أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب: منهاج المسلم، وها نحن مع آخر العقائد.
وأذكر السامعين والسامعات: بأن العقيدة الإسلامية إذا صحت وسلمت فصاحبها حي، يقدر على أن يسمع ويعي، ويقدر على أن يأخذ ويعطي، فإن فقدها فهو ميت، وإن داخلها الزيادة أو النقص فهو ضعيف مريض، يقوى أحياناً على أن يقول ويعجز أحياناً أخرى.
والمطلوب: أن نصحح عقيدتنا، وهي أن نعلن وضوح وصراحة أنه لا إله إلا الله، ولا يرانا الله أبداً في يوم من الأيام نسأل غيره، أو نستعيذ بسواه، أو نستغيث بغيره، بل حياتنا كلها موقوفة على الله عز وجل، هو الذي نستغيث به: يا رب! هو الذي نستعيذ به: يا رب! أعذنا، هو الذي نسأله حوائجنا ورغائبنا في الدنيا والآخرة، وهو الذي نرهبه ونخافه، وترتعد فرائصنا منه، وتجل قلوبنا عند ذكره؛ إذ ليس لنا إله إلا هو، والله لا إله إلا الله، وأما الآلهة المصنوعة المزورة الباطلة فهي ضلالات أوحى الشيطان بها إلى الناس؛ ليهلكوا بهلاكه، وليدخلوا النار ويخلدوا فيها بخلوده وهلاكه.
هذه العقيدة أركانها التي تنبني عليها ستة، ومتى سقط ركن منها سقطت وبطلت، جاءت مبينة في الكتاب والسنة، فيجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعرف أركان الإيمان الستة، وأن يحفظها ويعيش على نورها، وهي: الإيمان بالله، وبملائكته، وبكتبه، وبرسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.
إذاً: الإيمان بالله واليوم الآخر من أعظم أركان الإيمان، والذي يضعف إيمانه بالله أو باليوم الآخر لا يستطيع أن يستقيم أبداً، ولا يقوى على أن يفعل الواجبات، وأن يتخلى عن المحرمات، وفي القرآن الكريم يقول تعالى: إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59]، فقووا عقيدتكم بأركانها الستة، وأعظمها الإيمان بالله، والإيمان بلقاء الله واليوم الآخر.
وآخر ما انتهى إليه الدرس عندنا في باب العقيدة: هو الإيمان بوجوب محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفضليتهم، فيجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يحب أصحاب رسول الله حباً أكثر من حبه لنفسه، وأن يعتقد أفضليتهم وخيريتهم على سائر الناس، وأن عليك إذا ذكر الصحابي - سواء عرفت من هو أو لم تعرفه- أن تقول: رضي الله عنه، فتلك علامة حبك، وتفضيلك له على سائر الناس.
كما يجب علينا أيضاً: إجلال أئمة الإسلام، أهل الكتاب والسنة، أهل الحديث والفقه من أئمة هذه الأمة، يجب علينا إجلالهم. أي: تعظيمهم وإكبارهم والاعتراف بفضلهم، كما يجب علينا طاعة ولاة أمور المسلمين، وبينا هذا والكثير منه.
وانتهينا إلى هذه الفقرات فقلنا:
كان الرجل إذا ربى وتولى إنساناً، وأصبح ابناً له بالتربية والولاء؛ فإنه يعتبر كولده، إذا تزوج ومات عن زوجته لا يتزوجها الذي رباه، وهذه كانت عادة سائدة في بلاد الكفر من مكة وغيرها، وأراد الله أن يبطل هذه العادة، وقد ألفها الناس قروناً، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم مولى- خادم صغير- رباه، اسمه: زيد بن حارثة رضي الله عنه، وقد زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ، فلم يطق البقاء معها؛ لأنها شريفة، فطلقها، فزوجها الله تعالى رسوله، وعقد عليها في الملكوت الأعلى، وأصبحت أماً للمؤمنين وتباهي نساء الرسول صلى الله عليه وسلم، وتقول: ما منكن واحدة إلا تولى فلان- أبوها أو أخوها- عقد نكاحها، وأنا تولى الله عقد نكاحي: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37]، لماذا يا رب؟! لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ [الأحزاب:37].
وكان قد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب لمولاه زيد ، ووليها أخوها عبد الله أول قائد سرية في الإسلام، فظنت زينب رضي الله عنها لما خطبها أنه يخطبها لنفسه؛ فهشت وبشت وفرحت، ثم تبين لها أنه يخطبها لمولاه؛ فقالت: لن يكون هذا، وقال عبد الله : لن تتزوج شريفة وضيعاً، مولى من موالي الناس لا تتزوجه زينب بنت جحش ، والله أراد ذلك، فأنزل تعالى هذه الآية: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، فطأطأت زينب رأسها، وسلمت نفسها لمولى، وطأطأ عبد الله وسلم.
والشاهد عندنا: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا [الأحزاب:36] بالحل أو بالحرمة، أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [الأحزاب:36]، ليس هناك خيرة، فإذا أوجب الله الصيام بنوع ما يجب أن تقبله وتصومه، لم يبق للؤمن ولا لمؤمنة أن يختار ما يريد فيما حكم الله به ورسوله، فهمتم هذه؟ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36].
[ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) ] مردود عليه، لا يقبل أبداً [ وقوله: ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ) ] هذا معنى: أن ما قدمه أئمة الإسلام الأربعة نقبله ما لم يتعارض بالكتاب والسنة: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى [الأحزاب:36] بمعنى: حكم أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [الأحزاب:36]، والرسول نفسه يقول: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا ) فهو مردود على صاحبه.
فلهذا هذه أيام الفتنة في الأحزاب والجمعيات والتكتلات أنصح- والله يعلم- كل مسلم يقول: أنا مسلم، لا حزبي ولا جماعة ولا فلان، أنا مسلم فقط؛ لأن التحزبات والتكتلات والتجمعات أثارت العداءات والبغضاء والنزاع بين المسلمين، بل أوقدت نار الفتن والحروب والعياذ بالله تعالى، والذي يشارك في فتنة؛ كل دم يراق وكل نفس تزهق هو مشارك ومسئول عنها؛ فلهذا أنت مسلم، مرني بما أمرني ربي، وانهني عما نهاني ربي أطعك، لا قال فلان ولا فلان ولا فلان.
يقول مالك إمام المسجد النبوي: كل منا يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، ما منا أحد إلا ويؤخذ من قوله ويرد، يؤخذ الصحيح ويرد الباطل إلا صاحب هذا القبر لا يرد قوله؛ لأنه لا يخطئ. يقول تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات:10]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( المسلم أخو المسلم )، ويقول أيضاً: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً )، ويقول تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:71].
قال: [ ولم ير غيره، فقال بوجوب الوضوء لمجرد مس المرأة، وفهم غيره ] من الأئمة الآخرين [ أن المراد من الملامسة في الآية: الجماع، فلم يوجبوا الوضوء بمجرد المس أبداً، بل لا بد من قدر زائد ] كأن يقصد التلذذ، أو يتلذذ وله ما قصد؛ حينئذٍ انتقض وضوئه، إذا أراد أن يتلذذ بامرأته ووضع يده؛ انتقض وضوؤه، أو أنه لم يرد، لكن لما مس انتعش ذكره ووجد؛ انتقض وضوؤه وعليه أن يتوضأ [ بل لا بد من قدر زائد، كالقصد أو وجود اللذة، وقد يقول قائل: لم لا يتنازل الشافعي عن فهمه ليوافق باقي الأئمة؟ ] قد يقول قائل هذا: لم لا يتنازل الشافعي [ ويقطع دابر الخلاف عن الأمة؟
الجواب: أنه لا يجوز له أبداً أن يفهم عن ربه شيئاً لا يخالجه فيه أدنى ريب، ثم يتركه لمجرد رأي أو فهم إمام آخر ] إذا فهمه عن الله ولم يفهم سوى هذا لا يتنازل عن فهمه لرأي آخر وفهم إنسان آخر [ فيصبح متبعاً لقول الناس، تاركاً لقول رب الناس، وهو من أعظم الذنوب عند الله سبحانه وتعالى ].
قال: [ نعم. لو أن فهمه من النص عارضه نص صريح من كتاب أو سنة؛ لوجب عليه التمسك بدلالة النص الظاهرة، ويترك ما فهمه من ذلك اللفظ الذي دلالته ليست نصاً صريحاً ولا ظاهراً، إذ لو كان الدلالة قطعية لما اختلف فيه اثنان من عامة الأمة فضلاً عن الأئمة ] الأربعة؛ وذلك لأن غيره فهموا فهماً من الآية فقط، ليس بنص صريح.
قال: [ ثالثاً: أن يدعو لهم بالصلاح والسداد والتوفيق والعصمة من الشر، ومن الوقوع في الخطأ، إذ صلاح الأمة في صلاحهم، وفسادها بفسادهم، وأن ينصح لهم في غير إهانة وانتقاص كرامة لهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( الدين النصيحة. قلنا: لمن يا رسول الله؟! قال: لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم ) ] أي: حكامهم، فلو أن العلماء- وخاصة هذا النوع- عرفوا كيف يطيعون الحكام، ويدخلون عليهم ويحبونهم؛ لنزلوا بهم إلى مقامات الكمال، أما التكفير واللعن والهجوم فهي نزغة شيطانية إبليسية من اليهود؛ للقضاء على أية أمة إسلامية، لكننا نحن لم ننصح حتى لأنفسنا فضلاً عن الأئمة والأمة!
والله تعالى أسأل أن يهدي إخواننا، ولن يهتدوا حتى يجتمعوا على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الجواب: إذا كنت تثق بالمملكة وأنها خير من بلادك في الدين والحكم والشرع اترك قول بلادك واتبع المملكة، وصم اليوم التاسع والعاشر بحسبها، وإذا كنت ترى أنكم أولى وأفضل وأعلم- وهذا والله كذب، والله لا يوجد بلد أقدس ولا أطهر ولا أطيب ولا أحكم لشريعة من هذا البلد في العالم كله من إندونيسيا إلى موريتانيا- فلم نغالط أنفسنا، ونجحد الحق؟! كما أن هذه المسألة ليست ذات قيمة، صم التاسع والعاشر، وإن قدمت وأخرت فكله خير، ولا مشكلة في ذلك.
الجواب: السائل يقول: هل يجوز للرجل أن يطأ زوجته بعد انقطاع دم الحيض أو لابد من الغسل أولاً؟
لابد من الغسل؛ لأن الله قال: فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222]، فمعنى تطهرن: اغتسلن، فلا يصح أن ينكح امرأته بعد الحيض إلا بعد أن تغتسل، وإذا لم تجد الماء أو لم تستطع تتيمم، كالذي لم يجد الماء للصلاة.
الجواب: الذي قلته وكتبته -وإن لم يوافقني بعض العلماء- نظراً إلى رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم أقول: كل من عجز عن النوم والمبيت بمزدلفة لعذر -كمرض، أو أن أصحاب السيارة منعوه، أو مشى ولم يصل إلا آخر الليل- معفو عنه وليس عليه شيء، لكن الذي يأبى أن ينام فيها ويبيت عليه هدي، والإثم أعظم؛ لأن الله يقول: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198]، لكن إذا كان للعجز- أضعاف، نساء، سيارات،لم يستطيعوا- معفو عنهم إن شاء الله، لكن لا بد أن ينزلوا ويذكروا الله هناك، ويكبروا ويهللوا ويصلوا المغرب والعشاء.
الجواب: السائل يقول: بعض المسائل اختلف العلماء فيها، منهم من يقول: حرام، ومنهم يقول: حلال، دلنا على واحد منهما.
على الدخان؟! أو على حلق اللحية؟! أو على التبرج؟! أو كشف الوجوه؟
كل من يقول: الدخان حلال فهو مخطئ وما عرف شرع الله، ما بلغه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الملائكة تتأذى مما يتأذى بنو آدم )، من أجل أكل الثوم والبصل؛ فكيف بالرائحة الكريهة؟!
والذي يقول: حلق الوجوه ليس بحرام، هذا ما عرف الشريعة، ما سمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( خالفوا اليهود والنصارى )، ( خالفوا المجوس )، ( خالفوا المشركين )، ( أعفوا اللحى وحفوا الشوارب )، لابد وأن يكون المسلم بصورة تميزه عن اليهود والنصراني، وعن الفاسق والفاجر، فإذا اختلف العلماء في مسألة اختلافاً حقيقياً- وهذه نادرة- إذا ما أطمأنت نفسك إلى من حرم اسأل عالماً آخر؛ لأن العلماء ليسوا في مستوى واحد أبداً، فلابد من البحث حتى تصل إلى النتيجة.
الجواب: قال: أعطاني رجل خمسمائة ريال وما لقيته بعد.
اصبر حتى تلقاه، لم تمض عشر سنين ولا عشرون سنة، سوف تجده إن شاء الله، وإذا انقطع السبيل ولم تلتق به؛ تصدق به عليه، وهو في ذمتك بهذا الشرط، إذا جاء يوم وطلبك أعطيته إياه.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر