إسلام ويب

مثل الكلمة الطيبة [1]للشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد ضرب الله عز وجل لكلمة التوحيد مثلاً بالشجرة الطيبة، والتي فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بالنخلة، وذكر أنها تشبه المؤمن بأمور عدة منها: الثبات والرسوخ، والتعاهد والرعاية، ووجود الشوائب من الشبهات في القلب، وغيرها.

    1.   

    استخدام ضرب المثل في القرآن والسنة لتقريب المعنى

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الإخوة في الله! يقول الله جل شأنه في كتابه الكريم في سورة إبراهيم: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [إبراهيم:24-25].

    دعانا الله جل شأنه في هذه الآية الكريمة بأنواع من التشويق، وإثارة الانتباه إلى التفكر في هذا المثل العجيب، بل إلى التفكر في كيفيته من حيث البلاغة، والمطابقة للممثل والممثل به، فدعانا سبحانه وتعالى إلى التأمل فيه، وختم الآية بالدعوة إلى التذكر.

    مثل من أمثلة القرآن البليغة العظيمة، بدأه الله عز وجل بهذا السؤال: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا [إبراهيم:24] وهذا السؤال المقصود به التشويق إلى سماع هذا المثل، وإثارة الانتباه إلى التفكر فيه، ولفت الانتباه إلى أن كيفيته تحتاج أيضاً إلى تأمل، أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [إبراهيم:24-25].

    ختم الآية بإخباره سبحانه وتعالى بحكمته من وراء ضرب الأمثال، فإن من لطفه وبره ورحمته أنه سبحانه يقرب الأشياء المعقولة، والأمور المعنوية، في صور أشياء حسية؛ حتى يسهل على المتلقي الفهم، وحتى تنطبع في القلب، وحتى يسهل عليه معرفة مراد الله تعالى: وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [إبراهيم:25].

    هذا المثل في تذكره وفي معرفة كيفيته أبلغ النفع للإنسان المؤمن، إذا تذكر ما فيه، واعتبر بما فيه، وعمل بما يريده الله عز وجل من وراء ضرب هذا المثل، أفلح كل الفلاح في الدنيا والآخرة، مثل يبين فيه الله عز وجل حقيقة الإيمان في قلب هذا العبد المؤمن، وضرب له هذا المثل الرائع: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً [إبراهيم:24]، وهي كلمة التوحيد: كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا [إبراهيم:24-25].

    وقد فسر لنا النبي صلى الله عليه وسلم هذا المثل، وهذا من اعتنائه صلى الله عليه وسلم بما جاءت به الآية من التفكر في هذا المثل، والتأمل في كيفيته، فأشاع عليه الصلاة والسلام علم هذا المثل، وأثار انتباه أصحابه إليه، فقد جاءت الأحاديث الصحيحة في صحيحي البخاري و مسلم وغيرهما من دواوين السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم ألقى سؤالاً على أصحابه؛ وابتدأهم بالسؤال كما ابتدأتهم الآية بالسؤال ليعرف ما عندهم من العلم في هذا المثل، وبوب عليه البخاري رحمه الله في صحيحه في تراجم عديدة: باب معرفة العالم ما عند أصحابه من العلم، وباب: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ [إبراهيم:24].

    أثار النبي صلى الله عليه وسلم انتباه الصحابة إلى الاعتناء بفهم هذا المثل القرآني، فخرج عليهم مرة، وقد جيء له عليه الصلاة والسلام بجمان النخل ليأكله، فقال عليه الصلاة والسلام: ( إن من الشجر شجرة شبه الرجل المسلم لا يتحات ورقها -أي: لا يسقط ورقها- فأخبروني ما هي؟ ) فابتدأهم بالسؤال؛ ليثير الانتباه، وكان في المجلس عشرة من كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أصغرهم سناً راوي الحديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، ولما سأل النبي عليه الصلاة والسلام هذا السؤال سكت الصحابة، قال ابن عمر : فوقع في نفسي أنها النخلة، فقال عليه الصلاة والسلام: ( هي النخلة )، قال ابن عمر : وما منعني إلا مكان سني، يعني: ما منعني من الإجابة إلا أني رأيت أني أصغر القوم، وفيهم أبو بكر و عمر لم يتكلما فهبت أن أتكلم، كما جاءت بذلك الأحاديث.

    هكذا أوصل النبي صلى الله عليه وسلم هذا المثل إلى قلوب الأمة بهذا السؤال، (فأخبروني ما هي؟) السؤال فيه ما فيه من التشويق، إذا ألقي على المستمعين ليعرفوا قدر الكلام الذي سيقال، وأهمية المضمون الذي سيلقى إليهم.

    1.   

    أوجه الشبه بين الإيمان في قلب صاحبه والنخلة

    قال تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ [إبراهيم:24]، فسرها عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث بأنها النخلة، ولنا أن نتفكر بعد ذلك في أوجه الشبه، وأوجه المماثلة بين المشبه والمشبه به، بين المماثل والمماثل به، بين قلب العبد المؤمن وما يغرس فيه، وبين هذه الشجرة الطيبة، الشجرة العظيمة التي هي النخلة، أوجه الشبه بين ما يغرس في قلب المؤمن من الإيمان والتوحيد وبين هذه الشجرة، هذه الآية فيها تشريف عظيم لهذه الشجرة التي استقر شرفها، واستقرت مكانتها في نفوسنا جميعاً، فهي لا تزال كما كانت سيدة الشجر، وثمرها أطيب الثمر، يؤكل طعاماً، ويؤكل فاكهةً، ويدخر قوتاً، ويتداوى به، وهي أقل الأشجار مؤنة وكلفة، وهي أقلها تعباً ونصباً، ومع ذلك هي أكثر الأشجار نفعاً، وثمرتها قوت يحيا به الإنسان طوال عمره ولو لم يجد شيئاً آخر معه، فقد كان عليه الصلاة والسلام يمر عليه الهلال تلو الهلال لا توقد في بيته النار، وليس له طعام إلا الأسودان التمر والماء، هذه الشجرة سيدة الشجر جعلها الله عز وجل مثلاً لسيد الكلام، فسيد الكلام وأشرفه وأعظمه نفعاً وأثراً في حياة الإنسان قول: لا إله إلا الله، فأفضل ما تكلم به العبد، وما تقرب به إلى الله الشهادة لله تعالى بالوحدانية، وخير الكلام لا إله إلا الله، ومن ثم صلح أن يمثل له بسيد الشجر وهي النخلة.

    لكن يا ترى ما هي أوجه الشبه؟ ولماذا ضرب الله هذا المثل؟ وما الذي يراد إيصاله إلى الإنسان المؤمن؟ إنه الاعتناء بهذا الممثل، الاعتناء بالمشبه وهو الإيمان.. بالتوحيد، ليعتني به كما يعتني أصحاب النخلة بنخلتهم.

    الثبات والرسوخ

    ومن أوجه الشبه وهو أولها: أن الله عز وجل مثل الإيمان بالشجرة، كما قال المفسرون ومنهم الإمام البغوي : لا تكون النخلة نخلة إلا بعرق ثابت، وساق مرتفع، وفرع عالٍ، فتتكون النخلة من هذه الأجزاء الثلاثة، تحتاج إلى جذع متين، متصلب ثابت في الأرض، ضرب بعروقه فيها، لا تنتزعه الرياح، وتحتاج مع ذلك إلى ساق تقوم عليه، وتحتاج إلى فروع تتفرع عن ذلك الساق، فمن هذه الأجزاء الثلاثة تتكون شجرة النخلة، وكذلك الإيمان الذي جعله الله عز وجل ممثلاً بالنخلة يتكون من هذه الحقائق الثلاث، فهو عقائد راسخة ثابتة في القلب، يقين واعتقاد وتصديق بأصول الإيمان الستة، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، فهذه عقائد ويقين ثابت في القلب، يثمر هذا اليقين شيئاً يبرز إلى الخارج، وهي الأعمال الصالحة، فتظهر الأعمال على اللسان، وعلى باقي الجوارح والأركان، وتؤتي بعد ذلك ثمرة تلك الشجرة، الحياة الطيبة في الدنيا، والنعيم المقيم في الآخرة، فذلك ثمرة الإيمان، كما أن التمر والرطب ثمرة للنخلة، فكل حلوٍ يجنيه الإنسان المؤمن من وراء إيمانه، وكل نعيم في دار الآخرة يصل إليه المؤمن بإيمانه، فضرب الله كلمة طيبة بهذه الشجرة الطيبة، لتطابق الأجزاء بالأجزاء، فالإيمان اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان.

    التعاهد والرعاية

    وفي هذا المثل وجه آخر من المشابهة، ينبغي للإنسان المؤمن أن ينتبه له، فيتعاهد نخلته، ويتعاهد غرسه، كما يقول ابن القيم : شجرة الإسلام التي جعلها الله عز وجل مشبهاً بالشجرة الحسية تحتاج إلى تعاهد ورعاية كما تحتاج النخلة إلى تعاهد ورعاية، فكما أن النخلة لا تحيا إلا إذا سقيت بالماء، فكذلك الإيمان لا يحيا إلا إذا سقي بالوحي، فكما أن النخلة تحتاج إلى ماء لتحيا، فكذلك قلب المؤمن وما فيه من العقائد والإيمان يحتاج إلى سقي ليحيا، فإذا حبس الماء عن النخلة ذبلت، وإذا قطع عنها ماتت، وكذلك الإيمان، إذا حبس عنه الوحي ذبل وفتر، وإذا انقطع عنه الوحي بالكلية انقطع ومات، هذا مثل عظيم، يبين الله عز وجل فيه أهمية الأعمال التي يمارسها الإنسان المسلم خلال اليوم والليلة، وأهمية توزيعها على أجزاء زمنه، وانظر إلى بركة الله عز وجل ورحمته حيث جعل وظائف الإيمان وأعمال الإيمان مقسمة على اليوم والليلة، فالمسلم يصلي في أوقات، وشرع له أذكار في أوقات، وصدقات في أوقات، وحج وعمرة في أوقات، فقسم الأعمال على الزمن حتى يصل إلى القلب غذاؤه، فلا ينقطع عنه الغذاء فيموت، فالأرض الطيبة لا تنبت إلا إذا سقيت، وكذلك الإيمان لا يثمر إلا إذا سقي بهذه الوظائف الإيمانية، بهذا يعلم الإنسان المؤمن أهمية العبادات، وحاجته إليها، فهو أحوج ما يكون إليها، وأحوج ما يكون إلى تقسيمها على هذا النحو: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15].

    يتعاهدنا الله بالرعاية، ويتلطف إلينا بأسباب الحفظ، ومن أسباب حفظه أن جعل العبادات فرائض علينا، كلفنا وألزمنا بالقيام بها، وأوجبها علينا؛ وقسمها على هذا النحو من التقسيم لعلمه سبحانه وتعالى بحاجة القلب إليها، هذه الشجرة تحتاج إلى الماء، وكذلك الإيمان في القلب يحتاج إلى السقي بالوحي، وقد جعل الله عز وجل القرآن روحاً كما جعل الماء حياةً، فهذا من أوجه المشابهة.

    محل النبات والثمرة

    ومن أوجه المشابهة أيضاً: أن النخلة شجرة عظيمة رفيعة القدر، لا تنبت في كل أرض، ولو حاول بعض الناس عبثاً أن ينبتوها في أرض لا تصلح لها، فإنها إن نبتت لا تثمر، وإن أثمرت فإنها تأتي بثمار خلاف المعهود، لا تثمر الثمرة المرجوة النافعة، أو على الأقل: لا تثمر الثمرة الكاملة الطيبة؛ لأنها تحتاج إلى أرض تلائمها، وجو يناسبها، فجعل الله عز وجل ثمرتها الطيبة الكاملة في الملائم لها من الأرض والأجواء، وتلك حكمة الله، وكذلك الإيمان لا ينبت في جميع القلوب، ولا يثمر في جميع الأودية، إنما يثمر ويؤتي الثمرة على أتم وجوهها في القلوب التي اختارها الله عز وجل للهداية، وكم من قلب يمر عليه الهدى ويصله البلاغ وتقرعه نذر الله تعالى المسموعة والمرئية، ثم لا ينتفع بشيء من ذلك، لله عز وجل الحكمة البالغة، فهو يخلق ما يشاء ويختار.

    النخلة تثمر ثمرات متفاوتة المقادير، وهذا نعرفه تماماً في حياتنا، وقيمة ما تثمره يتفاوت في القيمة أيما تفاوت، وكذلك الإيمان يثمر أعمالاً متفاوتة في القيمة والقدر، بقدر همم أصحاب ذلك الإيمان، وبقدر طيب قلوبهم، وقد شبه الله عز وجل في أكثر من موضع القلوب بالأودية، وجاءت السنة بنفس المثال، فضربت القلوب مشبهاً بالأودية؛ لما في الأودية من التفاوت في طيب التربة وسعة الأرض، ومناسبتها للنبات، وكذلك قلوب العباد متفاوتة أيما تفاوت، يلفت الله عز وجل الانتباه إلى ضرورة الاعتناء بهذا المعنى، وأن يأخذ الإنسان المسلم بالأسباب التي تهيئ قلبه ليكون محلاً صالحاً لتنزل رحمات الله، ليكون محلاً مناسباً لتنزل فضل الله، أليس الله يعلم أين يضع الفضل؟ أليس الله بأعلم بالشاكرين؟ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ [الأنعام:124].

    يهيئ الإنسان نفسه بتنقية قلبه، وتطهيره من الأدناس والأرجاس حتى يكون محلاً لنظر الله، وحتى يكون مكاناً مناسباً وملائماً لتغرس فيه الهداية، ويتنزل فيه عطاء الله تعالى، وتتنزل رحماته فيثمر ما فيه من الإيمان أتم الثمرة وأكملها.

    الإحاطة ببعض الشوائب

    من الأوجه البليغة في المشابهة بين النخلة وبين الإيمان: أن النخلة قد ينبت بجوارها من الحشائش والزروع والأشواك ما يضر ولا ينفع، ويؤثر على ثمرة النخلة، فإنه ينازعها في سقيها، وينازعها في مواد تربتها، ويؤثر عليها أبلغ الأثر، فيحتاج صاحب الثمرة من أجل أن تؤتي نخلته ثمرتها على أتم الوجوه يحتاج إلى أن يتعاهد هذه الأرض بالتطهير، والإزالة لهذه الحشائش حتى تخلو الأرض للنخلة، فإذا خلت الأرض للنخلة وتجردت وتمحضت لها وانفردت بما يرد إليها من أسباب غذائها قويت وحسنت ثمرتها وتمت، وكذلك الإيمان في القلب ينبت بجواره ويلتف حوله الكثير من المؤذيات، والكثير من شهوات النفس، والكثير من مداخلات الشيطان، والعديد من أنواع الشبهات والشهوات، وهذا كله يضعف الإيمان ويخلقه، ويفتره عن أداء الثمرة المرجوة من ورائه، فحتى يؤتي الإيمان ثمرته فإن المؤمن بحاجة إلى أن يتعاهد أرض قلبه فيصفيها مما ينافس النخلة، ومما يؤذي النخلة، فيقطع عنها الأشواك، ويزيل عنها النباتات التي لا فائدة منها، ويجاهد ليقلع من قلبه شبهات الشيطان، يجاهد لينزع من قلبه شهوات المعصية، فإذا فرغ القلب وتخلص من هذه المؤذيات آتى الإيمان ثمرته على أتم الوجوه وأعظمها، فمتى ما ضعفت الثمرة أو قلت، ومتى ما خاب نوع هذه الثمرة، فإنما هو الفساد الذي جاء من قبل عدم تعاهد صاحب الشجرة لشجرته.

    نحن كلنا بحاجة إلى تعاهد هذه الشجرة، بأن نمدها بأسباب حياتها، ونقلع عنها ما يؤذيها ويزاحمها، وحينها فقط ستؤتي الثمرة أكلها على الوجه الأتم النافع، وإذا آتت الأكل جاءت الثمار، والثمار هي سعادة الدارين، الحلاوة التي يحيا بها الإنسان سعيداً ويموت حميداً، ويبعث يوم القيامة حميداً، إنها حلاوة الدنيا بالعيش الطيب، وحلاوة الآخرة بالنعيم المقيم، لا تؤتي الشجرة تلك الثمار إلا بذلك النوع من التعهد.

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه.

    المؤمن لا تسقط له دعوة

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أيها الإخوة! ومن فوائد هذا المثل وقد قال بعض العلماء، كما قال القرطبي رحمه الله في تفسيره عن زيادة وردت في بعض أحاديث هذا المثل، قال عن هذه الفائدة: إنها تستحق رحلة، فائدة لو بذل الإنسان تكاليف رحلة، ورحل من أقصى الأرض إلى أقصاها من أجل أن يحصل هذه الفائدة لكانت الفائدة أعظم قيمة مما بذل في تلك الرحلة، جاء في طرق هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام شبه النخلة بالمسلم، وذكر وجهاً للشبه، فقال كما سمعتم في أول الخطبة في صحيح مسلم : ( إن من الشجر شجرة شبه الرجل المسلم لا يتحات ورقها) أي: لا يسقط ورقها، وجاء في بعض الروايات: (لا تسقط لها أنملة)، يا ترى أين وجه الشبه بين هذا وبين المسلم؟

    ما هو الذي لا يتساقط من المسلم؟ ما هو الذي لا يذهب منه سدى ولا يضيع؟ فسره عليه الصلاة والسلام في بعض الزيادات كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في رواية الحارث من حديث ابن عمر أيضاً، أنه قال صلى الله عليه وسلم: (وكذلك المؤمن لا تسقط له دعوة)، فالشجرة لا تسقط أوراقها كما نعلم جميعاً من حال النخلة، والمسلم لا تسقط له دعوة، فإنه ما من دعوة يدعو بها لا إثم فيها ولا قطيعة رحم إلا أجابه الله تعالى بمسألته، وأعطاه بهذه المسألة إحدى خصال ثلاث: إما أن يعجل له ما طلب في الدنيا، وإما أن يدفع عنه من القدر المكروه بمثلها، وإما أن يدخرها له إلى يوم القيامة، فلا تسقط له دعوة حين يأخذ بأسباب الإجابة بالأخذ بالشروط، واجتناب الموانع، كما لا تسقط للنخلة ورقة، وهذا حث بليغ للمؤمن على ملازمة الدعاء في ليله ونهاره، فإن دعوته لا تخيب، فأكثروا من دعاء الله تعالى بالخير لكم وللمسلمين، فإنه ما من مؤمن يدعو للمؤمنين إلا أصابته بكل مؤمن حسنة كما جاء في الحديث: (من قال: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، أصابته بكل مؤمن حسنة وفضل الله عظيم يؤتيه من يشاء)، والمسلمون اليوم أحوج ما يكونون إلى دعاء إخوانهم، فإن دعوة المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب مستجابة، ووراءه ملك يؤمن، يقول: آمين، ولك بمثله، فأكثروا من دعاء الله، وتحينوا الأوقات الشريفة التي يعظم فيها رجاء الإجابة بالدعاء لإخوانكم بأن يفرج الله عز وجل عنهم ما هم فيه، في كل بقعة وأرض، لا سيما المستضعفين في سوريا.

    نسأل الله بأسمائه والحسنى، وصفاته العلى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، اللهم يا حي يا قيوم! برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها، دقها وجلها، وأولها وآخرها، وسرها وعلانيتها.

    اللهم يا حي يا قيوم! برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه، وافتح للموعظة قلبه وأذنيه، أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74] اللهم يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين نتوسل يا الله بأسمائك كلها ما علمنا منها وما لم نعلم.

    اللهم إنا نستنصرك للمستضعفين في سوريا فانصرهم يا رب العالمين، اللهم أعنهم ولا تعن عليهم، اللهم أعنهم ولا تعن عليهم، اللهم أعنهم ولا تعن عليهم، وانصرهم ولا تنصر عليهم، وامكر لهم ولا تمكر عليهم، وكن لهم ولا تكن عليهم، اللهم أمددهم بمددك، وأيدهم بجندك، يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! يا أرحم الراحمين، نسألك اللهم باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، وإذا استرحمت به رحمت، أن تعجل لهم بالفرج يا رب العالمين، اللهم عجل لهم بالفرج، اللهم عجل لهم بالفرج، اللهم عجل لهم بالفرج، واكشف عنهم الكرب يا أرحم الراحمين، اللهم لا تكلهم إلى أنفسهم ولا إلى أحد سواك يا رب العالمين، اللهم لا تكلهم إلى أنفسهم، ولا إلى أحد سواك يا رب العالمين، اللهم اغفر لهم ذنوبهم، اللهم اغفر لهم ذنوبهم، اللهم اغفر لهم ذنوبهم، وإسرافهم في أمرهم، وثبت أقدامهم وانصرهم على القوم الظالمين، اللهم لا تجعلهم فتنة للقوم الظالمين، اللهم لا تجعلهم فتنة للقوم الظالمين، اللهم لا تجعلهم فتنة للقوم الظالمين، ونجهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل الكفرة والمشركين، أعداءك أعداء الدين.

    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756538936