إسلام ويب

كيف وأين يتربى الرجال؟ [2]للشيخ : عبد الله الجلالي

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    ذكر كلمة (رجال) في القرآن الكريم

    السؤال: ذكرتم أن كلمة (رجال) لم ترد في القرآن إلا ثلاث مرات! وذكرتم الآيات، مع العلم بوجود آيات أخرى مثل قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34]، وقوله تعالى أيضاً: رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب:23]، وغيرها من الآيات! فما تعليقكم؟

    الجواب: أحسنت! أولاً: آية: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ المقصود بالرجال هنا: الذكور، وإن كانت تعطي المعنى الآخر أيضاً؛ لأن الرجل الصحيح هو الذي لا يسلم القوامة لغيره، فأنا نسيت ذكرها.

    وأما الآية الثانية: مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب:23]، فقد ذكرتها، وهي الآية الثالثة، وأنا أتراجع عن قولي: إن كلمة (رجال) لم تذكر إلا ثلاث مرات في القرآن، وقد كنت لا أتذكر غيرها.

    وعلى كل إذا كان قد وردت في القرآن كلمة (رجال) في غير هذه المواضع، أو في الحديث، فهي لا تدل إلا على نوع من الرجال الذين أخذوا هذه الصفة واستغرقوا ما فيها من معنى؛ لأن (أل) في كلمة (الرجال) للاستغراق. وكلمة (رجال) في تلك المواضع الثلاثة في القرآن المراد بها الذين استكملوا صفات الرجال، ولم يكتفوا بالذكورية التي تفرق بين الرجل والمرأة فقط.

    1.   

    معنى قوله تعالى: (الله نور السماوات والأرض)

    السؤال: ألم يرد في تفسير قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ َالأَرْضِ [النور:35] أي: هادي السماوات والأرض؟

    الجواب: هناك تفاسير كثيرة، وفي بعض القراءات: (الله نَوَّرَ السماوات والأرض)، ولا أمانع أن يكون المراد به نور الله عز وجل حقيقة، لكن ما تنور به هو موضع الإشكال، مع أن القاعدة: أن الضمير يعود إلى أقرب مذكور؛ فيكون النور الثاني هو النور الأول، الأول هو: (الله نور السماوات) والثاني هو: (مثل نوره) فالأولى أن يكون قوله: (مثل نوره) يرجع إلى النور الأول لوجود الضمير، والنور الأول يصلح أن يكون لله عز وجل، بمعنى أنه اسم من أسماء الله؛ لأن من أسماء الله عز وجل النور، والثانية لا تصلح؛ لأن فيها تشبيه، والتشبيه لا يليق بجلال الله.

    وأما قراءة: (الله نَوَّرَ السموات والأرض)، فهي تؤيد أن المراد بالنور: النور المخلوق لا النور الذي هو اسم من أسماء الله عز وجل؛ لأن الله تعالى نورها بهذه الأشياء المضيئة.

    وعلى كل حال فالمعنيان ذكرهما المفسرون، لكن قوله الله تعالى: (مَثَلُ نُورِهِ) ذكر فيه التشبيه، وقد أشارت إليه الآية الثانية: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ [النور:36] وبجمع الآية الثانية بالآية الأولى يلزم أن يكون المراد نور الإيمان؛ لأن نور الإيمان يكون في بيوت أذن الله أن ترفع.

    1.   

    صون المساجد عما لا يليق بها من أمور الدنيا

    السؤال: كثر الحديث في أمور الدنيا في المساجد، فما توجيهكم؟

    الجواب: هذا من الخطأ، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المساجد: أنها لا تصلح لشيء من ذلك، إنما هي لذكر الله والصلاة والتسبيح، ونحو ذلك، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن من علامات الساعة أن ترتفع الأصوات في المساجد، وإذا كانت المساجد موضع حديث الناس في أخذهم، وعطائهم، ومصالحهم، وبيعهم، وشرائهم؛ فإن هذا من الخطأ، ويجب أن تصان المساجد عن كل ما لا يليق بها، كالحديث في أمور الدنيا، ويجب أن تكون كما قال الله عز وجل: يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ [النور:36-37]، يجب أن تكون المساجد للعبادة، لكن يجب أن تكون المساجد منطلقاً للحياة، بشرط ألا تكون للبيع وللشراء، ولأمور الدنيا.

    وكما ذكرنا أن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مركزاً عسكرياً يدرب فيه الرجال، وكان أيضاً سجنٌ، وكان أيضاً مأوىً لفقراء المسلمين، وكان أيضاً مكاناً لحل كل مشاكل المسلمين، وكان أيضاً مركزاً لحكم الأمة الإسلامية، فقد كان مركز الرسول الله صلى الله عليه وسلم هو المسجد؛ ولذلك فإن العلماء يقولون: يجب أن تصان المساجد من كل ما يشينها، فلا تنشد فيها الأشعار، ولا تنشد فيها الضالة، والرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا إذا وجدنا أحداً ينشد ضالته في المسجد أن نقول له: (لا ردها الله عليك).

    وأيضاً: يمنع الصبيان الذين لا يتورعون من احترام المساجد من دخولها، كما ورد في الأثر: جنبوا صبيانكم مساجدكم، والمقصود بالصبيان هنا من هم دون التمييز ممن لم يؤمروا بالصلاة، خصوصاً أن الصبي لا يتنزه من نجاسة، ولا يعرف حقيقة النجاسة.

    واختلف العلماء هل النوم في المسجد يتنافى مع قوله تعالى: أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ [النور:36]؟ وهناك أدلة تدل على أن النوم في المسجد لا بأس به، كما كان أهل الصفة ليس لهم مكان إلا المسجد، وهناك من يمنع إلا في حال الضرورة والحاجة.

    1.   

    أحوال المجاهدين في أفغانستان والمصادر الموثوقة لتلقي الأخبار

    السؤال: ما هي المصادر التي نستقي منها الأخبار عن أفغانستان، خاصة ونحن لا نثق ببعض وسائل الإعلام؟

    وما هي أوضاع المسلمين في أفغانستان في هذا الوقت؟ حبذا أن تتحدث عن بعض كراماتهم، وبعض ما شاهدت هناك؟

    الجواب: أولاً: إعلام العالم الإسلامي كله يلام؛ لأنه لم يعط أفغانستان ما تستحق، فإننا نرى أموراً تافهة توضع لها صفحات خاصة، وصفحات أخرى للفن وغيره، وتصل أخبار العالم والسلفادور إلى الناس في كل يوم، لكن أخبار أفغانستان أصبح كثير من المسلمين لا يرى منها إلا القليل، وأخبار مختصرة وفي زوايا خاصة، وهذا خطأ، حيث لم يعط إخواننا الأفغان ما يستحقون من عناية وتعظيم.

    أما بالنسبة للمصادر التي نعتمد عليها في نقل أخبار إخواننا في أفغانستان فتكاد أن تنحصر في مصدرين:

    المصدر الأول: المجلات التي يصدرونها هم، وقد بلغت الآن سبع أو ثمان مجلات والحمد لله، وكلها منتشرة في العالم الإسلامي، وتنقل الأحداث بالخبر وبالصورة إلى غير ذلك.

    المصدر الثاني: الإخوة القادمون من هناك، فإنهم ينقلون الأخبار طرية، وهذا -والحمد لله- يتكرر دائماً وباستمرار.

    وعلى كل حال فإن قضية أفغانستان قضية كبيرة، وسيعلم الناس نبأها بعد حين! بل قد رأى كثير من الناس آثارها، فلقد أحدثت خللاً في صفوف العدو وفي أنظمتهم وفي أوضاعهم، إخواننا الذين يسكنون في داخل روسيا يبلغون خمسين مليوناً من المسلمين! لم يفكروا أن يأخذوا حريتهم إلا في هذه الأيام، وقد أُعطوا شيئاً من الحرية خوفاً من أن يتحركوا كما تحرك الإخوة الأفغان! لا سيما وأن الحدود إليهم مفتوحة، ولنا إخوة يبلغون مائة مليون في الصين الشعبية، كانوا محرومين من بناء المساجد والمدارس، وما كان لهم أي وزن في هذا العالم، ولم يكن أحد يطالب بحقوقهم، والآن -والحمد لله- بدءوا يبنون المساجد، ويفتحون المداس، ويأخذون شيئاً من حريتهم وإن كان شيئاً قليلاً.

    أيضاً: ما حدث في فلسطين يعتبر ثمرة ونتيجة مما حدث في أفغانستان.

    ومن المبشرات أيضاً: أنه من المتوقع حدوث ما هو أكبر من ذلك في إريتريا التي مضت عليها مدة من الزمن في وضع لا تحسد عليه، والجبهات المنحرفة تفعل الأفاعيل في الإريتريين أكبر مما كان يتوقع الإريتريون أن تفعله بهم أثيوبيا الكافرة!

    وعموماً: فإن قضية أفغانستان لها آثار طيبة إن شاء الله، وستكون الثمرة قيام دولة إسلامية على الجهاد في سبيل الله، يتفيأ ظلالها كل فرد من المسلمين المستضعفين، وكما يلجئون إلى بلادنا هذه الآمنة المطمئنة -ولله الحمد- سوف يلجئون إلى تلك البلاد التي تقوم على الجهاد في سبيل الله.

    أما الكرامات فأنا لا أريد أن يعتمد الناس عليها، فالمسلم يجب عليه أن يدخل ساحة الجهاد وهو يعرف أنه سيواجه عدواً قد أملى الله سبحانه وتعالى له، وأعطاه من القوة المادية ما قد يفتك به وبغيره -وإن كنا لا ننكر الكرامات- فالكرامات ربما تزيد في مثل هذه الفترة التي طغت فيها المادية، وقلت فيها الروحانية، والكرامات موجودة، لكنا لا نريد استعراض الكرامات التي ذكرها المجاهدون، وألفوا فيها كتباً أو ترد في مجلات المجاهدين، إنما سأذكر لكم كرامة واحدة، وكلكم ترونها وأنتم هنا، وهي أن عدداً قليلاً في عدده وفي سلاحه وفي مستواه الثقافي -بل في كل مستوياته- استطاع أن يدوخ أكبر أمة في التاريخ المعاصر يبلغ سكانها ثلاثمائة مليون لا تصنع إلا آلات الدمار ووسائل القتال!! ولقد رأيت العدو بعيني في ذلك المكان يظهر أنه في الليل مستيقظ يخشى أن يداهمه المجاهدون، فكانت طلقات النار لا تهدأ دقيقة واحدة، فلما سألنا: ما هو السر في ذلك؟ قالوا: يثبتون أنهم صاحون حتى لا يهجم عليهم المجاهدون في سبيل الله، وهذه نعتبرها أكبر كرامة في الحقيقة؛ فمتى كان هذا العدد القليل يفكر أنه سيقضي على أكبر قوة عاتية في الأرض، ما تركت وسيلة من وسائل الدمار إلا واستعملتها في أفغانستان، حتى أنهم استخدموا أسلحة لم يستخدموها في الحروب العالمية، هناك الكمندوز الذين رباهم الروس من أبناء الزنا واللقطاء لم يستعملوهم في الحرب العالمية، واستعملوهم في حرب أفغانستان! وهم قوم كالوحوش لا يعرفون أسرة، ولا يعرفون أباً، ولا أماً، ولا زوجة، ولا أطفالاً، أبوهم الدولة، وقد تربوا على الدماء، ودربوا سنين طويلة على أفتك أنواع الأسلحة، ومع ذلك -والحمد لله- أطاح بهم المجاهدون من أبناء العرب والمسلمين الذي عاشوا هنا وهناك.

    فهذه تعتبر أكبر كرامة أن تُستذل هذه الدولة التي تزعم زعامة العالم في مثل هذه الأيام، ثم تضعف أمام هذا العدد القليل من هؤلاء الرجال الذي يفقدون أبسط أنواع الأسلحة، والله المستعان!

    1.   

    الجهاد في أفغانستان ليس قائماً على المصالح

    السؤال: هناك من يقول: إن الجهاد الأفغاني قائم على مصالح، وليس قائماً على الجهاد الإسلامي! ويذكر بعض الإخوة أنه يوجد فئات متشددة في أفغانستان كما تزعم بعض وسائل الإعلام، ومنهم المعتدل، فما رأيكم في ذلك؟

    الجواب: أولاً: كلمة (مصالح) من يفكر أن في جبال أفغانستان مصالح؟ حتى روسيا حينما تفكر بأفغانستان لا تريد مصالح، وإنما تريد أن تتخذ من أفغانستان جسراً تعبر به إلى الباكستان، ثم تتخذ الباكستان جسراً آخر، وتعبر به لا إلى المياه الدافئة كما يقول بعض المحللين؛ لأن المياه الدافئة ليست هدفاً، الهدف هي هذه المقدسات التي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحميها ويحفظها، والله تعالى كشف هذه المؤامرة فقال: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217]، وقال: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120].

    إذاً: ليس هناك مصالح في أفغانستان، لا للمجاهدين ولا لغير المجاهدين، فهي أرض قاحلة.. صحراء.. جبال موحشة مخيفة! ليس فيها أي شيء من هذه المصالح، وإنما هو الجهاد في سبيل الله، ومنذ أمد بعيد، منذ أن انتهت الخلافة الإسلامية إلى يومنا هذا، ما سمعت مثلهم في أفغانستان! ولو كانت القضية قضية مصالح فلماذا يأتي رجل من بلاد المغرب ويقطع آلاف الأميال ليذهب إلى أفغانستان، وكذلك من الدول الأخرى مثل دول الخليج وغيرها من دول الرخاء؟ فليست المصالح موجودة هناك، بل إنهم يتركون المصالح ويذهبون إلى هناك، فترى الشباب يتسابقون إلى الشهادة.

    وبالنسبة للأفغان أنفسهم فليست لهم مصالح، ولو أرادوا أن يعيشوا في باكستان أو في أي دولة إسلامية لعاشوا مرفوعي الرءوس؛ لأن أكثرهم عندهم إمكانات ثقافية تؤهلهم للعيش كما يعيش سائر الناس.

    إذاً: ليس هناك مصالح سوى السعي لرضا الله عز وجل، وكسب الشهادة، وإقامة الدولة الإسلامية، وليست هناك مصلحة أخرى، ومن ظن غير ذلك فإما أن يكون جاهلاً أو هو عدو للإسلام!!

    أما بالنسبة لوجود أطراف مختلفة، فنعم! هناك أطراف مختلفة، فهناك السلفيون في الدرجة الأولى، وهناك أناس لا نرضى عن شيء من سلوكهم بالنسبة للعقيدة، وهناك أناس كثيرون معتدلون.

    وعلى كل حال: فإن كل هذه الأطراف لا تتهم أبداً، فكلها تسعى لتحارب كفراً وإلحاداً؛ لأن العدو المشترك يقول: لا إله والحياة مادة، وما دام العدو بهذا المستوى فنحن نتغافل عن بعض الأشياء ولا ننساها ونتركها، ولكن نقول: لربما تستقر الدولة الإسلامية -إن شاء الله تعالى- فيتفقد كل إنسان أحواله، وإن كنا نتمنى أن يبدأ السير من أول نقطة على منهج كتاب الله وسنة رسوله، لكن هذا هو ما نرجوه فيما بينهم.

    1.   

    واجب المسلمين تجاه إخوانهم في فلسطين

    السؤال: ما واجبنا تجاه إخواننا المسلمين في فلسطين؟ ونرجو أن تحدثنا عن جهادهم بشكل مختصر؟

    الجواب: في الحقيقية: ليست كابل بأحب إلينا من القدس! ولا أحد ينكر ذلك، وقد يظن البعض حينما نكثر الكلام عن أفغانستان ولا نتحدث عن القدس أن عندنا شيئاً من التحيز.

    والواقع أن ما حدث في أفغانستان شد انتباه الناس، وما حدث في فلسطين في السنين الأخيرة، هو ثمرة من ثمرات الجهاد الأفغاني فلا أحد ينكر ذلك، والجهاد الذي قام الآن في إريتريا هو ثمرة من ثمرات الجهاد في أفغانستان، وستكون هناك ثمار كثيرة إن شاء الله.

    الجهاد الفلسطيني جهاد مقدس، ويجب أن يكون له موقع عظيم في قلوبنا قبل أي مكان آخر؛ لأن هذه هي الأرض التي بارك الله عز وجل فيها، وهي مهبط الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن لما كان إخواننا الفلسطينيون لا يملكون القاعدة والمنطلق، ولا يستطيعون أن يحملوا السلاح بحرية كاملة، فلا ندري كيف يستطيعون قتال عدوهم بالحجارة، والعدو يملك أكبر وسائل الدمار والحرب!

    لكنا نرجو من الله سبحانه وتعالى أن يفيق إخوانهم المسلمون المجاورون لهم، فيعطوهم المكان والمنطلق؛ ليفعلوا كما فعل إخواننا في أفغانستان.

    1.   

    الجهاد في إرتيريا

    السؤال: ماذا عن الجهاد في إريتريا، نرجو أن تحدثنا عن بوادر هذا الجهاد، وعن منطلقه الإسلامي؟

    الجواب: في الواقع أن إريتريا بالرغم من قربها منا، إلا أننا نجهل كثيراً من أوضاعها، والذي أعرفه -فقط- عن إريتريا: أنها دولة صغيرة، ضعيفة، هزيلة، استضعفتها أثيوبيا فاستولت عليها لتكون وسيلة لوصولها إلى البحر الأحمر! ومنذ قرابة ثلاثين عاماً وهي تعيش تحت الحكم الإثيوبي والاستعمار الكافر، نام المسلمون وتركوا هذا الأمر مدة طويلة من الزمن! فقام مجموعة من النصارى وغيرهم من أشباههم، وكونوا ما يسمى بالجبهة الشعبية، والجبهة الشعبية نسمع عنها أخباراً لا تسر الصديق.

    وكانت هناك دول ساهمت في ذلك كإريتريا والعراق وغيرها من الدول التي أرسلت جماعات، وما ندري ما نقول عن هذه الجماعات، المهم أن علماء المسلمين من إريتريا والصالحين والأتقياء تنبهوا إلى أن قضية إريتريا لا يحلها إلا الإسلام، ولا يقضي على العدو إلا الإسلام، فعلمت أخيراً أن علماء المسلمين تجمعوا في بعض البلاد المجاورة هناك -كالسودان وغيرها- وقد بدءوا يفكرون في إعلان الجهاد في سبيل الله، وهم الآن يستأذنون من الدول التي يعيشون فيها لتسمح لهم بالجهاد في سبيل الله، ولو قام الجهاد في سبيل الله لحلت المشكلة إن شاء الله.

    1.   

    التوفيق بين التربية داخل المسجد واحتياجات العصر

    السؤال: كيف تكون التربية داخل المسجد؟ وهل هي في حضور الجماعات أم ماذا؟ وكيف يكون ذلك والعالم الإسلامي يحتاج الآن إلى معارف وعلوم شتى لا يمكن أن تكون داخل المسجد؟ وأنتم قد ذكرتم أن السلف تربوا داخل المسجد ونشروا الإسلام من داخل المسجد؟

    الجواب: المسجد من أوله إلى آخره مركز تربية؛ ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا بأن نختار السن المناسبة لتربية الطفل، وهي التي ذكر علماء التربية أنها من سن السابعة، فنأمره بالصلاة، ومعنى ذلك أننا نذهب به إلى المسجد ليتربى هناك، والمسجد سواء كان في حضور صلاة الجماعة، أو في اللقاء بالصالحين، أو في تلاوة وتعلم القرآن، أو في التسبيح ومعرفة عظمة الله سبحانه وتعالى، أو في حلق الذكر ومجالس العلم، فهذا كله يعتبر تربية.

    ونحن حينما نتحدث عن التربية في المسجد لا نريد أن نحصر العلوم كلها في المسجد، وإن كنا نتمنى أن يكون المسجد منطلقاً لكل علوم الإسلام وعلوم الدين والدنيا، لكنا نقول في أيامنا الحاضرة: لا يلزم أن يكون المسجد وحده هو المنطلق، بل يجب أن يكون هو المنطلق الأول! ونحن لا نقول للناس: ابقوا في المسجد، واتركوا طلب العلم، والكسب، والتحصيل، ولكنا نقول: خذوا من المسجد بالنصيب الأكبر، ونافسوا الناس على أمور الدنيا بحدود، وادخلوا الكليات العلمية: كالطب، والهندسة، وغير ذلك، لكن يجب أن تكون قلوبكم معلقة بالمساجد دائماً، واحذروا أن تضيعوا صلاة من الصلوات الخمس في المسجد؛ لتكون تربيتكم مرتبطة بهذا المسجد، أما أن نقول للناس: يجب أن تكون الجامعات والكليات كلها داخل المساجد، فهذا لا يلزم، وإنما الذي يلزم هو أن يكون للمسجد أوفر نصيب، أما في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كانت هناك دور للعلم سوى المساجد، فكان المسجد يؤدي الدور الكامل، سواء من ناحية التربية العسكرية، أو التربية الدينية، أو ما أشبه ذلك.

    المهم! أن المسجد له دور عظيم، ودوره ما زال باقياً، وسيبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وذلك لا يمنع أن يساهم الإنسان في أي جانب من جوانب الحياة الأخرى.

    1.   

    خطر انتشار اللهجة العامية وترك اللغة العربية

    السؤال: زادت في العشرين السنة الماضية الكتابة والنشر في الصحف والمجلات العامة وغيرها باللهجة العامية في المملكة، واليوم يعقد لها ندوات ومحاضرات، فما أثر هذا على الإسلام؟

    الجواب: هذا خطير على الإسلام؛ لأن محاربة اللغة العربية تعتبر محاربة للإسلام، واللغة العربية هي لغة القرآن، ولغة الرسول صلى الله عليه وسلم والعرب الذين بلغوا دعوة الإسلام إلى العالم؛ لأن الله تعالى يقول: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم:4]، وطالب الله عز وجل العرب -بصفة خاصة- والمسلمين -بصفة عامة- أن يبلغوا دعوة الإسلام، وأعداء الإسلام الذين يطعنون في الإسلام لا يتركون جانباً من جوانب حرب الإسلام إلا ويتطرقون له، ويأخذون منه بنصيب، فكان من أهم الجوانب التي دعوا إليها الشعر الحر! والدعوة إلى العامية، وما أشبه ذلك.

    وليس عجيباً أن تعقد لها مؤتمرات وندوات، والشعر الحر يجد رواجاً، ويحمل رموزاً تنذر بخطر، فإن خلال الرماد وميض نار، وعلى هذا أقول: إن محاربة اللغة العربية يعتبر محاربة للإسلام، وإن الدعوة إلى العامية تعتبر محاربة للغة العربية، والله المستعان.

    1.   

    دين الإسلام شامل لجميع جوانب الحياة

    السؤال: ما هو الرد على هذا التساؤل: المتدينون في أغلبهم درجوا على جعل الإسلام عاماً لجميع جوانب الحياة والحضارة، وهذا أدى إلى الطعن في الإسلام من قبل الكفار والمنافقين ؟

    الجواب: دين الإسلام دين عالمي، ومنهجه منهج حياة متكاملة، يقول الله عز وجل: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]، وقال تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89].

    ولذلك فإن دين الإسلام دين عالمي.. حضاري، فيه: منهج حياة، واقتصاد، وسياسة، وأخلاق، واجتماع، إلى غير ذلك، فقد ربى أمة فهمت هذا كله من الإسلام، ثم درج المسلمون على ذلك مدة طويلة من الزمن، ويعتبرون الإسلام هو مصدر الحضارة، والقرآن هو مصدر الرقي والتقدم، ولم يطرقوا جانباً من جوانب الحياة إلا بهدي من كتاب الله عز وجل، والله تعالى يقول: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] أي: للطريقة التي فيها سعادة الدنيا والآخرة.

    هذا فهم المسلمين في القديم وفي الحديث، ثم أراد أعداء الإسلام أن يطعنوا في الإسلام ويفصلوا الإسلام عن الحياة، وجاءوا بما يسمونه بالعلمانية التي يقولون فيها: ما لله لله وما لقيصر لقيصر! هذه كلمة قيلت قبل الإسلام، لكنها لا تصلح للإسلام؛ لأن الإسلام منهج حياة متكاملة، يقول الله تعالى: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة:284]، فليس هناك شيء لله وشيء لقيصر، بل الأمر كله لله عز وجل، لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ، وعلى هذا نقول: إن الدعوى التي تزعم أن توسيع مسئولية الإسلام هي التي سببت الطعن في الإسلام أو الخروج عن الإسلام باعتبار أنه تعدى الحدود! دعوى خاطئة.

    نقول: لا، فهذه كلها في حدود الإسلام، والله عز وجل هو الذي شرع الشرائع، وهو الذي سن القوانين والأنظمة، وسأضرب لكم مثلاً: هناك آيات في القرآن تتحدث عن العبادات ثم تتحدث عن العشرة الزوجية وأنظمة الحياة، كما تجدونها في آخر الجزء الثاني من سورة البقرة، حيث ذكر الله تعالى العبادات ثم ذكر بعدها الأنظمة، ثم يذكر العبادات، ثم يعود مرة أخرى إلى الأنظمة، ليعلم الناس أن الإسلام نظام حياة، حينما يتكلم عن العلاقات الزوجية يقول الله تعالى بعد ذلك: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً [البقرة:238-239]، إلى غير ذلك، ثم يذكر الله عز وجل مرة أخرى أحكام العلاقات الإنسانية.

    وهناك آية في القرآن قسمت إلى ثلاثة أقسام، وهي قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ [المائدة:3]، وآخر الآية: فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:3].

    فهذه الآية أول ما نزل أولها، ثم نزل بعد ذلك آخر جزء منها: ( فَمَنْ اضْطُرَّ...)، وأما وسط هذه الآية فإنه نزل في آخر ما نزل من الإسلام في حجة الوداع: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً [المائدة:3]، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن تشطر تلك الآية وتوضع هذه الآية في وسطها؛ حتى يعلم الناس أن الإسلام ليس منهج عبادة فقط، بل هو منهج حياة متكاملة، ولذلك جمع بين العبادات والمعاملات والسلوك والأخلاق والأنظمة، وعلى هذا نقول للذين يزعمون أن توسيع دائرة الإسلام هو الذي أدى إلى ضياع بعض المسلمين، وانحرافهم عن الدين: ليس الأمر كذلك، بل هذا هو الذي زاد المسلمين ثقة بدينهم وبربهم وبكتاب ربهم سبحانه وتعالى، أما الذي حرفهم عن التمسك بالدين فهم شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً.

    1.   

    نبذة عن حياة الشيخ عبد الله الجلالي

    السؤال: هلا ذكرتم لنا نبذة مختصرة عن حياتكم؟

    الجواب: أنا أخوكم: عبد الله الجلالي ، تخرجت من كلية الشريعة في عام (1381هـ)، ودرست في المعاهد العلمية، ودرست بعض الدراسات العليا في الأزهر، وكنت أدرس في السنوات الماضية في جامعة الإمام، لكن هذه السنة ما سمحوا لي، وما أدري ما هو السبب؟!

    1.   

    موقف الإسلام من العلمانية

    السؤال: تحدثت قبل قليل عن العلمانية، فما موقفنا منهم؟

    الجواب: موقفنا منهم العداء، فهؤلاء العلمانيون هم أعداء دين الله عز وجل؛ لأنهم يريدون أن يحصروا الدين في المسجد، ولا يخرجوه للحياة، ويقولون: الدين يجب أن يبقى في المسجد، ويدير الحياة الدينية فقط، ويقال: هذا مطوع، أو هذا من رجال الدين -كما هو حال النصارى- وإلى غير ذلك.

    وإذا أراد الإنسان الخروج عن هذا النطاق اعتبروه متعدياً للحدود، فهؤلاء هم أعداء الله عز وجل، وهؤلاء اتهموا دين الله بأنه دين قاصر لا يصلح للحياة، ونشأ عن ذلك شرع القوانين الوضعية التي صاروا يحكّمون فيها البشر؛ لأنهم يرون أن شرع الله لا يصلح إلا في عهد الخيمة والبعير، أما في عهد الطائرة والصاروخ والمركبة الفضائية .. إل، فلا يصلح هذا الدين، ويقولون: قد استنفد أغراضه، فهؤلاء لم يتركوا الدين حتى في المسجد، فلما حصرهم المسجد بدءوا يطاردونه داخل المسجد.

    وعلى كل حال نقول: يجب أن يكون موقفنا منهم أنهم مرتدون؛ لأنهم يرون أن شرع الله لا يصلح للحياة، ويرون أن شرع الله لا يمكن أن يتدخل في أمور الدنيا، وأن شرع الله قاصر وحكم الله لا يصلح لحل مشاكل البشر!! والله تعالى حكم عليهم بالردة والكفر فقال: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ [المائدة:45]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ [المائدة:47]، وقال في سورة النور: وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمْ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ [النور:48-50]، فهؤلاء الذين لم يريدوا لشرع الله عز وجل أن يخرج من المسجد، بل لا يريدونه أن يبقى حتى في المسجد؛ مرتدون، ولا يجوز أن نعتبرهم في حساب المسلمين، وكلمة علمانية في بعض الأحيان يلطفونها، لكنهم يكلون كل شيء للعلم، أما دين الله عز وجل فإنه يجب أن يكون خاصاً بالطقوس والتعبدات والسلوك والأخلاق والفضائل!

    ولذلك لا يسمح العلمانيون للخطيب أو المتحدث أن يتحدث في أمور الدين في بعض الدول الإسلامية التي تبنت العلمانية، وسأضرب لكم مثلاً في واحدة منها:

    أندونيسيا كادت أن تحكمها الشيوعية فترة من الزمن ثم تغيرت المعايير، فحكمها نوع آخر من الكفر وهو العلمانية، ولو ذهبت إلى أندونيسيا لرأيت العجب العجاب! تخرج إلى الشارع فترى الأمة متفسخة منحلة! ثم تدخل إلى المسجد فترى هذه الأمة المتفسخة تدخل المسجد، وتصلي النساء في مساجد خاصة في مؤخر المساجد، ثم تخرج هذه الأمة إلى الشارع فتعود إلى تفسخها وإلى خلاعتها، والله يعلم ما وراء ذلك.

    فهذه كلها من نتائج العلمانية، ولذلك أقول: إن دين الله عز وجل دين كامل لا يهمل أي جانب من جوانب الحياة كما قال تعالى: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [البقرة:284]، فما دامت هذه الأشياء داخل السماوات والأرض؛ فيجب أن يكون الحكم فيها لله، ويجب أن يكون التصرف فيها لله عز وجل، فالعلمانية مرفوضة شرعاً وعقلاً.

    1.   

    حكم لبس خاتم الفضة

    السؤال: هل يجوز لبس خاتم الفضة؟

    الجواب: لبسه جائز، بل هو أقرب ما يكون إلى السنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله، وإذا فعله الرسول صلى الله عليه وسلم -وإن كان فقط من عاداته الخاصة لا من التعبدات- فهو أقرب إلى السنة منه إلى الجواز، أما خاتم الذهب فهو محرم بلا خلاف بين العلماء، وقد شبهه الرسول صلى الله عليه وسلم بالجمرة يضعها الإنسان في يده، وخاتم الذهب يستعمله الآن بعض الرجال، وأنا أحذر هؤلاء من هذا العمل.

    1.   

    متى يجوز الجمع والقصر للمسافر؟

    السؤال: من خرج من مدينته يريد النزهة خارج المدينة لمدة ثلاثة أيام، وعلى بعد ثمانين كيلو متر، فهل يجوز له جمع الصلاة وقصرها؟

    الجواب: الشرع لم يحدد مدة في السفر، ولا حدد مسافة، والعلماء اختلفوا في المسافة، لكن الذي يظهر أنه ليست هناك مسافة محددة، فله أن يقصر إذا لم ينو الإقامة الطويلة، فإن بعض العلماء يرى أن ما يسمى سفراً عرفاً يعطى حكم السفر دون أن يحدده بالمسافة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدد بالمسافة ولا بالوقت، فنعرف حد السفر بحسب العرف بين الناس، فإذا كان يعتبر عند الناس سفراً فإنه يأخذ كل أحكام السفر من الفطر والقصر والجمع والمسح على الخفين لمدة ثلاثة أيام إلى غير ذلك.

    أما الجمع فيرى بعض العلماء أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يجمع إلا إذا كان على ظهر مسير؛ لأن الجمع من أجل التيسير للمسافر بدل أن ينزل مرتين ليصلي الظهر والعصر، ينزل مرة واحدة فيصليهما جميعاً في آن واحد، فالأحوط ألا يجمع الإنسان وإن كان يقصر، إلا إذا كان ماشياً في الطريق.

    1.   

    الإسلام منهج حياة متكاملة

    السؤال: الحركات الدينية حولت الدين إلى فكر سياسي أيديولوجي من خلال الطرح لعدد من الآراء والأفكار من قبل بعض الكتاب من أمثال: سيد قطب ، والمودودي ، والنبهاني وغيرهم، فطرح هؤلاء أفكاراً في: السياسة، والاقتصاد، والاجتماع وغيرها، ووضعوا الحدود والفواصل بين النساء والرجال، وانطلاقاً من أن هذه الأفكار لا تعدو كونها مجرد اجتهادات شخصية من هذا وذاك، أفلا يحق لكل ذي رأي مناقشة هذه الآراء والأفكار من أجل تقويمها؟

    الجواب: نعم يحق لأي إنسان ذلك، لكن الحقيقة أن دين الإسلام دين حركي وليس ديناً خاملاً، وعلى هذا نقول: إن الإسلام منهج سياسة واقتصاد وأخلاق، وليس عجيباً أن يتجه المودودي ، والندوي ، وسيد قطب ، وكل هؤلاء يرحمهم الله تعالى ليبينوا للناس أن الإسلام منهج حياة متكامل، وأن الإسلام يرفض كل حكم غير حكم الله عز وجل، ويرفض كل حاكم لا يحكم بشرع الله عز وجل، هذا هو منهج الإسلام الصحيح، وهؤلاء لم يجتهدوا من عند أنفسهم، وإنما أخذوا هذا المسار وهذا المنهج من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأخلاقه ومعاملاته للناس، فالقرآن منهج سياسة: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [الشورى:38]، ومنهج شورى، ومنهج حياة، والإسلام منهج اقتصاد: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً [الفرقان:67]، فشرع الزكاة، وشرع الواجبات، وحدد طرقاً مباحة لكسب المال، وحرم الطرق المضرة، والإسلام منهج أخلاق وفضيلة، واقرءوا إن شئتم سورة النور في نصفها الأول وستجدون كيف اهتم الإسلام بالأخلاق الفاضلة.

    والإسلام نظام اجتماعي عالمي لا يساويه أي نظام، واقرءوا ما ورد من حقوق الوالدين وصلة الرحم وحقوق الجوار إلى غير ذلك، وبعد ذلك كله، هل يليق بأي واحد من الناس أن يظن أن الإسلام ليس منهج حياة متكاملة؟! هؤلاء الكتاب الذين أبرزوا صورة الإسلام الحقيقية يعتبرون قد اجتهدوا أو سلكوا مسلكاً أيديولوجياً كما يقال، والناس والعلماء يختلفون على مستويات متعددة ومختلفة في فهم حقيقة الإسلام، وهؤلاء يعتقد أنهم عاشوا في فترة بين الجاهلية والإيمان، وهذه الفترة استطاعت أن تعطيهم هذه الدروس، فهم عاشوا في فترة بين أمتين، وعاشوا مخضرمين بين الفترة التي نشأت فيها القوانين والأنظمة، وتمرد فيها كثير من الناس على شرع الله عز وجل، فكانوا -بحق- مجتهدين، لكنهم مجتهدون بمقدار ما فهموا من كتاب الله عز وجل وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا نقول: الإسلام دين حركي، ومنهج حياة متكاملة، ومن ظن غير ذلك فإن عليه أن يراجع فهمه أو إيمانه.

    1.   

    خطر القنوات ووسائل الإعلام على تربية الناشئة

    السؤال: ماذا عن تربية الأبناء في ظل هذا الإعلام؟ وما رأيكم فيما سمع عن نية إطلاق قمر صناعي يبث في الخليج وغيرها من المناطق؟

    الجواب: الحقيقة أن العلم الحديث جر آثاراً سيئة بمقدار ما جاء بحسنات، فالعلم الذي نقل الأفكار من الشرق إلى الغرب بواسطة التسجيل والمذياع والوسائل الأخرى، هو الذي جاء أيضاً بهذه الوسائل التي لها أخطار كبيرة على الناشئة، بل إنه أحدث ازدواجية في نفوس طائفة من الشباب والأطفال الذين لا يدرون أيصدقون ما يجدون من اللهو واللعب بجوار ما يسمعون من الخير والحكمة؟! أهذا المقصود أم ذاك؟! ولربما يخرج هذا الطفل وهو لا يميز بين النافع والضار، والحلال والحرام، والخطر والمفيد.

    وعلى كل حال فإن وسائل الإعلام أخطارها معروفة، لأنكم أدركتموها، ودور كل واحد منا أن يتقي الله عز وجل في أمانته، وأن يحول بين أهله وذريته وبين الوسائل التي أصبحت تجر كثيراً من الأخطار على الناشئة.

    أما بالنسبة للقمر الصناعي فهو سيأتي بجديد من الأخطار بلا شك، لكننا نقول من جهة أخرى: وسائل النقل التي تنقل الناس أصبحت الآن متوافرة، وتصوروا كم نسافر يومياً من البلاد الإسلامية المحافظة إلى البلاد التي لا ترعى إلاً ولا ذمة في دين الله، آلاف الشباب يومياً يسافرون؛ حتى انتشرت المخدرات والمحرمات بسبب هؤلاء، ولربما انتقل شيء من الأمراض والأوبئة التي جاءوا بها من تلك البلاد.

    المهم أن هذا سيضيف شيئاً جديداً، بحيث يصبح الإنسان الذي كان لا يشاهد من وسائل الإعلام إلا ما يخضع لشيء من الرقابة، التي ما أدت دورها، سوف يأتي يوم من الأيام وبإمكانه أن يشاهد كل شيء، والسبيل للنجاة لا يخلو من أحد أمرين:

    الأمر الأول: هو الحق، الثاني: فيه بعض الحل للمشكلة.

    أما الأول: فهو أن يكون المؤمن قوياً في شخصيته، يحرس بيته وأهله وأسرته بالإيمان، ولا يسمح لأي شر أن يتسرب إلى بيته.

    أما الشيء الآخر: فهو -على الأقل- أن يراقب هذه الأشياء، وأن يحاول أن يخفف من مصائبها لعل الله سبحانه وتعالى أن يقيه من هذه الفتن. 0

    وأول ذلك وآخره هو أن نربي الناشئة على طاعة الله عز وجل؛ حتى يستطيعوا أن يعرفوا النافع من الضار، إضافة إلى ما نقدمه من الحيلولة بينهم وبين هذه الوسائل القديمة أو الجديدة.

    1.   

    معنى قوله تعالى: (يدنين عليهن من جلابيبهن)

    السؤال: قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59]، هل معناها: الأمر بالحجاب، وأن كشف الوجه للمرأة غير جائز؟

    الجواب: انقسم العلماء في فهم هذه الآية على فريقين:

    بعضهم يقولون بوجوب الحجاب كاملاً، وأنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها ولا يديها، وهذا يمثل رأياً لبعض العلماء.

    يقول بعضهم: تدني الحجاب على وجهها فلا يظهر شيء من ذلك، وبعضهم استثنى عيناً واحدة لتنظر فيها، وهؤلاء لهم مأخذ من هذه الآية، لكن الآية الأخرى أوضح استدلالاً، وهي قوله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31] قالوا: إن الخمار -وهو ما يغطى به الرأس- لا يمكن أن يصل إلى الجيب إلا ماراً بالوجه.

    والرأي الآخر يرى أنه لا بأس بكشف الوجه والكفين، وهو رأي طائفة من العلماء، إلا أنهم مجمعون -الأولون والآخرون- على أن كشف الوجه واليدين إذا كان يؤدي إلى الفتنة فإن ذلك لا يجوز، والفتنة لا شك أنها موجودة؛ لأن الوجه هو موضع الفتنة، وعلى هذا يكاد يكون العلماء متفقين على تغطية الوجه؛ لأن الفتنة ستلازم كشف الوجه.

    والذين يقولون بعدم تغطية الوجه يقولون في معنى: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59]: تدني من الجانب الأيمن فتغطي شيئاً من الخد، ومن الجانب الأيسر فتغطي شيئاً من الخد، ولا يمنع أن يخرج شيء من الوجه؛ لأن الله تعالى ما قال: تحتجب وإنما قال: يدنين، والإدناء معناه: التقريب لا التغطية.

    على كل حال، هذا مأخذ بعيد، والأدلة كثيرة على تغطية الوجه والكفين، وأن المرأة لا يجوز أن يرى منها أي شيء من بدنها، وعلماء المسلمين أجمعوا على أنه في حال الفتنة لا يجوز للمرأة أن تكشف شيئاً من وجهها، والفتنة تلازم الوجه؛ لأن الوجه هو موضع الفتنة، فالعينان والأنف والفم والخدان وكل مراكز الجمال تتجسد وتجتمع في الوجه.

    وعلى كلٍ فإن الاحتياط واجب، بل هو الأمر اللازم، وهو الحجاب الكامل، وهو حجاب المرأة المسلمة، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه يأتي نساء في آخر الزمان كاسيات عاريات، ومعنى كاسيات عاريات أي: تخرج شيئاً من بدنها وإن كانت قد كست شيئاً من جسدها، والحجاب هو الذي يعلم المرأة الحياء، والحياء هو خلق هذه الأمة كما جاء في الحديث: (إن لكل أمة خلقاً، وإن خلق هذه الأمة الحياء) والمرأة إذا أخرجت وجهها تعتبر هذه هي المرحلة الأولى بالنسبة لما سيحدث بعدها، فبإخراج الوجه يخرج ما بعده، ويقل الحياء، فلربما تكشف عن شعرها بعد ذلك، أو عن نحرها، أو عن ذراعيها، أو عن ساقيها، وهذا هو ما حدث بالفعل، فإن العالم الإسلامي ما انتشر فيه هذا التبرج إلا بعد ما كشفت المرأة وجهها، والذين يطالبون المرأة بكشف الوجه لا أظن أنهم سوف يقفون عند هذا الحد، بل إنهم يعتبرون هذا هو المرحلة الأولى، والخطوة التي يبدءون وينطلقون منها.

    والله المستعان.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756175234