أما بعد:
أيتها الأخوات المسلمات: أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وألا يجعل من بيننا شقياً ولا محروما.
اللهم ألِّف على الخير قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور.
اللهم إنا نسألك أن تردنا إلى ديارنا رداً جميلاً، احقن دماءنا، وصن أعراضنا، وسلم عقولنا، واحفظ ديننا ودعاتنا، برحمتك يا أرحم الراحمين.
رحماك رحماك بالأطفال اليتامى، والنساء الثكالى، والشباب الحيارى، رحماك بالعجائز الركع، والأطفال الرضع الذين شردهم الظالمون.
نسألك اللهم نصرك المؤزر المبين لجندك وأوليائك المجاهدين.
اللهم أنت ملاذنا ومعاذنا، ونصيرنا وظهيرنا، وحسبنا ومولانا؛ فنعم المولى ونعم النصير.
وأسألك اللهم أن تحفظ هذه الديار الكريمة والحرمين الشريفين، والقائمين على رعايتهما، وجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم احفظنا واحفظهم أمناً وإيماناً، وأسألك أن تجبر قلوب الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن ما بين أسير وقتيل، أفرغ عليهن الصبر إفراغاً، اللهم وما أخذ في دنيانا فاجعله حظنا في أخرانا، وارزقنا من الدنيا ما تقينا به فتنتها، واجعل نصيبنا الأوفر وحظنا الأوفر يوم لقياك: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89].
وأتقدم بالشكر الجزيل إلى كل من ساهم في إحياء هذا اللقاء المبارك، وأسأل الله أن يجعلنا وإياهم من أهل الخير والخيرات؛ فالله يقول في كتابه الكريم: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ * لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:172-274].
وفعل الخير للآخرين له بركة في الدنيا والآخرة، فهذا موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين يقول الله عنه: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ [القصص:23] موقف محرج، امرأتان تتفلت أغنامهما العطشى الظمأى إلى حوض المياه الذي تزدحم عليه الرجال من الرعاء، رجال في غاية الخشونة ولكن هاتين المرأتين تذودان الأغنام المتفلتة، فيأتي موسى عليه السلام: قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص:23-24] فالخير الذي أنزل إليه في هذه اللحظة توفيقه لمساعدة الآخرين الضعفاء الغرباء؛ فكان الجزاء: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص:25] فإن فعل الخيرات ينجي من القوم الظالمين، طبق الخير، حضور الدروس، النشاطات الدعوية الإسلامية، استضافة المسافرين والضيوف القادمين النازحين النـزوح الكبير من الكويت بأطفالهم ونسائهم يقي مصارع السوء، ويأتي النداء: لا تخف، نجوت من القوم الظالمين.
أيتها الأخوات الكريمات: إن الصدقة وفعل الخيرات تقي مصارع السوء، والله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم جعل فعل الخيرات شعاراً للدعوة والدعاة فيقول سبحانه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] وميزان الله سبحانه يزن ذرة الخير: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ [الزلزلة:7] والله سبحانه أيضاً جعل وحياً خاصاً للخيرات، قال تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ [الأنبياء:73] ثم جعل الخيرات مضماراً يتسابق إليها الناس، قال سبحانه: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148] وفي السباق مسارعة، قال: أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:61] نسأل الله أن يجعلنا من السابقين إلى فعل الخيرات.
وسنقف عند ثباتها العجيب على المبدأ؛ لأن الغربة أخواتي تدعو إلى التفلت والانسياب والتملص من الدين، وكم نشاهد بين الحين والحين امرأة لما تغربت تركت حجابها وطاعة ربها وتسكعت في الأسواق، وصار إيمانها ضعيفاً ناقصاً، وكل هذا بسبب الغربة، أما أم حبيبة فإيمانها يزيد دائماً وأبداً، وذلك ببركة الالتزام والثبات على المبدأ.
هاجرت إلى المدينة المنورة فجاء أبو سفيان -أبوها- وقرع عليها باب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما فتحت الباب ودخل الوالد همَّ بالجلوس على فراش النبي عليه الصلاة والسلام، فقالت له: رويدك انهض، قال: مالك يا بنيه! رغبت بهذا الفراش عني أم رغبت بي عنه، يعني: هذا الفراش لا يستحق مقامي فتضعينـي في مكان أحسن، أو أن هذا الفراش أغلى لا أستحق الجلوس عليه، فكان جوابها الصارم الحازم للوالد الذي يفارقها في الدين، قالت: بل هذا فراش النبي صلى الله عليه وسلم وأنت كافر نجس لا يحق لك أن تجلس عليه، فانتبه أبوها وقال -وهو سيد قريش وقائد جيوشها- قال: أي بنيه! لقد أصابك بعدي شرٌ كبير.
هم بيتونا في الوتير هجدا فقلتونا ركعاً وسجدا |
فنادى عليه الصلاة والسلام بأعلى صوته: (نصرت يا
في مثل هذه الظروف أمر بأن يقف الجيش في منتصف الطريق فجأة، وهو جيش لجبٌ يزحف في الليل، عندما يقف فيصطك الحديد بالحديد ويثور الغبار والنقع فوق الرءوس، فتطلع الجند ومدوا رقابهم ليعلموا الخبر، ما الذي أوقف الجيش؟ هل هو جيش آخر يزحف أمامهم لحربهم؟ هل حدث تمرد عسكري؟ ماذا حدث؟ وإذا بأوائل الجيش يشاهد العجب، يشاهد عصفورةً صغيرةً ترفرف فوق رأس النبي صلى الله عليه وسلم وهي تشتكي إليه، وهو يعلم شكواها ويفهم حوارها، وإذا بالعصفورة تقول: قد أخذ أحد الجنود أفراخي. فالتفت عليه الصلاة والسلام وقال: (من فجع هذه بولديها، فقال أحد الجنود: أنا يا رسول الله! أخذت فرخيها، فقال: أعدهما إليها) فأعادهما؛ فعادت العصفورة تظلل فرخيها في عشها هادئة هانئة، عند ذلك أمر الجيش أن يتحرك من جديد، هذه جيوش الرحمة، هذه هي الرحمة المهداة التي من وصايا قوادها: لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا، ولا تقتلوا طفلاً وليداً ولا امرأة، ولا تقطعوا شجرة ولا دابة إلا لمأكلة، وصايا خالدة.
ماذا نقول للجيش العراقي الذي اجتاح أرض الكويت ، الذي شرد الأطفال في كل مكان، الذي جعلهم يموتون ظمأ في صحراء لا ترحم، الذي هجم على المستشفيات فألقى المرضى على قارعة الطريق؟! ماذا نقول لذلك الجيش الظالم الذي سفك الدماء وهتك الأعراض وصادر الأموال وسرقها وحوَّل الديار إلى دمار؟! أسواقها خاوية والمباحث والمخابرات في المساجد أكثر من المصلين؟ ماذا نقول لهذا الجيش الظالم ونحن نستعرض جيش النبي صلى الله عليه وسلم؟ نقول لهذا الجيش الظالم: مهما فعل سوف نبقى واقفين لن يثنينا جبروتكم وتمردكم وطغيانكم، المرأة المسلمة في الكويت وخارجها قدوتها أم حبيبة، قدوتها أم سليم، قدوتها نسيبة العامرية،
سوف نبقى واقفين مثل كل الشجر العالي سنبقى واقفين سوف نبقى غاضبين مثلما الأمواج في البحر الكويتي سنبقى غاضبين |
أبداً لن تسرقوا منا النهارا أيها الآتون في الفجر على دبابة من رأى دبابة تجري حواراً؟ |
أبداً لن تجدوا في وطني نجمة واحدة ترشدكم نخلة واحدة تذكركم طفلة واحدة تشكركم ربما حطمتمُ أبوابنا ربما روعتمُ أطفالنا ربما هدمتم البيت الكويتي جداراً فجدارا |
غير أنا سوف نبقى مثلما الأشجار تبقى مثلما الأنهار والغابات والوديان والأنجم تبقى مثلما حرية الإنسان تبقى فاسحبوا خنجركم من لحمنا وأعيدوا لؤلؤ البحر إلينا والمحارا |
وارجعوا من حيث جئتم نحن قوم نرفض القهر كباراً وصغارا |
حيث تمشون على أرض الكويت سيصير الرمل شوكاً ويصير البحر نارا |
أيها الجار الذي كان مع الأزلام جارا |
يالذي روعت آلاف الصبايا إن قتل الطفل في الأرحام لا يدعى انتصارا |
أيها الجار الذي كان مع الأوغاد جارا |
يالذي روعت آلاف الصبايا إن قتل الطفل في الأرحام لا يدعى انتصارا |
إن ما سميته ملحمة كبرى أسميه انتحارا |
يالذي أهديته الماء وأهداني الصحارى |
يالذي أهديته الأفق وأهداني الحصارا |
يالذي أهديته دعماً وتأييداً وأهداني احتلالاً وانكسارا |
يالذي أحرق أسراب العصافير وما قدم للريش اعتذارا |
أيها الماشون في الفجر على أجسادنا إنني أسألكم ماذا اقترفنا؟ ولماذا تملئون الوطن الآمن موتاً ودمارا |
أيها الماشون في الفجر على أشلائنا عندما يطعنني في الظهر سيف عربي يصبح التاريخ عارا |
عندما يذبحني الجار الشقيق في فراشي يصبح الحلم العروبي غباراً وغبارا |
ظلت أم المؤمنين أم حبيبة صامتة لم ترسل رسالة سرية؛ لكي تخبر والدها أبا سفيان فيأخذ أهبة الاستعداد بل كتمت وتحملت وصبرت وضحت بكل العائلة من أجل المصلحة العامة، من أجل رضوان الله، من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع هذا بعض الرجال انهار في مثل هذا الموقف، المرأة ثبتت وصبرت وكتمت سر تحرك الجيش للفتح الكبير، والصحابي البدري حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه لم يستطع مقاومة عاطفة الأبوة في صدره، فأرسل رسالةً سرية مع امرأة عجوز يخبر قريشاً بتحرك الجيش، فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم، فأرسل علي بن أبي طالب مع رجل آخر وفتشا المرأة فوجدا الرسالة، واستدعى النبي صلى الله عليه وسلم حاطباً وسأله عن سبب هذه الخيانة، قال: والله يا رسول الله إني أحب الله ورسوله وما فعلت هذا إلا لتكون لي عند قريش يد بيضاء، حيث أن أهلي وولدي هناك لا مانع لهم ولا حامي، فقال عمر : مرني يا رسول الله أن أقطع عنق هذا فقد نافق، فقال: (ما يدريك لعل الله اطلع على أهل
فثباتك يا أختاه على دينك وصلاتك وحجابك وعادات إسلامك وتقاليده، وتعاليم هدي نبيك لها بركة ما بعدها بركة، إذا أردت أن تهدي بإذن الله وتوفيق الله أحداً من أرحامك أو أقاربك ما عليك إلا أن تلجئي إلى طاعة ربك ومولاك بعمل الواجبات وترك المحرمات، وسترين بركة ذلك هداية بعد هداية ينزلها الله على من يشاء من عباده.
يدخل فيرى أم المؤمنين قد فصلت بين الدقيق المنقى وبين نخالته -التبن المستخلص من القمح- فقال: (ما هذا؟ قالت: دقيق منقى يا رسول الله! قال: لا. ردي إليه نخالته، فلما خلطته وصارت الخبزة عن أربع خبزات، قال: الآن نعم) معنى هذا: أنه يعلمنا في مثل هذه الظروف ترك الإسراف، أنا أتعجب من بعض الأخوات ونحن نمر في ظروف حرب لا تزال في حياة سلم، لا تزال تتمشى في الأسواق ترصد الأسعار والموديلات لملابس الأولاد والبنات، وتجعل جل تفكيرها وهمها في كماليات المنـزل، وأنواع الأطعمة والحفلات، والتباهي بما تشتريه أمام الأخوات، هذا لا يليق بمثل هذه الظروف.
أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وأرضاها لما هاجر أبوها مع النبي صلى الله عليه وسلم وترك أسرته كلها ليس عندها درهم واحد، وجدها أبو قحافة رجل أعمى سمع أن ابنه هاجر فصاح بأعلى صوته: لماذا يترككن عندي وأنا رجل أعمى لا أملك شيئاً؟ كيف أنفق عليكن؟ وأخذ يصيح فخافت أسماء وخافت عائشة أن يسمع كفار قريش خبر الهجرة فينطلقون خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فقامت وتأقلمت بسرعة مع هذا الظرف وأحضرت كيساً ووضعت فيه حصى مدوراً مثل الذهب وربطت الكيس ووضعته في روشنة الدار ثم جاءت بجدها وقالت: يا جدي لا تخف إن أبي ترك لنا مالاً كثيراً وفيراً كيس من الذهب مملوء تنفق منه علينا حتى يعود، قال: أوفعل؟ قالت: نعم، قال: أين هو؟ قالت: تعال وانظر وأمسكت بيده وهو أعمى لا يرى ووضعتها على الكيس الذي فيه الحصى فتلمسه فقال: إن كان ترك لكن هذا فقد ترك خيراً كثيراً، فسكت.
إذاً مثل هذا السلوك والتصرف السريع والبديهية الذكية تبين ما كانت عليه المرأة الإسلامية من وعي شديد تستطيع أن تعيش في كل الظروف والأحوال، وأنتن يا أخواتي العزيزات الكريمات اعلمن أن المال قوة فحافظن عليه ما استطعتن لأننا لا ندري، فالدنيا غدارة:
يا طالب الدنيا الدنية إنها شرك الردى وقرارة الأكدارِ |
دار إذا ما أضحكت في يومها أبكت غداً تباً لها من دارِ |
غاراتها لا تنقضي وأسيرها لا يفتدى بجلائل الأخطارِ |
واحرص على حفظ القلوب من الأذى فرجوعها بعد التنافر يصعب |
إن القلوب إذا تنافر ودها مثل الزجاجة كسرها لا يشعب |
كذلك عليها أن تعرف الحق، ومعرفة الحق تكون عن طريق معرفة أهله، وإن لم تصورهم الأفلام ولم تمدحهم الأقلام، فالله يقول عن سماتهم: تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح:29] وتكونين يا أختاه دائماً وأبداً يذكرك كل شيء بالله، فإذا قرعت فقيرة بابك تذكرك بفقرها فقرك إلى الله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15] ثم إذا عملت عملاً كهذا الأسبوع الدعوي أو هذا النشاط من الطبق الخيري أو غيره فلا تنتظري مدح أحد أبداً، إنما انظري هل يصلح هذا العمل للآخرة أم لا؟! قال تعالى: وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18] هذا هو النظر الصحيح للأعمال.
كما أن حياتك لا تطيب إلا بالإيمان والعمل الصالح ولا تطيبُ بزخارف الدنيا، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] وإذا كان لكِ تأهب واستعداد فهو التأهب للقاء الله، ولو تنامين على الحرير والذهب فلا تنسي لقاء الله، يقول الله: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ [البقرة:223] فالتي تستعد للقاء الله تبشر المؤمنين.
وقد كنت أسمع من الوالدة ومن الجدات بأن أهل الكويت كان كل واحدٍ منهم يشتري كفنه ويضعه في البيت، وإذا مر عليه سنة ولم يقدر الله الوفاة، يتصدق به ثم يشتري جديداً للسنة القادمة، فكنا نقول: ما هذا؟ إلى هذه الدرجة؟ والآن لا يوجد في المقابر أكفان ولا للموتى أكفان لقد سرق الجنود العراقيون أكفان الموتى من المقابر، والحنوط والكافور والسدر ولم يتركوا للموتى حتى قطعة من القماش يكفنوا فيها.
إذاً.. المرأة القديمة كانت فعلاً تستعد للقاء الله، أما المرأة الحديثة يؤسفني أنها تحرص على تفقد فساتينها كل صباح ومساء، ولكن لا يخطر في بالها الكفن وأن الله سبحانه وتعالى يقول: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء:34-35]، فلنستعد إلى هذا الرجوع العالمي والفرار العالمي إلى الله: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ [الذاريات:50].
وتتعلمين من المواقف التي تمر بكِ طاعة ربك، إذا افتقرت تصدقت، وإذا جعت طعمت، وإذا تعبت صليت، وشعارك: (أرحنا بها يا بلال) أي: الصلاة، أخلاقك: ويؤثرون، وشعارك: ويطعمون، وشعائرك: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح:7-8].
والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا |
فأنزلن سكينة علينـا وثبت الأقدام إن لاقينا |
ويمدح الله التي تستمع الخير وتتبع الأحسن فيه: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ [الزمر:18].
ثم يا أختاه إذا اشتريتِ شيئاً ثميناً لا تتحدثي به أمام أخواتك، فلعل من بينهن أختاً فقيرة فينكسر قلبها وتعود وتطالب زوجها أكثر مما يطيق.
كذلك -يا أختاه- إذا جاء الزوج أو الخاطب فلا يرفض، خاصة إذا كان صالحاً، والتي تظن أن تفرغها للدعوة أنفع للدعوة فقد أخطأت؛ لأنه لا رهبانية في الإسلام، وتكوين الأسرة الصالحة من أعظم محاضن الدعوة: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً [الفرقان:74] واعتني بالطفل المسلم ما استطعتِ، فاجعلي له أسبوعاً خاصاً وبرنامجاً خاصاً فيه من وسائل الترفيه المباحة ما ينفعه ويفيده ويُعده للحياة الكريمة، فطفل اليوم هو رجل الغد، قال تعالى: فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ [يونس:83].
واحرصي أيضاً -يا أختاه- على أسبوع الأخت المسلمة، وتشارك فيه الأخوات في مؤتمر إسلامي نسائي يتم التعارف بين الأخوات والتآلف، وأن يكون على مستوى يليق بكرامة الدعوة والدين: لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:63].
ثم -يا أختاه- لا تستسلمي للمشاكل، ولا تحد كثرة الأولاد من نشاطك في الدعوة، ولا يزيد الزمن والعمر من عزمك إلا قوةً وثباتا، كـخديجة أم المؤمنين التي قال عنها جبريل: (بشر
أخواتي الكريمات: هذه بعض الصفات والوصايا لأخواتي المسلمات، وتوجيهي الخاص إلى أخواتي الكويتيات في غربتهن: التزمن بالحجاب الإسلامي الكامل الشامل، واحرصن على تغطية الجسد كله، ثم الحفاظ على الأولاد والبنات، والحرص على الدعاء، والابتعاد عن الحجاب المتبرج، والحرص كل الحرص على العفاف والشرف والفضيلة، فالوطن لا يعود إلا بطاعة الله، وإنما نحن ننتصر بأعمالنا الصالحة,
دم الكويت على عينيك أرقني فهل جزاء الوفا قتل وإرهاب |
دم الكويت على كفيك يسألني أين الطريق وهل للصبح أبواب |
دم الكويت أمامَ الله يسألنا أطفالهم في لهيب الخوف قد شابوا |
إنا بنينا من البهتان أضرحة وشردتنا بأرض الله أحزاب |
نشتاق في القدس محراباً نعانقه وصيحة في سبيل الله تنساب |
نشتاق ديناً طهوراً لا تمزقه دعوى الضلال ولا يحميه نصاب |
فنحن نشتاق إلى هذا الدين يا أختاه! فحافظي عليه ما استطعت.
ونختم قائلين: من قتل الكويت؟! من قتل الكويت؟!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر