إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. أحمد سعيد الفودعي
  5. سلسلة الخطب
  6. صفحة من حياة النبي عليه الصلاة والسلام مع أزواجه

صفحة من حياة النبي عليه الصلاة والسلام مع أزواجهللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد كان رسول الله حسن العشرة مع زوجاته، كريم الخلق معهن، غير أن زوجات الرجل الواحد قد تدفعهن فطرة الغيرة إلى فعل ما لا ينبغي، وهذا ما جرى من عائشة وحفصة رضي الله عنهما تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الحدث معاملة كريمة حتى سكن البيت النبوي الكريم.

    1.   

    تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع نسائه من خلال سورة التحريم

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    إخوتي في الله! في هذه اللحظات نبقى مع صفحة مفتوحة من صفحات حياة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ومع أزواجه.

    في سورة التحريم ذكر الله عز وجل لنا حادثةً وقعت لرسول الله مع بعض أزواجه عليهن رضوان الله.

    غيرة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وحسن تلطف النبي صلى الله عليه وسلم معهن

    في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكث عند زينب يشرب عندها عسلاً, فتواصيت أنا و حفصة أن أيتنا دخل عليها رسول الله، فلتقل له: إني أجد منك ريح مغافير ) يعني: ريح الصمغ الذي يخرجه بعض النبات وهو ذو رائحة كريهة.

    وفعلاً جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت الأولى، فقالت له هذه المقولة: إني أجد منك ريح مغافير، ثم خرج عليه الصلاة والسلام حتى أتى بيت الثانية فقالت له نفس المقولة: إني أجد منك ريح مغافير.

    وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشتد عليه ويثقل عليه أن يجد الناس منه ريحاً كريهة، فهو أطيب الناس ريحاً، وأطيبهم عملاً عليه الصلاة والسلام، لما سمع هذه الكلمة للمرة الثانية قال عليه الصلاة والسلام: ( بل شربت عسلاً عند زينب , ولن أعود إليه, وقد حلفت فلا تخبري بذلك أحداً )، هكذا قال هذه الكلمات لـــحفصة رضي الله تعالى عنها وأرضاها.

    وكان عليه الصلاة والسلام شديد التلطف بزوجاته, يبحث عن رضاهن ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وهذا من كريم خلقه عليه الصلاة والسلام، إذا تأذت الواحدة منهن من شيء حرص عليه الصلاة والسلام على إزالة ذلك الأذى, فنزل عند رغبة الزوجات حرصاً على رضا زوجاته، وتطييباً لخاطرهن ارتضى أن يشق على نفسه, وأن يمنع نفسه من العسل الحلال المباح, وحرمه على نفسه, وحلف على ذلك يميناً ألا يرجع إليه حتى لا تجد النسوة منه مرة ثانية هذه الرائحة.

    وكان الأمر مجرد حيلة ومكيدة افتعلتها النساء بدافع الغيرة حتى لا يمكث طويلاً عند زينب ، حيث كان من عادته صلى الله عليه وسلم كما في الرواية الأخرى وهي في الصحيحين، قالت عائشة : ( كان يحب الحلوى والعسل، فكان إذا صلى العصر دار على نسائه فيدنو منهن، وإذا دار على النساء سقته بعض النساء ما عندها, فكانت زينب تسقيه عسلاً؛ لأنه كان يهدى لها العسل، وإذا احتاج إلى شرب العسل مكث وقتاً طويلاً عند زينب أطول من غيرها من النساء ).

    فدفعتهن الغيرة إلى التخلص من هذا الزمن الذي يمكثه النبي صلى الله عليه وسلم عند زينب ، وما ذاك إلا حباً له عليه الصلاة والسلام، وعدم إيثار الواحدة منهن لغيرها به، فاصطنعن هذه الحيلة، فأنزل الله -عز وجل- قرآناً يتلى إلى يوم القيامة في وصف هذه الحادثة وما فيها من الدروس والعبر، وكان أول ما أنزل في هذا المعنى قوله سبحانه وتعالى في أول سورة التحريم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التحريم:1].

