الحمد لله خلق كل شيء وقدره تقديراً.
الله أكبر كبيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
الله أكبر كلما صلى مؤمن وأناب.
الله أكبر كلما رجع مذنب وتاب.
الحمد لله كثيراً، والله أكبر كبيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
الحمد لله على آلائه ونعمه التي لا تُعد ولا تحصى، حمداً كما يحب ربنا ويرضى.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير.
وأشهد أن نبينا وقائدنا وحبيبنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
معاشر المؤمنين! العيد فرحة، والفرحة لا تكون إلا بالنعمة، والنعمة نعمتان: نعمة باطنة، وأخرى ظاهرة، نعمة معنوية وثانية حسية، نعمة روحية وأخرى بدنية، ولقد أتم الله علينا نعمته، وزادنا من فضله، فالحمد لله كثيراً، والله أكبر كبيراً.
إن المتأمل من أهل الإيمان يستشعر عظمة نعمة الحق سبحانه وتعالى في نعمة الإيمان والإسلام، ونعمة الطاعة والعبادة، ونعمة الأمن والأمان، ونعمة الرزق ورغد العيش، ونعم أخبر الله جل وعلا أن أحداً لا يستطيع حصرها، ولا يمكن أن يقدر قدرها، ولا أن يوفيها حق شكرها، كما قال سبحانه وتعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34].
فالحمد لله كثيراً، والله أكبر كبيراً، وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ [النحل:53].
إننا نستشعر هذه النعمة كلما رأينا قسوة القلوب، وظلمة النفوس، وضلال العقول، وانحراف السلوك فيما نراه في هذا العالم من حولنا يموج بالكفر، ويفيض بالعهر والفسق.. نسأل الله عز وجل السلامة!
فالحمد لله كثيراً، والله أكبر كبيراً: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ [النحل:53].
ثم بعد ذلك يجب شكر النعم بالأفعال، قال عز وجل: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13]، فتلك هي ما ينبغي لنا أن نحرص عليها، وأن نتواصى بها، وأن يكون لنا حظ دائم منها؛ عل الله عز وجل أن يزيد لنا فضله، ويضاعف علينا نعمه، ويواصل بنا لطفه سبحانه وتعالى.
فالحمد لله كثيراً، والله أكبر كبيراً، نحمد الله على نعمة الطاعة والعبادة، ففي رمضان كان القرآن يتلى في المحاريب، وكانت المساجد تغص بالمصلين، وكان الإنفاق في كل الأحوال وفي سائر الأوضاع، وكانت القلوب لله عز وجل خاشعة، والعيون من خشيته سبحانه وتعالى باكية، والأيدي تسأل من عطائه ضارعة، فالله الله! في هذه النعمة أن نقدر قدرها، إنها نعمة يحرم منها كثير من الناس، فنعمة الطاعة والتوفيق لها، ونعمة العبادة والاستقامة عليها من أعظم نعم هذه الدنيا التي تنفعنا في الآخرة، قال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32].
ولما طلب بعض الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوجز خلاصة الإسلام كله قال: (قل: آمنت بالله، ثم استقم) ، فهي نعمة عظمى كما قال الحق جل وعلا: لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:162] كل هؤلاء في سياق واحد: أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:162].
إنها نعمة عظيمة ينبغي أن نستشعرها إذا استشعرنا غيرها، إذا استشعرنا يوم مرض أقعدنا عن الطاعة، أو استشعرنا شبهة شوشت علينا الاستقامة، أو وقعنا أسرى لشهوة أغرقتنا في معصية.
فكم نرى من الناس أسارى شهواتهم! وكم نرى من الناس قاعدين مع ضعف نفوسهم وهممهم! وكم رأينا المساجد ممتلئة وكانت الأسواق بالناس غاصة! أليس أولئك محرومين من تلك النعمة؟! أليس الذين شغلوا بالأدنى عن الذي هو أسمى قد فقدوا خيراً كثيراً، وحرموا نعمة عظيمة؟! إنها نعمة ينبغي لنا أن نتدبرها، وأن نتأملها، وأن نذكرها، وأن نشكرها، وليس شكرها إلا بالاستقامة عليها، فينبغي ألا تعود المساجد خاوية بعد أن كانت ممتلئة، وألا تعود المصاحف مهجورة بعد أن كانت متلوة، وألا تعود الصلات منقطعة بعد أن كانت ممتدة، فلا ينبغي أن نرتد على أعقابنا خاسرين، ولا ينبغي لنا أن نبدد ما أكرمنا الله عز وجل به من الخيرات وما ضاعف لنا من الحسنات فنمحقها بالمخالفات، ونبيدها ونضاعف أضعافها مما يعاكسها ويناقضها من السيئات، فنسأل الله عز وجل أن يوفقنا لذكر نعمته وشكرها، والحمد لله كثيراً، والله أكبر كبيراً!
إننا نعرف وندرك أن أربعة وخمسين ألفاً في غضون أيام قلائل ماتوا في زلزال باكستان، ويتبعهم أكثر من سبعة وسبعين ألفاً من الجرحى، وما يقرب من أربعة ملايين من المشردين، إننا نسمع التقارير عن أربعة ملايين ونصف مليون من الأيتام في بلد واحد! فأين هذا كله مما نحن فيه من نعم الله عز وجل؟ فكيف تجحد وتنسى؟ ألا نتذكر وننتبه لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم من رواية أبي هريرة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم) .
قم بزيارة هذا اليوم إلى إحدى المستشفيات، فستحمد الله أنك تمشي على قدميك، وأنك تبصر بعينيك، وأنك تأكل الطعام فتستلذه، ولا يصيبك شيء مما لو قلت لأحدهم: ما تريد؟ لقال: عافية بدني وصحة جسدي. أفليست هذه نعماً؟!
وقد روى هذا الحديث الترمذي بلفظ أكثر وضوحاً وجلاءً من رواية أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى من فُضل عليه في الخلق والرزق -كما نرى اليوم ونقول: هذا عنده السيارات، وعنده الفلل والقصور، وعنده الأموال- فلينظر إلى من أسفل منه -ممن فضل هو عليه- فإنه أجدر ألا يزدري نعمة الله عليه) .
فكم هذه النعم تحتاج منا إلى أن نتذكرها وأن نشكرها! وكم هي نعم الله سبحانه وتعالى وفيرة! فالحمد لله كثيراً، والله أكبر كبيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
وعجباً لأمر الناس! خير الله إليهم نازل، وشرهم إليه صاعد! يتحبب إليهم بالنعم، ويتبغضون إليه بالمعاصي! ونعمتنا أن أفراحنا دين وعبادة وطاعة، كما قال عز وجل: وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185].
إننا نصل عبادة بعبادة، وطاعة بطاعة، وبينها ومعها فرح بنعم الله عز وجل كلها ظاهرة وباطنة، فرح نعلن فيه إقرارنا بفضل الله، ونذكر فيه نعم الله، ونستقيم فيها على شرع الله عز وجل، ولا نقع في معصية الله، فالله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
وقد يقول أحدنا: أين هو النصر؟
إنه النصر الأول، إنه النصر الذي لابد منه في كل معركة، إنه انتصار المرء على نفسه وشهوته وضعفه وهواه، لقد كنتم منتصرين حين أعلنتم الحرب على الشيطان، وأعلنتم المعارضة للهوى، وأعلنتم رفض كسل النفوس وميلها إلى الأرض وإخلادها إليها يوم قمتم إلى الله طاعين، يوم ظللتم على مدى شهر كامل صائمين، يوم قطعتم يومكم ونهاركم ذاكرين ضارعين داعين، لقد أعلنتم أنكم بالإيمان تقهرون كل شيء، وتزيلون كل عارض، وتستطيعون بإذن الله عز وجل أن تنتصروا في كل معركة تواجهون فيها أعداءً حقراء من أولئك البشر الضعاف مهما كانت قوتهم، ومهما تسموا بالقوة العظمى أو الكبرى؛ فإن الله جل وعلا قد ذكر كل قوى الأرض في شطر كلمة فقال: وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [الزمر:36]، فكلهم دون الله عز وجل، وكلهم لا يستحقون من أهل الإيمان إلا وقفة صدق مع الله عز وجل، وكَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:249]، فالحمد لله على نعمة النصر على الهوى والشهوة، والحمد لله كثيراً، والله أكبر كبيراً.
فاحمدوا الله على نعمه، واثبتوا على طاعته، واستقيموا على شريعته، والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله كثيراً، والله أكبر كبيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
الحمد لله على آلائه ونعمائه، والشكر له على سرائه وعطائه، والصبر له على ما قدر وقضى من بلائه، له الحمد جل وعلا كما يحب ويرضى.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، أحمده سبحانه وتعالى كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه.
وأشهد أن نبيه ورسوله المصطفى ونبيه المجتبى صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد:
معاشر المؤمنين! إن الله جل وعلا نبهنا أن نذكر نعمته فقال: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ [آل عمران:103]، ألم نر ماء الوصل يجري بين القلوب؟ ألم نر روح المحبة تسود بين الأقارب والأحباب؟ ألم نر تلك النعمة العظمى التي قال الله عز وجل عنها: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ [المائدة:11] فاذكروها ذكراً عملياً كل ذلك تذكير بنعم الله عز وجل.
وينبغي لنا الحذر ألا نكون كحال من قال الله عنهم: وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا [الإسراء:83]، أو كحال الذين بدلوا نعمة الله كفراً!
وما ذكره الحق جل وعلا في ذلك عظيم جليل يحتاج منا إلى مثل هذا التدبر والتأمل؛ حتى نكون ظاهراً وباطناً على ما يحب الله سبحانه وتعالى ويرضى.
إن هذه النعم الكثيرة التي قد فاضت وزادت وعظمت في شهرنا الذي مضى تستدعي منا أن نستنظر رحمة الله، وأن نستجلب نعم الله بفيض ذلك الذي كان في هذا الشهر الكريم.
وينبغي لنا أن نؤكد مرات ومرات على أن النعم عظيمة، وأن كل نعمة تستدعي تدبراً وتأملاً خاصاً بها.
فالحذر الحذر! أخيتي المسلمة! من أن تكوني سبباً في ضرر نفسك، واستحقاق غضب ربك، أو فتنة غيرك، وإلحاق واستشراء الفساد في أهلك ومجتمعك.
نعم الله لا تُعد ولا تحصى، فاسألوا الله جل وعلا أن يحفظ علينا نعمه، وأن يوفقنا لشكرها، وأن يزيدنا منها بشكرنا عليها، وأن يجعل شكر نعمته نعمة تستوجب شكره عليها، لك الحمد ربنا على آلائك ونعمك التي لا تعد ولا تحصى حمداً كما تحب وترضى، أنت أهل الحمد والثناء، لا نحصي ثناءً عليك؛ أنت كما أثنيت على نفسك.
اللهم أتم علينا نعمتك، وأوف لنا فضلك، وأكمل علينا نعمتك يا رب العالمين!
نسألك اللهم المزيد من فضلك ونعمتك يا أكرم الأكرمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.
اللهم يا أرحم الراحمين! نسألك في هذه الأيام المباركة اللطف بإخواننا المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين والجرحى والمرضى والمنكوبين في كل مكان يا رب العالمين!
اللهم إنهم حفاة فاحملهم، عراة فاكسهم، جياع فأطعمهم، خائفون فأمنهم، مشردون فسكنهم.
اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم، وعظم يقينهم، واجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين.
اللهم اجعل لنا ولهم من كل همّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية يا سميع الدعاء!
اللهم إنا نسألك أن تكون قد ختمت لنا رمضان بالمغفرة والقبول والرضوان، والعتق من النيران.
اللهم ارزقنا الاستقامة على الطاعات بعد رمضان، اللهم وارزقنا صلة رمضان بصوم التطوعات يا رحيم! يا رحمان!
اللهم وفقنا في غير رمضان إلى الإنفاق في سبيلك، وإلى مد حبال الوصل لإخواننا في كل مكان.
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في أرض فلسطين، وفي كل مكان يا رب العالمين!
اللهم إنا نسألك أن تلطف بهم فيما تجري به المقادير، اللهم ثبتهم في وجوه الصهاينة المعتدين.
اللهم أخرج أولئك المجرمين من المسجد الأقصى أذلة صاغرين عاجلاً غير آجل يا رب العالمين!
والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر