إسلام ويب

حكمة الوجودللشيخ : سفر الحوالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أهم الأسئلة التي ترد على الفطرة البشرية في القديم والحديث السؤال عن الحكمة من وجود الإنسان على هذه البسيطة، ومثل هذه الأسئلة لا يوجد لها جواب شافٍ إلا في شريعة الإسلام الخالدة. وما انتكس الغرب، وما زاغت الحضارة الحديثة إلا حين فشلت في الإجابة على مثل هذا السؤال، فنتج عن ذلك تنكّر أمم الغرب والشرق لدينها بحجة أنه يمنعها من اللحاق بركب الحضارة، فصارت تلك الأمم تعيش حياة أقرب إلى البهيمة، رغم ما تتشدق به من تمدن.

    1.   

    الحكمة من الوجود

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد:

    فإن موضوع حكمة الوجود مما لا يخفى على كل مسلم، ولولا أن الله تبارك وتعالى أمرنا بالتذكير، وبيَّن لنا ما في التذكير والذكرى من الخير والفائدة، لما تُحدث عن مثل هذا الموضوع، ولكن الإنسان قد يتعمق في العلم، ويتعمق في العمل -أياً كان العمل- وينسى الهدف والأساس والمنطلق لذلك العلم والعمل.

    ومن هنا يحتاج المرء دائماً إلى التذكير، وهذه الأمور بديهية لا تحتاج إلى تذكير، لكن هذا الأمر البدهي لو فكر فيه الإنسان وتأمل؛ لوجد أنه يغير حياته كلها بناءً على تفكير جديد في ذلك الأمر البدهي المعهود.

    أسئلة تراود الإنسان عن هذا الوجود

    ماذا وراء هذا الوجود؟ ولماذا خلقنا؟ ومن أين جئنا؟ وإلى أين نذهب؟

    كل هذه أسئلة تراود كل إنسان من حيث هو إنسان لا من حيث كونه متحضراً، أو متعلماً أو مؤمناً أو كافراً، فلا علاقة لهذه الصفات كلها، فكل إنسان بما أنه إنسان؛ فإنه تراوده هذه الأسئلة دائماً في أي زمن عاش فيه، سواء في الأزمان السحيقة الغابرة، أم في هذا القرن، أم في قرون قادمة، أم في أي بيئة أو زمان؛ فلا بد من أن يلح هذا السؤال على الإنسان، من أين جئت؟ وما هدفي في هذه الحياة؟ وإلى أين أذهب؟ وهذه فطرة أودعها الله تبارك وتعالى في قلوب جميع العباد.

    إلا الحيوان؛ فهو المخلوق الذي لا يفكر إلا في اللحظة التي هو فيها، مهما كان ذكياً فهو يفكر في اللحظة التي هو فيها فقط، كيف يأكل العشب في هذه اللحظة، ولذلك ليس للحيوان تأريخ، لا في الحيوان كفرد، ولا في القطيع كنوع؛ لأنه لا يفكر في تأريخه، ولا يفكر في ماضيه، وأيضاً لا يفكر في مستقبله وإلى أين سيذهب؟ وما هي نهايته؟ وما هي نهاية هذا الجنس أو هذا النوع؟ فهو لا يفكر في شيءٍ من ذلك؛ وإنما يفكر في اللحظة التي هو فيها -إن سمينا عمله تفكيراً- وينتهي الأمر عند هذه الحدود.

    ولكن الإنسان ميزه الله تبارك وتعالى عن الحيوان بميزات عظيمة جداً، قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70] وقال أيضاً: لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4] أي تكريم عظيم بخصائص عضوية خلقية وتكوينية، وخصائص عقلية روحية، وكل أنواع الخصائص التي ميز الله تبارك وتعالى بها الإنسان.

    فمن ذلك أنه يفكر هذا التفكير، ويسأل نفسه هذا السؤال؛ ولكن الاهتداء إلى الجواب الصحيح ليس من شأن كل إنسان، إنما هو فضل من الله تبارك وتعالى يؤتيه من يشاء.

    حكمة الوجود مركوزة في الفطرة

    أما القضية ذاتها فإنها مركوزة في الفطر، يقول الله تبارك وتعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى [الأعلى:1-3] ويقول على لسان نبيه موسى عليه السلام لما قال له الطاغية فرعون: قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:49-50].

    فالله تبارك وتعالى أعطى كل شيءٍ خلقه ثم هدى -خلق فسوى وقدر فهدى- فأصل الهداية قد تكفل الله تبارك وتعالى بها، وهذه نعمة كبرى وفضل من الله تبارك وتعالى؛ فلم يكلنا إلى أنفسنا، بل تكفل لنا بهذا الشيء العظيم الذي بدونه لا تكون الحياة حياةً إنسانيةً أصلاً.

    وهل معنى هذه الهداية أن كل إنسان يعرف الجواب الصحيح؟ لا. لكن معناها أن كل إنسان ميسر له أن يعرف الجواب الصحيح؛ فقد فطر الله تبارك وتعالى العباد جميعاً على الإيمان به وعلى معرفته، وعلى التوحيد كما قال جل شأنه: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم:30].

    فلا يمكن بأية حال من الأحوال أن يولد إنسان إلا وهو على هذه الفطرة، كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {ما من مولود إلا وهو يولد على الفطرة -وفي رواية: على الملة- فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه} وكل الروايات تدل على أن كل مولود يولد على الإسلام وعلى التوحيد؛ تحقيقاً للعهد الذي أخذه الله تبارك وتعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى [الأعراف:172].

    فكل إنسان ميسر له أن يهتدي إلى الجواب؛ وهو أن يعرف أن الله خلقه لعبادته، وأن معرفة الله هي أعز ما يسعى إليه كل مخلوق، وهي الغاية التي ليس بعدها غاية أبداً، لكن الذي حدث هو الابتلاء من الله تبارك وتعالى وهذا ما دل عليه القرآن كما قال الله تبارك وتعالى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:3].

    فهو تبارك وتعالى مع بيانه لحكمة الوجود، ومع أنه فطر الناس على الهداية والاهتداء إليه؛ لكنه جعل مكان الابتلاء ومحل الابتلاء إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:3] وهكذا يمكن أن يكون الإنسان: إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان:3].

    نظرة الجاهلية الأولىللوجود

    والجاهلية الأولى التي بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها -نعني بها جاهلية قريش والعرب- ماذا كانت نظرتهم للوجود؟ لقد كانوا يقولون: ما هي إلا أرحام تدفع، وأرض تبلع، وما يهلكنا إلا الدهر.

    وقال قائلهم :

    أموتٌ ثم بعثٌ ثم حشرٌ     حديث خرافة يا أم عمرو

    فكانوا لا يتصورون أن لهذا الوجود حكمة ولا غاية؛ إنما هي أرحام تدفع، أي : "تنتج المواليد"، ثم أرض تبلع في النهاية؛ ولذلك قالوا: أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَخِرَةً * قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ [النازعات:11-12] أي كيف -بعد أن نكون عظاماً نخرة- نعود إلى حياة جديدة؟!

    فالوجود عندهم ينتهي بهذه الحياة الدنيا فقط، والدهر -أي: مرور الأيام والليالي- هو الذي يهلك والذي يفني، ولا شيء وراء ذلك.

    فهكذا كانت غفلتهم، والعمى الذي ضربه الله تعالى على قلوبهم.

    ومع ذلك فالفطرة تلح عليهم إلحاحاً شديداً، وقد كان منهم الشعراء وهم أكثر إرهافاً وإحساساً؛ فالشعراء كانوا يتخيلون أنه لا يمكن أن يكون وراء هذا العالم إلا شيء آخر، وكذلك الخطباء وأمثالهم من أصحاب الإرهاف في الحس، يقولون: لا بد أن وراء هذا العالم عالماً آخر، ولا بد أن لهذا الوجود حكمة وغاية أكثر من مجرد أنها أرحام تدفع، وأرض تبلع، وهذا موجود في أشعارهم.