    تحريم النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه العسل

    يعاتبه الله جل شأنه لماذا يحرم على نفسه الحلال؟! أي: لماذا يمنع نفسه من الحلال؟ ولم يحرمه بمعنى يعتقد أنه حرام، أو يشرع أنه حرام، فهذا لا يمكن أن يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما منع نفسه منه، وحرمه على نفسه، وحلف اليمين ألا يرجع إليه، فعاتبه الله لماذا تفعل بنفسك هذا؟

    أنت أكرم على الله عز وجل من هؤلاء النسوة، وأنت أعلى عند الله عز وجل مقاماً من أن تدخل على نفسك العنت أو المشقة إرضاءً لأحد من الناس، هو فعل شيئاً مباحاً وامتنع من شيء وله أن يمتنع مما شاء، ويأكل من الطيبات ما شاء، ولكن لعظيم مقامه عند الله ولكبير منزلته عند الله لا يرضى الله سبحانه وتعالى له بأن يوقع نفسه في الحرج، وأن يوقع نفسه في المشقة فعاتبه على هذا.

    قال تعالى: لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ [التحريم:1]، وأزواجك أولى بأن يلتمسن رضاك، فإن التمسن رضاك سعدن كل السعادة، وإلا فعلى أنفسهن يجنين، أما أنت فلا تفعل هذا!

    وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التحريم:1]، عد الله عز وجل هذا شيئاً يحتاج إلى مغفرة مع أنه في دائرة المباح، ولكن لأن مقام النبي عليه الصلاة والسلام مقاماً عالياً، فما يليق بغيره لا يليق به، فبشره الله وأبعد عنه وحشة المعاتبة واللوم بالإخبار بأن الله يغفر له، وأن الله رحيم به وبغيره، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التحريم:1] .

    ثم بعد ذلك كانت بركة من بركات نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وصدق أسيد بن حضير لما قال لــعائشة , لما نزلت آية التيمم قال لها: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر! كل ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام في بيته ومع أزواجه يجعله الله عز وجل سبباً لشريعة سمحة، وسبباً لتعاليم وآداب، الناس أحوج ما يكونون إليها.

    كان في حلف النبي صلى الله عليه وسلم على ألا يشرب العسل شريعةً جديدة فيها الترخيص وفيها التيسير، وفيها رفع المشقة والحرج عن هذه الأمة، لما حلف عليه الصلاة والسلام ألا يشرب العسل أنزل الله: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ [التحريم:2]، (قد فرض) يعني: شرع الله لكم ما تتحللون به من اليمين فتخرجون منه وتفعلون ما طاب لكم أن تفعلوه، وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ [التحريم:2] أي: ناصركم ومعينكم، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [التحريم:2].

    (العليم)، فلا يشرع ما يشرع إلا عن علم، وهذا العلم هو الذي يدعوه سبحانه وتعالى إلى أن يشرع لنا ما يصلحنا، ويمنعنا ما يضرنا، (الْحَكِيمُ)، الذي يضع الأمور في مواضعها، فلا يفعل الشيء إلا بمقدار، وعلى قدر ما تدعو إليه الحاجة.

    كان في هذا شريعة سمحة، فقد انتهج النبي عليه الصلاة والسلام هذا النهج ودعا الأمة إلى أن يفعلوا هذا الفعل، وقال: ( من حلف على يمين ثم رأى غيرها خيراً منها يكفر عن يمينه، ويأتي الذي هو خير )، جاءه قوم يطلبون منه أن يحملهم ليخرجوا معه للجهاد، فقال: ( والله لا أحملكم، ولا أجد ما أحملكم عليه )، ثم بعد زمن يسير جاءته الأموال فوجد ما يحملهم عليه، فقال عليه الصلاة والسلام: ( ما أنا حملتكم! ولكن الله حملكم، وإني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وفعلت الذي هو خير قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [التحريم:2] .

    حال النبي صلى الله عليه وسلم مع عائشة وحفصة في قضية تحريم العسل

    ثم ينقلنا سبحانه وتعالى إلى حال النبي عليه الصلاة والسلام مع زوجته, هذه الزوجة التي أفشت هذه المقولة التي قالها النبي صلى الله عليه وسلم، حيث سارعت حفصة وبادرت إلى تبشير صاحبتها وضرتها الأخرى عائشة؛ لأنهما كانتا متصادقتين, فسارعت بدافع الغيرة إلى تبشيرها بأن الرسول عليه الصلاة والسلام لن يمكث بعد اليوم عند زينب ذلك المكث الطويل، فقد حرم على نفسه أن يأكل العسل، فسارعت بهذه البشرى لـــــعائشة , فأخبره الله بما قالت حفصة لــــعائشة ، قال الله: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ [التحريم:3]، ولك أن تستشف هذه الآداب العظيمة من هذين السطرين من كتاب الله: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا [التحريم:3] ، وهذا شأن الرجل مهما علا مقامه وكبرت منزلته, فإن زوجته في الحقيقة وزير داخلي له في بيته, لا يترفع أن يسر إليها بعض الأخبار، ولا ينقص ذلك من مكانته ومن منزلته أن يكون بينه وبينها ما ليس بينه وبين الناس.

    وجاء في الحديث: أنه أخبرها بما قالت، وأنها قالت لـعائشة : إنه لا يأكل العسل بعد اليوم، وسكت عن ذكر اليمين، ولم يعاتبها بكل ما قالت، إنما كما قال الله: عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ [التحريم:3].

    وهذه شيمة الكرام ألا يعاتبوا على كل الخطأ، يكفي من العتاب ما يشعر بالأسى وما يشعر بغضب المحب ولا داعي لذكر كل الأخطاء، وهذا مقام النبوة في تعليم الإنسان عندما يعاتب من يحب، يكفي من العتاب ما يكسر الخطأ، كما قال الله عن نبيه: عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ [التحريم:3]، ولم يستقص عليه الصلاة والسلام كل ما فعلته هذه المرأة، ولم يعاتبها عن كل كلمة قالتها.

    وصدق الإمام علي رضي الله عنه حين قال: ما استقصى كريم قط. فالكريم لا يستقصي كل الحقوق ولا يستقصي كل الأخطاء التي تقع في حقه، وكما قال الشاعر:

    ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي

    الذي يتغابى ويجعل من نفسه غبياً ويظهر للناس أنه غبي وليس بغبي هو سيد قومه؛ لأن شيمة الكرام تدعوه إلى أن يتغافل عن بعض الأمور، فليست كل الأمور تستحق المعاتبة، وليست كل الأمور تستحق أن تعاتب صديقك وحبيبك وزوجتك عليها.

    أسلوب عتاب النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه

    وهنا ينقلنا سبحانه وتعالى إلى أدب آخر من آداب النبوة، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل شيئاً بعد ذلك ولم يفعل غير هذا العتاب، وليس العتاب المستقصي، إنما هو عتاب ببعض الخطأ، وما ذاك إلا لعلمه عليه الصلاة والسلام بأن المرأة لا يمكن أن تصلح من جميع الوجوه، ولا يمكن أن يزال كل ما فيها من العيب، وصدق عليه الصلاة والسلام وهو يخاطب الأمة، حين قال: ( إن المرأة خلقت من ضلع, وإن أعوج ما في الضلع أعلاه )، من ضلع الآدمي أي: من جنبه، وضلع الآدمي أعوج, وأعوج ما فيه رأسه وأعلاه، فإذا ذهبت تقيم هذا الضلع وتريده أن يكون عظماً سوياً مستقيماً فلن يستقيم لك إلا بالكسر، ( وإن أعوج ما في الضلع أعلاه, وإذا ذهبت تقيمه كسرته, وكسرها طلاقها ).

    المرأة لا يمكن أن تستقيم استقامةً تامة إلا إذا فارقتها وتركتها حينها يصفو لك ما كان يأتيك منها، لكن فرقت بين نفسك وبين زوجتك، وهدمت بيتك، فلن تستقيم الزوجة على جميع الأمور، ولا بد من التغاضي عن بعض العيوب.

    لم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً زائداً على هذا العتاب، لكن الله سبحانه وتعالى هو الذي تولى نصره، وهو الذي تولى تأديب أزواجه عليه الصلاة والسلام، وهو الذي تولى تأنيبهن وردهن عن هذا الفعل الذي فعلنه معه عليه الصلاة والسلام، فنبههن سبحانه وتعالى بما فعلنه، فقال: إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا [التحريم:4] أي: إن تتوبا عما فعلتما من إدخال الضيق على النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم هذا الحلال على نفسه، فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا [التحريم:4]، يعني: فقد فعلتما ما يستحق التوبة، فإنكما فعلتما شيئاً يستحق الاستغفار والتوبة، فإن تبتما فلكما الأجر, ويمحى عنكما الإثم، وإلا: وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ [التحريم:4] ، إن تبقيا على هذه الحال من المعاونة لبعضكما على رسول الله وإدخال الحرج عليه, فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ [التحريم:4].

    الله عز وجل ناصره وسينبئه ويخبره بكل ما يدار من وراء ظهره، وسيعوضه عنكن في حال الفراق خيراً منكن، وفي هذا أعظم التأديب لهؤلاء الأزواج.

    تخيير النبي صلى الله عليه وسلم نسائه بين البقاء معه أو الطلاق

    ثم هددهن بالطلاق، فقال: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ [التحريم:5]، وأقصى ما تهدد به المرأة الطلاق، فهو أشق شيء عليها، والله -عز وجل- يخبرهن ويخبر رسوله بأنه إن حصل الطلاق لأزواجه؟ فإن الله سيبدله خيراً منهن، عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا [التحريم:5]، اجتمعت فيهن كل صفات الطيب، وأعلى مقامات العبودية، عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ [التحريم:5]، يعني: يعملن بالإسلام الظاهر، مُؤْمِنَاتٍ [التحريم:5]، يعني: يعملن بالإيمان الباطن، قَانِتَاتٍ [التحريم:5]، يعني: طائعات ليل نهار، مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ [التحريم:5]، يعني: صوامات، سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا [التحريم:5].

    أيها الإخوة! هذه هي صفات أزواج النبي اللاتي يلقن به عليه الصلاة والسلام، فلا يليق برسول الله إلا أن تكون أزواجه على هذا الوصف: مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا [التحريم:5] , هذه صفات أزواجه اللاتي يلقن به، فإن لم يقمن بها الأزواج الموجودات فإن الله تكفل بأن يذهبهن عنه ويأتي بخير منهن ممن يحملن هذه الصفات، ولا يرتضي الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أزواجاً بغير هذه الصفة، فلا بد أن تكون أزواجه حاملات لهذه الصفات: مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا [التحريم:5] .

    والسؤال: هل أبدله الله عز وجل أزواجاً غير حفصة و عائشة و زينب وصفية ؟

    الجواب: لا، لما ضاق رسول الله عليه الصلاة والسلام في أحد المواقف من أزواجه قمن يسألنه النفقة ويردن منه التوسعة فيها، ولم يكن من شأنه عليه الصلاة والسلام الانبساط للدنيا والركون إليها والتوسعة في النفقة، فلما قامت أزواجه يسألنه النفقة أمره الله بأن يخيرهن بين البقاء معه على هذه الحال وبين أن يفارقهن، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:28].

    هذا أحد الواجبين: إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا[الأحزاب:28-29] ، خيرهن بين أمرين: بين الدنيا والآخرة، بين البقاء مع رسول الله وإيثار ما عند الله في الدار الآخرة وما أعده لأزواج نبيه، وبين الدنيا فيطلقهن ويؤتيهن متاع المطلقة.

    خيرهن رسول الله, وبدأ بـعائشة رضي الله عنها، وكانت صغيرة السن, فقال لها: ( إني أريد أن أخبرك عن أمر, وأحب ألا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك )؛ لأنها صغيرة السن وربما اتخذت قراراً خاطئاً فأراد منها أن تستشير أبويها، ( ولا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك ). ولما أخبرها الخبر كان جوابها رضي الله عنها أن قالت: ( أفيك يا رسول الله أستشير أبوي! ), أفيك يستشار أبقى معك أم أترك؟ ( بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وقالت له: لا تخبر أحداً من نسائك عما قلت ).

    الغيرة أيضاً تبعثها إلى أن تكتم هذه المقولة، وتظن بأن بقية الأزواج قد تتخذ الواحدة منهن قراراً بالمفارقة، فقال لها عليه الصلاة والسلام: ( إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً, وإنما بعثني معلماً ميسراً, فلا تسألني واحدة منهن عما قلت إلا قلت لها )، ليس من شأني العنت ولا التعنيت، وإذا سألتني الواحدة سأخبرها بما قلت، وكن جميعاً يقلن هذه المقولة: بل نختار الله ورسوله والدار الآخرة، اخترن الله ورسوله، فانطبق فيهن هذا الوصف: مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا [التحريم:5].

    وكذب من قال بخلاف هذا بعد هذا الكلام، كذب من اتهم أحد أزواجه بأنها ليست مؤمنة، ليست مسلمة، ليست طائعة، ليست قانتة، ليست عابدة، كذب من قال بأن أحداً من أزواجه أدخلت على رسول الله المضرة، والله -عز وجل- لا ينصره ضدها، ولا يأخذ له بحقه منها؛ لأن هذا الخبر اليقين عن الله هو الذي أخبر الله -عز وجل- به ووعد به, (فعسى) من الله واجبة، إذا قال الله: عسى، فإنه فاعل لا محالة، ووعده أنه إذا طلقهن فإنه سيبدله هذه الأزواج بهذه الصفات، وما دامت هذه الأزواج متصفة بهذه الصفات فهن أزواجه اللائقات به.

    والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756377094