في هذه الليلة نعيش مع النبي عليه الصلاة والسلام، وقد يقول قائل: كيف ستصف لنا النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يصف النبي لابد أن يكون صحابياً عاش مع النبي، ونظر إلى النبي، وكلم النبي، وسمع النبي صلى الله عليه وسلم؟ وأقول: قد نقلت إلينا سنة الحبيب ونقلت إلينا أوصاف الحبيب، فكما نقل لنا الصحابة سنته وأحاديثه الشريفة، فإنه نقل إلينا بعضهم وصفه صلى الله عليه وسلم.
صفة وجهه صلى الله عليه وسلم
صفة شعره صلى الله عليه وسلم
صفة عينيه صلى الله عليه وسلم
كان النبي صلى الله عليه وسلم أدعج العينين يعني: شديدة سوادهما، كأن في عينيه كحلاً عندما تراه من بعيد، وإذا اقتربت منه فإنك لا ترى شيئاً من الكحل.
فهذا
جابر بن سمرة رضي الله عنه وصف النبي صلى الله عليه وسلم وصفاً كاملاً، يقول: (
كنت إذا نظرت إلى رسول الله قلت: أكحل العينين وليس بأكحل) يعني: تراه كأنه مكحل وليس بأكحل.
وبالمناسبة لا حرج على الرجل أن يضع كحلاً في عينيه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يكتحل بالإثمد، وورد في معجم
الطبراني بسند حسنه بعض أهل الحديث أنه قال: (
عليك بالإثمد) وهو نوع من أنواع الكحل لونه أحمر. (
عليكم بالإثمد؛ فإنه أجلى للبصر، وأنبت للشعر) إذاً: فلنكتحل بالإثمد من باب العلاج حتى لا يتساقط الشعر، ولا تتعب العيون، ما دام فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فلنفعل، (عليكم بالإثمد؛ فإنه أجلى للبصر، وأنبت للشعر).
صفة حاجبيه صلى الله عليه وسلم
النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان طويل الحاجبين من غير التقاء، يعني: أن حاجبي النبي صلى الله عليه وسلم كانا غير ملتقيين، أي: كان هناك فراغ بينهما، فمن كان حاجباه هكذا فليحمد الله.
وكان بين حاجبيه عرق، وهذا العرق كان يظهر إذا غضب النبي صلى الله عليه وسلم.
صفة أنفه صلى الله عليه وسلم
كان النبي صلى الله عليه وسلم أقنى الأنف، أي: طويل الأنف مع دقة الأرنبة، والأرنبة: هي الجزء الأسفل من الأنف أو الأعلى، يعني: لم يكن أنفه غليظاً ولا دقيقاً، ولم يكن طويلاً متدلياً إلى أسفل.
صفة فمه وخديه وشاربه صلى الله عليه وسلم
كان صلى الله عليه وسلم أسلت الخدين، يعني: ليس فيه تجعدات، وكان ضليع الفم يعني: فم النبي عليه الصلاة والسلام كان فيه سعة، وإذا كان الرجل ضليع الفم فإنه يكون بليغاً مفوهاً، كان النبي أسلت الخدين، ضليع الفم، أشنب، يعني: كان له شارب.
أما حكم الشارب من الناحية الفقهية فبعض أهل العلم كالإمام
مالك يقول: لا يجوز حلق الشارب، بل قال: حالق الشارب يؤدب، لكنه قد خالف في ذلك كثيراً من أهل العلم، وأدلتهم صحيحة في هذه المسألة، إذ إنه ثبت عن
عبد الله بن عمر رضوان الله عليه أنه كان يحلق الشارب حتى تظهر لحمة شفته العليا، وكان يتأول
عبد الله بن عمر في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (
جزوا الشوارب) والجز في لغة العرب معناه: الاستئصال، فكان يستأصل الشعر، ويترك شاربه محلوقاً يظهر لحم الشفة العليا، أما بعض أهل العلم فقد تأول حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (
قصوا الشوارب) فترك الشارب على حالته هذه، وقصه من أسفل حتى تظهر الحافة العليا للشفة العليا، حتى لا يتشبه باليهود والنصارى، فهم يطلقون الشوارب ولا يحفونها.
والأمر فيه سعة، والخلاف في مسألة الحلق والترك خلاف معتبر كما يقول علماء الأصول، أما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يحفه دائماً من أعلى، بحيث تظهر حافة الشفة العليا له صلى الله عليه وآله وسلم.
إذاً: كان ضليع الفم، أشنب، مفلج الأسنان يعني: الأسنان كانت غير متلاقية، بين كل سن وسن فرق جميل، وهذا أطيب للفم وأجمل.
وكان إذا رئي وهو يتكلم ظن الناظر إليه أن نوراً يخرج من بين ثناياه صلى الله عليه وسلم، وهذا الوصف رواه الإمام
الترمذي من حديث
ابن عباس وهو حديث حسن.
صفة لحيته وعنقه صلى الله عليه وسلم
كان صلى الله عليه وسلم كث اللحية، أي: ذا وفرة، وكانت لحيته تملأ صدره صلى الله عليه وآله وسلم، فهيا أيها المحب لحبيبك المصطفى قلده في كل شيء دون خوف من أحد، ورزقك على الله، وأجلك بيد الله، والأمر كله بيد الله جل وعلا، لا تظن أن إعفاءك للحية سيعوق تحركك في الدعوة لدين الله عز وجل، لا والله، لو كان الأمر كذلك لما فعله المصطفى صلى الله عليه وسلم في وقت كان أحوج فيه إلى أن يدعو الناس لدين الله عز وجل، فلا تتنازل أبداً عن أمر من أمور هذا الدين، ونحن لا نقسم الدين إلى قشور ولباب، ولكنني أتفق تماماً مع أحبابي وإخواني الذين يقولون بفقه الأولويات في أمر الدعوة إلى الله عز وجل، إذ إنه لا يجوز لك أبداً أن تمر على أناس جلسوا يشربون الخمر، فإذا ما قاموا بين يديك ووجدت ثوب أحدهم طويلاً يجرجره على الأرض، فهنا ليس من الفقه أن تقول له: يا أخي! ثوبك طويل قصر الثوب؛ لأن إطالة الثياب حرام، لكن وهو يشرب الخمر الواجب أن تحذره من شرب الخمر، وتبين له حرمته؛ لأنها أعظم، وهذا اسمه: فقه الأولويات.
كذلك إذا رأيت علبة سجائر مع شخص وكأس خمر، فليس من الفقه أن تقول: يا أخي! الدخان حرام، بل تبدأ بنهيه عن شرب الخمر أولاً.
فأنا مقتنع تماماً مع أحبابي وإخواني الذين يقولون بفقه الأولويات، ولكنني أود أن أقول: شتان بين فقه الأولويات، وبين التحقير والسخرية من الفرعيات والفقهيات! فإن الذي جاء بالكل هو الذي جاء بالجزء صلى الله عليه وآله وسلم.
إذاً: يا أحباب! النبي صلى الله عليه وسلم كانت له لحية كبيرة تملأ صدره، فما عليك إلا أن تتوكل على الله ولا تخف، وأطلق لحيتك ولا تحتج بأي شيء، وكن على يقين بأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك.
وكذلك لو أكرمك الله بابن ملتزم وأطلق اللحية، فاترك الخوف عليه، ولا تقف حجر عثرة أمامه، لا تكن حجر عثرة في طريق التزام ولدك، وأسأل الله أن يرزقنا وإياكم الاتباع بكل صوره وأشكاله، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أما عنق النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان عنقه كإبريق فضة من شدة البياض صلى الله عليه وسلم.
صفة صدره صلى الله عليه وسلم وعضلاته
كان النبي صلى الله عليه وسلم عريض الصدر، وهذا يدل على الفتوة والقوة، وكان له في صدره شعرات، وكان الشعر نازلاً ممتداً حتى السرة، يعني: كان الشعر كالقضيب من الصدر حتى السرة، وكان مشدود العضلات، فإذا كان في أرض المعركة، وصمتت الألسنة الطويلة، وخطبت السيوف والرماح على منابر الرقاب، وفي ساحة الوغى، كان الحبيب المصطفى يرفع صوته وينادي في وسط المعركة ويقول: (
أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) وهذا
علي بن أبي طالب فارس الفرسان، وقائد القواد، رضوان الله عليه، الذي قال له النبي يوم خيبر: (
سأعطي الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)
علي رضوان الله عليه كان يفخر ويقول:
محمد النبي أخي وصهري و
حمزة سيد الشهداء عمي
و
جعفر الذي يمسي ويضحي يطير مع الملائكة ابن أمي
وبنت محمد سكني وزوجي منوط لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمد ولداي منها فأيكم له سهم كسهمي
فـ
علي فارس الفرسان وهو الذي فتح الله على يديه حصون خيبر كان يقول رضي الله عنه: (كنا إذا حمي الوطيس، واشتدت المعركة، اتقينا برسول الله) أي: كنا نحتمي برسول الله صلى الله عليه، فكان الحبيب مشدود العضلات قوياً، إذا دخل في أرض المعركة وميادين النزال، كان الصحابة رضوان الله عليهم يتقون به من شدة الضربات، وأنتم تعلمون ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وماذا فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر.
صفة مشيه صلى الله عليه وسلم والتفاته
صفة عرقه صلى الله عليه وسلم ورائحته
أختم الحديث بوصف
أم معبد، وذلك أنه مرّ النبي عليه الصلاة والسلام عليها ليلة الهجرة هو و
الصديق ، ففي الهجرة جاع النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه وهما في طريق المدينة، فمرا على خيمة فوجدوا فيها امرأة وعندها نعجة مريضة هزيلة، فقام
الصديق وقال لها: هل يوجد عندك أكل؟ قالت: لا والله ما عندي أكل، وكان من عادة العرب إكرام الضيف، هل عندك شراب؟ قالت: والله ما عندي، فالنبي عليه الصلاة والسلام نظر إلى النعجة فقال: (
هل يوجد في هذه النعجة لبن؟ قالت له: لا، ليس فيها لبن، وإنما لم ترع مع الغنم لأنها مريضة غير قادرة على المشي، فقال لها: هل تأذني لي بحلبها؟ قالت: نعم، إن وجدت بها لبناً، فمسح عليه الصلاة والسلام على الضرع، وهمهم بكلمات؛ فدر اللبن في الضرع بأمر الله، وأمر أبا بكر أن يحلب والمرأة تتعجب! كيف درت باللبن مع أنه لم يقربها الفحل؟! وبعد أن حلبها قال النبي صلى الله عليه وسلم: اسق
أم معبد فشربت، ثم قال: اشرب يا
أبا بكر فشرب ثم شرب النبي صلى الله عليه وسلم آخرهم) وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم.
وهذا
عبد الله بن مسعود رضوان الله عليه يقول: (
إنكم لتعدون الآيات عذاباً، وكنا نعدها بركة على عهد رسول الله، فوالذي نفسي بيده! لقد كنا نجلس لنأكل مع رسول الله فنسمع تسبيح الطعام بين يديه)، إي والله! والحديث في صحيح
مسلم .
و
أبو هريرة عندما خرج في يوم من الأيام وكان قد ربط الحجر على بطنه من شدة الجوع، يقول
أبو هريرة : فمر علي
الصديق فسألته عن آية من كتاب الله، والله ما سألته عنها إلا ليستتبعني فلم يستتبعني، وإنما أجابني عن سؤالي ومضى؛ لأنه لم يعلم بجوعي، ثم مر بي
عمر فسألته عن آية من كتاب الله، والله ما سألته عنها إلا ليستتبعني، فأجابني ومضى ولم يفعل، يقول: فكنت جالساً فمر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فقال لي: (
أبا هريرة قلت: لبيك يا رسول الله! قال: الحق بي، يقول: فتبعت رسول الله فدخل إلى بيته فقال: هل عندكم من طعام؟ فقالت
عائشة : نعم يا رسول الله! عندنا قدح فيه لبن أهدي لنا من فلان، يقول: ففرحت بذلك فرحاً شديداً، فقلت: سأشرب اللبن ويذهب ما بي من الجوع فقال لي: يا
أبا هريرة ادع أهل الصفة) أهل الصفة: هم مجموعة من فقراء الصحابة كانوا يسكنون في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، كلما جيء بطعام للنبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم منه، وأهل الصفة هم أضياف الإسلام، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لـ
أبي هريرة : (
ائتني بأهل الصفة، يقول أبو هريرة فحزنت لذلك حزناً شديداً، وقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة؟! ثم إنه دعاهم فأتوا؛ فقال صلى الله عليه وسلم: يا
أبا هريرة ! فقال: لبيك يا رسول الله، قال له: خذ القدح وأعطه واحداً واحداً حتى وشربوا جميعاً، يقول
أبو هريرة : ثم نظرت في القدح فوالذي نفسي بيده وجدت القدح لم ينقص منه شيء، فقال لي الحبيب:
أبا هريرة ! قلت: لبيك يا رسول الله! قال: اجلس يقول: فجلست، قال: اشرب، قال: فشربت، ثم قال: اشرب مرة ثانية، فشربت ثم قال: اشرب؛ فشربت للمرة الثالثة، فبعد الثالثة قال لي: اشرب فقلت له: والله لا أجد له مسلكاً يا رسول الله! يقول: فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم القدح فجلس وشرب يقول
أبو هريرة : فوالله بعدما شرب رسول الله رأيت القدح وكأنه قد زاد عن أوله!).
إنها بركة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، فلقد قام أكثر من ثلاثمائة صحابي وتوضئوا من قدح صغير كما في الحديث الصحيح من حديث
أنس قال: (
فوالله رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا من بركة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم.
نعود إلى
أم معبد تقول: لما رجع زوجي رأى أشياء غريبة، فقالت له زوجته: لقد مر بي رجل شكله كذا وعمل كذا فحكت له القصة.
فلنسمع إلى
أم معبد وهي تصف النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، يعني: عليه نور، حسن الخلق أي: أن شكله جميل، مليح الوجه، إذا صمت علاه الوقار، وإذا تكلم سما وعلاه البهاء، حلو المنطق، أبهى الناس وأجملهم من بعيد، وأحلى الناس وأحسنهم من قريب، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظراً -انظر إلى بلاغتها- له رفقاء يحفون به -قيل: هم
الصديق رضي الله عنه و
عبد الله بن أريقط و
ابن فهيرة الذين كانوا معه في الرحلة، و
عبد الله بن أريقط كان مشركاً- إن قال استمعوا لقوله، وإن أمر ابتدروا أمره، صلى الله عليه وآله وسلم.
من يدعي حب النبي ولم يفد من هديه فسفاهة وهراء
فالحب أول شرطه وفروضه إن كان صدقاً طاعة ووفاء
محبة النبي صلى الله عليه وسلم لها أركان يا إخوة! ومن أركان المحبة طاعة النبي في كل ما أمر، والانتهاء عن كل ما نهى عنه وزجر، وتصديق النبي في كل ما أخبر.
ومحبة النبي يجب أن تكون أكثر من النفس والمال والولد، دون غلو وإفراط ودون تفريط.
أسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم ممن أحبوا الحبيب، واقتفوا أثر الحبيب، وساروا على دربه، واتبعوا سنته، وأسأل الله أن يحشرنا في زمرته، وأن يحشرنا تحت لوائه، إنه ولي ذلك ومولاه.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.