أيها الأحبة في الله: أسأل الله جل وعلا أن يجزيكم خير الجزاء على حضوركم هذه المحاضرة في ليلةٍ شديدة البرودة، وأسأل الله جل وعلا أن يجمعنا بكم في جنةٍ لا نرى فيها: شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً [الإنسان:13-14].
أحبتنا في الله: حديثنا إليكم حديث الأخ المتعلم إلى إخوانه العلماء والأفاضل، ولكن لا بأس أن يذكر بعضنا شيئاً قد يغيب عن أذهان البعض.
أحبتي في الله! عنوان هذه الكلمات: نساءٌ لم يذكرهن التاريخ، نساءٌ لم يذكرهن التاريخ بسوء، نساءٌ لم يذكرهن التاريخ بفاحشة، نساءٌ لم يذكرهن التاريخ بمعصية، نساءٌ سطر التاريخ مآثرهن، وسجل كرامتهن، وسطر مواقفهن التي كانت ولا تزال شمساً مشرقة وقناديل تضيء لأجيال الفتيات والبنات والأمهات طريق السير في معترك الحياة.
نعم. إذا أفسدوها فسد المجتمع، ومن أراد أن يبطل شيئاً؛ فلا بد أن يبطل أركانه، ومن أراد أن يفسد داراً؛ فلا بد أن يعطل أساسها، ومن أراد أن يخرب دولةً؛ فليهدم مجتمعها، وإن مجتمعنا ولله الحمد والمنة لا يزال يشهد تماسكاً وترابطاً، ورعايةً وعناية من الآباء والأمهات، ومكانة الأسرة مرموقة، ومنـزلتها معلومة، إلا أن أعداء الإسلام من العلمانيين والمنافقين والمتربصين بنا الدوائر قد شرقوا بريقهم، وأغاظهم هذا الأمر، وحسدونا على ما نحن فيه، وصدق فيهم قول الله: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89] وصدق فيهم قول الله جل وعلا: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [البقرة:105].
إذا لقونا تبسموا بالشفاه، وأظهروا صادق الولاء، وإذا خلوا عضوا علينا الأنامل من الغيظ يريدون أن يروا يوماً أسود، وشتاتاً وفرقة، ومصيبةً وبليةً في هذا المجتمع، ويأبى الله ذلك -بمنه وفضله وكرمه- ورسوله والمؤمنين.
ونرى من يحرص على أن يبرز المرأة التي تركت بيتها، وأهملت أولادها، وهجرت بيت زوجها.
نرى من يحرص أن يجعلها هي القدوة، وهي المثل الأسمى، وصاحبة القدح المعلى.
نرى من يحرص أن يسجل هذه المرأة المتبرجة التي تسافر وحدها، والتي تخرج وتدخل وتتصل وتهاتف وتكلم وتعِد وتزور وتلقى من تشاء كيفما شاءت، وبأي زيٍ شاءت، وفي أي وقتٍ شاءت.
نرى من يحرص على إبرازها بأنها الفتاة المرموقة، والمرأة المثقفة، وصاحبة الفهم والوعي والإدراك التي استجابت لما يحتاج إليه الواقع، والتي واكبت ظروف العصر، والتي طرحت نفسها في معادلة الرقي الاجتماعي.
هذا والله مما نراه، وتلك شنشنةٌ نعرفها من أخزم! نعرف أن أعداء الإسلام ما أرادوا للمرأة سعادة، ولا أرادوا لها حرية، ولا عفةً وحياءً، ولا ستراً وحجاباً، وإنما أرادوا أن يكون الطريق إليها سهلاً، وأن يكون السبيل إليها مفتوحاً، وكما قال محمد قطب حفظه الله وسائر علماء ومفكري المسلمين، قال: إنهم لا يريدون حرية المرأة ولكنهم يريدون حرية الوصول إلى المرأة.
إن من واجب الدعاة إلى الله أن يخاطبوا المرأة وأن يحدثوها، خاصةً تلك المرأة التي أقبلت على الكهولة.
إن الحديث للمرأة عامٌ ولكني أخص اليوم بالذكر فئةً وشريحةً من النساء اللائي جاوزن الخامسة والثلاثين أو الأربعين، وأقبلن في دبر العمر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد صح عنه في صحيح البخاري أنه قال: (قد أعذر الله إلى امرئٍ بلغه الستين من عمره) وفي الصحيح أيضاً: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وقليلٌ منهم من يجاوز ذلك) فأيما رجلٍ وامرأة بلغ هذا السن أو جاوزاه؛ فهو والله في دبر العمر، وفي خريف الحياة، فلينظر ماذا قدموا وماذا أخروا.
عجوزٌ تمنت أن تعود صبيةً وقد ذبل الخدان واحدودب الظهرُ |
فراحت إلى العطار تبغي شبابها وهل يصلح العطار ما أفسد الدهرُ |
نعم. إني أعجب أن أرى امرأةً جاوزت الأربعين تتغنى وتتزين وتفاخر أنها ستكون عصر السبت في حديقة الحيوانات، وعصر الأحد في الملاهي، وعشاء الإثنين في حفل الزفاف، واليوم الرابع في النادي الفلاني في حفلةٍ نسائية، أين حظ العبادة من وقتها؟! أين حظ الطاعة من ساعاتها؟! أين حق القيام والتهجد من قيامها ونهارها؟! لا تجد لهذا قليلاً أو كثيراً، إلا من رحم الله منهن، وقليلٌ ما هُنَّ.
إنا لا نقول: حرامٌ على المرأة أن تحضر مناسبةً، أو أن تروح عن نفسها بشيء، ولكن امرأةً جاوزت الشباب، ودخلت في الكهولة، حريٌ بها أن تستحي، حريٌ بها أن تُقْبل .. نحن ما قلنا: إنها عجوزٌ قد خرفت، أو قلنا إنها قد أدبرت، ولا فائدة لزوجها منها، حاشا وكلا! فكم من امرأةٍ في هذا السن هي خيرٌ من شابةٌ في مقتبل عمرها، ولكن نقول: إن هذه المرحلة تتطلب منها إقبالاً وتوجهاً وحرصاً على العبادة، لكي يعلوها الوقار، وتتزيا بالهيبة، وتقتدي بها بناتها، وتقتدي بها جاراتها، وتقتدي بها زوجات أبنائها، تكون بهذه الحال لا أن تصبح سفيهةً مراهقة:
هَبِ الشبيبة تبدي عذر صاحبها ما بال أشيبَ يستهويه شيطانُ |
إن الداعي والباعث إلى كثيرٍ من هذه التصرفات:
أولاً: الفراغ: فراغ القلوب، وفراغ الوقت.
نعم. لقد فتح الله علينا أبواباً من الخير كثيرة، وأبواباً من النعم لا تحصى. كانت المرأة فيما مضى مشغولة بجلب الماء من البئر، وبإعداد الملابس لزوجها، وطهي الطعام، وإعداد شئون أولادها، وترتيب منـزلها، لا تجد إلا وقتاً قليلاً للعبادة، ومع هذا كله، فقد عرفنا وعرفتم، ولاحظنا ولاحظتم أن فئةً كبيرةً من النساء اللائي سلفن في عمرٍ مضى مع كثرة مشاغلهن في المنازل كنَّ أقرب إلى الله، وأتقى لله، وأقوم لليل، وأصوم للنهار، وأكثر عبادةً وتهجداً، ولما فتحت علينا شئون الدنيا وأصبح الناس يخدموننا من بلاد الشرق والغرب، أصبحت البيوت مليئة بالخادمات، كان المفترض أن تجتهد -من نالت الفراغ بعد الشغل- في العبادة والطاعة، ولكن من المؤسف حقاً أن نجد أن الوقت أخذ يُملأ بالملاهي وحدائق الحيوانات، وكثير من المناسبات التي لا فائدة فيها، وكثير من اللقاءات التي ربما ملئت بالرقص وسماع الغناء، وربما اجتمعن ورقصن البنات فيها وحصل فيها من المنكرات ما الله به عليم.
أعود وأكرر: إننا لا نثرب أو نحرج أو نحرم على المرأة أن تنال شيئاً من الراحة، أو أن تروح عن نفسها في مناسباتها، ولكن لا يعني ذلك أن تشتغل الليل والنهار وطيلة أيام الأسبوع أو أغلب أيام الأسبوع في مثل هذه المسائل.
ثانياً: بعد الفراغ في الوقت. فراغ الروح، إن من كان بالله أعرف؛ كان منه أخوف، وإنما العلم الخشية، وإِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، فمن عرف الله حقاً كان خائفاً منه، ومن أدرك نعم الله قابلها بشكره بعبادته، ولكن كثيراً من النساء ويا للأسف قابلن هذا بفراغ الروح وملئن القلوب باللهو والطرب!
إن لكل شيءٍ غذاء ومادةً تناسبه لكي تملأه بها، فلو أن فتاةً أو امرأةً جاءت وقالت: إني عطشى، إني جائعة، نقول لها: اشربي بنـزيناً! هل البنـزين شرابٌ للعاطشين؟! لا. إن من كان عطشاناً فإن غذاءه الماء، ومن كان جائعاً هل نلقمه التراب، أو نجعله يعلف الصخرة والحصى؟! لا. إن من كان جائعاً فغذاؤه الطعام، فما دامت البطون لا يصلح لها إلا ما يناسبها من الطعام، فكذلك القلوب من العبث أن نملأها بغير ذكر الله جل وعلا.
إن كثيراً من الناس جاعوا في قلوبهم وأصابهم العطش، وأقفرت صحاري قلوبهم، وأجدبت ربوع قلوبهم، فذهبوا يستسقون وذهبوا يطلبون الماء والطعام لقلوبهم، فقدموا لهذه القلوب الأغاني لعلها تروى من عطشها، قدموا للقلوب الأفلام لعلها تشبع من جوعها، قدموا للقلوب المجلات الخليعة لعلها تجد شيئاً من حاجتها، قدموا للقلوب السهرات التافهة، والذهاب والإياب، والغدوات والروحات، في غير طاعة الله أو في لهوٍ يفضي إلى معصية الله جل وعلا.
أيها الأحبة! إن الضخ الإعلامي -عبر كثيرٍ من وسائل الإعلام التي كانت المرأة هدفاً رئيساً فيه- حدا بكثيرٍ من النساء أن إلى التنافس، والدليل على ذلك أن تجد جملة وشريحة من النساء ممن أقبلن على الخمسين تنافس وتقلد وتفاخر أن فستانها كفستان الممثلة الفلانية، وأن لباسها كلبس المغنية الفلانية، وأن سهرتها في المكان الذي سهرت فيه الراقصة الفلانية، ووالله إن هذا موجودٌ في مجتمعنا، نسأل الله أن يرد الجميع إليه رداً جميلاً.
ثالثاً: لو كانت المرأة فقيرة لما اشتغلت بهذا.
نعم. حينما ترى امرأةً سبتها في حديقة الحيوانات، وأحدها في الملاهي، واثنينها في حديقةٍ عامة، وثلاثاؤها في مناسبةٍ سهرة، وأربعاؤها في حديثٍ، وتجد في هذا سهرٌ طويل واشتغالٌ عن طاعة الله، ونومٌ عن صلاة الفجر، ونهارها ضائع والخادمة هي التي تدبر الأطفال وتدير البيت، لو كانت هذه المرأة فقيرة، أو أفغانيةً تستجدي قطعة قماش تستر عورتها وعورة بناتها بها، أو كرديةً لا تدري هل تضع القماش تحت رجلها لكي يقيها من صقيع الجليد والثلج؟ أم تجعله على كتفها؛ لكي يرد عنها شدة البرد والزمهرير .. لو كانت واحدة من تلك لما فكرت ولما وجدت وقتاً أن تزور حديقة أو ملهاة، ولكن هو شأن بني آدم: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7] لما استغنى بالمال وبالوقت وبالعافية؛ أصبح يصرف ويقلب، وأصبح حال كثيرٌ من النساء يصرفن ويقلبن هذه الأوقات في الملاهي والمسارح ومناسباتٍ لا ترضي الله جل وعلا.
والله لو كانت في الصومال التي تشهد مذابح عنيفة، أو كانت إريتريةً فقيرة، أو في بلادٍ فيها قتلٌ وسفكٌ وتشريدٌ وأرامل ويتامى لما وجدت مكاناً ووقتاً لكي تضيع المال والوقت والصحة، أو مريضةً في كل عشرين ساعة تغسل كلاها لفشلٍ كلوي أصابها، لو كانت مريضةً تحتاج أن تستنشق الأكسجين أو البخار لأزماتٍ في تنفسها تنتابها بين الساعة والساعة، لو كانت مريضةً بشريانٍ أو بصمام، أو مشلولةً لا تستطيع أن تتحرك، والله ما وجدت وقتاً لكي تضيعه في الذهاب والإياب إلى هذه الملاهي وإلى تلك الحدائق وغيرها.
وإني لأنصح أخواتي وبناتي، وأنصح الزوجات والأمهات أن يزرن قسم النساء في دار النقاهة، ولهن وحسبهن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من زار مريضاً؛ لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع) فلهن الأجر من الله بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا يا صويحبات أمهاتنا! ألا يا بنات مجتمعاتنا! ألا يا معاشر الزوجات! ألا يا معاشر البنات والأمهات! زوروا دار النقاهة؛ لكي تعرف الواحدة نعمة الله عليها، لكي تعرف أنها إن أرادت حاجتها الخاصة قضتها بنفسها، وأن أختاً لها لا تستطيع قضاء حاجتها إلا بوقوف ثلاث ممرضات، إحداهن على صدرها واثنتين على بطنها، حتى تخرج ما بجوفها!!
أفلا تحمد الله؟! أفلا تشكر الله؟! أفلا تسبح وتكبر لله جل وعلا؟! هذا خيرٌ لها، لكن الكثير من الناس لا يستعتب أو يعود أو يؤب إلا إذا مسه الشر، إلا إذا حلت به المصيبة، وكما قال الله جل وعلا، وهذا في شأن الذكر والأنثى: وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ [يونس:12].
فتاةٌ يوم أن كانت مريضة تتلوى تتقلب تتأوه، امرأة يوم أن كانت مريضة لا تطيق أن ترى أحداً، لا تتمنى أن تقابل أحداً، فلما عوفيت وشفيت .. اذهبوا بنا اليوم إلى الحديقة؛ اذهبوا بنا إلى ذلك المكان، بالأمس كانت تتلوى وتتضور من الجوع والألم، ولما حضرت تلك الحفلة المطربة والمغنية وآلات الموسيقى والأعواد والفرقة الموسيقية أخذت ترقص يمنةً ويسرةً على هذه الأنغام، ونسيت أنها بالأمس كانت تتلوى على السرير الأبيض في المستشفى!! نعم وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ يتلوى على جنب أَوْ قَاعِداً لا يستطيع أن يستمر نائماً، تارةً يقعد، وتارةً يقف، وتارةً ينقلب على جنبه، وتارةً على ظهره دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ لما ذاقت تلك المرأة أو الفتاة أو الزوجة أو الأم طعم العافية مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ [يونس:12] كأنها لم تصب يوماً بمرض، ولم تذق ألماً وسقماً من الأسقام.
ما أجمل الحياء! ما أجمل العفاف! ما أجمل هذا الحياء الذي ظهر وأيرق وأشرق وأزهر في بيت النبوة، بعد أن استحت عادة مرةً أخرى، فذهب علي بنفسه رضي الله عنه وقال: [يا رسول الله! سنوتُ حتى اشتكيت صدري، وطحنت فاطمة حتى مجلت يداها] أصابها شيءٌ من آثار القروح من أثر ما تطحنها على الرحى وهي تعلف النوى لفرس علي بن أبي طالب.
قال علي: [يا رسول الله! فهب لنا خادماً] فهل قال صلى الله عليه وسلم: أبشر بسواد عين، فإن ابنتي عندك؟! أو قال: أبشر لعينك يا علي يا بن أبي طالب يا بن عمي؟! لا. بل قال صلى الله عليه وسلم: (والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة -الفقراء المساكين المحتاجين الذين يطوون الحصى على بطونهم من الجوع والفاقة والحاجة- تطوى بطونهم ولا أجد ما أنفق عليهم، لكن أبيع السبيَ؛ فأنفق على أهل الصفة).
ثم ولى علي رضي الله عنه، وفي الليل جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل على ابنته وزوجها، فوجدهما قد تغطيا بفراشٍ إن غطيا به رأسيهما بدت رجلاهما، وإن غطيا به رجليهما بدا رأسيهما، الله أكبر! فجلس النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، قال علي: والله إني لأجد أثرَ برد قدم الرسول صلى الله عليه وسلم على كبدي، فقال: (أفلا أخبركما بما هو خيرٌ لكما من خادم؟ تسبحان دبر كل صلاةٍ عشراً، وتحمدان عشراً، وتكبران عشراً) وهذا في مسند أحمد، وفي صحيح البخاري: (إذا أويتما إلى فراشكما سبحا الله ثلاثاً وثلاثين، واحمدا الله ثلاثاً وثلاثين، وكبرا الله أربعاً وثلاثين) قال علي: [فما تركتها، قيل له: ولا ليلة صفين، قال: ولا ليلة صفين].
نساءٌ لم يذكرهن التاريخ بفاحشة ولا بمعصيةٍ ولا بدناءةٍ ولا بخسةٍ ولا بسخافةٍ أبداً، منهن فاطمة رضي الله عنها، أول أهل الرسول لحاقاً به، فقد أخبرها النبي صلى الله عليه وسلم بخبرٍ سارّها به فيما بينه وبينها، وعائشة تنظر إليهما، فبكت فاطمة ثم سارّها مرةً أخرى؛ فضحكت فاطمة ، فماذا كان السر الأول المبكي؟ وما هو السر الآخر المضحك الذي بعث على الفرح والابتسامة؟
أما الأول: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنتِ أول من يلحق بي من أهل بيتي) فبكت رضي الله عنها وقد توفيت فاطمة بعد رسول الله بستة أشهر. ثم لما سارها مرةً أخرى، قال: (وأنت يا
يا أمنا! يا أختنا! يا جدتنا! يا زوجةً لإخواننا! يا فتاةً من بناتنا! لو قيل: إن مطربةً فلانية ستحضر النادي الفلاني؛ لتهيأ كثيرٌ من البنات لكي تقف أو تصور أو تجالس أو تظفر بكلمة أو توقيع على ما يسمى بالأتوجراف، أو ورق الذكرى لكي تحتفظ وتفتخر به.
يا أمنا! يا أختنا! يا زوجة أحد إخواننا! ألا يسرك أن تكوني صديقةً ورفيقةً وزوارةً لسيدة نساء أهل الجنة في الجنة؟ بلى والله إن ذلك لهو الفوز العظيم، أن تكوني صديقةً لـفاطمة ، وأن تكوني قريبةً من خديجة، وأن تكوني جليسةً لـعائشة رضي الله عنها.
ولما حانت منية فاطمة رضي الله عنها ودعها زوجها وغسلها وكفنها وصلى عليها.
هذا نهاية المطاف في الحياة وبداية الانتقال إلى دار برزخية.
عائشة نهايتها الموت، فاطمة سيدة نساء أهل الجنة أيضاً كانت نهايتها الموت، وكذلك خديجة وغيرها .. أفأنتِ لن تكون لك مثل هذه النهاية؟ ستموتين وسنموت جميعاً.
أحسن الله بنا أن الخطايا لا تفوح |
نح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوح |
لتموتن وإن عمرت ما عمر نوح |
لو كانت الأعمار تبقى لواحدٍ لكان رسول الله حياً مخلداً |
فيا أمنا! يا أختنا! يا زوجة أحد إخواننا! يا امرأة ندعوك بالله وإلى الله ولوجه الله، أفلا تزورين خديجة رضي الله عنها، وهي التي يقرؤها جبريل الرسول الأمين السلام ويبشرها من الله ببشارة، يقول لزوجها محمدٍ صلى الله عليه وسلم: (بشر
يا أختنا! يا فتاة الإسلام! يا امرأة الإسلام! ألا تريدين أن تكوني زوارة صديقة جليسة أنيسة لـخديجة ؟ بلى والله.
عن القاسم قال: [كنتُ إذا غدوت أبدأُ ببيت قال: فذهبت إلى السوق ثم رجعت فإذا هي قائمةٌ كما هي تصلي وتبكي. وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: إنكم لن تلقوا الله بشيءٍ هو خير لكم من قلة الذنوب
هذه حال عائشة. ولما حضرتها الوفاة وكان عندها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر فاستأذن ابن عباس وقد قربت من الموت فقالت: [مالي ولـابن عباس؛ فأكب عليها يرجوها ابن أخيها حتى أذنت له، فدخل ابن عباس وأثنى عليها خيراً وقال: أنت الذي أنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات، وبركاتك على المؤمنين في كثيرٍ من الأمور، فالتفتت عائشة إليه وقالت: دعني منك يا بن عباس، فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنتُ نسياً منسياً].
عائشة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم، مبشرة بالخير العظيم، تمدح وتثنى وتذكر مناقبها بين يديها، فتقول: [دعني عنك يا بن عباس؛ فوالله لوددت أني كنتُ نسياً منسياً].
يا أمة الله! يا فتاة الإسلام! يا امرأة تجاوزت الأربعين أو قربت منها! خذي صورةً من صور أمهات المؤمنين واجعليها قدوةً ونبراساً ومثالاً لتتأسي وتقتدي بها، بدلاً من أن تنافسي فلانة في ذهبها، وعلانة في حليها، وفلانة في فستانها، وفلانة في خدمها، وفلانة في أباريقها، وفلانة في زجاجها وما عندها من الأواني والأثاث وغير ذلك، خذي طريقة أمهات المؤمنين واسلكيه؛ تصلين بها إلى جنة، فتُخدَمي في الجنة، وتكوني من المنعمات نعيماً لا ينقطع، أما الحلي والملابس والأباريق والأكواب والأثواب والأثاث وغير ذلك؛ فإنك تنقلين من سعته إلى ضيق قبرك، ومن نور الإضاءة والكريستال والنجف إلى ظلمة القبر، ومن السعة في الفلل والقصور إلى ضيق اللحود، ومن الأنس بالزائرات والصديقات والملاهي والحدائق وغير ذلك إلى دار وحشة حيث لا أنيس فيه إلا عبادة ترجين بها وجه الله جل وعلا.
أم شريك رضي الله عنها، اسمها: غزية بنت جابر بن حكيم السدوسية ، قال الأكثرون: هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يقبلها، وعن ابن عباس قال: [وقع الإسلام في قلب
امرأة لما أسلمت وكان الإسلام لم يزل بعدُ سراً خفياً لم تقم له دولة وصولة، هذه المرأة جعلت تدخل على نساء قريش سراً فتدعوهن وترغبهن في الإسلام، حتى انتشر أمرها في مكة، فأخذوها، وقالوا: لولا قومك لفعلنا بك، وفعلنا، لكن سنردك إلى قومك.
قالت: [فحملوني على بعيرٍ ليس تحتي منه شيء، ثم تركوني ثلاثة أيام لا يطعمونني ولا يسقوني، وكانوا إذا نزلوا منـزلاً أوثقوني في الشمس واستظلوا هم عن الشمس، وحبسوني عن الطعام والشراب، فبينما هم كذلك قد نزلوا منـزلاً أوثقوني في الشمس في حر الهاجرة، إذا أنا بشيء أجد برده على صدري، فتناولته فإذا هو دلوٌ من ماء -كرامة لـأم شريك رضي الله عنها- قالت: فشربتُ منه قليلاً قليلاً، ثم نزع مني فرفع عني ثم عاد وتناولته فشربت منه، ثم رفع ثم عاد فتناولت منه، ثم رفع مراراً ثم شربت منه حتى رويت، ثم أفضت سائر ما في هذا الدلو على جسدي وثيابي، فلما استيقظ القوم إذ هم بأثر الماء حولي، ورأوني حسنة الهيئة، قد بَلَّ الماء جسدي وبدني، فلما استيقظوا ورأوها على هذه الحالة؛ قالوا لها: إنك حللت الوثاق فأخذت سقاءنا، وشربت منه، قالت لهم: لا والله، ولكن قد كان من الأمر كذا وكذا، قالوا: لئن كنتِ صادقةً لدينك خيرٌ من ديننا، فلما ذهبوا إلى أسقيتهم وجدوها كما هي ما نقصت منها قطرة، فأسلموا عند ذلك] وكانت سبباً في إسلامهم.
انظروا أيها الإخوة! انظرن واسمعون يا معشر الأخوات! ويا معاشر الأمهات! امرأة تدعو سراً لما تعذر الأمر أن تدعو جهراً.
قال أنس رضي الله عنه: [ذهبت مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى
قال الواقدي: حضرت أم أيمن معركة أحد، وكانت تسقي الماء وتداوي الجرحى وشهدت خيبراً وتوفيت في آخر خلافة عثمان.
أمٌ حاضنةٌ داعيةٌ رقيقةٌ بكاءة، من بكائها يبكي أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وليس الأمر عند هذا، بل شهدت أحداً وشهدت خيبراً.
ماذا تريد يا إخوان؟ أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، تتوقعون إلى أين تذهب؟ هل تزور أحداً تتفكه، تضيع الوقت، تقضي الساعات؟ لا. تريد أن تهاجر من مكة إلى المدينة ، امرأة بنت أشقى القوم تهاجر من مكة إلى المدينة ، وهذه دعوة لكل فتاةٍ في أسرةٍ كافرة، أو في أسرةٍ لا تدين بالإسلام الصحيح، أن تهجر قومها وأهلها وأن تفر بنفسها ودينها إلى دين الله، وإلى الإسلام وإلى مرضات الله جل وعلا.
قالت: ثم لما خرجت وأنا أريد اللحاق برسول الله صلى الله عليه وسلم إذ برجلٍ من خزاعة قال: أين تريدين؟ فسألته فقلت: مَنْ أنتَ؟ قال: أنا من خزاعة، قالت: فاطمأننت إليه؛ لأني أعلم أن لخزاعة عهدٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي بين النبي وبينهم عهدٌ وميثاق، فليسوا بأعداء له- قالت: فقلت: أنا من قريش وأريد اللحاق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فسار بها وخدمها وأحسن رعايتها، وكان يجعل البعير يبـرك لها ويتنحى عنها حتى تركب، ثم إذا استوت وتسترت عليه أخذ بها حتى وصلت المدينة ، ثم إنها لما بلغت المدينة، دخلت على أم سلمة ، فسألتها أم سلمة رضي الله عنها، قالت: فسألتني أم سلمة ، فقلت: أنا فلانة هاجرت إلى الله ورسوله، فقالت أم سلمة: هاجرت إلى الله ورسوله؟!! أهلاً بكِ يا أخية، وأثنت عليها والتزمتها وقبلتها، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل وسأل قالت له أم سلمة: هذه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، فتكلمت أم كلثوم قالت: إني خائفة أن يردني رسول الله كما رد أبا جندل وأبا بصير ؛ لأن بين النبي عهدٌ وميثاق أن من خرج من مكة إلى المدينة أن يرده النبي إلى أهل مكة ، فرحب بها النبي صلى الله عليه وسلم، وللقصة بقية شاهدها: امرأة تهاجر فراراً بدينها لوجه الله ولحاقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم.
تجد بعض الفتيات إذا ما زارت قريبة لها في المستشفى أخذت لها كل المجلات الخبيثة الخليعة التي لا تليق ثم جاءت بها وأهدتها وقدمتها لتلك المريضة، هل يقدم للمريض صورٌ متبرجة؟ هل يقدم للمريض غثاء؟ هل يقدم للمريض كلامٌ يشغل عن الله وعن ذكر الله جل وعلا.
الآن الورود عند المستشفيات تباع الوردة بمائة ريال ومائة وخمسين ريال، والله لو أن الواحدة من أخواتنا إذا زارت صديقةً أو قريبة؛ اشترت المسجل الصغير ومع المسجل عدداً من الأشرطة المناسبة لكان هذا خير لها، فإذا قدمت هذه الهدية لهذه المريضة، جعلت السماعتين على أذنيها وأخذت تسمع كلام الله، تسمع الشفاء وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ [الإسراء:82] تسمع الهدى والوحي والبصيرة التي تعينها وتعين بدنها على الصحة والعافية. كانت أسماء إذا مرضت تعتق كل مماليكها وتتصدق بمالٍ كثيرٍ جداً.
فلما بلغ الغيظ من أبي جهل مبلغه؛ خرج ذات يوم فوجدها تعذب وقد وكل بها عبيداً له يعذبونها حتى تترك الإسلام، فاغتاظ أبو جهل منها، ورأى عبيده قد مدوها على حر الهاجرة، فانتزع الحربة من يد أحد عبيده ثم رمى بالحربة في فرجها فخرت صريعة شهيدةً في سبيل الله، وكانت أول شهيدةٍ في الإسلام.
أين فتاة الإسلام التي تصر على هذا الدين، وتلتزم وتستقيم على هذا الدين، وتدعو إليه في مدرستها وبين جاراتها وصويحباتها وتمضي وتستمر على هذا؟
لا حول ولا قوة إلا بالله! قممٌ سامقةٌ وجبال رائدة في الدعوة والتقوى، وشريحةٌ من بناتنا يعالجنَ المعاكسة، والهوى، والحب، والمجلات، والخلائع، وأمورٌ الله أعلم بها، أسأل الله أن يستر على الجميع بستره.
ولما نادى منادي رسول الله في أحد : أن الحقوا بالكفار في حمراء الأسد ما استطاعت اللحاق من كثرة نزيف الدم من بدنها، مجاهدة وفينا من يعرض الجهاد على نفسه لو حق الجهاد أن يذهب أو لا يذهب، امرأة .. قدوة .. أسوة.
نحن لا نريد من بناتنا أن يذهبن إلى أفغانستان أو كشمير أو بورما وسيلان لكي ينقذن المسلمات من الشيوعيين ونمور التاميل والهندوس وغيرهم! لكن نريد استقامة وتوبة ودعوة، نريد منهن الحرص على تنظيف المجتمع، نريد منهن عناية وبداية بالنفس ثم بالأولاد والزوج، وكم من زوجةٍ إذا صلحت كان بصلاحها صلاح زوجها.
إن فتاةً لما رأت الانحراف في زوجها، أصبحت تعتني بأولادها بطريقةً أصبح الأطفال ينكرون على أبيهم ما يرونه؛ حتى اضطروه أن يخرج الفيديو والأفلام من البيت بحسن تربيتها!
فالمرأة نريد منها أن تقوم بهذا الدور، فهي لها دورٌ ينبغي أن تقوم به، وحتى الآن لم نر آثاراً واضحة أو على المستوى المطلوب لفتاةٍ الإسلام، وإن فتاة الإسلام، والمرأة المسلمة، والأم المسلمة، والزوجة المسلمة جديرةٌ وقادرة على أن تقوم بهذا الدور، ولكن الذي حيرها وثبطها هو إرجاف العلمانيين واستهزاء المستهزئين وسخرية الساخرين وتقليد أصحاب الموضات والقردة والببغاوات، إننا ننتظر منها عملاً يكون سبباً في رحمة الله؛ لكي تكون جليسةً لـأم عمارة وعائشة ورملة وسهلة وأم حبيبة وغيرها.
الله أكبر! الله أكبر! انظروا كيف أصبحت المرأة المسلمة، والزوجة المسلمة، والأم المسلمة تعرض دينها ودعوتها بقوةٍ وقدرة، تقلب عقيدة الرجل، الذين يقولون: إن المرأة النصف المعطل، المرأة التي تسلط عليها الرجل، وغسل أفكارها ودماغها، وأصبحت تابعةً له، وأصبحت رقيقةً يملكها.
أم سليم تغسل فكر أبي طلحة وتغير معتقده! بأسلوبٍ جميل وكلماتٍ معدودة: [أما إن مثلك لا يرد! وإني فيك لراغبة، ولكنك كافر وأنا مسلمة، فإن تسلم؛ فإسلامك مهري ولا أريد منك مهراً].
انظروا يا عباد الله: المرأة التي كذبت دعاوى الجاهلية والعلمانيين وأصحاب حركة التغريب والإفساد في المجتمع! الذين يقولون: إنه لا دور لها، والرجل يؤثر عليها، والرجل.. والرجل.. نعم يؤثر عليها بطاعة الله، ولكن هذه قلبت عقائد وأفكار وموازين رجل من الجاهلية إلى الإسلام، ومن الضلالة إلى الهدى، ومن الشرك إلى التوحيد.
خرجت أم سليم يوم حنين تداوي الجرحى ومعها خنجر، وكان زوجها أبو طلحة يبتسم لشأنها ويقول: [يا رسول الله! أما ترى أم سليم قد ربطت في بطنها خنجراً ] والآن بعض شبابنا لو رأى خنجراً يخاف، ولو سمع طلقة مسدس سقط على الأرض.
فـأم سليم تخرج وفي بطنها خنجر، فألتفت إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (يا
ولـأم سليمِ قصةٌ عجيبة: كان لزوجها أبو طلحة بعد أن تزوجها وأسلم ولدٌ مريض عليل، فخرج أبو طلحة ثم اشتد المرض بولدها، فمات وتوفي رحمه الله، فقامت وغسلت ولدها وطيبته وكفنته ووضعته في طرف البيت في حجرةٍ له، فلما جاء زوجها؛ وجدها قد أعدت نفسها وتهيأت له، وأعدت طعامه، فلما أصاب الطعام وبات ونام معها سألها عن ولده، قال: ما شأن ولدي؟ قالت: هو بأهدئ حال وأسكن ما يكون، ثم إنه لما أصبح؛ أخبرته فكان أن وجد أبو طلحة في نفسه عليها شيئاً، فذهب وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثنى عليها خيراً وقال: (أعرستم البارحة؟ قال: نعم. فدعا لهما وقال: اللهم بارك لهما فيه) فرزقا أولاداً فيهم بركة وخير.
هل لطمت خداً؟ هل شقت جيباً؟ هل ناحت بدعوى الجاهلية؟ قالت: وماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!! قالوا: أمامك، فذهبت إلى الرسول فأخذت بناحية ثوبه ثم جعلت تقول: [بأبي أنت وأمي يا رسول الله! لا أبالي إذا سلمت من عطب!] إذا سلمت أنت يا رسول الله؛ فلا أبالي بمن يهلك ومن يعطب، الله أكبر!
فيا أحبابنا! هذه صور أمهاتنا نسائنا، ولولا أن يطول بنا المقام لذكرنا المزيد وهو موجودٌ ميسور لا جهد لي فيه لجمعه، قد جمعه الأسلاف والآباء والأجداد في الكتب، ولكني أريد أن أنتقل بإخواني وأخواتي نقلةً كبيرة إلى واقعنا المعاصر..
امرأة موجودة يقول لها زوجها: يا فلانة! لماذا لا توترين في أول الليل؟
قالت: لا أترك وترَ آخر الليل.
قال: والله لا أذكر أن وترها فاتها آخر الليل .. متهجدةً عابدة.
وفي حوطة بني تميم امرأةٌ كان زوجها عقيماً، فصبرت عليه، وما تركته وتزوجت غيره، كفيف البصر، كانت تقوم معه في الليل يتهجدان، ولولا عجائز وشيوخ ركع، وبهائم رتع، وأطفالٌ رضع؛ لصب علينا البلاء صباً، ولكن يرحمنا الله بدعائهم. تقوم الليل مع زوجها الكفيف العقيم إلى آخر الليل، وقُبيل أذان الفجر تأخذ بيده وتذهب به إلى المسجد حتى تجعل يده في باب المسجد وتعود إلى بيتها.
أيها الإخوة! ولا يزال الخير في هذه الأمة، والأمثال الطيبة والصور الرائعة تتجدد في الأمهات وفي الزوجات الصالحات، وما سقنا هذا الحديث إلا ونحن نريد المزيد من التميز هذا المجتمع بصلاح المرأة فيه، بصلاح الزوجة، بصلاح الأم والبنت والفتاة الصغيرة والكبيرة.
حدثني أحد الإخوة قال: زرت أحد القادة فكان في منطقة مليئة بالشيوعيين، فدخلت فأدخلني في الستر، ثم إذ بي كأني أرى خيمةً تتحرك، فقلت: من؟ قال: هذه ابنتي، قلت: كيف تجعل ابنتك تخرج؟ قال: لا تخشى شيئاً، الرشاش تحت عباءتها.
المرأة الأفغانية صورة من النساء اللائي لم يذكرهن التاريخ، لابد أن يسطرهن التاريخ.
حينما نقول: لم يذكرهن التاريخ.. نساءٌ لم يذكرن بفاحشة، ونساءٌ قد عرفن وسجلن وسطرن الخير والمآثر والبطولات والتضحيات ولم يؤرخن حتى الآن، أو أرخ شيءٌ قليلٌ من مواقفهنَ وسجايهن.
أخبرني أحد الإخوة عن قصة مجاهد جاء كان كالاً تعباً بعد سنواتٍ طويلة من الجهاد، وقد تعودت الأفغانية أن زوجها يذهب للجهاد خمسة أشهر وستة أشهر ثم يعود، يجلس عندهم عشرين يوماً، يتفقد أحوال أبنائه ثم يعود إلى الجبهات من جديد، قالت: فكأنها لاحظت أن الرجل قد مضى عليه خمسة وعشرون يوماً ما خرج، قالت: ما بالك لا تذهب إلى الجبهة من جديد؟ قال: الجهاد طال والمسألة طالت، قالت: لا حرج، أعطني ثيابك ورشاشك، وأنت البس ثيابي واجلس أنت عند الأطفال، وأنا أذهب أجاهد.
صورة من صور التضحية والفداء، ليست المرأة التي إذا خرج زوجها مع إخوانٍ له في الله في رحلة أو دعوة، أو عمرة تصيح وتئن وتنوح: تركتني لوحدي، سبحان الله العظيم!
نعم. كثير من الشباب الآن يشكو مشكلات بعض زوجاتهم، تريدُ أن يقابلها صباح مساء، ألا تكونين يا أختنا عوناً له على طاعة الله؟! ألا تكونين له عوناً في الدعوة إلى الله؟! ألا تكونين شريكة الأجر معه في أن يسّرت له من وقتك ونفسك وبيتك ما يجعله مفكراً دؤوباً في العمل والتخطيط والتنفيذ للدعوة إلى الله جل وعلا.
امرأةٌ تبكي بعد أن أجريت لها عمليةٌ في عينيها، قيل لها: احمدي الله على العافية .. ما الذي يبكيك يا أم فلان! قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، بعد هذه السنين الطويلة يكشف وجهي رجل، الله أكبر .. الحياء، العفاف، النقاء، الطهارة، السمو الذي نفتقده، للأسف بعض البنات، والأمهات، لو كان في قدمها جرح كشفت وجهها! وما علاقة الرجل بالوجه، لكن ربما دخلت عليه متساهلةً أو مضطرة، والتي تعرف أنها مضطرة لن تكشف إلا ما دعت الحاجة لكشفه، لكن مصيبتنا أن يقال: هنا طبيبة وهنا طبيب فتذهب إلى الطبيب مباشرةً، ولا تتردد بأن تكشف وجهها، وربما كشفت ما لا حاجة إلى كشفه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أين العفاف؟ أين الحياء؟ أين الطهر؟ أين السمو والنقاء؟ نحن بحاجةٍ إلى هذا، امرأة تبكي بعد أن أفاقت من بنج العملية: ماذا فيك يا أم فلان؟ قالت: الله المستعان، بعد هذا العمر يكشف وجهي رجل؟!! الله المستعان.
سبحان الله العلي العظيم! أريد شيئاً، ولكن خيرة الله هي خيرٌ لي مما أريد، فكانت دعوةً مستجابة، ولله الحمد والمنة.
كانت تلومنا نور الله ضريحها، وقد أقعدت أربع عشرة سنة، تزحف آخر الليل على يديها وركبتيها إلى الحمام وربما غسلت بالماء البارد في الليلة الشاتية لتصلي آخر الليل، وتصلي وتوقظ جدي الذي تجاوز المائة وتوفي من سنواتٍ قليلة، فيتهجدان، ثم تنادي وتصيح: يا فلان يا فلانة .. وربما تصفق بيديها، فإذا نزلنا وسلمنا عليها تقول: كل الليل تنامون؟ هل أنتم مرضى؟ ثم تردد أبياتاً علينا من الشعر العامي تقول:
يا نايم الليل كله ترقد ولا فيك عله |
لزماً تزور المقابر وترقد الليل والنهار كله |
نعم. تنكر علينا أن ننام الليل، تقول: لماذا هذا النوم كله؟ هل أنت مريض؟ هل أنت عليل؟ ستزور المقبرة وتنام ليلاً ونهاراً طويلاً، أسأل الله أن يجمعنا بها وإياكم في الجنة.
لما كنتُ صغيراً أنا وأخي تعطينا المال لكي نشتري بها الكتب، إذا قلنا: نريد مالاً، لا تعطي، لكن نريد نشتري كتباً تخرج المال وتعطينا، وزيادةً على ذلك تقول بالعبارة العامية: "جعل العدو عينك، من يستطيع أن ينفع الناس ويبخل بذلك".
أيها الإخوة! نحن بحاجة أن تتعلم الأمهات اللائي بلغنَ الأربعين والخمسين الدروس والمثل والقيم، وحسن التربية وحسن الأداء والتوجيه، لكي تصنع الرجال، الرجال لا يصنعون في الجامعات والمدارس والمعاهد:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراقِ |
أيها الإخوة! أحد الإخوة يقول عن خالةٍ له: كان كفنها عندها تحمله حيثما ذهبت ورحلت وسافرت، ومعه حنوطها، وكل ما يلزم لتكفينها وتغسيلها قال: منذُ عشرين سنة، وهي تدور بكفنها، بأي مكانٍ ذهبت تذهب به استعداداً للموت، ولا يفارق الموت بالها (أكثروا من ذكر هادم اللذات).
أحد الإخوة في مدينة عفيف، رجلٌ فاضل؛ لما ماتت أمه فجع أهل عفيف بها، فعجب من شأنها وما كان يدري أن لأمه هذه المنزلة، فلما سأل عنها؛ عرف أنها كانت إذا هجع الناس في ليلٍ أو هاجرة تخرج إلى بيوت الضعفاء والمساكين، تأخذ من طعام وكساء بيتها وتقسم على الناس وتعطيهم وتواسي مصائبهم، وتتلمس حاجاتهم.
يا فتاة! يا أماً! يا زوجةً! يا جدةً! تخشين على الأطفال والذرية. أصلحي حالك مع الله يتكفل الله بأولادك، اتقي الله حق التقوى؛ فإن الله يحفظهم من بعدك، وثمرة هذا أن يتأدب الأبناء.
تعلمنا الأدب من البيوت أكثر من المدارس، تعلمنا آداباً كثيرة في الصباح والمساء والدخول والخروج والإنصات وغير ذلك من العجائز والأمهات، نسأل الله أن يجزيهم عنا بالجنان ورفعة الدرجات، وتكفير الذنوب والسيئات، فهل الأم والزوجة هذه الأيام قادرة وجديرة بأن تؤدي هذا الدور؟
ثم إن المرأة بصلاحها يكون صلاح صويحباتها، وبخلاف ذلك فإنها تعرض نفسها وبيتها وذريتها لشر عاقبة.
أسأل الله أن يصلح بناتنا وزوجاتنا وأمهاتنا وأن يجمع الجميع على طاعته بدار كرامته، وأن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الجواب: المصيبة أيها الإخوة أن كثيراً من البيوت أصبحت الشاشة هي الجلسة الرئيسية وأطول الأوقات استعداداً للجلوس، أقول: استعداداً للجلوس، وهذا والله شرٌ مستطير، نعم قد ترد بعض البرامج النافعة، لكن من يتحكم بدقة، ففي هذا نوع منفعة أو مصلحة، لكن من يهمل الأمر على مصراعيه فذلك والله يضر بنفسه وأهل بيته، وحسبك يا أخي، وحسبك يا أختي أن تعالجي مشاكل نفسك وبيتك ومجتمعك، فضلاً عن أن نستورد مشاكل.
بعض الأمهات قد حارت في مشكلة ابنتها، فتاة مراهقة لها تصرفات غريبة، وأشياء مريبة، وسهر على التلفون، ومع من؟ صديقتي وقريبتي، نعم. قد تكون تكلم صديقة لكن ليس كل من تكلمت وسهرت على هذا كلمت صديقةً وقريبة، الذين يرمون بهذا الجهاز في كبد الدار، ويجعلونه يوجه الساعات الطوال، يوجه الأطفال بأفلام الكرتون المفسدة للعقائد، وأقولها بملء فمي؛ لأني جلست وتابعت عدداً من الحلقات، ورأيت كيف تفسد العقائد من خلال أفلام الكرتون.
وربما المرأة التي طالما اشتاقت إلى العفاف والحياء وبيت الزوجية جلست مع إخوانها وأبيها تنظر إلى المصارعة الحرة وإذا بالرجال عراة، إلا ما يستر العورة، هذا والله مصيبة عظيمة، ومن الديوثية أن تتقلب عيون الرجال والنساء على هذا الأمر ولا يغار الرجل على زوجته وأهله، والله إنها مصيبة عظيمة جداً، وأعجب أيضاً من امرأةٍ تسمح لزوجها أن يقلب عينيه في ذوات المساحيق والألوان والممثلات والغاديات والرائحات الكاسيات العاريات.
المعروف أن الحب الحقيقي بين الزوجين يدركه غيرة، غيرةً من الرجل على زوجته، وغيرة الزوجة على زوجها، فأين هذا؟
هذا شرٌ مستطير، من لا يحسن التحكم فيه فعليه أن يخرجه، وما أقل وأندر من يتحكم.
الجواب: الخادمات مصيبةٌ عمت بها البلوى ولكن نقول: من استطاع أن يسلم فهو في خير؛ لأن السلامة لا يعدلها شيء، أما من وجد أنه في حاجة أو مصيبة أو شيءٌ من ذلك، وربما كان وجود الخادمة أخف نقول: بضوابطها وشروطها ولعل أقل ما في ذلك، أن تكون كبيرةً غير جميلة، لا يطمع فيها الشباب، ونسأل الله أن يعفو، كما يقول أحد المشايخ جزاه الله خيراً، قال: في بيوتنا ذنبٌ نذنبه كل يومٍ ولا نستغفر الله منه، قلت: ما هو؟ قال: وجود الخادمات.
والله صدقت يا أخي! فهي حقيقة ابتلينا بها نسأل الله أن يعيننا على التخلص منها.
الجواب: الله جل وعلا قال: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ [النور:32].
عجبت لمن يبتغي الرزق ولا يطلبه بالنكاح، قال الإمام أحمد: أرى أن يتزوج ويستدين، أو أن يستدين ويتزوج، الحاصل يا أخي نقول: من كان كما في الحديث: (من استطاع منكم الباءة) المقدرة المالية والبدنية فلا حرج أن يتزوج، أما ما يفعله كثير من كبار السن، تجد الرجل كبيراً جداً جداً، ويتزوج فتاة ربما يغري أهلها بالمال، فيفتح عليها باب الفتنة ولا حول ولا قوة إلا بالله، فذلك أمرٌ نحذر منه، وشره وخطره كبير ونقول للكبار:
صرمت حبالك بعد وصلك زينب والدهر فيه تغيرٌ وتقلب |
نشرت ذوائبها التي تزهو بهـا سوداً ورأسك كالثغامةِ أشيبُ |
رجل كبير، تفرغ للعبادة يا أخي، صل المغرب والعشاء في المسجد، قم قبل الفجر بساعة إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً [المزمل:7] تهجد، اشتغل في العبادة، قد مضى ما مضى، ولا حاجة لأن يتصابى الإنسان من جديد.
الجواب: دعوتهن بالحسنى، هذا هو الواجب من خلال المناسبات والزيارات واللقاءات وتوزيع الشريط والكتيب.
الجواب: هذه والله فيها فتنة، وقد شكى وذكر لي بعض الشباب أنه حينما يرى تمثالاً قد فصل على هيأة بدن فتاةٍ وقد أصبغ بلباسٍ جميلٍ مطرزٍ منمق، يقف وقفةً يتأمل وما يبقى إلا أن يتخيل صورة الرأس أما صورة الجسم بالكامل فموجود.
نقول: لعل هذا أن يزال بإذن الله جل وعلا، والمحافظة على قلوب الشباب مطلوبة، ما هي النتيجة؟
يفتن هذا الشاب، فيفرغ شهوته إما في لواطٍ أو فسادٍ أو زنا أو أمرٍ لا يرضي الله جل وعلا، أو ابتغاء شيءٍ وراء ما أبيح وشرع له، فأما قضية ملابس الخياطة فلم يقل أحد: إن ملابس الخياطة حرام، لكن لو بدلاً منها تنتشر عندنا الكتب والمكتبات والتسجيلات، انتشار الأمور النافعة، دليل وعيٍ وتقدم حضاري للمجتمع، أما انتشار العطورات، وملابس الخياطة ليس بحرام، لكن ينبغي أن لا يزيد عن حده.
الجواب: نقول لكل من أساء معاملة أهله: رسولنا خير الأولين والآخرين، كان ألين الناس لأهله، ويقول: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) (خياركم خياركم لنسائهم) (استوصوا بالنساء خيراً) النبي وصى بذلك، قال: (اتقوا الله بالنساء؛ فإنهن عوان)أي: أسيراتٌ عندكم، والمرأة والله مسكينة حينما تقع عند زوجٍ لئيم؛ ومن الرجال من لؤمه يجعله يتفنن في إيذاء المرأة، يا أخي الجبل يتحمل أشياء الكثيرة، وقد تخطئ المرأة خطأً صريحاً واضحاً في تعاملها معك، لكن أين الرجولة؟ أين القوامة؟ أين الحلم؟ أين العلم؟ أين سعة الصدر؟ أين القوة؟ أين سمو الأخلاق؟ أين قوة الرجل؟
هو رجل لكن في حقيقته مرجوج، عند أتفه شيء تجده يلاطخ المرأة ويرد عليها بمثلها، واسكتي وإلا "طخ" وكأنها منصة إطلاق الصواريخ التي في يد ألت سين، وحينما تجد رجلاً أول ما يهدد بالطلاق، فاعرف أنه سخيف، إلا من رحم الله، أو تاب إلى الله من ذلك.
يا أخي الكريم! إن كانت هذه المرأة زوجتك بمثابة من تريد أن تعيش معها، أو بمنـزلة من ستعيش معها، ولا تفكر في فراقها، فهي كواحد من أولادك. إذا أغضبك أحد أولادك هل تقول له: اذهب أنت لست من عيالي؟ لا يمكن، وهذه المرأة هي الأساس، يا أخي عش معها، تحمل منها، تتحمل منك، تحمل عنك، تحمل عنها، وإن من النساء من ضربن أروع الأمثلة، وإن من الرجال من قابل ذلك بأسوأ الأمور.
امرأة زوجها أصيب بحادث، وأصبح معوقاً تغسله وتزيل عنه الأذى، تطيبه، تتحمل منه، ويقابلها بالسباب والشتيمة، وفعلاً بعض الرجال لئيم، ويا أخي الحبيب اذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة تقوى الله وحسن الخلق).
بعض الناس حينما تقابله يوزع الابتسامات، وإذا جاء عياله عنده لا يجدون منه ابتسامة واحدة.
يا أخي! هب عيالك ابتسامة، نكتة، تجده طول الطريق تنكيت ويجعل إخوانه يموتون من الضحك، وإذا جاء إلى البيت عاد إليه الوقار أشد ما كان، يا أخي! أعطي زوجتك نكتة، أعطي عيالك ضحكة، خليهم ينبسطون معك، امزح، هذا أمرٌ مطلوب، كما قال عمر: [أحمظوا مع النساء في بيوتكم] يقال: أحمظوا للإبل إذا أطالت رعي المرعى فتغيرت بطونها، لكي ترعى الحمض فيتغير شأنها، تنشط من جديد، فالإنسان يقطع هذا الملل والروتينية والرتابة العائلية بشيءٍ من ذلك.
الجواب: نحن لا نقول: فلان علماني أو هؤلاء علمانيين، لكن نقول: من بدر منه ما يدل على علمانيته فلا كرامة لعرضه، ولكن أن نقول: هؤلاء علمانيين قف عند هذا وتوقف، من بدر منه ما يدل على ذلك دلالةً واضحة، فلا كرامة لعرضهم، الشيء الأخير، ينبغي لمن يحضر أن يفهم ويستفيد، بعض الناس يحضر فقط بدون فائدة، نقول: يا أخي إذا كنت تستفيد فاذهب، أما إذا كنت لا تستفيد احضر محاضرة، درس قرآن تجويد، سيرة وهلم جرا.
يا أخي الكريم! نعم التصفيق لا يليق وغير مقبول لأنه من صفات النساء، لكن لا نقول: بمجرد أي غلطة، أو أي مناقشة الله أكبر الله أكبر، لا يا أخي يوجد في القاعة أناس من الذين فضحوا الحداثيين وعرفوهم، ودرسوا فكر العلمانيين وتتبعوهم ويشمون روائح اتجاهاتهم، فهؤلاء قادرين على النقاش.
وأنصح وأؤكد أن من كان متسماً بالوعي والفهم وإدراك الأبعاد وحقائق الأمور ينبغي أن يحضر، وأنصح أن يحضر من أجل إذا وجد استهتاراً أو تلميحاً فيرد.
حينما تناقش قضية المسرح، يتبجح أحدهم يقول: إن المسرح السعودي لا يزال متخلفاً لفقدانه العنصر المؤثر المشارك ألا وهو المرأة، تستجعد له وتشرقه، تناقشه بعقل، والنقاش وأدب الحوار والإقناع وإلقام الخصم الحجة أمر مطلوب.
أقول: على إخواننا أساتذة الجامعات، أو خريجي الجامعات أو الذين درسوا وفهموا هذا الاتجاه فيما يتعلق بالأدب والحداثة، والاتجاه العلماني والتجديد، وكل من يتقن هذه الأمور ويعرفها ويستوعب أبعادها، عليه أن يحضر ويسجل ملاحظاته، لأنه سيفتح لك باب المداخلة بعد المحاضرة، فكن جريئاً وسجل العبارة: قلت في محاضرتك كذا وكذا وكذا، هي واحدة من اثنتين؛ إما أن تعترض على وحي الله وهدي رسوله، فمن أنت؟ ولا كرامة له، وإما أن تعتذر الآن، وإما أن تبين مقصدك. لقد استطاع الحداثيون أن يعبثوا فترةً بالصفحات الأدبية من خلال الاحتماء بالرمز والإشارة، حينما تحاججه، يقول: أنا قصدت كذا، إذاً يقال: إن قصدت كذا فهذا مرفوض، وإن قصدت كذا، فلعلك أن تتعلم من العبارة ما يفصح ويوضح مقصودك، نحن بحاجة إلى أن يحضر القادرين على النقاش المستوعبين، أو الذين ينقلون التقارير الجيدة للعلماء وطلبة العلم.
أما أن نحضر هكذا فقط جموع الله أكبر الله أكبر، أنا لا أؤيد هذا والأمور بأدبها وأبوابها مقبولةٌ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر