وها نحن مع سورة لقمان الحكيم، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.
بسم الله الرحمن الرحيم: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [لقمان:27-30].
فأنزل تعالى صفعة لهذا الظالم الكافر فقال تعالى: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ [لقمان:28]، كما يخلق نفساً واحدة يخلق البشرية كلها، فخلقنا في الدنيا كخلقنا في الآخرة، وبعثنا بمثابة خلق نفس واحدة فقط، خلق البلايين من البشر عند الله كخلق نفس واحدة؛ لأنه يقول للشيء كن فيكون، ما هي بالوسائط والآلات والزمان والمكان، بل يقول للشيء كن فيكون، قال تعالى: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [يس:81-83]، والله! ما هي إلا نفخة إسرافيل وإذ بالبشرية كلها واقفة في عرصات القيامة، في ساحة فصل القضاء.
هذا الخبر الإلهي الصادق: مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا [لقمان:28]، كخلق وبعث نفس واحدة فقط؛ وذالكم لأن الله على كل شيء قدير، إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يكون قال له كن فيكون.
البصير: الذي لا يخفى عليه كائن من الكائنات، لا في السماوات ولا في الأرض مهما كان، وهذا تدليل منطقي عجيب.
إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [لقمان:28]، هل يحتاج الله إلى أسماع وأبصار حتى يبصر كل شيء ويسمع كل شيء؟ والله ما هو إلا سمعه وبصره يسمع كل صوت في الكائنات.
بصير يبصر كل موجود في السماوات والأرض؛ لأن الله ليس كمخلوقاته، هذا الرب العظيم، هذا الذي خلق كل شيء، هذا الذي بيده كل شيء، هذا الذي يميت ويحيي، هذا الذي يعز ويذل، هذا الذي يقول للشيء كن فيكون، فقولوا: آمنا بالله.
فمن يقدر على إيلاج النهار في الليل والليل في النهار؟ الأصنام.. اللات والعزى؟ عيسى وأمه عليهما السلام؟
فهذا خلق الله، صاحب هذه القدرة يعجزه أن يقول للشيء كن فيكون؟! أيعجزه أن يبعث الناس في ساعة واحدة؛ ليحاسبهم ويجزيهم بحسب أعمالهم في دنياهم؟!
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ [لقمان:29]، أي: يدخل جزءاً من الليل في النهار، وجزءاً من النهار في الليل بحسب الصيف والشتاء.
الجواب: لا، فالطبيعة خرافة، ضلالة، فبدلاً من أن يقولوا الله قالوا: لا، علمهم الصهاينة اليهود، الحياة مادة فقط.
إذاً يقول تعالى: وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ [لقمان:29]، يسبحان طول الدهر، أولاً: خلقهما الله سبحانه وتعالى، ومن ثم سخرهما طول الحياة يمشيان يسبحان في السماء لصالح البشرية، فلولا الشمس كيف ستتم الحياة؟ ولولا القمر كيف سنعرف الحساب، وكيف تعرف الآجال والأعمار، وكيف نؤدي العبادات، وكيف تعرف المعاملات؟
وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى [لقمان:29]، كل منهما، أي: من الشمس والقمر، كل واحد منهما يجري جري وليس شرط على رجلين، المهم يقطع المسافات بذاته.
يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [لقمان:29]، يجريان الشمس والقمر حتى تدق ساعة الفناء، وقيام القيامة، فلا شمس ولا قمر، قال تعالى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ [التكوير:1-2]، فالشمس والقمر يسبحان في الجو لصالح البشرية وفائدتها في الحياة فيها حرارة وضوء، والقمر فيه نور، وبهما تعرف الحسابات وما إلى ذلك، ويستمر هذا المشي للشمس والقمر إلى أن تقوم الساعة، فهما يسبحان كما يسبح الحوت في الماء، ما ينتهي سبحهما إلى أن تقوم الساعة.
فهل اللات أو العزى يعملان هذا؟ وكيف يعبدان؟ وكيف يدعوان؟ وكيف يستغاث بهم؟ وكيف يذبح لهما؟ وكيف.. وكيف.
وهل هذا في عيسى بن مريم ووالدته عليهما السلام، وقد عبدهما بلايين النصارى وإلى اليوم وهم يعبدونهما، بدعوى أنه ابن الله -والعياذ بالله تعالى-.
وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ [لقمان:29]، أي: كل واحد منهما، يَجْرِي [لقمان:29]، أي: يسبح في الجو، إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [لقمان:29]، إلى وقت مسمى سماه خالقه، والله لا يتخلف دقيقة ولا يزيد دقيقة، بل الأجل المحدد، اللحظة المحددة.
وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [لقمان:29]، يا عباد الله! أمر آخر وهو أن الله خبير بأعمالكم، مطلع على أفعالكم محصيها لكم، يجزيكم بها فاستحوا منه، فارهبوه، فخافوه، صححوا أعمالكم، اجعلوها في مرضاة الله، ولا تعملوا عملاً من غير ما أذن الله فيه وأمر به؛ لأنك تحت النظارة، لا يخفى على الله من أمركم شيء، فانتبهوا قبل أن تنزل الصاعقة ويموت المرء وينقل إلى عذاب جهنم، وَأَنَّ اللَّهَ [لقمان:29]، جل جلاله وعظم سلطانه، المعبود بحق بما تعملونه من خير وشر خبير والخبرة أعظم من الاطلاع.
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ [لقمان:30] في أن يعبد وحده ولا يعبد معه سواه، وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ [لقمان:30]، ألا وهو الشيطان؛ لأن دعاء الصنم أو القبر أو الشجر في الحقيقة دعاء للشيطان، أما الشجر والقمر والحجر ما يتكلم ولا.. ولا يزين.
فالباطل: هو الشيطان، وهذا حكم الله، واعلموا أن ما يدعونه الإنس والجن من غير الله، سواء من ملائكة أو أنبياء أو رسل أو أولياء أو صالحين أو أشجار أو تماثيل أو.. كل ذلك دعاؤه باطل، فلو تقف أمام قبر وتدعو ألف سنة وأنت تنادي لن يسمعك ولن يجيب نداءك، ولن يمد يده إليك، فالذين يعبدون القبور من المسلمين لجهلهم يعكفون حولها، ويذبحون لها، ويستغيثون بها ويحلفون بها وكل هذا موجود، وكله والله! لباطل، وليس من الحق في شيء.
وتأملوا الآية الكريمة! ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ [لقمان:30]، والباطل مقابل الحق ومضاده.
(الْكَبِيرُ): الذي لا أكبر منه في قدرته، في ذاته، في علمه، في جلاله وكماله، الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. آيات عجب تشرح الصدور، تطيب النفوس، تفتح الطريق أمام السالكين، ومع الأسف ما نقرؤها إلا على الميت، قرون مضت أكثر من ألف سنة أكثر ما يقرأ القرآن على الموتى فقط، ما يقرأ على الأحياء، وإلى الآن هل مررتم باثنين في زاوية من زوايا المسجد يقول أحدهما للآخر: علمني ما في هذه الآية الكريمة أو اسمع أقرأ عليكم؟ لا يوجد، أو تحضر لي شجرة أو جدار يجتمع ثلاثة يقول: هيا نتدبر كلام الله؟ أبداً لا وجود لهذا، ما زلنا كما كنا، من قادنا إلى هذا الموقف؟ العدو بنو عمنا، اليهود عليهم لعائن الله، تآمروا علينا واستعانوا بالنصارى المسيحيين، واستعانوا بالمجوس عبدة الشمس والقمر، وتآمروا علينا، وقالوا: أمة الإسلام ما حييت إلا بالقرآن، والله العظيم! لكما قالوا، ما حييت أمة الإسلام إلا بالقرآن، أليس القرآن روحاً، والحياة متوقفة على الروح؟
قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52]، فالقرآن هو الروح، وما حييت أمة العرب إلا بالقرآن، قالوا: إذاً هيا نميتهم ونأخذ منهم القرآن وكفى، وتآمروا واجتمعوا وتفرقوا وما استطاعوا أن يأخذوا حرفاً واحداً من القرآن، وخاصة كلمة: (قل)، فانعقدت مؤتمرات في السرية، وقالوا: لو ننزع من القرآن كلمة قل، نقول هذا ما هو كلام الله كلام محمد فقط، لكن كلمة: (قل هو الله)، (قل يا أيها الناس)، الآمر الله، إذاً: الكلام كلامه، والرسول مأمور، ما هو كلام الرسول أبداً، فعجزوا.
إذاً: وضعوا قاعدة كمموا بها أفواه المسلمين، قالوا: تفسير القرآن صوابه خطأ وخطؤه كفر، تفسير القرآن الكريم صوابه إن فسرته وأصبت ولم تخطئ فقط أخطأت، وإن أنت فسرت فأخطأت فقد كفرت، فلم يبق من يقول قال الله أبداً، قال الشيخ الفلاني، قال الفقيه الفلاني، قال كذا.. في الكتاب الفلاني، أما قال الله، لا لا لا؛ خشية أن تكفر، فصرفوا المسلمين عرباً وعجماً عن كتاب الله عز وجل، ومن ثم هبطنا من علياء السماء إلى الأرض، فسادنا الشرق والغرب وحكمونا وأذلونا وسخرونا كما هو الواقع؛ لأننا متنا عندما انفصلنا عن القرآن فلم نتدبره ولم نعبأ بما فيه، فهو الموت بعينه. وهكذا يقول تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [لقمان:30].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر