الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فهذه العقيدة هي على مذهب أهل السنة والأئمة كلهم، ولكن الطحاوي ذكر أن هذا مذهب أبي حنيفة وصاحبيه؛ وذلك لأنه كتبها لتلاميذه المختصين به الذين في قلوبهم وقع وقدر لهؤلاء الأئمة الثلاثة، الذين هم أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وأبو يوسف ، وهما صاحباه اللذان دونا مذهبه، وهما اللذان كتبا المسائل التي سئل عنها ونشراها، فلأجل ذلك أصبحا مختصين به، فيقول: إن هذه العقيدة هي معتقد هؤلاء الثلاثة. ولا ينافي هذا أن فيها معتقد الأئمة الآخرين كـالشافعي ومالك وأحمد وبقية الأئمة؛ لأن العقيدة سالمة من الخلافات إلا خلاف المبتدعة، والمبتدعة لا يعتد بخلافهم.
قال الطحاوي رحمه الله:
[نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له.
قال الشارح رحمه الله تعالى: اعلم أن التوحيد أول دعوة الرسل، وأول منازل الطريق، وأول مقام يقوم فيه السالك إلى الله عز وجل، قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59] ، وقال هود عليه السلام لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:65] ، وقال صالح عليه السلام لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:73] ، وقال شعيب عليه السلام لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:85] ، وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] ، وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25] ، وقال صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، ولهذا كان الصحيح أن أول واجب يجب على المكلف شهادة أن لا إله إلا الله، لا النظر، ولا القصد إلى النظر، ولا الشك، كما هي أقوال لأرباب الكلام المذموم].
ويقول تعالى: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف:45]، والجواب: لو سأل لقيل: ما جعل الله ولا أذن الله لرسول أن يدعو إلى عبادة إله مع الله.
ما فرضت عليه العبادات حينئذ؛ لأنها متفرعة عن أصل وهو التوحيد، فالعبادات كلها ما تقبل إلا بهذا الأصل، فلو تعبد المشركون فصلوا وتصدقوا وحجوا وأنفقوا وجاهدوا وقرؤوا وهم لم يوحدوا الله بل يدعون غيره معه ما قُبلت منهم عباداتهم ولن تنفعهم؛ لأنهم فقدوا شرطها.
وأهل الكلام الذين نهى علماؤنا عن الخوض في كلامهم من المعتزلة ونحوهم يقولون: إن أول واجب النظر. وبعضهم يقول: أول واجب قصد النظر. وبعضهم يقول: أول واجب الشك. وهذه أقوال باطلة، فصحيح أن الله تعالى أمرنا بالنظر لأجل الاعتبار، والآيات في ذلك كثيرة، كقوله تعالى: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ [ق:6] أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ [الغاشية:17-18]، أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الأعراف:185]، أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا [يوسف:109]
فالنظر هنا لأجل الاقتناع، فمثلاً: إذا دعوت مسلماً وقلت له: أدعوك إلى الشهادتين. فإذا توقف فادعه إلى النظر، قل له: انظر إلى هذه المخلوقات، انظر إلى هذه الأفلاك الثابتة وهذه الأفلاك الجارية وهذه المخلوقات المنبثة، هل خلقت عبثاً؟ انظر إلى نفسك وتقلب أحوالك، هل خلقت من غير خالق؟ فإذا نظر وتفكر فإنه عند ذلك يعتبر ويرجع إلى ما تدعوه إليه، فالنظر والقصد إلى النظر وسيلة ودلالة وحجة للمعاند، لا أن أول واجب هو النظر، بل يدعى من شك وتوقف إلى أن ينظر حتى يستيقن.
وأما معنى قولهم: إن أول واجب الشك فهم يقولون: إن أول ما يجب على الإنسان عندما يعقل أن يشك ثم يعمل بعد ذلك في إزالة ذلك الشك. وهذا قول باطل، بل الواجب أولاً قبل كل شيء أن يأتي بالشهادتين، ثم بعد ذلك يعمل بمقتضاهما، والأعمال متفرعة عن الشهادتين.
معنى هذا الكلام أن الأطفال ينشئون بين آبائهم، ويلقنهم الأب معالم التوحيد من حين يميز، يلقنه معرفة ربه، ومعرفة نبيه، واستحقاق الله للعبادة، ووجوب العبادة، فينشأ على الإسلام وعلى قول (لا إله إلا الله) ويسمع ذلك من أبويه وهو صغير ما وجبت عليه الأحكام، فإذا بلغ استمر في العمل، ولا يحتاج عند البلوغ أن تقول له: الآن انطق الشهادتين. الآن أصبحت مكلفاً فإنه يكفيه نطقه فيما سبق بتشهده في صلاته، وفي إجابته للمؤذن وما أشبه ذلك، فلا حاجة بعد ذلك عند البلوغ إلى تلقينه، ولا إلى تجديد إسلامه، بل هو مسلم بين أبويه المسلمين، ومن حين يعقل وهو يلقن.
والصحيح أيضاً أنه لو بلغ بعدما صلّى لا يؤمر بإعادة الصلاة، خلافاً لبعض العلماء، فبعضهم يقول: لو صلى الظهر قبل أن يبلغ ثم بلغ بعدها باحتلام أو نحوه فنأمره بإعادة الظهر؛ لأنه صلاها قبل أن يبلغ وهي في حقه غير واجبة، فبعدما بلغ تصير واجبة عليه، والصحيح أنه لا يؤمر؛ لأن الله ما أمر بالصلاة مرتين، وقد أداها ولو قبل البلوغ، فتصبح مجزئة، فكما لا يؤمر بإعادة الصلاة بعد البلوغ ولو كان الوقت باقياً فكذا لا يؤمر بعد البلوغ بتجديد الشهادتين، بل يكفيه أنه على الفطرة، وأنه قد تلقن وتعلم وفهم.
قال الشارح رحمه الله: [وهنا مسائل تكلم فيها الفقهاء، فمن صلى ولم يتكلم بالشهادتين، أو أتى بغير ذلك من خصائص الإسلام ولم يتكلم بهما هل يصير مسلماً أم لا؟ والصحيح أنه يصير مسلماً بكل ما هو من خصائص الإسلام، فالتوحيد أول ما يدخل به في الإسلام وآخر ما يخرج به من الدنيا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه: (لا إله إلا الله) دخل الجنة) وهو أول واجب وآخر واجب، فالتوحيد أول الأمر وآخره، أعني توحيد الإلهية].
هذه مسألة نظرية ليست بصحيحة، وهي قولهم: قد يوجد من ينشأ ولم يتكلم بالشهادتين من أول أمره إلى أن يبلغ، فهل تصح عبادته؟
فنقول: هذا محال. وذلك لأن النطق بالشهادتين قد يكون ركناً كما في التشهد، فالصلاة فيها تشهد، وفي آخره يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. ثم يأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يسلم، ولا تصح الصلاة إلا بهذا التشهد، فهو ركن من أركانها، فكيف يُتصور أن إنساناً يولد بين أبوين مسلمين ويبلغ وهو ما تكلم بكلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)؟ هذا غير واقع، وذلك لأن المسلم دائماً يسمع كلمة (لا إله إلا الله) في الأذان وفي الخطب وفي التشهد وعند الذكر وفي القرآن، فقد ذكرت في القرآن في عدة مواضع كقوله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ [آل عمران:18]، فلا بد أن الصبي يقرأ من القرآن أو يسمع، وينطق بذلك، فيكون بذلك مسلماً، فلا بد أنه قد أتى بالشهادتين.
وآخر ما يخرج العبد من هذه الدنيا يؤمر أن يختم حياته بـ(لا إله إلا الله)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (من كان آخر كلامه (لا إله إلا الله) دخل الجنة) يعني: ختم له بالتوحيد، أو بما يدل على هذا المعنى، ففي هذه الحالة يكون مختوماً له بخاتمة حسنة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم وغيره: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) يعني: يكون آخر ما ينطقون به كلمة (لا إله إلا الله) حتى يختم لهم بما ابتدؤوا به، فيختم لهم بعقيدة سليمة وهي اعتقاد أن الله هو الإله الحق، وأن إلهية ما سواه باطلة، فبذلك يكون أول الأمر وآخره هو هذا التوحيد الذي هو توحيد العبادة.
أحدها: الكلام في الصفات.
والثاني: توحيد الربوبية، وبيانه أن الله وحده خالق كل شيء.
والثالث: توحيد الإلهية، وهو استحقاقه سبحانه وتعالى أن يعبد وحده لا شريك له.
أما الأول فإن نفاة الصفات أدخلوا نفي الصفات في مسمى التوحيد كـجهم بن صفوان ومن وافقه، فإنهم قالوا: إثبات الصفات يستلزم تعدد الواجب. وهذا القول معلوم الفساد بالضرورة؛ فإن إثبات ذاته المجردة عن جميع الصفات لا يُتصور له وجود في الخارج، وإنما الذهن قد يفرض المحال ويتخيله، وهذا غاية التعطيل].
نعرف -بل يعرف أطفال المسلمين والحمد لله- أن أقسام التوحيد ثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الإلوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، ويجب أن يلقن الطفل هذه الأنواع، وأن يعرف مدلولها، والمتقدمون من هذه الأمة أكثروا من التأليف في توحيد الأسماء والصفات، وغالب كتبهم التي ألفوها في العقيدة تدور حول الأسماء والصفات، حتى ولو سموها بكتب التوحيد، كـابن خزيمة وغيره، فإن الخلاف في الأسماء والصفات مشتهر في القرون الأولى، فـالجهم بن صفوان أحدث بدعته في أول القرن الثاني، ثم تبعه أتباع له سماهم السلف بالجهمية، وسموا أيضاً بالمعتزلة، وكثروا وانتشروا وتمكنوا، ومن عقيدتهم إنكار الصفات، وسبب إنكارهم للصفات وأدلتهم في ذلك أنهم اعتمدوا في الغالب على الفكر وعلى الخيال وعلى العقول، فأدلتهم على نفي الصفات أدلة تخمينية عقلية، ولهذا يقول كثير منهم: إن هذا الباب لا يكشفه إلا الخيال، وإنهم يعجزون عن أن يعبروا عنه. والحاصل أن عقيدتهم نفي الصفات، فنفوا عن الله تعالى صفاته كلها.
ومنهم من أثبت سبع صفات كالأشعرية، ومنهم من نفى أسماء الله مع صفاته، والعلة التي نفوا لأجلها هذه الصفات هي ما ذكره الشارح رحمه الله من كونهم يقولون: إن إثبات الصفات يستلزم تعدد الواجب. فهم يقولون: إن الواجب هو الله وحده، فالله تعالى واجب الوجود، وهذه لفظ من ألفاظ المتكلمين (واجب الوجود)، ومثل: (ممكن الوجوب) و(ممتنع الوجود)، وهذه من جملة ما تكلموا به وتوسعوا فيه، ومن أوصاف الله سبحانه عند المعتزلة القِدَم، أي أنه هو القديم، فيقولون: إذا أثبتنا أن الله قديم، وأثبتنا أن سمع الله قديم وقدرة الله قديمة وعلمه قديم وكلامه قديم ما صار القديم واحداً، بل صار عدداً، فلا جرم ننفي الصفات، ونجعل القِدَم لله وحده للذات. فنفوا الصفات وأثبتوا القدم للذات، فكيف يُردُّ عليهم؟
الشارح يقول: [إن إثبات ذات مجردة عن الصفات لا يمكن في الوجود] ولو فرض العقل إثبات كذلك فإن العقل قد يفرض المحال، فهذا من المحال، أي: مستحيل أن توجد ذات مجردة عن صفات ومتصلة بالقدم. فكما أنكم -يا معتزلة ويا مبتدعة!- تثبتون أن لله تعالى ذاتاً. فلا بد أن تثبتوا له الصفات؛ فإن الصفات من جملة الذات، والوحدانية لا تنافيها، فالله تعالى واحد بصفاته، وذاته وصفاته شيء واحد، ولا يلزم من إثبات الصفات تعدد. هذا هو الرد عليهم باختصار.
هذا الكلام تقشعر منه الجلود، وهذه التفريعات فروع لمذهب أهل الوحدة، وهم طائفة يقال لهم: أهل وحدة الوجود. أو يسمون (أهل الحلول والاتحاد)، وهم الذين يقولون: إن ذات المخلوق حالة بذات الخالق، وإنه لا فرق عندهم بين خالق ومخلوق، بل الكل شيء واحد، لا فرق بين الخالق والمخلوق -تعالى الله عن قولهم-، وهذه الطائفة كانت منتشرة في القرون الوسطى، وأكثر من أشاع هذا القول في القرن الثالث رجل يقال له: الحسين الحلاج، وهو صوفي أظهر التصوف وأبطن هذا القول، ولكنه كان يظهره أحياناً، وحفظت عنه كلمات شنيعة تدل على هذه المعتقدات، وحفظت أيضاً عن بعض أهل زمانه، فهذا القول مع شناعته يؤدي إلى هذه الأقوال الشنيعة، وقد بين الشارح ذلك على وجه الاختصار، فذكر من فروع قولهم أن فرعون صادق حينما قال: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24]؛ لأنه من جملة الرب، لكن أخطأ فرعون حيث خص نفسه، ولو قال: أنا وأنت وهذا وهذا كلنا الرب لكان مصيباً، فهو صادق في أنه من جملة الرب!
وكذلك المشركون لما عبدوا هذا الصنم وهذا الوثن وهذا القبر فهم على صواب؛ لأنهم ما عبدوا إلا الله، ولكنهم أخطئوا لما خصصوا، ولو قالوا: إن الله في كل شيء وكل شيء من جملة الله لكانوا مصيبين، ولكنهم لما خصصوا أخطئوا.
وعلى قولهم لا يكون هناك حلال وحرام؛ لأن الجميع شيء واحد، فلا فرق عندهم بين نكاح الأم والأخت والأجنبية، كل ذلك من عين واحدة، بل هو العين الواحدة، تعالى الله عن قولهم.
وقد حفظت عن أكابرهم كلمات شنيعة يقشعر الجلد منها، فحفظ عن الحسين الحلاج أنه كان يقول: ما في الجبة إلا الله. يعني نفسه، وعن بعضهم أنه قال: سبحاني سبحاني ما أعظم شأني وحفظ عنه أنهم كانوا يمشون خلفه فالتفت، فلما رآهم يمشون خلفه قال لهم: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي [طه:14] تعالى الله عن قولهم!
وكان بعض العلماء المتأخرين يذب عن الحلاج ، ويدعي أنه من أهل العقيدة الصحيحة، وأنه موحد، ولما نقل له قوله في أبيات:
سبحان من أظهر ناسوته سر سنا لاهوته الثاقب
حتى بدا في خلقه ظاهراً في صورة الآكل والشارب
قال: لعن الله من قال هذا. فقيل: إنه الحلاج. فظهر له بذلك كفره، وهذا القول المذكور من الكفر الصريح؛ فإن الناسوت الناس، واللاهوت هو الإله، يعني: أظهر ناسوته -أي: أظهر الناس- في صورة نفسه.
ويقول بعضهم -وقيل: إنه الحلاج-:
الرب عبد والعبد رب يا ليت شعري من المكلف
إن قلت عبد فذاك رب أو قلت رب أنّى يكلف
تعالى الله عن قولهم، والذي أدى بهم إلى هذه الأقوال الشنيعة هو أنهم لما نفوا الصفات وجعلوا وجود الله وجوداً مطلقاً أدى بهم إلى أن يقولوا: إن ذات المخلوق حالة في ذات الخالق، وإنه عين وجود المخلوقات. تعالى الله عن ذلك!
فعلى المسلم أن يعرف نفسه، وأن يعرف أنه مخلوق، وأن الرب سبحانه وتعالى فوق عرشه بائن من خلقه، ليس في ذاته شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته، ويستحضر أنه سبحانه هو العليم بكل شيء، لا تخفى عليه من عباده خافية، وإذا استحضر عظمته وعلمه بكل شيء وعلمه بما توسوس به النفوس وما تكنه الصدور أوجب ذلك أن يعظمه حق التعظيم، وأن يخافه حق الخوف، ومعرفة صفات الله تعالى توجب للعارف بها أن يخاف من الله حق الخوف، وأن يعبده حق العبادة.
وتوحيد الربوبية يقرأه الأطفال في المدارس، وهو معرفة الله تعالى بأفعاله، فإذا قيل لك: بم عرفت ربك؟ فقل: بآياته ومخلوقاته. هذا هو توحيد الربوبية، ويكون بالنظر في هذه المخلوقات وفي أفعال الله تعالى، وذكروا أنه لما نزل قول الله تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة:163] سأل بعضهم فقال: ما هو الدليل على أن إلهنا إله واحد لا إله إلا هو؟ فنزلت الآية بعدها: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة:164] يعني: تفكروا في هذه الأشياء لتكون آية لكم على أي شيء. فهي آية على أن الرب هو الإله الواحد، وكم في القرآن من آيات بمثل هذا، كقوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمْ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً [يس:33]، وَآيَةٌ لَهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ [يس:37]، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ [الروم:20]، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً [الروم:21]، وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ [الروم:22]، وفي السور المكية الكثير من ذلك، كقوله في سورة المرسلات: أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ كِفَاتاً [المرسلات:25] ... إلى آخره، ثم في السورة التي تليها: أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ مِهَاداً [النبأ:6] إلى آخره، ثم في السورة التي تليها: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا [النازعات:27] إلى آخره، ثم في السورة التي تليها: فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً [عبس:24-25] إلى آخره، فإن هذه آيات تدل على توحيد الربوبية الذي يقصد منه تثبيت توحيد الإلهية.
قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ *سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّا تُسْحَرُونَ [المؤمنون:88-89] كيف تصرفون عن عبادته؟ فأصبح توحيد الربوبية حجة عليهم.
قال رحمه الله: [وأشهر من عرف تجاهله وتظاهره بإنكار الصانع فرعون، وقد كان مستيقناً به في الباطن، كما قال له موسى : قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ [الإسراء:102]، وقال تعالى عنه وعن قومه: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً [النمل:14]، ولهذا لما قال: وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:23] على وجه الإنكار له تجاهل العارف قال له موسى: قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ *قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ *قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ *قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ *قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [الشعراء:24-28].
وقد زعم طائفة أن فرعون سأل موسى مستفهماً عن الماهية، وأن المسئول عنه لما لم تكن له ماهية عجز موسى عن الجواب. وهذا غلط، وإنما هذا استفهام إنكار وجحد كما دلت سائر آيات القرآن على أن فرعون كان جاحداً لله نافياً له لم يكن مثبتاً له طالباً للعلم بماهيته، فلهذا بين لهم موسى أنه معروف، وأن آياته ودلائل ربوبيته أظهر وأشهر من أن يسأل عنه بـ(ما هو)، بل هو سبحانه أعرف وأظهر وأبين من أن يجهل، بل معرفته مستقرة في الفطر أعظم من معرفة كل معروف].
نلاحظ من هذا الكلام أن جميع الأمم معترفون بتوحيد الربوبية، أي: أن الله هو الخالق الرازق المدبر الذي أوجد الكائنات، لكن قد اشتهر عن فرعون أنه ادعى الربوبية، حيث قال: أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى [النازعات:24]، والصحيح أنه كان معترفاً في الباطن بأن المخلوقات لها خالق؛ لأنه يعرف أنه كان معدوماً فوجد، ففرعون لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ثم خُلق، فيقال له: من ربهم قبل أن توجد أنت؟ ومن ربهم بعد أن تموت؟ فلا بد من أن فرعون معترف بوجود رب خالق، والدليل على ذلك هذه الآية، وهي قول موسى: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الإسراء:102]، فالله أيد موسى بتسع آيات، هي العصا، واليد، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، وفلق البحر، وتضليل الغمام، وما أشبهها، فلما أيده بها قال: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء يعني: الآيات إِلاَّ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الإسراء:102]، فأفاد بأن فرعون عالم بذلك، وقال الله عن آل فرعون: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ [النمل:14]، فدل هذا على كونهم مستيقنين.
وكذلك حكى الله عن ثمود قوله في قصتهم: وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ [العنكبوت:38] يعني: على بصيرة مما جاءتهم به الرسل، ولكن جحدهم كان عناداً. ففرعون أظهر الإنكار، ولكنه كان في الباطن على يقين بما يقول موسى، ولكنه خاف أن يذهب عنه ملكه، ولهذا قال: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ [الزخرف:51-52] يعني: موسى وَلا يَكَادُ يُبِينُ [الزخرف:52]، فهو أراد أن يخدع قومه بما هو فيه فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ [الزخرف:54]، وأما جوابه لما قال موسى: إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:104] قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:23] فهذا على وجه العناد، وبعض المتكلمين يقول: إن فرعون سأل عن الماهية فقال: وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:23] يعني: من أي شيء رب العالمين؟ وما ماهيته؟
والصحيح أن سؤاله إنما هو تعنت، لا أنه كان يسأل عن الماهية، فموسى عليه السلام ذكر له الأدلة على إثبات الرب وقدرته وسيطرته، والآيات تدل على ذلك، قال تعالى: رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا [مريم:65] ، رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ [الشعراء:26] ، قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا [الشعراء:28]، فاستدل عليه بهذه الأدلة الكونية التي لا يجحدها، كما استدل إبراهيم على النمرود بقوله: رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [البقرة:258]، ثم قال: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ [البقرة:258]، فهذه أدلة تدل على أن الرب هو الموجد لهذه الكائنات، وهي أدلة يعترف بها أولو البصائر.
وقد ذكر الله عن المشركين أنهم يعبدون الله ويعبدون غيره في الرخاء، وأما في الشدة فإنهم لا يعبدون إلا الله، وذلك في قوله تعالى: وَإِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ [الإسراء:67]، فدل على أنهم في الرخاء يعبدون الله ويعبدون غيره، ولهذا قال تعالى في سورة الأنعام: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا [الأنعام:136]، فدل على أنهم يعبدون الله ويعبدون معه غيره، ولكن شركهم هذا أحبط أعمالهم فأصبحت باطلة، فلا يعتبر بما تقربوا به؛ لأن المطلوب منهم أن يكون الدين لله، وأن لا يصرف منه شيء لغير الله.
هذا تقرير لتوحيد الربوبية، يعني أن توحيد الربوبية هو الاعتراف بأن الله رب كل شيء، وهو الذي أقر به المشركون، كما ذكر الله ذلك عنهم: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف:87] ، وقال: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ [يونس:31] ، فإذا كانوا مشركين ومع ذلك يعترفون بهذا النوع -وهو أن الله هو الذي خلق ورزق، وهو الذي يدبر الأمر ويملك السمع والأبصار- فإن هذا لم ينفعهم ولم يدخلهم في الإسلام.
يقول: ما عرفت أمة من الأمم يشركون في توحيد الربوبية إلا المجوس، ومع ذلك فليس شركهم شركاً ظاهراً، فهم يدعون أن العالم مخلوق من خالقين، يقولون: النور خلق الخير، والظلمة خلقت الشر. فالعالم عندهم صادر عن النور والظلمة، ولأجل ذلك هم يعبدون النار، فمعبودهم المقدس النار، يشعلونها ويطوفون بها ويصلون أمامها ويستقبلونها، ولأجل ذلك نهي المسلمون أن يستقبلوا النار في الصلاة حذراً من التشبه بالمجوس، ومع ذلك ما قالوا: إن النور والظلمة سواء. بل يقولون: إن الخيّر هو النور، وإن الظلمة شريرة لا يصدر منها خير. فهم لا يجعلونهما سواء، وهم مختلفون: هل النور والظلمة كلاهما قديم، أم القديم هو النور والظلمة حادثة؟
وهذا الكلام قد ذكره شيخ الإسلام في الرسالة التدمرية، أشار إلى هذا وبيّن أنهم مختلفون: هل النور والظلمة كلاهما قديم، أم القدم خاص بالنور والظلمة حادثة؟
وعلى القول -عندهم- بأنهما قديمان فإنهم لا يجعلونهما سواء، وهذا دليل على أنه ليس في الوجود أحد يشرك في توحيد الربوبية شركاً ظاهراً.
هذا فيه رد على النصارى، قال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ [المائدة:73]، فالنصارى يجعلون الله ثالث ثلاثة، فيجعلون عيسى ابن الله، كما قال الله عنهم: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ [المائدة:17]، وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة:30] يعني: منهم من يقول: إن الله هو المسيح -تعالى الله عن قولهم-. ومنهم من يقول: إنه ابن الله، وهذا أشهر وأكثر عندهم، ومنهم من يقول: إن الله ثالث ثلاثة. وهو قولهم: بالأب والابن وروح القدس، والله يخاطب عيسى يوم القيامة فيقول: يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [المائدة:116]، وهذا دليل على أن المثلثة يقولون: إن الله إله، والمسيح إله، وأمه إله تعالى الله عن قولهم!
فأنكر ذلك عيسى وقال: سُبْحَانَكَ [المائدة:116]، وقال: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [المائدة:117]، ومشهور في كتب النصارى أنهم يقولون بالأقانيم الثلاثة، وهم مختلفون في معنى الأقانيم، وكذلك هم مختلفون هل هي قديمة كلها أو بعضها حادث؟
ومشهور عند النصارى استعمال كلمة الأقنوم، ومنهم من يفسرها بالأرواح، ومنهم من يفسرها بالآلهة أو بالأشياء القديمة، والحاصل أنهم مضطربون فيها كما سمعنا، وقد ردّ عليهم الأئمة، ومن أراد تفصيل الرد عليهم فليقرأ كتاب شيخ الإسلام (الجواب الصحيح) الذي ضمنه الرد عليهم وفصّل في أجوبتهم، واستوفى ذلك رحمه الله، وكذلك غيره من العلماء حيث تتبعوا أدلتهم واستوفوا ما يدور حول ذلك من الشبه، وبينوا تناقضهم، ومع ذلك ما أُثر عنهم أنهم يقولون: إن العالم صادر من ثلاثة، بل هم يعترفون في نفس الأمر بأن العالم مخلوق من واحد قادر.
هذا بيان لما عليه الفلاسفة ونحوهم، فالاعتراف بالخالق سبحانه وتعالى اعتراف فطري، ولكن الفلاسفة يريدون أن يعبروا عما فطروا عليه تعبيراً مقنعاً، فلأجل ذلك اختلفت التعبيرات عندهم، وسيأتينا بعض تعبيراتهم التي يستدلون بها على أن العالم لم يصدر إلا من خالق واحد، وأكثرهم لما لم يقدر على التعبير زعموا أن هذا متلقىً من السمع -أي: من الشرع-، وأن الاعتراف بالخالق مأخوذ من الشرع، ولا شك أنه أمر فطري، ولو ترك كل واحد والفطرة التي فطر عليها لعرف أن له رباً وأنه مخلوق. ولأجل ذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة)، وقال تعالى: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم:30]، ولكن مع ذلك هناك أدلة عقلية صريحة تبين للإنسان أنه مخلوق، وقد احتج عليهم سبحانه وتعالى بالعقل في قوله تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ [الطور:35] فإذا عرفوا أنهم لم يخلقوا من غير شيء فلا بد لهم من خالق خلقهم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر