إسلام ويب

فرحة الله بتوبة العبدللشيخ : أحمد القطان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يتحدث الشيخ في هذه الخطبة عن توبة ذلك الرجل من بني إسرائيل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً، وكيف أن الله قبل توبته وأدخله الجنة، ثم يذكر حديث فرح الله بتوبة عبده، منبهاً على بشرى للتائبين إلى الله.

    1.   

    وقفات مع توبة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً

    الحمد لله رب العالمين، الحمد لله مقيل عثرات العاثرين، وراحم المذنبين، وقابل التائبين، الحمد لله الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، والذي أخرج المرعى، فجعله غثاءً أحوى، الحمد لله تتابع بِرك، واتصل خيرك، وكمل عطاؤك، وعمت فواضلك، وتمت نوافلك، وبر قسمك، وصدق وعدك، وحق على أعدائك وعديك، ولم تبق حاجة لنا إلا قضيتها برحمتك يا أرحم الراحمين!

    فتحت باب توبتك إلى العاصين، تغفر لهم وإن جاءوا بملء الأرض خطايا، تغفر لهم وإن بلغت ذنوبهم عنان السماء، تغفر لهم بلا واسطة، يقول العبد: رب تبت، فتقول: عبدي غفرت.

    وأصلي وأسلم على قائدي وقدوتي ومعلمي وحبيبي محمد بن عبد الله، إمام التائبين وسيد المرسلين والأولين والآخرين، وحبيب رب العالمين، القائل: (يا أيها الناس! توبوا واستغفروا الله، فإني أتوب في اليوم سبعين مرة).

    وقبل أن يختم الصلاة بالتسليم في تشهده الأخير، يعلم أمته فيقول: (اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت إلهي لا إله إلا أنت) وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، والصحابة أجمعين، والتابعين ومن دعا بدعوتهم إلى يوم الدين.

    عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله .. وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].

    أما بعد:

    أيها الأحبة: إني أحبكم في الله، وكثيراً ما استوقفني حديث شريف تتجلى فيه رحمة الله على العاصين والمذنبين، وكنت كلما قرأته يتدفق الأمل والرحمة والرجاء إلى روح الله ورحمة الله، وهذا الحديث الشريف أعذر الله به إلى الخلق وإلى الناس، فلا حجة لمن يأتي يوم القيامة فيقول: رب ما تبت؛ لأن ذنوبي عظيمة وكبيرة، ومن أي ذنب أتوب ومن أي معصية أستغفر؟! إنني أوغلت بالخطيئة ولم أعلم أنك غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى.

    أهمية سؤال التائب لأهل العلم

    أقرأ عليكم نص الحديث الشريف الصحيح الذي يرويه مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كان فيمن كان قبلكم رجلٌ قتل تسعة وتسعين نفساً، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب ...) ولي هنا وقفة، تسعة وتسعون قتيلاً، عند القتيل الأول كان الله يعلم أن هذا سيتمادى في خطيئته حتى تبلغ الجريمة عنده مائة بالمائة، فإذا ما بلغت إلى هذه الدرجة يعلم الله أنه سيتوب فأمهله وتركه حتى تأتي اللحظة العظيمة الخطيرة التي يقف بين يدي الله فيها منكسر القلب، دامع العين، مهزوز الأوصال، يناجي ربه بالتوبة، فلا يجد بينه وبين الله حجاباً وحائلاً، بل أبواب الله كلها مفتوحة له، ولو قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، اللهم اجعلني من التوابين والمتطهرين بعد مصافحة الماء الطهور في الوضوء لفتح الله له أبواب الجنة الثمانية.

    أعود إلى الحديث.. سأل عن أعلم أهل الأرض، ولم يسأل عن أعبد أهل الأرض، فكثيرٌ من الناس يغترون بالمظاهر، ولكن الذي دله لم يذهب به إلى أعلم أهل الأرض، إنما ذهب به إلى راهب، والرهبان غالباً ما يعبدون الله على جهل وضلالة، فالله شهد بضلالتهم في الفاتحة .. غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] وهم اليهود، وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] وهم رهبان النصارى؛ لأن الرهبانية بدعة ابتدعوها ما كتبها الله عليهم.

    كثير القيام، قليل الطعام والشراب، بالي الثياب، قذر اللحية، حافي القدم، محصور في مغارة، ذهب إليه هذا العاصي ليتوب (... فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفساً، فهل له من توبة؟ فقال الراهب: لا. فقتله فكمل به المائة ...) إذاً: عندما نغلق باب التوبة أمام العاصين تستمر الجريمة أم تنتهي؟

    تستمر الجريمة، لم يتردد عندما أغلق باب التوبة في وجهه أن يقتله وهو العابد الراهب الذي قطع حياته في عبادة الله.

    ولكن التوبة التي تقعقع في صدره لم تجعله يهنأ بطعام ولا شراب ولا منام: (... جاء مرة ثانية ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل لي من توبة؟ فقال: نعم. ومن يحول بينك وبين التوبة؟) وكان يكفي هذا العالم أن يكون جوابه: نعم، هل لي من توبة؟ الفتوى: نعم. ولكنه عالم مربٍ فاضل، يدخل إلى النفوس والقلوب والأرواح، أعطاه الفتوى وأعطاه العلاج، اترك قريتك قرية السوء، ورفقتك رفقة السوء، وصحبتك صحبة السوء، اترك الموقع الذي تمارس فيه الخطيئة، اترك المكان الذي يذكرك بالجريمة، اترك الربع والأصحاب الذين يأزونك إليها أزاً، وأعطاه البديل رفقةً صالحين، وبلدةً طيبة.

    هكذا يكون العلماء والمربون! (... قال: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله عز وجل فاعبد الله تعالى معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا كان في نصف الطريق أتاه الموت ...) الأجل انتهى، لم يصل، ولم يصم، ولم يزكِ ولم يحج، ولم يتصدق، يحمل شيئاً واحداً في صدره أنه تاب إلى الله، ونية ذهابه إلى أرض الطيبين والصالحين ليواصل مسيرته الصادقة مع الله، لكن الأجل محدود لا يقدم ولا يؤخر في منتصف الطريق انتهى الأجل.

    اختصام ملائكة الرحمة وملائكة العذاب في هذا التائب

    يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (... فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله عز وجل، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي ...) من الذي أمر الملك في صورة آدمي أن ينـزل؟ الله، الملائكة تختصم، جثة التائب على الأرض، قبضه مولاه، والملائكة لا تعلم الغيب، ملائكة الرحمة عندها توبة وإقبال، ملائكة العذاب عندها جرائم ودماء، أنزل الله برحمته وبره ولطفه ملكاً لا بهيئة الملائكة، إنما حوله من طبيعته الملائكية إلى الطبيعة البشرية كرامة للبشر الذين أخدمهم الله الملائكة، فصارت الملائكة في ركابهم؛ لأن الميت ليس ملكاً إنما هو إنسان. لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] إنما التائب إنسان فكان الحكم أن يأتي بصورة إنسان ولو كان ملكاً من الملائكة.

    ووقف بينهم والملائكة لا تعلم أنه ملك، إنما هو آدمي، ارتضوا حكمه بأمر من الله .. (... فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوا، فوجدوه أدنى إلى الأرض الذي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة) وفي رواية ثانية صحيحة: (فلما كان في بعض الطريق أدركه الموت فناء بصدره ...) الله أكبر! ناء بصدره وهو يعالج سكرات الموت وكرباته، تحرك بصدره بعد أن شل الموت يديه وقدميه، تحرك بصدره لعله يتقدم إلى الأرض الطيبة والصالحين شبراً أو أقل من شبر، من يفكر بذلك في لحظات الموت؟ ومحمد صلى الله عليه وسلم وهو يموت يضع يده في الماء البارد ويمسح وجهه، ويقول: (لا إله إلا الله إن للموت لسكرات إن للموت لكربات، اللهم أعني على سكرات الموت وكرباته).

    وهذا في سكرات الموت وكرباته لم ينس التوبة، ولم ينس ربه، ولم ينس الصالحين، ولم ينس أرضهم يتزحزح بانفعالاته، وبقايا الحياة في عروقه لعل هذا الشبر الذي يزحف به يدخل جنات النعيم، وكان فعلاً شبراً واحداً، يقول الحديث: (فناء بصدره ثم مات فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فكان إلى القرية الصالحة أقرب منها بشبر، فجعل من أهلها).

    سعة رحمة الله للتائب الذي قتل تسعة وتسعين نفساً

    جاءت رواية ثالثة للحديث، وفي هذه الرواية الثالثة حدثت معجزة كونية كسر الله فيها قانوناً وناموساً من نواميس الكون، المعجزة أن الكرة الأرضية وجثة الخاطئ التائب عليها ملقاة، كان الأجل وافاه، وهو قريب من بلاده بشبر، فقال الله للأرض تجاه قرية الصالحين: تقربي، وقال للأرض السيئة تجاه بلاده: تباعدي، فتغيرت الكرة الأرضية وتحركت قشرتها بأمر خالقها من أجل هذا، معجزة كونية تحدث على سطح الأرض لمن تاب إلى الله، فهل بقي للعاصين عذراً على أن يتوبوا إلى الله؟

    تقول الرواية الثالثة: (فأوحى الله إلى هذه أن تباعدي، وإلى هذه أن تقربي) رواه مسلم.

    أحبتي في الله: ماذا أقول أمام هذه الرحمة وتلك التوبة؟ نداء إلى كل العاصين الخاطئين، نداء إلى كل من ظلم واجتالته الشياطين عودوا إلى مولاكم، عودوا إلى أرحم الراحمين، عودوا إلى من اسمه التواب الرحيم: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] نداء إليهم بالقرآن يفتح لهم رصيداً جديداً من الحسنات وإن لم يعملوا بعد التوبة إلا الموت: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70].

    يقول الإمام ابن القيم في تفسيرها: ومن أعظم العمل الصالح التوبة، فإنها عامة تحتوي على كل ذنب أذنبه، أو خطيئة أخطأها، فهي توبة شاملة كاملة ستأتي على كل معصية بعدد المعاصي، ستكون كل معصية تقابلها توبة خاصة بها وعلى عدد المعاصي ستكون عدد التوبات وكل توبة حسنة، لهذا يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً.

    من يعطي مثل الله؟ لا إله إلا الله! نداء إلى الطائعين .. وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].

    اللهم اجعلنا في التائبين ومن التائبين برحمتك يا أرحم الراحمين، إن الذنب كبير والعمل قليل، ولا نثق إلا برحمتك يا أرحم الراحمين! إن نظرت إلى ذنوبنا ومعاصينا وتقصيرنا فإنا نستحق العقوبة، ولكن رحمتك أوسع ومغفرتك أكبر

    يا كبير الذنب عفو الله من ذنبك أكبر

    أعظم الآثام من أصغر عفو الله أصغر

    يا نفس توبي قبل ألا تستطيعي أن تتوبي

    واستغفري لذنوبك الرحمن غفار الذنوب

    إن المنايا كالرياح عليك دائمة الهبوب

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

    1.   

    وقفة مع حديث (لله أفرح بتوبة عبده)

    الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله.

    أما بعد:

    عباد الله: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] ويأتي الحديث الثاني ينقلنا نقلة إلى جوف الصحراء المترامية الأطراف بين كثبانها المحرقة، والظل تحت الحذاء، ووهج الشمس يشوي كل شيء، وفيها عابر ضلت ناقته عليها طعامه وشرابه، وأخذ يبحث عنها والرياح تسف الرمال في عينيه، وتحرق قدميه، حتى أصبح لسانه كالحجارة ويئس، ووجد في طريق بحثه شجرة فألقى بنفسه متهالكاً تحت جذعها ليموت، يئس من الراحلة.

    صورة عجيبة، وبينما هو ينتظر الموت لا ينتظر الحياة، إذ فتح عينيه فإذا به يراها فوق رأسه واقفة، ما أعظم القدر! هذه الصورة تتكرر لا يعرف قيمتها إلا من عاناها ومر بها، لا يشترط أن تكون في صحراء، لا يشترط أن تفقد الماء والغذاء، لكنك تمر عليك اللحظة بعد الخطيئة والذنب فتكون في صحراء الذنوب وفي قحط الخطايا ظمآن إلى رحمة الله وإلى مغفرته، تحت وطأة تأنيب الضمير، وزلزلة التوبة التي لا تجعلك تستقر حتى تلقي بنفسك بين يدي الله، كإناء الفخار المنكسر تطؤه الأقدام فلا يتحرك، أو كالميت يغسل يقلب يميناً وشمالاً في قمة الاستسلام لله رب العالمين.

    أما سمعت كيف كان جبريل عليه السلام يوم أن رآه الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، ألقى بنفسه دون العرش كالجلد البالي، وهو حبرائيل له ستمائة جناح إذا ظهر بصورته الملائكية سد الفضاء من مشرقه إلى مغربه، أمام عظمة مولاه كالجلد البالي الملقى على الأرض، الحديث يقول ليبين فرحة الله بتوبة عبده: (لله أفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته في أرض فلاة مهلكة مدوية، فانفلتت وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها ينتظر الموت، قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذها بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح).

    فرحة الله أعظم، أيها العاصون في مشارق الأرض ومغاربها توبوا إلى الله: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ [الذاريات:50].

    1.   

    من صفات الصالحين التوبة

    واستمعوا إلى صفات الصالحين في كتاب الله وبأي صفة بدأ وبأي قوم بدأ: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّه وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة:112].

    أيها الأحبة: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً [النساء:26-28] وصدق الله .. وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].

    1.   

    بشرى للصائمين

    أيها الأحبة في الله: استمعوا معي إلى هذه البشرى، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (نعم العبد إذا جاء يوم القيامة وقد ملئت صفحته بالاستغفار) وأنا ضامن لك يا أخي إذا ما تبت وواصلت التوبة أن الله يعصمك ويحفظك، قال تعالى في كتابه الكريم: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران:101].. وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الحج:78] وحافظ على هذه التوبة، الزم الاستغفار والتوبة، لا تنفك عنها حتى تسمع الملائكة تقول لك بعد فيضان الروح: أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32].

    أيا من ليس لي منه مجير     بعفوك من عذابك أستجير

    أنا العبد المقر بكل ذنب     وأنت السيد المولى الغفور

    فإن عذبتني فبسوء فعلي     وإن تغفر فأنت به جدير

    أفر إليك منك وأين إلا     إليك يفر منك المستجير

    ***

    عسى من لطيف الصنع نظرة رحمة     إلى من جفاه الأهل والصحب والألف

    عسى فرجٌ يأتي به الله عاجـلاً     يسر به الملهوف إن عمه اللهف

    عسى فرحة فردية صمدية بـها     تنقضي الحاجات والشمل يلتف

    وإني لمستغن بفقري وفاقتي إليه     ومستقو وإن كان بي ضعف

    أحبتي في الله: قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] فاختر من أي القسمين أنت، فقد قسم الله الناس قسمين: تائب وظالم .. وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11] وأمامك الاختيار والفرصة قبل أن ينتهي الأجل، واعلم أن الله قد أقام الحجة وأظهر البينة، فلا عذر لأحد، ليهلك من هلك عن بينه ويحيا من حي عن بينة: وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأنفال:42]، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].

    تبنا إلى الله وندمنا على ما فعلنا، اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واغفر لإخواني هؤلاء فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين!

    اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا سوءاً إلا صرفته، ولا عيباً إلا سترته وأصلحته، ولا مسافراً إلا حفظته، ولا غائباً إلا رددته، ولا مجاهداً في سبيلك إلا نصرته، ولا عدواً إلا قصمته.

    اللهم انصر المجاهدين، وأكرم الشهداء، وثبت الغرباء، وفك المأسورين، اللهم رحماك بالأطفال اليتامى، والنساء الثكالى، والشباب الحيارى، اللهم إنا نسألك الجنة ونعيمها، ونعوذ بك من النار وجحيمها، نسألك الشهادة في سبيلك، اللهم اجعل موتنا شهادة، ودماءنا مسكاً، وخير أيامنا يوم لقائك، وخير أعمالنا خواتيمها.

    إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ! وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756193337