أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب (منهاج المسلم) ذلكم الكتاب الحاوي الجامع للشريعة الإسلامية بكاملها عقيدة، آداب، أخلاق، عبادات، أحكام، وقد انتهى بنا الدرس إلى الأحكام، وها نحن مع الصلح، والصلح حكم من أحكام الشريعة الإسلامية، وحسبنا قول الله تعالى: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا [النساء:128].. الآية. فما هو الصلح؟
لنضرب لذلك مثلاً: اختلف اثنان في شيء حرام، فأرادا أن يصطلحا عليه ليحله أحدهما للآخر فلا يجوز هذا، أو اصطلحا على شيء حلال وأراد أحدهما أن يحرمه فلا يصح، فلابد من هذه القاعدة.
مثاله: [ كأن يضع عنه بعض الدين الذي أقر له به ] يا فلان! لي عليك عشرة آلاف ريال، قال: أنعم أعترف، لو شاء لقال: ما أعترف ما عندك صك ولا سند، فيقول له: لقد تنازلنا على ألفين من هذا المبلغ أو على خمسة وأعطني الباقي يجوز، صلح في الحلال، ما أحل حراماً ولا حرم حلالاً، لم ينكر على حق، أو شاء أن يضع عنه بعض الدين الذي أقر له به [ أو يهبه بعض العين ] يعطيه سيارة أو دابة بعدما أعطاه فإن الحق عليه فيكرمه [ الذي اعترف له بها ] بتلك المادة [ أو يصالحه بشيء أقر به من غير جنس ما أقر به ] يعطيه شيئاً غير الذي أعترف به، مثاله: [ كأن يقر له بدار ] يعترف بأن الدار الفلانية لفلان [ فيعطيه دراهم ] مقابل ذلك الإقرار ولا حرج.
ادعى عليك فلاناً أن الدار داره واعترفت يعطيك مقابل ذاك المال لا بأس، ما سحبته ولا دخلت معه المحكمة، بل هينت الأمر عليه [ أو يقر له بدابة ] هذا الفرس لي، وهو عندك، فتقول: أنا اعترف لا بأس، فيعطيه ثوباً مقابل ذلك الاعتراف؛ لأنه لو لم يعترف يتحاكمان ويتخاصمان، فما دام اعترف أكرمه يجوز هذا.
إذاً: أنواع الصلح ثلاثة: صلح الإقرار، والإنكار، والسكوت، يا فلان لي عليك كذا ما تذكر؟ سكت، ما أقر ولا نفى، فتتنازل عن شيء،فتقول: أعطني كذا والباقي تنازلت عنه، يجوز هذا.
[ فإن الشريك في الدار له الحق في المطالبة بالشفعة في النصف المصالح به ] ما يصح أيضاً، تعطيه نصف الدار وإلا صاحب الدار ما يقبل، يريد أن يأخذ النصف الباقي، ما ينفعه هذا ] ثالثاً: [ ولو صالحه بحيوان على دعوى فوجده معيباً ] صالحه على بقرة أو بعير فوجده معيباً [ فهو مخير بين رده أو أخذه ] لأنه وجده وفيه عيب، إن شاء قبل وإن شاء لم يقبل [ وهكذا كل صلح كان من غير جنس المصطلح عليه فهو كالبيع في سائر أحكامه ] فما يجوز في البيع يجوز، وما يمتنع في البيع يمتنع، هذا الحكم الأول.
جاء أصحاب الديون لما مات عبد الله فبقي جابر فلم يستطع أن يسدد، فاجتمعوا في المسجد، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: تنازلوا له على كذا وكذا- أنا أشفع- فتنازلوا فلا بأس [ كما أن كعب بن مالك تقاضى ابن أبي حدرد ديناً كان له عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما ] طالبه بالدين فارتفعت أصواتهما [ (حتى سمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرته) ] في الروضة [ ( فخرج إليهما ) ] وفهم القضية [ ( ثم نادى: يا
نكتفي بهذا القدر، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والآن مع بعض الأسئلة والإجابة عنها.
الجواب: السائل يقول: يوجد في ديارنا عادة وهي: إذا اختلف اثنان أو جماعة في شيء يطلبون شخصاً يصلح بينهما، فيصلح بينهما ويأخذ مقابل الصلح، هل يجوز أو لا يجوز؟
لا يجوز، بأي حق يأخذ هذا، أليس مسلماً هو؟ أليس مؤمناً؟ أليس هؤلاء إخوانه يصلح بينهم؟ فلماذا يأخذ مقابلاً؟ إذا كان يتحمل السفر من الصين إلى اليمن، من اليمن إلى المدينة مقابل ذلك، فيعطى مقابل سفره وتعبه، أما في قريته يصلح بينهما فيطالب بأجر، ما يجوز أبداً ولا يحل، بدعة هذه.
لكن لو أعطوه وأكرموه فلا بأس.. لا مانع.
أما إذا اختلف اثنان أو جماعتان وتدخل أحد الرجال يصلح بينهما ويأخذ مقابل ذلك فلا يجوز أن يشترط هذا ويأخذه، لكن لو تبرعوا وأعطوه فلا بأس.
الجواب: هذه كالتي سبقت. قال: وجدت مالاً في الطريق في البيت في المنزل في الدكان فأخذته، ووجدت صاحبه فأعطيته إياه، فأعطاني منه شيئاً، يجوز لي أن آخذ أو لا يجوز؟ يجوز، لكن لو قلت: لا أعطيك إياه إلا إذا أعطيتني كذا لا يصح ولو ريالاً واحداً، حرام عليك، لكن ما دمت رددت الأمانة لصاحبها وتبرع هو وأعطاك شيئاً فلا حرج.
الجواب : سائل يقول: بعت لأخي منزلاً أو داراً ولكن مع الأسف ما كتبت صكاً في ذلك ولا سنداً، فهل يجوز هذا؟
يجوز ولكن ينبغي أن تكتب بينك وبين أخيك حتى الورثة ما يختلفون ويتنازعون، لابد، الأفضل والأولى أنك تكتب في هذا العقد وتثبته، وإن لم تفعل فالبيع يصح، تنازلت لأخيك وبعت له يجوز.
الجواب: سائلة تقول: لا يفارقها الدم، فهل هو دم حيض أو دم نفاس أو دم استحاضة، وماذا تصنع؟
نقول: ما دام الدم لا يفارقك فصومي وصلي ولا حرج، إلا إذا عرفت أيام الحيض مما سبق أول الشهر وسط الشهر خمس أيام.. عشرة، فإذا جاء وقت ذلك الدم كفي عن الصيام والصلاة، انتهى ذلك الموعد لخمس أيام سبعة عودي إلى الصلاة والصيام، ما فرقت بين هذا وذاك تصومي وتصلي.
الجواب: سائل يقول: هل يجوز للمرأة أن تنيب من يرمي عنها الجمرات في الحج، وفي أي وقت يجوز هذا؟
نقول إذا كان الزحام شديداً -والوفيات كما علمتم- يجوز النيابة للضعيف والمريض والولد الصغير، أما إذا كانت السعة موجودة ولا ضغط ولا كذا فلا يجوز، لابد أن ترمي بنفسها.
الجواب: سائل يقول: حججت سبع حجات، لكن أيام حجي كنت مشركاً، نذبح للقبور، وندعوهم ونستغيث بهم، فهل الآن وقد تبت حجي الأول يكفيني أو أعيد الحج الثاني؟ أعد حجك من جديد، الماضي باطل.. باطل.. باطل.
الجواب: سائل يقول: ما حكم من أخذ مالاً حراماً وأنفقه في سبيل الله؟ يبقى السؤال: كيف كان حراماً؟ سرقته؟ كذبت فيه؟ بعت خمراً؟ بعت حشيشاً؟ كيف حصلت عليه؟ كنت ترابي؟
فنقول: إذا هذا المال تبت قبل أن تصدقه إن كان سرقة رددتها إلى صاحبها، وإن كان اغتصاباً فكذلك، أما إذا كان بيعاً محرماً أو سرقة أو ما شابهها غير معروف صاحبها وتبت فتصدق به، ويثيبك الله.
الجواب: علبة الدخان ليست نجسة، فصلاته صحيحة والمسجد ما يتلوث بها ولا.. ولا، ولكن حرام عليه أن يدخن. لِمَ يحملها وقد عرف أن أهل العلم يفتون بحرمة التدخين؟ يجب أن يمزقها عند الباب ويدوسها بنعليه ولا يحل استعمالها. التدخين حرام، ومع الأسف لجهل الأمة في أيام هبوطها أفتى العلماء بالجواز أو سكتوا.. وهذا التدخين ما هو أيام الصحابة ولا أيام التابعين، ولا تابعي التابعين، هذا أيام الهبوط، يوم استعمرتنا فرنسا وإيطاليا، قلدناهم ودخنا كما دخنوا فقط، فهو حرام، ودليل حرمته: أنه يضر بخمس كليات يجب على المؤمن أن يصونها ولا يتعدى عليها.
أولاً: كلية الجسم، كلما يضر بالجسم حرام، ما تتردد، كلما يضر بجسمك حرام عليك.
الدخان يضر بالجسم، أفتى بهذا العلماء: (75%) من الأطباء: أنه يضر بالجسم.
ثانياً: يضر بالعقل، نعم، الذي يدخن يذهب عقله، رأيناهم على المكتب على الكرسي، يقول أحدهم: عفواً لم أدخن فعقلي ما هو في رأسي! والله ليضر بالعقل، وكلما ضر بالعقل حرام كالخمر والتدخين.. وما إلى ذلك.
ثالثاً: يضر بالمال، هل يجوز لك أن تأخذ عشرة ريالات وتمزقها في الشارع؟ يجوز هذا ؟ والله ما يصلح هذا ويؤدب، فكيف إذاً يشتري هذه العلبة ويحرقها؟ أليس هذا إضاعة للمال؟ والمال حرام إضاعته.
رابعاً: العرض، العرض المكان الذي يستر الإنسان ويعتز به، ضربنا له مثلاً: أولاً: رأينا أيام الشبيبة الشاب إذا رأى شيخاً كبيراً أو عالماً أو من أهل القرآن والسيجارة في يده يطفئها، ما يدخن أمامه حياء! حفاظاً على عرضه ما يدخن، دليل على أنه ضرر بالعرض، وأقبح من هذا: لو أن الإمام على المنبر يخطب الجمعة، الخطبة الثانية يجلس ويدخن، من سيبقى في المسجد؟ لماذا؟ ليس له عقل ولا دين ولا مروءة ولا شرف؛ لأنه يدخن، فهو ضار بالعقل وبالعرض وبالمال وبالبدن وبالدين، وأهم ذلك الدين. كيف يضر بالدين؟
أولاً: لما ينفخ في وجهه ملك عن يمينه وملك عن شماله، هذا عصى الله بمعصية كبيرة أو لا؟ والرسول الكريم يقول: ( من أراد منكم أن يبصق فلا يبصق عن يمينه فإن عن يمينه ملكاً، وليبصق تحت قدميه ) وهذا يدخن وينفخ في وجه الملك عن يمينه وشماله، وينفخ في وجه الجالسين أيضاً حتى امرأته وأمه في وجهها، هذا أذى أو لا؟ أذية -والعياذ بالله- فهو يضر بالدين.
وأقبح من هذا: يرمي السيجارة عند باب المسجد ويدخل يصلي، أفسد صلاته.
لقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضئون مما مست النار، من أكل طعاماً مطبوخاً يتوضأ فترة من الزمن ما أدري سنة سنتين ونسخ الله وهذا رحمة بالمؤمنين، لكن يبقى العمل الصالح أن من أكل طعاماً يتوضأ، فكيف بالذي يدخل الدخان في بطنه! ما هو طعام، من باب أولى أن يتوضأ؛ فلهذا صلاته باطلة.
ومن هنا ما بقي مؤمن يدخن أبداً والحمد لله، إلا من لم يعلم ولم يعرف، أما من سمعوا هذا الكلام وعرفوه والله ما يدخنون، وقد بينا لهم: إذا ما تستطيع احبس نفسك في بيت في غرفة ثلاثة أيام ما تخرج حتى تنسى الدخان، مثلاً سبع أيام حتى تنتهي من الدخان هذا، جاهد نفسك، نعم.
الجواب: هذه بدعة منكرة، يقول السائل: في بلادنا إذا مات رجل وفي وجهه لحية، فالذي يغسله يحلق له لحيته؟ لا يجوز.. لا يجوز.. لا يجوز، حلق اللحية حرام للحي والميت، على حد سواء، حلق اللحية ليبقى الرجل كالمرأة حرام سواء كان حياً أو ميتاً، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء )، والذي يحلق شاربه ولحيته تشبه أو لا؟ أصبح كالمرأة، حرام عليه، لو أبقى شيئاً من لحيته خرج من اللعنة.
الجواب: سائل يقول: والدته مريضة -شفاها الله- ومر عليها رمضان وهي مريضة وما زال، فعليها أن تطعم عن كل يوم مسكيناً، ثلاثين كيلو رز توزع على ثلاثين فقير مقابل كل يوم إطعام مسكين.
الجواب: سائل يقول: أفتنا يا شيخ: في هل الإنسان مسير أو مخير؟ إذا قلنا (مسير) معناه: افجر افعل كذا.. مات فلان؛ لأنك مسير بذلك، وإذا قلنا (مخير) إن شاء كفر وإن شاء آمن.
والجواب: لا هو مسير ولا مخير، بل مأمور ومنهي، عبد الله يجب أن يطيع سيده، إن قال: قل يقول، وإن قال: اسكت يسكت، لا تخيير ولا تسيير، مأمور، عبد الله يأكل ويشرب من طعام الله وشراب الله يجب أن يطيع الله ولا يعصيه، فإذا حرم الله الكلمة لا تقولها، حرم النظرة لا تنظرها، حرم طعاماً لا تأكله، لباساً لا تلبسه؛ لأنك عبد الله، فإنك أطعته أسعدك وأنجاك، وفوزك ودخلت الجنة، وإن تكبرت وعصيت واتبعت الشيطان وأبيت أن تطيع الرحمن يا وليك في جهنم.
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات!
سمو الأمير ممدوح محبنا في الله يبلغنا: أن سماحة الشيخ محمد صالح العثيمين قد توفي، فهيا بنا ندعو الله تعالى له بالمغفرة والرحمة:
اللهم اغفر له وارحمه.. اللهم اغفر له وارحمه.. اللهم أسكنه الجنة دار السلام، اللهم أنزله مع الأبرار يا حي يا غفار، يا حي يا غفار، أنزله دار الأبرار يا رب العالمين، وألحقنا به صالحين مؤمنين.
وصلّ اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر