إسلام ويب

ماذا يعني انتمائي للإسلام؟!للشيخ : أحمد القطان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في هذه المادة يتحدث الشيخ عن حقائق الانتماء للإسلام، وأن الانتماء للإسلام لا بد له من براهين، فمن ذلك: توحيد الله جل وعلا والتضحية في سبيله، وكذلك التآخي بين المسلمين وأداء حقوق هذه الأخوة. وأيضاً الجهاد في سبيل الله وحب الشهادة، وأخيراً: الدعوة إلى الله.

    1.   

    توحيد الله أول حقيقة تبين الانتماء للإسلام

    إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد: فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله حيث أمرنا في كتابه الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    وقال سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) [الطلاق:2-3].

    اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتنا ما تبلغ به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أبقيتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا يا أرحم الراحمين.

    أيها الأحبة الكرام: إنه ليسعدني أن ألتقي معكم هنا وأقول لكم: إني أحبكم في الله، وأسأل الله أن يجمعني وإياكم تحت ظل عرشه، وعلى منابر النور يوم القيامة، ولا يكون ذلك إلا للمتحابين في الله.

    أحبابي في الله: الحقيقة الأولى التي تعني انتمائك للإسلام هي توحيد الله، وإن في الانتماء إلى الإسلام أمرٌ عظيم، وأخطر حقيقة على وجه الأرض هي: توحيد الله رب العالمين.

    هذه الحقيقة العظيمة أغلب البشر ضلوا فيها، وضاعوا وبعدوا عنها والعياذ بالله، ولا يوحد الله على هذه الأرض إلا أقل العباد، وأما أكثرهم فمنهم من يعبد الحجر، أو البقر، أو الشجر، أو البشر! وهناك في الهند ثلاثة آلاف ديانة عبدوا فيها الفأر والنمل والسمك، وكل شيء متحرك، وهناك ملايين من الناس تحكمهم أحزاب بالنار والحديد في الصين وروسيا، والدول الاشتراكية أجمعت وقالت: لا يوجد إله لهذا الكون.

    إذاً: حقيقة التوحيد هي أخطر حقيقة توجد على وجه الأرض، أن توحد الله الذي يقول عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في أول دعوة دعا بها الناس: (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا).

    جاء الكفار إلى محمد صلى الله عليه وسلم يساومونه على حقيقة التوحيد في أخطر محاولة خاضها معسكر الكفر مع سيد الموحدين محمد صلى الله عليه وسلم.

    قالوا: يا محمد! لم لا تعبد آلهتنا يوماً ونعبد إلهك يوماً، فإن كان في آلهتنا خير فقد أصبت منه، وإن كان في إلهك خير فقد أصبنا منه، يريدون المساومة، أن يعبد آلهتهم يوماً ويعبد ربه يوماً، فماذا كان الرد؟

    لم يكن الرد منه صلى الله عليه وسلم وإنما كان الرد من الله؛ لأن القرآن هو من كان يخوض المعركة في مكة، فقال الله: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:1-6].

    (ولي دين): فيها الاعتزاز.. الانتماء.. المفاصلة.. التوحيد لله رب العالمين.

    (لكم دينكم): هذا الدين التافه الحقير؛ عبادة الأحجار والأصنام، (ولي دين) أوحِّد الله رب العالمين.

    لذا أتاه الكفار يوماً وقالوا: يا محمد! من ربك الذي تعبده؟ صفه لنا؟ فماذا قال؟

    قال تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:1-4].

    وهذه أممٌ كثيرة على وجه الأرض ضلوا وأضلوا لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:3] الكفار قالوا: بين الله وبين الجن نسباً، وبناته الملائكة، واليهود قالوا: عزير ابن الله، والنصارى قالوا: المسيح ابن الله، وما أمة ضالة إلا وقد نسبت، إلى الله الولد، أو الزوجة، أو الشريك، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    وبقيت أمة محمد صلى الله عليه وسلم تقول: (لا إله إلا الله)، هذه أعظم كلمة يرددها أعظم لسان على وجه الأرض .. لسان محمد صلى عليه وسلم، وأمته من بعده، هذه الكلمة فيها نفيٌ وإثبات.

    النفي: (لا إله) ينفي جميع الآلهة الموجودة على وجه الأرض، ويثبت الألوهية والربوبية والوحدانية لله رب العالمين، تقول في أولها: لا إله، فتنفي.

    الإثبات: (إلا الله) فتثبت الألوهية لله وحده، فتكون بهذه الكلمة تفتح لك أبواب الجنة الثمانية.

    لهذا كان الحبيب المحبوب يقول: (قولها قبل أن تحجزوا عنها) أول حقيقة لانتمائك إلى الإسلام أن تعلن توحيد الله رب العالمين.

    التضحية في سبيل الله توحيد لله

    بلال لماذا كان يعاني من معسكر الكفر وعذابه؟

    بلالٌ وحيد ليس له مدفع، ولا خلفه دولة، ولا عنده جيش، ولكن عنده ما هو فوق الجيش والدولة والنصير.. عنده توحيد الله، معسكر الكفر كله متمثل بـأمية بن خلف الطاغوت الجبار، يمسك السوط بيده وعضلاته قوية وهو سيدٌ مطاع في قريش، ويجر بلالاً على الرمضاء عارياً، وتشوي رمال الصحراء الملتهبة جسمه وظهره، ويحملون كتلة الحجارة على صدره فتنغرس في لحمه إلى العظم وتنزل عليه السياط لا تفتر، حتى يكل ساعد أمية ثم يلقي السوط ويقول: ما تركتك رحمة إنما تركتك تعباً، فقد كلَّ متني من ضربك، فماذا يقول بلال؟ يقول: أحدٌ أحد، قذيفتين: أحدٌ أحد، فيضربه أمية ، فيقول: أحدٌ أحد، فيعذبه فيقول: أحدٌ أحد، فقالوا: يا بلال ! كيف كنت تصبر على العذاب الذي لا يصبر عليه أحد؟ قال: [أخلط حلاوة الإيمان بمرارة العذاب، فتطغى حلاوة الإيمان على مرارة العذاب فأصبر] .

    ومن أين للإيمان حلاوة لولا توحيد الله رب العالمين؟! بدون توحيد لا يوجد إيمان، لهذا الله سبحانه وتعالى أعلنها في كتابه، فقال سبحانه وتعالى: هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [إبراهيم:52] للناس كل الناس.

    كل الناس يعلمون أنه إله واحد، ولكن لا يوحده إلا أولو الألباب، والدليل على أنهم يعلمون أنه إله واحد: أن الكفار إذا حصروا في مصيبة، أو تعرضوا لغرقٍ في البحر، أو نزلت بهم جائحة فإلى من يتجهون؟

    إلى الله الواحد الأحد.

    حتى الشيوعي الذي يقول: (لا إله والحياة مادة) إذا أراد أن يسقط من القطار، أو يهوي على الأرض، أو وقع في بلاء يقول: يا الله، يا الله، يا الله.

    فإذا قلت له: عجباً! تنكر وجوده ثم تستغيث به الآن، يقول: نعم. إنها من مخلفات البرجوازية التي في نفسي لم أتخلص منها، وسيأتي اليوم الذي أتخلص فيه منها، وليست هي مخلفات البرجوازية، إنما الفطرة تحركت فيه فأعلن توحيد الله رب العالمين يوم أن تجرد من العلائق، والمصالح، والأهواء، والموانع، فانطلقت قوية تقول: الله الله.

    توحيد الله أعظم حقيقة على وجه الأرض تفتخر بها أنت أيها المسلم أمام الشعوب، أمريكا التي وصلت القمر، وتهدد بصواريخ عابرات القارات تسحقها تحت نعالك بالتوحيد، فهي تعبد المسيح، وجبريل، ومريم، وتنسب إلى الله الولد، وعندها منهج محرف، وقد أحرقت الدين ومسحته، وفصلت بين الدين والسياسة، وبين الدنيا والآخرة، أما أنت فإنك تقول: إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162].

    من ينازعك التوحيد؟ عدوك الوحيد الشيطان الرجيم، يأتيك بين الحين والحين فيقول لك: من خلق الخلق؟ فتقول الله، فيقول: ومن خلق الله؟ محاولة لئيمة منه! عند ذلك إذا قال لك ذلك، قل: آمنت بالله لا إله إلا الله! فاقمع شركه بالتوحيد، ويوم أن تعتقد عقيدة التوحيد فتعلم أن الله واحدٌ في أسمائه الحسنى، وصفاته العلا، وأفعاله، وجلاله، وجماله، وجلاله وكلامه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] عند ذلك لا تركع ولا تسجد إلا له، ولا تسأل إلا إياه، ولا تطلب إلا منه، ولا تتوكل إلا عليه، ولا ترضى إلا عنه، ولا تصبر إلا على بابه، ولا ترجو إلا ما في يديه، ولا ترهب إلا جلاله العظيم، فلو لوح إليك بالذهب لكي تتنازل عن حرف من حروف الإسلام، تقول: لا. وإذا لوح إليك بالمشنقة تصرخ في وجوه الظالمين:

    ولست أبالي حين أقتل مسلماً     على أي جنبٍ كان في الله مصرعِ

    وذلك في ذات الإله وإن يشأ     يبارك على أوصال جسمٍ ممـزعِ

    التوحيد النابع من حسن الاعتقاد.

    ثمرة التوحيد يوم القيامة

    يتمايز الناس بعقائدهم يوم القيامة، إذ تأتي كل أمة مع من أشركت -والله أغنى الشركاء عن الشرك- تأتي أمة اليهود والنصارى والبقر والشجر والحجر وكل ما يعبد من دون الله، يأتون وآلهتهم يزحم بعضهم بعضاً، ويموج بعضهم في بعض، خلائق وأمم لا يعلمها إلا الله، فيقول الله لليهود: ماذا تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر العزير ابن الله، فيتبرأ منهم العزير، ويأمر الله بهم إلى النار.

    ويقول للنصارى: ماذا تنتظرون؟ يقولون: ننتظر المسيح ابن الله، وانظر خيبة الأمل يوم أن تعقد الآمال به، ثم لا يجدون منه ولياً ولا نصيراً، فينهارون في يوم القيامة جثياً على ركبهم ويؤمر بهم إلى النار.

    وتبقى أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيها منافقوها، ولا ينفعها في ذلك الموقف إلا التوحيد وحسن الاعتقاد، لهذا الكفار يوم القيامة عندما يرون التوحيد ينفع أمة محمد، ماذا يقولون؟ كل الكفار يصرخون: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام:23] والله يقول: انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [الأنعام:24]

    تكذبون على الله والله يعلم أنكم أشركتم به في الدنيا، ولو أعادكم إلى الدنيا مرة ثانية لأشركتم: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]... وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهم لكاذبون [الأنعام:28].

    لهذا يقول الله لأمة محمد ماذا تنتظرون؟

    فيقولون ننتظر ربنا فيقول: أنا ربكم، يقولون: لا نعرفك حتى تظهر الآية التي بيننا وبينك، أخبرنا بها الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم، فيقول: ما هي؟ فيقولون: يكشف ربنا ساقه، فيكشف الله ساقه فيعرفون الله من علامة بينهم وبينه؛ فيخرون لله سجداً، ويحاول المنافقون السجود فلا يستطيعون؛ إذ يحول الله ظهورهم طبقاً من حديد، ويصبحون مميزين أمام الخلائق، كتلاً كتلاً، كما كانوا في الدنيا كتلاً معنوية من الحقد والغل والربا والحرام والفجور والخداع والمكر والخبث أصبحوا كتلاً حسية واضحة بينة، الطرق الملتوية التي كانوا يرتادونها في الدنيا تكشفت يوم تبلى السرائر، قال تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [القلم:42-43].

    كانوا يدعون إلى السجود في الدنيا وهم سالمون فأبوا، والجزاء من جنس العمل، فمن أبى السجود بصدق لا يسجد هنا.

    1.   

    الأخوة في الله حقيقة الانتماء للإسلام

    الحقيقة الثانية لانتمائك إلى الإسلام يا أخي الحبيب هي أن تعلن الأخوة الإيمانية والإسلامية، قال تعالى وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) [فصلت:33].

    تعلنها!! قلها وأشهد الله وملائكته والناس أجمعين: إنني من المسلمين، وأحب المسلمين، وأدعو لهم، وأرجو أن أحشر معهم يوم القيامة: وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].

    هذه الأخوة الإيمانية التي عاشها السلف الصالح رضي الله عنهم وأرضاهم، وكان يدعمها الرسول صلى الله عليه وسلم بالآيات والأحاديث: (من عاد مريضاً أو زار أخاً له في الله، ناداه منادٍ بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً).. (من عاد مريضاً ممسياً استغفر له سبعين ملكاً حتى يصبح، ومن عاد مريضاً مصبحاً استغفر له سبعون ألف ملك حتى يمسي).

    الأخوة الإسلامية الإيمانية عاشها مصعب بن عمير في غزوة بدر عندما رأى أخاه عزيز مأسوراً وكان من الكافرين، وأخوه يبحث عنه فلما رآه صرخ: يا مصعب ! يا مصعب ! ألا ترى ما أنا فيه؟ فك وثاقي يا أخي، فقال مصعب للأنصاري الذي أسره: [أشدد عليه وثاقه، إن أمه ثرية ستجزل لك الفداء، فقال أخوه عزيز : ويحك يا مصعب ، أهذا نصيبي منك وأنا أخوك؟ قال: اسكت، أنت لست أخي، إن أخي هذا الذي آخى الإسلام بيني وبينه]

    لا بد أن نحيي هذه المعاني فيحب بعضنا بعضاً، ويرحم بعضنا بعضاً، ونصير إخوة متحابين، وإن اختلفنا فالناس تختلف، ولكن القلوب لا تختلف، يدفعها الحب والإخاء والعفو والتسامح والدعاء في ظهر الغيب، أنت أخي وأنا أخوك، أنت مرآتي وأنا مرآتك، تنصحني وتدعو لي في ظهر الغيب.

    إن لم أكن بك لن أكون بغيرك: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [الأنفال:62-63].

    فضل الأخوة في الله

    الأخوة الإيمانية نعيشها في واقعنا من أعظم حقائق الانتماء الإسلامي، الأخوة الإيمانية التي يقول عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: (زار أخٌ أخاً له في قرية فأنزل الله على مدرجة الطريق ملكاً، قال: إلى أين أنت ذاهب؟ قال: إلى زيارة أخي في الله، قال: هل له عليك من نعمة تردها ؟ قال: لا. إلا أني أحبه في الله) أنا جئتكم هناك من بيان إلى بيان أحبكم في الله، وأنتم جئتموني من مناطقٍ شتى تحبونني في الله، لم أعطكم درهماً ولا ديناراً، إنما نرجو ثواب الله: (فقال: اعلم أن الله ابتعثني إليك لأخبرك أن الله أحبك بحبك لأخيك، وأن الله قد غفر لك).

    يأمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو بعضنا لبعض في ظهر الغيب: (ومن قال لأخيه في ظهر الغيب بدعاء قال الملك: ولك مثل ذلك).

    ويمر رجلٌ يقول: ألا أخبركم برجلٍ من أهل الجنة؟ قالوا: بلى، قال: هذا، وفي اليوم الثاني قال: هذا، وفي اليوم الثالث قال: هذا، فقام ابن عمر وبات عنده فلم يجده كثير صيام ولا صلاة.

    وأقول ذلك لمن يهتم بكثير الصلاة والصيام، وإذا التقى مع إخوانه المسلمين اشتبك بقلب أسود وأخذ يغتاب هذا، وينم عند ذاك، ويبهت هذا، ويحقد على ذاك، ما قيمة الصلاة والصيام والقلب يحتاج إلى صيانة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] تتقون أي: صيانة القلوب، حتى تكون خالصة لله، ليس فيها غلٌ ولا حسد، لهذا الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث القدسي في موضوع الصيام وهو يعاني ويعالج قضية الأخوة الإيمانية الإسلامية، يقول صلى الله عليه وسلم: (يقول الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، فإذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فالصيام جنة فإن سابه أحدٌ أو شاتمه فليقل إني صائم) ما معنى: إني صائم؟

    معنى ذلك: أنك يا أخي! أنت لم ترع حرمة أخوتي، ولا حرمة إيماني وإسلامي، الله أمرك أن ترع هذه الحرمة فما رعيتها، والله أمرك أن تمسك هذه الجوارح من اللسان واليد ألا تهتك فيها حرمة أخيك، فصخبت وشتمت ورفثت، وأنا لا أعالج الخطأ بالخطأ، ولكني أعالج الخطأ بالصواب، فأذكرك بالله فأقول: إني صائم.. إني صائم.

    لهذا كان صلى الله عليه وسلم يقول: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) فالقضية ليس قضية طعام وشراب، وإنما هذا الإله الذي قال لي: إن الحلال أصبح حراماً في رمضان من الفجر إلى الغروب، قلت له: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.

    قال: وزوجتك الحلال عليك حرام من الفجر إلى الغروب، فقلت: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، إله أطيعه في الحلال فلا آكله، وفي الحلال في أهلي فلا آتيه، فكيف أعصيه فأشتم هذا، وأعتدي على هذا، وأغتاب ذاك، لهذا قال الله: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21].

    ويأتي عمر فيقول لـأبي بن كعب : [يا أبي ! ما التقوى؟ قال: أمشيت طريقاً ذا شوك، ما عملت؟ قال: شمرت واجتهدت، قال: فذلك التقوى يا عمر] التشمير والاجتهاد على ألا تصيبك أشواك الذنوب فتدمي قلبك الإيماني.

    حقيقة انتمائك إلى هذا الإسلام أن تعلنها أخوة في الله رب العالمين، حتى يناديك الله يوم القيامة: (أين المتحابون بجلالي؛ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) ديننا وربنا وكتابنا ومنهجنا ونبينا واحد، ودعوتنا واحدة؛ فلندع الحزبية المقيتة؛ وهذه التفرقة التي بيننا، هذا منحرف، وهذا عقيدته فاسدة، وهذا أشعري، وهذا مبتدع.

    أهمية الحفاظ على الأخوة الإيمانية وصيانتها

    يا أخي: إذا رأيت على أخيك مثل ذلك؛ فأت له برفق وزره في البيت، وابتسم في وجهه واحضر معك الدليل والبرهان من الله ورسوله، وتلطف في حديثك، وقل له: يا أخي! يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) فإذا نصحته أخذ منك النصيحة، وإذا وجهته أخذ منك التوجه، أما أنك تأتيه بأعصابٍ مشدودة، وعيون طائرة، ونفس متأزمة، فلن يقبل منك، لهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل هينٍ لينٍ سهل قريب، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتلٍ جبارٍ جواظ مستكبر) نسأل الله العافية، انظر العبارات الأولى، وانظر العبارات الثانية.

    وعليك إذا كنت مع إخوانك وأحبابك أن تكون هيناً وليناً وسهلاً وقريباً، وتواضع وطأطئ لهم، وسامحهم بدل المرة سبعين مرة، والتمس لهم الأعذار، لا تدع الشيطان يأكل حسناتك، نم وقلبك خالياً على المسلمين، قل عند النوم: اللهم إني عفوت عمن ظلمني، واذهب إلى الذين يكتبون ضدك من المسلمين وليس من أصحاب الفكر المنحرف اليساري أو الشيوعي أو الماركسي أو العلماني وإنما قد يبتلي الشيطان مسلم من الدعاة فيكتب ضدك، أو يتحدث في شريط ضدك، أو أن يتكلم في مجلس ضدك، هذا قبل أن يأتيك اذهب أنت إليه، وقبل رأسه والتزمه، وقل: يا أخي! جزاك الله خيراً ما كان ينبغي أن تقول ذلك، لأن الحديث يقول: (لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه أكثر من ثلاث وأقربهما إلى الله ابدؤهما بالسلام) إذا أردت القرب من الله فاسبقه وابدأه بالسلام والمصافحة.

    نعم. هكذا يعلمنا الإسلام، وأمضى سلاحٍ نعطيه العدو هنا وهناك هو هذه التفرقة التي نشاهدها في الساحة ولا حول ولا قوة إلا بالله! حتى يصبح الأخوين في بيت واحد، من أمٍ واحدة وأبٍ واحد، هذا يكيد لهذا، وهذا يمزق جريدة هذا، وهذا، هذا، لا يا أخي، نحن أحباب وإخوان وأصحاب في الله، تعال نلتقي ونتعاون، انصحني وأنصحك، لا تدع الشيطان وأعداء الله يشمون هذه الرائحة ويرون الغسيل المنشور ويشمتون بنا، لا يا أخي لا تدعهم يشمتون بنا.

    إذاً: من حقائق الانتماء إلى الإسلام الأخوة الإيمانية، والله يقول في كتابه عنها: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:103-105].

    الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) وينظر إلى الكعبة ويقول: (أعلم أنك عند الله عظيمة، وأن حرمة المسلم عند الله أعظم) ويقول: (المسلمون في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) ويقول عن المؤمنين: (كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً) لهذا احذر من أن تفرق الصف بكلمة أو بحركة أو بإشارة أو بمنشور أو بشريط أو نميمة، أو غيبة، أو بهتان، فكل تلك أسلحة تضعها بيد عدوك الشيطان.

    1.   

    حب الجهاد في سبيل الله وحقيقة الانتماء للإسلام

    الحقيقة الثالثة: أن تحيي الجهاد في سبيل الله في قلبك وسلوكك وعملك، الجهاد بالمال وبالنفس، والجهاد بالنفس أصبح الآن فريضة عين على المسلمين، ولكننا حرمنا ومنعنا منها، لهذا لا يستطيع أحدٌ منا أن يفعل ذلك، نريد أن نحرر فلسطين، لكن هل نستطيع أن نحرر فلسطين؟

    يهود العرب يذبحوننا قبل أن نصل إلى فلسطين ، فلهذا أحيي معاني الجهاد في نفسك؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من شعب النفاق) ويقول: (من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله فقد غزا) ويقول: (من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه) هكذا يقول الحبيب المحبوب، وأريد أن أقف معكم مع حديثٍ واحدٍ من أحاديث الجهاد حتى تروا الفرق بيننا الآن وبين السلف الصالح رضي الله عنهم مع هذه الأحاديث.

    الجهاد في سبيل الله عند السلف

    الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أول جيشٍ يفتح القسطنطينية نعم الجيش هم، ونعم الأمير أميرهم) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

    هذا الحديث ما ترك خليفة من خلفاء المسلمين يرتاح في نومه ولا طعامه، وكل واحد منهم يحرص على أن يكون هو أمير ذلك الجيش، ويحرص المجاهد المسلم على أن يكون في ذلك الجيش، ففي عهد عثمان ومعاوية رضي الله عنهم، وسليمان بن عبد الملك كلهم كانوا يحاولون فتح القسطنطينية ، حتى يحوزوا بهذه الدرجة العظيمة بشهادة الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم: (نعم الجيش هم ونعم الأمير أميرهم ) انظر حديث واحد، حتى إن أبا أيوب الأنصاري وعمره ثمانون سنة لما درى عن الحديث ركب حصانه، وتماسك على سرجه، ومشى من المدينة المنورة إلى حدود تركيا هناك عند حدود القسطنطينية ، وكانت درجة الحرارة تصل تحت الصفر وأبو أيوب الأنصاري عمره ثمانون سنة.

    ورآه أحد المجاهدين وقد اقتحم صفوف الأعداء وجال بهم وصال، فقال أحد الجنود: ما لهذا يلقي بنفسه إلى التهلكة، قال: لا يا قوم إنكم تفهمون هذه الآية غير ما أنزلت عليه: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195] لقد أنزلت فينا نحن معاشر الأنصار لما فتح الله على نبيه قلنا: نعود إلى مزارعنا وثمارنا وأموالنا ننميها، فقال الله: لا تفعلوا ذلك ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة، فإن اللجوء إلى الدنيا وتنمية الدنيا على حساب الآخرة والدين هذه هي التهلكة، يضيع الدين وتضيع منك الآخرة ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    لهذا أبو أيوب الأنصاري قبره الآن على حدود تركيا ؛ لأن الجيوش الإسلامية بقيادة يزيد لم تحقق الفتح، وتوفي أبو أيوب وقال: إذا أنا مت فاحملوا جثماني وأوصلوه إلى أقصى مدى من أرض العدو وادفنوني هناك، الله أكبر! انظر فعل الحديث.

    العثمانيون يحملون راية الجهاد

    ظل الخلفاء خليفة بعد خليفة -على حسب معاني الجهاد عندهم والتجرد والإخلاص- لا يقر لهم قرار أمام هذا الحديث، حتى انتقلت قيادة الأمة من أيدي العرب عندما تركها العرب ولجئوا إلى الكاسات والطاسات، وغرقوا في الجواري الحسناوات، ومزقوا خلافتهم، ماذا فعل الله؟ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38] حول القيادة إلى يد الأعاجم الأتراك.

    الأتراك لا يعرفون حرفاً عربياً، فحملوا راية القيادة وأعلنوها جهاداً في سبيل الله، ودوخوا أوروبا ، جيوشهم في فرنسا وعلى حدود أوروبا ، والصين ، وفتحوا مشارق الأرض ومغاربها، حتى جاء عهد السلطان محمد الفاتح رحمة الله عليه، وهو شابٌ لم يبلغ العشرين عاماً، من في عمره اليوم يضع في أذنه سماعة ويسمع الديسكو، ويركب دراجته ويدور عند مدارس البنات، أما هو فقد استلم قيادة أعظم إمبراطورية على وجه الأرض، وقال: لا موسيقى ولا غناء، ولا اشتغال بعمران وبنيان، من أراد أن يتحدث في مجلس الخليفة فلا يتحدث إلا عن فتح القسطنطينية.

    فحيا الجهاد في قلوبهم وعاشوا معاني الجهاد، وبدون هذه التربية لا يتحقق النصر، بدون أن تحيا أحاديث الجهاد وتتربى عليها وتحدث النفس، فإنك لا تصل إلى النصر، فالرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يفتح مكة خاض عشرات الغزوات بقيادته مع الكفار، فلما جاء وقت تحطيم الأصنام دخل مكة برداً وسلاماً، وهو يقول: (اذهبوا فأنتم الطلقاء، لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) ويشير بمحجنه إلى الأصنام فتتهاوى وتتكسر أمامه، ولكن قبل هذا كسرت رباعيته، وشج وجهه، وسقط في الحفرة، وقتل من أصحابه سبعون، وعند بئر معونة، وبئر الرجيع، وتعرضوا إلى الجوع والظمأ والمخمصة والخوف في الخندق ، واتهم في عرضه وأهله ونيته، وتحمل ما تحمل صلى الله عليه وسلم، كلها تربية!

    جهاد محمد الفاتح وفتحه للقسطنطينية

    محمد الفاتح عندما قرأ هذا الحديث لم يقر له قرار في ليل ولا نهار، وبدأ يعد الجهاد على ثلاثة محاور، فوق الأرض، وتحت الأرض، وفي البحر؛ وبدأ يبني أسطولاً ضخماً من أعظم الأساطيل البحرية على وجه الأرض.. وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60].

    ليس أن يقف ويخطب في الناس، توسع يا بحر وتجوع يا سمك، سنرمي فيك اليهود، سيأتيك الصاروخ القاهر والظافر والناصر وإذا هي كراتين، وإنما كان قولاً وفعلاً، أو فعلاً بلا قول، وأعد الأساطيل البحرية، وأعد الجيوش الإنكشارية، وقد أحسن تدريبهم، يركبون الخيول بلا سروج ويستديرون على الحصان في جميع جوانبه بلياقة فائقة، ويخطفون الخاتم من الأرض برأس السهم، وأحدهم يجوع أياماً ويظمأ وهو في غاية التحمل، كإنذار وصاعقة إسلامية.

    وبدأ يدرس خطة الفتح، فالعمل بلا خطة لا خير فيه، العمل المتهور الارتجالي الحماسي هكذا لا خير فيه، فكانت خطته كالآتي:

    أن يقترب إلى أقرب نقطة من القسطنطينية ، والقسطنطينية محصنة تحصينات لا تخطر لك ببال، بخمسة أسوار وخندق، كل سور لا تؤثر فيه المعاول ولا تصل إليه الكلاليب، وبعد السور الثالث خندق عميق طولاً وعرضاً فمن اجتاز الأسوار الثلاثة غرق بهذا الخندق ومن خلفه سور. ولكن:

    من يتهيب صعود الجبال      يعش أبد الدهر بين الحفر

    عزائم الإيمان تحيل الجبال رماداً وهي لا تحول.

    نحن الذين بايعوا محمدا      على الجهاد ما بقينا أبدا

    فاختار مواقع مرتفعة قريبة من مواقع العدو وبنى قلاعاً، وجعل حول القلاع أبراج مراقبة، وهذه الأبراج صبها صباً من الرصاص والحديد، ثم أخذ يرصد العدو ويترقب، وعندما اطلع الله إلى نياتهم جاء التوفيق، والمدد من الله: وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ [الأنفال:18]... إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] إذ جاء مخترعٌ مجري ( أوربان ) لصناعة مدفع لا يوجد مثله في العالم، لو ضرب أسوار المدينة لدكها، ولكن يحتاج إلى ميزانية كبيرة.

    قال لهم: راقبوه كيف يصنعه وضعوا أيديكم في صنعته، حتى إذا عاد إلى بلده صنعتم مثل ما يصنع، هذا العقل الإسلامي يكون منتجاً مصنعاً وليس مستهلكاً مستورداً، يحتاج إلى قطع غيار، حتى الإبرة لا يستطيع أن يصنعها.

    وفعلاً قام المخترع المجري وصنع هذا المدفع والطلبة يشاركون ويراقبون؛ فرسموا بعقولهم مخطط الصناعة، وجاءت التجربة وجروا المدفع بالبغال حتى أوصلوه إلى الأبراج الرصاصية، وشدوه في السلاسل حتى رفعوه على البرج، ووضعوا فيه البارود، وحملوا القذيفة الهائلة ووضعوها فيه، ثم كانت التجربة الأولى: إذ أطلقوا منه القذيفة فارتجت الأرض من تحتهم، وثار دخان عظيم، ولهبٌ كبير، وانطلقت القذيفة لها دويٌ كالرعد، واصطكت في جدار القسطنطينية فنزل كالرماد، فلما رأى آثارها ذهل وحمد الله وأمر بصناعة المزيد من هذا المدفع، فاشتغل الصناع في الليل والنهار، وما تركوا برجاً من الأبراج إلا ووضعوا عليه مدفعاً كبيراً من هذه المدافع، واشتغلت المدافع في الليل والنهار لا تقف، وتحول النهار إلى ليل، وتحول الليل إلى نهار، والأرض ترتج من تحتهم، وأعداء الله كلما حدثت ثغرة في أسوار القسطنطينية أسرعوا لإصلاحها، فإذا هي تحدث في كل مكان، حتى يئسوا وسقط ما في أيديهم وتركوا الأسوار فيها الثغرات الكبرى مفتوحة، وعجزوا عن ترميمها وإصلاحها.

    عند ذلك أرسل محمد الفاتح إلى جنوده أن يحفروا أنفاقاً تحت الأرض عند أقرب نقطة من القسطنطينية ، وأن يدخلوا تحت الأسوار والخندق، ويخرجوا من داخل البلد، وبدأوا يشتغلون بآلاتهم وأجهزتهم ويعملون دعامات تحت الأرض، كأنهم يحفرون مناجم تحت الأرض، وأصبح قسطنطين مع جنده وشعبه لا ينامون، ومرت عليهم سبعة أيام بدون نوم، إذا وضعوا رءوسهم على الوسادة سمعوا المعاول من تحتهم تضرب فيفزعوا، والإشاعات تقتل الناس، فهذا يقول: خرج عثمانيٌ في بيتي، وهذا يقول: خرج في السوق، وأصبحت الإشاعات تعصف بهم عصفاً، لا ينامون ولا يستريحون ولا يأكلون.

    المسلمون يحفرون من تحت الأرض، وكلما قاربوا من الفتحة كسروا القشرة الأرضية وخرجوا، فصب عليهم الماء الحار أو الحديد المذاب فينصهر المسلمون، فيدوس الآخرين على جثة إخوانهم ويعبرون ويقتلون بسيوفهم حتى يستشهدون.

    فقال: رجالٌ هكذا لا نقدر عليهم، ودب الرعب في قلوب الأعداء، ويئسوا من النصر، وبدأ جنوده يتسللون واحداً تلو الآخر، وبدأت البابوية العالمية تتبرأ منه وتبتعد، سبحان الله.

    عند ذلك أراد أن يأتيهم كما جاءهم من تحت الأرض أن يأتيهم فوق البحر فساق الأسطول الرهيب، بمدافعه ونيرانه والمنجنيق وقاذفات اللهب، فلما جاء عند مدخل المضيق، وجد سلسلة ضخمة تحجز الممر من طرفيه، فلا تستطيع السفن العبور، وعليه حراسة مشددة، والنار الإغريقية بالمنجنيق تتقاذف ذات اليمين وذات الشمال، فلا تقترب السفن ولو اقتربت لاحترقت، فماذا يعمل محمد الفاتح ، لا بد أن تدخل السفن في هذا المضيق، وتلتف من خلف القلاع؛ لأن التحصينات خفيفة هناك وهم يعتمدون على البحر، فلما عجز على اجتياز السلسلة أتدرون ماذا فعل؟

    هداه الله إلى طريقة: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ [يونس:9].. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً [الأنفال:29].

    أمر جنوده أن يقطعوا أشجار الغابات، ثم مد الأشجار من الساحل إلى الضفة الثانية من البحر، وأمر بدهن الأشجار بالقطران والشحم، ثم ربط السفن وحفر لها ميناء، وعمل لها مجرى بحيث ينزل طرف السفينة على أول خشبة، ثم جعل حبالاً ضخمة على جانبي السفينة على كل حبل ألف رجل، وهناك بغال تسحب السفينة ورجال تدفع، ثم أمر بنشر الأشرعة، ونشرت القلاع بيضاء ضخمة، وضربت فيها الريح فسارت السفينة تنزلق على الأخشاب المدهونة والناس يوازنونها بالحبال ذات اليمين وذات الشمال، والبغال تجر، والأشداء يدفعون، والرياح من جنود الله تدفع، فأصبح منظراً عجيباً، كأنها سحابات بيضاء ربطت بالحبال يسوقها جنود الله على الأرض.

    وقسطنطين على أبراجه ينظر ويقول: ما هذا الذي يأتي علينا من جهة البر، سفنٌ تمشي على اليابسة؟! ما رأى ذلك في حياته، وعبرت السفن على اليابسة فوق الأخشاب المدهونة وهي توازن حتى انخرطت في البحر والتفت سفنه من خلف حصونه وقلاعه، وبدأت الحرب البحرية الرهيبة، دارت رحاها بنيرانها ومدافعها وقذائفها، وجاء الجنود وألقوا الكلاليب على القلاع والحصون، وتسلقوا بسلالمهم، ونزلوا على الأعداء، وأخذوا يحصدونهم بسيوفهم.

    وبدأت الجيوش تزحف يمينا ويساراً وقلباً ومشاة، ومعهم قائدهم تحت لوائه يكبرون تكبيرة واحدة فترتج الأرض وتتجاوب معهم الجبال. حتى إذا جاءوا عند الحصون أمر بالنفير العام، فأخذ المسلمون يركب بعضهم بعضاً كالإعصار، تشوقاً إلى الشهادة، واجتاحوا الأسوار، ودخلوا من الثغرات، وألقوا العبَّارات، وعبروا داخل النفق والخندق، وأخذوا يدخلون داخل القسطنطينية ، وأباد جيوشه وانهزم قسطنطين ، وقتل صريعاً على الأرض مجندلاً، وحقق الله نصره ودخل محمد الفاتح بجنوده الإنكشاريين، وأباح المدينة لهم ثلاثة أيام يأخذون من خزائنها غنيمة لهم وهبة، وجاءوا يحملون الغنائم، وأمرهم ألا يقتلوا وليداً ولا امرأة، ولا يقطعوا شجرة، ولا يخرجوا أحداً من كنسية، ولا يقتلوا راهباً في صومعة.

    وبعد ثلاثة أيام تقدم إلى أعظم كنسية عندهم (أيا صوفيا) وغيرها من الكنائس، وإذا به يسمع بكاء الأطفال داخل الكنائس، فقال اكسروا الأقفال وافتحوا الأبواب فلما فتحوها وإذا النساء والأطفال والرهبان والقساوسة أمام الصليب يبكون ويرتجفون، فقال: لن تراعوا، لن تراعوا، ثم عفا عنهم، وعيَّن عليهم قساوسة، وبيَّن لهم سماحة الإسلام مع أهل الذمة فلم يصدقوا، فأخذ يدفع بعضهم بعضاً، كل يأمر صاحبه أن يبدأ بالخروج هل سيذبحونه أم لا؟ وخرج أول رجل وأول امرأة فلما نظروا أنه ما فعل فيهم شيئاً أخذوا يرقصون ويغنون ويفرحون لسماحة الإسلام مع أهل الذمة.

    وهكذا فتحت أحصن معقلٍ للصليبية العالمية عبر التاريخ، وتحققت نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم: (أول جيش يفتح القسطنطينية نعم الجيش هم، ونعم الأمير أميرهم) وقال قبله حديثاً: (أول جيش يغزوا القسطنطينية مغفور له) وكان أول جيشٍ غزا القسطنطينية بقيادة يزيد بن معاوية فهذه بشرى المغفرة.

    أيها الأحبة: عندما عاش المسلمون معاني الجهاد واقعاً وعملاً حقق الله على أيديهم النصر العظيم، وصدق الله في وعده يوم أن قال: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55] أرأيتم أيها الأحباب!

    1.   

    وجوب الدعوة إلى الله

    الحقيقة الرابعة لانتمائك إلى الإسلام هي: دعوتك إلى الله رب العالمين.

    الدعوة إلى الله حفظ للشعوب

    كيف لا تدعو إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم يعلنها أمام الناس أنه لو ترك الدعوة فلن يجد مجيراً يجيره من الله، ولن يجد ملجأً يلجئه من الله، يونس قبله ترك الدعوة فالتقمه الحوت في الظلمات وهو مليم، محمد يقول الله عنه في القرآن حول هذا المعنى الخطير: قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً * إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ [الجن:22-23].

    الملجأ والمجير بلاغٌ من الله ورسالاته، وإذا تركت بلاغاً من الله، وتركت تبليغ رسالة الله وهي الدعوة من يجيرك، والله يوم أن ترك المسلمون الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ماذا فعل الله بهم؟

    مزقهم وسلَّط عليهم أرذل خلقه .. إخوان القردة والخنازير، وأصبحت أخلاق اليهود التي كان الله يسمهم بها في القرآن ويعيبهم بها .. أصبحت متمثلة بنا ولا حول ولا قوة إلا بالله! ألم يقل الله لليهود: وإذ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ [البقرة:84].

    المسلمون الآن يعملون عمل اليهود؛ يسفكون دماءهم ودماء شعوبهم، وجميع العقول المستنيرة تهاجر من أوطانها إلى أمريكا ولندن وألمانيا ، فالذي وقع فيه اليهود وقعنا فيه، معظم بلاد العرب والمسلمين ما ذبح بأيدي حكامها أكثر مما ذبح بأيدي اليهود والنصارى ورب الكعبة! والعقول الحرة المستنيرة المخترعة المبتكرة الواعية الداعية المسلمة لا تجدها في بلاد المسلمين، وإن كانت في بلاد المسلمين تجدها في السجون والمعتقلات، ولكن تجدها في لندن وأمريكا وديار العدو يجدون الإيمان والأمن ولا يجدونها في ديارهم، وأحدهم أمه تموت فيطلب من الحكومة رخصة لكي يحظر جنازة أمه يقولون: لا، إذا جئت قتلناك.

    اليهود كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، هكذا يقول الله عنهم في القرآن، أصبحنا بأخلاقهم؛ أحدنا يرى المنكر ولا ينكر، الربا قائم.. الزنا.. الفجور.. الخمور.. الحكم بغير ما أنزل الله .. ولا ينكر إلا القليل، نسأل الله أن يجعلنا من هذا القليل.

    إذاً: الدعوة إلى الله تكليفٌ وتشريف، وكيف لا والله يقول في كتابه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] ويقول الله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110] ويقول الله: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:41].

    أيها الأحباب: الأمم السالفة كان يحرص أهلها على أن يكونوا صالحين لا مصلحين، ولكن أمتنا اليوم مكلفة بأن تكون صالحة ومصلحة؛ لأن الأمم السالفة كان كل نبي يبعث إلى قومه، أما نبيكم فقد بعث إلى الناس كافة؛ فلا بد أن ندعو الناس كافة، الرجل الصالح فيه خير ولكن أحسن منه الصالح المصلح، الرجل الصالح حمى الله أموال أولاده بصلاحه: وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً [الكهف:82] فأمر الله الخضر وموسى أن يبنيا الجدار لحفظ الكنز لليتامى بصلاح أبيهم، ولكن الله إن كان حفظ مالاً لرجلٍ صالح فإنه يحفظ أمماً وقرى برجلٍ مصلح لقوله تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117].

    فالدعوة إلى الله هي دعوة الإصلاح.

    وأما قضية إنكار المنكر فلا يعذر فيها أحد، لا في الأديان الماضية ولا الآن، إنكار المنكر واجبٌ على كل مسلمٍ ذكراً كان أو أنثى، كبيراً أو من بلغ الحلم لقوله عليه الصلاة والسلام: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) وفي رواية: (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) ديننا لا يأذن لقلوبنا أن تعقد هدنة مع الباطل، لا وثائق سلام وتوقيعات استسلام قلبية بين الباطل، أقلها نشتبك بمعركة في ميدان الذنوب مع الباطل والمنكر، وإذا رأى أحدنا المنكر وقد عجز عن تغييره باليد واللسان يقول: اللهم هذا منكر لا أرضاه ولا ترضاه، ويوم أن يسكت ويرضى بهذا المنكر ويستهين بالذنوب فليراجع إيمانه فليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.

    وأما قضية إنكار المنكر فلا يعذر فيها أحد، لا في الأديان الماضية ولا الآن، إنكار المنكر واجبٌ على كل مسلمٍ ذكراً كان أو أنثى، كبيراً أو من بلغ الحلم لقوله عليه الصلاة والسلام: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) وفي رواية: (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) ديننا لا يأذن لقلوبنا أن تعقد هدنة مع الباطل، لا وثائق سلام وتوقيعات استسلام قلبية بين الباطل، أقلها نشتبك بمعركة في ميدان الذنوب مع الباطل والمنكر، وإذا رأى أحدنا المنكر وقد عجز عن تغييره باليد واللسان يقول: اللهم هذا منكر لا أرضاه ولا ترضاه، ويوم أن يسكت ويرضى بهذا المنكر ويستهين بالذنوب فليراجع إيمانه فليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.

    سبل الدعوة إلى الله

    الدعوة إلى الله.. ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125].. وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].

    الدعوة إلى الله.. كل ميسر لما خلق له، فهذا في وظيفته، وهذا في أسرته، وهذا في ماله، وهذا الطبيب بعلاجه، وهذا المدرس بتعليمه، وهذا التاجر بتجارته، والخطيب بخطبته، وهكذا كلٌ على ثغرة: (لا يحقرن أحدكم من المعروف شيئاً ولو أن يلقى أخاه بوجه طلق).. (بلغوا عني ولو آية) الدعوة إلى الله لا بد أن تكون أغلى من ولدي ووالدي.

    الدعوة إلى الله.. لأنه لا قيمة للولد ولا للوالد بدون الدعوة إلى الله؛ فالحسنات التي تصب في ميزان الوالد -إذا كنت داعية إلى الله رب العالمين موحداً خالصاً مسلماً واستغفرت نزل الاستغفار كالجبال من الحسنات في ميزانك، إذا لم تكن داعية إلى الله كيف تعرف الحلال والحرام، كيف تعرف النور من الظلام، كيف تعرف الخير من الشر، أما سمعت قول علي بن أبي طالب: [كن عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً ولا تكن الخامس فتهلك].

    لا عالم ولا متعلم ولا مستمع ولا حتى تحبهم نعوذ بالله من الخامسة! يصبح مبغضاً للمؤمنين، والإنسان عندما يبغض المؤمنين يحب الكافرين، والمرء يحشر مع من أحب يوم القيامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

    يا أحبتي في الله: إما أن تكون عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً لهؤلاء الدعاة، فالمرء يحشر مع من أحب، ونحن نعلن أمام رب العالمين ونشهده على حب محمدٍ صلى الله عليه وسلم وحب أصحابه رضي الله عنهم، وحب المجددين من أمته، كأمثال الإمام أحمد والتابعين رضي الله عنهم، والأئمة الأربعة رضي الله عنهم وأرضاهم، وأمثال محمد بن عبد الوهاب ، وحسن البنا ، وأمثالهم من الدعاة المجددين، نسأل الله أن يحشرنا معهم في ظل عرشه ومستقر رحمته.

    ونسأل الله سبحانه وتعالى لأمة محمد قائداً ربانياً، يسمع كلام الله ويُسمعنا، وينقاد إلى الله ويقودنا، ويحكم بكتاب الله ونحرسه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا سوءاً إلا صرفته، ولا مسافراً إلا حفظته، ولا غائباً إلا رددته، ولا مجاهداً في سبيلك إلا نصرته، ولا عدواً إلا قصمته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضا، ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا بقضائها يا أرحم الراحمين.

    اللهم اجعلنا هادين مهديين، غير ضالين ولا مضلين، سلماً لأوليائك، حرباً على أعدائك، نحب بحبك من أحبك، ونعادي بعداوتك من خالفك.

    اللهم انصرنا على اليهود وأعوانهم، وانصرنا على النصارى الحاقدين، وعلى الشيوعيين الملحدين، وانصرنا على يهود العرب الذي يتعاهدون مع يهود إسرائيل، ونسألك اللهم رحمتك الواسعة لكل مسلمٍ يُقتل ظلماً، اللهم إنا نسألك رحمتك الواسعة لكل مسلمٍ يقتل ظلماً.

    اللهم احقن دماءنا، اللهم احفظ عقائدنا، اللهم احفظ أعراضنا، اللهم احفظ أموالنا، اللهم إنا نسألك حسن الختام فاجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم لقياك، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة يا أرحم الراحمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767181889