إسلام ويب

شرح القواعد المثلى [2]للشيخ : عبد الرحيم السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من القواعد المثلى: أن أسماء الله الكريم أعلام وأوصاف، لا يستحق غيره أن يسمى بها، فقد حازت على ناصية الحسن، وكمال الجمال، وغاية العظمة جل في علاه، وهناك دلالات لأسماء الله الحسنى، وصفاته العلية، وهي تتضمن أموراً يجب الاطلاع عليها وسبر أغوارها ..

    1.   

    ذكر ما يطلق على الله تعالى من الأسماء والصفات والأخبار

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمد إمام المتقين وقائد الغر المحجلين.

    اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً إنك أنت العلي الحكيم.

    قبل أن نبدأ في دراسة القاعدة الثانية لابد أن نذكر ما يطلق على الله سبحانه وتعالى.

    فما يطلق على الله عز وجل ثلاثة أمور:

    الأول: الاسم.

    الثاني: الصفة.

    الثالث: الخبر.

    وبين هذه الثلاثة الأمور فروق يمكن أن نذكر شيئاً منها.

    أما الاسم: فهو ما يدل على ذات الله سبحانه وتعالى مع دلالته على صفة الكمال، وكل ما دل على ذات الله سبحانه وتعالى ودل على صفة كمال فهو اسم الله سبحانه وتعالى.

    وأما الصفة: فإنها التي تدل على معنى يقوم بذات الله سبحانه وتعالى، ومن هنا نلاحظ أن الاسم يدل على أمرين، والصفة تدل على أمر واحد.

    فالأمران الأولان اللذان يدل عليهما الاسم: دلالته على الذات ودلالته على صفة يحملها هذا الاسم، وأما الصفة فإنها تدل على أمر واحد وهو مجرد الوصف، هذا من جهة.

    ومن جهة أخرى فإن الاسم هو الذي يعبَّد له، فيقال في الرحمن عبد الرحمن، ويقال في العزيز عبد العزيز، ويقال في الكريم عبد الكريم، لكن الصفة لا يعبد لها، فلا يقال في الرحمة مثلاً: عبد الرحمة، ولا يقال: عبد المُلك، وعبد العزة.

    ومن جهة أخرى، فالاسم هو العلم في اللغة، والصفة هي المصدر، فمثلاً العزيز علم، وأما العزة فهي المصدر.

    وأسماء الله سبحانه وتعالى هي الأعلام التي تدل على ذات الله عز وجل وتتضمن الصفات، فالعزيز والحليم والرحيم تتضمن العزة والحلم والرحمة.. وهكذا فكل اسم من أسماء الله يتضمن صفة من صفاته.

    وأما الخبر فهو ما يطلق على الله عز وجل بغير توقف، كأن يقال: إن الله سبحانه وتعالى واجب الوجود مثلاً، أو إن الله سبحانه وتعالى قديم أزلي، وهذه الألفاظ لم ترد في السنة ولم ترد في القرآن، لكن يصح إطلاقها على الله عز وجل من باب الخبر، ومن هذا الباب يصح ترجمة معاني أسماء الله في أي من الألفاظ السابقة وغيرها، وأهم شيء ألا يدل هذا اللفظ على نقص أو ذم، وإنما يدل على معنى حسن أو على أقل تقدير لا يجوز على معنى سيئ، فيقال مثلاً: الله عز وجل شيء موجود، ويمكن أن يقال: واجب الوجود، وقد ذكر أهل العلم في ضمن ردودهم على الفرق الضالة ذكر بعض الأمور التي أضافوها إلى الله سبحانه وتعالى ولم يرد فيها نص من القرآن أو السنة، لكنهم لم يدرجوها على أنها أسماء من أسماء الله أو على أنها صفات من صفاته، وإنما أضافوها على سبيل الخبر والحكاية، ولهذا هناك قاعدة، وهي أن باب الخبر واسع، وباب الصفات أضيق منه، وباب الأسماء أضيق من باب الصفات.

    ومن جملة الفروق بين الأسماء والصفات من جهة وبين الخبر من جهة أخرى، هو أن الأسماء والصفات توقيفية، يعني: مبنية على النص من القرآن ومن السنة، بينما الخبر ليس مبيناً على النص، لكنه مبني على المعنى الصحيح الثابت لله سبحانه وتعالى، هذا من جهة.

    ومن جهة أخرى فإن الاسم يدعى به؛ فيقال: يا عزيز يا كريم..، لكن ما يخبر به عن الله لا يدعى به، فلا يقال: يا واجب الوجود مثلاً.

    كما أن الأسماء والصفات جميعاً قد بلغت الغاية في الحسن، بينما الأخبار لا يشترط أن تكون حسنة بمعنى: لا يشترط أن تكون أحسن ما يكون من الألفاظ، وإنما أهم شيء أن تدل على المعنى بغير تضمن للنقص وللإساءة، وإنما تدل على المعنى الصحيح، مثل الموجود فيصح أن يحكى عن الله عز وجل بأنه موجود، بينما كلمة موجود لا تتضمن مدحاً ولا تتضمن معنى حسناً، لكن يصح أن يخبر عن الله عز وجل بها، ولهذا قد يستغرب بعض طلاب العلم عندما يقرأ كلاماً -مثلاً- لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول فيه إن الله عز وجل واجب الوجود وإنه قديم أزلي، ويحكي عنه بألفاظ لم ترد في الكتاب والسنة.