    ولما أرسل الله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا الدين العظيم؛ جاءت الهداية الكبرى من عند الله تبارك وتعالى، وقضت على ما شاء الله تعالى أن تقضي عليه من الضلال والحيرة والاضطراب الذي كان يسود الأرض أو معظمها من أجل:

    لماذا جئنا؟ ولماذا خلقنا؟

    لقد كان الناس إما أن يتدينوا على باطل، كحال اليهود والنصارى وأتباعهم، أو يتيهون ويحارون ولا يدرون بمَ يتدينون، وقصة سلمان الفارسي رضي الله عنه معروفة، فقد رفض النار التي كان يعبدها أبوه، ثم هاجر إلى العراق، فوجد راهباً هنالك وتعلم الدين عنده، وتعبد بدينه؛ ثم سلمه الراهب عند الموت إلى راهب آخر؛ ثم ذهب إلى الآخر؛ ثم إلى آخر؛ ثم بيع رقيقاً.

    ثم أتى إلى المدينة -كل ذلك وهو يبحث عن الحق- فكان يشعر أن لله ديناً، وأن هذا الدين حق، وهو غير ما يتدين به، وغير ما يسمع، وغير ما عند اليهود والنصارى والمجوس، حتى عرف الحق ووفقه الله تبارك وتعالى له، وأمثال سلمان رضي الله تعالى عنه قليل؛ فأكثر الناس يأكل ويشرب وينام ولا يفكر على الإطلاق، ولا يبالي بهذا السؤال وبالإجابة عليه.

    لقد كانت ظاهرة البحث عن الدين الحق ومعرفة سر الوجود؛ مقتصرة على أفراد قلائل؛ لأن الناس كانوا يعيشون -إلى حد ما- في طمأنينة بما يدينون به من معتقدات، وهذه نقطة مهمة في التاريخ؛ فـاليهود والنصارى، والمجوس، والبراهمة، وكل الأديان التي كان يعتنقها الناس كان لديهم اطمئنان إلى أنها هي الدين الصحيح؛ ولهذا لا يبحثون عن الحكمة من الوجود خارج هذا الدين.

    1.   

    التحول من كفر الخرافة والجهل إلى كفر الطبيعة والعلم

    ثم تحولت القضية، وأصبحت ظاهرة عامة، وبدأ ذلك في أوروبا خاصة؛ لأن أوروبا تعرضت لما لم يتعرض له غيرها من الأمم، فقد تعرضت أوروبا لتأثير الحضارة الإسلامية وتأثير الإسلام عامة، وهذا التعرض جعلها تكتشف أن ما هي عليه من الحياة؛ إنما هي حياة لا إنسانية؛ بل همجية ووحشية؛ فأخذوا بما يسمى (النهضة الأوروبية)، فشرعوا في النهضة.

    إلا أن العداء للإسلام منعهم من أن يعتنقوا الإسلام فينعموا بعدالة الإسلام وهدايته وطمأنينته؛ واستفادوا من المسلمين في (سلوك المنهج التجريدي العلمي) واستفادوا من المسلمين في (النظر والبحث العقلي) في حين كانت الهيئة الدينية المسماة بالكنيسة تفرض عليهم كل شيء فرضاً وقسراً وقهراً وإن لم يقبله العقل؛ وهل يقبل العقل شيئاً من خرافات النصارى؟! لا يقبلها.

    ولكن العقل الأوروبي أُرغم على أن يقبلها؛ فلما استفاد من الحضارة الإسلامية بصيصاً من الحق والنور؛ رفض حضارته ودينه -وإن كان لم يدخل في دين المسلمين- فتزعزعت ثقة الإنسان الأوروبي فيما كانت الكنيسة تمليه عليه من حكمة الوجود وسبب الوجود، فقد كان الأوروبي يؤمن بأن الغاية من الوجود هو التكفير عن الخطيئة.

    وذلك أن الله تعالى خلق آدم، فأكل من الشجرة، ووقع في الخطيئة؛ فرأى أن يفتدي العالم، فأرسل ابنه الوحيد -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- ثم صُلِبَ؛ ليكفر عن الخطيئة، ومن أراد طريق الخلاص من هذه الحياة الدنيا والنجاة فيها، فعليه أن يقتفي نهج المسيح، ويؤمن بأنه هو المخلِّص والمنقذ، فهذا ملخص ما كانت النصرانية تقوله وإلى الآن يدينون به، وكانوا يعتقدون أن الإنسان هو سيد المخلوقات، وهذا يعطي القناعة والرضا بالوجود مع عدم السؤال عن حكمة هذا الوجود.

    فالذي حصل في أوروبا أن الناس فقدوا الثقة في هذا كلِه، قليلاً قليلاً، فكان أول ما تزحزحت في أذهانهم حكمة الوجود وغايته.

    اكتشاف النظريات قديماً

    لما كتشف أحدهم -هو كوبرنيك- موعة الشمسية تدور حول الشمس، وأن مركز المجموعة هو الشمس وليس الأرض.

    كانت هذه القضية خطيرة جداً عند الغربيين؛ لأنهم من خلالها فكروا وقالوا: إذاً ما دامت الأرض ليست هي مركز الكون، فيمكن أن يكون الإنسان ليس هو سيد المخلوقات ولا سيد الكون؛ لأن الأرض تابع، والإنسان يسكنها فهو تابع، وقد يكون هناك مركز آخر ومخلوقات أخرى.

    ولكن رجال الكنيسة حاربوا هذه النظرية حرباً شديدة، على أساس أن المسيح ما نزل وصلب إلا على هذه الأرض؛ فالأرض هي مركز الكون، وكل الكائنات تدور حول الأرض، أو هي مركزها الأساس؛ فلما تبين لهم أن ما تقوله الكنيسة باطل، وأن الأرض هي التي تدور حول الشمس؛ فلم يعد للأرض وللإنسان تلك القيمة.

    إذاً: لماذا جاء الإنسان؟ فلا خطيئة ولا شيء، وبدءوا يفكرون،هل هذه الخطيئة حق أو باطل؟! وهل المسيح حقاً هو ابن الله؟

    فدءوا يفكرون ويفقدون ثقتهم في هذا الوجود.

    ثم بعد ذلك جاءت نظرية الجاذبية لمكتشفها نيوتن فقالوا: إن هذه النظرية فسرت الوجود تفسيراً آلياً -والتفسير المكنيكي كما يسمونه- فالوجود يتحرك مع بعضه البعض ويتفاعل بطريقة آلية حسب قوانين الجاذبية، وهي قوانين رياضية لا تخطئ، فازدادوا بُعداً عما كانت تقوله الكنيسة ورجال الدين والأناجيل، وأخذوا يتعلقون بهذه النظريات العلمية الجديدة.

    اكتشاف النظريات الجديدة

    بعد ذلك ظهرت في القرن التاسع عشر، نظريات أكثر زادت البُعد والشقة بين ما كان يؤمن به الإنسان من نظرته إلى هذا الوجود، وبين ما جاءت به هذه النظريات.

    ومن جملة هذه النظريات نظرية التطور العضوي -نظرية دارون- فقالوا: إن الأحياء كلها تتسلسل، تبدأ من الكائن ذو الخلية الواحدة إلى أن تصل في النهاية إلى الإنسان، تسلسلاً تدريجياً طبيعيا.

    أي: أنه وجد هكذا بدون إرادة وراءه ولا هدف أو غاية، فأصبح كل ما تقوله الكنيسة ورجال الدين لا قيمة له إزاء هذه النظرية العلمية كما يزعمون!

    إذاً لم يعد في حس الإنسان الأوروبي شيءٌ اسمه خطيئة أو صلب أو مسيح؛ إلا وهو من جملة الخرافات -وبالأخص عند المثقفين- إذاً فالإنسان تطور -كما يزعمون- وهذه هي النظرية الصحيحة.

    وما دام أن الأمر كذلك فليس هناك آدم ولا خطيئة، ولا يحتاج الأمر إلى تكفير أو أي شيء.

    فتغيرت نظرة الإنسان الأوروبي إلى الوجود تغيراً كلياً، فكفر بكل الأديان.

    والمصيبة أن الإنسان الأوروبي الذي آمن بهذه النظرية وأمثالها؛ هو الإنسان الذي يقود العالم في تلك الفترة، فقد كان الإنسان الأوروبي من الإنجليز والفرنسيين والألمان وغيرهم يستعمرون معظم الدنيا؛ فكأن هذا هو خلاصة رأي البشرية والإنسانية.

    ومن ثم نقلوه إلى معظم الدول التي احتلوها ومنها العالم الإسلامي، وأصبحوا ينادون في كل مكان بأن الإنسان ليس له غاية، وليس لوجوده حكمة، كما يقول زعيم الإلحاد في هذا العصر وهو ألدوس هكسلي صاحب النظرية الداروينية الجديدة، يقول: إن هذا التطور هو الذي جعل الإنسان سيد المخلوقات، فجاء الأمر صدفة واعتباطاً، ولو أنه حل محل الإنسان الضفدع أو الفأر، لأمكن أن يكون هو سيد المخلوقات؛ فالأمر عندهم سواء، فأفقدوا الوجود كل حكمة وكل معنى.

    1.   

    الغربيون بين التنكر لدين الفطرة والاعتراف به

    وهذا الكلام على مستوى النظريات، فما هو أثره على مستوى الحياة الفردية في الإنسان؟ لقد ترك الناس الكنائس والمواعظ، وتركوا قراءة الأناجيل، وقالوا: كل هذا خرافة، إذاً فكيف يعيشون؟ فلا يمكن للإنسان أن يعيش من دون هدف؛ فكانت فرحة الانبهار بالعلم، وما حقق من منجزات تغشى الأعين قليلاً قليلاً؛ إلا أنه وجِد شعراء وأدباء، ووجِد أناس يفكرون؛ لأن هذا سؤال فطري في كل نفس.

    فقالوا: هل من المعقول أن يكون الإنسان قد وجد هكذا وليس له هدف ولا غاية؟

    فكانت الحيرة الكبرى التي وقع فيها الإنسان الغربي عامة -الأوروبي منهم والأمريكي- هي أننا ليس لوجودنا معنى.

    إذاً: فما هو الحل؟ تعددت الإجابات.

    أولاً : التنكر

    فمنهم من قال: العلم لا دخل له في الفلسفة؛ فنحن في المعمل نبحث عن وجود الأشياء والظواهر العلمية، وكذلك علماء الاجتماع يبحثون عن الظواهر الاجتماعية، ولكن لا شأن للعلم بالفلسفة؛ فنحن لا نبحث لماذا جاء الكون؟ فهذا لا يهمنا. فهذا سؤال فلسفي وهم يعاندون الفطرة؛ لأنه كلما بحثوا في شيء من الكون؛ يأتيهم السؤال: لماذا جاء هذا؟ فيعاندون ويقاومون الفطرة بهذا الحل، وهو أنهم يجعلون هذا من مسئولية غيرهم، فالباحث في الأحياء أو الفلك أو الطبيعة؛ لا دخل له بغيره، وغيره هو الذي يجيب على هذا السؤال، أما هو فيجيب فقط عن خواص المادة، وكيف تتركب، وكيف تتكون، وهذا يكون في حدود علمه.

    فأصبح الإنسان يجد عالماً فيزيائياً، أو فلكياً -كبيراً- يتكلم عن دقة الكون وعن عجائب النبات، وعن عجائب خلق الله عز وجل؛ فإذا سألته وماذا وراء هذا؟ وكيف نشأ هذا؟ يقول : لا تحول الموضوع إلى فلسفة؛ فنحن نتكلم كلاماً علمياً فقط، وكأن العلم عدو للبحث عن الحقائق الأساسية.

    فحالهم هو كما قال بعض العلماء: كمثل الإنسان الذي كان في فناء بيت من البيوت، وهو يرى البيت من بعيد، يعجب به! ويقول: هذا البيت لا بد أن له صاحباً عمله وبناه وهندسه وصرَّفه ودبره، فلما أن دخل هذا البيت كلما فتح باباً قال: الآن أيقنت أن هذا البيت ليس لأحد، ولم يبنه أحد ولا هندسه أحد، فكيف وهو في الخارج يؤمن بأن هذا البيت لا بد أن له مهندساً وأن له مالكاً وله موجداً، ولما دخل ورأى النقوش والزخارف، والتخطيط العجيب الدقيق أنكر؟! فكلما ازداد في معرفة دقة البيت ونظامه وهندسته، يقول: الآن ازددت قناعة أنه ليس لهذا البيت مالك ولا مهندس؟! فهذا هو حالهم!

    فالإنسان عندما كان أُمياً ساذجاً لا يعرف من هذا الكون إلا المظاهر، يرى السحاب ويظن أنه ملتصق بالسماء، ويرى النجوم ويظن أنها عبارة عن لمبات صغيرة في الكون؛ كان يعتقد أن لهذا الكون إله، ولما تعمق في الكون ورأى المجرات والآفاق البعيدة قال: الآن أيقنت أنه ليس لهذا الكون إله كيف يكون هذا والفطرة والعقل الصحيح عكس ذلك؟! فالعقل الصحيح يقول: كلما تشاهد الدقة تزداد يقيناً بأن الذي صنع هذا أعظم مما كنت تتخيل بكثير جداً، وهكذا نسي أولئك هذا الشيء.

    ثانياً: الاعتراف

    النوع الآخر: اتجهوا إلى أن هذا الكون له حكمة، والوجود له غاية؛ لكنهم لما كانوا لا يؤمنون بالله الإيمان الصحيح، ولا يؤمنون بالإسلام الذي يملك الإجابة الصحيحة على كل شيء؛ أخذوا يتخبطون أو يأتون بإجابات مجملة، ومن ذلك:

    أن كثيراً من العلماء الذين أقروا على الإيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، على أساس أن لهذا الكون إله، ولكن ماذا يعمل الإنسان؟ لم يجدوا الجواب، فأخذوا يقولون: عليه أن يحقق السلام، وعليه أن يبحث عن الطمأنينة، وعليه أن يفعل كذا.

    فهم لا يجدون الإجابات؛ لأنهم لا يملكون ذلك؛ فتركوها وأعرضوا عنها.

    ومن هؤلاء العلماء الذين أدهشتهم دقة الكون وعجائب الكون أحد العلماء الأمريكيين الكبار، صاحب الكتاب الذي ترجم باسم: العلم يدعو إلى الإيمان وهو كريس مرسون، فهذا الرجل رد على هكسلي زعيم الإلحاد، فقد كتب هكسلي كتاباً اسمه: الإنسان يقوم وحده؛ فرد عليه هذا بكتاب الإنسان لا يقوم وحده، وترجم باسم العلم يدعو إلى الإيمان.

    فذكر فيه أموراً عديدة، وتفصيلات دقيقة لحكمة الأحياء؛ لكنه لم يذكر فيه شيئاً عن حكمة وجود الإنسان؛ لأن هذا لا يملكه الإنسان الغربي، وقد تكلم عن الهداية فيقول -مثلاً-: إن الطيور التي تعشعش في بيوتنا، في فصل ما من الفصول، تهاجر وتقطع آلاف الأميال فوق البحار في فصول أخرى، ثم تعود إلى نفس العش، هذا شيء يثير الانتباه ''.

    ومنها أن الثعابين المائية -على نوعين: ثعبان الماء الأوروبي، وثعبان الماء الأمريكي- التي تهاجر من المحيط الأطلسي -إذا تجمد- إلى اتجاه المناطق الاستوائية الدافئة إلى مثلث برمودا، تهاجر وتموت هنالك؛ ولكنها تبيض في المناطق الاستوائية؛ والذي يحصل أن الثعابين الصغيرة المولودة -بعد أن تكبر- تعود وتهاجر إلى المناطق التي كان فيها آباؤها في أوروبا أو في أمريكا؛ بحيث أنه إذا ذهب الثلج وجاء الفصل المعتدل؛ نجد أن كل بحيرة فيها الثعابين المائية.

    إذاً هناك نوع من الهداية، لأن الثعبان يعود إلى المكان الذي كان فيه أبوه، ولا يذهب إلى بحيرة أخرى.

    وأكثر من ذلك! المسافة التي يقطعها الثعبان الأوروبي فهي -بطبيعة الحال- من شواطئ غرب أوروبا إلى برمودا، أكبر وأطول من أمريكا؛ ووجدوا -أيضاً- أن عمر الثعبان الأوروبي أطول بأشهر من الثعبان الأمريكي؛ وكأن هذا حساب للمسافة الزمنية، فكل شيء له حسابه ونظامه الذي يختص به دون غيره.

    ثم نظر إلى النمل وقال: إنه وجد أن هذا النمل أنواع، فهناك نوع من النمل يطحن الطعام، أي: أن النمل يجمع الطعام فيأتي النمل الطحان فيطحن الطعام؛ فيطحن الحب ويجمعه، وإذا انتهى الطحن، وجاء موسم الأكل من المخزون؛ يقوم النمل الآخر فيقتل النمل الطحان، لأنه لو بقي لأكل مما طحن... فلا حكمة من وجوده. إذاً: يموت، وغيرها من الأشياء العجيبة!!

    وذكر -أيضاً- نوعاً من العناكب التي تعيش في الماء، فهذه العناكب تغوص وتبني عشها في أي شيءٍ ثابتٍ في قعر البحر، ثم تصعد إلى سطح الماء؛ لتحتفظ بفقاعة من الهواء، ثم تعود فتضعها في العش، وهكذا. حتى تأتي بفقاعات ينتفخ بها العش من الهواء، ويكون فيه البيض والمواليد التي تضعها هذه العنكبوت في جو في قاع البحر بعيدٍ عن العواصف وبعيد عن الأخطار؛ وفي نفس الوقت الأكسجين موجود؛ لأن العنكبوت قد أخذت الأكسجين من الهواء الطلق، وهذا الأكسجين يكفي لأن تعيش العناكب حتى تكتمل، فإذا اكتملت تخرج وتصبح مثل الأم؛ تسبح في الماء وتبدأ تصنع أعشاشاً جديدة.

    إذاً فكل شيءٍ له حكمة وكل مخلوق له نظام، كما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه:50] وكل شيء له نظام يمشي عليه.

    أما إذا انتهت الغاية من وجود هذا الشيء؛ فإنه ينتهي وجوده تلقائياً، وكأنه لا مبرر لبقائه.

    الانتحار نتيجة الضلال عن حكمة الوجود

    ومن الظواهر العجيبة التي أثارت اهتمام العلماء من هذا النوع؛ ظاهرة انتحار الحيتان، وقد تتعجبون لماذا تنتحر! فهي في أعماق المحيط فتخرج جماعات ضخمة من أعماق المحيط فتنتحر على الشواطئ، وترمي نفسها حتى تموت، ومعلوم أن أحرص شيءٍ عند الحيوانات المائية؛ أن تعيش في الماء، فإذا أخرجتها من الماء حاولت أن تتدحرج حتى ترجع إلى الماء؛ فكيف يقذف الحوت نفسه عامداً متعمداً على الشاطئ ليموت؟

    فأخذوا يفكرون!

    وكان مما قيل: إن الحيتان بدأت تشعر أن وجودها لا معنى له، ولا حكمة من وجودها، ولذلك رمت نفسها، لتموت.

    وكذلك فقد وجد آلاف من البشر ينتحرون، فلماذا ينتحرون؟! ففي السويد وبعض دول اسكندنافيا -وهي أكثر الدول رقياً وتقدماً كما يقولون- وضعوا مستشفيات خاصة للانتحار؛ فالذي يريد أن ينتحر عليه أن يسجل اسمه ويذكر أسباب الانتحار.

    فقد يكون السبب أن العشيقة طردته، أو لأنه لم يرق في العمل -أو أي سبب كان- فيكتب هذه المعلومات، ويدخلونه في غرفة خاصة، ويقتلونه بطريقة معينة. ويقولون: هذا القتل أفضل من أن يذهب إلى الشواطئ، فيعكر الصفو على المصطادين والسواح، أو أن ينتحر من مبنىً شاهق فيعكر على النزلاء.

    وهكذا فالآلاف من البشر الأوروبيين -عموماً- يشعرون بأن حياتهم ليس لها معنى، وأن وجودهم لا حكمة من ورائه، وأنهم حيارى ضائعون لا يدرون لماذا جاءوا وإلى أين يذهبون؟ كما عبر الشاعر النصراني، شاعر المهجر إيليا أبو ماضي:

    جئت لا أعرف مـن أين ولكـني أتيت

    ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت

    كيف جئت؟! كيف أبصرت طريقي؟! لست أدري

    ولماذا لست أدري لست أدري!

    فهو لا يدري ولا يدري لماذا لا يدري؟

    فهو يعبر عن الحياة التي عاشها بنو دينه النصارى، والتي يعيشونها إلى اليوم في أكثر أنحاء العالم؛ فلم يجدوا حكمة لهذا الوجود، فماذا كانت النتيجة؟ إن الانتحار هو ما اختاره كثير منهم! فقد كونوا جماعات كبيرة، منها الجماعة التي انتحرت قبل عشر سنوات بشكل جماعي -وكان عددهم أكثر من ثمانمائة شخص- في الأمازون، وهم من أمريكا ولما وقعت هذه الحادثة أوصى الكونجرس بدراسة هذه الظاهرة في الولايات المتحدة.

    فكانت نتيجة الدراسة: أنه يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية (ألفان وخمسمائة نحلة ودين وجماعة) من هذا الشكل ممن يبلغ أتباعها المليون أو أقل من ذلك، وكلهم بهذا الشكل لا يدرون لماذا جاءوا؟ وإلى أين يذهبون؟ ولا يعرفون قيمة ولا طعم الحياة.

    وقد تكونت من هذه الجماعات عصابات تذهب إلى البلاد التي تشعر بالطمأنينة في نظرهم، ويسألون عن أي البلاد أكثر انحطاطاً وتأخراً في الحياة لماذا؟ لأنهم تصوروا أن التكنولوجيا والتقدم (الطائرات، والصواريخ، والرفاهية) هي السبب في ضياعهم، أي أن الحضارة هي السبب، فقالوا: نبحث عن أحط بقاع العالم في الحضارة ثم نعيش فيها.

    ولذلك يذهبون إلى نيبال -وهي دولة داخلية في شمال الهند تعيش حياة شبه بدائية- فالأمريكان في نيبال كثيرون وشبه عراة، لكنهم يقولون: المهم أننا فارقنا نيويورك وشيكاغو، فارقنا تلك المجتمعات المتحضرة حضارة متعقدة لكي نعيش في جو الطمأنينة، وفي جو إنساني حتى نموت.

    فهم لا يبحثون عن شيء إلا راحةً قليلةً قبل أن يأتيهم الموت، ويحقنون أنفسهم بالمخدرات! إنها حيرة متناهية! فهم لا يدرون لماذا جاءوا؟ ولماذا خلقوا؟ وإلى أين يذهبون؟

    فلا يدرون ولا يخطر على بالهم أن في إمكانهم أن يعرفوا ذلك أو يعلموه؛ لأن المجتمعات التي لفظتهم هي مجتمعات التقدم والعلم والتكنولوجيا، فما قيمة هذا العلم وهذه الحضارة المادية بغير إيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟! لم يجدوا لذلك أي قيمة، وهذا الداء قد وصل إلى بلاد المسلمين، ولو تحدثنا عنه في بلاد الغرب لطال الحديث جداً، فأنتم تقرءون في المجلات الغربية عن عدد المنتحرين، بسبب الحياة العابثة التي يعيشها الغرب.

    1.   

    من وسائل نقل أمراض الغرب إلينا

    كيف وصلت هذه العدوى إلى البلاد التي أُرسل إليها محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وإلى أمةٍ تتلوا القرآن وتقرأ السنة؟ ثم لا تدري لماذا جاءت، وإلى أين تذهب.

    سبب انتقال هذه الأمراض

    كثيرٌ من الشباب وصل به الأمر إلى هذا الحال؛ بل إنهم يتابعون ويلهثون وراء أولئك الضائعين الذين لا يدرون لماذا جاءوا وإلى أين يذهبون، وأكثر من ذلك أنهم ربما يعظمونهم ويجلونهم ويقدرونهم ويقتدون بهم في مناهج الحياة.

    فهؤلاء الصم البكم الذين لا يعقلون، والذين لا يسأل الواحد منهم نفسه لماذا جئت إلى هذه الحياة، وإلى أين نذهب بعد الموت.. هؤلاء يتبعهم بعض شباب المسلمين ويقولون لهم: تعالوا نظموا لنا حياتنا! ونريد أن تكون حياتنا العلمية والاجتماعية، بل كل أمورنا على ما تسيرون عليه... وهل يمكن للحيران الأعمى أو التائه الضائع الذي لا يجد حلاً لنفسه أن يعطي لغيره الحل؟!

    وسبب هذه المصيبة أن الإنسان الغربي لما نظر وتصور أن دينه هو أفضل الأديان، وأنه قد ترك دينه فقال: إذاً أنا فعلاً لديَّ هداية؛ وأصحاب الأديان الأخرى التي هي أقل من ديني يجب أن يأخذوا مني؛ لأن عندي تجربة إنسانية في بعض مناحي الحياة، وديني قد تركته؛ فمن الطبيعي أن أصحاب الديانات الأخرى يتبعوني ويأخذون ما عندي؛ لأنهم يتصورون أنه إذا كانت النصرانية ملأى بالخرافات؛ ففي الإسلام أضعاف أضعاف ذلك من الخرافات عياذاً بالله تعالى.

    فهكذا هي نظرتهم، ونحن نصدق نظرتهم حين نتبعهم، ونقتفي آثارهم، ثم نسير عليها ونكِّيف أنفسنا وفقها، هذا هو الواقع شئنا أم أبينا؛ كأننا الآن نقول للعالم الغربي: لم نتخذك قدوة إلا لأنك تملك من الحق ما لا نملك، ولأنك تركت خرافات النصرانية ونحن -أيضاً- نترك خرافات الإسلام عياذاً بالله.

    فهذا واقع الحال، وإن كان بعض المقلدين لهم يقولون: لا. نحن لا نأخذ منهم الدين! إذاً فما الذي تأخذ منهم؟ ألست تأخذ منهم منهج حياتك كلها؟! وهذا هو الدين وهم لا يملكون غير ذلك، أما دينهم فقد تركوه؛ إلا ما بقي من تعصب له ضد الإسلام.

    فإذا قورن دينهم بالإسلام، فكلهم يتعصبون لدينهم ويقولون: ديننا صحيح والإسلام باطل، وأما إذا قلت لهم: ما رأي العلم في دينكم؟ قالوا: ديننا باطل، من الجهة العلمية والعقلية؛ لكن من جهة مقارنته بالإسلام؛ فهو الحق وهو الصحيح؛ لأنه لا يُجوِّز تعدد الزوجات، ولأنه لا يحرم المرأة من الفواحش وغير ذلك؛ ويقولون: إن الإسلام هو الذي يقف حجر عثرة أمام الحضارة والرقي وأمام التقدم.

    ومن هنا نعلم لماذا حذَّرنا الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من انتهاج طريق الذين كفروا، ومن اتخاذهم أولياء عندما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ [الممتحنة:1].

    فحذرنا الله من هؤلاء، ولو أنهم أرادوا أن يعطونا الهداية والحق؛ فإنهم لا يملكونه، كيف وهم يحملون علينا الحقد ولا يريدون إلا الكيد والمكر وسوء العاقبة، ولا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة؟!

    فلو أقسموا الأيمان المغلظة على أنهم يريدون مصلحة الأمة الإسلامية؛ لكانوا كاذبين، ولو فرض أن بعضهم أراد الخير؛ فإنه لا يملكه، فهو مثل إنسان جاهل زعم أنه طبيب، ولو أخلص وأراد أن يعالج أحداً لقتله؛ لا لأنه يريد أن يقتله؛ لكن لأنه ليس بطبيب.

    فهؤلاء الغربيون ليسوا بأطباء؛ بل هم قتلة متعمدون لهذا الدين، فلا يريدون أن تعود هذه الأمة إلى مجدها لحظة واحدة، وأنا أضع أسباباً حتى يُعلمَ أن الحائر الضائع الذي لا يدري لماذا جاء وإلى أين يذهب لا يمكن أن يهدي أحداً غيره.

    مشاهدات واضحة

    إن الدراسات التي يقوم بها العلماء الأوروبيون عن أي دين من الأديان كثيرة:

    فهم يذهبون إلى علماء الهند -علماء البرهمية- يزورونهم ويجالسونهم ويسألونهم عن الدين، وكيف ينظرون إلى الأمور؛ فيكتبون عنهم المصادر الموثقة، ويكتبون عن بوذا وغيره بأنهم رجال مصلحون عظماء فقد فعلوا وفعلوا.

    لكن إذا أرادوا أن يكتبوا عن دين الإسلام: هل رأيتم مستشرقاً جاء إلى علماء المسلمين وأخذ يسألهم عن الإسلام؟ وهل يأخذ الحق من مصادره الصحيحة؟ وهل يستدل بتفسيرٍ صحيحٍ للقرآن ويستشهد به؟ لا. بل تجده يخبط خبطاً عجيباً جداً ويفتري أشياء لا وجود لها في القرآن، أو في السنة، أو حتى عند المسلمين.

    فمثلاً أصحاب دائرة المعارف الإسلامية، وهؤلاء هم أرقى طبقة من المستشرقين؛ فالغربُ كله يقدرهم ويجل أعمالهم العلمية، ولكن مع ذلك فلهم افتراءات عجيبة، وسأضرب أمثلة بسيطة جداً على ذلك:

    فمثلاً يقولون في قصة إبليس: في القرآن أن إبليس يبيض ثلاث بيضات، ومن كل بيضة يطلع نوع من أنواع الشياطين. ففي أي سورة وفي أي آية نجد هذا؟! ومع ذلك فهم علميون محترمون لا يتكلمون إلا من منطلق العلم والبحث العلمي -كما يزعمون- فلماذا إذا تكلموا عن الإسلام فإنهم يختلقون ما شاءوا من الأكاذيب، وإذا تكلموا عن غيره فبالاتزان والهدوء والمراجعة؟ لماذا لا يذكرون صحيح البخاري ولا يستشهدون به؟ وإنما يستشهدون بكتب ككتاب الأغاني، وألف ليلة وليلة أو بالكتب السخيفة التافهة التي لا قيمة لها علمياً؟! إنما ذلك لأن الحقد في قلوبهم. فهذا من الناحية العلمية.

    ومن الناحية الواقعية؛ فإنه إذا حدث حدثٌ في الهند أو الصين أو في أي بلد من بلدان العالم فإننا نلاحظ كيف تتعامل معه النفسية الغربية؟!

    إنهم ينظرون إليه نظرة مجردة، فيأخذون الأخبار من مصادرها، ويجرون المقابلات مع زعماء الطوائف الانفصالية أو الثوار أو غير ذلك، حتى لا يقولون عنهم إلا القول الذي أخذوه عنهم، أو يقولون: تنسب الحكومة إليهم كذا، حتى لا يكونوا مفترين.

    فإذا كان الأمر في بلاد المسلمين لفقوا التهم كما يشاءون عن المسلمين، ولا يسألون أبداً، ولا يستفسرون مِن صاحب الشأن من المسلمين: ما رأيك في كذا؟ ولماذا قلت كذا؟

    ولهذا فإن كثيراً من القضايا الإسلامية لا نعرف حقيقتها إلا إذا جاءت مجلة أو صحيفة إسلامية، وقد تكون متأخرة جداً، فتعرف أن حقيقة الموضوع كذا وكذا؛ بينما سمعنا في الإذاعات والصحف الغربية أن الأمر يختلف تماماً! والأمثلة في هذا كثيرة.

    المهم أن هؤلاء الذين لا يدرون لماذا جاءوا؟ ولماذا خلقوا؟ ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر؛ لا يمكن أن يريدوا لنا الخير؛ وبذلك لا يمكن أن يعيشوا في أنفسهم عيشة إنسانية.

    وكما قلنا: إن الحيوان هو الذي يعيش عمره لحظة بلحظة، ولا يفكر فيما مضى ولا فيما هو آتٍ، وإن أكثر هؤلاء الناس لو سألناهم؛ لوجدنا أنهم يعيشون كالحيوان، يفكر في ذلك اليوم وكيف يسهر، وكيف يلعب، وكيف يترفه (في حدود ذلك اليوم) ولا يدري لماذا أتى؟ وإلى أين أذهب؟

    فيجب أن نعلم أنها تربية عامة وليست تربية غربية.

    ولذلك فإن البيان الشيوعي الذي قامت عليه الشيوعية والعالم الشرقي ينص على أن مطالب الإنسان الرئيسية هي الغذاء والمسكن والجنس -أي: المطالب الحيوانية فقط- وكذلك العالم الغربي، ففي أي مجال ننظر وندرس سواء كان ذلك في مجال العلاقات العامة، أو مجال الدراسات الاجتماعية، أو مجال البحوث الاقتصادية، فإننا نراهم يقولون: الغاية التي تسعى إليها المجتمعات والدول والأفراد هي الرفاهية الاقتصادية، والسعي إلى تحقيق أكبر ربح مادي وأكبر نسبة من التنمية ومن التقدم والاقتصاد، فهذه غاية الشرق والغرب، إنها مطالبٌ حيوانية، ونظرة حيوانيةوليس للإيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيها أي أثر.

    1.   

    الأسئلة

    الحضارة التي تسعد الإنسان

    السؤال: لقد اهتممت بموضوع الحضارة وأثرها في المجتمع، فهل سوف ترجع الدنيا كما كانت؟ وما هي الحضارة التي تسعد الإنسان وترقى به إلى كمال الإنسانية؟

    الجواب: قوله: هل سترجع الدنيا كما كانت، بمعنى أن الإنسان سوف يفقد الحضارة الموجودة اليوم.

    أقول: إن الحياة الإنسانية مد وجزر؛ حتى إن بعض الباحثين من الأوروبيين يرون أنه لا يستبعد أن تكون قد وجدت حضارات من قبلنا أرقى منا مادياً ثم تدمرت لأي سبب من الأسباب، إما انفجارات نووية أو غيرها.

    وأما الجانب الشكلي من الحياة: -جانب الرقي المادي التكنولوجي أو عدمه- فإنه يرتفع وينخفض على مستوى الإنسانية جميعاً، وعلى مستوى الشعوب أيضاً، فيمكن أن يكون شعب من الشعوب هو قائد العالم في الحضارة المادية، وقد يسلم القيادة إلى شعب آخر وهكذا.

    ولهذا فـالولايات المتحدة -مثلاً- كانت تخشى من اليابان؛ والآن اليابان وأمريكا تخشيان من كوريا وهذه لا علاقة لها بالدين ولا بالهداية، فمن الممكن لأي شعب أن يُمكَّن له مادياً... ولكن هل يدوم؟ إن هذا لا يدوم.

    إلا إذا كان على الإيمان والتقوى.

    فإذا كانت الحضارات التي تقوم على الإيمان والتقوى واتباع أمر الله تسقط إذا انحرفت وارتكبت المعاصي والترف والفجور؛ فما بالك بالحضارات التي قامت من أصلها على المادية والإلحاد، فإنها تذهب وتعود إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.

    وقد تقوم الساعة والناس في قمة من الحضارة المادية، وقد تقوم وهم دون ذلك بكثير، وقد تقوم وهم أنواع أو أخلاط، وإن كانت الأحاديث الصحيحة الواردة -مثلاً- في قتال المسلمين للروم في آخر الزمان حين يقرب خروج الدجال، ومن ثم انتهاء هذا العالم، يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إني لأعرف أسماء خيولهم -لأنهم سوف يقاتلون على الخيول- ويربطون خيولهم على الزيتون} وهذا يدل على أن وسائل القتال سوف تكون بالوسائل المادية المعروفة سابقاً، وليست الوسائل الحديثة، والله تعالى أعلم، فهذا من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله.

    فالمهم هو أن الحضارة التي تُسعد الإنسان وترقى به إلى كمال الإنسانية، هي الحضارة التي تقوم على الإسلام، قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19] وأما على أي دين آخر فلا يمكن أن توجد أبداً؛ لكنها تقوم على الإسلام، على كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى عقيدة أهل السنة والجماعة وليس أي إسلام، بل على الاعتقاد الصحيح.

    فهذه هي التي يسعد الإنسان فيها في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً * وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:122-124] فالإسلام هو سبب النجاح والسعادة في الدنيا والآخرة، والإعراض عنه سبب الهلاك في الدنيا والآخرة أيضاً.

    الإقرار النظري بحكمة الوجود لا يكفي

    السؤال: الإنسان مخلوق للعبادة، وهي عبادة الخالق عز وجل، ما حكم من يقر بهذا الأمر ويفعل خلافه؟

    الجواب: إذا كان كل مسلم لو سألته لماذا خلقت؟ وما الحكمة من وجودك؟ يقول: خلقت لعبادة الله، لكن هل يكفي هذا؟! وانظر إلى واقع كثير من المسلمين.

    فإذا كان هذا نظرياً فهو يعيش حياة الذين لا يؤمنون؛ ولذلك لا يكفي الإقرار النظري، وإنما يجب أن يتحول إيماننا بهذا الإقرار إلى عقيدة صادقة، تغير حياتنا وتحرك أعمالنا، وفق ما أمر الله تبارك وتعالى به من الإيمان الصحيح، والالتزام بدين الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما شرع.

    هذا هو الإيمان الصحيح، وهذا الذي تحتاجه الأمة الإسلامية اليوم؛ أما مجرد الإقرار أن للوجود حكمة، ولي حكمة وهي العبادة، دون أي عمل؛ فإن هذا يحول الإيمان إلى مسألة ذهنية فلسفية، يمكن حتى للإنسان الأوروبي أن يؤمن بها، ولكن لا أثر لها في حياته.

    الدين والحضارة

    السؤال: كيف نرد على من يقول: إن الدين عقبة في التقدم الحضاري والتكنولوجي بالذات، لأن هذا هو الذي نراه من كثير من المسلمين قديماً وحديثاً؟

    الجواب: هذا السؤال الإجابة عليه تحتاج إلى أن نستفصل ما هو الدين؟

    فإذا قال الإنسان الأوروبي: الدين عقبة في سبيل الحضارة، وإذا قال كذلك الإنسان الهندي: الدين عقبة في سبيل الحضارة، وإذا قال الإنسان البوذي في الصين أو غيره: الدين عقبة في سبيل الحضارة؛ فنقول: نعم. دينكم عقبة؛ لأنه دين أنتم وضعتموه، قال تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31] وليس هو الدين الذي أنزله الله تبارك وتعالى.

    أما الإسلام فلماذا أنزله الله؟

    قال سبحانه: طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [طه:1-2] أي ما أُنزل هذا الدين ليشقى أبداً، بل: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى [طه:123].

    إذاً: هذا الدين أنزله الله تبارك وتعالى لسعادتنا، فإذا كان من سعادتنا أننا نتقدم بالتكنولوجيا، فبدلاً من أن نركب الجمال؛ نركب الطائرات فهل يُحرِّم الدين ذلك؟

    إن دين الله تعالى الغني غنىً مطلق عنا، الكريم كرماً لا حدود له على الإطلاق، الذي خلق لنا ما في الأرض وأمرنا أن نمشي في مناكبها كما قال: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك:15] وأحل لنا الطيبات جميعاً، وأمرنا بالتفكر في الكون، وأمرنا أن نتخذ كل وسيلة فيها خيرٌ لنا كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {احرص على ما ينفعك} وندعو ربنا تبارك وتعالى كما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أكثر ما يدعو ربه يقول: اللهم آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }.

    فالدين يحثنا على العمل الدنيوي، وعلى حسنة الدنيا وخير الدنيا؛ ويريدنا أن نكون قادة للعالم نتحكم فيه بالحق والعدل والهدى الرباني؛ فكيف يكون عقبة في طريق الحضارة والتقدم؟ هذا إذا كانت حضارة حقيقية.

    وأما إن كانت الحضارة شيئاً آخر أو كانت حضارة التعري؛ فالإسلام عقبة كبرى في سبيل التعري، وإن كانت الحضارة إدمان المخدرات والتكبر على عباد الله بهذه القوة التكنولوجية؛ فالإسلام يقف ضدها؛ لأنها تؤدي إلى شقاء الإنسان ولا تؤدي إلى سعادته.

    أما الله تبارك وتعالى الغني الحميد، فإنه قد شرع لنا ما هو خير لنا في دنيانا وأخرانا، وهو أكرم وأجل وأفضل من أن يشرع لنا ما يضرنا وما يضيق به علينا، وليس للمسلم فقط؛ بل وللكفار الذين يرضون بالطاعة، ويدخلون في طاعة المسلمين، ويدفعون الجزية، يمتعهم الإسلام المتاع الحسن ويقبل منهم الجزية، ويعيشون مطمئنين، ويتعبدون كما يريدون.

    فإذا كان ديننا يحقق الحياة الكريمة، لمن لا يؤمن به؛ لأنه خضع ظاهراً للدين؛ فكيف بالمسلم الذي يطبق هذا الدين؟

    فهذا يجب أن يكون قائداً للإنسانية، ويجب أن يكون موجهاً للأمم جميعاً، وهذا لا يكون إلا بالتمسك بهدى الله وشرعه.

    الهندوسية والبوذية وغيرها ديانات باطلة

    السؤال: هناك عدة ديانات مثل: الهندوسية والبوذية، يقال: إن هذه الديانات كان أصلها ديانات سماوية ولكنها حرفت وبادت، مع العلم أنها تتفق مع ديننا في الإيمان بعالم الأرواح، فنرجو منكم التوضيح.

    الجواب: يقول الله تبارك وتعالى: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر:24] فلا يوجد أمة من الأمم إلا وقد بعث الله تبارك وتعالى إليها: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165].

    ولكن بعض هذه الأمم حرفت وغيرت وبدلت... والموجود الآن من الأديان في الأرض لا ندري هل هو تحريف لذلك الدين، الذي هو التوحيد والشرائع التي أنزلها الله تبارك وتعالى أم أنها تحريفات متوالية، أي أن القرون توالت والتحريف موجود لكن هناك تحريفات توالت، وهناك بدع أحدثت، وأديان أحدثها البشر ونسبوها إلى الأديان الأولى التي حرفت.

    فتراكمت الانحرافات والضلالات حتى وصلت إلى الحالة التي هي موجودة عليها اليوم؛ فلذلك لا ندري! هل بوذا نفسه كان نبياً، ونسب إليه هذا، أم أنه كان من أتباع بعض الأنبياء، وكان محرفاً للدين وابتدع البوذية؟

    فهذا الله تعالى أعلم به، وهذا تاريخ سحيق ولا نملك فيه إلا أن نقول: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [البقرة:134] وأن نعتقد أن الدين الحق عند الله هو الإسلام، وما عداه فهي أديان باطلة لا يقبلها الله تبارك وتعالى ولا يدخل من دان بها الجنة أبداً، بل هم من أصحاب النار.

    الرد على نظرية دارون

    السؤال: كيف يمكن الرد على نظرية دارون؟

    الجواب: الرد على هذه النظرية وعلى غيرها له جانبان:

    الجانب الأول: نحن المسلمين إيماناً منا بديننا وبصحة ما نحن عليه من الكتاب والسنة -والحمد لله- الأصل أننا لا نتأثر بها على الإطلاق؛ لأنها لا تجد في بلاد المسلمين موضع قدم، ولأننا نعلم جميعاً أن الله تبارك وتعالى خلق آدم عليه السلام، ومن ثم تناسلت السلالة الإنسانية أو الجنس البشري من ذرية آدم وحواء -وهذا لا شك فيه عند أي مسلم عالم أو جاهل- أما ما يتعلق بالأحياء الأخرى، فهذا لا يهمنا كثيراً.

    فإذا أثبتوا أن الله تعالى هو الذي خلقها لكنه جعل بعضها ينتج من بعض، فلا مانع.

    وأما إذا قالوا: هذه نتجت من ذاتها عن طريق التولد الذاتي أو عن طريق الخرافات التي يقولونها؛ فهنا نرد عليهم.

    فالجانب الأول هو الرد الديني بالكتاب والسنة، وهذا معروف لدى كل مسلم، ومن شك في ذلك فهو كافر؛ لأنه يكذب صريح القرآن.

    الجانب الثاني: وأما من الناحية العلمية المجردة فقد رد عليها كبار علماء الغرب، ومن الردود العلمية عليها: أن نظرية التطور تقوم أساساً على أن الأنواع تتطور عضوياً بحيث تنتج أنواعاً جديدة، وكل نوع ينتج نوعاً آخر... فعن طريق الوراثة المتسلسلة المتتابعة تنتج أنواعاً جديدة، وهذا ملخص النظرية الذي يرد بها العلماء المعاصرون على هذه النظرية.

    يقولون: إن دارون لما كتب هذه النظرية؛ لم يكن يعلم هو ولا علماء عصره شيئاً عن ناقلات الوراثة -الجينات- فهذه لم تكتشف إلا بعد دارون بزمان، وهذه الخلايا كل خلية تحمل كل خصائص الجنس، أي: أن الخلية الإنسانية كأنها مصغر للإنسان ككل، ولهذا يقولون -مثلاً-: التوائم تتشابه لأنها لخليتين حيتين متقاربتين انتجت التوائم، لكن لا يوجد شخصان متشابهان في كل شيء أبداً، فلا بد من فروق عضوية.

    فناقلات الوراثة هي علم جديد اكتشف، وفيه من العجائب ما يبهر الألباب.

    ولم يكن دارون ومن معه يعرفون هذا العلم؛ وإنما نظروا نظرة ظاهرية فقط، وهي أن هناك تشابه بين بعض الحيوانات وبين بعض.

    فقالوا: يمكن أن هذا أصله من هذا، فحكموا من الشكل الخارجي فقط، ولكننا عندما ننظر إلى الحقائق الدقيقة العلمية، والخلايا وما يتعلق بها، فإننا نجد الفروق المختلفة المتباينة جداً، بحيث لا يمكن ولا يصح بأي حال من الأحوال أن يقال إن هذا الجنس هو أصل لذلك الجنس أبداً. وهذا رد من ردود كثيرة جداً يقولها علماء الأحياء الكفرة الغربيون على نظرية دارون.

    التمسك بالدين سلاح المواجهة في وجه الأعداء

    السؤال: كيف يمكن مواجهة الإعلام الغربي وحملاته على الإسلام هنا وفي بلاد الغرب؟

    الجواب: هذا السؤال يجرنا إلى قضية كبيرة جداً أكبر من هذا السؤال وأكبر من هذا الموضوع، وهي: أننا دائماً نسأل كيف نقاوم الشيوعية، ونقاوم الإلحاد، وكيف نقاوم النظريات الوافدة، ونقاوم التشويه الذي يقوم به الإعلام الغربي، كيف وكيف وكيف...إلخ.

    وأنا أقول: إنه لا يمكن أبداً أن نقطع ألسنة الناس عنا أبداً، ولا يمكن أبداً أن نصل إلى مرحلة نأمن فيها من شر الشرق أو الغرب أبداً، فقد قال تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120] وقال أيضاً: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان:31] فلا يمكن ذلك.

    ونحن اليوم -كما يقول بعض العلماء- ندفع ضريبة الانتماء للإسلام، كيف؟! ليس فينا من الإسلام إلا -ما يعلمه الله- شيءٌ قليل جداً، لكن الغرب ينظر إلينا على أننا مسلمون.

    فبعض المسلمين صاروا شيوعيين ماركسيين تماماً؛ لكن الشيوعي الروسي يعاملهم على أنهم ذيل؛ فالشيوعي الأوروبي درجة أولى، والشيوعي الأسيوي أو الأفريقي درجة ثانية، أما الشيوعي الذي هو من بلد مسلم فهو آخر الشيوعيين وأحطهم.

    وكذلك في الغرب، فإذا وجد إنسان وقد صار أمريكياً تماماً في فكره وحياته وكل شيء؛ فإنه لا يعتبر أمريكياً ولا ينظرون إليه على أنه مثل الأمريكي الآخر؛ وإنما هو من درجة بعيدة؛ بل إن أحط درجة من درجات الحياة الأمريكية هي التي يعيشها هذا الإنسان.

    ولذلك نقول: كيف نقاوم: الإعلام والزنا والنوادي الإباحية والاختلاط، وهل هذا ممنوع في أمريكا؟ لا.

    هل سمعتم أن أمريكياً يُعيَّر أنه عضو في نادٍ مختلط مثلاً؟ لكن لماذا إذا ذهب مسلم إلى هذه الدعارات شوهتموه؟ نقول: الحمد لله! هذه نعمة! لأن هذا المسلم يحمل ضريبة الانتماء للإسلام، فضريبة ذلك أن تنسب إليه جميع التهم، وإن كانت في نظرهم ليست بعيب ولاتهمه أو عار، فنحن ندفع هذه الضريبة.

    ولا يمكن -أبداً- أن يسكت عنا الأعداء؛ لا بالإعلام أو بغير الإعلام، ولا يجوز لنا أن نلوم أعداءنا، وكما قال تعالى: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165].

    فنحن مسئولون أمام الله وأمام أنفسنا عن كل هذه الأمور؛ فيجب أن نؤمن بالله وأن نتمسك بديننا، وهذا هو الذي يدفع عنا كل شر، ومع ذلك سيشهرون ويتكلمون، لكن لا نبالي بهم، المهم أنه لا طريق لنا إلا أن نعود إلى ديننا، ولو استأجرنا مئات الإذاعات في أوروبا ومئات الصحف في أمريكا لتثني علينا، لما تغيرت صورتنا عندهم أبداً! ولو أنفقنا لهم ملايين الدنيا ليسكتوا عنا لسكتوا إلى حين أو إلى مصلحة ثم شهروا بنا من باب آخر.

    فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لما خلق الناس جعل منهم مؤمنين وكافرين، وجعل هذا عدواً لذاك، فنحن نخطئ خطأً كبيراً جداً إذا ظننا أننا نستطيع أن نسترضي الكافر أو نستعطفه أو نسترحمه بأي شكل من الأشكال؛ والصحيح أننا نطبق فيه حكم الله وشرع الله ونعامله كما أمر الله تعالى، فهذا الذي يقينا شره كما قال سبحانه: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران:120] أي: بالصبر والتقوى، وأما بوسائل الإعلام أو أشياء أخرى؛ فهذه لا يمكن أن تكفهم عنا أبداً.

    تربية الأبناء على العبادة الصحيحة

    السؤال: كيف نربي أبناءنا على فهم العبادة بمفهومها الصحيح؟

    الجواب: من المهم في التربية أن نربي أنفسنا وأبناءنا على العبادة بمفهومها الصحيح، فبعض الناس لا يفهم من الإسلام إلا بأنه عدو للدنيا... يحارب الرفاهية والمال والزوجة، يُحارب كذا وكذا..إلخ.

    وهذه ليست العبادة الصحيحة، ومن هذا الباب يأتي الإنسان الضال فيقول: الأفضل أن أعيش متنعماً ومترفهاً، وأجمع المال وأعمل وأعمل...إلخ.

    فلا نكون مثل هذا الإنسان.

    وبعض الناس لا يفهم أيضاً من الدين إلا أن الدين يسر، وكلما كلمته في شيء، قال لك: الدين يسر. وإذا سألته: ما حكم هذا الشيء؟ يقول: ليس فيه شيء، فالدين يسر. الاختلاط؟ الدين يسر. الربا؟ الدين يسر. أكل مال اليتيم؟ الدين يسر لا تتشدد ولا تفعل..إلخ.

    فهذا يبيح كل شيء، وهذا يحرم ما أحل الله، فتكون حيرة المجتمع وحيرة الناس من هذا ومن ذاك، وهذا يرد على هذا، فهذا يقول له: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عاش عيشة الزهد والتقشف والتواضع وكذا وكذا.. وذاك يرد عليه إن الله تعالى يقول: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف:32] وأنه ما يشادّ الدين أحد إلا غلبه... فهذا عنده أدلة وهذا عنده أدلة، فهذا أخذ بجزء من الحق وهذا أخذ بجزء من الحق..

    وأما العبادة الصحيحة لله عز وجل، والتربية الصحيحة فهي أننا نأخذ الحق كله، كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208] أي: ادخلوا في الإسلام كله، فهو يضمن لك الحياة الصحيحة في الدنيا، ويحثك على العمل، وينهاك عن الاغترار بالدنيا، فيبيح لك الطيبات؛ لكنه ينهاك عن الانغماس فيها ونسيان الآخرة، فهو توازن في جميع الأمور.

    فالعبودية لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تكون: بأن تكون كل أمورنا في الحياة على وفق الإسلام؛ فلا يغلو طرف على الطرف الآخر؛ وبذلك تكون حياتنا صحيحة، وعبادتنا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى صحيحة، وجميع حياتنا عبادة لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ حتى اللقمة يرفعها الرجل إلى فيِّ امرأته له فيها أجر، حتى وهو يأتي أهله ففي بضع أحدكم صدقة، حتى وهو يفكر ويعمل في أمور تنفع المسلمين ولمصلحتهم فله في ذلك أجر.. وهكذا.

    فلا نحارب الدنيا لمجرد أنها دنيا، ولا نحارب أيضاً التزهد والترفع عن متاع الدنيا وزخارفها؛ لمجرد أن ديننا دين يسر وأنه يحل الطيبات ويحرم المحرمات.

    والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756582521