إسلام ويب

أدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلمللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كثيرة هي الحقوق الخاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والجملة الجامعة المانعة في ذلك هي الطاعة له والإيمان به والتوقير له كما ينبغي، وكذلك اتباع شريعته وكثرة الصلاة عليه كلما ورد اسمه، وهكذا ذكر سيرته وحفظه في آل بيته وصحابته.

    1.   

    أدب أبي بكر رضي الله عنه مع رسول الله

    الحمد لله رب العالمين, نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الإخوة في الله! روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى، وكذا مسلم في صحيحيهما عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه قال: ( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، فحضرت الصلاة، فقال المؤذن -يعني بلالاً- لــأبي بكر رضي الله تعالى عنه: أتصلي للناس فأقيم؟ قال: نعم، فصلى أبو بكر رضي الله تعالى عنه بالناس، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يصلون، فخرق الصفوف حتى قام في الصف المقدم )، أي: في الصف الأول، ( فلما رأى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم صفقوا لـأبي بكر ، فلم يلتفت، فلما أكثر الناس من التصفيق التفت رضي الله تعالى عنه، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه، فتأخر رضي الله عنه، فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن اثبت في مكانك، فرفع يديه فحمد الله تعالى، ثم تأخر حتى تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته قال لـأبي بكر : ما منعك أن تثبت في مكانك إذ أمرتك؟ فقال رضي الله عنه: ما كان لـابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ما لكم أكثرتم التصفيق، من نابه شيء في صلاته فليسبح، فإنما التصفيق للنساء ).

    وفي هذا الحديث العظيم وهذه الواقعة الشريفة بيان لأدب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وفيه هذه العبارة العظيمة التي قالها سيدهم وأشرفهم أبو بكر رضي الله عنه: ( ما كان لـابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ).

    وقد سبق أن تحدثنا عن عظيم فضل الله ومنته بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قابل الصحابة هذه النعمة بالشكر الجزيل، فعرفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حقه، فعظموه ونصروه وآزروه وأحبوه، بل خالطت محبته شغاف قلوبهم رضي الله عنهم وأرضاهم، فقدموه على أنفسهم وعلى أهليهم وأموالهم، وبذلوا في سبيل حمايته أرواحهم.

    وقد جاء في أخبارهم أن الواحد منهم كان يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضربات السيف، فوقاه بيده لما سقط السيف منها، حتى شلت يده رضي الله عنه، وانكب أحدهم على رسول الله يحميه من الرماح المتساقطة حتى صار ظهره كالقنفذ، وتقدم أصحابه يوم أحد بين يديه يقتل الواحد منهم تلو الواحد حتى لا يصل المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وفي أخبارهم ما يبين الفضل الذي بلغوه والدرجة التي سبقوا إليها، إنه ليس شيء إلا التعظيم لله ولرسوله.

    1.   

    أهم الحقوق المتعلقة بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم

    هذا الرسول الكريم له علينا حقوق جليلة.

    الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته

    أهم هذه الحقوق وأولاها الإيمان به صلى الله عليه وسلم، والتصديق بما جاء به، والإذعان لما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فالإيمان به إيمان بالله، ومن لم يؤمن به لم يؤمن بالله تعالى, قال سبحانه وتعالى: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النساء:136].

    وهذا الإيمان به والتصديق بما جاء به مستلزم ضرورة للطاعة المطلقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والإذعان الكامل له؛ ولذلك جعل الله عز وجل طاعة هذا الرسول من طاعة الله، فمن لم يطع رسول الله فما أطاع الله, قال في سورة النساء: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا [النساء:80]، ورسول الله يبلغهم هذا المعنى.

    فيقول: ( من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله )، فجعل الله عز وجل طاعة هذا الرسول من طاعته سبحانه وتعالى، وجعل من علامة الإيمان التسليم المطلق لما جاء به هذا الرسول الكريم, وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36].

    توقير الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمه

    ومن حقوق هذا الرسول التوقير له والتعظيم، فإن الله عز وجل جعل من مقاصد بعثته ورسالته أن يقوم الناس بتبجيله وتوقيره، قال سبحانه في سورة الفتح: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح:8-9]، فتعزير النبي صلى الله عليه وسلم معناه نصره، وتوقيره يعني: احترامه وتبجيله، فنصر الرسول صلى الله عليه وسلم من حقوقه علينا, وتبجيله وتوقيره واحترامه من علامات الإيمان به.

    لقد كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لا يجرؤ الواحد منهم أن يملأ عينه من رسول الله، ولا ينظر إليه كما ينظر إلى غيره من الناس، يقول عمرو بن العاص وحديثه في صحيح مسلم : ( لو سئلت أن أصف رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه )، ما كانوا ينظرون إليه كما ينظرون إلى غيره من الناس.

    خفض الصوت بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم

    وقد أدبهم الله تعالى بأن يخفضوا أصواتهم بحضوره، فلا يرفعوا أصواتهم فوق صوته، قال لهم: لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات:2].

    وقد نزلت هذه الآية في حادثة وقعت للخيرين أبي بكر و عمر رضي الله تعالى عنهما, (جاء وفد من الناس، فتنازع عمر و أبو بكر بمحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو بكر : أمر القعقاع بن معبد ، وقال عمر : أمر عليهم الأقرع بن حابس ، فقال أبو بكر لـعمر : ما أردت إلا خلافي، يعني: مخالفتي، قال: ما أردت مخالفتك، فارتفعت أصواتهما بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ [الحجرات:2] ). وفي صحيح البخاري قال الراوي: ( فكان عمر بعدها لا يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يستفهمه)، أي: إذا تكلم يسأله الرسول صلى الله عليه وسلم: ماذا قلت؟ حتى يفهم منه ماذا قال؟ أدباً مع رسول الله.

    ولما نزلت هذه الآية افتقد الرسول صلى الله عليه وسلم ثابت رضي الله تعالى عنه، وكان رجلاً جهوري الصوت، كان صوته كبيراً، افتقده في مجلسه فلم يره، فسألوا عنه، فوجدوه في بيته حزيناً كئيباً يبكي.

    ولما سئل: كيف حالك؟ قال: في شر، قيل له: وما ذاك؟ قال: أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت رسول الله، أنا المعني بالآية، وكانت جبلة وخلقة خلقه الله عليها أن صوته كبير, فكان يظن أنه المقصود بالآية، فاعتزل مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى بعث إليه الرسول من يبشره ويخبره بأنه ممن لم يحبط عمله، وأنه من أهل الجنة.

    وكان أبو هريرة يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوارع المدينة فيفر منه ولا يريد أن يلاقيه، فيسأله عن ذلك، فيقول: إني كنت جنباً، أي: لا يريد أن يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جنب.

    هذا حالهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلغوا تلك المرتبة من رضوان الله، ووصلوا إلى تلك الدرجة من محبة الله لتعظيمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب من بعدهم: ( لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )، أي: لو أنفق الواحد ممن بعدهم مثل أحد ذهباً فإنه لن يبلغ ما ينفقه الواحد من أصحاب رسول الله من ملء كفيه من الحبوب والطعام، وما ذاك إلا لما بذله هؤلاء الكرام وما فازوا به من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، وما قاموا به من الحقوق التي عليهم لهذا الرسول الكريم.

    عدم التقديم بين يديه بقول أو فعل ومناداته بوصف الرسالة

    وقد أدبهم الله بألا يتقدموا بين يديه برأي ولا قول ولا عمل، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات:1]، فكانوا خير من امتثل هذه الآية؛ لا يتكلمون حتى يتكلم، ولا يقدمون قولاً ولا فعلاً حتى يأذن.

    وأخبر الله في سورة النور بأنهم إذا كانوا معه مجتمعين لم يخرج الواحد منهم من مكانه حتى يستأذن، فقال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ [النور:62].

    وأدبهم الله تعالى ونحن لهم تبع بأن نتأدب معه حتى في خطابه: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور:63]، لا تنادوه كما ينادي الواحد منكم أخاه أو أباه أو صاحبه، ولكن قولوا: يا رسول الله! يا نبي الله!

    الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ورعايته في أهل بيته وصحابته

    ومن حقوق هذا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نصلي عليه, والصلاة عليه واجبة في الجملة، ومستحبة في سائر الأوقات، تجب في بعض المواطن، وتستحب في مواطن أخرى، وهي سبب من أسباب رحمة لله للمصلي؛ فإنه من صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، فصلوات الله وأتمها وأتم تسليماته على رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم.

    ومن حقوق هذا الرسول علينا صلوات الله وسلامه عليه، أن نرعاه في أهل بيته، وأن نرعاه في صحابته الكرام، وأن نرعاه في شريعته، فنقوم بهذه الشريعة، وننصر هذا الدين، ونترضى على أصحابه وآل بيته, فهذه وصيته صلوات الله وسلامه عليه.

    والجملة الجامعة المانعة في حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاعة له، والإيمان به والتوقير له كما ينبغي، واتباع شريعته صلى الله عليه وسلم، فميزان المحبة لهذا الرسول الاتباع والطاعة، فمن أطاعه وأحبه فهو المتبع حقيقة، ومن خالف هديه ونابذ سنته وخالف طريقته، فإنه من جملة الأدعياء، والدعاوى لا تصح حتى تقام عليها البراهين، ( ولو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجالٌ دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة على المدعي)، فالمدعي يطالب بإقامة البرهان على المحبة والطاعة بمتابعته لهذا الرسول الكريم، ومن تابعه فاز؛ ولهذا قال العلماء: عنوان الفلاح الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن تأدب معه الأدب اللائق به فهذا عنوان فلاحه وأمارة نجاته.

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    وقفة مع أهلنا في سوريا

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين, ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    أما بعد:

    أهل سوريا بين الواقع المر والمأمول في الله أولاً وأخيراً

    إخوتي في الله! غير خاف على أحد ما يجري لإخوتنا في سوريا، وغير خاف ولا غائب عن نظر أحد صغيراً أو كبيراً، رجلاً أو امرأةً، فالصورة تؤثر ما لا تؤثر به المقولة، على مرآنا ونبصر على مدار الساعة أطفالاً تفتت أجسادها، ونساء تنتهك حرماتها، وبيوتاً تدمر على ساكنيها, ليس لشيء إلا لأنهم أرادوا دفع الظلم عن أنفسهم.

    اجتمعت عليهم المصالح الدولية، والمكائد الطائفية، والحروب الدينية، واجتمع فيهم الضعف والفقر والمسكنة، فتكالبت عليهم قوى الشر، وخذلهم الأقربون والأبعدون، ورفعوا شعارهم الصادق: الشعب يريد نصرك يا ألله!

    ونحن نؤمل في الله خيراً، ونؤمل في الله عز وجل أن ينصر الضعفاء والمساكين فضلاً عن أن يكونوا من أتباع سنته، من أتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، فالعالم لم يخذلهم إلا لأمر، ولم يتكايد عليهم إلا لشيء، فلم يعاملوا كما عومل غيرهم، ولم يقف العالم منهم كما وقف مع أضرابهم وأمثالهم، ليس لشيء إلا لما في أرض الواقع من مكائد دينية، فالطائفية العنصر الأعظم الفاعل في هذه القضية.

    من حقوق أهل سوريا على إخوانهم من أهل السنة

    فحق على أهل السنة في مشرق الأرض ومغربها أن يقوموا بحق النصرة لهذا الشعب المسكين، ونحن نتساءل عن واجبنا تجاه هذا الشعب المسكين، نحن وإن كنا لا نقدر على صنع أشياء، لكننا نقدر على صنع أشياء كثيرة، أهمها وأعظمها مما نقدر عليه اليوم أن نتوجه إلى الله عز وجل صادقين في الدعاء لهم وطلب النصر لهم، فإن الله على كل شيء قدير.

    غطى وجه الأرض وغير مجرى التاريخ بكلمة صدرت من نوح عليه السلام, قال نوح كما أخبرنا الله في كتابه: أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر:10]، فارتفعت هذه الكلمات إلى الله، قال الله: فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ [القمر:11-13].

    نجى الله المؤمنين، وأغرق الكافرين، وغيَّر مجرى الأحداث، وغيَّر التاريخ بهذه الكلمات، أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر:10]، والنبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح يقول: ( أبغوني ضعفاءكم )، أي: التمسوا الضعفاء وابحثوا عنهم فإن معهم مفاتيح النصر, (فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم؛ بدعائهم وإخلاصهم )، الضعفاء لا يستهان بهم، والدعوات إذا وصلت إلى أبواب السماء وفتحت لها، فإنها ستفعل ما تفعل ولو بعد حين.

    أتهزأ بالدعاء وتزدريه.

    الدعاء لا يحتقر ولا يمتهن، ولكل ظالم أمد، ولكن شاء الله تعالى أن تجري المقادير في أعنة، وأن تبلغ المقادير مبلغها، وإلا فإن سنة الله لا تحابي أحداً، وقوانين الله لا تجامل أحداً، فهو ( يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ).

    والنبي صلى الله عليه وسلم قنت في صلواته كلها نصف شهر في رمضان كما جاء في الحديث، يقنت في الصلوات الخمس من أجل ثلاثة من المسلمين، وقعوا في أسر المشركين، فقنت صلى الله عليه وسلم في صلواته كلها يدعو لهم حتى خلصهم الله منه.

    ونحن في اليوم الواحد نقرأ مئات وعشرات ممن يقتلون ظلماً، فعيب علينا ألا تتحرك فينا السواكن، فهذا الدعاء شيء مما نقدر عليه، أن نخلص الدعاء لهم في جميع حالاتنا، لا سيما في الأوقات التي تشدد فيها الرغبة، ويعظم فيها الرجاء بالإجابة، كالدعاء حال السجود، والدعاء بين الأذان والإقامة، والدعاء في الثلث الأخير من الليل، والدعاء في آخر ساعة من الجمعة، فهذه الساعات الشريفة رجاء الإجابة فيها أقوى.

    ومما نقدر عليه أيها الإخوة! أن نمدهم بما نقدر عليه من المعونة المادية والمعنوية، فيسخر كل واحد منا ما يقدر عليه من أساليب النصرة، صاحب القلم بقلمه، وصاحب القرار بقراره، وصاحب المال بماله، فهم أحوج ما يكونون إلى نصرة.

    ومن أساليب النصرة التي نقدر عليها أن نؤلم أعداءهم كما آلموهم، ولهذا دعا العلماء إلى مقاطعة الروس بكل ما نقدر عليه، ومقاطعة الصين بكل ما نقدر عليها، وإن كنا لا نستطيع مقاطعتها بالكلية فنستطيع إيصال الضرر إليهم.

    على هذه الأمة أن تعلم هؤلاء أن دماءها غالية، وأن أعراضها غالية، إنهم يتاجرون بأرواح الأطفال، يتاجرون بحرمات النساء، لا يأبهون لشيء في مقابل الدولارات، لا يبالون إذا باعوا من باعوا في مقابل الدولار والدينار، فكيف يليق بهذه الأمة بعد ذلك أن تعرض صفحاً عن كل هذا؟ هذه الأمة تقدر على فعل الكثير والكثير إذا مارست ذلك.

    نحن مطالبون أيها الإخوة! بأن نتيقظ فما أمسى بجارك أصبح بدارك، واليوم لا تدور رحى الحرب، ولا يطحن الناس في الشوارع إلا من أجل الطائفة البغيضة، وهذه لا يرحم فيها البعيد ما دام لا يرحم فيها القريب، علينا أن ندرك بأن هؤلاء صدور أمامية لهذه الفتنة, فإذا أعرضنا عنها وأعطيناها صفح أعناقنا فإنه يوشك أن تدور الدائرة فينا.

    علينا أن ندرك هذه المعاني فنتدارك الأمر قبل فواته، ونبذل ما نقدر على بذله، والله عز وجل متول عباده، وهو قادر على نصرة المظلوم، ولكن ليبلوكم كما أخبر الله في كتابه: وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ [محمد:4].

    نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعجل بالنصر لإخواننا، يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! اللهم إنا نسألك بأسمائك كلها يا ذا الأمر الرشيد، والحبل الشديد، يا ودود يا ودود، يا ودود يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعالاً لما تريد نسألك بعزك الذي لا يرام, وبملكك الذي لا يضام, وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تعجل بالفرج لإخوتنا في سوريا يا رب العالمين، اللهم عجل لهم بالفرج، اللهم عجل لهم بالفرج، واكشف عنهم الكرب يا أرحم الراحمين، اللهم لا تجعلهم فتنة للقوم الظالمين، اللهم لا تجعلهم فتنة للقوم الظالمين، اللهم لا تجعلهم فتنة للقوم الظالمين، ونجهم برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعنهم ولا تعن عليهم، وانصرهم ولا تنصر عليهم، وامكر لهم ولا تمكر عليهم، وكن لهم ولا تكن عليهم، اللهم ارحم موتاهم، اللهم ارحم موتاهم، اللهم ارحم موتاهم، واشف مرضاهم، وأمن خائفهم، اللهم أطعم جائعهم، وآو شريدهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم عليك بعدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم عليك بعدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز، اللهم اقطع عنهم إمهالك، اللهم اقطع عنهم إمهالك، اللهم اقطع عنهم إمهالك، وعاملهم بعدلك يا أحكم الحاكمين.

    اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأعز الإسلام والمسلمين، واخذل الكفرة والمشركين أعداءك أعداء الدين.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

    اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه، وافتح لسماع الموعظة قلبه وأذنيه, أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755804656