إسلام ويب

جريمة الزنا وآفة العصر الإيدزللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإيدز -كما هو مشاهد- مرض قاتل حصل بسبب الانحراف عن مسار الطهر والعفاف، والسبب في ذلك هو أن الزنا ذنب كبير له عقوبات معجلة ومؤجلة، لكن الإيمان بالله وخوفه والاستقامة على شرعه تحول بين الإنسان وهذا الذنب العظيم.

    1.   

    الإيدز آفة العصر

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    إخوتي في الله! روى الإمام الحاكم رحمه الله تعالى في المستدرك وصححه غير واحد من أهل العلم، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما ظهر الربا والزنا في قرية إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله )، فإذا ظهر الربا والزنا في قرية، فقد استوجبوا أن ينزل بهم عذاب الله، والعالم اليوم يعيش كما تسمعون في وسائل إعلامنا نكبة بسبب الربا، وهناك نكبة أخرى وكارثة أدهى تعيشها البشرية منذ عشرات السنين بسبب الفاحشة الأخرى فاحشة الزنا.

    حديثنا اليوم عن الإيدز بتعميم من إدارة المساجد، بمناسبة اقتراب اليوم العالمي للإيدز، العالم كله يحشد قواه لمواجهة هذه الآفة، فهي كارثة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، بل تقديرات الجهات المختصة تؤكد عاماً بعد عام أن حصائد الأرواح التي تحصد بهذه الآفة تفوق أضعافاً مضاعفة ما تحصده نيران الحروب، تفوق أضعافاً مضاعفة ما تحصده الزلازل والفيضانات، إنها كارثة تهشم وتقرض في الجسد البشري، في خفاء، فعشرات الملايين مهددون بالموت، وملايين قد ماتوا، وملايين مهددون بالإصابة بهذه الآفة، والعالم يحشد قواه، فيجتمع ويتفرق دون أن يجد حلاً لمعالجة هذه الكارثة، يجتمع أطباء العالم من أقصاه إلى أقصاه، فيخرجون بنتيجة واحدة، وهي أنه لا علاج ولا وقاية لهذا المرض بعد حصوله، ولا لقاح يمكن أن يحمي الإنسان منه قبل حدوثه.

    هذه الحقيقة تفسر لنا بجلاء هذه السنة الربانية، ( إذا ظهر الربا والزنا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله )، وفي الحديث الآخر الذي رواه البيهقي ، يقول عليه الصلاة والسلام: ( يا معشر المهاجرين! خمس وأعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشت فيهم الأوجاع والأسقام التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا )، هذا المرض لم يعرف إلا في الربع الأخير من القرن الماضي، وظهر بكيفية أذهلت عقلاء البشر، كلما حاولوا أن يقتلوا منه نوعاً ظهر في صورة جديدة وأنواعٍ جديدة، إنه عذاب الله حين تنحرف البشرية عن منهج الله، حين تخالف البشرية الطريق الذي رسمه الله لهم يأتي عقاب الله الذي لا يرد عن القوم المجرمين.

    حقيقة مشاركة العالم في الحديث عن آفة الإيدز

    نحن حين نشارك العالم الحديث عن هذه الآفة ينبغي أن ندرك حقيقة مهمة، وهي أننا نشاركهم التألم لحصول هذه الكارثة، نشاركهم الوجع لحصول هذه المصيبة، لكننا نخالفهم مخالفة جوهرية في كيفية حماية هذه البشرية من هذه الآفة، إنهم يجتمعون ويقررون، ويقننون قوانين ودساتير حقيقتها ازدياد انتشار هذه الآفة، كل يوم وهم يرون بأعينهم، وهم يتابعون صباح مساء، يرون ويقررون بأنفسهم أن أعظم وسيلة لانتشار هذا المرض هو العلاقات الجنسية، صحيح أن له وسائل كثيرة ينتشر بها، فينتشر عبر نقل الدم، وغيره من الوسائل، لكن أكثر الوسائل لانتشاره ما يسمونه بالعلاقات الجنسية، هذه هي أكثر الأسباب وراء انتشار هذا المرض الفتاك القاتل.

    موقف العالم من مكافحة الإيدز

    ثم ما هو موقف العالم أمام هذه الوسيلة؟ ما هو موقف العالم أمام هذه الطريقة التي ينتشر بها هذا الداء؟ إنهم يزدادون يوماً بعد يوم إصراراً على المنكر، يزدادون يوماً بعد يوم إصراراً على الباطل، بالأمس كانوا سليمين من التقنين، كانوا يمارسون الآفات وهم بعيدون عن القانون، لكن اليوم أصبح الشواذ جنسياً لهم قوانين تحميهم، كلما ازدادوا حرية ازدادوا بهيمية كالذي يشرب من ماء البحر، يشرب منه وكلما ازداد شرباً ازداد عطشاً، يعيشون هذه الآفة ويحذرون العالم منها، وتقرر الأمم المتحدة بأن ثلث شباب البلدان التي ينتشر بها الإيدز مهددون بالموت بسبب هذا المرض، هكذا يقررون، ويعلمون جيداً أن هذه العلاقات هي السبب وراء كل هذه الآفة، لكنهم يقننون بعد ذلك لمزيد من الجرائم، لمزيد من اللواط، لمزيد من الزنا، وتصبح هذه الجريمة محمية بحكم القانون.

    نحن لا نتحدث عنهم للتشفي فقط، إننا نتحدث لنوضح لأنفسنا ونذكر أنفسنا أننا نخالفهم منهجياً في كيفية مدافعة هذا الداء، نخالفهم منهجياً في كيفية مكافحة هذا المرض، إننا إذا ما شابهناهم وللأسف في أن وقع فينا ما وقع بهم لا يجوز لنا بحال أن نتشبه بهم في معالجتهم لهذه الآفة، لا يجوز لنا بحال أن نتشبه بهم في حرياتهم، لا يجوز لنا بحال أن نتشبه بهم في إعطاء المرأة من الحريات الموهومة التي تجر المجتمع إلى ما جرته إليه، لا يجوز لنا بحال أن نطلق العنان لكل شاب وشابة أن يفعلوا ما شاءوا، ثم بعد ذلك نأتي لنتحدث عن نتائج وآثار هذه العلاقة.

    1.   

    موقف الشريعة من العلاقات الجنسية

    ما هو موقف الإسلام منها؟ ما هو موقف الشريعة منها؟

    الشريعة لم تعد العلاقة الجنسية عيباً، بل تحدث القرآن كتاب الله الخالد، كتاب الله المنزل، كلام رب العالمين، الذي نزل به الرسول الأمين، أمين أهل السماء على أمين أهل الأرض؛ ليكون دستوراً ومنهاج حياة للبشرية إلى أن يرث الله الأرض، هذا الكتاب العظيم على قدر جلالته، وعلى عظم المتكلم به، وعلى عظم المبلغ له، هذا الكتاب العظيم يتحدث عن هذه العلاقة في أسمى المقامات، وفي أعلى المقامات، وهو يتحدث عن عبادة الصيام، وعن عبادة الدعاء، وعن عبادة التقرب إلى الله، يتحدث عن العلاقة بين الرجل والمرأة، العلاقة الطاهرة النظيفة، يتكلم سبحانه وتعالى عن إحلال الله المرأة لزوجها فيقول: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187] ولا حاجة الإنسان إلى المرأة حاجة فطرية لا يقاومها الإسلام ولا ينهى عنها، بل جاء الإسلام بضد ذلك تماماً، فقد ( جاء ثلاثة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام إلى بيوته يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا يعبد، وكيف يعبد؟ فلما رأوا أعماله كأنهم تقالوها، فقال أحدهم: أما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الآخر: أما أنا فلا آكل اللحم، وقال الثالث: أما أنا فلا أتزوج النساء، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بمقولتهم قال: أما والله إني أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ).

    الإسلام لا يعد المرأة والحاجة إليها قاذورة ولا نجساً ولا خبثاً، بل يقول عليه الصلاة والسلام: ( حبب إليّ من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة )، لكنه يحفظ هذه العلاقة لتأتي ثمارها الطيبة، ليحفظ المجتمع من هذه الآفات التي ما كان يعرفها صحابة رسول الله الذين كان يحثهم على الطهر والعفاف، الذين كان يحذرهم من الزنا، ذلك المجتمع ما كان يعرف هذه النتائج، لكنه عليه الصلاة والسلام يدل البشرية على خيرها العاجل والآجل، فهذه العلاقة جاء الإسلام بحفظها وحمايتها لتكون سبباً للنماء والطهر، ولتكون سبباً للبركة وحصول الخيرات، جاء عليه الصلاة والسلام بالزواج، وحث عليه، ورغب أولياء الأمور في تزويج البنات وتيسير الزواج أمام الشباب، فقال تعالى: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ [النور:32] والأيامى: جمع أيم وهو من لا زوج له، رجلاً كان أو امرأة وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32]، الغنى بيد الله، لا ينبغي للناس أن يجعلوا العراقيل الكثيرة والعقبات المتعددة أمام الحلال، ثم يفتحون الأبواب على مصارعها أمام الحرام، ليجد الشاب نفسه في واقع وفي بيئة تستثير غريزته الكامنة، تطارده الغريزة صباحاً ومساءً، في حجرته، وفي مدرسته، وفي جامعته، وفي طريقه، وفي سوقه، والفتاة تجد الغريزة تطاردها في حجرة نومها، ثم إذا ابتغى الحلال، وأراد أن ينفس عن هذه الشهوة يجد العراقيل أمام الطريق المباح، والطريق المشروع، وفي المقابل يجد الحرام سهلاً ميسراً ذليلاً في متناول اليد، فلا يجوز للمجتمع المسلم أن يشارك في هذه الفاحشة، وأن ييسر الطريق أمامها، يجب على المجتمع المسلم أن ييسر أسباب العفة، وأسباب التحصن للذكور والنساء على حدٍ سواء.

    1.   

    القيام بواجب التناهي عن الجريمة المسببة للإيدز

    لما نتكلم عن هذه الآفة أيها الإخوة نريد أن نذكر أنفسنا بأننا مسئولون أمام الله، كما أننا مسئولون أمام تاريخ هذه البشرية، مسئولون أمام الله عن هذا النشء الذي ينشأ، عن هؤلاء الشباب الذين تتخطفهم أيادي الردى، وتتخطفهم أيادي المفسدين في الأرض، أيادي المنافقين الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، هؤلاء الذين يدعون المرأة كل يوم إلى لون جديد، وشكل جديد من أنواع التحرر والتهرب من القيود الشرعية، ينادونها إلى الخروج سافرة متعطرة متبرجة، تزاحم الرجال في كل موطن يتواجدون فيه، تحت حجة أن القلوب نظيفة، وأن القلوب بريئة، والحال ليس كذلك، ليس هذا هو منهج الإسلام، منهج الإسلام جاء ليسد الأبواب قبل أن يلج الناس فيها، جاء ليقطع الطريق أمام الفاحشة قبل أن يقع الإنسان فيها، ليس من طريقة الإسلام فتح الباب مع رجاء السلامة كما قيل:

    ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء

    النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع وهو يقف في أعظم موقف في عرفة، لوى عنق ابن عمه الشاب الفضل بن العباس قال له عمه العباس : لم لويت عنق ابن عمك يا رسول الله؟! قال عليه الصلاة والسلام: ( رأيت شاباً وشابة فلم آمن عليهما الشيطان )، رأى هذا الشاب ينظر إلى امرأة في ذلك الموقف وهم في أجل موقف من مواقف أيام الله، موقف دعاء وذكر وعبادة، ولا يتهم هذا الشاب بأنه ينظر بشهوة في هذا المقام، لكنه يقول عليه الصلاة والسلام: ( رأيت شاباً وشابة فلم آمن عليهما الشيطان )، نحن على طرفي نقيض في هذا الباب، منا المسرف جداً في الثقة، أبناؤه وبناته يتمتعون بأنواع الاتصالات بالجنس الآخر، البلوتوث وقنوات فضائية وإنترنت تتحدث به الفتاة والشاب مع الناس في أطراف العالم، والوالد والوالدة في غيبة عن هذا كله، منغمسون بل غارقون في حسن الظن بالشباب والفتيات، وليس الأمر كذلك، ليس كل ما تتوقعه أو تظنه يكون صحيحاً، لأن هذا الإنسان بطبيعته هذه غرائز كامنة فيه، إذا وجدت من يستثيرها، ووجدت من يصب الزيت على النار فإنه لا يزيد إلا اشتعالاً، إذا وجدت من يستثيرها في هذا الجسد ثم لا تجد متنفساً حلالاً تتنفس من خلاله، فماذا تتصور بعد ذلك؟ ألم ينه النبي صلى الله عليه وسلم عن دخول الرجال على المرأة المغيبة، وقال: ( ألا لا يدخلن رجل على امرأة )، وقال عليه الصلاة والسلام: ( الجالس على فراش المغيبة كالذي تنهشه الأساود يوم القيامة )، أي: كالذي تنهشه الحيات يوم القيامة، لينفر عليه الصلاة والسلام من اختلاء الرجل بالمرأة، ومن تواعد الرجل مع المرأة، ليسد الأبواب، ألم يقل عليه الصلاة والسلام: ( ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما )، الشيطان هو الذي يسوس هذه العلاقة، وهو الذي يحكم هذه العلاقة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: ( إن المرأة إذا أقبلت أقبلت في صورة شيطان، وإذا أدبرت أدبرت في صورة شيطان )، الشيطان هو الذي يحسنها ويجملها ويحسن مناظرها، ويخيل للشاب أن عندها ما ليس عند نساء العالمين، الشيطان ومعه شياطين الإنس اليوم بأنواع الاتصالات التي نراها ونشهدها، ما هو دورنا نحن لنحمي أبناءنا وبناتنا من آفاتهم؟

    هذه حقيقة اليوم يشهد بها عقلاء العالم أن بلدان العالم العربي والإسلامي لن تسلم، ولن تنأ بنفسها بعيداً عن هذه الآفة بل تشارك غيرها، بل تزيد في بعض الأحيان على غيرها من البلدان في أرقام الوفيات بسبب هذا المرض، فهي في بعض الدول العربية أكثر منها في بعض الدول الغربية، الآفة تخترق البيوت، وتنهش الأجساد في غفلة من هذا المجتمع، ولا ندري إلا وقد حصل المكروه، وقد أصبنا بما كنا نخشاه، نحن إذا كنا نشارك العالم في الحديث عن هذه الآفة، ينبغي لنا أن نتذكر دورنا ومسئوليتنا في وقاية أنفسنا ووقاية أبنائنا وبناتنا.

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    أسباب الوقاية من آفة الإيدز

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    إخوتي في الله! (ما أنزل الله داءً إلا وأنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله)، والآفات جعل الله عز وجل سنناً كونية لمطاردتها، ونحن معشر المسلمين ينبغي أن نكون أبعد المجتمعات عن الإصابة بمثل هذه الأمراض، إنهم إن أصيبوا بسبب ما هم فيه من انحلال الأخلاق وفساد الضمير والابتعاد عن الإيمان بالله واليوم الآخر، فإن ذلك شيء مبرر، ونجد له تبريرا ًوتفسيراً، أما مجتمع المسلمين فلا ينبغي أن توجد مثل هذه الآفة في أوساطهم، فهم المجتمع الذي رباهم القرآن على استقباح هذه الفاحشة، وقد وصف الله عباد الرحمن في سورة الفرقان، فكان من أوصافهم: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [الفرقان:68]، هذه صفة المجتمع المسلم، صفة مجتمع عباد الرحمن: وَلا يَزْنُونَ [الفرقان:68].

    المجتمع المسلم بعيد من هذه الآفة؛ لأنه يحاربها بكل ما أوتي من قوة، المسلم مأمور بغض بصره، كما قال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30].

    جعل غض الأبصار مقدمة وطريقاً بين يدي حفظ الفروج، وكان عليه الصلاة والسلام يوجه خطابه للشباب فيقول: ( يا فتيان قريش! لا تزنوا فإنه من سلم له شبابه دخل الجنة )، هكذا يحث الناس عليه الصلاة والسلام على التحصن والعفاف وحفظ الفروج، والنصوص في هذا المعنى كثيرة.

    تجديد الإيمان في النفوس

    أول هذه الأسباب التي بإذن الله تكون علاجاً واقياً وتدبيراً نافعاً لسلامة المجتمع من الوقوع في هذه الآفة، تجديد الإيمان في النفوس، إنه لا شيء يحول بين الإنسان وبين المعصية مثل خوف الله تعالى، لا شيء يحول بين الإنسان وبين اقتراف الذنب مثل مراقبة الله تعالى، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ( الإيمان قيد الفتك )، ما الذي يحول بين الإنسان وبين الفتك، بين أن يتحول الإنسان إلى أسد هصور، أو يتحول الإنسان إلى بهيمة تأكل الأخضر واليابس، ما الذي يربط الإنسان عن ذلك؟ إنه الإيمان، ( الإيمان قيد الفتك ).

    كلنا نعلم قصة الشاب الذي يظله الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم شاب عرضت عليه المرأة محاسنها وجمالها وهي ذات منصب وجمال، لم يردعه عن ذلك إلا قوله: إني أخاف الله، وامرأة أخرى يقص علينا النبي صلى الله عليه وسلم قصتها، احتاجت وافتقرت واضطرت إلى أن تعرض نفسها تحت فساد ضمير الرجل، دعاها إلى الفاحشة ليعطيها ما تأكل وتشرب، وهي تقبل على تلك الجريمة، تذكره بالله فيرتدع، وتنتهي تلك المعصية، إنه لا شيء يحول بين الإنسان وبين الكوارث الدينية والدنيوية مثل الإيمان، ولذلك يخبرنا عليه الصلاة والسلام بهذه الحقيقة بأوضح بيان، فيقول: ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ).

    إنه لا اجتماع للإيمان التام مع ارتكاب الفواحش، حين ينقص الإيمان، وحين يقل الإيمان، وحين ينعدم الإيمان، هناك ينطلق الإنسان في هذه الحياة انطلاق البهيمة، ولما يتربى الإنسان على المعاني الإيمانية، وينشأ الإيمان في قلبه ويتقوى فأبشر بمراقبة الضمير، وأبشر بأن هذا الإنسان سيخاف الله سراً وعلانية.

    تربية الأبناء تربية إيمانية

    نحن مطالبون بأن نربي أبناءنا التربية الإيمانية، ما هو هذا الإيمان؟ ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، الصلاة إيمان، هكذا أخبر الله عنها في كتابه، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143] أي: صلاتكم، وأخبر بأن الزكاة إيمان، والأعمال كلها إيمان، لما نربي أبناءنا وبناتنا على إقام الصلاة، لما نربي أبناءنا وبناتنا على ذكر الله، لما نربي أبناءنا وبناتنا على التطلع إلى ما عند الله وتذكيرهم بالآخرة، والدار الآخرة، وما أعده الله للمحسنين والمسيئين، لما ينشأ الضمير الذي تربى على الإيمان، سنكون قد وضعنا سياجاً حول المجتمع من ارتكاب الفاحشة، لكن لما ينام الفتيان والفتيات بلا صلاة العشاء، ويسهرون طوال الليل أمام أنواع المشاهد الفاضحة، فإذا جاءت صلاة الفجر وجدتهم نياماً لا يستيقظون إلا على دوام المدرسة، وفي أيام الإجازة لا يستيقظون إلا العصر.

    بالله عليك! إذا مات هذا القلب، إذا انطبع هذا القلب، إذا اسود هذا القلب، إذا انتكس هذا القلب، كيف تريد بعد ذلك أن تجمح هذه الدابة؟

    سد أسباب الغواية من وسائل إعلام ونحو ذلك وترشيد استخدامها

    إننا بحاجة أن نراجع أنفسنا مراجعة صادقة، مراجعة ينبغي أن نقف فيها موقف الأسوة والقدوة للناشئين من الشباب والشابات، كثير من أسرنا اليوم هي التي تذلل وتسهل ارتكاب الفاحشة، يوفر له أسباب الغواية، وبعد ذلك ينصب بين يديه امرأة خادمة متزينة متجملة، تبدي لهذا الشاب مساء صباح أنواع المفاتن، ثم يريد بعد ذلك من هذا الشاب أن يكون من الأتقياء الأصفياء البررة، نوفر له جميع الاتصالات والسيارة المريحة والميزانية المرفهة، ثم نقول له بعد ذلك: تجول بصحة تامة وعافية كاملة، وتلفت إلى وجوه النساء في الأسواق، ثم بعد ذلك نقول له: عليك أن تتقي الله، أي خطاب هذا؟! أي انفصام عند الشخصية هذه؟! نحن بحاجة إلى أن نعين هؤلاء الشباب وهؤلاء الفتيات على تقوى الله: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].

    وسائل الإعلام عليها أن تتقي الله، وأن تقدم للشباب والشابات ما ينفعهم ولا يضرهم، المدارس، المناهج، البيوت، الأسر، الأسواق، كل هذا بحاجة إلى إعادة صياغة، بحاجة إلى أن نتقي الله في أنفسنا، وإلا فوالله على نفسها جنت براقش، بعض المفكرين يقولون: كلمة العرض .. كلمة الشرف لا وجود لها في اللغات الغربية، اللغات الغربية لا يوجد لها ما يضاهي هذه الكلمات عندنا، كلمات العرض، صون العرض، صون الشرف، صون الحرمات، لا يوجد شيء من هذه المصطلحات عند أولئك، فإذا تشبهنا بهم فإن هذه المعاني ستذوب، هذه المعاني ستزول، فلا حرمات تصان، ولا عرض يحترم، ولا بنات يحتشمن، إذا ما تابعناهم حذو القذة بالقذة، والموفق من استمع القول فاتبع أحسنه، وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].

    الناس يقاتلون ويبذلون أرواحهم، ويبذلون أموالهم في سبيل حماية أعراضهم وصيانة شرفهم، كان الناس أيام الجاهلية الأولى قبل أن يعرفوا القرآن والسنة، وقبل أن يعرفوا هدي الرحمن؛ تقوم الحروب الطاحنة بين القبائل من أجل امرأة، كل شيء يسترخص في سبيل حفظ العرض، كل شيء يسترخص في سبيل حفظ النسل، كل شيء يسترخص في سبيل حفظ الشرف، وحفظ العرض وحفظ النسل من الضرورات الخمس التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، وأوجب علينا الشرع أن ندفع عن أعراضنا ولو أدى ذلك إلى أن يموت الإنسان: ( من قتل دون عرضه فهو شهيد )، فالنفس تسترخص من أجل أن يصون الإنسان بناته، من أجل أن يصون الإنسان حرماته، فكيف يليق بالمسلم بعد ذلك أن يقدمهن طعماً رخيصاً لأهل الفساد والمفسدين.

    إننا بحاجة أن نراجع قيمنا الإسلامية، قيمنا الإيمانية، وإلا فوالله على أنفسنا نجر الوبال والويلات، لا على غيرنا.

    نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

    اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه، وافتح للموعظة قلبه وأذنيه، أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، واخذل الكفرة والمشركين، أعداءك أعداء الدين.

    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756523857