إسلام ويب

تفسير سورة الزمر (11)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الكافرين ما قدروا الله حق قدره، فهو سبحانه الذي يميت ويحيي، وقد جعل لعباده في الدنيا ما يدركون به حقيقة الموت الذي يكذب به أكثرهم، حيث كتب عليهم سبحانه النوم وجعله صفة كمال فيهم، وهو موتة صغرى يبعث الله بعدها من جديد من أراد له الحياة منهم، ومن قضى عليه الموت قبضه سبحانه في منامه بقدرته وعظمته، وفي ذلك آية للمعتبرين، ودليل حق للمتفكرين، على قدرة الله العلي العظيم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق ...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ * اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر:41-45].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ [الزمر:41]. يخاطب الله في هذه الآية رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم ويخبره أنه أنزل عليه الكتاب؛ لهداية الناس، وهذا اللفظ بالذات يقرر أن محمداً رسول الله، فلو لم يكن رسوله لن يخاطبه ولن ينزل عليه الكتاب.

    والمراد بالكتاب: القرآن العظيم، وفيه هداية الخلق أجمعين، فما من إنسان عربي أو عجمي يؤمن بالله ولقائه ويعمل بما في هذا القرآن الكريم إلا كان من أهل الجنة دار النعيم المقيم، وما من إنسان يكفر بهذا الكتاب، وبمن نزل عليه، وبمن أنزله إلا كان كافراً مصيره جهنم وبئس المصير.

    وقوله تعالى: فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ [الزمر:41]. أي: فهدايته تعود ثمارها على المهتدي، فمن اهتدى بهذا القرآن وعبد الله وحده بما شرع واستقام على شريعة الله فهدايته ثمارها ونتائجها في الدنيا والآخرة تعود على نفس المهتدي. وقوله: وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا [الزمر:41]. أي: ومن ضل الطريق وخرج عن الصراط المستقيم وكفر بالله ولقائه، ورسوله وكتابه فضلاله يعود على نفسه أيضاً، ونتائج الضلال هي: الشقاء، والتعاسة، والخزي، والذل، والهون، والدون، وكلها تعود على الذي كفر بكتاب الله ورسوله.

    ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ [الزمر:41]. أي: ما أنت وكيل على هدايتهم فيجب أن يهتدوا على يديك! ما عليك إلا البلاغ وقد بلغت، ولست مسئولاً عن هدايتهم، فإذا أقمت في مكة عشر سنوات ولم يؤمن أكثر من عشرة أنفار أو أحد عشر نفر فلا تحزن ولا تكرب، فما أنت متوكل بهدايتهم، فالهداية بيد الله، وإنما أنت موكل بالبيان والبلاغ والدعوة، وقد بذلت جهدك وصرفت كل طاقتك ليلاً نهاراً، فلا تكرب إذالم يؤمنوا ولا تحزن؛ لأنك غير مسئول عن هدايتهم، والهداية بيد الله، والقلوب بين أصابعه يقلبها كيف شاء. وقد كتب الله في كتاب المقادير الأشقياء والسعداء، فمن كتب الله في كتاب المقادير أنه شقي من أهل النار، والله لن يؤمن ولو بذلت كل جهدك، ولو أعطيته مالك، ولو قدمت نفسك له فداء أبداً؛ لأن الله كتب شقاوته.

    ومن كتب سعادته فبمجرد ما تدعوه إلى الله يقول: لبيك، ويستجيب ويدخل في الإسلام؛ لأن الله كتب سعادته في كتاب المقادير.

    والآية ثمرتها التخفيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهم والكرب والحزن الذي أصابه نتيجة دعوته لهم عشر سنوات فلم يؤمنوا به، بل وتآمروا على قتله، وأصدروا حكمهم بذلك.

    ويستفيد منها كل داعية في قرية أو جبل أو في سهل أو وادي يدعو السنين الطويلة والناس معرضون لا يستجيبون ولا يقبلون على الحق، لأنه قد يتألم ويكرب ويحزن فكأن الآية تقول له: ما أنت بموكل على هدايتهم، أنت فقط مكلف بدعوتهم، فإن استجابوا فلهم ذلك وإن أعرضوا فعليهم ذلك.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها ...)

    قال تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا [الزمر:42] وما منا إلا ويتوفاه الله، ولو اجتمعت البشرية كلها على وفاة شخص ما استطاعوا ولا قدروا على موته، إلا إذا أذن الله بذلك وكتبه في كتاب المقادير، ومعنى الآية: أن الإنسان إذا نام فارقته روحه، وارتقت إلى السماء، وتلاقت مع الأرواح المؤمنة الطاهرة، وإن كانت فاجرة كافرة تلاقت مع الأرواح الفاجرة الكافرة فليسوا في مكان واحد. ثم إذا أراد الله أن يتوفى صاحبها أماته، وإن بقي لصاحب الروح حياة تعود روحه إلى بدنه ويعيش حتى يأتيه أجله ثم يموت. والنفس جسم هيكل، ولكن ليس من المادة وإنما من الروح.

    وقوله تعالى: وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا [الزمر:42]. أي: يتوفاها عند نومها.

    ثم قال: فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ [الزمر:42]، أي: قدره وَيُرْسِلُ الأُخْرَى [الزمر:42]، أي: فتعود إلى جسد صاحبها، ثم قال: إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر:42]. أي: حتى يتم بقية عمره من أيام أو سنوات.

    وقد روى ابن ماجه بسند صحيح أن ملك الموت يقول للروح الطيبة الطاهرة: اخرجي أيتها النفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج من الجسد، ثم يعرج بها إلى السماء.

    والله تعالى نسأل أن نكون من أصحاب الأرواح الطيبة الطاهرة الزكية، التي يطالبها الملك بأن تخرج ويبشرها، ثم يعرج بها إلى السماء.

    ثم قال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ [الزمر:42]، أي: الذي تقدم لَآيَاتٍ [الزمر:42]، أي: علامات، وهي أكبر من علامة الشمس الدالة على وجود الرب تبارك وتعالى، ولكن: لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الزمر:42]. وأما الذين لا يعقلون ولا يتذكرون ولا يتفكرون، ولا يفرقون بين الطيب والخبيث لا قيمة لهم، ولن يستفيدوا من ذلك شيئاً، وإنما يستفيد من ذلك الذين يتفكرون، فيجب أن نستعمل عقولنا وبصائرنا، وذكائنا وفطنتنا، ونتفكر حتى نهتدي.

    فمثلاً الصيام الذي نصومه يجب أن نفكر أننا نصوم؛ من أجل أن تزكو نفوسنا، وتطيب وتطهر، وأن من ثمار زكاة النفس وطهارتها؛ أن يرضى عنها ربها، وأنه إذا رضي عنها أنزلها بجواره في الملكوت الأعلى في جنات النعيم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أم اتخذوا من دون الله شفعاء ...)

    قال تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ [الزمر:43]؟ أم بمعنى: بل، ومعنى الآية: أن مشركي قريش والعرب، وحتى الموجودون اليوم، اتخذوا من دون الله أصناماً آلهة يعبدونها على أن تشفع لهم عند الله، وكانت هذه عقيدة العرب في الجاهلية، وقد كان لهم حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً، لكل قبيلة صنماً، يعبدونها وهم يعرفون أن الله هو خالقهم وخالق كل شيء، ويقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]. أي: من أجل أن يشفعوا لنا عند الله.

    ثم قال تعالى: أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ [الزمر:43]. أي: كيف تتخذون شفعاء لا يملكون شيئاً؟ وكيف سيشفعون لكم وهم لا يعقلون ولا يتكلمون لأنهم أصناماً وأحجاراًً؟ فأين يذهب بعقولكم أيها العرب؟

    فلا تطلب ممن لا يملك شيئاً، ولا ترجوا شفاعة من لا يعقل فمثل هذا لا ينجي من عذاب الله، فأين تذهب عقول من يفعلون ذلك؟ ولكن إذا انطمست البصيرة وعمي القلب بالشرك والكفر والفسوق والفجور، يصبح صاحب القلب كهؤلاء، وبهذه الآيات انتزع الله الشرك من قلوب العرب فدخلوا في الإسلام بعد خمسة وعشرين عاماً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السموات والأرض...)

    قال تعالى: قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا [الزمر:44]. أي: قل يا رسولنا لهؤلاء المشركين: إن الشفاعة لله جميعاً، ولا يملكها أحد بدون إذن الله ورضاه. وقد قال تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم:26]. أي: لا يشفعون بدخول الجنة وهكذا الأنبياء، والرسل، والأولياء، والمجاهدون، والأطفال إلا بإذن الله، ومن مات له ثلاثة أطفال لم يبلغوا الحلم فإن الله يشفعهم فيه يوم القيامة فيدخلون أباء هم وأمهاتهم الجنة، وما من شهيد إلا ويشفعه الله، والأولياء يشفعهم الله، لكن هذه الشفاعة لها شرطان:

    أولاً: أن تكون بإذن الله.

    ثانياً: أن يكون المشفوع له ممن رضي الله عنه، فإذا سخط الله على عبد لو شفع له محمد صلى الله عليه وسلم وحاشاه فلن يدخل الجنة.

    وإبراهيم خليل الرحمن، وأبو الأنبياء عليه الصلاة والسلام، والده آزر في النار، وقد أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم في عرصات القيامة سيقول: أي رب! إن والدي في النار، وقد وعدتني ألا تخزني يوم يبعثون، وهذا أبي في النار، فأي خزي أعظم من هذا الخزي؟ وما هي إلا لحظة وإذا بـآزر والد إبراهيم بين يديه، كأخبث ضبع والعياذ بالله، وما إن يراه إبراهيم حتى يقول له: سحقاً.. سحقاً، بعداً.. بعداً، فيؤخذ من قوائمه الأربع ويلقى في جهنم، وتطيب نفس إبراهيم، فالشفاعة إذاً موجودة، وقد شرعها الله وأخبر بها رسوله، فلهذا لا تسأل الشفاعة إلا من الله.

    والذين يقولون: يا رسول الله! اشفع لنا، هم جهلة ضلال. لأن الشفاعة لا تطلب إلا من الله، لكن يجوز أن تقول: يا رب! شفّع فيّ رسولك، يا رب! اجعلني من الشفعاء، فالله هو من يملك الشفاعة، أما غير الله فلا يملكها أبداً.

    ثانياً: لن يأذن لك الله بالشفاعة عن أحد إلا إذا كان راضياً عنه، ويريد أن يدخله الجنة، أما إذا كان ساخطاً عنه لكفره وشركه لو شفعت عنه لن تنفعه شفاعتك، ولن تجزي أبداً بهذه الشفاعة، وإياك أن تقول: يا عبد لله: أنت عبد صالح فاشفع لي!ولكن ارفع يديك وقل: يا رب! شفع فيّ عبادك الصالحين وشفّع فيّ نبيك وحبيبك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم، أما أن تطلب الشفاعة من مخلوق من المخلوقات فإن هذا خطأ وضلال.

    وقوله تعالى: لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الزمر:44]. فيه دلالة على أن الشفاعة ملك له وحده؛ إذ الذي يملك كل شيء هو الذي يشفع ويشفِّع، والذي لا يملك شيئاً لا يشفع ولا يشفّع، ولم نر فقيراً يسأل فقيراً أن يعطيه؛ لكونه ليس عنده ما يعطي، لكنه سيسأل غنياً؛ لأن عنده ما يعطي، فالخليقة كلها فقيرة إلى الله عز وجل، فلا نسأل واحداً منها أبداً، واسأل الله الغني الحميد.

    ثم قال تعالى: ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [الزمر:44]. فلا يوجد من لا يرجع إلى الله، وكل من مات رجعت روحه إلى الله.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ...)

    قال تعالى: وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ [الزمر:45]. أي: ولم يذكر معه نبي ولا ولي ولا ملك، ولا صنم ولا حجر، ولا عيسى ولا أمه، بأن قال: لا إله إلا الله، وأنه لا يدعى إلا الله، ولا يستغاث إلا بالله، ولا يطلب إلا من الله أو قال: لا مانع ولا معطي إلا الله، ولا ضار ولا نافع إلا الله، ولا هادي ولا ضال إلا الله،. قال الله عنهم: اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ [الزمر:45]. أي: كربت وحزنت وتألمت، فلا يريدون أن يسمعوا لا إله إلا الله، وإنما يريدون أن تكون آلهتهم مع الله.

    ثم قال تعالى عنهم: وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر:45]. ومعنى: من دونه أي: من الأصنام والأنداد والآلهة وأنهم يشفعون يستبشر المشركون ويسرون بذلك، وكثير من إخواننا الجهلة في أمة الإسلام إذا قلت لهم: لا يستغاث بالأولياء ولا يستعاذ بهم، ولا يحلف بهم، ولا يعكف حولهم؛ يغضبون ويتألمون، وتشمئز قلوبهم وتنكسر وتتحطم ويكادون يبكون، فإذا قلت لهم: إن أولياء الله فيهم البركة فادعوهم واستغيثوا بهم يستبشرون ويفرحون. فنبرأ إلى الله من صنيعهم، ونتعوذ بالله من عقيدتهم، ونفزع إلى ربنا لا إله إلا هو ولا رب سواه. فلا ينبغي أن يعبد أحد كائناً من كان إلا الله، لا بالدعاء ولا بالاستغاثة ولا بالاستعاذة ولا بغيرها من أنواع العبادة، فلا نعبد إلا الله، ولا نستغيث إلا به، ولا نستعيذ إلا به، ولا نحلف إلا به، ولا نتبرك إلا بكلامه، وندخل بيوته ونتبرك بها، ونحسن إلى عبيده وأوليائه؛ ليحسن إلينا، ونحب ما يحب ونكره ما يكره، وبذلك تتم ولايتنا له عز وجل، وأسأله تعالى أن يجعلنا من أوليائه.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات ] والآن مع هداية الآيات.

    [ من هداية هذه الآيات:

    أولاً: تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وحمله على الصبر والثبات في أصعب الظروف ] لأنه ظل عشر سنوات يدعوهم ليل نهار فلم يستجب له كثير من البشر، فكان يتألم ويكرب ويحزن، فيخفف الله عنه بمثل هذه الآيات.

    [ ثانياً: مظاهر قدرة الله في الموت والحياة مما يقتضي الإيمان به وبلقائه وتوحيده ] وليس هناك من يموت ويحيي غير الله، ولهذا كان المشركون يعترفون بوجود الله تعالى كما قال الله عنهم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87]، وقال عنهم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [العنكبوت:61]، ولكن الملاحدة والعلمانيين والبلاشفة الحمر الشيوعيين ينفون وجود الله، وهي مغالطة واضحة إذ أنه لابد لكل موجود من صانع.

    قال الشيخ في النهر غفر الله له ولنا ولوالدينا أجمعين: [ قال ابن عباس وغيره من المفسرين: إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء الله منها، فإذا أرادت الرجوع إلى الأجساد أمسك الله أرواح الأموات عنده، وأرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها.

    قال علي رضي الله عنه: فما رأته نفس النائم وهي في السماء قبل إرسالها إلى جسدها فهي الرؤيا الصادقة، وما رأته بعد إرسالها وقبل استقرارها في جسدها فلقيها الشيطان وخيل إليها الأباطيل فهي الرؤيا الكاذبة ].

    ونحن الآن نتصل عبر الهاتف برجال هم في أمريكا أو غيرها من الدول البعيدة ونتحدث معهم ونحن في مكاننا وكذلك الأرواح تتلاقى مع بعضها في السماء والجسد في الأرض قال: [ وفي الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض بداخلة إزاره، فإنه لا يدري من خلفه عليه، ثم ليقل: باسمك ربي، وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين ) ] وهذا ذكر محفوظ عن الرسول صلى الله عليه وسلم فتقول كل ليلة، إذا أويت إلى فراشك: باسم الله المحيي المميت، باسم الله المحيي المميت، باسم الله المحيي المميت، ثم تقول: باسمك اللهم وضعت جنبي، وباسمك أرفعه، اللهم إن أمسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به الصالحين من عبادك. وهو دليل على أن الأرواح ترفع إلى السماء ويقبض الله ما شاء ويرسل ما شاء.

    [ ثالثاً: إبطال حجة المشركين في عبادة الأوثان من أجل الشفاعة لهم، إذ الشفاعة كلها لله ] فمن أراد أن يشفع له النبي صلى الله عليه وسلم فليقل: اللهم شفع فينا نبيك ورسولك يا رب العالمين؛ لندخل الجنة دار النعيم ، فإن هذا دعاء صالح، ولن ينكر عليك أحد، وأما أن نقول: يا رسول الله! اشفع لنا فهذا لا يجوز.

    [ رابعاً: بيان خطأ من يطلب الشفاعة من غير الله، إذ لا يملك الشفاعة إلا هو ] والشفاعة لها شرطان:

    الأول: أن يأذن الله عز وجل للشافع.

    الثاني: أن يرضي الله تعالى عن المشفوع له. أما إذا لم يرض عنه فما تنفعه الشفاعة، وإبراهيم لم يقبل الله شفاعته في والده، ولا أحد أعظم من إبراهيم عليه السلام صلاحاً وتقوى.

    [ خامساً: بيان سفه المشركين وضلالهم في غضبهم عند سماع التوحيد، وفرحهم عند سماع الشرك ] فقد كانوا إذا سمعوا التوحيد يغضبون ويسخطون، وإذا سمعوا الشرك يفرحون ويستبشرون، وهذا هو الضلال.

    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756309174