إسلام ويب

إن أكرمكم عند الله أتقاكمللشيخ : نبيل العوضي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ميزان التفاضل بين الناس إنما هو التقوى، وفي هذه الخطبة بين الشيخ خطر الافتخار بالأنساب، ووضح أن ذلك من أمور الجاهلية، كما ذكر عقوبة من يفتخر بأنسابه الفجار أو الكفار، وأن النسب لا يغني يوم القيامة عن الفاجر شيئاً.

    1.   

    الافتخار بالأنساب من أمور الجاهلية

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعــد:

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    أيها الإخوة المسلمون: معنا في هذه الخطبة داء عظيم وشر عريض انتشر في صفوف كثير من المسلمين، بل في بعض أصحاب الدين، وهذا الشر وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، وهو شر عظيم، إن مات عليه الإنسان فقد مات على الجاهلية، وهذا الشر -أيها الإخوة الكرام- حذَّر الله جل وعلا منه ورسوله عليه الصلاة والسلام، فاسمع وانظر إلى واقعنا وواقعك قبل هذا، هل أنت تقع في هذا الشر أو أصابك هذا البلاء؟

    إن كان ذلك فاستعذ بالله منه ثم تخلص منه، فإنك إن لقيت الله جل وعلا به فقد لقيته بشر عظيم.

    هذا الشر الذي حطمه الله جل وعلا في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13].

    قالوا: يا رسول الله من أكرم الناس؟ قال: (أكرم الناس عند الله أتقاهم، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: أكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: تسألوني عن معادن العرب؟ قالوا: نعم. قال: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) هذا هو ميزان الله جل علا، وهذا هو المقياس عند الله، أكرم الناس وأشرفهم وأعلاهم وأعظمهم هو أتقاهم لله جل علا.

    ومن عقيدة لا إله إلا الله أنك تحب في الله وتبغض في الله جل علا، ولن يصل الإنسان إلى أعلى مقامات الإيمان إلا بهذا، أن يحب لله ويبغض لله، أن يحب فلاناً الذي خالفه في اللون والأصل والجنس وخالفه في البلد لله جل وعلا، ويبغض فلاناً ولو كان من أمه وأبيه؛ لأن الله عز وجل يبغضه ولا يحبه.

    1.   

    التحذير من الافتخار بالآباء والأجداد

    واسمع إلى النبي صلى الله عليه وسلم عندما رأى العصبية الجاهلية في بعض أصحابه، حيث إن منهم من كان يتعصب لقبيلة، ومنهم من كان يتعصب لأصل، ومنهم من كان يتعصب لبلد، رأى هذا في أصحابه صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية -أي: فخر الجاهلية أو عيب الجاهلية- وفخرها بالآباء، الناس من آدم، وآدم من تراب) أي: إذا أردت أن تفتخر بالأصل فافتخر بما تطأه تحت رجلك، فتفخر أن أصلك من تراب، هذا الذي يهيله الناس ويطئونه بأقدامهم افتخر به؛ لأن هذا هو الأصل الذي نرجع إليه.

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الناس بنو آدم، وآدم من تراب، إنما هو مؤمن تقي وفاجر شقي) مقياس الناس مؤمن تقي فهذا هو الكريم، وفاجر شقي فهذا هو اللئيم، قال: (لينتهين أقوام عن فخرهم برجال إنما هم فحم من فحم جهنم) أي: كفوا عن هذا؛ لأن بعض الناس إذا افتخر يفتخر بفلان الذي يرجع أصله إليه، فإن جئت لترى سيرته تجده فاجراً أو فاسقاً أو غير مشهود له بصلاح ولا بعلم ولا جهاد.

    عقوبة من يفتخر بنسبه وهم عصاة

    إذاً: تفتخر بماذا يا عبد الله؟ قال: (إنما هم فحم من فحم جهنم) ثم اسمع إلى عقوبة أولئك الذين يفتخرون بأولئك الرجال قال: (أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع النتن بأنفها) أرأيت تلك الحشرات التي تمشي على الأرض تدفع النتن بأشرف شيء في جسدها ألا وهو الأنف، قال: إذا افتخروا بأولئك الرجال يكونون عند الله أهون من هذه الجعلان؛ لأن المؤمن إذا افتخر فإنما يفتخر بعمله الصالح، وإن فرح فإنما يفرح بنسبه إلى الله جل علا، وهو التقوى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101] يأتي الناس يوم القيامة ويأتي من كان يفتخر ويعجب ويعظم نفسه على الناس؛ لأنه من قبيلة كذا، يأتي يوم القيامة فيقول الله لهم: (رفعتم أنسابكم ووضعتم نسبي).

    نعم يا عباد الله! رفعنا أنسابنا ووضعنا نسب الله -إلا من رحم الله- فتجد الواحد منا يحقر فلاناً مع أنه يحفظ القرآن الكريم كاملاً أو من الذين يصلون الفجر، أو ممن يطيع الله جل علا، يحقره لأنه من بلد كذا أو من لون كذا، ونعظم ونشرف فلاناً ولعله يجاهر بالمعصية، بل لعله فاسق فاجر، نعظمه لأنه من أنسابنا قال: (رفعتم أنسابكم ووضعتم نسبي -هذا يوم القيامة- فاليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم).

    فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101] فيخرج المجرم الأثيم في ذلك اليوم فيقول: رب أحرق قبيلتي وعشيرتي كلها في النار وأنقذني منها يا رب! فيرد الله جل وعلا عليه: يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى [المعارج:11-18].

    انقطاع الأنساب يوم القيامة

    كلا يا فلان: كلا أيها المجرم! يا من رفعت نسبك في الدنيا ووضعت نسب الله جل وعلا! اليوم لا تنفعك القبيلة ولا تنفعك العشيرة.

    هذا نوح عليه السلام ماذا استفاد ابنه منه، أبوه كان أول رسول على وجه الأرض لكن هل انتفع بهذا النسب أم نفعه ذلك الأصل؟ كلا. عندما شفع له نوح عليه السلام قال الله جل علا: يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [هود:46] فلا ينفعك الأصل ولا النسب عند الله جل وعلا.

    وهذا عليه الصلاة والسلام، اصطفاه الله جل علا من خير الأقوام ومن خير العشائر، بل كان من أفضل قبيلة على وجه الأرض، وكان في هذه القبيلة من أفضل فخذ وعائلة، نسب قد استله الله عز وجل من شريف ثم من شريف ثم من شريف حتى خرج أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام، فلما خرج في الناس جمع قبيلته وعشيرته الشريفة التي خرج منهم أفضل الناس عليه الصلاة والسلام فقال: (يا معشر قريش!) خير القبائل في ميزان الناس: (يا معشر قريش! اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئاً -لا تنفعكم القرابة ولا ينفعكم النسب ولا ينفعكم أنني من قبيلتكم ومن عشيرتكم- اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئاً) ثم اقترب من أصله: (يا بني عبد مناف! -هذا هو الفخذ الذي ينتسب إليه قال:- اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئاً) لا ينفع الأصل ولا النسب ثم جاء إلى عمه: (يا عباس بن عبد المطلب! لن أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله! لن أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد! سليني من مالي ما شئتِ لن أغني عنك من الله شيئاً) ولو جاءت فاطمة يوم القيامة فقال لها الله: ماذا فعلت يا فاطمة؟ فقالت: إن أبي محمداً عليه الصلاة والسلام، فإنه لن يغنيها من الله شيئاً.

    عباد الله: إن هذه المسألة خطيرة، وإن هذا الأمر لجلل، وإن كثيراً ممن يزعم لا إله إلا الله ويسجد لله جل وعلا قد رسب في هذا الاختبار، اختبار التقوى واختبار محبة الله جل وعلا، أن نحب من يحب الله وأن نبغض من يبغض الله، ولو كان أقرب الناس إلينا، بل ولو كان أخاك من أمك وأبيك، إذا كان لا يُعرف بصلاة ولا بذكر ولا بعبادة لله جل وعلا، فإننا نبغض من أبغض الله جل وعلا وهكذا كما قال بعضهم

    كن ابن من شئت واكتسب     أدباً يغنيك محموده عن النسب

    إن الفتى من يقول هأنذا     ليس الفتى من يقول كان أبي

    1.   

    من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه

    ولو قلت -يا عبد الله- أنا أرجع في أصلي إلى فلان بن فلان، وماذا يا عبد الله؟ أنت تقاس بعملك الصالح وتقاس بصلوات الفجر وتقاس بذكرك لله، ومدى قراءتك للقرآن وتطبيقك لشرع الله، أما نسبك فلن ينفعك عند الله شيئاً، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) من بطأ به عمله، قصر في الطاعات والواجبات لم يسرع به نسبه عند الله ولن ينفعه نسبه.

    وإذا وضع الصراط على النار يوم القيامة جاء الناس يمشون، فهذا يمشي كسرعة الريح وذلك كالجواد، وهذا يركض وهذا يمشي، وهذا يزحف وهذا يتلبط على بطنه فيقول: يا رب يا رب لمَ بطأت بي؟ فيرد الله جل وعلا عليه يوم القيامة فيقول: (إني لم أبطئ بك يا فلان، إنما بطأ بك عملك) لقد تخلفت عن الصلوات، لقد تخلفت عن قراءة القرآن، إنك لم تُحسن العمل معي، في الدنيا تأخرت عن الطاعات، وهكذا يتلبط على بطنه على متن جهنم نعوذ بالله وإياكم منها.

    أقول هذا القول وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

    أما بعــد:

    جاء أبو ذر رضي الله عنه، ومن منا يعلو في عمله الصالح أبا ذر؟ ومن منا يستطيع أن يصل إلى مستوى أبي ذر رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ رأى أبو ذر رجلاً فقال له: [يا بن السوداء] وما يضر اللون وما ينفع؟ هذه هي حكمة الله جل وعلا أن جعل هذا أحمر وهذا أصفر وهذا أبيض وهذا أسود، نعمة من الله جل علا عليهم جميعاً، وجعل هذا من بلد كذا وهذا من بلد كذا، أم أنك اخترت أنك من بلد كذا قبل أن تولد؟ أم أنها بقدرتك وبشجاعتك وبذكائك اخترت أن تكون من لون كذا؟ أم أنك اخترت أباك وأمك يا فلان؟ كله بقدر الله جل وعلا قال أبو ذر: [يا بن السوداء] فسمع ذلك عليه الصلاة والسلام، ذلك النبي العظيم الذي أسس دولته على تقوى من الله جل علا، فلا فرق بين الناس إلا بالتقوى، فقال عليه الصلاة والسلام: (أعيرته بأمه يا أبا ذر؟ -فسكت- قال: أعيرته بأمه يا أبا ذر؟! إنك امرؤ فيك جاهلية) ولو كنت من العباد والزهاد، ولو كنت ممن تقوم الليل وتصوم النهار وتطعم المساكين، إنك امرؤ فيك جاهلية، نعم هي الجاهلية -ورب الكعبة- التي تجعل الإنسان يقيس الناس بألوانهم وبجنسياتهم وببلدانهم وبأصولهم فيحقر فلاناً، لأنه من أصل كذا أو من قبيلة كذا أو من بلد كذا: (أربع في أمتي لا يتركونهن من الجاهلية) والحديث صحيح، فإلى أن تقوم الساعة وهذه في أمة محمد ممن هم ضعاف الإيمان فدخلت الجاهلية في قلوبهم وانظر ماذا قدم قال: (الفخر بالأحساب).

    اجتمع الناس يفتخرون بأنسابهم، كل منهم بحسبه وبقبيلته وبأصله، وكان بينهم سلمان رضي الله عنه فهذا قال: أنا ابن كذا، وأنا ابن كذا فقيل: يا سلمان! انتسب، فقال رضي الله عنه: [لا أعرف لي أباً في الإسلام، ولكني سلمان ابن الإسلام] نعم وصدق الشاعر:

    دعي القوم ينصر مدعيه      ويلحقه بذي الحسب الصميم

    أبي الإسلام لا أبَ لي سواه      إن افتخروا بقيس أو تميم

    نعم افتخر بنسبك إلى كذا، أما أنا فأفتخر بنسبي إلى صلاة الفجر، أما أنا فأفتخر بنسبي إلى قراءة القرآن، أما أنا فأفتخر بنسبي إلى الدعوة إلى الله وإلى الجهاد في سبيل الله.

    1.   

    وقفة أخيرة مع الافتخار بالأنساب

    بل -عبد الله- لو كان من أنسابك من هو مجاهد أو عالم أو عابد أو زاهد، فإنه لا يحل لك أن تفتخر به.

    ولسنا وإن كرمت أوائلنا      يوماً على الأحساب نتكل

    نبني كما كانت أوائلنا      تبني ونفعل مثلما فعلوا

    نعم يا عبد الله! لو كان أبوك صالحاً ومجاهداً وعالماً أينفعك هذا؟ إلا أن تتأسى به في دين الله جل وعلا، كيف بمن انتسب إلى غير هذا؟

    عباد الله!

    ولا ينفع الأصل من هاشم      إذا كانت النفس من باهلة

    نعم لا ينفع الأصل إذا كانت النفس خبيثة، وإذا كان الرجل يكذب، وكان ينظر إلى النساء، وكان غشاشاً، وكان يعادي دين الله جل وعلا، ويحارب الله جل وعلا، لا ينفعه الأصل ولو كان من هاشم ولو كان من أصل محمد صلى الله عليه وسلم، أسمعت بـأبي لهب؟ ذلك الرجل النسيب من القبيلة العظيمة والعشيرة النسيبة، إنه أبو لهب: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [المسد:1-5].

    نعم يا عباد الله! لم ينفعه ماله ولا أصله ولا عشيرته ولا قبيلته، بل حكم الله عليه أنه في النار، ويلعنه المسلمون إلى قيام الساعة فيقول صغيرهم وكبيرهم: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ [المسد:1] ولو كان من أصل عظيم، ولو كان من جنس عظيم، هذا عمر رضي الله عنه يقول: [يا أيها الناس! لو كان سالم مولى أبي حذيفة -مولى أي: عبد من العبيد- حياً لجعلته خليفة على المسلمين].

    دين الله لا يحابي أحداً ولا يجامل أحداً، وهذا أبو عبيدة رضي الله عنه يقوم في الناس فيقول: [يا أيها الناس! إني رجل من قريش أعظم القبائل وأشرف القبائل -لكن اسمع ماذا قال- ولا أعلم رجلاً يفضلني بتقوى -أحمر أو أسود أو من أي لون كان ومن أي جنس كان- إلا تمنيت أني في مسلاخه] تمنيت أنني هو.

    ولو كان من ذلك الأصل، أو ذلك اللون، أو ذلك الجنس، أو تلك القبيلة، نعم إنه قول الله جل علا الذي دخل قلوبهم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى [الحجرات:13] آدم وزوجه حواء: وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ [الحجرات:13] لمَ يا رب جعلتنا شعوبا وألواناً وقبائل؟ لمَ يا رب كل هذا؟ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات:13] وكأن الله عز وجل ينبه على هذا الأمر، أن من الناس من سوف يفتخر بقبيلته وبشعبه فقال الله: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13].

    نعم أيها الإخوة! إنه دين الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، شاء من الناس من شاء، وأبى من الناس من أبى، ورضي من رضي، وسخط من سخط، فإنها عقيدة لا إله إلا الله وشريعة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام، الذي كبر في الصلاة فصلى خلفه سلمان من فارس، وصهيب من الروم، وأبو بكر من قريش، وبلال من الحبشة ، كل منهم يستوي مع أخيه لا يتقدم أحد على أحد، ولا يتأخر أحد على أحد، إنها عقيدة الإسلام وكلمة لا إله إلا الله.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر اللهم أعداءك أعداء الدين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756324144