إذا اشترط، فقال: بشرط أن أعود فلاناً المريض، أو أن أعود المرضى من أقاربي، أو أن أشهد من مات منهم وأشيعه، فله شرطه؛ لأن المسلمين على شروطهم.
يفسده الوطء؛ لقوله تعالى : وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187] عبر بالمباشرة عن الوطء، وكذلك لو أنزل بالمباشرة، والوطء : الجماع الصريح وإن لم يحصل إنزال، والإنزال الذي سببه التقبيل أو الضم أو المباشرة دون الفرج يفسد الاعتكاف، فإذا كان الاعتكاف منذوراً لزمه قضاؤه، ولزمه مع القضاء كفارة يمين؛ لأنه ما وفى بنذره إذا كان معيناً، والمعين كأن يقول : لله علي أن أعتكف العشر الأول من شهر ربيع الثاني، فحدد العشر الأول ثم أفسد منها يوماً بالإنزال أو بالجماع، فنقول له: كمل اعتكافك، واقض ذلك اليوم، وكفر كفارة يمين؛ وذلك لأنك ما وفيت بالشرط كما ينبغي.
وعلى المعتكف أن يشتغل بالقربات، ويشتغل بكثرة الذكر تسبيحاً وتحميداً وتهليلاً وتكبيراً واستغفاراً، ويشتغل بالدعاء، فيكثر من دعاء الله تعالى، ويشتغل بالصلوات في غير أوقات النهي، ويشتغل بالقراءة، ويتجنب ما لا يعنيه، يعني : الكلام الذي لا أهمية له فلا يتكلم في شيء من أمور الدنيا، ولا يتكلم في فلان أو فلان، ولا يتكلم في حالات الناس، ولا في أسعارهم، ولا في مبايعاتهم، ولا في الحوادث التي تحدث، يتجنب ذلك كله حتى يكتب له اعتكافه عملاً صالحاً، نكتفي بهذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد.
الجواب: إذا أفطر أياماً معلومة، فلابد من قضاء تلك الأيام التي يعرفها، وهذا العذر لا يسوغ له أن يفطر شيئاً من أيام رمضان وهو مكلف.
الجواب: تبقى هذه الصلاة في ذمتها، وإذا طهرت فإنها تقضيها.
الجواب: إذا طهرت قبل أن تطلع الشمس ولو بدقيقة عليها أن تقضي صلاة الفجر.
الجواب: لا يجوز له الإفطار، عليه أن يغتسل لأجل الصلاة، والاحتلام لا يبطل الصيام.
الجواب: لا شك أنه يفسد الصيام، وأنه يوجب كفارة؛ لأن الله تعالى أباح الجماع في ليل رمضان في قوله تعالى: فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187]، فهذا يدل على أن إباحة الوطء خاص بالليل؛ لقوله : حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ [البقرة:187] فمن جامع في نهار رمضان لم يكفه القضاء، بل عليه مع القضاء كفارة مثل كفارة الظهار على الترتيب، ويعتبر ذنباً، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه ذلك الرجل فقال: (هلكت، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على أهلي في رمضان) فأقره على أن هذا هلاك، فدل على أنه ذنب.
وقد يقع هذا من كثير من الشباب، وبالأخص في الأيام التي هي قرب زواجه، فتقع منه المباشرة والوطء في نهار رمضان، وهذا خطأ، وعليه أن يحفظ صيامه، فإذا أراد أن ينام في نهار رمضان ينام بعيداً عن امرأته حتى لا تغلبه شهوته، والمرأة أيضاً عليها أن تنام في مكان بعيد إذا عرفت أنه لا يملك نفسه إذا قربت منه، ويحفظ كل واحد منهما صيامه عما يفسده.
الجواب: لا شك أن ما ذكرت صحيح، وأن هذه الملاهي ليس فيها إلا لهو وسهو، فهذه الألعاب التي ينصبها بعض الناس لاكتساب الأموال، ويسمونها ملاهي، هي في الحقيقة لهو، وفيها إضاعة المال، والنبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن كثرة السؤال، وإضاعة المال) يعني : صرفه فيما لا أهمية له.
وكذلك يشتد الأمر إذا كان فيها تصوير، فإن هناك من يصور الحاضرات من النساء، وكذلك إذا كان فيهن من تكشف وجهها، وقد يكون هناك رجال كالبوابين والحراس ونحوهم، فيحصل أنها تكشف أمامهم، ولا تبالي بهم ولو كانوا من المتقاعدين ونحوهم، ولا يجوز للمرأة أن تكشف أمام هؤلاء ولا غيرهم.
والوقت ثمين، وعلى المرأة الناصحة لنفسها أن تحفظ وقتها بالشيء الذي ينفعها، وأن تبتعد عن الشيء الذي يضر أو الشيء الذي لا نفع فيه ولا فائدة.
الجواب: الصحيح أنه لا يفطر، هذا البخار الذي يتبخر من القهوة أو من الطعام أو دخان النار ونحوه لو حصل أنه يشم رائحته لا يفطر.
الجواب: عند الإفطار، يعني : عندما يبدأ في الإفطار، وقبل أن يتناول شيئاً، يدعو بما تيسر.
الجواب: يجوز، على أن تتحفظ حتى لا تبتلع شيئاً، وعلى ألا تبالغ فيه.
الجواب: نرى أن عليك القضاء؛ لأنك تسرعت، حيث لم تتأن حتى يدخل وقت الإفطار وهو غروب الشمس.
الجواب: لا بأس في ذلك إذا كنت أنت التي تسقيها ولا تعرف لها أهلاً، فإذا جاء أهله وطلبوا منك أجرتها فعليك أن تعطيهم أجرة على ما نبت فيها من الزرع إذا كان نبت فيها الزرع، وإذا لم يطلبوا شيئاً فلك الزرع؛ لأنه أثر سقيتك.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر