إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. مساعد الطيار
  5. عرض كتاب الإتقان
  6. عرض كتاب الإتقان (83) - النوع الثامن والسبعون في معرفة شروط المفسر وآدابه [4]

عرض كتاب الإتقان (83) - النوع الثامن والسبعون في معرفة شروط المفسر وآدابه [4]للشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ترتيب ما يتعلق بعلوم القرآن في غاية الأهمية، حيث إنه يضبط الأنواع الكلية والأنواع المندرجة تحتها بكل سلاسة ووضوح، ويستفاد منه في التطبيق العملي قي دراسة علوم القرآن وتفسيره. ويشترط في المفسر أن يكون جامعاً للعلوم المتعلقة بتفسير القرآن التي يحصل بها البيان، وكذا علمه بتفسير الصحابة والتابعين وأتباعهم، ويحتم المنهج العلمي الأخذ بأقوالهم واعتقاد أن الصواب لا يخرج عنها، ولا يصح الطعن فيهم بعدم الفهم، أو أن كل أقوالهم خطأ.

    1.   

    ترتيب علوم القرآن

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد، وعلى آله وصحبه و التابعين.

    أما بعد:

    فسنستأنف -إن شاء الله- دروسنا ونأخذ ما بقي من كتاب الإتقان في علوم القرآن, كنا قد توقفنا عند النوع المتعلق بالتفسير لعلاقته بالدرس الذي نقوم به وهو في التفسير, ثم نكمل أيضاً في التعليق على تفسير الإمام الطبري في سورة النازعات.

    وقد كتبت في ترتيب أنواع علوم القرآن في كتاب الإتقان وهناك تقسيم للشيخ مصطفى البحياوي ، ولعلنا نطلع عليه ونضع موازنة بين ما قسمه الشيخ حفظه الله وبين التقسيم الذي ذكرته. ويمكن الإشارة إلى علاقة بعض الأنواع بالنوع الكلي المذكور، فمثلاً: عندنا نزول القرآن, وتدوين القرآن, وأداء القرآن, ودلالة ألفاظ القرآن, وتفسير القرآن, وبلاغة القرآن, وعلوم سور القرآن, ثم أنواع أخرى لم تدخل في أحد هذه الأنواع.

    وهذا مقام صالح جداً للاجتهاد والإبداع, ممن يريد أن يعمل على تقسيم أنواع علوم القرآن في كتاب الإتقان, فيمكن أن يكون لكم أيضاً رأي واجتهاد سواء في العناوين العامة أو في العناوين المنبثقة, وأنا لم أغير من عبارات السيوطي شيئاً، بل جعلت عبارات السيوطي كما هي, والذي فعلته هو العناوين الكلية فقط, التي هي نزول القرآن, وتدوين القرآن, وأداء القرآن, ثم قسمت ما ذكره السيوطي بناءً عليها, والأرقام الموجودة في التقسيم هي أرقام الأنواع كما هي عند السيوطي , ولهذا نلاحظ مثلاً في نزول القرآن من واحد إلى ستة عشر كما هي عند السيوطي , ثم يأتي بعدها ما وقع فيه بغير لغة الحجاز كما يعبر بعض العلماء عنه فوضعتها في علم النزول, الذي هو النوع السابع والثلاثين عنده، وكذلك ما وقع فيه بغير لغة العرب, وكذلك في أسماء من نزل فيهم القرآن, فستكون الأرقام بعد ستة عشر، ثمانية وثلاثون، وواحد وسبعون, وضعتها مع النزول, وهو في أسماء من نزل فيهم القرآن لأن له علاقة بالنزول.

    وأما تدوين القرآن ففيه جمعه وترتيبه، وفيه مرسوم الخط وآداب كتابته, فوضعته في التدوين مع أن الجمع رقم ثمانية عشر، والمرسوم رقم ستة وسبعون.

    وكذلك أداء القرآن وهي متوالية من عشرين إلى خمسة وثلاثين، كما هي عند السيوطي, فهي مرتبة عنده, ولهذا كما قلت سابقاً: إن هناك نظراً موضوعياً في توزيع الموضوعات وإن لم يذكره السيوطي رحمه الله تعالى.

    وعلم الوقف والابتداء مثلاً, والموصول لفظاً المفصول معنىً وضعها السيوطي ضمن ما يتعلق بالأداء, مع أن هذين النوعين لهما تعلق بتفسير القرآن, ولهذا يمكن أن نخترع أسلوباً في التقسيم بنظرنا إلى النوع وموضعه عند السيوطي , ويمكن أن نضع بين قوسين تنبيهاً على أنه يدخل في النوع الكلي والذي هو تفسير القرآن.

    ونجد في تفسير القرآن مثلاً الآيات المشتبهات، وقد تكلم عنها في متشابه القرآن, وتكلم عما يشتبه على الحفاظ, فهذا يوضع عليه ملحوظة في أن له علاقة بالأداء من جهة, ومرتبط بالتفسير من جهة أخرى, وهكذا.

    والمقصود من ذلك أننا يمكن أن نشترك معاً, ونجتهد في إخراج ما ذكره السيوطي رحمه الله تعالى بتقسيم بديع، إذ نجمع المتناثر من الموضوعات ونلمه على نوع كلي واحد.

    فأنا أتمنى النظر في هذه الأنواع الكلية التي ذكرتها وهي: نزول القرآن, وتفسير القرآن, وتدوين القرآن .. وبلاغة القرآن .. وأداء القرآن .. وعلوم سور القرآن .. ودلالة ألفاظ القرآن, وأنواع أخرى ينظر فيها هل هناك تصنيف يمكن أن يغير منها، أو أن يضاف شيء وتوزع عليه أنواع علوم القرآن الذي ذكرها السيوطي , وكذلك في الأنواع التي ضمن هذه الأنواع الكلية, هل هناك بعض الأنواع يمكن أن ينقل إلى مكان آخر, ويكون عندنا علة نقل هذا النوع, ولماذا نقلناه إلى هذا المكان؟ أو أن نقول: إن هذا النوع له أيضاً علاقة بالنوع الآخر بحيث إنه يوضع تنبيه أو ملحوظة عليه.

    وهذا التقسيم سيكون دائماً معنا في تفسير الطبري ، بحيث أننا إذا قرأنا موضوع تفسير الطبري أو آيات في تفسير الطبري نجتهد في مدى كون هذه الآيات مرتبطة بنوع من أنواع هذا العلم ويكون عندنا مدارسة هل هي تدخل في هذا العلم، أو لا تدخل في هذا العلم؟ وعلى سبيل المثال قد يأتينا شيء يتعلق بالقراءات، كاختلاف القراءات فلما تأتينا مثل هذه نذهب إلى أداء القرآن قطعاً ستكون مما يتعلق بالأداء سواء كانت موجودة كنوع تفصيلي عند السيوطي , أم قضية تكلم عنها الطبري في الأداء، أو أنها لا تكون موجودة، وأحياناً قد يكون مرتبطاً بمرسوم المصحف كما سيأتينا.

    الهدف من ترتيب علوم القرآن

    والمقصد من ذلك أنه يلزم أن نوظف هذا التقسيم بعد أن نعمل عليها التعديلات التي ستظهر إن شاء الله من خلال القراءة له، وفي حال درس تفسير الطبري ، ونجتهد في أننا نبرز أنواع علوم القرآن من خلال ما يريده الطبري من آيات، أو من خلال ما يريده الطبري من تفسيرات له، أو كذلك من خلال ما يريده الطبري من تفسيرات للمفسرين.

    1.   

    العلوم التي يحتاجها المفسر

    وننتقل إلى ما وقفنا عليه في كتاب الإمام السيوطي رحمه الله تعالى, ووقفنا عند مسألة مهمة سيبتدئ بها السيوطي وهي: العلوم التي يحتاج المفسر إليها.

    وقد وصلنا إلى قوله تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ[الرحمن:19], وقوله: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ[الرحمن:22], قال: [وقال بعضهم: اختلف الناس], من هنا يبدأ الكلام عما يتعلق بقضية التفسير بالرأي.

    [ قال بعضهم: ] وهو الراغب الأصفهاني في مقدمته, يعني: ذكر اختلاف الناس في تفسير القرآن: هل يجوز لكل أحد الخوض فيه قال: [ فقال قوم: لا يجوز لأحد أن يتعاطى تفسير شيء من القرآن، وإن كان عالماً أديباً متسماً بمعرفة الأدلة والفقه والنحو والأخبار والآثار, وليس له إلا أن ينتهي إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.

    ومنهم من قال يجوز تفسيره لمن كان جامعاً للعلوم التي يحتاج المفسر إليها وهي خمسة عشر علماً ], وهذه العلوم ذكرها الراغب الأصفهاني في مقدمة تفسيره.

    فالقول الأول لا شك أنه قول فيه نظر كبير؛ لأنه إن كان يريد أن ينتهي إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فقط، فقد سبق التنبيه إلى أن ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه قليل جداً، ونحن نتكلم عن التفسير المباشر الصريح.

    ولهذا فالقول الثاني الذي ذكره هو الذي سار عليه علماء الأمة, وأنه لا شك أنه يجوز تفسير القرآن لمن كان أهلاً له وهذا كلام مطلق, لكن من هو الذي يكون أهلاً لأن يفسر القرآن؟ هنا يأتي التنازع في بعض المسائل، في أنه هل فلان يدخل في الأهلية أو لا يدخل في الأهلية؟ ولعلي أذكر بعض القضايا المتعلقة بهذا الأمر. فالراغب الأصفهاني من أوائل من تكلم عن العلوم التي يحتاج إليها المفسر, وهي عنده خمسة عشر علماً, وتناقلها بعده كثير من العلماء أي: أخذوها عنه.

    إشارة الصحابة والتابعين إلى العلوم التي يحتاجها المفسر

    ولو أردنا أن نتتبع تاريخياً العلوم التي يحتاج إليها المفسر من جهة من نص على شيء من العلوم سنجد عند المتقدمين من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، إشارة إلى بعض العلوم.

    فعلى سبيل المثال: علي بن أبي طالب لما دخل المسجد وجد قاصاً يقص فقال له: أعرفت الناسخ والمنسوخ قال: لا, قال: هلكت وأهلكت, فهذا نعرف منه أن من شروط من أراد أن يفسر القرآن أن يعرف الناسخ والمنسوخ والناسخ والمنسوخ عند علي بن أبي طالب يشمل أي رفع في الآية: من تخصيص العام، وتقييد المطلق، وبيان المجمل، وكذلك رفع الحكم الشرعي.

    فنلاحظ أن هذه مجموعة من العلوم يجعلها علي بن أبي طالب من الأمور التي يحتاج إليها المفسر, وهي لا شك أنها من العلوم التي يحتاج إليها المفسر, ولهذا قال له: هلكت وأهلكت؛ لأنه قد يحمل آيةً عامة على عمومها وهي مخصصة، أو يحمل أية مطلقة وهي مقيدة, أو يحمل الناس على حكم شرعي وقد نسخ.

    ولو أردنا أن نتتبع تاريخياً عبارات العلماء وإشارات العلماء إلى بعض العلوم التي يحتاج إليها المفسر فإنا سنجد أمثلة لهذه العلوم التي يحتاج إليها المفسر.

    ومثال ذلك: يحيى بن سلام البصري توفي سنة (200) نقل عنه ابن أبي زمنين في مختصره الذي اختصر فيه تفسير يحيى بن سلام , وكذلك هود بن المحكم الإباضي اختصر تفسير يحيى بن سلام ونقلا أن يحيى ذكر جملة من العلوم أو عشرة من العلوم التي لا بد للمفسر أن يعرفها إذا أراد أن يفسر القرآن كمعرفة المكي والمدني وغيرها.

    والمقصد من هذا أننا يمكن أن نأخذ بالتتبع هذه العلوم ونعرفها, فليس هناك عندنا مشكلة في هذه المسألة لكنها تحتاج إلى تتبع تاريخي.

    والراغب الأصفهاني رحمه الله تعالى كان كلامه هو العمدة؛ لأنه جمع هذه العلوم بهذه الطريقة ونظمها ثم نقلت عنه بعد أن كتبها, فسنعتمد ما ذكره الراغب الأصفهاني من هذه الجهة كما كتبها.

    وعندنا قضية أخرى مرتبطة بالعلوم التي يحتاج إليها المفسر وهي مهمة جداً, وتعتمد على من هو المفسر الذي نريد أن نقول له: إن هذه العلوم تحتاج إليها, وهذا يردنا إلى قضية مهمة جداً في العلم وهي مرتبطة بالتأريخ وبالمنهج العلمي.

    وهنا سؤال: هل العلوم التي يحتاجها الصحابي هي نفس العلوم التي يحتاجها التابعي؟ وهل العلوم التي يحتاجها التابعي هي نفس العلوم التي يحتاجها المفسر المتأخر؟

    عندنا هنا نظر نسبي والنظر النسبي هذا يعني: بالنسبة للصحابة العلوم التي كانوا يحتاجونها علوم محدودة, والعلوم التي يحتاجها المتأخرون إضافةً إلى العلوم التي ذكرناها عن السلف يحتاجون كذا وكذا وكذا, هذا النظر النسبي مهم جداً في النظر في تاريخ هذا العلم, الذي هو علم التفسير والعلوم التي يحتاجها المفسر.

    وأضرب لذلك مثالاً: اللغة شرط لكل مفسر من الصحابة وممن جاء بعدهم, ولما صار تفسير الصحابة رضي الله عنهم قائماً بذاته, أصبح تفسير الصحابة يعد من العلوم التي يحتاجها من جاء بعدهم ولننتبه إلى هذه القضية النسبية, بمعنى: أننا حينما نأتي إلى المفسر نقول: أنت الآن تحتاج إضافة إلى اللغة أن تعرف ما قاله الصحابة في آيات الله سبحانه وتعالى وكيف فسروا القرآن, وصارت هذه القضية نسبية لكن بالنسبة للصحابي لا يقال له: لا بد أن تعرف تفسيرك؛ لأن هذا تفسيره واجتهاده, ولكن من جاء بعده نقول له: لا بد أن تعرف تفسير الصحابة.

    أهمية الاعتماد على فهم السلف في التفسير

    وهنا أيضاً نظر تاريخي آخر: وهو كما ذكرت النظر النسبي، فلما نرجع إلى المنقول من تفسير السلف, الذين قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم: ( خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ), على الخلاف الوارد في تحديد القرن سنجد أن علماء التفسير توقفوا في النقل عند طبقة أتباع التابعين, وهذه القضية لها اعتبار مهم جداً: وهو عمل العلماء, أي أن علماء الأمة المعتبرين توقفوا في النقل عند هؤلاء, وصار إذا أرادوا أن ينقلوا تفسيراً محكياً عن السلف ينقلونه عمن اشتهر بالتفسير من علماء هذه الطبقات الثلاث: الصحابة, والتابعين, وأتباع التابعين.

    وهذا العمل لا يمكن أن نغفله تاريخياً, والمنهج العلمي السديد يلزمنا به، سواءً اقتنعنا بالفكرة أو لم نقتنع؛ لأن بعض الناس لما يأتي إلى مثل هذه القضية يكون عنده حساسية من مصطلح السلف, فنقول: الصحابة والتابعين وأتباع التابعين, بغض النظر عن مصطلح السلف.

    المنهج العلمي في التعامل مع أقوال السلف

    ونرجع في التفسير إلى الصحابة والتابعين وأتباع التابعين؛ لأن المنهج العلمي يحتم علينا أن نرجع إليهم فما دمنا نريد أن نناقش منهجاً علمياً، فالمنهج العلمي يحتم علينا أن نرجع؛ لأننا نجد أن التفسير في هذه الأعصار دار على هذه الطبقات الثلاث, وشاركهم آخرون، وسنجد أن المشاركين قد برزت أقوالهم، كما نعلم من أهل اللغة وكذلك بعض أهل البدع, لكن الذين انتشرت أقوالهم وصاروا يوصفون بأنهم أهل التفسير وأهل الفقه هم أصحاب هذه الطبقات الثلاث.

    ولما نأتي إلى بعض علماء اللغة من أهل السنة مثل: الخليل بن أحمد وهو في طبقة أتباع التابعين, لكن لا يذكر على أنه من علماء التفسير ومن علماء أتباع التابعين, وإنما يؤتى به على أنه من علماء اللغة.

    وعندما نأتي إلى تفسير ابن زيد وهو معاصر له وتوفي سنة (172ه) والخليل توفي سنة (170ه) تقريباً, نجد أن العلماء يجعلون تفسير ابن زيد من عمل المفسرين والخليل بن أحمد مع أنه يفسر ألفاظ القرآن لكنه يعتبر لغوياً.

    وهذا الأسلوب وهذا الاعتبار هو الذي تعامل به العلماء جيلاً بعد جيل، فلا يمكن بالمنهج العلمي الصحيح أن نلغي هذا كله ونقول: هذا لا اعتبار له, بل لكل من جاء بعدهم حق في الاجتهاد والإبداع والبناء على ما بنوه ولكن ليس لأحد حق أن يهدم ما بنوا, ولهذا مع الأسف بعض الناس يكون عنده إشكالية في عدم فهم كيف يبني على ما بناه السابقون, ويظن أنه لا يستطيع أن يبني إلا بعد أن يهدم، وهذا ليس صواباً, ولو استخدمنا هذا الأسلوب لهدمنا جل علم الشريعة إن لم أقل كل علم الشريعة.

    فعلم الأصول سيهدم بناءً على هذه الطريقة وهذا الأسلوب, وعلم الفقه سيهدم بناءً على هذا الأسلوب, وعلم الحديث سيهدم بناءً على هذا الأسلوب, فهذا ليس أسلوباً علمياً، وليس هو المنهج العلمي, وبعضهم يتستر بهذا الأسلوب: المنهج العلمي, والنقد العلمي, والتحرير العلمي, والكلام هذا وارد، والحقيقة أن كل ما يقوله إنما هي عبارات موهمة, وليس عنده لا من النقد ولا من التحرير ولا من التقويم أي شيء.

    فإذاً أقصد من ذلك أن ننتبه إلى أنه أحياناً تأتينا دعاوى مخالفة للمنهج العلمي, وأضرب مثالاً في مثل هذا الأمر بالذات: وهو لو افترضنا أن أحد أتباع فلاسفة اليونان: أرسطو أو أفلاطون أو غيرهم, شرح كتاباً لشيخه وبين مقاصد شيخه في هذا الكتاب, وبين مراد شيخه, ثم جاء بعد قرون فيلسوف آخر وشرح كتاب هذا الفيلسوف وخطأ تلميذه في فهم مقاصد شيخه, فالمنهج العلمي لا يقبل هذه التخطئة بهذا الأسلوب, لأن الأدرى والأبصر والأقرب بمعرفة مراد هذا الشيخ هو تلميذه, فهذا هو المنهج العلمي الصحيح.

    فكيف يصح أن نتصور أن السلف يخطئون في فهم كلام الله سبحانه وتعالى, وأن هناك آيات لم يفهموها على وجهها ألبتة, ونحن فهمناها، هذا لا يتصور وهذا ينبئ عن خلل في المنهج العلمي وخلل في التفكير العلمي, ولذا أريد أن أنبه على هذه القضية؛ لأنها مهمة جداً، ومع الأسف هناك من يقول هذا ولا أدخل في نوايا الناس, لكن لا أشك أن عنده إشكالية في الفهم والتصور.

    وبعض الآخرين لا نحتاج أن نتكلم عن مقاصدهم؛ فهم يبينون عنها وأنهم يريدون إزاحة كل ما يعيق تحررهم من كل شيء قديم, ولا أريد أن أدخل في هذا أيضاً؛ لأنه يطول, لكن المقصد أننا نتكلم عن بعض المتشرعة ممن درسوا علوم الشريعة، ومع الأسف عندما تأتي إلى هذه القضية قد تكون في قلبه حسيكة على فلان أو علان، أو قد تكون عنده مشكلة مع جماعة معينة فاتخذ كل ما تتبناه الجماعة أنه ليس ديناً له، وصار ينازع ويشاق فيه، وهو يخالف الحق من حيث لا يشعر.

    فإذاً أقول: إنه يجب أن ننتبه إلى أننا حينما نتكلم في هذه القضايا لا نتكلم بالعاطفة ولا نتكلم بعدم فهم، بل نتكلم ونحن نعلم أن هذا هو المنهج العلمي الذي يجب أن يكون, وهو الذي يقول به كل عاقل أصلاً, بغض النظر عن أن يكون له دين, ولو تأمل ونظر نظراً تاريخياً، ونظراً نقدياً لعرف أن هذا هو المنهج العلمي, سواء قبل أو لم يقبل.

    فالذي نريد أن ننتبه له, ونحن نتكلم عن العلوم التي يحتاج إليها المفسر، كما ذكر الراغب الأصفهاني أننا بحاجة إلى أن ننظر إلى نظرين, العلوم التي يحتاجها كل مفسر, والعلوم النسبية التي تكون لبعض المفسرين دون بعض, ونقول: العلوم النسبية؛ لأني أريد أن أقرر أنما يقوله السلف مصدر وعلم نحتاج إليه شئنا أم أبينا, والمنهج العلمي يحتم علينا أن يكون ما قاله السلف مصدراً لنا شئنا أم أبينا, وأيضاً المنهج العلمي يحتم علينا أن نعلم أنه لا يمكن أن يوجد آية أخطأ السلف في فهمها فهذا محال؛ لأن هذا فيه تنقص من الشريعة.

    التعامل مع ما لم يرد تفسيره عن السلف

    وكونه لم يرد عندهم تفسير لبعض الآيات التي فيها وضوح ويقع فيها خلاف عند المتأخرين فالمسألة ليس فيها إشكال ولا يصح أن يأتي أحد ويقول: أين كلام السلف في هذا, وأضرب مثالاً في قوله سبحانه وتعالى: وَالَّذِي فَطَرَنَا [طه:72], فمن خلال بحثي لم أجد من سبق الفراء المتوفى سنة مائتين وسبع من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين من تكلم عن الواو, هل هي عطف أو قسم؟ وهي محتملة لأن تكون عطفاً ومحتملة لأن تكون قسماً.

    فهذه المسألة لو جاء محتج يحتج عليها ويقول: هذه ذكرها الفراء فأت بما يدل على ذلك من كلام السلف. فنقول: على رسلك فليس هنا مشكلة علمية في كون هذه واو عطف أو واو قسم، والمسألة فيها واضح ولو لم يقل بها السلف فهي لم تخرج أن تكون هذا أو ذاك, مع أن عباراتهم أحياناً قد تدل على أحد الوجهين, لكن أقصد لو لم يقع منهم كلام على أنها واو عطف أو واو قسم.

    فما لم يقع للسلف فيه كلام فالأصل فيه أنه يعرفه العلماء وليس فيه إشكال, وإذا تكلم عنه السلف فلا يمكن أن يخرج الحق عن أقوالهم، ونجزم يقيناً معتقدين ذلك وليس كما يفهم بعض الناس أن هذه عاطفة للسلف، بل المنهج العلمي يحتم علينا أن نقول: إنه لا يمكن أن تكون كل أقوالهم خطأ حتى يأتي واحد متأخر ويفهم القرآن, ويكون فهمه أصوب من فهمهم فهذا محال، بل نقول: إن أحد فهومهم صواب إن لم تكن كلها، وإن جاء فهم صواب ممن بعدهم لا يعارض فهمهم فهو محتمل ومقبول, لكنه لا يبطل قولهم, ومع تقرر هذه القاعدة ووضوحها وكثرة ما تكلمت عنها أتعجب كيف لا يفهم بعض الناس هذه القضية مع وضوحها التام بالنسبة لكثير ممن يسمعونها, وأننا نقول: لا يمكن ألبتة أن تكون أقوال السلف كلها خطأ محض, وأنه يأتي واحد من المتأخرين ويفهم وينقض كل هذه الأقوال التي قالها علماؤنا المتقدمون.

    فالمنهج العلمي الذي يدعو إليه فلان وعلان، وندعو نحن أيضاً إليه يحتم علينا أن نقول: بأنه لا يمكن أن يوجد خطأ محض في تفسير السلف, بحيث إنه لم تفهم هذه الآية عندهم جميعاً, وإنما فهمها المتأخرون, هذا محال جداً.

    لكن أن يقول: ما فهمه السلف هو الصواب، أو أحد أقوال السلف صواب كما نلاحظ في طريقة الطبري, وأنا أتيت بقول جديد تحتمله الآية وهو صواب لا ينقض قول السلف، فهذا ما لا نشك في أنه داخل ضمن المنهج العلمي الذي ندعوا إليه, ومع الأسف نلاحظ بعض الناس وهو يتكلم في هذا الموضع ولم يفهم ما يقال وعنده عقدة ومشكلة مع نفسه في هذا الموضوع, ولا يمكن أن يفهم إلا من خلال عقدته ويناقش في الموضوع من خلال العقدة التي عنده ثم يحدث عنده من التلبيس ومن اللبس ما الله به عليم.

    فذكرت هذه الحقيقة لوجود بعض الإشكالات في هذا.

    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    757569478