إسلام ويب

عبادة التسبيحللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تسبيح الله تعالى عمل جليل يجلب لصاحبه الخير الكثير، وقد ذكره الله في كتابه في مواضع متفرقة، وأخبر أن الكون كله يقوم به، وما أجمل أن يكون لسان المسلم رطباً به؛ لما له من عوائد حميدة على العبد في الدنيا والآخرة.

    1.   

    بيان منزلة التسبيح وفضله

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الإخوة في الله! روى الإمام ابن أبي الدنيا رحمه الله تعالى بإسناد قال عنه المنذري : جيد, وحسنه الشيخ الألباني رحمهم الله جميعاً, عن ابن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه قال: ( جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! لقد عالجت القرآن فلم أستطعه ), يعني: حاولت أن أحفظ القرآن فلم أقدر عليه, ( فعلمني خيراً يجزئ عن القرآن, فقال عليه الصلاة والسلام: قل سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر, قال الراوي: فقالهن وعدهن بأصابعه أو وضم أصابعه).

    أربع كلمات: سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر, ثم تفكر فيهن الأعرابي فقال: ( يا رسول الله! هذا كله لله, فما لي؟ ), يعني: هذا كله في حق الله, مدح وثناء لله, فما هو نصيبي أنا؟ ( فما لي؟ فقال عليه الصلاة والسلام: قل: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني ), أربع كلمات أيضاً في مقابل الكلمات الأربع, فضمهن الأعرابي في أصابعه, قال الراوي: ( وأحسبه قال، أو وأظنه قال: واهدني ), يعني: زاده كلمة خامسة.

    انصرف الأعرابي حافظاً هذه الكلمات من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال عليه الصلاة والسلام: ( لقد ذهب الأعرابي وقد ملأ يديه خيراً كثيراً ), الخير الكثير والنفع العميم المستطير ربما ظنه بعض الناس في تحصيل غرض من أغراض الدنيا, والأمر على خلاف ذلك.

    خطبتنا اليوم في دقائق معدودة نتحدث فيها عن أحب الكلام، فمهما كثر الناس كلامهم, ومهما لغوا, ومهما غالى بعضهم في مدح المبطلين ومدح رؤسائهم وزعمائهم, ومهما أكثر الناس من الحديث عن دنياهم وعن شئونهم, فإن هناك كلاماً يبقى هو الكلام الذي يستحق أن تشتغل به الألسن, وأن تمضى به اللحظات.

    فأحب الكلام وأشرفه وأعظمه هو الكلام عن الله سبحانه وتعالى, ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: ( أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر, ولا يضرك بأيهن بدأت ).

    عناية القرآن بأمر التسبيح

    كلمات تسبيح الله سبحانه وتعالى هذا موضوع خطبتنا اليوم, واقرأ القرآن تجد أن الله سبحانه وتعالى يبدي ويعيد في موضوع التسبيح في كتابه العزيز, مرة يأمر به سبحانه وتعالى نبيه عليه الصلاة والسلام والأمة من ورائه في أحوال متفرقة في اليوم والليلة, يأمرهم بتسبيحه سبحانه وتعالى أول النهار وآخره, وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ [غافر:55] , وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الإنسان:25] , ويقول سبحانه وتعالى في سورة ق: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ [ق:38-39] , ويقول سبحانه وتعالى في سورة طه: وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى [طه:130] .

    يأمر سبحانه وتعالى بالتسبيح في مواطن متفرقة، فيقول: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ [الطور:48-49].

    سبح بحمد ربك حين تقوم من نومك, أي: حين تقوم إلى صلاتك في الليل, وسبح بحمد ربك في آناء الليل, أي: في ساعات الليل, وسبحه في إدبار النجوم, أي: عند ذهاب النجوم في آخر الليل, سبح بحمد ربك بالعشي والإبكار, في مواطن متفرقة من الليل والنهار يأمر سبحانه وتعالى بملئها بهذه العبادة العظيمة عبادة التسبيح, قال سبحانه وتعالى في سورة الروم: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الروم:17-18] , وهذه جملة اعتراضية, وعشياً وحين تظهرون [الروم:18] . فسبحان الله حين تمسون, وسبحان الله حين تصبحون, وسبحان الله عشياً, وسبحان الله حين تظهرون.

    يخبر سبحانه وتعالى في آيات عديدة أن الكون كله مسبح لله سبحانه وتعالى, أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ [النور:41] , وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ [الرعد:13] , ويقول في نص عام: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44].

    ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي حسنه الألباني وغيره: ( ما من يوم تستقل فيه الشمس إلا ويسبح لله ما في السموات وما في الأرض إلا ما كان من الشياطين وأغبياء بني آدم ) , فقبل أن ترتفع الشمس وقبل أن يعلو النهار يسبح لله كل ما في الكون إلا ما كان من الشياطين وأغبياء بني آدم.

    ويخبر سبحانه وتعالى أن الملأ الأعلى مشغولون بهذه العبادة العظيمة أي: عبادة التسبيح، فيقول: فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ [فصلت:38] , وقال عنهم في سورة الأنبياء: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20].

    عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالتسبيح

    وأخبر عليه الصلاة والسلام عن عبادة الملائكة في أحاديث كثيرة, ومنها ذاك الحديث العظيم الذي أخبر فيه عن بعض الملائكة أنه ساجد ولا يزال ساجداً حتى تقوم الساعة ويأمر الله عز وجل بفناء هذا الكون وإنشائه من جديد, فلا يزال ذلك الملك ساجداً, فإذا رفع رأسه قال: (سبحانك ما عبدناك حق عبادتك).

    هذه الكلمات العظيمة التي قال عنها عليه الصلاة والسلام مرة لأصحابه: ( خذوا جنتكم ), يعني: خذوا وقايتكم وحمايتكم, ( قالوا: عدواً حضر؟ ) , يعني: هل نستعد لعدو جاء, ( قال: لا, جنتكم من النار ), يعني: وقايتكم من النار, ( قولوا: سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر, فإنهن يأتين يوم القيامة مجنبات معقبات ) , يعني: يأتين عن الجوانب ويأتين من الخلف يحمين صاحبهن من كل شر ومكروه.

    هذه الكلمات العظيمة التي وزنها عند الله عز وجل لا يباريه وزن, كما جاء في الحديث: أنه عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه وهو يرشدهم إلى العبادات الثقيلة في الميزان: ( من هابه الليل أن يكابده, وشح بالمال أن ينفقه, فليقل: سبحان الله وبحمده، فإنهن خير عند الله من جبل ذهب ينفقه في سبيل الله ). هاتان الكلمتان: سبحان الله وبحمده أعظم عند الله أجراً، وأثقل عند الله ميزاناً من أن ينفق الإنسان جبل ذهب في سبيل الله.

    وهذا فيه غاية التحريض وفيه غاية الحث على إشغال الألسن بهذه الكلمات العظيمة, كما ختم البخاري رحمه الله صحيحه بذلك الحديث العظيم: ( كلمتان خفيفتان على اللسان, ثقيلتان في الميزان, حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده, سبحان الله العظيم ). كلمتان خفيفتان على اللسان أي: تجريان على اللسان بسهولة ويسر دون عناء ومشقة.

    إذا كانت العبادات الأخرى شاقة على البدن, وإذا كانت العبادات المالية شاقة على النفس, وإذا كان الجهاد فيه بذل وتضحية فهذه عبادة من لون آخر, عبادة سهلة التناول, يسيرة الأخذ, خفيفة على اللسان, لكنها عظيمة الأجر ثقيلة في الميزان.

    1.   

    فوائد التسبيح

    المحروم من حرم أبواب الخير وقد فتحت له المحروم من شغل نفسه في غير ما أراده الله عز وجل له, المحروم من أمضى ساعاته وأنفق أيامه ولياليه في غير ما ينفعه عند ربه سبحانه وتعالى, هكذا يحضنا عليه الصلاة والسلام على العبادة الجليلة القدر, السهلة التناول, إنها عبادة التسبيح الذي لا يمله المؤمن مهما أكثر منه.

    التسبيح عبادة أهل الجنة

    ولذلك أخبر سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أن عبادة أهل الجنة التي لا تزال معهم هي عبادة التسبيح, ففي الجنة لا تكليف, لا أمر ولا نهي, لا صلاة ولا صيام ولا زكاة, حطت عنهم التكاليف, وفتحت لهم أبواب الثواب والأرزاق على مصارعها, لكن هذه العبادة لا تفارق أفواه المؤمنين, كما قال سبحانه في سورة يونس >: دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ [يونس:10] , يعني: عبادتهم في الجنة التي لا يزالون يرتاحون إليها, بها تنشرح الصدور, وبها تطمئن القلوب, وبها تزول الهموم, وبها تذهب الأكدار, عبادة الذكر لله عموماً, والتسبيح على وجه الخصوص: دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ [يونس:10].

    ولهذا جاء في الحديث في مسلم وغيره: ( أنهم -يعني: أهل الجنة- يلهمون التسبيح ) أي: يجري التسبيح على ألسنتهم من غير كلفة ومن غير مشقة, ( يلهمون التسبيح كما تلهمون النفس ) , يخرج منهم التسبيح بعدد الأنفاس ومع خروج النفس, ( يلهمون التسبيح كما يلهمون النفس ) , أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

    انشراح الصدور وزوال الأكدار

    إنها العبادة التي تنشرح بها الصدور, وتطمئن لها القلوب, وتزول بها الأكدار, ولذلك جاء في الحديث الصحيح في البخاري وغيره: ( أن ابنة نبينا صلى الله عليه وسلم سيدتنا فاطمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها كانت تطحن في بيتها, وتجر الرحى حتى تقطعت يدها, وثخن جلدها, واشتد عليها الأمر, وهي تعمل بيدها الشريفة -رضي الله تعالى عنها وأرضاها- فدلها زوجها وقال لها: لقد جيء رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي فاذهبي إليه فاستخدميه ), جيء إليه بسبي, يعني: بمشركين سبوا في المعارك, فاذهبي إليه واطلبي منه خادمة تخدمك في البيت, ( فذهبت رضي الله عنها إلى أبيها, فجاءت إلى البيت ولم تجده, فأخبرت عائشة بطلبها, فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمقدم فاطمة وطلبها ).

    لكنه عليه الصلاة والسلام ما كان ليقدم نفسه وأهل بيته على سائر المؤمنين, باع ما جاءه من السبي لينفق على أهل الصفة في المسجد، لينفق على فقراء المسلمين ولم يأل جهداً في أن يرشد ابنته عليه الصلاة والسلام لما هو خير لها من الخادم وما يعينها على هذه المشاق التي تعانيها, دلها عليه الصلاة والسلام على ما هو خير من الخادم, تقول فاطمة : ( فجاء وقد أخذنا مضاجعنا ), يعني: نمنا على الفراش, ( فأقبل عليه الصلاة والسلام, فلما رآه علي و فاطمة هما بالقيام, فقال عليه الصلاة والسلام: مكانكما, قالت فاطمة : فجلس بيننا حتى وجدت برد قدمه على صدري ) , يعني: جلس بينهما على الفراش, ووضع رجله بينهما حتى وجدت أثر رجله على صدرها، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ( ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أتيتما مضجعكما تكبرا الله أربعاً وثلاثين, وتسبحاه ثلاثاً وثلاثين, وتحمداه ثلاثاً وثلاثين، فذلك خير لكما من خادم ).

    التسبيح قوة للبدن ونشاط للنفس والروح

    الذكر والاشتغال بالتسبيح من أعظم أسباب القوة في البدن, وأهمها القوة النفسية, نشاط الروح ونشاط النفس وقوتها ومجالدتها لما تلقاه من المصائب والمتاعب, فلا يعينها على ذلك شيء كالاشتغال بذكر الله سبحانه وتعالى, ولذلك نقرأ في سورة هود أن من جملة ما وجهه إلى قومه أن قال لهم: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ [هود:52], أي: يزدكم نشاطاً إلى النشاط, نشاطاً في النفس ونشاطاً في الحواس ونشاطاً في البدن كلما اشتغل القلب بذكر الله. وإذا غفل الإنسان عن ذكر الله لا سيما في ليله وفي أطراف نهاره؛ أصيب بأنواع من الخمول, وأصيب بأنواع من ضيق النفس وكدر الخاطر, ولا يذهب عنه تلك الحالة إلا الاشتغال بلذيذ تسبيح الله عز وجل ومناجاته.

    1.   

    أوقات التسبيح المفضلة

    هكذا يرشدنا عليه الصلاة والسلام إلى هذه العبادة العظيمة: (عبادة التسبيح)، ولها أوقات تكون فيها أفضل من بعض.

    التسبيح دبر الصلاة

    ومن ذلك التسبيح دبر الصلاة, جاء الفقراء يشتكون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق الأغنياء, ( قالوا: يا رسول الله! ذهب أهل الدثور بالأجور ), أي: ذهب أهل الأموال بالأجور, ( يصلون كما نصلي, ويصومون كما نصوم, ولهم فضول أموال يتصدقون بها, فقال عليه الصلاة والسلام: ألا أدلكم على ما تدركون به من سبقكم, ولا يلحقكم من بعدكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: تسبحون الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين, وتحمدونه ثلاثاً وثلاثين, وتكبرونه ثلاثاً وثلاثين ) , أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

    هذا التسبيح العظيم دبر الصلاة له ما له عند الله عز وجل من الوزن, وأقله أن يحافظ الإنسان على عشر تسبيحات وعشر تحميدات وعشر تكبيرات دبر كل صلاة, فتلك خمسون في العمل وخمسمائة في الأجر والثواب, كما ورد بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    التسبيح في الركوع والسجود في الصلاة

    التسبيح يا عباد الله! تسبيح الله سبحانه وتعالى, أتدرون ماذا تعني هذه الكلمة؟ لشدة محبة الله لها أمرنا بأن نجعلها في أركان الصلاة الأساسية, ( لما نزل قول الله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] , قال عليه الصلاة والسلام: اجعلوها في سجودكم, ولما نزل قول الله تعالى: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:74] , قال عليه الصلاة والسلام: اجعلوها في ركوعكم ).

    فهذان ركنان أساسيان من أركان الصلاة شغلناهما بالتسبيح: سبحان ربي العظيم, سبحان ربي الأعلى, ماذا تعني هذه الكلمة؟ ولماذا كان لها كل هذا الوزن عند الله؟

    1.   

    الذكر من أحب العبادات إلى الله

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    إخوتي في الله! عبادة الذكر أحب العبادات إلى الله سبحانه وتعالى, وذلك لأنها مفتاح القلوب, إذا حيي القلب وانتعش سهل عليه أن يؤدي الواجبات, وسهل عليه أن يجتنب المحرمات.

    وعبث أن نخاطب الإنسان باجتناب المحرم وقلبه منتكس لاه وأن نخاطب الإنسان بفعل الواجبات وهو لا يدري ما ثمرة هذه الواجبات, ولذلك كان من حكمة الله سبحانه وتعالى أن ندب عباده إلى الإكثار من عبادة الذكر حتى يتعلق القلب بالله, وحتى يسكن في هذا القلب حب الله, ورجاء ما عنده, فإذا انشرح القلب لذلك, وانفسح الصدر لذلك سهل عليه بعد ذلك سائر العمل.

    عبادة الذكر ينبغي لنا أن نشتغل بها آناء الليل وأطراف النهار, لا سيما الأذكار المؤقتة، كأذكار الصباح والمساء وأذكار دخول البيت والخروج منه وأذكار الركوب وأذكار دخول السوق وأذكار دخول الحمام لقضاء الحاجة والخروج منه, والأذكار دبر الصلوات, والأذكار أثناء الذهاب إلى المسجد, وهكذا الليل والنهار مملوء بأنواع الأذكار التي لو شغل بها الإنسان لكانت رابطاً لقلبه بالله طوال الليل والنهار, فإذا فتر لسانه اشتغل قلبه.

    1.   

    الأذكار الجامعة

    إلا أن هناك نوعاً من الأذكار يقوم مقام الكثير المتفرق منها, صحيح أن الإنسان كلما اشتغل لسانه بذكر الله ثقل بذلك ميزانه عند الله, ولكن هناك عبادات جامعة شاء الله سبحانه وتعالى أن يعطي عليها ما لا يعطي على غيرها, وشاء سبحانه وتعالى أن يصطفيها على غيرها, وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68].

    خلق الناس واختار بعضهم وفضلهم على بعض, وخلق الأزمان وفضل بعضها على بعض, وخلق الأماكن والأرض وفضل بعضها على بعض, وهكذا يخلق سبحانه وتعالى ما يشاء ويختار من مخلوقاته ليفضلها على سائر المخلوقات.

    ومن هذا التسبيح, فالتسبيح عمل جليل إلا أن الله فضل بعضه على بعض, فهناك تسبيح يقوم مقام الكثير, وهذا ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم لزوجته, فقد جاء في الحديث الصحيح: ( أنه خرج من بيته قبل الفجر وزوجته في مصلاها تنتظر الصلاة, ولم يعد إلى بيته إلا وقت الضحى, فرجع إلى البيت فوجد زوجته جالسة في ذلك المكان تذكر الله من الفجر إلى الضحى ) , بل من قبل الفجر إلى الضحى, ( قال: ما زلت على الحال التي تركتك عليها؟ قالت: نعم, قال: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات, لو وزنت بما قلت منذ الصباح لوزنتهن ).

    وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء, المرأة من الصباح تذكر الله حتى الضحى, وهو عليه الصلاة والسلام قد قال هذه الكلمات الأربع ثلاث مرات, وأخبر بأنها لو وزنت بذلك لوزنتهن بل ولزادت: ( سبحان الله وبحمده, عدد خلقه, ورضا نفسه, وزنة عرشه, ومداد كلماته ), من قالها إذا أصبح ثلاثاً فاز بهذا الأجر العظيم, ومن قالها إذا أمسى ثلاثاً فاز بذلك الأجر العظيم, والمحروم من حرم الخير بعد الدلالة عليه, كما قال الله سبحانه وتعالى: فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ [الزمر:17-18].

    نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يأخذ بأيدينا إلى كل خير.

    اللهم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! يا أرحم الراحمين! يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث, أصلح لنا شأننا كله, ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201] .

    اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها, دقها وجلها, وأولها وآخرها, وسرها وعلانيتها.

    اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا, وما أسررنا وما أعلنا, وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا, أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت.

    اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه، وافتح للموعظة قلبه وأذنيه، أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات, الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

    اللهم انصر عبادك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم عليك بأعداء الإسلام فإنهم لا يعجزونك يا قوي يا عزيز!

    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    1.   

    معنى التسبيح

    التسبيح معناه: التنزيه التطهير والتقديس, فعندما يقول الإنسان: سبحان الله، يعني: أنا أنزه الله عن كل نقص, وعن كل عيب, فهو سبحانه وتعالى المنزه عن الشريك, المنزه عن الصاحبة والولد, المنزه عن العجز والجهل, المنزه عن كل نقص, فإذا قال العبد: سبحان الله فقد أثنى على الله سبحانه وتعالى بكل ما يستحقه من أنواع الثناء, فلا عجب ولا غرو أن تنال هذه الكلمة عند الله تلك المرتبة العالية.

    لقد جاءتنا وصية من أبينا إبراهيم عليه السلام, وبلغها لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم, فحق علينا أن نسمعها بقلوبنا قبل آذاننا, ( قال: يا محمد! اقرئ أمتك مني السلام, وأبلغهم أن الجنة طيبة ترابها, عذبة مياهها, وأنها قيعان ), أي: أودية فسيحة, ( وأن غراسها: سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر ).

    غراس الجنة وثمار الجنة هذه الكلمات العظيمة, ( من قال: سبحان الله وبحمده غرست له في الجنة نخلة ), وفي الحديث الآخر: (من قال إذا أصبح: سبحان الله وبحمده مائة مرة, وإذا أمسى مائة مرة غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر ).

    مهما بلغت الذنوب مبلغاً وكثرت وتعالت, أي: الذنوب التي تكفرها الأعمال, كالصلاة والصيام والذكر والصدقة فهذه الذنوب مهما كثرت إذا داومت على تسبيح الله مائة مرة في الصباح ومائة مرة في المساء غفرت لك ذنوبك وإن كانت مثل زبد البحر. أي: مهما بلغت في الكثرة، وأما كبائر الذنوب فلا تكفرها إلا التوبة.

    وفي هذا يقول الإمام النووي رحمه الله: الأفضل أن تؤدى الأذكار متوالية مجتمعة, يعني: أفضل الهيئات أن يؤديها في الصباح مجتمعة, وأن يؤديها في المساء مجتمعة, ومعنى هذا: أنه إذا أداها متفرقة فإنه ينال ذلك الثواب.

    فسل نفسك كم ستقول هذه الكلمة وأنت تنتظر إشارة المرور؟ كم ستقول هذه الكلمة وأنت في طريقك إلى العمل؟ كم ستقول هذه الكلمة وأنت تتقلب على الفراش؟ كم ستظفر بمغفرة الله, وكم ستفوز برضوان الله, وكم ستغرس لك من الثمار في جنة الله بإشغال هذا اللسان بهذه العبادة اليسيرة التناول, العظيمة الأجر؟!

    نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا لكل خير, وأن يعصمنا من كل شر وضير.

    أقول ما تسمعون, وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756436668