    وذلك أن باب الأخبار واسع وأهم شيء هو أن يكون المعنى صحيحاً، وفيها ترجمة لأسماء الله سبحانه وتعالى، ويصح ترجمة أسماء الله لغير العرب وتقريب معانيها إلى أفهامهم بألفاظ ليست واردة في القرآن وليست واردة في السنة مادامت دلت على معنى صحيح.

    أما القاعدة التي بين أيدينا هي: أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف.

    ومصدره فيها كتاب بدائع الفوائد، فقد ذكر ابن القيم نفس هذه القاعدة بألفاظها في بدائع الفوائد المجلد الأول صفحة مائة واثنين وستين.

    1.   

    قاعدة: أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [القاعدة الثانية: أسماء الله تعالى أعلام وأوصاف.

    أعلام باعتبار دلالتها على الذات، وأوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني، وهي بالاعتبار الأول مترادفة لدلالتها على مسمى واحد وهو الله عز وجل، وبالاعتبار الثاني متباينة لدلالة كل واحد منهما على معناه الخاص، فالحي العليم القدير السميع البصير الرحمن الرحيم العزيز الحكيم.. كلها أسماء لمسمى واحد وهو الله سبحانه وتعالى، لكن معنى الحي غير معنى العليم غير معنى القدير.. وهكذا].

    هذه قاعدة جليلة يؤخذ منها أن كل اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى يدل على صفة من صفاته، وهذا معنى قولنا: إن أسماء الله سبحانه وتعالى مشتقة، فهي مشتقة من معانٍ وهذا من غاية الحسن.

    الأدلة على أن أسماء الله تتضمن صفات

    هناك دليلان على أن أسماء الله سبحانه وتعالى تتضمن صفات:

    الدليل الأول: أن الله سبحانه وتعالى وصف أسماءه بأنها حسنى، ومعنى حسنى: أي أنها تدل على معان حسنى، وتدل على صفات حسنى، والأسماء الجامدة التي لا معاني لها ليست بحسنة، ومن هنا فكل اسم من أسماء الله عز وجل يتضمن صفة من صفاته، فالدليل على أن أسماء الله تتضمن صفات الله عز وجل مأخوذ من الآيات الواردة التي سبق أن ذكرناها والتي وصف الله سبحانه وتعالى أسماءه بأنها حسنة، مثل قول الله عز وجل: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، وقد ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه العظيم درء تعارض العقل والنقل.

    الدليل الثاني: وقد ذكره المصنف وهو قوله: (وإنما قلنا بأنها أعلام وأوصاف لدلالة القرآن عليها، فإن الإنسان وهو يقرأ أسماء الله في القرآن يقرأ أيضاً صفات لله عز وجل مطابقة لهذه الأسماء).

    ويمكن أن نمثل بمثال ذكره المصنف وهو قوله تعالى: وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس:107]، فالغفور يتضمن صفة المغفرة، والرحيم يتضمن صفة الرحمة، وقوله تعالى: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ [الكهف:58]، يدل على أن الرحيم هو صاحب الرحمة، فإن الآية الثانية دلت على أن الرحيم هو المتصف بالرحمة.

    ويمكن أن نذكر أمثلة أخرى، منها: أن من أسماء الله سبحانه وتعالى القوي العزيز، ويقول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:58]، فمن صفاته أنه ذو القوة، ومن أسمائه القوي، فهذا دليل على أن اسمه القوي يتضمن صفته القوة.

    وأما العزيز فيقول الله عز وجل: فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا [فاطر:10]، فاسمه العزيز يتضمن صفة العزة.

    ومن ذلك أيضاً اسمه العليم، ومن صفاته العلم، قال الله عز وجل: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ [البقرة:255]، فهذا يدل على أن اسمه العليم يتضمن صفة العلم.

    ويقول الله عز وجل: فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ [هود:14]، وهذا يدل على أن الله عز وجل اسمه العليم وله صفة متعلقة به وهي العلم.

    مثال آخر: البصير من أسماء الله سبحانه وتعالى، وقد جاء في الحديث الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو كشفه) أي: لو كشف عن وجهه، (لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)، فهذا يدل على أن له بصر، وأنه هو البصير.

    وأيضاً القدير اسم من أسماء الله سبحانه وتعالى ووصف له، فقد جاء في حديث الاستخارة الثابت في البخاري من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة.. -إلى أن قال في دعاء الاستخارة- اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك)، فهذا يدل على أن لله قدرة وأنه هو القدير.

    وهذه الأدلة التي سقناها تدل على القاعدة التي ذكرها المصنف، وهو: أن كل اسم من أسماء الله يتضمن صفة من صفات الله سبحانه وتعالى.

    كما ذكر دليلاً ثالثاً، وهو إجماع أهل اللغة والعرف أنه لا يطلق عليم إلا لمن له علم، ولا يطلق: قدير إلا لمن له قدرة، ولا سميع: إلا لمن له سمع، ولا بصير: إلا لمن له بصر، وهذا أمر أوضح من أن يحتاج إلى دليل.

    وهناك دليل واضح أيضاً: وهو أننا نجد في الموجودات مقدورات ومعلومات، وهذه المقدورات تدل على قدرة، وهذه المعلومات تدل على علم، فالمقدورات والمعلومات الموجودة دليل على وجود القدرة والعلم عند الباري سبحانه وتعالى، وأنها مأخوذة من اسمه العليم القدير كما سيأتي إيضاحه وشرحه.

    أنواع الصفات التي تتضمنها أسماء الله تعالى

    الصفات التي تتضمنها أسماء الله تعالى أربعة أنواع:

    النوع الأول: ما يرجع إلى صفات معنوية، فالعليم يؤخذ منه صفة معنوية وهي العلم، والقدير والسميع يؤخذ منهما صفة القدرة وصفة السمع وكلاهما صفتان معنويتان.

    النوع الثاني: ما يرجع إلى أفعال الله سبحانه وتعالى، فاسمه الخالق يدل على صفة الخلق، واسمه الرازق يدل صفة الرزق وهي من الأفعال، واسمه المحيي المميت يدل على صفة الإحياء والإماتة وهي من أفاعله سبحانه وتعالى.

    النوع الثالث: ما يرجع إلى التنزيه والتقديس المحض، ومن القواعد أن كل ما دل على تنزيه في أسماء الله عز وجل أو في صفاته، لابد أن يدل على كمال ضده، وسيأتي إيضاحها وتفصيلها في قواعد الصفات بإذنه تعالى، وهذا مثل القدوس، فإن القدوس هو المنزه عن كل عيب.

    والنوع الرابع: هو ما يدل على جملة أوصاف متعددة، وليس له معنى واحد فقط، وإنما يدل على معانٍ متعددة مثل العظيم، فهو العظيم في كل شيء: العظيم في خلقه.. العظيم في أمره.. ومثله المجيد، والصمد، ونحو ذلك، وقد شرح ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه بدائع الفوائد شرحاً مطولاً.

    عقيدة المعتزلة والمعطلة في صفات الله

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإنما قلنا بأنها أعلام وأوصاف لدلالة القرآن عليه كما في قوله تعالى: وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس:107]، وقوله: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ [الكهف:58]، فإن الآية الثانية دلت على أن الرحيم هو المتصف بالرحمة، ولإجماع أهل اللغة والعرف أنه لا يقال: عليم إلا لمن له علم ولا سميع إلا لمن له سمع ولا بصير إلا لمن له بصر، وهذا أمر أبين من أن يحتاج إلى دليل].

    وعقيدة المعتزلة، وأهل التعطيل الذين عطلوا الصفات أن الله تعالى سميع بلا سمع وبصير بلا بصير وعزيز بلا عزة وهكذا، حيث إنهم فرغوا أسماء الله سبحانه وتعالى من الصفات، كما ذكر ذلك القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني في كتابه شرح الأصول الخمسة، وقال: إنه يحسن إجراء الأسماء على الله تعالى من غير إذنه، وهذا يدل على أنه يرى أنه يصح أن يطلق على الله عز وجل أنه السميع وأنه العزيز وأنه الكريم، لكنه يجرد هذه الأسماء من معانيها، ويقولون -أعني المعتزلة-: إن أسماء الله عز وجل جامدة لا تدل على صفات، فهم يقولون: إنه السميع لكن بدون سمع، وإنه البصير لكن بدون بصر، وإنه الكريم لكن بدون كرم، وإنه العلي لكن بدون علو، وهكذا، فهم يفرغون أسماء الله سبحانه وتعالى من مدلولاتها ومعانيها، ويجعلونها أعلاماً محضة لا تدل على صفة، وعقيدتهم ذكرها القاضي عبد الجبار في كتاب المغني في أبواب العدل والتوحيد، وفي كتاب شرح الأصول الخمسة، وقد نسب الشهرستاني في الملل والنحل هذه العقيدة إلى المعتزلة، وكذلك البغدادي في الفرق بين الفرق.

    واحتجوا بشبهة ذكرها الشيخ، وهي قوله: وعللوا ذلك بأن ثبوت الصفات يستلزم تعدد القدماء، وهذه العلة عليلة بل ميتة بدلالة السمع والعقل على بطلانها).

    فهم احتجوا بأن إثبات الصفات يستلزم منه تعدد الواحد وتعدد القدماء، يقول أبو الحسين الخياط في كتابه الانتصار على ابن الراوندي : إذا قلنا: إن الله هو السميع وله سمع فلا يخلو هذا السمع من أمرين: إما أن يكون محدثاً أو يكون قديماً، فإذا كان محدثاً فيلزم حدوث الحوادث في ذاته تعالى، وإذا كان قديماً فليزم تعدد القدماء، حيث إن الإله قديم وصفته قديمة.

    وهذا مبطل للتوحيد، ونحن نبطله بدليل الكلام، فهم يقولون: إن إثبات الصفات يستلزم منه تعدد الآلهة، ويظنون بقولنا: الله عز وجل له سمع أن هذا إله السمع، وإذا قلنا: إن له بصر، قالوا: هذا الإله الثاني، وإذا قلنا: إن له سبحانه وتعالى يد قالوا: هذا إله ثالث ورابع وهكذا، ولهذا أدخلوا نفي الصفات في مسمى التوحيد، وقالوا: وحدانية الله عز وجل وتوحيده تقتضي نفي الصفات؛ لأنه إذا أثبتنا الصفات فمعنى هذا أننا عددنا الآلهة وجعلناها أكثر من واحد، وهذا لا شك أنه باطل وأنهم ضالين في هذا القول، وهم يرددون أن إثبات الصفات يستلزم إبطال التوحيد، ويقولون: يجب علينا أن نثبت التوحيد لله تعالى، ويظنون أن إثبات التوحيد يستلزم نفي الصفات وردها، وقد شرح ذلك -كما قلت- القاضي عبد الجبار شرحاً مستفيضاً في الأصل الأول من الأصول الخمسة وهو التوحيد، وكلامه باطل، فإن الموصوف في الدنيا يوصف بعدة صفات وهو واحد، أي: الإنسان في الدنيا يوصف بأن له يد وعين، وأنه يسمع ويرى، ويذكر له صفات كثيرة متعددة مع أنه واحد، فلا يتصور أن الإله إذا قلنا: إن له صفات وأن له سمع وبصر وعلم وحكمة وإرادة أنه يلزم من كل صفة من هذه الصفات أن تكون إلهاً مستقلاً، هذا خطأ وضلال وانحراف.

    وقد أصابتهم هذه الانحرافات في العقيدة بسبب علاقتهم بالفلاسفة.

    والأدلة على بطلان هذه الشبهة أدلة كثيرة.. من النصوص الشرعية ومن العقل، فأما من النصوص فقد سبق أن بينا أن الله عز وجل أثبت الصفات لنفسه، وهو أعلم بنفسه سبحانه وتعالى ولا يحيطون بعلمه فنسب العلم إليه، ولو كان العلم إلهاً مستقلاً لما نسبه إليه، وكما يقول الله عز وجل: فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ [هود:14]، ويقول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:58]، فأعطى نفسه صفة وهي القوة، والقوة غير العلم، وقال تعالى: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ [الكهف:58]، والرحمة غير القوة وغير العلم، ولا يلزم من هذا تعدد الآلهة كما يقولون، وإنما هو إله واحد، وأصل شبهتهم هو دليل الحدوث كما سبق أن ذكرنا أنهم استدلوا على وجود الله بدليل حدوث الأجسام، وحاولوا أن يثبتوا بدليل الحدوث وجود الله عز وجل، واستخدموا بذلك طريقة عقلية محددة وهي باطلة، فلما استخدموها التزموا بلوازم، كان من هذه اللوازم أن إثبات الصفة يستلزم تعدد الآلهة، فأخذوا هذه الشبهة من هذا الدليل الذي أرادوا به إثبات وجود الله تعالى.

    وكذلك سبق أن بينا أن هذه الشبهة باطلة، والأدلة من القرآن تردها كما ذكر الشيخ قول الله عز وجل: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [البروج:12-16]، فهذه الصفات كلها لإله واحد.

    ويقول الله عز وجل: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى [الأعلى:1-5]، وكل هذه لإله واحد.

    وأما من جهة دليل العقل، فإنه لا يتصور وجود إله بدون صفات، فإذا نفيت جميع الصفات عن الله عز وجل فمن هو الإله.

    فإذا كان الله ليس له سمع -كما يقولون- وليس له بصر وليس له علم وليست له إرادة، فمن هو؟ وهذا إله في الذهن، وليس إلهاً في الواقع، ولهذا يذكر العلماء رحمهم الله ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم يقولون: إن هؤلاء لا يثبتون إلهاً حقيقاً؛ لأنه إذا كان ليس له صفات فليس له وجود في خارج الذهن، وإنما هو إله ذهني في عقولهم فقط، فإن الذهن لا يتصور ذاتاً إلا بصفات، وقد سمى الله سبحانه وتعالى في القرآن -وهذه هي لغة العرب- أشياء كثيرة بأنها واحد مع أن لها صفات متعددة، فيقول الله عز وجل: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا [المدثر:11] ويقصد به رجل من أهل الجاهلية، فسماه وحيداً وسماه واحداً مع أن له صفات متعددة، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم سمى أشياء كثيرةواحداً فقال: (لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد..).

    ولهذا كان من الأمور التي يبحثها المعتزلة أنهم يبحثون هل الصفات غير الموصوف أو هل الصفات غير الذات، أي: هل صفات الله عز وجل غير الله أو أنها هي؟

    والجواب على هذا بسيط جداً؛ لأنه لا يتصور أصلاً وجود إله من دون صفات فلابد أن توجد صفات هذا الإله، فالصفات ليست ذوات مستقلة، وإنما هي صفات متعلقة به، فكل هذه الصفات تدل على معنى واحد وهو الله سبحانه وتعالى.

    عقيدة الأشاعرة في صفات الله

    أما الأشاعرة فإنهم يثبتون أسماء الله تعالى، ويثبتون ما تدل عليه من الصفات إلا الصفات التي لا يثبتونها، فمثلاً: اسم العلي يقولون: إنه يتضمن صفة العلو، لكنهم يؤولون هذه الصفة، ويقولون: إن العلو الذي يتضمنه اسمه العلي هو علو القهر والشرف والمكان، ولا يثبتون علو الذات لله عز وجل، فهم لا يرون أن الله عز وجل مستو على عرشه وعال على خلقه، وكذلك غيرها من الصفات يفرغونها في بعض الأحيان من التوافق، وقد اهتم علماء الأشاعرة في شرح أسماء الله سبحانه وتعالى منهم الغزالي في المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، ومنهم الفخر الرازي في كتابه لوامع البينات في شرح أسماء الله تعالى والصفات، ومنهم البيهقي في الأسماء والصفات، ومنهم الحليمي في المنهاج في شعب الإيمان، وأكثر الأشاعرة الكلامية عندما يذكرون أسماء الله عز وجل فإنهم يفسرونها، فهم ليسوا من المعتزلة، فالمعتزلة يرون أن أسماء الله أعلام محضة لا تتضمن شيئاً من الصفات.

    وأما الأشاعرة فإنهم يقولون: أسماء الله عز وجل تتضمن الصفات، ويعنون بذلك الصفات التي يثبتونها هم، وهي الصفات السبع المشهورة: صفة العلم والقدرة والحياة والإرادة والسمع والبصر والكلام؛ فهذه صفات يثبتونها لله عز وجل، لكن إذا دل اسم من الأسماء على معنى لا يثبتونه بل يؤولونه، ويفرغونه من محتواه.

    الرد على أهل التعطيل القائلين بأن ثبوت الصفات يستلزم تعدد القدماء

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [وبهذا علم ضلال من سلبوا أسماء الله تعالى معانيها من أهل التعطيل وقالوا: إن الله تعالى سميع بلا سمع وبصير بلا بصر وعزيز بلا عزة.. وهكذا، وعللوا ذلك بأن ثبوت الصفات يستلزم تعدد القدماء، وهذه العلة عليلة، بل ميتة؛ لدلالة السمع والعقل على بطلانها].

    والمقصود بالسمع: أدلة القرآن والسنة، وسميت سمعاً؛ لأنها تتلقى عن طريق السماع، وأدلة القرآن والسنة تنقسم إلى قسمين:

    أدلة عقلية تتضمن البراهين العقلية.

    وأدلة خبرية: تتضمن الخبر المجرد عن الله سبحانه وتعالى.

    فأصل قوله (بالسمع)، أي: ما ورد عن الله من الخبر عن صفاته، وأبطل هذه العلة أيضاً بالعقل، والذين عطلوا الصفات يعتبرون أنفسهم أرباب المعقولات، وهم في الحقيقة أرباب الجهالات وليس لهم معقولات، ومعقولاتهم هي الأهواء فقط، فإنهم يأتون إلى النصوص ويحرفون معانيها ويعبثون بها، ثم يظنون أن هذا من العقل وهم في الحقيقة أبعد الناس عن العقل، بل هي أهواء وشهوات نفسية تجعلهم يعبثون بالنصوص، ثم يسمونها معقولات، وإنما أهل العقل هم أهل السنة؛ لأنهم وافقوا النصوص، ولا يمكن أبداً أن يكون هناك خلاف بين العقل والشرع؛ لأن صاحب الشريعة هو الله سبحانه وتعالى، والذي خلق العقل هو الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، فلا يمكن حدوث تضارب بين شرعه وخبره وبين العقل، إلا أن يكون الخبر ضعيفاً، أو يكون العقل باطلاً، فالعقل الصحيح لا يعارض النقل الصحيح الصريح بأي وجه من الوجوه.

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أما السمع: فلأن الله تعالى وصف نفسه بأوصاف كثيرة مع أنه الواحد الأحد، فقال تعالى: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [البروج:12-16].

    وقال تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى [الأعلى:1-5].

    ففي هذه الآيات الكريمة أوصاف كثيرة لموصوف واحد ولم يلزم من ثبوتها تعدد القدماء.

    وأما العقل: فلأن الصفات ليست ذواتاً بائنة من الموصوف حتى يلزم من ثبوتها التعدد].

    معنى قوله: (ليست ذواتاً بائنة أي: ليست منفصلة عن الموصوف، وإنما هي صفات متعلقة بالموصوف، فلا يلزم منها ثبوت التعدد كما يظنون.

    قال المؤلف رحمه الله: [وإنما هي من صفات من اتصف بها فهي قائمة به، وكل موجود فلابد له من تعدد صفاته، ففيه صفة الوجود، وكونه واجب الوجود أو ممكن الوجود وكونه عيناً قائماً بنفسه أو وصفاً في غيره].

    قوله: (واجب الوجود، وممكن الوجود) هي في الأصل ألفاظ فلسفية، أتى بها الفلاسفة وقسموا ما يمكن، أو ما يتخيل أن يوجد إلى ثلاثة أقسام:

    واجب الوجود، وممكن الوجود، ومستحيل الوجود.

    فواجب الوجود: هو الذي لابد أن يكون ويجب أن يوجد، وهو الإله.

    وممكن الوجود: هي المخلوقات، فإن هذه المخلوقات ممكن أن تكون موجودة وممكن ألا تكون موجودة، فقبل مائتين سنة كان بالإمكان ألا نكون وكان بالإمكان أن نكون، فكنا كما أراد الله سبحانه وتعالى، فهذا ما يسمونه ممكن الوجود، أي: أن وجودنا ليس لازماً وإنما هو ممكن وأراده الله عز وجل فكان.

    وأما المستحيل أو ممتنع الوجود: فهو الأمور التي يستحيل وجودها مثل اجتماع النقائض، كاجتماع الحركة والسكون في جسم واحد، فهذا مستحيل، ولا يمكن أن توجد حركة وسكون في جسم واحد، وهذا ما يسمونه ممتنع الوجود، ولهذا ذكرها الشيخ على أنها من الصفات.

    الدهر ليس من أسماء الله تعالى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [وبهذا أيضاً علم أن الدهر ليس من أسماء الله تعالى؛ لأنه اسم جامد لا يتضمن معنى يلحقه بالأسماء الحسنى، ولأنه اسم للوقت والزمن، قال الله تعالى عن منكري البعث: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24]، يريدون مرور الليالي والأيام.

    فأما قوله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار) فلا يدل على أن الدهر من أسماء الله تعالى؛ وذلك أن الذين يسبون الدهر إنما يريدون الزمان الذي هو محل الحوادث لا يريدون الله تعالى، فيكون معنى قوله: (وأنا الدهر) ما فسره بقوله: (بيدي الأمر أقلب الليل والنهار)، فهو سبحانه خالق الدهر وما فيه، وقد بين أنه يقلب الليل والنهار، وهما الدهر ولا يمكن أن يكون المقلِّب بكسر اللام هو المقلَّب بفتحها، وبهذا تبين أنه يمتنع أن يكون الدهر في هذا الحديث مراداً به الله تعالى].

    أي: أن الدهر ليس اسماً من أسماء الله تعالى؛ فلابد أن تكون أسماؤه حسنى وأن تتضمن معان جليلة، والدهر ليس اسماً حسناً؛ لأنه -كما ذكر الشيخ- اسم للوقت والزمان، واسم لمرور الليالي والأيام، وليس فيه معنى حسناً، ولهذا فالله عز وجل يقول عن منكري البعث: وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:24] يعني: لا يهلكنا إلا مرور الأيام، فلم ينسبوا الهلاك إلى الله تعالى.

    وأما ما يروى عن الله تعالى في الحديث القدسي أنه قال: (يؤذيني ابن آدم: يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار)، فليس المقصود بقوله: (وأنا الدهر) أن اسمه الدهر؛ لأن الذين يسبون الدهر في الأصل لا يريدون سب الله سبحانه وتعالى، وإنما يريدون سب الأيام والليالي النحسات التي مرت عليهم، وقوله: (وأنا الدهر) يعني: أنه سبحانه وتعالى لما خلق الأيام والليالي وهو سبحانه وتعالى مبنيها ومدبرها سبحانه وتعالى قال: (وأنا الدهر)، ثم فسر ذلك بقوله: (أقلب الليل والنهار)، وسيأتي معنا إن شاء الله جملة من النصوص الشرعية التي استغلها أهل التأويل لمحاولة زعزعة العقيدة الصحيحة وإشغال الناس بهذه النصوص، وسيأتي تفسيرها بإذن الله تعالى.

    وهذه القاعدة كان مصدر المصنف فيها هو كتاب التنبيهات السنية في شرح العقيدة الواسطية للشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد ، فقد ذكر هذه القاعدة بنفس الطريقة التي ذكرها.

    دلالة أسماء الله تعالى على إثبات الاسم والصفة والأثر

    وخلاصة هذه القاعدة هي: أن أسماء الله عز وجل تدل على ثلاثة أمور:

    الأول: إثبات الاسم لله سبحانه وتعالى.

    الثاني: إثبات ما تضمنه من الصفة لله سبحانه وتعالى.

    الثالث: إثبات أثرها ومقتضاها الذي يحصل للناس.

    ومن الأشياء اللطيفة التي ذكرها الشيخ محمد بن عثيمين حفظه الله أن أهل العلم أخذوا حكماً فقهياً من أسماء الله وصفاته، وهذا يدل على أن أسماء الله وصفاته لها آثار على الناس، فمثلاً قول الله عز وجل في قطاع الطرق: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:34]، فقوله: فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، يعني: إن وجدتموهم بعد أن تابوا فإن هذا يسقط عنهم الحد، وأن الله عز وجل قد غفر ذنوبهم وأسقط عنهم الحد.

    والمصنف ذكر أن أسماء الله عز وجل تدل على معان وهي الصفات، ثم ذكر أن الصفات تنقسم إلى قسمين:

    صفات متعدية.

    وصفات غير متعدية.

    ثم قال: إن الصفات المتعدية إذا أُخذت من الأسماء فإن هذه الأسماء تدل على ثلاثة أشياء سابقة الذكر.

    وأما الصفات غير المتعدية إذا أخذت من الأسماء فإنها تدل على أمرين فقط: وهو ثبوت الاسم وثبوت الصفة فقط.

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أسماء الله تعالى إن دلت على وصف متعد تضمنت ثلاثة أمور:

    أحدها: ثبوت ذلك الاسم لله عز وجل.

    الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنها لله عز وجل.

    الثالث: ثبوت حكمها ومقتضاها.

    ولهذا استدل أهل العلم على سقوط الحد عن قطاع الطريق بالتوبة؛ استدلوا على ذلك بقوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:34]؛ لأن مقتضى هذين الاسمين أن يكون الله تعالى قد غفر لهم ذنوبهم ورحمهم بإسقاط الحد عنهم.

    مثال ذلك: السميع يتضمن إثبات السميع اسماً لله تعالى، وإثبات السمع صفة له، وإثبات حكم ذلك ومقتضاه، وهو أنه يسمع السر والنجوى، كما قال تعالى: وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة:1].

    وإن دلت على وصف غير متعد تضمنت أمرين:

    أحدهما: ثبوت ذلك الاسم لله عز وجل.

    الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنتها لله عز وجل.

    مثال ذلك: الحي يتضمن إثبات الحي اسماً لله عز وجل، وإثبات الحياة صفة له].

    يلاحظ الآن من كلام الشيخ أنه يقسم أسماء الله عز وجل إلى قسمين:

    قسم يتضمن معان متعدية.

    وقسم يتضمن معان غير متعدية.

    فالمتعدية يكون لها آثار على المخلوقين، فيقول: الأسماء التي لها آثار على المخلوقين وهي المتعدية، تتضمن ثلاثة أمور: إثبات الاسم، وإثبات الصفة، وإثبات الأثر المتعدي على المخلوقين.

    وأما الأسماء التي تتضمن معان غير متعدية فلا يؤخذ منها إلا أمرين:

    الأمر الأول: إثبات الاسم.

    والأمر الثاني: إثبات الصفة المأخوذة من هذا الاسم فقط.

    وأقول: الصحيح هو أن أسماء الله سبحانه وتعالى المتعدية وغير المتعدية تدل على ثلاثة أمور فكل أسماء الله عز وجل تدل على إثبات الاسم لله، وتدل على إثبات الصفة، وتدل على الآثار، فإنه لا يوجد اسم من أسماء الله تعالى ليس له آثار على الناس، بل كلها لها آثار، وسيأتي معنا إن شاء الله أن الصفات وبالذات الأفعال تنقسم إلى قسمين: أفعال لازمة وأفعال متعدية، فمثل الفعل اللازم الاستواء والرضا والغضب ونحو ذلك من الأفعال اللازمة، وأما الأفعال المتعدية، فهي أفعال الربوبية، مثل: الخلق والرزق والإحياء والإماتة ونحو ذلك، لكن الأسماء عموماً لابد أن يكون لها آثار، وآثارها إما أن تكون آثاراً كونية وإما أن تكون آثاراً إيمانية.

    فمثلاً: اسم الخالق يؤخذ منه إثبات اسم الله الخالق ويؤخذ منه إثبات صفة الخلق لله تعالى، ويؤخذ منه إثبات أن الله سبحانه وتعالى هو خالق هذه المخلوقات الموجودة، فله أثر من آثار الفعل، ومن آثار الصفة، ومن آثار الاسم.

    وأما اسمه الحي الذي ذكر الشيخ أنه يدل على أمرين فإن له أثراً؛ وهو أثر إيماني وجداني، وكل أسماء الله لابد أن يكون لها أثر إيماني وسلوكي على الإنسان، ويدل على ذلك فعل من الأفعال اللازمة التي تأثر بها أحد الصحابة رضوان الله عليهم أثراً كبيراً وهي صفة الضحك، فقد سمع لقيط بن صبرة رسول صلى الله عليه وسلم يقول: (يضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، فقال: يا رسول الله! أويضحك الرب؟ قال: نعم، قال: لن نعدم من رب يضحك خيراً) فاستفاد من هذه الصفة -وهي صفة لازمة غير متعدية- أثراً متعدياً لنفسه، ولهذا كل أسماء الله عز وجل سيكون لها تأثير في النفوس، تأثير إيماني وتأثير كوني في بعض الأحيان، فينبغي الاهتمام بهذه القضية، ولهذا يجتمع في آثار أسماء الله سبحانه وتعالى المسلكان اللذان سبق أن ذكرتهما في الدرس الماضي، فمن مسالك السلف رضوان الله عليهم في العقيدة مسلك التصحيح ومسلك التعميم، فمسلك التصحيح يكون بالتالي:

    أولاً: إثبات الأسماء، خلافاً للجهمية الذين ينفونها.

    وثانياً: إثبات الصفات، خلافاً للمعتزلة والأشاعرة الذين ينفونها.

    وثالثاً: إثبات أثرها في النفس، وهذه هي الفائدة السلوكية والأخلاقية والتربوية التي تستفاد من أسماء الله سبحانه وتعالى، ولهذا ينبغي ملاحظة هذا الأمر والانتفاع به.

    1.   

    قاعدة: دلالة أسماء الله على ذاته وصفاته تكون بالمطابقة وبالتضمن وبالالتزام

    القاعدة الرابعة هي أوجه دلالة أسماء الله سبحانه وتعالى.

    فالدلالة لها ثلاثة أنواع:

    النوع الأول: دلالة المطابقة.

    والنوع الثاني: دلالة التضمن.

    والنوع الثالث: دلالة الالتزام.

    فأما دلالة المطابقة: فهي دلالة اللفظ على تمام وكمال معناه الذي وضع له، مثل: دلالة البيت على الجدران والسقف، فإذا قلنا: بيت فإنه يدل على وجود الجدران والسقف.

    ودلالة التضمن: هو دلالة اللفظ على جزء معناه الذي وضع له، كما لو قلنا: البيت وأردنا السقف فقط، أو قلنا: البيت وأردنا الجدار فقط، فإذا أردنا واحداً منهما فهذا يسمونه المتضمن، يعني: فرداً واحداً من أفراد المعنى الآخر.

    ودلالة الالتزام: هي دلالة اللفظ على معنى خارج اللفظ يلزم منه هذا اللفظ.

    فإذا قلنا: كلمة السقف مثلاً، فالسقف لا يدخل فيه الحائط فإن الحائط شيء والسقف شيء آخر، لكنه يلزم منه؛ لأنه يتصور وجود سقف لا حائط له يحمله، فهذه هي دلالة الالتزام أو اللزوم.

    يمكن أن نستفيد من هذه الدلالات الثلاث في فهم أي لفظ من الألفاظ سواء كانت ألفاظ شرعية أو ألفاظ لغوية، أو أياً من الألفاظ.

    ومن هذه الألفاظ: الألفاظ الشرعية فإنها تارة تدل على معنى، وتارة تدل على جزء من معنى، وتارة تدل على أمر خارج المعنى، لكنه لا يكمله، ومن ذلك أسماء الله تعالى، فإن أسماء الله عز وجل ينطبق عليها هذه الدلالات الثلاث.

    مثال ذلك: الخالق -كما ذكر الشيخ- فإنه يدل على ذات الله سبحانه وتعالى وعلى صفة الخلق بدلالة المطابقة؛ لأنه إذا قلنا: خالق فنفهم من هذا ذاتاً وهي الله سبحانه وتعالى، فهذه دلالة المطابقة، وهذا هو المعنى الشامل لكلمة الخالق.

    ويمكن أن نأخذ دلالة التضمن من اسمه الخالق وهي صفة الخلق، فعندما يقول لك إنسان: اثبت صفة الخلق لله تعالى، فتقول: إن الخالق اسم من أسمائه، فيقول: بأي دلالة أثبتها، فنقول له: بدلالة التضمن؛ لأنه يتضمن معنى واحداً من معاني أخرى، والمعنى الثاني هو ذات الله سبحانه وتعالى.

    وأما دلالة اللزوم أو الامتناع فهو أن اسم الله الخالق يدل على صفة العلم والقدرة، فإنه لا يتصور خلق بغير علم وقدرة، فلابد أن يكون هناك علم وقدرة، لكن العلم والقدرة ليست مأخوذة من لفظ الخالق أو من الصفة، وإنما أخذت من معنى يلزم من معنى الخالق، وهذه هي دلالة الالتزام، وقد ذكر الشيخ في هذه القاعدة: أن لازم قول الله وقول رسوله حق، ثم استطرد بعد ذلك وذكر لازم القول عموماً في كلام الناس، هل لازم القول قول لصاحبه أو أنه ليس بقول لصاحبه.

    ويمكن أن نذكر كلام ابن القيم رحمه الله عن هذه الدلالات في النونية، يقول رحمه الله:

    ودلالة الأسماء أنواع ثلا ث كلها معلومة ببيان

    دلت مطابقة كذاك تضمناً وكذا التزاما واضح البرهان

    أما مطابقة الدلالة فهي أن الاسم يفهم منه مفهومان

    ذات الإله وذلك الوصف الذي يشتق منه الاسم بالميزان

    يعني: يفهم منه معنيان: دلالة المطابقة، وهي ذات الإله، والمعنى الذي هو صفة من صفات الله تعالى.

    وهو الوصف الذي يشتق منه الاسم بالميزان.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756017650