إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. أحمد القطان
  5. الفتوحات الإسلامية ورجال من التاريخ

الفتوحات الإسلامية ورجال من التاريخللشيخ : أحمد القطان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمع المسلمون أمرهم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، فتوجه إلى قمع المرتدين، ثم بعث جيوشه إلى الفتوحات الكبرى في بلاد الشام، وفي هذه المادة يعرض الشيخ بأسوب أدبي جميل بعض وقائع فتح بلاد الشام والمعارك التي دارت بين الجيش الإسلامي بقيادته المتميزة، وإيمانه الصادق، وغايته العالية، وبين الجيش الرومي الكافر.

    1.   

    رحلة خالد بن الوليد من العراق إلى الشام

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، اللهم ألف على الخير قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، اللهم اجعلنا هادين مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلماً لأوليائك، حرباً على أعدائك، نحب بحبك من أحبك، ونعادي بعداوتك من خالفك، اللهم استعملنا فيما يرضيك ولا تشغلنا فيما يباعدنا عنك، واقذف في قلوبنا رجاك، واقطع رجاءنا عمن سواك حتى لا نرجو أحداً غيرك.

    اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أبقيتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، يا أرحم الراحمين.

    اللهم حرم وجوهنا ووالدينا ووالدي والدينا على النار.

    اللهم انصر عبادك وأولياءك المجاهدين في كل أرض يذكر فيها اسمك يا كريم.

    اللهم إنا نسألك أن تحرر المسجد الأقصى مسرى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ومهبط عيسى عليه السلام، وأن ترزقنا فيه صلاة مباركة غير خائفين ولا وجلين، ونسألك اللهم أن تنصر أولياءك المجاهدين في أفغانستان .

    اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.

    اللهم إنا عفونا ما بيننا وبين عبادك فاعف ما بيننا وبينك، فأنت أجود وأكرم، يا أرحم الراحمين.

    اللهم أيما عبد من أمة محمد على خطأ، وهو يظن أنه على الحق، فرده إلى الحق رداً جميلا.

    اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض واسترنا يوم العرض، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.

    اللهم من أراد بنا سوءاً فاشغله في نفسه، ومن كادنا فكده، واجعل تدميره في تدبيره.

    اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بركنك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت رجاؤنا يا أرحم الراحمين.

    اللهم انصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا.

    اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، نسألك العافية في الجسد، والإصلاح في الولد، والأمن في البلد، برحمتك يا أرحم الراحمين.

    أما بعد:

    رسالة الصديق إلى خالد في أرض العراق

    أيها الأحباب الكرام: نعود إلى الفتوحات الإسلامية الكبرى، والمكان هو أرض الشام ، إذ يكتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه إلى خالد بن الوليد وهو على أرض العراق : [اختر لنفسك نصف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم واترك نصفهم للمثنى بن حارثة ، وانطلق إلى أرض الشام يا خالد لتكون مدداً لـأبي عبيدة عامر بن الجراح أمين أمة محمد صلى الله عليه وسلم].

    وجاءت رسالة أبي بكر الصديق إلى خالد بن الوليد وهو يقاتل الفرس على أرض العراق، ويحققها انتصارات عظيمة في معركة ذات السلاسل وغيرها ، فلما جاءه كتاب الصديق عقد مجلساً عسكرياً سريعاً، وأمر بإحضار الخبراء في معرفة الطرق فتقدم إليه رافع بن عميرة وقال: [أيها الأمير لا يوجد إلى الشام من هنا إلا طريقٌ خطرة مهلكة، صحراء دوية، الداخل فيها مفقود، والخارج منها مولود، فقال خالد : اختر لي طريقاً لا أمر فيه على الروم ولا على جيوشهم، ولكني أنزل منه إلى أبي عبيدة وجند المسلمين، قال: أيها الأمير! إنه طريق طويل في صحراء قاحلة لا ماء فيها ولا شجر] وهي التي تسمى الآن بصحراء الرطبة، وهذه الصحراء الطويلة الممتدة ما بين العراق والشام جازف خالد بن الوليد في عبورها هو وجيشه في فصل الصيف كل ذلك في سبيل مرضاة الله.

    فقال له خالد: [ إني عزمت على العبور فاطلب ما تحتاج] فقال: أحضروا ما عندكم من الإبل، فأحضروا الإبل إلى الخبير الصحراوي في الأسفار والأخطار، فقام وعطشها أياماً حتى كاد العطش أن يهلكها، ثم قدمها إلى الماء فشربت من الماء حتى امتلأت به بطونها، ثم قام بعد ذلك وربط أشفارها حتى لا تجتر الماء، وأصبحت الإبل خزانات من الماء متحركة، ثم أمر بالتخفف من السلاح، وألا يحمل الراكب إلا سيفه وسهمه ثم يحمل ما استطاع من ماء على ظهر دابته التي يركبها، وانطلق خالد بن الوليد أبو سليمان رضي الله عنه بجند الإيمان، وقد اختار ثلثي أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار معه.

    فاعترضه المثنى بن حارثة ، وقال: [لا. يا خالد ! ما أنصفت في هذا، إن خليفة رسول الله أبا بكر ، قال لك: شاطر المثنى صحابة رسول الله فلك نصفهم ولي نصفهم] وكان القادة المسلمون يتفاءلون خيراً بوجود الصحابة من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار؛ لأن إصبعاً واحدة مرفوعة بالدعاء إلى الله -عندهم- أمضى من ألف سيف في القتال، والناس ينتصرون بما في قلوبهم من إيمان وصدق وإخلاص قبل أن ينتصروا بالمعدات العسكرية والتجهيزات والتموينات والترفيهات.

    لقد كان القادة المسلمون يحرصون كل الحرص على تكثير هذا العنصر المبارك التقي النقي الخفي الذي تراه فارساً في النهار راهباً في الليل، يتلو كتاب الله لا يغفل عنه، وبأمثال هذه الأيادي المتوضئة والجباه الساجدة والقلوب الخاشعة، والعيون الدامعة، والأقدام المغبرة، فتح القادة البلاد وقلوب العباد، ويوم أن غاب هذا الصنف من الناس، وأصبح الغث منهم من أتباع لينين واستالين وغيفارا وكاسترو، حلت الهزائم بعد الهزائم ونكست الأمة، وسلبت الأرض، وانتهك العرض، ولا نصر للجيوش الإسلامية إلا بأمثال هؤلاء من فرسان الميدان .. من عباد الرحمن .. من حملة الإيمان .. ممن يدعون بالقرآن.

    عقبات في طريق الجيش الإسلامي

    وتحرك خالد بن الوليد يتقدم الجيش ليعبر بهم مساحة تزيد على ستمائة كيلو متر في الصيف الحار يحث المسير بالليل والنهار، ولا يستريح إلا قليلاً، ويجعل معظم مشيه بالليل؛ لأن الليل بارد، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يقطع بالليل ما لا يقطع بالنهار، وعند الصباح يحمد القوم السرى) والسرى هو: مشي الليل، ومر اليوم الأول فشربوا ما في أزوادهم من ماء، ومر اليوم الثاني فاعتصروا القرب، ومر اليوم الثالث فتناهبتهم رمال الصحراء وأشعة الشمس المحرقة، وأصبح الواحد منهم يبحث عن أدنى ظل تحت حجر أو عود شجر يضع فمه تحته ليرتشف الهواء البارد لعله يرطب فمه، وتساقط الجند، وأعياهم الظمأ، وأصبح أحدهم لا يرى ما أمامه، من رمد الصحراء، واحمرت الوجوه واسودت من لفح الهجير، وأصبح الظل تحت الحذاء، والشمس تصهر الحديد فوق الرءوس، وخالد بن الوليد على صهوة جواده يتلفت ذات اليمين وذات الشمال؛ لعله يجد بصيص أمل في أي قطرة من الماء أو قرية أو واحة، ولكنه لا يرى أمامه إلا الصحراء المترامية الأطراف، وعلى حدودها البعيدة بدأت تظهر الصخور السوداء التي تبشر أنهم على قرب من أرض الأردن أرض الشام .

    وهنا أخذ العطش منهم كل مأخذ، فأمر خالد ببقر بطون الإبل، فبقرت بطونها وعصرت كروشها وأخذ ما فيها من ماء، وسقيت الخيول منه حتى لا تموت، فالحصان في ذلك الوقت كان بمثابة الدبابة في زماننا هذا، عند ذلك استدعى خالد دليله، وقال: أشر عليَّ، وإذا بالدليل لا يرى شيئاً فقد أطبقت عيناه من رمد الصحراء، قال: أيها الأمير! مر جندك أن يبحثوا لي عن هضبتين، فأرسل خالد الجند وانطلقوا في الصحراء يبحثون عن هضبتين فوجدوهما تلتين بارزتين في الصحراء، ولما عادوا قالوا: وجدناهما أيها الأمير! فقال الدليل: انظروا بين الهضبتين تجدوا شجرة صغيرة من الطلح، فذهبوا ينظرون فما وجدوا شيئاً، ثم عادوا وقالوا: ما وجدنا أثراً لشجر، قال: بلى ورب الكعبة فقد مررت أنا وأبي هنا وعمري سبع سنوات -بين هاتين الهضبتين- وكانت هناك شجرة طلح، عودوا واحفروا في منتصف الهضبتين، فذهبوا وحفروا فظهر جذرها، وقد اقتطعت من الجفاف، فقال: احفروا تحتها، فحفروا تحتها وإذا بهم يجدون تحتها بحراً من الماء يجري تحت الأرض؛ ففرحوا! ودبت فيهم الحياة، وأخذوا يحركون مجراه حتى امتلأ الحوض، فسقوا إبلهم وشربوا واحتملوا منه، ودبت فيهم الروح من جديد، وأكلوا وطبخوا واستراحوا، وصدق الله: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30] وانطلق الجيش في اليوم الرابع، وانحدر خالد بن الوليد بجيشه خلف جيش أبي عبيدة.

    اعتراض القلعة الرومية لجيش خالد

    لما كان خالد في طريقه اعترضته قلعة من القلاع الرومية على أرض الشام ، وتحصن أهلها، وركبوا على البروج ينظرون وهم يفتخرون بأسوارهم الشامخة، فوقف خالد يصرخ عليهم بأعلى صوته: [يا أصحاب القلعة! افتحوا قلعتكم فوالله لو كنتم في السحاب لحملنا الله إليكم أو أنزلكم الله إلينا، ثم قال: أيها الجند! إني أرى رجالاً لا خبرة لهم بالقتال] لأنهم يظهرون بكل أجسادهم على سطوح القلعة، فقال: [اضربوهم بفوج من النبال وتحروا العيون] فقذفوهم بأول فوج؛ ففقأت في الحال ألف عين، وتصارخوا وتساقطوا وجروا إلى باب القلعة يفتحونه يرفعون راية بيضاء؛ لكي يتصالحوا مع خالد رضي الله عنه، وسميت هذه المعركة بمعركة ألف عين.

    وفتحت القلعة واستبشر خالد خيراً، وانحدر بجنوده وفي طريقه يفتح القرى والقلاع والمدن حتى وصل إلى جيش أبي عبيدة عامر بن الجراح، واجتمع معه واحتضنه والتزمه وقدم إليه كتاب أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، واستمر خالد بن الوليد في معاركه بعد أن قدم الاحترام إلى أبي عبيدة، وسأله أن يعطيه الإمارة؛ لأن خبرة خالد العسكرية لا تضاهيها خبرة، وأبو عبيدة يعترف له بذلك، فخاض معهم معركة أجنادين ومعارك كثيرة دوخ فيها الروم، وفتحت حمص وكثير من قرى ومدن الشام في سوريا، ولكن جاءت المعركة الفاصلة بعد أن تقدم أبو عبيدة إلى أهل حمص ، واصطلح معهم وأخذ منهم الجزية، ووضعها في خزائن المسلمين.

    1.   

    قيادة خالد لجيوش الإسلام في الشام

    جاءت الأخبار تقول: إن هرقل جمع جيشاً لم يجمع مثله قبله، إذ استنزل الرهبان من الصوامع، وأخرج القساوسة من الكنائس، وأخرج الأولاد والشباب من حجور أمهاتهم، ولم يترك مسجوناً إلا وأخرجه، وجاء بجيش كالليل يزحف، رفعوا الأناجيل على الرماح، وعلقوا الصلبان على الصدور، واختار هرقل قائداً متديناً اسمه باهان وكان رجل دين وقسيساً، وجاء يزحف ولهم هينمة وهمهمة ودمدمة، وهم يقرءون صحاحهم من أناجيلهم بأصواتهم العالية؛ لأن الحرب عندهم الآن أصبحت حرباً مقدسة، حرباً بين الصليب وبين القرآن.

    عند ذلك قال خالد : [يا أبا عبيدة ! لا يحل أن نقاتلهم ونحن بانتشار وهم تحت راية واحدة] إذ القتال الماضي كان على طريقة الانتشار والتساند، فهناك جيش تحت قيادة عمرو بن العاص ، وجيش تحت قيادة يزيد بن أبي سفيان، وجيش تحت قيادة أبي عبيدة، وجيش تحت قيادة معاوية، وجيش تحت قيادة شرحبيل بن حسنة ، وهؤلاء كلٌ أمير على جنده يقاتل فيهم، فإذا احتيج إليه كمساندة ومعونة انضم إلى جيوش إخوانه وإلا يقاتل منفصلاً عن الآخرين.

    وهذا الأسلوب في القتال أمام الجيوش النظامية العريقة كجيوش الإمبراطورية الرومانية أو الفارسية لا يجدي، فتلك الجيوش لها خبرتها العسكرية في القتال، تحت قيادة واحدة ومنهج واحد وخطة واحدة، وخالد بذكائه علم أن الأسلوب الذي عليه جند المسلمين خطأ، فعقد مجلساً لأمراء الجند وقال: [هل لكم في رأي يعز الله فيه الإسلام وينصر المسلمين، ولا يأتيكم منه مذلة وعار؟ قالوا: نعم، قال: إن قتالكم هكذا منتشرين وقتال عدوكم في خطة واحدة أمر لا يحل، ولو علم أبو بكر بذلك لما رأى رأيكم، ولكن الذي أراه أن نقاتل تحت راية واحدة، وأن تتركوا اليوم الإمرة لي ثم غداً لأحدكم].

    وكانت هذا بادرة ذكاء من خالد ؛ لأنه يعلم أنه إذا سلمت له الإمارة اليوم، وقطع شوطاً من الانتصارات في المعركة لن يستطيع أحد من القادة بعد ذلك أن يحل مكانه أو يسد ثغرته؛ لأن خالداً رجل عملاق؛ فوافق الجميع، وسلمت إليه الإمارة، فقام خالد وعبأ الجيش بطريقة لم تعهد عند العرب من قبل، إذ نظمهم على نظام الكراديس، وهي على شكل مجموعات صغيرة يخالف بينها في المواقع على شكل مثلثات، إذ الناظر إليها من بعيد يراها كأنها أعداد هائلة وهي عدد قليل.

    وكان عدد الجيش الرومي في هذه المعركة بأعدل الروايات مائتي ألف، وكان الجيش الإسلامي أيضاً بأعدل الروايات ما يقارب من ستة وأربعين ألفاً، أي أن الجيش الروماني أربعة أضعاف الجيش الإسلامي، ولكن الجيش المسلم بإيمانه بالله وثقته بنصره، وبثباته وعزيمته، كان يتفوق في الجانب الروحي على الجيش الرومي.

    مقابلة خالد بن الوليد لقائد الروم

    طلب قائد الروم مقابلة خالد بن الوليد ، فأرسل خالد خيمة حمراء فيها خطوط بيضاء، وأمر قائد الروم أن ينصبها في وسط مخيمه؛ لأنه يرفض أن يلتقي مع قائد الروم في خيمة رومية ولا بد أن يكون اللقاء في خيمة إسلامية.

    وبمثل هذا التصور وهذا الفهم كانوا يهزمون أعداءهم بالرعب قبل أن يهزموهم بالقتال، وحملت الخيمة وعمل لها مهرجان ودخل جنود الإسلام مخيم الروم وتوسطوه وضربوا خيمة القيادة فيه بلونها الأحمر البراق وعليها الراية، ثم أخبرهم خالد أنه في الغد سيأتي، فقام ولبس كامل عدة حربه، وتسربل بالحديد من رأسه إلى أخمص قدمه، ثم ركب حصانه، وسار خلفه كوكبة من الجند من أولي بأس شديد، واقتربوا وقد حرص قائد الروم على أن يصف جيشه بكامل الأسلحة؛ لكي يقذف الرعب والوجل في قلوب المسلمين.

    وتقدم خالدٌ ثابت الخطى مرفوع الرأس، فقال أحد الجنود الذين معه: ما أكثر عدد الروم وما أقل المسلمين!

    فابتسم خالد وقال: [ما أقل الروم وما أكثر المسلمين! إنما يقل الناس بالهزيمة والخذلان، ويكثر الجند بالنصر والإيمان، والله لو أن حصاني الشقراء شفيت من توجعها وكانت معي ثم كانوا أضعافهم ما باليت بهم] وتقدم خالدٌ وفتحت له مخيمات الروم، ودخل خيمته وجاءه قائدهم، وأخذ يتحادث معه ويتفاوض معه كثيراً، وكانت نتيجة التحادث أن عرض عليه خالدٌ ثلاثة أمور:

    الإسلام: وله ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، أو الجزية وهو صاغر ذليل، أو السيف ولا رابع للأمر، ثم لم يجد شيئاً يبرر فيه فشله في مؤتمره هذا أمام صلابة خالد ؛ فقال: أخيراً أطلبك شيئاً واحداً وأرجو ألا تردني فيه، قال: اطلب ما شئت، قال: أن تهديني خيمتك هذه، قال: هي لك، وهكذا دائماً همهم أن تكون عندهم التحف، وأن تكون عندهم الملذات والشهوات، وشتان بين من كانت هوايته جمع الغبار في سبيل الله، ومن كانت هوايته جمع التحف والهدايا.

    ويوم أن تنصرف قلوب القادة إلى التحف والهدايا تضيع الأمم، ويوم أن تنصرف قلوب القادة إلى جمع الغبار في سبيل الله تنتصر الأمم، وعاد خالد إلى جيشه وتحرك باهان بجيشه وبينما هو يسير متحركاً ينتقل به من قرية إلى قرية، وأبو عبيدة وخالد يتحركان مع الجيش جنباً إلى جنب يسوقانه إلى الأرض التي سيحددها القائد المسلم، يفصل بينهم وادٍ عظيم، وخالدٌ يريد أن يختار موقعاً يحصر فيه هذا الجيش الكبير؛ لأن الأعداد الهائلة إذا حصرت في موقع ضيق أصبحت لا تجد لها مجالاً لكي تجول وتصول وتتحرك، بل يقتل بعضها بعضاً، والعرب اعتادوا على الأرض الفسيحة، إذا كانت لهم الجولة كروا، وإذا كانت عليهم فروا إلى عمق الصحراء، ثم جمعوا أنفسهم من جديد وكروا من جديد.

    فكان خالد حريصاً على أن يترك ظهره مكشوفاً بمثل هذه الحالة، وأن يحصر عدوه في مثلث تحيط به الوديان من خلفه، فضل يتحرك والقائد الرومي يتحرك ويمر في طريقه على بعض القرى، ومع الأسف الشديد أنه كلما مر في قرية من بني جنسه وبني دينه عاث جنوده فيها فسادا، هتكوا الأعراض، وسلبوا المواشي والأغنام وذبحوها وأكلوها، يقتحمون الدور والبيوت ويخرجون منها الصبايا، ويحرقون الزروع، وينهبون الأموال، جنود مرتزقة، أما الجندي الإسلامي وهو يتحرك لا يملك أن يمد يده على ثمرة واحدة ولو كانت ساقطة في الأرض؛ لأنها لا تحل له إلا بعد أن تكون الأرض له، وجاء رجل من الروم يشكو أحد قادة الروم مر على ابنه وله أغنام فأخذها، فقال: الولد للقائد خذ من الأغنام حاجتك وأعد الباقي فقتله القائد، وجاءت أمه ومعها ابنتها لما رأت ابنها قتيلاً فأمر القائد بنصب خيمة له فنصبت، ثم أدخل زوجتي وبنيتي يهتك عرضهما، فلما جئته أشكو إليه انظر ماذا فعل بي، جرحني بالسيف، فقال قائد الروم: بئس القوم أنتم، كيف ينصركم الله وأنتم تفعلون ببني جنسكم هذا الفعل، ولو كان الأمر بيدي لأمرت بقطع رأس ذلك القائد، ولكنني لا أستطيع؛ لأنني أحتاجه في القتال، ولم يبق على نشوب المعركة إلا قليل، ونظر إلى القائد وقال له: أنت الذي فعلت ذلك؟ قال: نعم، أتحاسبني في عبد من عبيدي، ثم تقدم ذلك البطريق الظالم أمام قائده الأعلى وضرب الراعي بالسيف وقتله، وانتهت القضية.

    والظلم ظلمات، والله ينتقم من الظالم وإن أمهله، وما بادت الحضارات التي سادت إلا بالظلم، فاليونان والإغريق والرومان والفرس والحضارات الأشورية والبابلية والكنعانية كلها ذهبت وبادت بالظلم، والعدل هو أساس الملك.

    الاستبشار برؤيا أبي عبيدة

    لما تقدم الروم بجيوشهم، وحضرت ليلة القتال، أحياها المسلمون بقيام الليل يصفون أقدامهم ويتلون كتاب ربهم، يطلبون منه فكاك رقابهم، ورأى أبو عبيدة في تلك الليلة رؤيا: كأن طيوراً بيضاً نزلت من السماء واختطفت سلاح العدو وأسلمته إليه، فقال: أبشروا أيها القوم! رأيت طيوراً أظنها الملائكة اختطفت سلاحهم، والله بشرنا بنصرهم، ثم صلى صلاة الفجر فقرأ في الركعة الأولى: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا [الشمس:1-2]، إلى أن جاء إلى قوله تعالى: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا [الشمس:14-15] فتفاءل المسلمون، وقالوا: سيدمدم الله على الكافرين ويدمرهم.

    ثم قرأ في الركعة الثانية سورة الفجر، فلما وصل إلى قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14] علموا أنهم منتصرون بإذن الله.

    خطة خالد بن الوليد في المعركة

    لما طلعت شمس ذلك النهار، واصطف الجيشان، وانتشر الخطباء يخطبون في المسلمين ويقرءون عليهم سورة الأنفال، وانطلق أبو سفيان رضي الله عنه بصوته القوي يخطب في المسلمين وينادي ربه: يا نصر الله اقترب، وذهب خالد إلى معسكر النساء، وهن واقفات على التلال ينظرن إلى أزواجهن وأبنائهن، فقال: يا معشر النساء: أيما ابن أو رجل يفر من جيش المسلمين ويأتي إليكن فاقتلنه، فضجت النساء وحملت كل واحدة منهن عمود خيمة، أو وتد حبل، أو قطعة حديد، وقلن: والله لا يقترب رجلٌ من المسلمين أباً أو زوجاً أو أخاً أو ابناً إلا قتلناه يا خالد.

    بمثل تلك النساء كانت الأرحام تنجب الرجال، وتقدم رجلٌ إلى أبي عبيدة يخترق الصفوف حتى اختلفت عنق جواده بجواد أبي عبيدة ، فقال: أيها الأمير! ألك حاجة عند رسول الله؟! قال: وما ذاك؟! قال: إني مقاتل وأول مقتول إن شاء الله وذاهب حيث ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كانت لك حاجة فأخبرني، فقال: أقرئه مني السلام، وقل له: إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فكان هذا الرجل أول قتيل، ولم يعرف اسمه، وهو الجندي الإسلامي المجهول، الذي لم ينصب له نصباً تذكارياً، ولم توضع على هامته أكاليل الزهور، والناس لا يعرفون حتى اسمه ولا قبيلته، ولكن يكفيه أن الله في الملأ الأعلى يعلمه، ومن علمه الله في ملائكته لا يضره إن خفي عن الناس.

    واصطف الجيشان وانفصل خالد بن الوليد بالخيالة كالصقر ينظر من بعيد ويرصد تحركات جيش الروم، وقد رسم خطة عجيبة، وهي نفس الخطة التي رسمها في غزوة أحد وانتصر بها على المسلمين قبل إسلامه، نفذها الآن ليس لنصرة الأوثان ولكن لنصرة الديان الرحمن، انعزل بالفرسان وكان هو قائدهم، ثم أمر المسلمين عند الهجمة الأولى أن يثبتوا مكانهم، ويدرعوا بسيوفهم، وينوشوا الأعداء برماحهم، ويتلقونهم بسهامهم، وأن يثبتوا حتى تتكسر الموجة الأولى للهجوم ثم بعد ذلك تنهار قوى الأعداء فيلتف حولهم، فإذا كان هجومهم الأول بالخيالة، أمر الجيش الإسلامي أن يفتح في وسطه ثغره، ثم يضربوا أعجاز الخيل لكي تعبر إلى عمق الصحراء وقبل أن تعود يطبق الجيش مرة ثانية، ويهجم خالد بمن معه على المشاة الرجالة ويبيدهم، ثم بعد ذلك يلتف على الخيالة، هذه هي خطته، ونفذها حرفياً. إذ انعزل بالخيالة من بعيد، ثم أمر قائد الروم بالهجوم، فهجم الجيش وجاء يزحف والأناجيل على الرماح والصلبان مرفوعة، وثبت الصحابة رضي الله عنهم ثبات الجبال الراسيات.

    يقول أبو هريرة رضي الله عنه وكان من الأزد: [إذ هجموا علينا كالليل المظلم فركب الرجال على الرجال، فما رأيت أشد من ذلك اليوم، إذا أخذوا يدورون علينا كما تدور الرحى على حبوب الشعير، ثم بعد ذلك ما رأيت أكثر ذلك اليوم من قحف رأس طائر، أو يد تندر، أو دماء تتفجر، أو خيول تتردى، أو فرسان تتلبط، ما رأيت مثل ذلك اليوم الذي حجب الغبار ضياء الشمس عنا، وثبتنا ولم نتزحزح وخالد بن الوليد لا يتحرك مع خيالته]. أي حماس متزن عند ذلك القائد؟!

    لما تكسرت هجمة الروم الأولى كأمواج البحار على الصخرة الإسلامية الثابتة، وأنهكهم الحديد الذي يلبسونه إذ تسربلوا بالحديد من رءوسهم إلى أخامص أقدامهم، وأعياهم الركض وأرهقهم الرشح، وعبرت خيالتهم المحصورة في المثلث الضيق، ووجدت فسحة لها في الصحراء، وفتح الجيش لها طريق العبور فعبرت وانفرجت وارتاحت، هجم خالد بخيالته على المشاة، يقول الرواة: فرأينا جيش الروم كأنه جدار قد انهدم، وما جاء المساء إلا وولوا الأدبار في صبيحة نهار واحد.

    وشكَّل خالد بن الوليد بقيادة القعقاع بن عمرو ومالك بن الأشتر، دوريات مطاردة سريعة تطارد فلول الروم، وأخذ الروم يجرون في ظلام الليل وكثيرٌ منهم كان قد تربط بالسلاسل حتى لا يفروا، ونسوا أن المثلث الذي خلفهم تحت ظلام الليل خلفه وديان، والخائف يجري بغير اتجاه لا يرى مواقع قدمه، فكان إذا سقط الواحد منهم في الوادي أخذ معه تسعة مربوطين، فلما أصبحوا وإذا ثمانون ألفاً في الواقوصة، والواقوصة هي: الوادي الذي وقص به أولئك الجند بعضهم فوق بعض متردين دون قتال، تحت ظلام الليل يتردون في الوادي وهم لا يدرون من الخوف والرعب، وسميت مدينة هناك تحت هذا المكان موجودة الآن في أرض الشام يسمونها باقوصة، وهو تحريف لواقوصة.

    ولما أصبح الصباح جمعوا الأسلاب، يقول مالك بن الأشتر وهو يحكي قصة مطاردة بينه وبين أحد قادة الروم، يقول: رأيت باهان قائد الروم لما رأى جيشه قد انهزم، قال: ما انهزم جيشي إلا بشؤم ذلك البطريق الذي قتل الراعي وأهله، فأمر بإحضار البطريق ثم قطع رأسه، وقال: ربي! قطعت رأسه توبة فانصرنا، فلم ينتصر، فلما رأى جيوشه تتركه وتولي الأدبار، رفع طرف ثوبه وألقاه على رأسه وجلس في وسط الميدان يبكي وينوح، حتى جاءه أحد الفرسان فدك عنقه بالسيف.

    أما قيادات جنده فقد انتشرت، يقول مالك : فطاردت أحدهم حتى صعد على رابية، فنزلت من حصاني وصعدت خلفه، فتجالدت معه بالسيف فأصبت يده فأطرتها، فأمسكني بيده وعضده فتدحرجت معه من قمة الجبل إلى أسفله، فألهمني الله أن أتلو قوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163] فما انتهيت منها إلا وأنا في قعر الوادي، هو تحتي وأنا فوقه، فاحتززت رأسه بالسيف.

    1.   

    وفاة الصديق وعزل خالد بن الوليد

    بينما المعركة تدور وهي تشرف على نهايتها يصل خبر وفاة الصديق رضي الله عنه، أي جيوش تحتمل خبر وفاة خليفة رسول الله؟! ويلحقه كتاب آخر من عمر الفاروق أمير المؤمنين بعزل خالد فلما وصل الكتاب إلى أبي عبيدة أخفاه حتى انتهت المعركة، ثم قدمه إلى بلال وإذا الكتاب فيه عزل خالد ومشاطرته ماله، أن يأخذ نصف المال ويعاد نصف المال إلى المسلمين، فأعطى أبو عبيدة الرسالة إلى بلال فلما قرأها قبلها ووضعها على رأسه، ثم تقدم إلى خالد وقال: أعطني عمامتك، فأعطاه عمامته، فقال: مد يدك، فمد يده، فربطه بالعمامة والناس ينظرون، قيادة متواضعة عجيبة، ثم قال: اسمع كتاب أمير المؤمنين، فلما قرأه عليه، قال: يسمع خالد لأمير المؤمنين ولو أمّر عليه امرأة!!

    ويكرم الله سبحانه وتعالى المسلمين بعد فتح الشام وسيطرتهم عليها، وهرقل ينظر إلى جبال سوريا باكياً، ويقول: وداعاً يا جبال سوريا وداعاً لا لقاء بعده، وما دخل أحفاد الروم إلى أرض سوريا بعد ذلك إلا في أيام الاستعمار، يوم أن جاء القائد الفرنسي إلى قبر صلاح الدين فرفسه برجله، وقال: هانحن عدنا يا صلاح الدين، ودخل قائدهم الإنجليزي هناك في القدس ، وقال: الآن انتهت الحروب الصليبية.

    ولكن الأمل بالله كبير، والثقة بهذا الدين عظيمة، إذا وعد الله بالنصر والتمكين إن شاء الله.

    1.   

    استشهاد الصحابة بمرض الطاعون

    وأكرم الله الصحابة بعد فتح الشام إذ ساق إليهم الشهادة وهم على فرشهم، أرسل إليهم طاعون عمواس، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (والمطعون شهيد) أي: الذي يصاب بالطاعون شهيد: (والمبطون شهادة) أي: الذي يصاب بمرض باطني: (وذات الجنب شهادة) أي: الذي يموت بمرض في جنبه مشلولاً: (والنفساء تموت بجمع شهادة) أي: بالنفاس: (والغريق شهيد، والحريق شهيد، والمتردي شهيد) كل أولئك شهداء في أمة محمد.

    ويستشهد من الصحابة بعد فتح سوريا ما يقارب عشرين ألفاً، يصبح أحدهم الصبح ويجد في راحته حبه بقدر حبة العدس في اليوم الثاني تورم وفي اليوم الثالث تنفجر وفي اليوم الرابع يموت، كلهم عشرون ألفاً، ابتداءً بـأبي عبيدة بن الجراح، ومروراً بقياداتهم الإسلامية، ثم بـخالد بن الوليد وجميع أسرته، ولم ينج إلا معاوية وعمرو بن العاص لقدر لله فيهما لا يعلمه إلا الله.

    واستمر المسلمون يتحركون ولا يردهم شيء، يتحركون يفتحون البلاد وقلوب العباد، وخالد يودع في لحظاته الأخيرة فأوصى، قال: أوصي أن يأتي عمر رضي الله عنه لكي يحصي تركتي، فجاء عمر من المدينة إلى الشام ليرى تركة خالد فلم يجد إلا سيفاً ورمحاً ودرعاً، فقال: [رحم الله أبا بكر! إنه أعلم بالرجال مني والله لقد عقمت النساء أن يلدن مثلك يا أبا سليمان]، ثم دفنه وشيعه ودعا له دعاءً عظيماً.

    أيها الإخوة: هذا تاريخنا، وهؤلاء أجدادنا وأبطالنا، هذا الذي يجب أن نتعلمه وأن ندرسه في المدارس وأن نتلقاه، لكي نعود إلى الكتاب الذي نصرهم، وإلى السنة التي أعزتهم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبداً) والآن المسجد الأقصى يبكي.

    كل المساجد طهرت      وأنا على شرفي أدنس

    والمساجد في صيدا ولبنان تبكي إذ تدنسها كلاب اليهود، والمسلمون ألف مليون، والعرب مائة مليون، ومع هذا نرجو من الله خالداً جديداً وعمر جديداً وسعداً، نرجو من الله نصراً كنصر معركة اليرموك والقادسية إنه هو ولي ذلك والقادر عليه.

    قال تعالى: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [البقرة:134].

    فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم     إن التشبه بالكرام فلاح

    أقول قولي هذا وأستغفر الله، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756018171