إسلام ويب

فضل الله ورحمتهللشيخ : أحمد القطان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من رحمة الله عز وجل بعباده أنهم عندما يعملون المعاصي، ويخالفون أمره، لا يأخذهم أثناء المعصية، أو ينـزل عليهم بلاء يهلكهم، وإنما يمهلهم؛ لأنه يعلم أن منهم من سيتوب ويقلع عن المعاصي التي يرتكبها ويكون عبداً صالحاً، وأكبر دليل على ذلك حديث الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً وأكمل المائة بالراهب.

    1.   

    إمهال الله لعباده

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، اللهم إنا نسألك أن تجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، ولا تجعل من بيننا شقياً ولا محروماً، نسألك اللهم علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاءً من كل داء.

    أما بعد:

    أيها الأحباب الكرام: إني أحبكم في الله، فالحمد لله الذي جمعنا على طاعته، ونسأله أن يغفر لنا أجمعين، وأن يرحمنا أجمعين، وأن يذكرنا في الملأ الأعلى.

    حديثي -أيها الأحباب الكرام- حول فضل الله ورحمته.

    الإنسان كتب عليه في الأزل أقدارٌ لا مفر منها، والرسول صلى الله عليه وسلم يذكر ما يمارسه الإنسان من أخطاء في جهالة وسفاهة فيرتكب من الذنوب والمعاصي ما يرتكب، ولكن رحمة الله فيه أنه في لحظات ذنبه ومعصيته لم يقبضه الله، ولم يسلط عليه بلاءً يهلكه.

    أحبابي في الله: أنا أتفكر كثيراً في قوله تعالى لمن بدأ حياته نظيفة عفيفة، حتى حفلة عرس ما حضرها، هم بأن يحضرها ولم يحضرها وهو محمد صلى الله عليه وسلم، أنزل الله عليه النوم إلى الصباح، وهو يرعى الغنم، ثم القرآن يقول: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى [الضحى:6-8].. وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ [يوسف:3] أحدنا يتذكر فضل الله عليه لو قبضه الله في وقت ذنبه ومعصيته كيف يكون حاله؟ من منا لم يذنب، ومن منا لم يخطئ؟

    وكم من زلةٍ لي في البرايا          وأنت علي ذو فضل ومنِّ

    إذا فكرت في ندمي عليها     عضضت أناملي وقرعت سني

    لهول ما أتذكر! من الذي رحمك وأنت لست من الطائعين، وإنما من العاصين؟

    أنا الآن أشاهد بعض الناس يؤتى بهم مصروعين، رجل يكون ملتح متدين مصلٍ، لكن لا تعرفه، بينه وبين الله شيء أنت لا تعرفه، يعلم الله من العباد ما لا يعلمه العباد من بعضهم البعض، يعلم الله من الناس ما لا يعلمه الناس من بعضهم البعض، هاأنت تقول: الحمد لله الذي لم يسلط عليَّ مساً أو صرعاً، أو جنياً أو بلاءً، وأنا في ذنبي ومعصيتي كيف يكون حالي؟

    وتحدث لك حوادث مميتة، يستنقذك الله منها، السيارة تنقلب، كثير من الناس يأتي يقول: والله يا شيخ! أنا كنت مسافراً إلى العراق والآخر يقول: كنت ذاهباً البصرة، وكنت سكراناً، وانقلبت السيارة، وخرجنا منها سالمين، وبعد أن هداه الله سبحانه وتعالى يقول: سبحان الذي أنقذني من الموت وأنا غارق في المعصية، بأي وجه ألقى الله؟!

    إذاً الله يعلم من هذا العبد أنه سيأتي عليه يوم يبـر والديه، ويكون من المصلين في المساجد، قد يستبقيه الله لذرية في صلبه توحد الله وتعبده، أليس هذا فضل؟

    عندما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لملك الجبال وهو يتهدد قريشاً بأن يطبق عليهم الأخشبين، يقول: (لا. لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به) تذكر هذا -يا أخي المسلم- لكي تعرف فضل الله ونعمته، يقول الله في الدعاء القرآني في سورة آل عمران: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً [آل عمران:8] كنت تعيش في هذه الرحمة وأنت عاصٍ، والآن تعيش فيها وأنت طائع، هناك فيروسات تدور! أصبت مرة بالحمى، ومرة بالزكام، ومرة بمرض عضال، ومرة سلط عليك امرأة والعياذ بالله لم تجد الفكاك منها حتى وقعت في الحرام، سلط عليك الربا ولم تجد الفكاك حتى وقعت في الحرام، تعرضت إلى مشكلة نفسية، من يستنقذك في كل مرة؟ من استبقاك حياً حتى هذه اللحظة فتاب عليك وجمعك بالصالحين ووفقك إلى الطاعة؟ إنه الله سبحانه وتعالى.

    هذه نعمة يا إخوان! يغفل عنها كثير من الناس؛ لأن كثيراً من الناس لا يعرف نعمة الله إلا في الطعام والشراب، إذا أكل وشبع، قال: فضل عظيم من الله سبحانه وتعالى، جمع لنا هذا الطعام وهذا الخير، لعل لحظة من لحظات الذنوب والله يسترك ويمهلك ويستبقيك لكي تتوب بعد عشر سنوات أفضل بألف مرة من كل الطعام الذي أكلته طوال عمرك.

    1.   

    حديث الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً

    أيها الأحبة: أمَا تعجبون من الرجل الذي قتل أول قتيل، أما كان الله يعلم أنه سيقتل بعد هذا القتيل تسعة وتسعين؟ الله يعلم أن هذا القتيل السفاح المجرم سيقتل بعد هذا طوال مدة لا تدري كم هي عشر سنوات أم خمسة عشر سنة أو أربعون سنة، ليس مذكوراً، لكن مذكور أنه قتل تسعة وتسعين، من المقتول الأول إلى التسعة والتسعين، وعند قتل التسعة والتسعين تحركت التوبة.

    الله يعلم عن تحرك هذه التوبة عند قتل أول قتيل، لهذا أمهله وتركه حياً والجريمة موجودة فيه، الله قادر على أن يهديه من أول لحظة، لكن الله سبحانه وتعالى لا يريد للناس الإيمان الجبري: أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [يونس:99] لا. الدين شيء اختياري نابع من القلب ومن الإيمان ومن التوبة أعطاه حق الاختيار، دله على طريق الخير ودله على طريق الشر، إن اخترت طريق الخير لك الجنة، وإن اخترت طريق الشر لك النار.

    ذهابه إلى الراهب وقتله

    هذا القاتل السفاح عندما قتل أول قتيل علم الله أنه سيستمر في اختياره إلى أن يبلغ في الجريمة قمتها، وعند التسعة والتسعين يعلم الله منه أن التوبة تتحرك في قلبه، فيتوب توبة تتنازع فيها الملائكة، فقال: دلوني على رجل أتوب على يديه، فدلوه على راهب، والرهبان جهال يعبدون الله على جهل، فالنصارى يعبدون الله على جهل لهذا صفتهم في القرآن ضالين؛ لأن عبادتهم على جهل، واليهود صفتهم في القرآن مغضوب عليهم؛ لأنهم علموا العلم الصحيح وما عبدوا فهم مغضوب عليهم: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] الذين هم اليهود، عندهم التوراة وعندهم علوم لكن لا يعبدون الله وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] هم النصارى يعبدون الله على جهل ولا يوجد علم.

    فهذا الرجل عندما ذهب إلى الناس يمكن أنه ذهب إلى مجتمع مثل مجتمعنا هذا، أول شخص لقيه قال له: أنا قتلت تسعة وتسعين نفساً، فدلني على شخص أتوب على يده من هذا التصرف الخاطئ، فعندما ذهب إليه، قال له: هل لي من توبة؟ قال: يا مجرم! تقتل تسعة وتسعين وتأتي تريد توبة، فقتله وأوفى به المائة، فهذا درس في فقه الدعوة، يقول في الحديث: (فدلوه على راهب) ما هو الراهب؟ يقوم الليل، ويفترش الأرض، ويجلس في مغارة ويعتزل الناس ولا يحب أحداً ولا أحد يحبه، هذه ليست عبادة، هذه رهبانية فدعوها؛ لأنها بدعة.

    العبادة أنك تحب الناس وتخالطهم، وتسلم عليهم، وتصلهم، وتعطيهم هدية، وتسلم على هذا، هذا يائس ترغبه بالرجاء، وهذا قانط ترغبه بالرحمة، وهذا صدره ضائق توسع صدره، لكن هذا عندما قال للعابد: هل لي من توبة؟ قال له العابد مباشرة: لا. قال: إذاً ما الفائدة؟ أنا سأدخل النار سأدخل النار، وكمل به المائة، فهذا الذي دله على الراهب ليس عنده فهم وليس عنده علم، المفروض أن هذا الإنسان يُذهب به إلى إنسان عالم، عنده فهم في الدين والعقيدة والأصول، وعنده فقه في الدعوة، حتى لا ينفره من الدين ومن الدعوة.

    لكن الذي تحركت التوبة في قلبه هل تقف المعصية حائلة بينه وبينها؟ لا تقف المعصية حائلة هذا شيء داخلي: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11] لا يستطيع أن ينام، ولا يستطيع أن يأكل ولا يشرب، مع أنه كمل المائة من واحد إلى مائة، وآخر قتيل هو الراهب، لكن حد نسبة الجريمة التي بلغت عنده 100% لم يغلق الله باب التوبة عليه، حتى تعرفوا قدر ربكم سبحانه وتعالى، لا يقول الإنسان: والله أنا فعلت.. وفعلت.. وأخذت.. ووضعت.. وماضيَّ أسود، أنا لا بد أن أستمر في الذنب والمعصية؛ لأني من أصحاب النار، لا. هذا الحديث ذكر حتى يفوت على الشيطان كل الظن.

    الجريمة جريمة قتل، ونسبة الجريمة (100%) والتوبة لا ترجع أحداً، أخفق في قلبك، تب إلى الله، هناك إله رحمن رحيم يقبل التوبة.

    ذهابه إلى العالم وتوبته على يديه

    ذهب هذا الرجل مرة ثانية إلى نفس المجموعة التي ذهب إليها، لكن الذي تلقاه الآن غير الأول، قال: دلني على رجل أتوب على يديه، قال: فدل على عالم، انظر الفرق المرة الأولى دُل على راهب، دين على جهل، مرة ثانية ذهب إلى عالم دين لكن على علم، قال: (قتلت مائة هل لي من توبة؟ قال: نعم. ومن يمنعك من التوبة) انظر كيف رغبه، وفتح له باب الأمل والرجاء والرحمة، ثم لم يتركه هكذا، بل قال: واترك القرية التي أنت فيها، والمجتمع الأسود الخبيث الذي كان دائماً يدله على قطع الطريق والجريمة والزنا والفجور، وهذا أفضل علاج لمن يبتلى بمثل هذا البلاء، ثم أعطاه البديل، تقول: الأغنية حرام، والتلفاز حرام، والفيديو حرام، والمجلة الملحق حرام، وبعد ذلك؟ تتركه على هذا الشكل، يضعف إيمانه؛ إلا إذا كان وراءه اثنان أو ثلاثة، أو أربعة، هذا يذكره وهذا يعطيه شريطاً وهذا ينصحه وهذا يأخذه إلى درس، وهذا يوجهه بالصوم، وهذا يذهب به المقبرة إلى أن يتوب، لأن الإنسان بمفرده شيطان كما أن الراكب شيطان، لكن الجماعة رحمة، وإنما تأكل الذئب من الغنم القاصية.

    الشاهد: أنهم دلوه على عالم، والعالم فتح له باب التوبة على مصراعيه، ويقول له: التوبة لم تجعل إلا لك ولأمثالك، ثم قال: اترك القرية التي أنت فيها، فهذه يسمونها في الاصطلاح الطبي: الوقاية (الوقاية خير من العلاج) فأعطاه وقاية، أخرجه من البيئة الموبوءة التي فيها فيروس الزنا والحشيش والمخدرات، ثم قال: واذهب إلى تلك القرية التي فيها أناس صالحون فاعبد الله معهم، باب التوبة مفتوح، والجماعة السيئة سيتركها؛ إذا لم تترك الجماعة والرفقة السيئة مهما كنت صالحاً سيأتي يوم من الأيام وتضعف، تذكر هذا جيداً من هذا الحديث.

    شخص معه عود، ويقول: أنا صاحب دين، ويضع العود في كيس ويضعه فوق الرف، ويربي لحيته ويصلي ويقرأ القرآن، نقول له: لا. اكسر العود، ضعه فوق الرصيف وهشه حتى ينكسر، موسى عليه السلام كان قادراً على أن يأخذ العجل الذي من ذهب ويبيعه ويوزعه للفقراء والمساكين، أليس هذا طريق صحيح؟ كل العقول تقول: هذا طريق صحيح، لا. نسفه وأحرقه وألقاه في البحر، حتى يقتلعه من قلوبهم.

    وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً * إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً [طه:97-98] فالذهب الغالي الثمين حرق وذوب وألقي في البحر، فهذا التصرف ليس بتصرف ساذج، وليس بتصرف شخص لا يعرف قيمة الذهب والأموال، لكن هذا يريد أن يصلح القلوب المشربة بالعجل: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ [البقرة:93].

    فكيف يخرج ما أُشرب في قلوبهم؟ أن يروه مسحوقاً محروقاً وهو ليس إله، ويرمى في البحر ويغرق، عند ذلك يؤمنون أن الله واحد، وكذلك من قلبه مرتبط بمعصية، كأن يحب فتاة، وقلبه متعلق بها ومفتون، ويدق العود ويحب الغناء، ماذا أعدد؟ المعاصي لا تعد ولا تحصى في مجتمعنا، وإذا أردت أن تقلع نفسك تذكر هذا الحديث: (اترك هذه القرية، واذهب إلى تلك القرية فيها أناس صالحون تعبد الله معهم) هذا حديث التوبة المشهور، هذا من أعظم أحاديث التوبة، حديث صحيح يرويه الرسول صلى الله عليه وسلم.

    أنا -فقط- أفسره لك، وأسلط عليه الأضواء وأشخصه.

    زحف الرجل بصدره ليقترب من القرية الصالحة

    وهناك رواية تبين لك هذا الإنسان ونوعية توبته، قال صلى الله عليه وسلم: (وإنه لينوء بصدره ليقترب من القرية الصالحة) ما معنى ينوء؟ يزحف، هذه الكلمة بسيطة، لكن عندما يكون الإنسان في نزع الموت، آلام الموت شيء فوق الطاقة وفوق التصور، لهذا من شدة آلام الموت لا يستطيع الإنسان أن يعبر عنها، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن للموت لسكرات وكربات، اللهم أعني على سكرات الموت وكرباته) هذا الرسول صلى الله عليه وسلم كان يضع يده على الماء البارد ويمسح وجهه، ويقول: (لا إله إلا الله إن للموت لسكرات) يسمى سكرات عند فيضان الروح، فيضان الروح تفيض بالشدة أو باللين، عندما تفيض تخرج من المؤمن كما تخرج قطرة الماء من القربة، والكافر تتشعب فيه كالشوك في الصوف الرطب، لكن قبل هذا كربات وسكرات، وهذا التائب في كرباته وفي سكراته ومع هذا آثر التوبة، والاستمرار والسير إلى تلك القرية ليس على قدميه، ولا على ركبتيه ولكن على صدره، فقال: (ينوء بصدره لكي يصل إلى القرية التي فيها الصالحين يعبد الله فيها) ثم فاضت روحه وهو ينوء.

    إذاً هذا الإنسان الذي لم تشغله سكرات الموت ولا كرباته على أن يتقدم سنتيمتر أو اثنين سنتيمتر هذا يستحق رحمة الله ويستحق توبة الله سبحانه وتعالى، لا تقل: لم يصل، أو لم يصم، أو ما حج، ولكن قل: تاب توبة لو قسمت على أهل الأرض لوسعتهم، الشخص منا لو أصيب لا يطيق أن يتكلم مع زوجته ولا مع أولاده، يكون في رمضان في صيام؛ ولأنه جائع لا يطيق أن يكلم أحداً، وهذا في لحظات الموت والتوبة لم تذهب عن باله، يزحف ويزحف بصدره لعله يخطو خطوة، ثم نزلت ملائكة العذاب عندها سجلات هائلة أعظم ما في سجلاتها أنه قتل مائة، ملائكة الرحمة تحمل توبة أكثر من السجلات هذه، تكفي هذه التوبة أنه يزحف وهو في كربات الموت حتى يتقدم خطوة واحدة إلى القرية الصالحة.

    فاختصموا، فأنزل الله ملكاً على هيئة إنسان -لأن الملائكة عندها قابلية للتحول من طبيعة إلى طبيعة- لكي يكون حكماً بين الفريقين، فقال: قيسوا الأرض، فإن كان قريباً من قريته تأخذه ملائكة العذاب، وإن كان قريباً من القرية الصالحة تأخذه ملائكة الرحمة، وهنا تبدأ الأحاديث تتكلم فيه، في العرض الشيق حديث يقول: (إن الأرض القريبة من البلد الصالح تقاربت) وحديث آخر يقول: (قاسوا فوجدوا أنه أقرب للقرية الصالحة) الله أكبر! فأمر الله ملائكة الرحمة فأخذت روحه إلى عليين.

    1.   

    الرد على من يقول إن حديث الذي قتل تسعة وتسعين نفساً لا يذكر للناس

    جاء شاب إلى فضيلة الشيخ ناصر المهيلي، وهو يتحدث عن هذا الحديث، فقال: يا فضيلة الشيخ! أنت ذكرت في خطبتك هذا الحديث، وهذا الحديث من المفروض أنه لا يذكر للناس، قال له: لماذا يا بني؟! قال: لأن هذا الحديث يحث على الجريمة والقتل، قال له: كيف يحث على الجريمة والقتل؟ قال: هذا قتل تسعة وتسعين وأكمل المائة بالراهب، ومن ثم قبلت توبته، إذاً يذهب كل شخص يقتل له مائة ومن ثم يتوب؟

    بلاغة محمد صلى الله عليه وسلم جعلت الجواب في ذات الحديث نفسه، عندنا هذا المجرم، وهل أنت تملك للناس وتسيطر على الناس أنهم جميعاً يكونون صالحين؟ لا بد أن يخرج في كل مجتمع حتى في مجتمع الرسول الأول صلى الله عليه وسلم ظهر فيه الزاني والقاتل، لكن السؤال ليس هذا، نسبة الجريمة عندما قبلنا توبته زادت أم نقصت؟ هذا سؤال، والجواب في نفس الحديث، الراهب عندما أغلق باب التوبة، وقال له: اذهب ليس لك توبة، زادت الجريمة أم نقصت؟ زادت، لكن عندما قبلت توبته نقصت الجريمة أم لم تنقص؟ نقصت الجريمة.

    إذاً أصبح هذا الحديث يحد من الجريمة أو يزيدها؟ يحد من الجريمة، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو يفتح الأمل أمام العاصين مهما كانت المعصية وعظمت، ثم تأتي بعد ذلك الآيات: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70].. قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] أول أمر نسبهم إليه فقال: يا عبادي، وذكرهم جميعاً لكي يفوت على الشيطان ويقول له: من أي شيء تتوب؟ أنت تركت شيئاً لم تفعله؟ يقول الله لك: أغفر لك الذنوب جميعاً أعلن التوبة فقط، إلا الشرك إذا فعله الإنسان فإنه لا يغفر له: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].

    فيا أحبابي: ربٌ مثل هذا هل يعصى؟! ومثل هذا الإله يصر الإنسان على ذنبه ومعصيته، كيف تعصيه وهذه رحمته وهذه توبته وهذا فضله وهذا عطاؤه؟! يقول الشاعر:

    إذا أنت أكرمت الكريم ملكته     وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

    الله كريم، لا بد أنه يملك، من الضروري أن تقول: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285] نعم. يا أخي! قبل الله توبة إنسان قتل مائة نفس فهل تعصيه ولا تبالي فيه، ولا توقره ولا تقدره، لا يا أخي! لا ينبغي.

    جاء رجل إلى عالم فقال له: هل لي من توبة، نفسي ضعيفة إذا رأت المعصية تضعف، هل لي من علاج؟ قال: نعم لك علاج، إذا همت نفسك بالذنب وضعفت، تذكر أنك في ملك الله، اخرج من ملكه، قال: كيف أخرج من ملكه وله ما في السماوات وما في الأرض؟ قال: إذاً كيف تعصيه وأنت في ملكه، أترضى أن تدخل بيتك شخصاً يزني؟ قال: بيتي! أعوذ بالله! قال: إذاً السماوات والأرض لله كيف تعصيه في ملكه؟ قال: قل الثانية، قال الثانية: إذا همت نفسك بالذنب اختفي عن عين الله، قال: يرى ما في السماوات وما في الأرض وما تحت الثرى! قال: إذاً كيف تعصيه وهو يراك وأنت في ملكه؟

    قال: قل الثالثة، قال: الثالثة إذا همت نفسك بالذنب اخرج من نعمته، قال: كيف أخرج من نعمته ومنه السمع والبصر والعافية والقوة؟

    قال: كيف تعصيه في نعمته وفي ملكه وهو يراك أما تستحي من الله؟!

    قال: قل الرابعة، قال: الرابعة إذا جاءك ملك الموت فاطلب منه أن يؤخرك لحظة، قال: لا أستطيع!

    قال: قل الخامسة، قال: الخامسة إذا ساقتك الزبانية إلى النار استلطفهم، قال: لا أستطيع!

    قال: إذاً تب إلى الله، قال: تبت إلى الله وندمت على ما فعلت، وأستغفر الله فيما بدر مني.

    توبوا إلى الله كما قال الله في كتابه الكريم: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755972272