وبعد:
هذه القصة التي سنتحدث عنها هذه الليلة -أيها الإخوة- هي قصة وفاة عم النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها من العبر والعظات ما ينبغي أن يتوقف عنده المؤمنون، ويتمعن فيه أهل البصيرة، وقد روى هذه القصة الإمام البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى وغيرهما، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه، أنه أخبره: أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد عنده أبا جهل بن هشام -و أبو جهل كان يكنى في الجاهلية بـأبي الحكم ، فلما كفر لقبه المسلمون بـأبي جهل ، ولا زالت هكذا كنيته إلى قيام الساعة- وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـأبي طالب: وهو في سياق الموت: (يا عم! قل: لا إله إلا الله كلمة أشهد) وفي رواية: (أحاج لك بها عند الله).
فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب! أترغب عن ملة عبد المطلب ؟! فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه -أي: يعرض عليه لا إله إلا الله- ويعودان الكافران بتلك المقالة، وهي: أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ أتترك ملة أبيك؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه، وهما يعودان بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، آخر شيء قبل أن يموت، والكلمات النهائية الأخيرة: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك) فأنزل الله تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113] وأنزل في رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56].
أبو طالب اسمه عبد مناف ، وهو اسم من أسماء أهل الجاهلية، وقد اشتهر بكنيته، وكان شقيق عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك أوصى بالنبي صلى الله عليه وسلم عبد المطلب عند موته أبا طالب، فكفله إلى أن كبر، واستمر على نصرة النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن بُعث إلى أن مات أبو طالب، وكان موته بعد خروج المسلمين من حصار الشعب، وكان ذلك في آخر السنة العاشرة من البعثة.
وكان يذب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يرد على كل من يؤذيه، وهو مقيمٌ مع ذلك على دين قومه على الشرك، وقد جاء في أثر ابن مسعود : [ وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه ] وكان أبو طالب قد قطع على نفسه العهد بحماية النبي عليه الصلاة والسلام، وهو الذي قال:
والله لن يصلوا إليك بجمعـهم حتى أوسد في التراب دفينا |
وكان أبو طالب يعلم حقاً ويقيناً بأن دين النبي صلى الله عليه وسلم دين حق، ويدل على هذا قوله في شعره:
ولقد علمت بأن دين محمدٍ من خير أديان البرية ديناً |
لولا الملامة أو حذار مسبةٍ لوجدتني سمحاً بذاك مبيناً |
كان يعلم أن دين النبي عليه الصلاة والسلام خير أديان البرية، ولكن الذي كان يمنعه من اتباعه الملامة وحذار المسبة، أي: لوم قومه له وسبهم إياه.
عام الحزن هو العام الذي مات فيه أبو طالب هو وخديجة ولذلك كان وقع المصيبة على النبي عليه الصلاة والسلام مضاعف، ولكن الله سبحانه وتعالى عوضه برحلة الإسراء والمعراج التي كان فيها التخفيف العظيم والتسلية له صلى الله عليه وسلم.
سئل النبي عليه الصلاة والسلام: ماذا نفعت عمك وقد كان يحوطك ويغضب لك؟
فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي نفع عمه به هو أن أبا طالب صار في ضحضاحٍ من نار -الضحضاح هو ما يبلغ الكعب- والمعنى: أنه خُفف عن أبي طالب العذاب، فنُقل أبو طالب من وسط جهنم وجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه.
وقد جاء في حديث مسلم : (إن أهون أهل النار عذاباً
وفي رواية للبزار : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: (هل نفعت
يعني: أن الذي يموت على الكفر لا يمكن أن يدخل الجنة، ولا يخرج من النار، وقد حاول بعض أهل البدع اختراع بعض الروايات التي يؤيدون بها أن أبا طالب أسلم، وأنه نطق الشهادة في النهاية، لكن الحقيقة أنه لم يفعل.
والدليل على ذلك: أن أبا طالب لما مات -في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود والنسائي [جاء ولده
علي بن أبي طالب من تجرده للحق، والذي مات أبوه، لكن ما منعه أن يقول: [ إن عمك الشيخ الضال قد مات] أي: علي يعرف تماماً أن أباه أبا طالب مات على الكفر، ولذلك بعد موته نعته بالضلال، ماذا أفعل به؟ قال: (اذهب فواره) أي: ادفنه، قلت: [إنه مات مشركاً] قال: (اذهب فواره) أي: الكافر يدفن حتى لو كان كافراً، ولا يبقى على وجه الأرض.
ولذلك ألقى قتلى بدر في البئر طوياً خبيثاً منتناً، فيدفن حتى الكافر ولا يبقى على الأرض، لكن لا تغسيل، ولا تكفين، ولا صلاة عليه، يُؤخذ مثل الكلب، ويدفن في حفرة، وهكذا يُفعل بالمرتد عن الدين المستهزئ به، المضاد لدين الإسلام ولشريعة الله، والمعاند التارك لدين الله، وكذا تارك الصلاة بالكلية، والشاك في البعث، والذي أعرض عن دين الإسلام لا يتعلمه، ولا يعمل به، والذي يشك في القرآن، ويسب الرسول، أي أحد من هؤلاء: من سب الله، أو سب رسوله، أو سب دينه، أو شك في الله، أو في اليوم الآخر، أو في كتاب الله، أو من زعم أن شريعة غير الله مثل شريعة الله، أو أحسن، أو أقل، لكن يجوز تطبيقها، أو اعتقد أن غير شرع الله يجوز تطبيقه، أو اعتقد جواز التحاكم إلى غير شريعة الله، أو حكم الجاهلية، من اعتقد ذلك كفر، كل هؤلاء إذا ماتوا ما حكمهم؟
يؤخذ إلى حفرة ويدفن فيها مثل الكلب، لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يرث، ولا يورث، ولا يدعى له بالمغفرة والرحمة، بل ولا يجوز الدعاء له بالمغفرة والرحمة.
وبعض الناس أحياناً يقولون: رحم الله فلاناً الفلاني.. ونحو ذلك، ويكون هذا معلوم كفره، وأنه مات على الكفر، أو مات تاركاً للدين بالكلية، ومع ذلك يترحمون عليه.
أحد الكُتَّاب قال: "وقال برناردشو رحمه الله" فهناك بعض الذين اجتالتهم الشياطين يخلطون الحق بالباطل، ويترحمون على الكفرة.
على أية حال: قد يكون الرجل اسمه محمد وأحمد وعبد الله وهو من أكفر الكفار، والمسألة مسألة عقيدة، فمن اعتقد شيئاً يُضاد دين الله سبحانه وتعالى فإنه كافر.
يقول أحد الناس: أنا أصلي احتياطاً، كيف احتياطاً؟
قال: إذا كان هناك يوم آخر صليت، وإذا لم يكن يوم آخر ما خسرت شيئاً، أي: أنه شاك في البعث.
وأحد الناس تدين ولده، وصار ملتزماً بشريعة الله، وأقبل على الصلاة والعبادة، ورافق أصحاب الصلاح والدين والخير، فلم يعجبه أبوه هذا التدين الشديد، فقال له: على رسلك.. تمهل، ليس إلى هذا الحد يا ولدي، لماذا؟
ما يدريك ربما لا يكون هناك شيء.. انظر هذه الكلمة، أي: ربما تعمل وتجتهد وفي الأخير ليس ثمة بعث ولا جزاء ولا حساب ولا جنة ولا نار ، وهذه الكلمة كفر أكبر مخرج من الملة.
وكذلك الاستهزاء بالدين، أو سب أهل الدين لأجل دينهم، لا لأجل أشكالهم، أو أشخاصهم، وإنما لأجل دينهم فهذا كفر أيضاً.
وكذلك الرضا بالتحاكم إلى القوانين الوضيعة، واعتقاد جواز التحاكم إلى غير شريعة الله، كل هذا كفر أكبر مخرج عن الملة.
على أية حال! الأشياء التي تخرج من الملة متعددة ذكرها العلماء رحمهم الله، وجمعها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في نواقض الإسلام العشرة، إذا مات الرجل من هؤلاء لا يترحم عليه، ولا يدعى له بالمغفرة والرحمة، هذا أبو طالب الذي نصر الدين، ونصر النبي عليه الصلاة والسلام لا يجوز الاستغفار له.
لما سمع النبي عليه الصلاة والسلام أن أبا طالب على فراش الموت حضره، وفي هذا يؤخذ جواز الذهاب إلى الكافر وهو على فراش الموت لدعوته إلى الله.
ويؤخذ كذلك من الحديث: الحرص على هداية الأقرباء.
ومعنى (حضرته الوفاة) أي: قبل أن يدخل في الغرغرة، وإلا لو كان دخل مرحلة الغرغرة، فلا ينفع الكلام، ولا تنفع التوبة، ولا ينفع الإسلام، وبلغ من حرص النبي عليه الصلاة والسلام أن كرر عليه الدعوة، يقول: ( يا عم! ) بهذا الخطاب اللطيف، وهذا هو أسلوب الدعوة: (يا عم! قل كلمة أشفع لك بها عند الله .. أحاج لك بها عند الله .. أشهد لك بها عند الله).
قل: لا إله إلا الله فقط، وأبو طالب يقول: لولا أن تعيرني قريشٌ، يقولون: ما حمله عليه إلا جزع الموت، لأقررت بها عينك.
الله سبحانه وتعالى إذا قضى على رجلٍ بالضلالة، فلن تملك له من الله شيئاً، ولو أن أهل الأرض اجتمعوا على أن يهدوه من دون الله لا يُمكن أن يهتدي، وهل هناك أحسن أسلوباً من أسلوب النبي عليه الصلاة والسلام؟! أو أحسن دعوة من دعوة النبي عليه الصلاة والسلام؟! أو أحسن طريقة من طريقة النبي صلى الله عليه وسلم؟!
ومع ذلك لم يستطع أن يهديه وهو عمه وقريب من الدين، وكان ينصر النبي عليه الصلاة والسلام، وكان يعرف أن دينه دين الحق.
وكان يقول: لولا أن تعيرني قريشٌ، يقولون: ما حمله عليه إلا جزع الموت، لأقررت بها عينك -لقلتها وقرت عينك يا بن أخي- لكن ما قالها.
ويؤخذ من هذا فائدة عظيمة وهي: أن الإنسان لو اقتنع بالإسلام قناعة تامة وأنه دين الحق، ومات على ذلك، فهو في النار خالداً مخلداً فيها، إلا إذا نطق بالشهادتين ودخل في الدين، فقضية الاقتناع لا تنفع في شيء.
أي: هناك بعض الكفار الأجانب يمكن أن نجدهم معنا في الشركات والمصانع والمؤسسات ومع الشرح والدعوة إلى الإسلام يقتنع أن هذا دين الحق، يقول: أنا أوقن تماماً أن دينكم هذا أحسن من دين النصرانية واليهودية والبوذية والمجوسية والهندوسية ، وأحسن ملة في الأرض، لكن لا يقول: لا إله إلا الله، ولا يشهد، ولا يدخل في الإسلام، وإذا مات فهو في النار قطعاً.
فقضية الاقتناع العقلي شيء، والدخول في الدين شيء آخر، ولذلك فإن الاقتناع العقلي يعني أنه قريب من الدين وهو قاب قوسين أو أدنى، وعلى البوابة، لكنه لم يدخل، لأنه لم ينطق بمفتاح الجنة (لا إله إلا الله) ولذلك لا بد أن نبين لهم أن القناعة لا تكفي، وكونه يقتنع أن الإسلام دين حق لا يكفي، بل لا بد أن ينطق بالشهادتين.
فالله سبحانه وتعالى قد يقيض للداعية من يمنعه من الأذى ويحوطه ويدافع عنه، وهذا قد يكون من الأقرباء، وهذا فيه درس لنا أن الإنسان يهتم بأقربائه، لأن وشيجة القربى تلعب دوراً مهماً في حماية الداعية ونصرته، وقد يكون للإنسان قريب كافر، ولكن ينتفع به انتفاعاً كبيراً.
النبي صلى الله عليه وسلم واجه مع اليهود في معركة بني النضير، ما هي قصتها؟
اتفق جماعة من اليهود على أن يطلبوا النبي عليه الصلاة والسلام للمناظرة.
يقولون: اخرج إلينا -مثلاً- في ثلاثين من أصحابك، ونخرج إليك في ثلاثين منا، ثم يتلاقى ثلاثة معك، وتعرض ما عندك ونعرض ما عندنا، ولبس اليهود الثلاثة الخناجر للغدر بالنبي عليه الصلاة والسلام وقتله، فأخبرت امرأة من اليهود أخاً لها من الأنصار، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فعلم بالغدر، فلم يخرج إليهم، ثم ذهب وحاصرهم، وقاتلهم وأجلاهم.
إذاً: قد تكون القرابة حتى لو من الكفار تنفع نفعاً عظيماً، فينبغي ألا يفوت القريب ولو كان كافراً، وأن الإنسان يُحسن الصلة بأقربائه حتى الكفار، وأن بعض الكفار يمكن أن ينفعوا المسلمين، وينفعوا الدعوة من حيث لا يتوقع الإنسان، نعم لا يؤجرون على ذلك في الآخرة، لكنهم ينفعون، فلماذا يفوت مثل هذا؟!
وإذا قدَّر الله أن يضله فلن تملك له من الله شيئاً، من يهدي الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له.. أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ [الجاثية:23] ولذلك كم نتمنى أن يهتدي أناس من العصاة من أقربائنا، ولكن لا يكون باليد حيلة مع الدعوة ومع القيام بواجب النصيحة.
فالإنسان إذا لم يهتد قريبه ماذا يشعر؟
لا يشعر بالحسرة ويتقطع؛ لأنه يعلم بأن الهداية بيد الله، ولذلك قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: ِفَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ [فاطر:8].. فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً [الكهف:6] تتقطع نفسك .. تموت .. تريد أن تهلك نفسك، لا تهلك نفسك؛ الهداية بيد الله وليست بيدك: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص:56] مع أنه حبيبه وخليله ومصطفاه من خلقه وأمينه على وحيه، أفضل الخلق وأحب الخلق إلى الله محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يعطه ما يتمناه في كل شيء.
كان يتمنى أن يهتدي عمه، لكن الله لم يعطه الهداية لعمه: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص:56] يلقن الأمة درساً، يقول: هذا النبي أفضل الناس عند الله لم يهد الله له عمه، ولا أعطاه ما يريد في عمه، ومات عمه كافراً ودخل النار، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام شفع في أبي طالب شفاعة خُفف بسببها العذاب عنه تخفيفاً فقط أما الخروج من النار فلا.
وكذلك من عجائب الاتفاق أن الذين أدركهم الإسلام من أعمام النبي صلى الله عليه وسلم أربعة لم يُسلم منهم إلا اثنان.
وكان اسم من لم يسلم ينافي أسماء المسلمين، واسم اللذين أسلما يوافق أسماء المسلمين، فعماه اللذان أسلما: حمزة والعباس ، وعماه اللذان لم يسلما: عبد العزى وعبد مناف .
من هو عبد مناف ؟ أبو طالب، ومن هو عبد العزى ؟ أبو لهب ، فسبحان الله! اتفاق ، قدر الله أن اللذين أسلما أسماؤهما: حمزة والعباس ، واللذان كفرا أسماؤهما: عبد العزى وعبد مناف .
اليهودي ملعون ويعرف أنه سيدخل النار، وأشفق على ولده، قال: أطع أبا القاسم، فأسلم الشاب ومات، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من عنده وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه بي من النار).
كذلك في هذا الحديث: أثر قرناء السوء، وهذه فائدة بليغة: حضر أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية عند أبي طالب ، وكان الثلاثة كفاراً، مات أبو جهل وأبو طالب على الكفر.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام من جهة: ( يا عم! قل: لا إله إلا الله ) وهما يقولان: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ أتترك دين آبائك وأجدادك؟ أتترك دين أبيك ؟ أتموت على غير دين أبيك؟
أثر قرناء السوء هذا درس مهم: أن قرناء السوء كانوا سبباً في دخول الشخص عالم الشقاء الأبدي، ولذلك فهم لا يتركون صاحبهم إلى آخر رمق، ويحاولون فيه.
إذاً: صراع بين دعاة الخير ودعاة الشر، وهذا شيء معروف ومشهود في أيامنا هذه، تجد الواحد أحياناً له قرينان حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا [الأنعام:71] ومن الطرف الآخر الشلة وأهل السوء .. تعال عندنا .. تعال معنا .. اترك أولئك .. صراع بين الحق والباطل، وهذه سنة إلهية في الحياة إلى قيام الساعة، وهي سنة التدافع: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ [البقرة:251].
التدافع بين الحق والباطل هذه سنة إلهية، ولذلك تتقاتل جيوش المسلمين والكفار، ويتواجه دعاة الإسلام والكفر، ويتواجه علماء الإسلام وعلماء الكفار، ويتناظرون.. المدافعة سنة إلهية لا بد أن تحدث، لا بد أن يكون هناك صراع، وفائدة الصراع أن يتبين الذي يضحي من الذي لا يضحي، يتبين من الذي يقدم للإسلام من الذي يتكاسل، يتبين من الذي ينصر دين الله من الذي يتقاعس عن نصرة دين الله، يتبين أهل الشر من أهل الخير، رءوس الكفر ورءوس الدين تتبين في الصراع.
فالصراع لا بد منه، أما قضية السلام التام في الأرض فلا يوجد إلا في عهد عيسى، لماذا؟
لأنه سينتهي الكفر من الأرض بالكلية في عهد عيسى بعد القضاء على الدجال ويأجوج ومأجوج، ولذلك قال: (وتملأ الأرض من السلم كما يملأ الإناء من الماء، ويصبح الذئب في الغنم كأنه كلبها، ويدخل الوليد يده في الحية فلا تضره، وتكفي اللقحة الفئام من الناس، ويكون الفرس بالدريهمات، ويستظل الناس بقحف الرمانة، وتملأ الأرض من البركة).
ما دام أن الكفر قد انتهى من الأرض، لا يوجد صراع، انتهت المسألة، لكن ذلك لن يستمر، لأن بعد عيسى سيعود الكفر مرة أخرى، ولذلك فإن الصراع بين الحق والباطل شيء مستمر إلى قيام الساعة، ولذلك ينبغي على دعاة الإسلام ألا ييأسوا، ولو رأوا الشخص، أو الشاب ينافسهم عليه أهل الباطل، لا يتركوه لأهل الباطل، النبي صلى الله عليه وسلم لم ييأس، وهو واحد والطرف الآخر أكثر في العدد، ولكنه لم ييأس واستمر في الدعوة إلى آخر لحظة، ونحن كذلك عندما يكون الواحد له صاحب، أو صديق طيب يريد هدايته، ولهذا الصديق أصدقاء سوء ينتبه أن يسلمه إليهم، أو يتركه لهم، بل يبقى على دعوته إلى آخر لحظة، النبي عليه الصلاة والسلام اشتغل بدعوة عمه إلى آخر لحظة.
يجب أن يتميز الداعية بطول النفس في الدعوة إلى آخر لحظة.
ونلاحظ كذلك أن الحوار كان سجالاً، يقول: "فلم يزل يعرضها" أي: لا إله إلا الله مراراً، ويعيدانه إلى الكفر بتلك المقالة، كلما عرض عليه لا إله إلا الله، عرضوا عليه الكفر مرةً أخرى حتى قال: على ملة عبد المطلب ، ومات.
إذاً: إبراهيم لم يستمر يستغفر لأبيه، ولما تبين له أن أباه مات على الكفر تبرأ منه، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى [التوبة:113] لأن الدين والعقيدة فوق القرابات.
النبي عليه الصلاة والسلام لم يستطع أن يستغفر لأمه، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً إلى المقبرة، فجاء حتى جلس إلى قبر منها، فناجاه طويلاً، ثم بكى، فبكى الصحابة لبكائه، ورحموه من شدة بكائه عليه الصلاة والسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي، واستأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي) لأن أمه ماتت على الكفر، فأنزل عليَّ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ [التوبة:113] رواه الحاكم وابن أبي حاتم، عن مسروق، عن ابن مسعود.
وأخرج أحمد من حديث ابن بريدة عن أبيه نحوه، وفيه: ( نزل بنا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن معه قريب من ألف راكب -نزلوا في الطريق عند قبر- لما قدم مكة ، ووقف على قبر أمه حتى سخنت عليه الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها، فنزلت الآية: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى [التوبة:113] ).
ولما جاء أعرابي، قال: ( يا رسول الله! أين أبي؟ قال: "في النار" فلما خرج ناداه النبي عليه الصلاة والسلام، وقد رأى أنه تأثر، قال: أبي وأبوك في النار).
لا توجد مجاملات في الدين، فالعقيدة فوق القرابات، أبوه وأمه وعمه، لكن في النار، لأنهم كفار ماتوا على الكفر، ولذلك الإنسان فعلاً يصاب بالحسرة والأسى؛ خصوصاً عندما يكون له أب مشرك، أو أم كافرة، لكن ماذا يفعل؟
لا توجد طريقة، إذا قضى الله بالضلالة عليهم، فلا يملك لهم من الله شيئاً.
وهذا من الإعجاز، والله يُعجز خلقه ويبين لهم أن الهداية بيده لا بأيديهم.
لماذا أصرَّ أبو جهل وصاحبه على منع أبي طالب من أن يقول الكلمة؟
مع أنه سيقول فقط كلمة ويموت، أو عبارة ويموت؟!
الإجابة: لأن أبا جهل وصاحبه يعلمان معنى (لا إله إلا الله) أكثر مما يعلمها اليوم كثيرٌ من المسلمين.
لماذا أبو جهل لم يترك أبا طالب يقول: لا إله إلا الله! وهي كلمة ثم يموت ويذهب؟
لأن أبا جهل يعلم أن هذه الكلمة معناها: الانخلاع من الطواغيت، الكفر بهبل واللات والعزى ومناة، الكفر بالآلهة كلها هذه التي عند الكعبة، والاعتقاد فقط بأن الله وحده هو المستحقٌ للعبادة، وأن لا إله إلا الله هي متضمنة للكفر بما يعبد من دون الله، وأن لا إله إلا الله ليست مجرد كلمة باللسان بل كان معناها عند الكفار واضح جداً وهي الانتقال من دين إلى دين، والدخول في هذا الدين الجديد، ولا معبود بحق إلا الله.
أي: عندما يشهد الإنسان أنه لا إله إلا الله، وأنه لا معبود بحق إلا الله، معناها: أنه يَكْفُر بجميع ما عُبد من دون الله.
معناها أنه يُعلن البراءة من أديان الكُفر وملله، ومن الأصنام والطواغيت والأنداد التي تعبد من دون الله، وأن هذه الكلمة تتضمن وتقتضي توحيد الله بالعبادة، وصرف العبادة لله فقط، إنهم كانوا يفقهون معناها فقهاً كبيراً، وكانوا يعرفون ماذا تعني شهادة أن لا إله إلا الله، ولذلك كانوا يصرون على منع أبي طالب من قولها.
وفي الحديث بيان أن لا إله إلا الله ليست مجرد كلمة، وإنما اعتقادٌ بمعناها أيضاً، وأن المطلوب من أبي طالب لم يكن مطلوباً منه فقط أن يقولها بلسانه، وإنما أن يعتقد معناها أيضاً، ولذلك أصرّ أبو جهل وصاحبه، وبالتالي لم يتكلم أبو طالب بها؛ لأنها كانت تعني كما يقول: لو قلتها، سيترتب عليها أشياء، والأشياء التي ستترتب عليها سأعاب بها ويذمني قومي ويلومونني ويسبونني، ويقولون: قالها خوف الموت.. ترك ملة أبيه، فهذا كله من عظمة كلمة: (لا إله إلا الله) وأن معناها بخلاف ما يظنه كثيرٌ من الناس أنها مجرد كلمة، ليست القضية قضية تلفظ فقط، وإنما اعتقاد لمعنى لا إله إلا الله، وأن بعض الكفار أعرف بتفسيرها من بعض المسلمين.
لا شيء، الأعمال بالخواتيم، فما دام أنه مات على الكفر، إذاً قُضي عليه بالخلود في النار، فإن قال قائل: ما هي شروط لا إله إلا الله؟ وما هو ملخص هذه الشروط؟
الجواب: أنها قد جمعت في قول حافظ حكمي رحمه الله تعالى:
العلم واليقين والقبول والانقياد فادر ما أقول |
والصدق والإخلاص والمحبـة وفقك الله لما أحبه |
فشروط لا إله إلا الله:
1- العلم: العلم بمعناها.
2- اليقين: أن يوقن القلب بهذا المعنى.
3- القبول: أي: الرضوخ لهذا المعنى، والاستسلام لهذه العبارة.
4- الانقياد: اتباع ما تقتضيه العبارة من صلاة وزكاة وصيام وحج وتحاكم إلى شريعة الله ... إلخ.
5- الصدق.
6- عدم النفاق، أي: الإخلاص لله عز وجل في جميع العبادات.
7- المحبة، أي: محبة الله عز وجل، لأنه المألوف المحبوب المعبود.
وفقك الله لما أحبه.
هذه بعض الدروس التي اشتملت عليها قصة وفاة أبي طالب على الشرك، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا ويهدي أولادنا وذرارينا وأقربائنا إلى الحق والإسلام والدين، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد.
الجواب: هذا يحتاج إلى تنبيه من جديد، لأنه لا يجوز للمرأة أن تتطيب، والتي تأتي إلى المسجد متطيبة، ثم تمر بالرجال، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنها زانية، أي: عليها إثم الزنا، وأما التي وضِعَ لها البخور بدون قصد، ولا إرادة، وأجبرت عليه، فليس عليها شيء إن شاء الله، والإثم على من أحضره إلى النساء، فهي التي تأثم.
على أية حال: أظن -والله أعلم- أن هاتين المرأتين جاهلتين بالحكم وإنما قصدتا الخير، ولكن كما قال ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: [كم من مريد للحق لم يدركه] كم من مريد للخير لكنه لا يُوفق للخير.
الجواب: ليس هو نهياً للتحريم والإلزام، ولكن إذا دخلت معهم منعاً للتشويش فهو الأحسن، وإذا صليت مع جماعة في الخارج بحيث لا تشوش على المصلين في صلاة التراويح أيضاً فلا بأس بذلك.
الجواب: نعم يجوز ذلك.
الجواب: كل إنسان أحسن من الذي هو أردى منه، لا شك في ذلك، فحتى الذي لا يصلي أحسن من الشيوعي الملحد، والذي لا يصلي ويعتقد أن هناك خالق أحسن من الذي يعتقد أنه لا يوجد خالق، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا في الدين أن ننظر إلى من هو فوقنا، وفي الدنيا أن ننظر إلى من هو أسفل منا.. أمرنا في الدين أن ننظر إلى من فوقنا حتى نزداد في العبادة ونقتدي، وفي الدنيا أن ننظر إلى من هو تحتنا؛ لأجل أن نعرف نعمة الله علينا، لا أن نعكس القضية فننظر في الدين إلى من هو أسفل منا، ونقول: الحمد لله! نحن في خير، فغيرنا ملاحدة وشيوعيين، وننظر في الدنيا إلى من فوقنا ونقول: يا حسرة! يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون!
إذاً: الناس عكسوا القضية، أصبح -الآن- الذي يصلي في المسجد يقول: أنا أحسن من الذي يصلي في البيت، والذي يصلي في البيت يقول: أنا أحسن من الذي لا يصلي، والذي يصلي أحياناً يقول: أنا أحسن من الذي لا يصلي إلا الجمعة، والذي يصلي الجمعة يقول: أنا أحسن من الذي لا يصلي أبداً، والذي لا يصلي أبداً يقول: أنا أحسن من الملحد واليهودي والنصراني! واليهودي والنصراني يقول: أنا كتابي أحسن من الشيوعي، فهذه المسألة لا تنتهي، ولا يمكن أن أحداً يُفكر بهذه الطريقة إلا الكسالى والمقصرين وأرباب المعاصي والفسوق الذين يريدون أن يقنعوا أنفسهم أنهم في خير وعافية.
الجواب: هذه القصة ضعيفة، وردت بإسناد فيه ضعف، ولكن الرواية الصحيحة التي رواها أبو داود هي قضية اشتمال اليهود على الخناجر هي سبب الغزوة الحقيقي، رواها أبو داود والحديث صحيح، وأشار الحافظ إلى صحتها في الفتح وكذلك الألباني .
الجواب: إذا كان لا يكفيه فيعطى من الزكاة، وإذا كان يكفيه لا يُعطى.
الجواب: تقدرها وتعيدها إليه، ويجوز أن تعيدها خفية كما أخذتها خفية.
الجواب: يكفي قراءة الإمام، كما هو مذهب مالك ورأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
الجواب: لأن المشرك لا يخرج من النار وهذا لا يخرج من النار بل هو مخلد فيها، نفعه بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فقط، والشفاعة كانت محدودة بشيء معين وهو التخفيف، أما أنه يخرج فلا.
الجواب: كلا. لأن الموالاة المحرمة التي فيها محبة لهم، ومحبة لدينهم، ورضاً بباطلهم، وتنازل عن شيء من ديننا، أما أن الإنسان يُقيض له قريب مشرك كافر يدافع عنه، فهذا تأييد من الله.
وكذلك المحبة الطبيعية التي تكون بين المسلم وقريبه الكافر محبة طبيعية ليس فيها ما ينافي الدين، فلو أن مسلماً تزوج كتابية محصنة، ما حكم النكاح؟ صحيح.. حسناً ليس هناك بين الزوجين محبة؟
هل حبه لها ينافي التوحيد؟
أبداً، لأن هذا من جنس المحبة الطبيعية، مثل: محبة الإنسان مثلاً للحم المشوي، أحدهم يحب العنب، هذه محبة ليس لها علاقة بالعقيدة، هذه محبة طبيعية من ميل نفسي، فمحبات القرابة، أو الزوجية، إذا كان أحد الطرفين مسلماً محبة طبيعية ليس فيها ما ينافي العقيدة.
ثم إن أبا طالب الإنسان يكره عقيدته ولا شك، فهو يحبه من وجه ويبغضه من وجه، قد يحبه محبة طبيعية من جهة القرابة، ويبغضه على دينه الذي هو عليه وعلى عقيدته التي هو عليها ولا شك.
أما محبة الأخوة الدينية، أو المحبة التي وردت: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] التي تربط بين الناس لا يمكن أن تكون لـأبي طالب ، ولا لغيره.
على أية حال: كون الله قيض لنبيه أبا طالب يدافع عنه، هذا لا ينافي الموالاة.
الجواب: نهج البلاغة كتاب سمٌ مسمومٌ يحذر منه، منسوب إلى علي رضي الله عنه وأرضاه، وعلي رضي الله عنه وأرضاه بريء من كثيرٍ مما فيه.
الجواب : إذا لم يكن خضوع بالقول وكان للحاجة، فلا بأس.
الجواب: المقصود بالعديل هنا عند الناس هو: زوج أخت الزوجة، فيقولون: هذان عديلان، أو هؤلاء عدلاء، أي: أزواج لأخوات، فإذا زارها في بيتها، أولاً لا يجوز الخلوة بالمرأة وهي أخت زوجته، لأنها ليست من المحارم، وليست من المحرمات عليه على التأبيد، فإذاً لا يجوز الخلوة بها، ولا النظر إليها ولا الاختلاط بها.
الجواب: قراءته صحيحة، والسنة أن يسمي من أول السورة.
الجواب: ليس واجباً، فلو قرأ إلى غير القبلة فقراءته صحيحة.
والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر