إسلام ويب

كتاب الطهارة [30]للشيخ : محمد يوسف حربة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اختلف العلماء بما يكون التيمم إلى قولين بالتراب أو بكل ما صعد على وجه الأرض، وينتقض التيمم بما ينتقض به الوضوء اتفاقاً، واختلفوا في صلاة فريضتين بتيمم واحد، فالجمهور على المنع، وأبو حنيفة على الجواز.

    1.   

    ما يحصل به التيمم

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

    قال المصنف رحمه الله: [ الباب الخامس فيما تصنع به هذه الطهارة ]، أي: بماذا يكون التيمم هل بالتراب أو بالتراب وغيره؟

    [ وفيه مسألة واحدة، وذلك أنهم اتفقوا على جوازها بتراب الحرث الطيب ]، الحرث الطيب يعني به: التراب الذي يصلح للحرث، فإنهم اتفقوا على أنه يجوز التيمم به.

    أقوال الفقهاء في التيمم بما عدا التراب

    قال رحمه الله: [ واختلفوا في جواز فعلها بما عدا التراب من أجزاء الأرض المتولدة عنها كالحجارة، فذهب الشافعي إلى أنه لا يجوز التيمم إلا بالتراب الخالص ]، وهو تراب الحرث الذي له غبار، [ وذهب مالك وأصحابه إلى أنه يجوز التيمم بكل ما صعد على وجه الأرض ]، فكل ما كان على وجه الأرض يجوز التيمم به، [ من أجزائها في المشهور عنه: الحصى والرمل والتراب. وزاد أبو حنيفة فقال: وبكل ما يتولد من الأرض ]، إذا نظرت وتأملت في قول أبي حنيفة : هل هناك شيء لا يتولد من الأرض؟! كل شيء يتولد من الأرض حتى الثياب.

    [ من الحجارة مثل النورة والزرنيخ والجص والطين والرخام. ومنهم من شرط أن يكون التراب على وجه الأرض وهم الجمهور ]، والتراب الذي على وجه الأرض ليس تراب الحرث، وهذا يعني أن بعضهم قيد التراب بالحرث، [ وقال أحمد بن حنبل : يتيمم بغبار الثوب واللبد ]، لكن المشهور من مذهب أحمد كما في المغني مثل مذهب الشافعي ، وعنه رواية: أن التيمم يجوز بالسبخة والرمل، والرمل: ليس بتراب للحرث، والرمل الذي ليس فيه غبار.

    ومعنى اللبد: الثياب الملبدة التي لا تكون منسوجة وإنما ضغط عليها ضغطاً.

    السبب في اختلاف الفقهاء فيما يكون به التيمم

    قال المصنف رحمه الله: [ والسبب في اختلافهم شيئان:

    أحدهما: اشتراك اسم الصعيد في لسان العرب، فإنه مرة يطلق على التراب الخالص، ومرة يطلق على جميع أجزاء الأرض الظاهرة ] أي: كلما صعد على الأرض [ حتى إن مالكاً وأصحابه حملهم دلالة اشتقاق هذا الاسم - أعني: الصعيد - أن يجيزوا في إحدى الروايات عنهم التيمم على الحشيش ]؛ لأنه صعد على وجه الأرض [ وعلى الثلج، قالوا: لأنه يسمى صعيداً في أصل التسمية، أعني: من جهة صعوده على الأرض، وهذا ] مذهب [ ضعيف ]، ولكنه صحيح؛ لأنه صعد على وجه الأرض، وهو مذهب لا بأس، له وجه من النظر، ولنا أن نصححه.

    [ والسبب الثاني: إطلاق اسم الأرض في جواز التيمم بها في بعض روايات الحديث المشهور، وتقييدها بالتراب في بعضها ] ففي بعض الأحاديث أطلق اسم الأرض على التراب، وقيدها في بعض الأحاديث بالتراب، وهذا السبب الثاني.

    [ وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ) ]، وهذا الحديث متفق عليه.

    [ فإن في بعض رواياته: ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )، وفي بعضها: ( جعلت لي الأرض مسجداً وجعلت لي تربتها طهوراً ) ]، وهي رواية صحيحة.

    قال: [ وقد اختلف أهل الكلام الفقهي؛ هل يقضى بالمطلق على المقيد أو بالمقيد على المطلق؟ ]، فالمقيد بالتربة في الحديث هل يقضي على المطلق فيقيد به، أو أن المطلق يقضي على المقيد، فيكون المقيد من باب التنصيص على بعض أفراد العام؟ كأن أقول لك: أكرم العلماء و زيداً ، فيكون ذكر زيد هنا للتنصيص على بعض أفراد العام، فيقضي المطلق على المقيد.

    أو يقضي المقيد على المطلق، كأن أقول لك: أكرم من جاءك من العلماء، (فمن جاءك) عام، ( من العلماء) خاص، ففي مثل هذه (من العلماء) يقضي المقيد على المطلق فهل هذا الحديث المطلق في بعض ألفاظه وفي بعضها مقيد بالتراب من هذا أو من هذا؟

    قال: [ والمشهور عندهم أن يقضى بالمقيد على المطلق ]، مثل مسألة: أكرم من جاءك من العلماء [ وفيه نظر ] وسيأتي وجه النظر فيه [ ومذهب أبي محمد بن حزم أن يقضى بالمطلق على المقيد ]، فيقول: إن الصعيد يقضي على التراب؛ [ لأن المطلق فيه زيادة معنى ] يعني العموم [ فمن كان رأيه القضاء بالمقيد على المطلق، وحمل اسم الصعيد الطيب على التراب لم يجز التيمم إلا بالتراب، ومن قضى بالمطلق على المقيد، وحمل اسم الصعيد على كل ما على وجه الأرض من أجزائها أجاز التيمم بالرمل والحصى.

    وأما إجازة التيمم بما يتولد منها فضعيف ] بل صحيح [ إذ كان لا يتناوله اسم الصعيد ] بل يتناوله بأنه صاعد على وجه الأرض [ فإن أعم دلالة اسم الصعيد أن يدل على ما تدل عليه الأرض، لا أن يدل على الزرنيخ والنورة، ولا على الثلج والحشيش، والله الموفق للصواب. والاشتراك الذي في اسم الطيب أيضاً من أحد دواعي الخلاف ]، أي أن الطيب في قوله: صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43] هل هو الطيب الطاهر أو الطيب للحرث؟

    فمن قال: إنه الطيب الطاهر، يقول: كل ما صعد على الأرض طاهر. ومن قال: إن الطيب للحرث، قال: الصالح للحرث، لكن الشوكاني يقول: إن حمله على الطيب للحرث يؤخذ عليه أن التراب الذي فيه زبل طيب إذ هو للحرث، فالمختلط بالزبل طيب لأنه للحرث، ولا يصح التيمم به اتفاقاً، فالمراد بالطيب هنا الطاهر.

    الراجح في معنى الصعيد وما يكون به التيمم

    على أن الشوكاني في وبل الغمام صحح أن يكون الصعيد جميع أجزاء الأرض، وفي نيل الأوطار تردد، وفي السيل الجرار مال إلى أن الصعيد هو التراب، وحمل الأحاديث وتأولها تأولات كنت أراها بعيدة، ولكن الراجح: أن الصعيد يعم التراب وكل ما صعد على وجه الأرض، وهذا ما رجحه الشوكاني في وبل الغمام، في (1/215) فقال: أقول: الصعيد جعله المصنف مختصاً بالتراب، وهذا التخصيص ممنوع، قال في القاموس: والصعيد التراب أو وجه الأرض. انتهى.

    والقول الثاني هو الظاهر من لفظ الصعيد؛ لأنه ما صعد - أي: علا وارتفع على جه الأرض - وهذه الصفة لا تختص بالتراب، ويؤيد ذلك حديث: ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )، وهو متفق عليه من حديث جابر وغيره، وما ثبت في رواية بلفظ: ( وتربتها طهوراً )، كما أخرجه مسلم من حديث حذيفة ، فهو غير مستلزم لاختصاص التراب بذلك عند عدم الماء؛ لأن غاية ذلك أن لفظ التراب دل بمفهومه على أن غيره من أجزاء الأرض لا يشاركه في الطهورية، وهذا مفهوم لقب لا ينهض لتخصيص عموم الكتاب والسنة.

    يقول: ( وجعلت لي تربتها طهوراً )، هل التربة وصف أو اسم ذات؟ اسم ذات مثل قولك: أكرم العلماء وزيداً، فـ(زيداً) اسم ذات بخلاف: أكرم من جاءك من العلماء، فالعلماء صفة لا اسم ذات، إذاً التخصيص إنما يكون بالصفة لا باسم الذات، فالتراب هنا ليس بصفة وإنما هو اسم ذات، وفي أصول الفقه يقولون: التقييد باسم الذات إنما هو مفهوم لقب، ولا يجوز التخصيص باللقب، فالتراب هنا مفهوم لقب، فإذا كان التراب مفهوم لقب فإنه لا يجوز التخصيص به، وإنما هو من باب التنصيص على أفراد العام لمعنى، مثلاً إذا قلت لك: أكرم العلماء وزيداً، فهذا معناه: أني معتن بزيد كثيراً.

    فهنا: ( وتربتها طهوراً ) لماذا خصصه؟ نص على التراب لماذا؟ لأن الغالب أن الناس يستعملون التراب، فهو من باب التنصيص على بعض أفراد العام؛ لكثرته، وليس المراد أن غيره لا يجوز التيمم به. كذلك قول الله عز وجل: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى[البقرة:238] يفيد زايدة الاعتناء بصلاة العصر الصلاة الوسطى.

    قال الشوكاني بعد ذلك: ولهذا لم يعمل به -يعني بمفهوم اللقب- من يعتد به من أئمة الأصول، فيكون ذكر التراب في تلك الرواية من باب التنصيص على بعض أفراد العام، ووجه ذكره أنه الذي يغلب استعماله في هذه الطهارة، ويؤيده ما تقدم من تيممه صلى الله عليه وسلم من جدار. انتهى كلام الشوكاني في وبل الغمام.

    وأما كلام الشوكاني في النيل (1/183)، فيستفاد منه أنه متردد، يعني أن آخر عبارة جاء بها في كلامه تفيد أنه متردد.

    أما كلامه في السيل (1/130) فقد رجح فيه القول بالاقتصار على التراب، وسيأتي ذكر بعض ذلك، والذي أرى أن الأقرب من بحثه هو ما قاله في وبل الغمام - يعني العموم - وهو ما رجحه شيخنا ناصر الدين الألباني ؛ مستدلاً بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ( فأيما رجل أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره )، وقال الألباني : من أدركته الصلاة وهو على ظهر الطائرة ولا ماء معه فعنده مسجده وطهوره.

    قلت: ويؤيد هذا ما قال الحافظ في الفتح الجزء الأول (1/522) وهذه الصيغة عموم يدخل تحتها من لم يجد ماءً ولا تراباً، ووجد شيئاً من أجزاء الأرض فإنه يتيمم به؛ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55]، والإنسان من أجزاء الأرض، وهذا ينطبق على كل شيء من أجزاء الأرض، وهذا فيه تسهيل؛ لأنها صلاة، ما دام الإنسان يعقل:

    ولا يجوز تركها لمن عقل وبعد عجز إن يطق شيئاً فعل

    فالذي يقول: إن الصعيد هو التراب، يقول: عند انعدام التراب بترك الصلاة. وهذا ما يسمى بفاقد الطهورين، وسيأتي بيانه وذكر اختلافهم في فاقد الطهورين هل يصلي أو لا يصلي؟ وهل إذا ما صلى يقضي أو لا يقضي؟ وهل يصلي ويقضي أو يصلي ولا يقضي؟ ولم يذكر صاحب الكتاب هذه المسألة.

    إذاً الذي يترجح من حيث روح الشريعة هو أنه يتيمم بكل ما صعد عن الأرض؛ لأنه فاقد للماء والتراب.

    1.   

    نواقض التيمم المتفق عليها والمختلف فيها

    قال المصنف رحمه الله: [ الباب السادس في نواقض هذه الطهارة:

    وأما نواقض هذه الطهارة فإنهم اتفقوا على أنه ينقضها ما ينقض الأصل الذي هو الوضوء أو الطهر واختلفوا من ذلك في مسألتين:

    أحدهما هل ينقضها إرادة صلاة أخرى مفروضة غير المفروضة التي تيمم لها؟.

    والمسألة الثانية: هل ينقضها وجود الماء أم لا؟ ]، لو أنه تيمم وصلى فريضة، ودخلت الفريضة الثانية، أو أراد أن يقضي الفريضة الثانية فهل ينقضها وجود الماء أم لا؟ هنا كلام كثير.. والشيخ هنا اختصره اختصاراً، سنكتب المذاهب مستوفاة في ذلك، والراجح منها.

    [ أما المسألة الأولى ]: إرادة صلاة أخرى بالتيمم السابق. [ فذهب مالك فيها إلى أن إرادة الصلاة الثانية تنقض طهارة الأولى، ومذهب غيره خلاف ذلك، وأصل هذا الخلاف يدور على شيئين ] الخلاف في انتقاض الصلاة وعدمه.

    [ إحداهما هل في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ[المائدة:6]، محذوف مقدر، أعني: إذا قمتم من النوم، أو قمتم محدثين ]، فإذا كان فيها محذوف مقدر فهذا يدل على أن إرادة الصلاة لا تنقض التيمم، وأما إذا لم يكن فيها محذوف مقدر فهو يدل على أن إرادة صلاة أخرى تنقض التيمم، وذلك عام في الوضوء وفي التيمم، ولكن الوضوء خرج عن ذلك كما ذكرنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات بوضوء واحد، وبقي التيمم فعلى هذا ظاهر الآية إذا لم يكن فيها حذف فإن إرادة صلاة أخرى تنقض التيمم.

    [ أم ليس هنالك محذوف أصلاً؟ فمن رأى أن لا محذوف هنالك قال: ظاهر الآية وجوب الوضوء أو التيمم عند القيام لكل صلاة، لكن خصصت السنة من ذلك الوضوء، فبقي التيمم على أصله، لكن لا ينبغي أن يحتج بهذا لـمالك .. ]، لأن مالكاً لم يقل بهذا [ فإن مالكاً يرى أن في الآية محذوفاً على ما رواه عن زيد بن أسلم في موطئه.

    وأما السبب الثاني: فهو تكرار الطلب.. ]، فإذا طلب في الصلاة الأولى الماء ولم يجده وتحقق عدمه، فهل يطلبه مرة ثانية؟ فقال بعض العلماء يطلبه، والراجح أنه لا يطلبه إلا إذا وجد ما يجعله في شك أن الماء وجد، وأما إذا تحقق فمن قال بتكرار الطلب مطلقاً تحقق من وجود الماء أو لم يتحقق، قال: إنه ينتقض، ومن قال: إن الطلب لا يكون إلا في ابتداء الصلاة الأولى عند الظن أو اليقين، وأما الصلاة الثانية إذا كان يقينه مستمراً معه، ولم يتوقع وجود ماء ما بين الصلاتين فإنه لا يجب الطلب مرة أخرى، قال: لا ينتقض، وهذه المسألة قلنا: إن الراجح فيها أنه -كما قال المؤلف- يتعين الطلب في الصلاة الأولى، أما الثانية فلا يطلب إلا إذا حدث ما يوجب ظناً أن الماء قد وجد.

    فالخلاصة أن المسألة منبنية على لزوم تكرار الطلب للماء مرة أخرى أم لا، والقول باللزوم قول ضعيف.

    [ وأما السبب الثاني: فهو تكرار الطلب عند دخول وقت كل صلاة، وهذا ألزم لأصول مالك أعني: أن يحتج له بهذا، وقد تقدم القول في هذه المسألة، ومن لم يتكرر عنده الطلب، وقدر في الآية محذوفاً لم ير إرادة الصلاة الثانية مما ينقض التيمم ].

    أقوال العلماء في صلاة فريضتين بتيمم واحد

    والمؤلف لم يبين الأقوال في هذه المسألة بياناً كاملاً، وإليك بيانها:

    مذهب مالك كما في المدونة، الجزء الأول، صفحة اثنتين وخمسين، قال مالك :

    لا يصلي مكتوبتين بتيمم واحد، ولا نافلة ومكتوبة بتيمم واحد، إلا أن تكون نافلة بعد مكتوبة فلا بأس بذلك يقول: يصلي فريضة واحدة، أما النوافل فإن كان بدأ بالفرض فله أن يصلي النافلة، وإن كان بدأ بالنافلة فلا يصلي الفرض، وهذا تفصيل دقيق، لكن لا بد له من دليل على هذا التفصيل، ولا دليل.

    وقالت الشافعية: لا يصلي بتيمم واحد فريضتين، وله أن يصلي مع الفريضة ما شاء من النوافل قبلها وبعدها نقله النووي في المجموع، الجزء الثاني، صفحة ثلاثمائة وثلاثين، فخالفوا مالكاً في النوافل قبلها وبعدها.

    وقالت الحنابلة: إن التيمم يبطل بخروج الوقت ودخوله، فإذا تيمم صلى الصلاة الحاضرة التي حضر وقتها، وصلى به فوائته إن كانت عليه، والتطوع قبلها وبعدها، فعندهم لا يبطل التيمم إلا الوقت، يعني: إذا تيمم في الظهر فإن دخول العصر يبطله، فله أن يصلي فرائض ونوافل وصلوات كانت عليه قضاءً، فيصلي ما دام في الوقت إلى أن يدخل وقت الصلاة الأخرى، إلا في الفجر فبخروجه؛ لأنه لا يدخل الظهر بعده. وأما العشاء عندهم فأنه يمتد إلى صلاة الصبح.

    أما مذهب الحنفية فإن التيمم كالطهارة بالماء، فله أن يصلي به ما شاء من فرائض ونوافل مالم يحدث، واستدلوا بقياسه على الوضوء، وبالحديث الصحيح الذي رواه الترمذي و أبو داود عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين ) ]، يعني أنه طهور كما أن الوضوء طهور.

    واستدل الجمهور بأثرين أحدهما عن ابن عباس : ( من السنة ألا يصلى بالتيمم إلا صلاة واحدة، ثم يتيمم للصلاة الأخرى )، وهو ضعيف.

    والآخر عن ابن عمر -يعني موقوفاً- قال: يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث، قال البيهقي : إسناده صحيح، قلت: إلا أنه موقوف، فليس بحجة.

    الراجح في مسألة الصلاة بالتيمم أكثر من صلاة

    والذي يظهر والله أعلم أن مذهب أبي حنيفة هو الراجح؛ لعدم الدليل عن النبي صلى الله عليه وسلم على ما قاله الجمهور من التفصيلات التي ذهب كل واحد منهم إليها في القول ببطلان التيمم، فهي تفصيلات تحتاج إلى أدلة، وإلى هذا مال الشوكاني في السيل الجراد، الجزء الأول، صفحة مائة وأربعين، فقال: ما حاصله: إن الطهارة بالتراب كالطهارة بالماء، يفعل بها المتيمم ما يفعل بها المتطهر بالماء، ولم يرد ما يدل على خلاف ذلك لا من كتاب ولا من سنة ولا من رأي صحيح، فدعوى انتقاضه بالفراغ مما فعل له ليس بشيء، وكذلك دعوى انتقاضه بالاشتغال بغيره ليس عليه أثارة من علم، ودعوى انتقاضه بخروج الوقت -وهو مذهب أحمد - لا أصل له يرجع إليه، ولا دليل يدل عليه. والصواب: الاقتصار في هذا الفصل على نواقض الوضوء انتهى وهو كلام جيد.

    إذاً الراجح هنا هو أن التيمم كالوضوء، يصلى به جميع الصلوات كالوضوء.

    وإلى هنا نكون قد انتهينا..

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    757143778