إسلام ويب

التعليق على كتاب فصول في أصول التفسير [1]للشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تعرض المصنف للحديث عن علم أصول التفسير، وبدأ بتعريفه لغة واصطلاحاً، ثم بين المحاور التي تدور عليها دراسة هذا العلم، وانتهى بذكر المراجع التي يؤخذ منها هذا العلم.

    1.   

    تعريف علم أصول التفسير

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما بعد:

    فقال المصنف: [ الحمد لله منزل القرآن، والصلاة والسلام على رسوله الكريم القائل: ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )، وعلى آله وصحبه البررة، الذين تعلموا كتاب ربهم، وعملوا به، وبعد:

    أصول التفسير. الأصل في اللغة: أسفل الشيء. ويطلق الأصل على مبدأ الشيء وما ينبني عليه غيره، وعبر عنه بعضهم بأنه ما يفتقر إليه غيره، ولا يفتقر هو إلى غيره، وهذا مستوحى من المعنى اللغوي، ويقرب من معنى الأصل: القاعدة، وهي الأساس الذي يبنى عليه البيت. والتفسير في اللغة مأخوذ من مادة فسر، وهي تدل على ظهور الشيء وبيانه، ومنه الكشف عن المعنى الغامض، وللتفسير في الاصطلاح تعاريف، ومن أوضحها بيان كلام الله المعجز المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وأصول التفسير هي الأسس والمقدمات العلمية التي تعين على فهم التفسير، وما يقع فيه من الاختلاف، وكيفية التعامل معه ].

    أما ما يتعلق بهذه التعاريف الثلاثة، وهي تعريف الأصل، والتفسير، ثم تعريف أصول التفسير.

    تعريف الأصل

    أما الأصل فكما هو في التعريف، وفي اللغة الأصل بمعنى أسفل الشيء، مثل قوله سبحانه وتعالى: قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا [الحشر:5]، فالأصل هو الأسفل، أما التعبيرات التي بعد ذلك فهي تعبير عن هذا المعنى اللغوي بتعبيرات مستوحاة منه، فمثلاً تعبير بعضهم بأنه ما يفتقر إليه غيره، ولا يفتقر هو إلى غيره، فهذا من تعريفات الأصوليين، فعلماء أصول الفقه لما أرادوا أن يعرفوا أصول الفقه، وعرفوا الأصول جاءوا بهذا التعريف، وهو تعريف مستوحى من التعريف اللغوي، والتعريفات التي تأتي مصطلحات للعلوم، إما أن يكون فيها المدلول اللغوي المباشر، وإما أن يكون التعريف مستوحىً من المدلول اللغوي، والتعبير بكونها أسفل الشيء، أو مبدأ الشيء، أو ما يبنى عليه غيره، أو ما يفتقر إليه غيره، ولا يفتقر هو إلى غيره، نلاحظ أنها مقصودة لكي يقال: إن من أراد أن يفسر فلا بد أن يكون له أصل يعتمد عليه، فإن لم يكن له أصل فإنه سيكون في تفسيره شيء من الخطأ، ويقرب من لفظة الأصل: القاعدة؛ ولهذا نجد أن بعض العلماء يسمي كتابه قواعد التفسير، مثل رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، ولم يسمها كما سيأتي، لكنه قال: قواعد تعين في فهم كلام الله، أو في فهم تفسير كلام الله سبحانه وتعالى وفي الحقيقة يرجع موضوع القواعد إلى أصول التفسير، ولا مشاحة في الاصطلاح، لكن من حيث المدلول اللغوي فيه تقارب بين معنى الأصل ومعنى القاعدة، مثل قول سبحانه وتعالى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ [البقرة:127].

    فالقواعد هي: التي يبنى عليها البناء، وهي التي تسمى الأساس، فهناك تقارب بين معنى الأصل ومعنى القاعدة.

    تعريف التفسير

    أما التفسير فمن جهة اللغة فمأخوذ من مادة فسر، وهي تدل على الظهور والبيان، وهنا ملحظ علمي، وهو أن بعض من يعرف يذكر ما تحتويه مادة اللفظة من المعاني في لغة العرب، فمثلاً فسر، أو مثلاً الأصل، يذكر ما تحتويه لغة العرب من هذه المادة، وهذا عندي فيه تطويل لا داعي له إلا إذا كان لا يتبين المعنى المراد إلا بهذا الاستطراد، أما إذا كان معنى اللفظة بين بأن نقول: التفسير هو الكشف والإيضاح أو البيان، فإنه يكتفى به عن التطويل فيقال: وتقول العرب: ومنه التفسير، ويقرب منه مادة سفر، فكل هذا في الحقيقة استطراد لا يحتاجه طالب العلم؛ لأن المقصد إيصال المعلومة، فإذا وصلت المعلومة بهذا البيان المباشر فهي أولى من أن يأخذ الإنسان في ذكر ما يأتي من هذه المادة، خصوصاً أنه في بعض مواد الألفاظ العربية يكون لها أكثر من معنى. فإذاً: المقصد من هذا أن الباحث ينظر حاجته إلى زيادة ذكر ما ورد من هذه اللفظة في لغة العرب، فإن لم يحتج إلى هذه الزيادة فالأولى ترك الاستطراد، والإتيان مباشرةً على المدلول الذي يريده ما دام واضحاً.

    وأما التفسير في الاصطلاح قال: [ بيان كلام الله المعجز المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ].

    ألا يمكن أن يختصر هذا التعريف؟ فيقال: هو بيان كلام الله، هل يكفي أن يراد ببيان كلام الله أن المراد به تفسير القرآن؟ لأن هناك من كلام الله شيئاً غير القرآن، ولكن لما يقال: المعجز المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، هذه الجملة ألا يمكن أن تختصر بعبارة أقصر من هذه العبارة؟

    الجواب: نعم فيقال: بيان القرآن؛ لأن المقصود من كلام الله المعجز المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو القرآن في النهاية، وهنا أيضاً ملحظ آخر علمي، وهو أن التطويل في التعريف الاصطلاحي، ثم شرح هذا التعريف يحسن تركه إذا كان المعرف به واضحاً، فلا أحد يحتاج أن يعرف ما هو القرآن، فتعريف الشيء الواضح يقولون: من أشكل المشكلات. فإذاً: لما نقول: إن بيان القرآن، أو بيان معاني القرآن هو الهدف الأساس من علم التفسير فهذا كاف في التعريف، فإذاً هذا التعريف الذي هو: (بيان كلام الله المعجز المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) فيه طول لا يحتاجه من يعرف له، فنقول له إذاً: هو بيان كلام الله، أو بيان معاني كلام الله سبحانه وتعالى، وهذا فيه كفاية.

    ولكن من أين جاء الاستطراد في التعاريف الاصطلاحية؟ نقول: إن هذه جاءت في مرحلة من المراحل، وهي مرحلة محاولة تعريف المصطلحات تعريفاً منطقياً فيما يسمى بالحد الجامع المانع، وهذا من الجهة العلمية فيه نقاش، ليس هذا محله، لكن الملاحظ أنه يعسر تعريف العلوم بالحد الجامع المانع تماماً؛ ولهذا يكتفى في تعريف العلوم بالمثال الدال على العلم، لكن لو استطاع معرف أن يقرب إلى التعريف الجامع المانع فلا شك أن هذا مطلب، ولكن يجب أن ننتبه أن هذا المطلب لا يتحقق دائماً في كل العلوم، ونحن لا شك أننا نحتاج التعريف الذي يقرب إلى أن يكون جامعاً مانعاً حينما يشترك أكثر من علم في ذات واحدة، فمثلاً لما نأتي إلى تجويد القرآن، ونأتي إلى تفسير القرآن، فقد اشتركوا في القرآن، لكن علم التجويد غير علم التفسير، فهذا علم وهذا علم، فإذاً: أنا أحتاج في التعريف أن أعرف تعريفاً يفصل بين هذين العلمين، لكن لا يلزم في تعريف هذا أو تعريف هذا أن أصل إلى الحد الجامع المانع، وطلب الحد الجامع المانع هو أثر من آثار المنطق، ولا يعني ذلك أننا نرفضه تماماً لكن نقول: إنه مطلب، لكنه لا يلزم في جميع العلوم؛ ولهذا لم أجد إلى اليوم تعريفاً فيما يسمى بالحد الجامع المانع لعلوم القرآن، فلما نريد تعريف علوم القرآن، ونقرأ في تعريفات المعاصرين فلا نجد تعريفاً جامعاً مانعاً؛ لأنه غير ممكن؛ ولهذا يكتفى بذكر أمثلة من هذا العلم، فنقول مثلاً: هي العلوم التي تبحث في القرآن من حيث مكيه ومدنيه وناسخه ومنسوخه، فهذه أمثلة تدل على هذا العلم، وأرى أن معرفة هذا الشيء يريح من عناء كثير في تطلب تعريف العلوم بالتعريف الجامع المانع، وكما قلت: إنه مطلب إن حصل فلا بأس، وإن لم يحصل فإنه يكتفى بما يميز العلم عن غيره.

    تعريف أصول التفسير

    أما أصول التفسير فأيضاً نلاحظ أننا عندما نريد أن نعرف بالحد الجامع المانع سيصعب ذلك؛ ولهذا جاء هذا التعريف على سبيل التنبيه إلى المسائل التي يحتويها هذا العلم، فالتعبير بالأسس مقابل للأصول؛ لأن الأصول هي أسس ومقدمات علمية، بمعنى أن هذه الأصول تؤخذ مقدمات قبل الدخول في التفسير، وتعين على فهم التفسير، فهي مقدمات علمية تعين على فهم التفسير، وهذا مستوحى من كلام شيخ الإسلام لما ذكر سبب تأليفه لرسالته.

    ثم قال: [ وما يقع فيه من الاختلاف ] وهذا جانب كبير جداً من أصول التفسير، ثم قال: [ وكيفية التعامل معه ] أي: مع هذا الاختلاف.

    فكان عندنا ثلاث قضايا:

    القضية الأولى: مقدمات نظرية.

    والقضية الثانية: اختلاف أسبابه وأنواعه وما يتصل به.

    ثم القضية الثالثة: كيفية التعامل مع هذا الاختلاف.

    وهذه هي المسائل الكبرى في أصول التفسير، فالمسائل الكبرى في أصول التفسير مقدمات نظرية، تشمل هذه المقدمات النظرية التعريفات، كما تشمل أنواع التفسير، وأساليب التفسير، وأيضاً طرق أو مصادر التفسير إلى آخرها، وكلها في أغلبها معلومات نظرية، ثم يأتي بعد ذلك ما يتعلق بالاختلاف في التفسير، والكتاب مبني هنا على الاختلاف الواقع بين السلف، ولم يتعرض للاختلاف الواقع بعد جيل السلف، والمراد بالسلف: الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، فالاختلاف الكائن في تفسيرهم، في أسبابه وأنواعه وطريقة تعبيرهم في التفسير هو الذي يعالجه هذا الكتاب، ثم بعد ذلك تأتي قضية كيفية التعامل مع هذا بما يسمى بقواعد التفسير، وينشأ عن هذا نتيجة -ستأتي بعد قليل- وهي: كيف نفسر القرآن بعد معرفة هذه الأصول؟

    1.   

    المحاور التي تدور عليها دراسة علم أصول التفسير

    قال المصنف: [ ويدور محور الدراسة في هذا العلم بين أمرين: كيف فسر القرآن؟ وكيف نفسر القرآن؟

    ففي الأولى يكون الرجوع إلى تفاسير السابقين، ومعرفة مناهجهم وطرقهم فيها، خاصةً تفاسير السلف التي تعد العمدة في هذا العلم.

    وفي الثانية: يكون الاعتماد على ما قعد من أصولهم في تفاسير السابقين لكي يعتمد الصحيح في التفسير، ويتجنب الخطأ فيه، ومما يجدر ذكره أنه لا توجد دراسة متكاملة لموضوعات هذا العلم ].

    الرجوع إلى تفاسير السلف

    نأتي إلى القضية الأولى، وهي قضية الرجوع إلى تفاسير السابقين، فلو سألنا سؤالاً: من أين نأخذ أصول هذا العلم؟ ومن أين جئنا بما يسمى بأصول التفسير؟ وكيف جاءت هذه الأصول؟

    فالجواب: أن عندنا تفاسير للسابقين، فتحصل قراءة واستقراء لهذه التفاسير، ثم من خلال هذا الاستقراء تستنبط هذه الأصول، فلو أن مثلاً قائلاً قال: إن من أصول التفسير: أن نرجع إلى مرويات بني إسرائيل، نقول له: هذا الأصل الذي أرسلته من أين أخذته؟ فإما أن يكون منصوصاً عليه عند السلف، أو عند من يوثق بعلمه ممن جاء بعدهم، وإما أن يكون مستقرأً من تفاسيرهم، فإذاً: أي قضية تنسب إلى أصول التفسير لا بد فيها من أن يكون قد وقع عليها استقراء بحيث أنها خرجت وظهر بارزاً أنها أصل من أصول التفسير.

    وهل أحد يمكن أن يخالف أن من أصول التفسير الرجوع إلى تفسير النبي صلى الله عليه وسلم؟

    لا يخالف أحد في هذا، فإذاً: يلاحظ أن هذه من الأصول، لكن القضية الثانية قد يخالف فيها مخالفون، بل الأكثر يخالفون في هذا، ولا تعد من أصول التفسير عندهم.

    وأيضاً يلاحظ مثلاً: هل من أصول التفسير أن يرجع فيه إلى شخص واحد بأي شيء -سمي هذا الشخص الإمام، أو سمي المعصوم أو أو.. إلى آخره- على أنه أصل من أصول التفسير؟ فأيضاً هذا يحتاج إلى إثبات أن هذا بالفعل أصل من أصول التفسير، لكن الرجوع إلى لغة العرب أصل من أصول التفسير، وسنجد لهذا الأصل طريقين:

    الطريق الأول: نص العلماء عليه، وهو مثلما ورد عن مالك ، وسيأتي إن شاء الله عند التفسير باللغة، أو ما ورد عن مجاهد وغيره.

    والطريق الثاني: من خلال استقراء تفسير السلف وأنهم رجعوا إلى لغة العرب، فإذاً: هذا الأصل نأخذه بطريق الاستقراء، وكذلك بنص العلماء عليه.

    فوائد من استقراء منهج المفسرين السابقين في أصول التفسير

    القضية الثانية: لما تقعد هذه القواعد ولما نستقرئ مناهج هؤلاء العلماء السابقين، ونأخذ من علومهم أصول التفسير فإننا سنستفيد من ذلك فوائد:

    الفائدة الأولى: معرفة الصحيح من غير الصحيح من التفسير.

    الفائدة الثانية: أن من أراد أن يخوض غمار التفسير، وأراد أن يفسر للناس، فإنه يستطيع ذلك ويعرف كيف يفسر القرآن، بمعرفة الطرائق السليمة التي يفسر بها القرآن، فإذاً: هذه الفائدة الكبرى لعلم أصول التفسير، وهنا نقف وقفة في هذه القضية وهي في الحقيقة قضية مهمة جداً يمكن أن يقع عنها سؤال: هل نحن بحاجة إلى أصول التفسير لمعرفة كيف نفسر القرآن؟ لا شك أن الجواب: نعم، ولكن لا يلزم أن تكون أصول التفسير مكتوبة عند كل عالم، لكنها موجودة من خلال شرحه لكلام الله سبحانه وتعالى، ولو اختل عنده شيء من أصول التفسير فإنه يختل عنده تفسير الآيات التي يقع فيها جنس تأويل مثلاً، بمعنى أنه على قدر ما يفقد من الأصول الصحيحة يقع عنده خلل في التفسير.

    وهنا نقول: إنه لا بد من الاعتناء بتفسير السلف خاصة، ومعرفة طرقهم في التعبير في التفسير، وكذلك معرفة مناهجهم في التفسير؛ لأنها هي الأصول الأولى التي يبنى عليها علم أصول التفسير. ولنضرب لذلك مثالاً: ففي بعض الآيات نجد لـابن عباس أكثر من أقوال متغايرة، ولما ينظر إليها الناظر وهو لا يعرف يقول: هذا تناقض، مرة ابن عباس يقول كذا، ومرة ابن عباس يقول كذا، ومرة يقول كذا، لكن الخبير بعبارات السلف يعرف أن هذه الأقوال هي من باب اختلاف التنوع، وهي متغايرة؛ لأن الآية محتملة لهذا، أو محتملة لهذا، فمن يفهم بهذه الطريق يتأصل عنده أصل مرتبط بوجود تفسير، وأنه ما دامت الآية تحتمل هذه المعاني فهي صحيحة، أما الآخر فليس عنده هذا الحس فيرى أن فيها تناقضاً، فيقع عنده خلل في هذا الباب، وهذه المسألة تحتاج إلى شيء أطول من هذا، لكن أقول: أنه مهم جداً معرفة طرائقهم ومناهجهم في التفسير.

    فلا بد من الاعتناء بتفسير العلماء الموثوقين، وكذلك أيضاً استخلاص المنهج العام الذي يسيرون عليه في قضايا التفسير، ولأضرب مثالاً بإمام المفسرين ابن جرير الطبري ؛ لأنه من العلماء القلائل الذين وضحوا منهجهم وطريقتهم في التعامل مع التفسير، فمثلاً حينما يكون اللفظ في كتاب الله سبحانه وتعالى عاماً ينبه على العموم، وأنه لا يجوز تخصيص هذا العموم إلا بدليل؛ ولهذا نحن نأخذ من استقراء كتاب هذا الإمام أن الخبر على عمومه حتى يأتي ما يخصص، فإذا جاء لفظ أو أمر عام فإنه يحمل على العموم حتى يأتي ما يخصص هذا اللفظ العام، أو الحكم العام، فهذا إذاً يؤخذ من مثل هذا الإمام.

    وكذلك لو قرأت في تفسير ابن كثير أو في تفسير أبي حيان مثلاً فستجد كثيراً من هذه الأصول، فلما نستقرأ هذه الكتب ونستخرج أصول التفسير منها فسيكون عندنا جمع من المادة العلمية المتعلقة بهذا الموضوع.

    الفائدة الثالثة من فوائد هذا الموضوع: معرفة ما يمكن زيادته وما لا يمكن في تفسير القرآن، بمعنى: هل يمكن أن يظهر لنا معنىً جديد لم يكن موجوداً عند السابقين أم لا؟ الجواب: نعم، لكن كيف نعرف أن هذا المعنى الذي ظهر لنا اليوم في تفسير كلام الله صحيح أو غير صحيح؟

    إذاً: لا بد أن يكون عندنا أصول نرجع إليها ونتحاكم إليها لنعرف أن هذا التفسير صحيح أو غير صحيح، فإذاً: هذه أيضاً من الأمور المهمة في هذا.

    الفائدة الرابعة: وقوع الانحرافات في التفسير، بسبب مخالفة أصول علمية معتمدة عند العلماء، فإذاً: نحن بحاجة إلى معرفة هذه الأصول الثابتة لمعرفة هذه المخالفات.

    ومن أوائل الانحرافات التي وجدت القضية الكبرى المرتبطة بمفهوم التأويل، أو باستعمال التأويل في كلام الله سبحانه وتعالى، ولسنا نتكلم عن التأويل الصحيح، وإنما نتكلم عن التأويل الفاسد، فتجد أن أقواماً كثيرين دخلوا فيه، وصرفوا كلام الله سبحانه وتعالى، وحرفوه إلى ما يتوافق مع مبادئهم العقدية، ولو تأملنا بداية الانحراف العقدي فسنجد أنه لا يخلو معتقد من معتقدات التي خرجت عن أهل السنة والجماعة من الوقوع في التأويل الفاسد في كلام الله سبحانه وتعالى، بدءاً بالخوارج، ثم بعد ذلك بالرافضة، ثم بالجهمية، ثم بالمعتزلة، ثم بالأشاعرة الذين لا زال إلى اليوم تراثهم موجوداً بين يدينا، وهو فيه شيء من التأويلات، فما هي خطورة هذا التأويل؟ هؤلاء التأويليون وصل بهم الحد إلى أن أولوا أحوال المعاد، بمعنى أنهم قالوا: لا جنة ولا نار، وإنما المذكور في القرآن إنما هو تمثيلات وتخيلات تتوافق مع عقول العامة، وهذا الذي قال به الفلاسفة، واعتمدوا على مبدأ التأويل؛ لأن من دخل في التأويل الفاسد، فإنه ليس هناك ضابط يحد التأويل الفاسد، فيحتج به الأشعري، وكذلك يحتج به المعتزلي، وكذلك يحتج به الفلسفي، وليس هناك ضابط لأي واحد منهم، ولو اعترض واحد منهم على الآخر لرد عليه بنفس الرد: ما الذي أباح لك أن تؤول في هذا وأنا لا أؤول في هذا؟ فالذي أباح لك أن تؤول في هذا المكان هو نفس الذي يبيح لي التأويل في هذا المكان، فليس هناك ضابط، وهذا بين الأشاعرة والمعتزلة، وعموم المتكلمين هؤلاء. ثم جاء الفلاسفة وقالوا: الذي أباح لكم أن تؤولوا في صفات الله سبحانه وتعالى يبيح لنا كذلك أن نؤول في أحوال المعاد، وأنه لا جنة ولا نار، فمن الذي أباح لكم ولا يبيحه لنا، وهو نفس المبدأ، فإذاً: وصل الأمر إلى هذا الحد، وهذا واضح جداً في كتاب ابن رشد في فصل المقال، فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال، فقد بين هذا، وذكر مراتب التأويل هذه، ووصل إلى هذا الحد، وقسمه إلى أنه ما يجب فيه التأويل، وما يجوز فيه التأويل، ومما يجوز فيه التأويل عنده أحوال المعاد، بناءً على هذا المبدأ، إذاً: لاحظ هذه الخطورة التي تنشأ من مفهوم التأويل، فلا بد أن يكون عندنا أصول نحتكم إليها لمعرفة هذا النوع من التفسيرات الباطلة.

    بعض الدعاوى المعاصرة التي خرجت عن أصول علم التفسير

    وفي هذا العصر خرجت عندنا دعاوى، أذكر منها: كون القرآن نصاً عربياً أدبياً يجوز لكل عربي يعرف العربية أن يفسره، وأن يحلق في سماء التعبيرات الأدبية، منطلقاً من هذا القرآن، وهذه دعوة أمين الخولي ، وهي دعوة مشهورة، وإن كانت غير معروفة عند كثير ممن يقرءون في التفسير.

    وأيضاً جاءت دعوة جديدة وحادثة وهي موجودة الآن ومتنامية، وهي: كون القرآن نصاً مفتوحاً يجوز تأويله على حسب المعطيات الثقافية التي يمتلكها من أراد تفسير القرآن، وهؤلاء هم الحدثيون الذين يريدون أن ينزعوا قدسية القرآن، وقدسية الشريعة عموماً، ويجعلونها تابعة لهوى من يريد أن يفسر، أو من يريد أن يبين هذه الشريعة، وهؤلاء يقولون: إن القرآن ليس حكراً على قوم معينين، فكل من يعرف قراءة القرآن عندهم، يستطيع أن يفسره على حسب المعطيات التي عنده، وليس هناك شيء اسمه خطأ، والصواب في هذا موضوع يطول، لكن أردت أن أنبه على هذا النوع أو هذا الصنف من الناس، وأننا بحاجة إلى أن يرد على هؤلاء، وهؤلاء لا شك أن أفضل رد عليهم يكون من منطقهم هم؛ لأن هؤلاء لا يحتكمون إلى الأصولية التي نحتكم إليها، فلو احتكموا لانتهى الموضوع، لكن هؤلاء يحتكمون إلى أصول أخرى، فلو استطاع أحد من طلبة العلم أو غيرهم للرد على هؤلاء من أصولهم هم، فهذا أقوى وأولى، ولا شك أن هؤلاء لا يطبقون هذه النظرية على العلوم التطبيقية أو التجريبية أو الكونية، لكنه يجيز أن يطبقها على النص الأدبي من نصوص الشعراء وغيرهم، ثم بعد ذلك تسلط على كلام الله سبحانه وتعالى، وزعموا فيه هذا الزعم، فأنا أقول: مجرد إشارة إلى هؤلاء، وقد خرجت لهم كتب وهي موجودة الآن طبعاً وإن كانت عندنا لا تباع، لكنها موجودة وهي تحتاج إلى من يناقشها، ويرد عليها، وأن يكون هناك جماعة يتخصصون في هذا المجال، وهذا موضوع يطول، لكن نكتفي بهذا القدر.

    1.   

    مناهج الكتب التي كتبت في علم أصول التفسير

    قال المصنف: [ والكتب التي كتبت في هذا العلم صارت على ثلاثة مناهج:

    الأول: ما هو في موضوعات علوم القرآن، ككتاب الفوز الكبير في أصول التفسير للدهلوي .

    والثاني: ما اعتمد مسائل أصول الفقه المتعلقة بالقرآن، ودرسها من باب التفسير، ككتاب دراسات في أصول تفسير القرآن للدكتور محسن عبد الحميد .

    والثالث: كتب قعدت مسائل من هذا العلم ككتاب مقدمة في أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية ، وسأجتهد في أن أسير في هذا البحث على منهج التقعيد والتجديد، وأرجو أن أستطيع تغطية شيء من جوانبه، وعرض جزء من مسائله على هذا الجانب التقعيدي ].

    قضية موضوعات هذا العلم ستأتي إن شاء الله لاحقاً، فنترك الحديث عنها هناك، لكن الكتب التي عنونت بهذا العنوان يعني أصول التفسير أو أيضاً قواعد التفسير، لما تنظر إلى هذه الكتب فهي لا تخرج عن هذه الثلاثة، إما أن تكون مراداً بها أصول الفقه، وهذا مثل ما كتبه الدكتور محسن عبد الحميد ، وكذلك لما شرح بعضهم قواعد التفسير شرحها على أنها في أصول الفقه.

    والجانب الثاني: أن تكون المراد بها علوم القرآن، وهذا مثل رسالة الدهلوي الفوز الكبير، وهذا لا يعني أنه ليس فيها أصول تفسير، لكن يغلب عليها علوم القرآن، ومثل أيضاً رسالة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى التي هي أصول في التفسير، هي في الحقيقة يغلب عليها جانب علوم القرآن.

    والنوع الثالث من الكتب وهو قليل جداً مثل كتاب شيخ الإسلام وهو العمدة في باب أصول التفسير، وسيأتي الحديث عنه بعد قليل.

    الفرق بين علوم القرآن وأصول التفسير

    وقد يسأل سائل ويقول: إذا كانت أصول التفسير ليست أصول فقه؛ لأن هذا ظاهر أن هذا منسوب إلى الفقه، وهذا منسوب إلى التفسير، فظهر الفرق، لكن ما الفرق بين علوم القرآن وبين أصول التفسير؟ وكيف نفرق بين علوم القرآن وأصول التفسير؟ هنا نلاحظ أننا نحتاج إلى مقدمة ليست موجودة في الكتاب، القضية الأولى لما نقول: علوم القرآن وهنا أصول التفسير، النسبة مختلفة أو غير مختلفة؟ مختلفة، فالآن التفسير ما هي علاقته بعلوم القرآن؟ جزء من علوم القرآن، وهو الجزء الأكبر، لكن لاحظ أن العلماء لما كتبوا كتبهم لم يكن في بالهم قضية التفريق بين أصول التفسير وعلوم القرآن، فجاء إطلاق هذا المصطلح يعني مشاعاً من دون تنبيه على هذا، لكن الصواب أن نقول: إن أصول التفسير شيء، وعلوم القرآن شيء، فإذا كان التفسير جزءاً من علوم القرآن، وأصول التفسير جزءاً من علم التفسير، فإذاً: صارت أصول التفسير في الحقيقة جزءاً من علوم القرآن.

    وما الذي ندخله في أصول التفسير؟ ندخل في أصول التفسير المعلومات التي يكون لها أثر في بيان المعنى، وإذا لم يكن لها أثر في معرفة المعنى فإنها تكون من علوم القرآن، ومن أشهر الأمثلة التي أوضح بها هذا الموضوع عد الآي، فلما نأتي إلى سورة الفاتحة، والمشهور أنها سبع آيات، وفي قول شاذ: أنها ست آيات، فهذه المعلومة هل تفيدني في معرفة معاني الفاتحة؟ ما تفيد، وأيضاً هل الآية السابعة التي وقع الخلاف فيها (البسملة) هل هي آية أم ليست آية؟ هذا واحد، فإن كانت آية فما هي الآية السادسة؟ وما هي الآية السابعة؟ فمن جعل البسملة آية جعل صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] آية، ومن لم يجعل البسملة آية، يقف عند (صراط الذين أنعمت عليهم) ويجعلها آية، ثم يقول: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) ثم يختم. فالآن معرفة هذا الخلاف في كونها سبع آيات، وما هي الآية السابعة التي وقع فيها الخلاف؟ هل يؤثر في فهم المعنى؟ ما يؤثر.

    ولما نأتي إلى تعريف الصراط، ما هو الصراط؟ هل يؤثر في المعنى أم لا يؤثر؟ تعريف الصراط يرجع إلى اللغة، إذاً: معرفة اللغة أصل من أصول المفسر؛ لأنه يتأثر بها المعنى. نأتي إلى المكي والمدني على سبيل المثال، المكي والمدني من حيث هو في الحقيقة علوم قرآن، هذه الآية نزلت في مكة، وهذه الآية نزلت في المدينة، وهذه السورة نزلت في مكة، وهذه السورة نزلت في المدينة، فالأصل فيها أنها من علوم القرآن، لكن إذا تأثر بيان معنى اللفظ أو الآية بمعرفة مكيها أو مدنيها تدخل في هذه الحيثية في أصول التفسير، في هذا المثال فقط.

    مثال ذلك: لما نأتي إلى تفسير قوله سبحانه وتعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15]، لو جاء إنسان وقال: هذه الآية المقصود بها زكاة الفطر وصلاة العيد، نقول له: هذا الكلام فيه نظر؛ لأن سورة الأعلى مكية، وزكاة الفطر وصلاة العيد إنما كانت في المدينة، فهل يعني ذلك أن هذه شرعت ولم تطبق إلا في هذا الوقت؟ نقول: لا، إذاً: قوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15]، المراد بها العموم، يعني زكى نفسه، وذكر ربه، وصلى لربه، عامة، لكن يدخل فيها زكاة الفطر وصلاة العيد دخولاً أولياً؛ لأنها مما يشملها معنى اللفظ في عمومه، فإذاً: الآن احتجت المكي والمدني هنا في هذا المثال، فإذاً: يكون المكي والمدني أصلاً من أصول التفسير، لكن من حيث هو بالفعل يكون في علوم القرآن. إذاً: يلاحظ هنا الآن أنه في بعض الأحيان عندنا علوم مثل قضية الاختلاف في التفسير، هذه أصل من أصول التفسير، حتى لو ذكرت في كتب علوم القرآن فهي راجعة في كل بابها إلى أصول التفسير، يعني احتاجها كاملةً، وهناك علوم لا احتاجها إطلاقاً، وهناك علوم احتاج منها جزئيات على حسب المثال الذي بين يديك.

    إذاً: عندنا موضوع يختص بأصول التفسير اختصاصاً تاماً، مثل أسباب الاختلاف وأنواع الاختلاف، وعندنا موضوع لا يختص بأصول التفسير إطلاقاً مثل عد الآي، وعندنا موضوع أو موضوعات كثيرة أحتاج منها بعض المسائل في بعض الآيات، فحينما احتاجها فهي تدخل ضمن أصول التفسير.

    إذاً: بهذا نعرف الفرق بين علوم القرآن وبين أصول التفسير.

    1.   

    مراجع علم أصول التفسير

    قال المصنف: [ مراجع هذا العلم:

    أولاً: كتب مصدرة بهذا الاسم، وهو أصول التفسير، وهذه الكتب لم تحو جميع مادة هذا العلم، ولكن فيها مسائل متناثرة منه، ومن أهم هذه المؤلفات مقدمة في أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وليس هذا الاسم مقدمة في أصول التفسير من وضع شيخ الإسلام ، بل هو من وضع مفتي الحنابلة بدمشق جميل الشطي ، الذي طبع الكتاب سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وألف، وقد نبه شيخ الإسلام في المقدمة على أن ما سيكتبه هو قواعد تعين على فهم القرآن وتفسيره وبيان معانيه.

    ب- الفوز الكبير في أصول التفسير للدهلوي ، المتوفى سنة ست وسبعين ومائة وألف.

    ج- أصول التفسير للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين .

    د- أصول التفسير وقواعده لـخالد العك .

    ه- بحوث في أصول التفسير لـمحمد لطفي الصباغ ، وقد اعتمد مقدمات المفسرين وبعض الكتب، ككتاب شيخ الإسلام ، وكتاب الدهلوي ، وهو في كل هذا يذكر ملخصاً لمسائل هذه المقدمات وهذه الكتب.

    و- دراسات في أصول التفسير لـمحسن عبد الحميد .

    ز- أصول التفسير ومناهجه للدكتور فهد الرومي ، وقد ألف ابن القيم في هذا الباب، لكن لم توجد هذه الرسالة بعد ].

    الكتب المصدرة باسم أصول التفسير

    هذه الكتب كما هو ملاحظ هي المراجع وأنا أحب أن أتجاوزها سريعاً؛ لكي لا تأخذ وقتاً، وهي فقط مجرد تنبيه على مصادر هذا العلم، يعني: من أين نستقي هذا العلم؟

    نستقيه أولاً من الكتب المصدرة بأصول التفسير، وكما قلت: أهم رسالة في هذا الباب هي مقدمة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وهو أول من كتب كتابة متكاملة في هذا الموضوع، ولم يكتب شيخ الإسلام اسماً لرسالته، وإنما هو سؤال جاءه من بعض الإخوان، ثم ذكر أنه سأله عن قواعد تعين على فهم القرآن وتفسيره وبيان معانيه، ومعرفة الصحيح من الضعيف فيه.. إلى آخره، ثم بدأ يسرد شيخ الإسلام جواب هذه الرسالة، والذي سماها هو جميل الشطي ، وقد نبه على هذا الدكتور عدنان زرزور في تحقيقه لمقدمة في أصول التفسير شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهي أفضل الموجود من طبعات مقدمة في أصول التفسير، وعليها تعليقات مفيدة جداً، وأيضاً له دراسة في مقدمة الرسالة وهي دراسة جيدة. وكان مفترض أن يذكر بعده ابن القيم ، فـابن القيم رحمه الله تعالى نبه في جلاء الأفهام على أنه سيكتب في أصول التفسير، وذكرها عند كلامه عن التفسير بجزء المعنى، وهو يتكلم عن تفسير الصلاة ذكر موضوعاً يتعلق بالتفسير بجزء المعنى، ثم ذكر أنه سيتكلم عنه في أصول التفسير.

    بعد ذلك عندنا الفوز الكبير في أصول التفسير للدهلوي ، وهذا من الكتب المفيدة والنافعة، والتي يحرص على قراءتها، وفيه جملة من أصول التفسير لكنه في الحقيقة في الأغلب الأعم هي مرتبطة بعلوم القرآن. وكذلك كتاب الشيخ محمد رحمه الله تعالى، وقد سبق الإشارة إليه، وكتاب الصباغ الذي هو بحوث في أصول التفسير، وذكر بعض مقدمات المفسرين، وأعطى أشبه بتقريب لهذه المقدمات، والتعريف بها، وما حوته من الموضوعات، كما أنه فعل كذلك في كتاب شيخ الإسلام ، وفي كتاب الدهلولي ، والكتاب مفيد من جانب تقريب المعلومات الموجودة في هذه المقدمات التي اختارها، وكذلك في هذه الكتب التي أيضاً اختارها من كتب أصول التفسير، وأنا أنصح الحقيقة بمن أراد أن يقرأ في أصول التفسير، أو في علوم القرآن، أو أراد أن يستفيد في هذا الباب أن يقرأ مقدمات المفسرين، ويستخلص منها ما يتعلق بأصول التفسير، أو بما يعينه في التفسير، وأن يقرأ هذه الكتب المذكورة؛ لأنه سيجد فيها يعني ثروة كبيرة جداً في أصول التفسير، فهذا ما يتعلق بالموضوع الأول، أو المرجع الأول الذي هو كتب مصدرة بأصول التفسير.

    مقدمات المفسرين

    أما المرجع الثاني فهو مقدمات المفسرين، وهذا سبق الإشارة إليها في كتاب الدكتور الصباغ ، لكن يلاحظ أنه ليس كل تفسير له مقدمة، وكذلك ليس كل مقدمة فيها شيء يتعلق بأصول التفسير، والمذكور في هذه الأمثلة من أنفس الكتب التي يوجد فيها معلومات عن أصول التفسير، المقدمة الأولى: مقدمة ابن كثير ، وهذه المقدمة استفادها من كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية ، وإن لم يشر رحمه الله تعالى إلى كتاب شيخ الإسلام ، وهي عادة معروفة وهي تحتاج إلى بحث خاص، يعني: ما يسمى عندنا باسم السرقات الأدبية، لكن ابن كثير لما كتب هذا لم ينسبه إلى نفسه، ما قال: هذه من بنات أفكاري، وهذا مما ابتدعته، ومما جاد به علي، لا، إنما ذكرها ذكراً مرسلاً دون أن يذكر شيخ الإسلام ، أو أنه أخذ منه، فأقول: هذا الأسلوب كان منتهجاً، لكن اليوم وفي الوقت الحاضر لا يأتي إنسان ويفعل هذا الفعل ويقول: هذه طريقة أسلافنا؛ لأن أسلوب البحث العلمي اختلف، فيجب أن تعرف المصطلحات، ففي ذلك الوقت ما كان ينكر عليه أن يسرد مثل هذا، إلا إذا نسب الأمر إلى نفسه وزعم أنه منه، أو فعل فعلاً يشير إلى أنه منه وهو ليس منه، لكن لما يأتي مثل الثعلبي رحمه الله تعالى، ويقول: أنا سأكتب كتاباً في التفسير، معتمداً على وذكر الكتب، ثم بدأ يؤلف من هذه الكتب مجموعة الكلام الذي أخرجه في كتابه، وهي طريقته، فهو رجل في الأصل ناقل، فما يأتي إنسان ويقول: إن الثعلبي سرق كتاب فلان أو علان؛ لأنه قال: أنا سأنقل منه، لكن لما يكثر من النقل دون أن يشير إليه، أو أن يلبس في بعض المواطن على أن الكلام منه وهو ليس منه، فهذا الذي يعاب عليه، أما في العصر الحاضر فحتى لو أن إنساناً نقل كلاماً ودمجه في وسط كلامه مقتنعاً بهذا الكلام أنه يقال له: ما دام هذا الكلام ليس لك، وأنت استفدته من فلان، فكان الأولى أن تذكره، ومن يسمع أحياناً بعض الرسائل العلمية ينبهونه على هذا أن هذا الكلام سبقك به فلان، فلماذا لم تشر له؟ إما أنك لم تقرأ، وإما أنك قرأته وسهوت عن نسبته إليه، وهذا من باب إحسان الظن، والمقصد أننا ننبه على اختلاف المصطلحات في هذا.

    المقدمة الثانية: مقدمة النكت والعيون للماوردي وهي مهمة أيضاً؛ لأن فيها بعض اللفتات المتعلقة بما يتعلق بالتفسير باللغة.

    المقدمة الثالثة: مقدمة ابن جزيء الكلبي ، وهي تتميز بفائدتين: أنه ذكر أسباب الاختلاف، وذكر أنواع الاختلاف.

    مقدمة جمع التفاسير أيضاً هذه من المقدمات النفيسة والمهمة، وفيها جوانب كثيرة متعلقة باللغة، وأيضاً بما يعترض النص من دلالة العموم والخصوص وأمثالها، فهذه موجودة أيضاً في مقدمة الراغب الأصفهاني ، وهي مقدمة نفيسة جداً، وإن كان يغلب عليها الطابع اللغوي.

    مقدمة القاسمي وهي مقدمة حاشدة وكبيرة جداً، وقد نقل كثيراً عن شيخ الإسلام ، وعن ابن القيم ، وكذلك عن الشاطبي ، ويمكن أيضاً أن نستخلص منه فوائد كثيرة.

    مقدمة التحرير والتنوير ذكر فيها عشر موضوعات كبرى، وهي مقدمة أيضاً نفيسة جداً، ويحسن بطلاب علم التفسير أن يعتنوا بها، وبهذه المقدمات المذكورة، فهذه من أشهر المقدمات التي فيها شيء يتعلق بأصول التفسير.

    مراجع علوم القرآن

    أما ما يتعلق بكتب علوم القرآن، فأهم كتابين مشهورين هما: كتاب البرهان في علوم القرآن للزركشي ، والإتقان في علوم القرآن للسيوطي ، وهناك كتب أخرى في علوم القرآن لكنها في الحقيقة مرتبطة بجانب القراءات، مثل المرشد الوجيز لـأبي شامة ، وكذلك مثل جمال القراء للسخاوي ، فهذه يغلب عليها الجانب الإقرائي، وإن كان فيها إشارات لكنها قليلة بخلاف كتاب السيوطي وكتاب الزركشي .

    كتب المفسرين

    المصدر الرابع: وهي كتب التفسير بعمومها، يعني كتب التفسير، وهذه لا شك أنها تحتاج إلى استقراء؛ ولهذا كم يحسن لو أن من استفاد من أصول التفسير مثلاً أن يأخذ كتاب أبي حيان الأندلسي ، ثم يخرج الفوائد المتعلقة بأصول التفسير منه، مثلاً الأخذ بالعموم، ويذكر لنا الأمثلة الواردة عند أبي حيان في الأخذ بالعموم، الاعتماد على السنة النبوية في التفسير، تفسير القرآن بالقرآن، يعني أشبه بفهرسة موضوعية، فهذا مفيد جداً؛ لأنه في النهاية لو جمع أكثر من تفسير يبين ما هي الأصول التي كثرت عند هؤلاء العلماء الذين كتبوا في التفسير، كما أنه لا يخلو أحياناً من بعض تنبيهات على بعض المسائل تنبيهاً مباشراً، فمثلاً يقول: وهذا تفسير بالقليل من لغة العرب، ولا يفسر القرآن بالقليل من اللغة ما دام اللفظ مشتهراً، هذا يكون قاعدة واضحة، لكنه أحياناً قد يكون يفسر ويستوحى من كلامه أنه اعتمد على كذا، فهذا وهذا يقيد، وهذا نافع جداً.

    ومن أهم التفاسير أيضاً: تفسير الإمام الطبري ، وهذا يحتاج إلى وقت في شرحه لكن من أهم ما يتميز به هي كيفية التعامل مع الاختلاف في التفسير، وقواعد الترجيح التي ذكرها في كتابه نثراً واضحاً، هذا عندما نتكلم عن جانب من جوانب متعلقة بأصول التفسير.

    تفسير ابن عطية رحمه الله تعالى يتميز أيضاً بالترجيح بين أقوال السلف وإن كان أقل من ابن جرير وكثيراً لا يذكر المستند الترجيحي للقاعدة الترجيحية، لكن أيضاً فيه ميزة أخرى وهي تفسير عبارات السلف، بمعنى أنه لما يأتي عندنا عبارة للسلف تجد أنه أحياناً ينبه عليه يقول: وهذا تفسير بالمثال، وهذا التفسير لا يعطيه اللفظ، وإنما هو تفسير بالمعنى، بمعنى أنه يأتي إلى كلام السلف ويوجه هذا الكلام، وهذا ما يتميز به تفسير ابن عطية وهو مهم في هذا الباب. تفسير الشنقيطي رحمه الله تعالى أيضاً يتميز بقضية القواعد الترجيحية، وأيضاً في جملة من المسائل الأصولية التي يمكن أن يستفاد منها في أصول التفسير.

    تفسير الطاهر بن عاشور أيضاً في جملة منثورة منه لأنهم يتعاملون مع خلافهم، ويلاحظ أن كل هؤلاء يتعاملون مع اختلافات، فيتبين حينما يتكلم عن الآية وفيها اختلافات في بعض القضايا المرتبطة بأصول التفسير، كذلك في تفسير أبي حيان . وطبعاً لم يذكر كل التفاسير، لكن يضاف إليها تفسير أبي حيان الأندلسي ، وتفسير الآلوسي ، وكذلك تفسير القرطبي ، فهذه أيضاً تضاف إلى هذه التفاسير، فإذاً: القاعدة نقول: إنه كل من تعامل مع الخلاف وكان له رأي، فإنه في الأصل سيكون عنده شيء من أصول التفسير.

    1.   

    موضوعات علم أصول التفسير

    نأخذ هذا الموضوع الذي هو موضوعات هذا العلم سريعاً، فموضوعات هذا العلم كما يلاحظ هذا العلم تشكله في الحقيقة قريب جداً من ناحية أنه يكون اسم علم وأصول التفسير مقابل، أو أنه جزء من علوم القرآن، ونلاحظ في الفترة قبل هذا الوقت أنه كانت قضية أصول التفسير وعلوم القرآن تطلق على أنهما مترادفان أو متقاربان، فمن كتب من المعاصرين في أصول التفسير أراد أن يميز أصول التفسير عن علوم القرآن، فصار يحتاج إلى أن نأخذ ما هي الموضوعات التي يمكن أن تدخل في أصول التفسير ولا تدخل في علوم القرآن، وما يكون فيها اشتراك بين العلمين، وإنما كان في النتيجة هناك علم اسمه أصول التفسير.

    الموضوعات المذكورة لو تأملناها فيمكن أن يقال: إن بعضاً منها مرتبط بأصول التفسير، وبعضها يمكن نقول: ليس له علاقة، فلنأخذ الآن هذه الموضوعات واحدة واحدة.

    حكم التفسير وأقسامه هذا يدخل في المقدمات العلمية، أو حاجته موجودة في أصول التفسير.

    التفسير بالرأي والمأثور نحتاجه في أصول التفسير، الأصول التي يدور عليها التفسير، طريقة السلف في التفسير، أسباب الاختلاف، أنواع الاختلاف، الإجماع، توجيه أقوال السلف، توجيه القراءات ما يتأثر به المعنى؛ لأنه قد نحتاج قراءات في ترجيح معنىً على معنى.

    أساليب التفسير، يعني: تفسير إجمالي، تفسير تحليلي، تفسير .. كليات القرآن، يعني كل ما في القرآن كذا، وهذه ترتبط بعلوم القرآن يعني ما له علاقة بأصول التفسير، إذاً: هذا العلم أو هذا الموضوع يخرج من أصول التفسير، وليس له علاقة بأصول التفسير، وإن كان له علاقة بعلوم القرآن أو كذا.

    القواعد العامة في التفسير، مثل لما نقول: إن تفيد التأكيد، أو إن تفيد مثلاً التعليل، ومثل لما نقول: إذا حذف المفعول فهو يدل على العموم، وهي مهمة، وترجع إلى الأصول، القواعد الترجيحية فلما يقع خلاف بين المفسرين، ونرجح أحد المعاني بسبب القاعدة الفلانية، والسؤال الآن: هل هناك موضوعات نحتاجها في أصول التفسير غير موجودة؟ الآن أخرجنا ما ليس من أصول التفسير، لكن هل بقي موضوعات نحتاجها وهي غير موجودة؟

    نقف على هذا.

    1.   

    الأسئلة

    واضع كتاب التفسير القيم لابن القيم

    السؤال: يقول: كتاب التفسير القيم هل واضعه ابن القيم ؟

    الجواب: لا، هذا مجموع، وليس واضعه ابن القيم .

    الكتب التي ينصح بها المبتدئ في علم أصول التفسير

    السؤال: ما هي الكتب التي يبتدئ بها طالب العلم في أصول التفسير؟

    الجواب: نحن اليوم ندرس هذا الكتاب، فهو من الكتب التي يمكن أن يبتدأ بها، وإن كان أخذ من الكتب الأخرى فهي كلها صالحة، وإن كانت رسالة شيخ الإسلام بالذات تحتاج إلى معلم؛ لأن فيها كثيراً من المنطق وتحتاج إلى شرح.

    كتب التفاسير التي ينصح بها طالب العلم

    السؤال: ما هي التفاسير التي تنصحون طالب العلم المبتدئ بقراءتها؟

    الجواب: هذا أصعب سؤال في العالم. فإذا كان عندك تفسير ميسر فاقرأ به فهو صالح.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756396548