إسلام ويب

فضل آخر ليلة من ليالي رمضان وأحكام العيدللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الليلة الأخيرة من رمضان من أفضل الليالي، وقد ورد في فضلها أحاديث، فينبغي على المسلم أن يغتنمها، وزكاة الفطر واجبة ولها أحكام تخصها، كما أن للعيد آداب وسنن ينبغي الاهتمام بها.

    1.   

    الحث على اغتنام آخر ليلة من رمضان في العبادة

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مفضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

    أيها المؤمنون! هذه الليلة هي آخر ليلة من ليالي رمضان، وآخر ليلة من ليالي رمضان هي أشرف الليالي بعد ليلة القدر، فإن أشرف ليلة في العشر الأواخر بعد ليلة القدر هي الليلة الأخيرة، بل قد جاءت الأحاديث بالأمر بتحري ليلة القدر في الليلة الأخيرة من رمضان، فالليلة الأخيرة وردت فيها أحاديث من نوعين؛ أحاديث تأمر بتحري ليلة القدر فيها، كقوله عليه الصلاة والسلام -وهي أحاديث صحيحة-: ( التمسوها في العشر الأواخر في الوتر منها )، ثم عد الوتر في الواحد والعشرين، والثالث والعشرين، إلى أن قال: وفي التاسع والعشرين، أو في الليلة الأخيرة، مع أن الليلة الأخيرة من ليالي الشفع إذا كانت ليلة الثلاثين، ومع هذا أمر عليه الصلاة والسلام بتحري ليلة القدر فيها، حتى إن بعض العلماء بوب باباً خاصاً لليلة الأخيرة من رمضان، كما فعل ابن خزيمة رحمه الله في صحيحه، فقال: باب الأمر بطلب ليلة القدر في الليلة الأخيرة من رمضان، ثم ذكر الأحاديث التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بتحري ليلة القدر في الليلة الأخيرة، وهناك أحاديث من نوع آخر على فرض أنها لم توافق ليلة القدر فهي أشرف من غيرها من الليالي، جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، قال عليه الصلاة والسلام: ( أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان )، أي: خص الله هذه الأمة بخمس خصال، ثم عد الخصال الخمس: الأولى: ( خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح الصائم )، إلى أن قال في الخصلة الأخيرة والخامسة: ( يغفر لهم في آخر ليلة )، قال الراوي للنبي عليه الصلاة والسلام: ( أهي ليلة القدر يا رسول الله؟ قال: لا ) قال: يعني: المغفرة ليست خاصة بما إذا وافقت ليلة القدر، ففي كل سنة يغفر الله لهم في آخر ليلة، سواءً وافقت ليلة القدر أم لم توافق ليلة القدر، الصحابي ظن بأن فضل الله عز وجل في هذه الليلة بالمغفرة لأنها ليلة القدر، فسأل: ( أهي ليلة القدر يا رسول الله؟ قال: لا، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله )، فالعمال نعطيهم الرواتب آخر الشهر، فآخر الشهر إذا قضى الإنسان العمل يعطى الأجر والمثوبة، والأجر والمثوبة في هذه الليالي المغفرة والعتق من النار، فيغفر لهم في آخر ليلة، هذا بالنسبة للمغفرة.

    وفي حديث آخر ورد في العتق من النار في هذه الليلة، قال عليه الصلاة والسلام: ( يعتق الله عز وجل في كل ليلة من ليالي رمضان ستمائة ألف )، في كل ليلة من أول رمضان ( فإذا كان في آخر ليلة أعتق من النار بعددهم جميعاً )، يتفضل عليهم بقدر العدد الذي أعتقه وزيادة، فهذه الليلة الأنفاس الأخيرة في رمضان، والساعات القادمة آخر الساعات ينبغي أن يكون حرص المؤمن على اغتنامها أشد ما يكون، وربما تكون لحظات في أواخر الوقت هي سبب المغفرة والقبول عند الله تعالى.

    أيها المؤمنون! تعلمون قصة الرجل الذي قتل تسعاً وتسعين نفساً، ثم سأل: هل له توبة؟ فذهب وسأل عابداً ليس له علم، فقال له: كيف تريد توبة وقد قتلت تسعاً وتسعين نفساً؟ فقتله وأكمل به المائة، ثم بعد ذلك أنبه ضميره مرة ثانية فأراد أن يتوب، فسأل: هل له توبة؟ فدل هذه المرة على عالم، فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ إن باب التوبة مفتوح، فتاب، لكن ما الذي حصل معه؟ أمره هذا العالم أن يترك القرية التي كان يسكنها؛ لأنها أرض سوء، قال: اذهب إلى قرية كذا فإن فيها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم، فسافر يريد القرية الثانية، فأتاه الموت وهو في الطريق، قال راوي الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: فجعل ينوء بصدره جهة القرية، وهو مضطجع على الأرض، يغتنم ما بقي من عمره ولو لحظة واحدة، وهو على الأرض مضطجع ينوء بصدره، يحاول أن يحرك نفسه ويوجه نفسه جهة القرية التي يريدها، فقبض الله روحه، ولما قبضت روحه أرسل الله عز وجل ملائكة الرحمة وملائكة العذاب يختصمون فيه، فملائكة الرحمة تقول: رجل جاء تائباً فإنه يستحق الرحمة، وملائكة العذاب تقول: لم يعمل خيراً قط، طول عمره يسفك الدماء، فبعث الله إليهم ملكاً حكماً بين الفريقين: أن يقيسوا المسافة بينه وبين القرية الصالحة، والمسافة بينه وبين القرية التي كان فيها، فأيهما أقرب نسب إليه، فإذا كان أقرب إلى الصالحين دخل في الرحمة، وإذا كان أقرب إلى أولئك فهو معهم، فلما قاسوا المسافة وجدوه أقرب إلى القرية الصالحة بشبر واحد، هذا الشبر ربما يكون ثمرة الحركة وقت الأنفاس الأخيرة، ربما يكون هذا الشبر هو ثمرة تلك اللحظة الأخيرة، اللحظة الواحدة في هذه الدنيا، الربع الساعة، والخمس الدقائق هذه لو بذلت مال الدنيا كله من أجل أن تشتريها إذا جاءك الموت لا تستطيع من أجل أن تصلي ركعتين، أو تسبح تسبيحة، وعندك مال الدنيا كله، تقول: أنا أبذل لكم هذا المال كله، مقابل أن تؤخروني خمس دقائق، يقال لك: كلا، فأشرف ما في هذا الوجود عمر الإنسان المسلم، عمرك، ساعتك، لحظتك، لا يوجد زمان أنت مفرغ فيه للعبادة وزمان بعد ذلك تتركه أو تتكاسل عنه أو نحو ذلك، إنما هناك أزمان تستزيد فيها من الطاعات، ثم تواصل المسير بقدر الاستطاعة، نسأل الله أن يجعل خاتمتنا إلى خير، وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها.

    1.   

    زكاة الفطر

    في آخر هذا الشهر كما ذكرنا سابقاً هناك عبادات: أولها: زكاة الفطر، وهي واجبة، والذي لم يخرجها إلى الآن فيبادر بإخراجها قبل صلاة العيد، ولو قدر أن الإنسان نسيها أو فرط في إخراجها قبل صلاة العيد فإنه يجب عليه أن يخرجها بعد صلاة العيد، لكن ينبغي له ألا يؤخرها عن صلاة العيد، والواجب على الإنسان أن يخرج زكاة نفسه وزكاة من تلزمه نفقته، فأي شخص تلزمك نفقته تنفق عليه، الزوجة، الأولاد الصغار، هؤلاء عليك زكاة نفسك وزكاتهم، أما أولادك الكبار الذين ينفقون على أنفسهم، فهؤلاء لا تلزمك الزكاة إنما تلزمهم هم، وكذلك السائقون الزكاة تلزمهم هم، الخادمات في البيوت الزكاة تلزمهن هن، كل واحد يزكي عن نفسه، لكن لو أراد شخص أن يزكي عن غيره، أو أراد شخص أن يزكي عن ولده الكبير، أو عن أولاد أولاده الذين ينفق عليهم أبوهم، أو عن الخادم، أو عن السائق إذا أراد أن يزكي عن شخص لا تلزمه هو زكاته، فيجوز له أن يزكي عنه بشرط واحد، وهو أن يخبره فيقول له: أنا سأخرج عنك الزكاة، من أجل أن ينوي بأن زكاة الفطر عبادة، والعبادة لا تصح إلا بنية، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( إنما الأعمال بالنيات )، فلا بد أن ينوي هذا الشخص الذي نريد أن نخرج الزكاة بدلاً عنه، فإذا نوى ورضي لنا أن نخرجها أخرجناها. ‏

    عمن نخرج زكاة الفطر؟ نخرجها عمن كان موجوداً وقت غروب الشمس في آخر يوم، فالذي يموت قبل غروب الشمس، هو عاش طول رمضان، ثم مات قبل غروب الشمس هذا لا تجب الزكاة عليه، أو شخص ولد بعد غروب الشمس فلا تجب عليه الزكاة، لكن يستحب عن الحمل، أما الوجوب إنما تجب الزكاة على كل مسلم كان موجوداً وقت غروب الشمس من آخر يوم من أيام رمضان.

    والقدر المخرج صاع من الطعام، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( صاع من بر، أو من شعير )، الحديث، من غالب طعام البلد، والصاع بالكيلو يختلف، فصاع التمر بالكيلو غير صاع البر، وصاع البر بالكيلو غير صاع الأرز؛ لأن الصاع كيل والكيل غير الوزن، الرز من العلماء المعاصرين من يقدروه بثلاثة كيلو تقريباً، ومن البر الجيد يقدروه باثنين كيلو وأربعين جراماً تقريباً، والأولى للإنسان إذا وجد الفقير أو المسكين الذي يأخذ منه الحب الرز أو غيره، الأولى له أن يخرجها طعاماً؛ لأنه لو أخرجها طعاماً صحت زكاته باتفاق علماء المسلمين، ولا يوجد أحد من العلماء يقول لك: إنك ما زكيت، إذا أخرجتها طعاماً صحت عند الجميع، وبعض العلماء يقول: يجوز القيمة، وبعضهم لا يجوز عنده القيمة، يعني: الريالات، وأكثر المذاهب لا تجوز إخراج القيمة، ولهذا نقول: الأولى ألا يخرجها الإنسان قيمة، لكن إذا ما وجد الفقير الذي يأخذ منه الطعام، وجد فقيراً محتاجاً لنقود يشتري بها ملابس أو نحو ذلك، يمكن أن يأخذ بقول أبي حنيفة وجماعة من العلماء الذين قالوا بجواز إخراج القيمة، ولو نقلها الإنسان إلى بلد أخرى فيجوز، وفي هذه الحالة إذا نقلها من غير هذه البلاد فالبلدان التي تنقل إليها بلا شك فيها فقراء يحتاجون إلى الطعام بلا شك، فالأولى له أنه يقول للشخص الذي سيخرج عنه الزكاة في البلد الآخر يشتري بها طعاماً ويدفعه للفقراء، ويكون بهذا أدى الزكاة بيقين.

    1.   

    بعض أحكام العيد

    العبادة الثانية: التكبير من غروب الشمس ليلة الغد: لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ[البقرة:185]، وهي مستحبة.

    العبادة الثالثة: صلاة العيد، وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوبها، والصحيح أنها ليست واجبة لكنها سنة مؤكدة تأكيداً شديداً، ولشدة التأكيد عليها أمر النبي عليه الصلاة والسلام جميع المسلمين بالخروج لصلاة العيد، الذي يصلي والذي لا يصلي، حتى النساء الحيض أمرهن النبي عليه الصلاة والسلام بأن يخرجن ويعتزلن المصلى، يعني: يقفن بعيداً عن المصلى، لا يدخلن المصلى ولا يصلين، قال: ( ليشهدن دعوة المسلمين )، هذا الاجتماع العظيم فيه أولياء الله الصائمون القائمون المتصدقون، الواحد منا يمكن أن يكون مقصراً فتشمله دعوة واحد من هؤلاء الحاضرين، فيغفر الله عز وجل له بسبب شخص آخر، نحن دائماً ندعو ونقول: وهب المسيئين منا للمحسنين، المسيء منا أعطه للإنسان المحسن، وشفع فيه الإنسان المحسن، فصلاة العيد يجتمع فيها المسلمون عموماً، ولعل الواحد تصيبه دعوة بسبب هذا الجمع الكبير، فلا ينبغي للإنسان أن يتقاعس عن صلاة العيد، ويستحب الذهاب للعيد من طريق والعودة إليه من طريق آخر.

    والعيد إذا وافق يوم الجمعة هل تسقط صلاة الجمعة أو لا تسقط؟

    هذا محل خلاف بين الفقهاء، فبعض الفقهاء كما هو مذهب أحمد بن حنبل وأصحابه من الحنابلة يقولون: تسقط الجمعة عمن حضر العيد، وهو بالخيار بعد ذلك، إذا شاء حضر وصلى الجمعة مع الناس، وإذا شاء صلى الظهر في بيته أربع ركعات، ويمكن أن يقيموا جماعة في البيت، لكن لا تقام جماعة في المساجد، فهم بالخيار، وهذا الخيار لمن صلى العيد، أما الذي ما صلى العيد فيجب عليه أن يحضر الجمعة؛ لأنه ما حضر فيجب عليه أن يحضر الصلاة الأخرى، هذا مذهب الحنابلة، وأكثر العلماء على خلاف هذا، يقولون: إنما رخص النبي صلى الله عليه وسلم في ترك الجمعة لأصحاب العوالي، وهي القرى التي كانت خارج المدينة، هؤلاء أصحاب القرى يوم الجمعة يحضرون من القرى إلى داخل المدينة لأجل أن يصلوا مع النبي عليه الصلاة والسلام، فلما صادف يوم العيد يوم الجمعة في زمن النبي عليه الصلاة والسلام حضروا لصلاة العيد، قطعوا المسافة وحضروا لصلاة العيد، فكان فيه مشقة عليهم حين يرجعون لبيوتهم، ثم يرجعون مرة ثانية لصلاة الجمعة، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: ( إنا مجمعون )، أي: نحن سنقيم جمعة، ( فمن شاء فليجمع معنا )، من أراد منكم أن يجمع يجمع، ومعنى ذلك: أن من لم يشأ فليس عليه حرج، هذا مذهب أكثر أهل العلم: أن الجمعة إنما رخص النبي عليه الصلاة والسلام في تركها للذين كانوا خارج المدينة، أما الذين هم داخل المدينة فإنه جمع بهم وأقام بهم الجمعة، ولهذا نقول: الأولى والأحرى للإنسان والأحوط في دينه أنه يحضر صلاة الجمعة، حتى لو صليت الجمعة، والحنابلة لا يقولون لك: أنت ارتكبت إثماً، الحنابلة يقولون: جزاك الله خيراً أنت عملت حسنة، وزيادة أجر ومثوبة، وخرجت من الخلاف، لا سيما والزمان حار هذه الأيام أين يذهب يوم الجمعة ليصلي الظهر؟ ما عندنا مكان.

    وصل اللهم وسلم على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756554429