إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد الرحيم الطحان
  5. المرابطون في بيوت الله
  6. المرابطون في بيوت الله [13] - الخوف والرجاء في حياة المؤمنين

المرابطون في بيوت الله [13] - الخوف والرجاء في حياة المؤمنينللشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من صفات عباد الله الذين يعمرون مساجد الله: الخوف من الله إجلالاً وتعظيماً. وقد ورد أثر عن عدد من الصالحين قولهم: (ما عبدنا الله طمعاً في جنته ولا خوفاً من ناره، وإنما تعظيماً له)، وفيه جانب حق وجانب باطل، فأما الجانب الحق فهو إثبات هذه المقولة مع سؤال الله الجنة والنجاة من النار، وأما الجانب الباطل فهو ترك سؤال الله الجنة والنجاة من النار، ولا ينبغي للإنسان أن يدعو على نفسه بالهلاك.

    1.   

    خوف الذين يعمرون بيوت الله من الله إجلالاً وتعظيماً

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

    الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً, وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً وهو اللطيف الخبير.

    اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3].

    وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمةً للعالمين, فشرح به الصدور, وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد: معشر الإخوة الكرام! كما أن الله فضل بعض الأزمان على بعض؛ فجعل يوم عرفة إذا وقع في يوم الجمعة من أفضل أيام العام -كما تقدم تقرير ذلك مفصلاً- فالله جل وعلا أيضاً فضل بعض الأمكنة على بعض، كما فضل أيضاً بعض الأشخاص على بعض، سبحانه! له خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص، كما قرر ذلك أئمتنا الأخيار.

    إخوتي الكرام! لقد فضل الله جل وعلا المساجد على غيرها من الأماكن والبقاع، كيف لا؟ وفيها ومنها نور الله وهداه، وإليها يفوج الموحدون المهتدون، وقد نعت الله جل وعلا الذين يعمرونها بأنهم رجال، ووصفهم بأربع صفات، يدل ذلك على بلوغهم رتبة الكمال؛ فهم الذين لا تلهيهم البيوع والتجارات عن الغاية التي خلقوا من أجلها؛ ألا وهي عبادة رب الأرض والسماوات، وهم الذين يسبحون الله جل وعلا ويصلون له، وهم الذين يشفقون على عباد الله ويحسنون إليهم، وهم الذين يبذلون ما في وسعهم استعداداً للقاء ربهم قال تعالى فيهم: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور:36-37].

    نعم، إخوتي الكرام! هؤلاء الأخيار بعد أن عرفوا الغاية التي خلقوا من أجلها، وعبدوا الله وسبحوه، وأشفقوا على عباد الله وأحسنوا إليهم، خافوا منه واستعدوا للقائه، فهم أهل يقظة ووعي، يعلمون ما يستقبلهم، وماذا سيجدون أمامهم، وليس حالهم كحال البهائم التي تقاد إلى المجازر ولا تدري ما يراد بها؟ وكثير من الناس حاله كحالها.

    مثل البهائم لا ترى آجالها حتى تساق إلى المجازر تنحر

    فقوله: يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور:37]، هذه الصفة الرابعة من صفاتهم، وهي تدل على كياستهم وفطنتهم ووعيهم ويقظتهم. ورحمة الله على إمام المسلمين وسيدهم في وقته الإمام الحسن البصري عليه وعلى المسلمين جميعاً رحمة رب العالمين، عندما يقول كما في حلية الأولياء: ابن آدم السكين تشحذ، والتنور يسجر، والدابة تعتلف.

    فقوله: (ابن آدم السكين تشحذ) ألا وهي الموت، الذي يقرب منا كل يوم. والتنور يسجر: وهي النار التي وقودها الناس والحجارة. وأنت كالبهيمة فارح في غفلتك فاعتبر.

    ولما قيل لهذا العبد الصالح: إننا نحضر عند أناس فيخوفوننا حتى إن قلوبنا لتتقطع، ونحضر عند أناس فيأمنوننا، فقال لهم الحسن البصري عليه وعلى أئمتنا والمسلمين رحمات رب العالمين: لأن تصحبوا من يخوفكم حتى يدرككم الأمن، خير لكم من أن تصحبوا من يأمنكم حتى يلحقكم الخوف.

    إذاً: يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور:37]، وخوفهم في مكانه يدل على وعيهم ويقظتهم وانتباههم واحتراسهم، فذلك اليوم يوم عصيب رهيب، وانظروا لحال المطيع فيه فضلاً عن غيره.

    ثبت في مسند الإمام أحمد بسند جيد، كما نص على ذلك الإمام الهيثمي في المجمع، والحديث رواه البخاري في التاريخ الكبير، ورواه الطبراني في المعجم الكبير أيضاً، ورواه البيهقي في شعب الإيمان، ورواه الإمام أبو نعيم رحمة الله عليهم جميعاً، والحديث صحيح من رواية عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه وأرضاه، وهو من أصحاب النبي على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لو أن رجلاً يخر على وجهه في طاعة ربه من يوم ولادته إلى يوم يموت هرماً في طاعة الله لحقره في ذلك اليوم ) يعني: لو أنه من يوم الولادة إلى أن يموت وهو هرم مات من هرمه وكبر سنه وبلغ من العمر منتهاه، وهو خار على وجهه في طاعة ربه من ولادته إلى أن مات هرماً، إذا شهد الموقف فيوم القيامة حقر واستقل ما جرى منه في ذلك اليوم.

    وهذا الأثر المرفوع روي موقوفاً أيضاً عن محمد بن أبي عميرة المزني بفتح العين، رواه أهل الكتب المتقدمة، وزاد عليهم أيضاً في رواية هذا الأثر شيخ الإسلام الإمام عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد والرقائق، والأثر -كما قلت- موقوف عليه في هذه الرواية فله حكم الرفع، وإسناد هذا الأثر الموقوف على شرط الشيخين، كما نص على ذلك الإمام الهيتمي في المجمع، وقال الحافظ في الإصابة: إسناده قوي.

    إخوتي الكرام! هذه الصفة الرابعة لهؤلاء العباد، الذين يعمرون بيوت الله في خير البقاع، يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ [النور:37]. وقد تقدم معنا أننا سنتدارسها ضمن مبحثين:

    المبحث الأول: في صفة الخوف التي اتصفوا بها، والمبحث الثاني: في ذلك اليوم العصيب الرهيب الذي سيئول الخلائق إليه.

    أما المبحث الأول فقلت: إنه يدور على أربعة أمور, مضى الكلام على ثلاثة منها: تعريف الخوف، ومنزلة الخوف في شريعة الله جل وعلا، وثمرات الخوف الطيبة في العاجل والآجل.

    وشرعنا في مدارسة أسباب خوف المكلفين من رب العالمين، وقلت: هي على كثرتها يمكن أن تجمع في ثلاثة أسباب:

    أولها: إجلال الله وتعظيمه.

    ثانيها: الخوف من التفريط في جنب الله وحق الله جل وعلا؛ سواء تعلق ذلك بالتقصير بالطاعات أو بالوقوع في المحرمات.

    والأمر الثالث: خشية سوء الخاتمة. نسأل الله حسن الخاتمة بمنه وفضله وكرمه وجوده، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

    فالسبب الأول -وغالب ظني أننا تدارسناه في موعظتين اثنتين- إجلال الله وتعظيمه. أي: أننا نخاف منه إجلالاً له وتعظيماً له سبحانه وتعالى، وقلت: هذا السبب سببه ودافعه سيحصل في الإنسان إذا عرف الصلة بينه وبين ربه جل وعلا. ومن عرف نفسه عرف ربه، فالله جل وعلا عليم بكل شيء، خبير بكل شيء، غني عن كل شيء سبحانه وتعالى، فهو جواد كريم، وهو جميل عظيم، فمن استحضر هذا سيخاف رب العالمين ولا بد إجلالاً له وتعظيماً، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يشير إلى هذا المقام وإلى هذا السبب في مناجاته لربه جل وعلا، وفي عبادته لله عز وجل.

    روى الإمام أحمد في المسند وأبو داود والنسائي في السنن بإسناد حسن، من رواية عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه وأرضاه، قال: ( قمت ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم، -أي: في الصلاة وفي مناجاة الله- فقرأ في الركعة الأولى سورة البقرة، فكان عليه الصلاة والسلام إذا مر بآية رحمة وقف وسأل الله عز وجل، وإذا مر بآية عذاب وقف وتعوذ من العذاب ).

    قال عوف بن مالك رضي الله عنه وأرضاه: ( ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم فكان ركوعه قدر قيامه، فسمعته يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ) يشير إلى هذا السبب أن نخاف منه إجلالاً له وتعظيماً، فهو ذو الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، سبحانه! لا إله غيره ولا رب سواه.

    يقول عوف بن مالك: ( ثم رفع النبي صلى الله عليه وسلم وسجد، فكان سجوده أيضاً قدر قيامه عليه الصلاة والسلام، ثم قام إلى الركعة الثانية فقرأ سورة آل عمران، ثم قرأ سورة سورة في كل ركعة ) أي: في الركعة الثالثة بعد ذلك يقرأ سورة النساء، وفي الركعة الرابعة سورة المائدة.

    والشاهد من هذا: ( سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ).

    فإذاً: إجلال الله جل وعلا وتعظيمه من أسباب خوف المكلفين من رب العالمين سبحانه وتعالى.

    إخوتي الكرام! وقد مر تقرير هذا بأدلته فيما مضى، وبينت أن هذا النوع من خوف الله جل وعلا، هو أعلى أنواع خوف الله عز وجل؛ أي أن نخاف إجلالاً وتعظيماً له سبحانه وتعالى.

    وكان المفروض أن نتدارس هنا السبب الثاني من خوف المكلفين من رب العالمين، لكن كان في ذهني أمر أردت أن أتكلم عليه سابقاً حول هذا السبب، وما قدّر الله له وقتاً، ثم دار في ذهني أن أجري الحديث عنه لأنتقل إلى السبب الثاني، لكن عدداً من الإخوة الكرام سألوا عما في صدري، وعما أردت أن أتكلم عليه, ولم يتيسر وقت للكلام عليه سابقاً.

    وهذا ما سنتدارسه إن شاء الله هنا وبعد ذلك نبدأ في السبب الثاني إن شاء الله من أسباب خوف العباد من الله عز وجل.

    1.   

    مناقشة قول من قال: ما عبدنا الله طمعاً في جنته ولا خوفاً من ناره، وإنما تعظيماً له

    إخوتي الكرام! هذا الأمر يتعلق بشيء نقل عن النساك والعباد والصالحين في هذه الأمة المباركة المرحومة، فلا بد من بيان قيمة هذا القول، ووزنه بميزان الشرع المطهر؛ وهو ما أثر عن عدد من الصالحين المتقين أنه قال: (ما عبدنا الله جل وعلا طمعاً في جنته ولا خوفاً من ناره جل وعلا، إنما عبدنا الله جل وعلا تعظيماً له)، فهو إله جليل عظيم يستحق منا أن نعبده فقمنا بواجبنا نحوه، لا طمعاً في الثواب ولا خشية من العقاب.

    لكن هذا الكلام ما وزنه؟ ثم بعد ذلك ما حال قائله؟

    هذا ما سنتدارسه إخوتي الكرام؛ لأنه كثر القيل والقال والجدال والخصام حول هذه الجملة، فلا بد من وضع الأمر في ميزان الشرع؛ لنكون على بصيرة من أمرنا، ولئلا نكون أسرى التقليد للذين ينطقون بما لا يعلمون.

    إخوتي الكرام! هذه المقولة حق وصدق لا شك فيها، فالله جل وعلا لو لم يخلق جنة ولا ناراً لوجب له علينا أن نعبده جل وعلا، فهو الذي يستحق ذلك منا، فينبغي أن نعظمه وأن نشكره على ما أنعم به علينا سبحانه وتعالى, وشكر المنعم واجب، وينبغي أن نجله حياءً منه سبحانه وتعالى، فالحياء هو فعل المليح وترك القبيح، وخلق يمنع المستقصر في حق ذي الحق، وأي حق أعظم من حق الله على عباده جل وعلا؟

    فواجب علينا أن نعبده، فلو لم يخلق جنة ولا ناراً ولم يتفضل على الطائعين في جنة النعيم، ولم يعاقب العاصين في نار الجحيم لوجب علينا أن نعبده في كل حين، فهو إله جليل عظيم سبحانه وتعالى.

    وإلى هذا الأمر نشير إلى حال نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام, فقد ثبت في مسند الإمام أحمد والحديث في الكتب الستة إلا سنن أبي داود من رواية المغيرة بن شداد رضي الله عنه وأرضاه قال: ( قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، فقيل له: يا رسول الله! إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال عليه الصلاة والسلام: أفلا أكون عبداً شكوراً ).

    والمعنى: أن شكر المنعم واجب، وأن الحياء من الله واجب، فإذا من علي بالمغفرة وأنا من أهل الجنة أفلا أكون عبداً شكوراً.

    والحديث في المسند والصحيحين أيضاً من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: ( قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تفطرت قدماه، فقلت له: يا رسول الله! لم تصنع ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: يا عائشة ! أفلا أكون عبداً شكوراً )، تقول أمنا عائشة رضي الله عنها: ( فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فلما بدن عليه الصلاة والسلام ) أي: كبر، وبالتخفيف: إذا سمن، (فلما بدن) بالتثقيل أي: كبر بدنه وأصابه شيء من الضعف بالنسبة لحاله قبل ذلك، قالت: ( فلما بدن وغشيه اللحم، كان عليه الصلاة والسلام يصلي وهو قاعد، فإذا أراد أن يركع قام، فقرأ عليه الصلاة والسلام ثم ركع ) فداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا عليه صلوات الله وسلامه، والحديث رواه الإمام النسائي بسند صحيح، من رواية أبي هريرة قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تذلع قدماه -ذلع يذلع بمعنى تتشقق- فقيل له في ذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: أفلا أكون عبداً شكوراً ).

    إذاً: فعبادة الله جل وعلا إجلالاً له وتعظيماً بمعنى: أنه لو لم يخلق جنة ولا ناراً لوجب علينا أن نجله وأن نعبده وأن نعظمه، فهذا حقه علينا سبحانه وتعالى، فهذا حق الخالق ينبغي أن يقوم به المخلوق، وإذا عبدنا الله لهذه الغاية وبهذا الدافع لا نجعل العبادة وسيلة لغرض من أغراضنا، وإذا عبدنا الله بهذه الغاية وبهذا الدافع فإن عبادتنا ستكون سليمة قويمة مستنيرة لا يعتريها علة، فلو قدر أننا بشرنا بجنة الله وبالنجاة من عذاب الله، لبقينا على عبادة الله جل وعلا كحال رسول الله عليه صلوات الله وسلامه، فهذا حق وصدق.

    إخوتي الكرام! ويقرر هذه المقولة: (إن عبادة الله جل وعلا ينبغي أن تكون تعظيماً لشأنه لا طمعاً في جنته ولا خوفاً من ناره)، وسيأتينا تعليل هذا وتفصيله.

    وهنا أقرر صحة هذه القاعدة التي اتفق عليها أهل النهى، ولا يماري فيها صاحب حجا: أن شكر المنعم واجب، سواء أثابك أو عاقبك، ينبغي أن تشكره جل وعلا، سواء بعد ذلك جعل للطاعة ثواباً وللمعصية عقاباً أم لا، شكر المنعم واجب سواء كان هناك بعث وقيامة، وجنة ونار أم لا، فالله خلقنا وأنعم علينا وتفضل علينا وسخر لنا ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه، فله علينا حق العبادة، والذي لا يقوم بهذا فقد فرط وقصر في حق خالقه سواء كان هناك يوم يجتمع فيه الناس, ويوفون أجورهم على ما عملوا، أو لم يكن هناك ذلك.

    وهذا الأمر إخوتي الكرام! قرره أئمتنا الكرام انظروه في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في الجزء السادس عشر صفحة ثلاث وخمسين ومائتين فما بعدها، وانظروه أيضاً في كتاب الإمام ابن القيم مفتاح السعادة ومنشور ولايتي العلم والإرادة في الجزء الثاني صفحة ثمان وثمانين وما بعدها، وفي الكتابين عند تقرير هذا القول أنشد بيتين من الشعر كان كثيراً ما ينشدُهما شيخ الإسلام الإمام أبو الفرج ابن الجوزي في مجالس وعظه فيقول:

    هب البعث لم تأتنا رسله وجاحمة النار لم تضرم

    أليس من الواجب المستحِقِّ حياء العباد من المنعم

    أليس من الواجب المستحقِّ طاعة رب الورى الأكرم

    ومعنى كلامه رحمه الله: هب أن البعث ما أتت به رسل الله على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، وأنه ليس هناك بعث، وأنه ليس هناك نار تضطرم ويلقى فيها العصاة، هب أن الأمر كذلك، أليس من الواجب عليك الذي ينبغي أن تقوم به الاستحياء من ربك جل وعلا؟ حياء العباد من المنعم, طاعة رب الورى الأكرم، بلى وعزة ربنا يجب علينا أن نستحي منه في جميع أحوالنا, وأن نفرده بتعظيمنا وعبادتنا، لا إله غيره ولا رب سواه.

    الجانب الحق في مقولة: ما عبدنا الله طمعاً في جنته وخوفاً من ناره وإنما تعظيماً له

    إخوتي الكرام! وهذه المقولة التي هي حق وصدق قائلها له حالتان:

    الحالة الأولى: أنه يقول: إنني أخاف من الله إجلالاً له وتعظيماً وأعبده؛ لأنه إله عظيم يستحق العبادة في كل حين، وغاية ما أريد من عبادته أن أنال رضاه، وأن أسعد برؤيته ولقائه، سواء بعد ذلك هناك جنة أو نار أو لا؟ هذا ما يجب علينا وينبغي أن نقوم به.

    لكن أنا مع ذلك أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار؛ لأن الجنة هي دار كرامة الله جل وعلا وتحصل فيها رؤيته ومشاهدته، والنار هي دار سخط الله جل وعلا، ولا يحصل لمن هو فيها رؤية الله جل وعلا ومشاهدته، وعليه أنا أرغب فيما رغبنا الله فيه، وأرهب مما رهبنا الله منه تعظيماً لله جل وعلا، ومع ذلك أسأله الجنة, وأعوذ به من النار؛ لأنه أمرني بذلك سبحانه وتعالى، فهذا هو الطريق القويم، وهذا هو حال نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام، فهو أعبد الخلق للحق جل وعلا، وهو الذي كان يعظم الله جل وعلا ويعبده إجلالاً له، وكان يكثر عليه الصلاة والسلام من سؤال الله الجنة ومن الاستعاذة به من النار.

    فكوننا نقرر أن عبادة الله جل وعلا ينبغي أن تكون تعظيماً له، وإجلالاً له، وأن الخوف إذا كان منه لهذا السبب، فهذا أجل أنواع الخوف، لا يعني: أننا لا نسأل الله جنة ولا نعوذ به من النار، ولا يعني: أنه إذا عبدنا الله لأنه إله عظيم، له علينا حق العبادة، لا نسأله الجنة ولا نستعيذ به من النار، لا ثم لا، إنما نقول: هذا الحق له علينا، لو لم يخلق جنة ولا ناراً لوجب علينا أن نعبده إجلالاً له وتعظيماً لشأنه سبحانه وتعالى.

    وأما بعد ذلك تفضل علينا بما يجب علينا بالثواب, وحذرنا إذا فرطنا بما يجب علينا بالعقاب هذا أمر آخر، لكن العبادة تجب علينا لربنا سواء كان هناك ثواب وعقاب أو لا؟ نعم، إننا نعبد الله تعظيماً له, ونخاف منه إجلالاً له وحياءً منه سبحانه وتعالى، ومع ذلك نرجو رحمته ونخشى عذابه، نطلب جنته ونعوذ به من النار كما هو حال نبينا المختار عليه وعلى أنبياء الله ورسله جميعاً صلوات الله وسلامه.

    ثبت في سنن أبي داود وابن ماجه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه بإسناد صحيح، والحديث رواه الإمام أحمد في المسند عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وعليهم وسلم تسليماً كثيراً، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبعض الصحابة الكرام: ( ماذا تقول في صلاتك؟ فقال: يا رسول الله! أتشهد ثم أسأل الله الجنة، وأعوذ به من النار، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أنا ومعاذ حولها ندندن )، أي: حول هذه الجملة الطيبة المباركة، وحول هذه الأدعية العظيمة؛ سؤال الله الجنة والاستعاذة به من النار، والدندنة هي: أن تسمع نغمة الكلام دون أن تعيَ وأن تفقه وأن تدرك معناه، فكان هذا الصحابي الأعرابي المبارك رضي الله عنه وأرضاه يقول: يا رسول الله! ما تدعو به من دعاء طويل كثير، تدعو به الله الجليل لا أحيط به ولا أعلمه، إنما أنا أقتصر على سؤال الله الجنة والاستعاذة به من النار. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (حولها ندندن), أي: هذا الدعاء من أوله لآخره كله دوران حول الجنة والنار، فنسأل الله أن يدخلنا الجنة, وأن يعيذنا من النار، ومع هذا السؤال فهو القائل عليه الصلاة والسلام: ( أفلا أكون عبداً شكوراً ).

    فعبادة الله تعظيماً له وإجلالاً لحقه أعلى أنواع العبادات وهذا حق الله علينا، ولا يمنع ذلك أن نسأله الجنة لما تفضل به علينا، وأن نعوذ به من النار لما تفضل به علينا، فمن وعى هذا الأمر فهذا مسلك سبيل شرعي رشيد قرره أئمة الإسلام الكرام؛ أننا نعبد الله تعظيماً لشأنه وإجلالاً له وحياءً منه سبحانه وتعالى، ثم بعد ذلك نطلب منه الجنة ونعوذ به من النار؛ لينصب فضل الله علينا في جميع الأوقات والأحوال، ولو قدر أنه ليس هناك جنة ولا نار, وليس هناك بعث ولا حشر ولا نشر لوجب علينا أن نعبده تعظيماً لشأنه سبحانه وتعالى.

    الجانب الباطل في المقولة: ترك سؤال الله الجنة والاستعاذة من النار

    الحالة الثانية: هي التي أخطأ فيها بعض النساك، قالوا: إننا نعبد الله تعظيماً لشأنه سبحانه وتعالى وقياماً لحقه، وغرضه من تلك العبادة أن نعظم ربنا جل وعلا إجلالاً له وحياءً منه. ثم قالوا بعد ذلك: أمنيتنا أن نسعد بلقاء الله جل وعلا, وأن نفوز بالنظر إلى وجه الله الكريم. وهذا كله حق كما تقدم معنا، وليتهم وقفوا عند هذا وما زادوا.

    لكنهم قالوا: ولا يتحقق هذا في العابد بهذه الصورة إلا أن يترك سؤال الجنة والاستعاذة بالله من النار. فقال رويب، وهو من العباد الصالحين -وألتمس له ولغيره عذراً كما سيأتينا- وهو رويب بن أحمد وقيل: ابن محمد أبي الحسن، كما نعته بذلك الإمام الذهبي في سير العلماء فقال: هو الإمام العابد القانت الخاشع المقرئ شيخ الصوفية في زمنه، وتوفي سنة ثلاث وثلاثمائة للهجرة.

    ومن جيد كلامه ولا اعتراض عليه في هذه الكلمة كما في السير يقول: (من علامة الصبر ترك الشكوى، ومن علامة الرضا التلذذ في البلوى), فهذا كلام حق وصدق، وهو من العلماء الربانيين ينطق بالحكمة، لكن ينبغي أن نعي أمراً لا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا؛ كل أحد يخطئ ويصيب، وقد لا يدل لفظه على ما في مراده فيقع في خطأ، وكل واحد يحسن ويسيء، ويؤخذ من قوله ويترك إلا المصطفى عليه صلوات الله وسلامه، وعندنا شريعة مطهرة يحاكم إليها الكبير والصغير، والمتقدم والمتأخر، فمن أحسن فهو محسن, ومن قصر بعد ذلك فهو مقصر، وإن أراد خيراً التمسنا له عذراً ورددنا تقصيره عليه فلا يقتدى به فيه.

    1.   

    الرد على من قال: الراضي لا يسأل الله شيئاً

    يقول العبد الصالح رويب: (الراضي لا يسأل الله شيئاً، حتى لو أن الله جعل جهنم عن يمينه ما سأل الله أن يحولها عن يساره).

    وهذا لا شك -كما سيأتينا- خطأ في التعبير, وقصور في فهم المراد، فهذا الكلام الذي هو حالة ثانية لتلك المقولة الحقة الصحيحة، فالحالة الأولى كما قلت: نعبد الله تعظيماً له وإجلالاً له وحياءً منه، ومع ذلك نعظم ما عظمه الله، ونستعيذ مما أمرنا الله بالاستعاذة منه؛ فنسأله الجنة، ونعوذ به من النار آناء الليل وأطراف النار.

    والحالة الثانية: تعظيم الله إجلالاً له وحياءً منه، لكن لا نستعيذ به من النار ولا نسأله الجنة؛ لأنه من شرط الراضي ألا يسأل الله شيئاً، فلو جعل الله النار عن يمينه لما سأل ربه أن يحولها عن يساره، وهذا كلام خطأ وباطل -كما سيأتينا- لعدة أمور يمكن أن نجملها إخوتي الكرام! في أربعة أمور تبطل هذا القول وترده:

    أمر الله لنا بسؤال الجنة والاستعاذة من النار والأدلة على ذلك

    أولها: أمرنا الله جل وعلا في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بأن نسأل الله الجنة, وأن نعوذ من النار، وأثنى الله على عباده الأخيار لذلك فأخبر أنهم يسألون الله الجنة ويعوذون به من النار، فينبغي أن نعظم ما عظمه الله، وأن نكون وفق أمر الله جل وعلا، قال الله جل وعلا في سورة آل عمران: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:133-134].

    إذاً: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ [آل عمران:133]، أمرنا بأن نسارع إليها, وأن تكون هذه مسئوليتنا، ومن رغبتنا وأن نحرص عليها، وأن نكثر سؤالها من ربنا جل وعلا أن يمن علينا بالجنة وأن يعيذنا من النار.

    وهذه المسارعة ينبغي أن تكون على وجه المسابقة والمنافسة بين عباد الله الطيبين، كما قال ربنا المجيد في سورة الحديد: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21]، مسارعة مع مسابقة، ومن قام بذلك حقيقة هو من أصحاب الألباب، ومن أهل العقول الذكية الواعية كما أخبر عن ذلك الكريم الوهاب: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا [آل عمران:190-191] انتبه أخي الكريم! لقوله: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191]، رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:192-194] فكانت النتيجة: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ [آل عمران:195].

    ثم بعد ذلك أخبر الله في آخر السورة عن عظيم الجزاء الكريم الذي يحصله هؤلاء فقال: لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ [آل عمران:196-198].

    إذاً: هذه هي صفات أهل العقول الطيبة الواعية النيرة، سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:191].

    ثم منَّ الله عليهم بالجنة ووقاهم عذاب النار، وبذلك وعد الله عباد الرحمن في الفرقان فقال جل وعلا: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان:63]، وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا [الفرقان:64-65]، أي: أليماً فظيعاً منكراً، دائماً ثابتاً لا يزول ولا يتحول، إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان:66]، ثم أخبر الله جل وعلا في آخر السورة عن تفضله على عباده فقال: أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان:75-76].

    إذاً: هذه هي صفات عباد الله؛ يعبدون الله تعظيماً لشأنه ويسألونه الجنة ويعيذون به من النار، وبذلك نعت الله رسله على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، والصالحين الصادقين من عباده فقال جل وعلا في سورة الشعراء حكاية عما دعا به خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فقال: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85]، وهكذا حكى الله عن الصديقة القانتة آسية زوجة فرعون فقال جل وعلا: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم:11].

    إذاً: إخوتي الكرام! الله جل وعلا أمرنا أن نكثر من سؤاله الجنة ومن الاستعاذة به من النار، فمن قال: إن من شرط الراضي ألا يسأل الله شيئاً، وألا يسأل الله جنة وألا يعوذ به من النار، نقول: أخطأت يا عبد الله! مع سلامة مقصودك، فقولوا: إنما نعبد الله إجلالاً له وتعظيماً وحياءً منه، ونريد رؤيته والتمتع بالنظر إلى نور وجهه، لكن المقولة التي قلتها بعد ذلك لتقرر بها هذا الأمر خطأ لا ينبغي.

    إخوتي الكرام! إذا كان العباد سينقسمون يوم القيامة إلى قسمين لا ثالث لهما: إلى منعم عليه يتنعم في جنات النعيم، بما جعل الله فيها من أنواع النعم الحسية والمعنوية، وإلى مسخوط عليه يعذب في دار الجحيم بجميع أنواع العذاب الحسية والمعنوية، فحري بنا أن نسأل الله أن يجعلنا من الصنف الأول لنكون من أهل الجنة، وينبغي أن نستعيذ به من الدار الثانية؛ لئلا نكون من أهل الصنف الثاني من أهل النار.

    فالناس سينقسمون إلى قسمين لا ثالث لهما كما قال ربنا جل وعلا: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ [الروم:14-16].

    إخوتي الكرام! إذاً: فريق في روضة الجنة يحبرون وينعمون، وفريق في العذاب محضرون، يعذبون ويتألمون، فإذا كان الأمر كذلك ينبغي أن نسأل الله أن نكون من أهل الصنف الأول ومن أهل الدار الأولى، وإلى هذا أشار الله جل وعلا أيضاً في سورة الفرقان فقال: بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا * إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا * قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا * لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا [الفرقان:11-16].

    وفيما تحتمله هذه الآية الأخيرة أربعة معانٍ كلها حق وصدق:

    الأول: كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا [الفرقان:16]؛ أي: وعداً ينبغي بأن يسأله العباد من ربهم، وأن يتنافسوا فيه جهدهم وطاقتهم، والتنافس فيه كان المؤمنون يسألون هذا من ربهم في حال الحياة كما تقدم معنا في قوله تعالى: رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ [آل عمران:194], وكان الملائكة يسألون هذا للمؤمنين عندما كانوا أحياء، كما قال الله جل وعلا مخبراً عن هذا في سورة غافر: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [غافر:7-9].

    الثاني: كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا [الفرقان:16]؛ يسأله المسلمون لأنفسهم وتسأله الملائكة للمؤمنين.

    الثالث: كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا [الفرقان:16], هو مثل قوله: كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا [مريم:71]؛ أي: حتماً واجباً بمقتضى كرمه وجوده وإحسانه وبره, فهو الذي لا يخلف الميعاد، وهو الذي إذا وعد وفى، وإذا توعد تجاوز توعده سبحانه وتعالى.

    الرابع: كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا [الفرقان:16]؛ يسأل رسول تلك العدة من قبل المؤمنين يوم القيامة فيوفي لهم ما وعدهم، كما ثبت في تفسير ابن أبي حاتم عن أبي حاتم رضي الله عنه وأرضاه، وهو من أئمة التابعين قال: إذا كان يوم القيامة قال المؤمنون: ربنا عبدناك كما أمرتنا، فأنجز لنا ما وعدتنا، كذلك قول الله: كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا [الفرقان:16]، قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا * لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا [الفرقان:15-16].

    وكثيراً ما يقرن ربنا بين هاتين الدارين، وبين هذين الصنفين في كثير من آيات القرآن، ففي سورة الرعد يقول الله جل وعلا: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ [الرعد:35].

    ويقول الله جل وعلا: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15].

    وآيات القرآن لا تحصى كثرة إخوتي الكرام! للتنبيه على ما في الجنة من نعيم، وأنه ينبغي أن يحرص على ذلك المؤمنون الموحدون، وفي التنبيه على ما في دار الجحيم من عذاب أليم، وأنه ينبغي أن يستعيذ من ذلك المؤمنون الموحدون.

    وعليه فهذا القول كما قلت: فيه خطأ لمخالفته بأمر الله لنا بسؤال الجنة والاستعاذة به من النار، وقد توافدت الأحاديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام في تقرير هذا الأمر، بحيث أن نبينا صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نستعيذ به من عذاب جهنم في كل صلاة نصليها في حياتنا، كما ثبت في المسند وموطأ الإمام مالك والحديث في الكتب الستة من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا تشهد أحدكم فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال، ومن عذاب جهنم )، والحديث في رواية البخاري وسنن الترمذي : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فيستعيذ بالله من أربع ).

    والحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنه ثم قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن: أن يتعوذ بالله من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال، ومن عذاب جهنم ) فمن قال: (لا يسأل الراضي ربه شيئاً)، هذا كلام خطأ -كما قلت- مع صحة مقصوده.

    إخوتي الكرام! والأحاديث التي تأمرنا بأن نسأل الله الجنة, وأن نستعيذ به من النار كثيرة وفيرة، منها ما ينبغي أن تحرصوا على قوله على سبيل التحديد والخصوص.

    ومنها: ما روى الإمام أحمد في المسند وأهل السنن الأربعة إلا سنن أبي داود ، والحديث رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه، ورواه الإمام الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة، ورواه ابن السري في كتابه الزهد والرقائق، وهو مروي في كثير من كتب الحديث وإسناده صحيح كالشمس من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا سأل الإنسان الجنة ثلاثاً -أي: ثلاث مرات في كل يوم- قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، وإذا استجار بالله من النار ثلاثاً -أي: كل يوم ثلاث مرات- قالت النار: اللهم أجره من النار ).

    إذاً: ينبغي للإنسان على أقل تقدير أن يسأل ربه الجنة في كل يوم ثلاث مرات، وأن يستجير به من النار ثلاث مرات لتقول الجنة: (اللهم أدخله الجنة)، وتقول النار: (اللهم أجره من النار).

    وثبت في سنن أبي داود وصحيح ابن حبان والحديث رواه الإمام النسائي في كتابه (عمل اليوم والليلة) ورواه البيهقي في كتاب (الدعوات الكبير) من رواية أحد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين؛ مسلم بن الحارث التميمي، وإسناد الحديث حسن ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أسر إليه فقال له: إذا انصرفت من صلاة المغرب فقل: اللهم أجرني من النار سبع مرات -وفي رواية: قبل أن تتكلم- فإنك إن مت من ليلتك كتب لك جوار منها، وإذا صليت الصبح فمثل ذلك ) أي: قل أيضاً: اللهم أجرني من النار، اللهم أجرني من النار سبع مرات، ( فإنك إذا مت في يومك كتب لك جوار منها ).

    إذاً: إخوتي الكرام! نعبد الله تعظيماً له وإجلالاً له وشكراً له وحياءً منه، ومع ذلك نسأله الجنة, ونعوذ به من النار، ومن قال: (إن الراضي لا ينبغي أن يسأل الله شيئاً)، فما ينبغي أن يسأل الله جنة, ولا أن يعوذ به من النار كلامه خطأ مع صحة مقصوده.

    الواجب سؤال الله كل شيء وأعلاها الجنة والنجاة من النار

    الأمر الثاني: نقول لهذا القائل كما قرر أئمتنا الكرام: للإنسان في هذه الحياة مطالب لا بد من أن يسألها لتقضى له، وهذه المطالب دون الجنة، فإن سألها من غير الله جل وعلا فقد صرف الأمر عن مستحقه؛ لأنه ينبغي أن تسأل جميع أمورك من ربك جل وعلا، كما ثبت في المسند وسنن الترمذي ومستدرك الحاكم، والحديث روي في ذلك من كتب الحديث بإسناد صحيح من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ( قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف )، فحاجاتك التي هي دون الجنة، إن سألتها من غير الله فقد أشركت؛ لأنك صرفت هذه العبادة لغيره، وإن سألتها من ربك جل وعلا فكيف سألت ربك ما هو دون الجنة؟ ثم إذا جئت عند هذه النعمة العظيمة الجليلة الكريمة قلت: لا أسأل الله جنة ولا أعوذ به من النار، هذا هو التناقض بعينه، لك مطالب في حياتك، ولا بد من سؤاله لقضائها، فإن سألت غير الله وقعت في الشرك، وإن سألتها من الله جل وعلا فقد سألت ما هو دون الجنة، فكيف بعد ذلك تتورع عن سؤال الجنة والاستعاذة به من النار خشية ألا يبطل مقصودك على حسب زعمك في عبادتك لربك؟

    تقول: أعبده تعظيماً له، فإذا سألته للجنة فقد سألت مصلحة خاصة وجعلت هذه العبادة طريقاً إليها، وهذا ينافي الإخلاص، وعليه لا أسأله جنة ولا أعوذ به من النار، هذا كلام متناقض كما قلت، حاجاتك التي هي دون الجنة لا بد من أن تسألها الله جل وعلا، فإذا سألت تلك الحاجات وهي دون الجنة بكثير، فسل أعظم السلع عند الله جل وعلا: ( ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة ).

    اقتران عدم سؤال الجنة والنجاة من النار بعدم معرفة حقيقة الجنة والنار

    الأمر الثالث الذي يدل على خطأ ذلك القول: أننا لا نسأل الله شيئاً؛ لا نسأله جنة, ولا نعوذ به من النار لتتحقق العبادة الكاملة فينا، هذا القول خطأ أيضاً؛ لأنه كلام من لم يفقه حقيقة الجنة وحقيقة النار.

    فالجنة هي الدار التي أعدها الله لأوليائه، فكل ما يقع فيها من النعيم العظيم من محسوس أو معنوي، من مطاعم ومشارب ومناكح ومنازل، ومن رؤية الله جل وعلا والتمتع بالنظر إلى نور وجهه، ومن الفرح برضوان الله كل هذا من مسمى الجنة. كما أن النار دار لأعداء الله، فكل ما يقع فيها من العذاب والأنكال حسياً أو معنوياً هو من مسمى تلك الدار من مسمى النار.

    وعليه عندما نسأل الله الجنة, نسأل الله رضوانه والنظر إلى نور وجهه، وعند هذا من مقصودك في عبادتك تقول: أعبد الله تعظيماً له، من أجل أن أنال رضاه, وأن أفرح في لقاه، وأن أسعد بنور وجهه، وهل يحصل ذلك في غير الجنة؟ هل يحصل ذلك في النار يا عبد الله؟ والله ما طابت هذه الحياة إلا في معرفة الله وذكره ومحبته، وما طابت الجنة إلا برضوان الله والنظر إليه سبحانه وتعالى والتمتع بمشاهدته، فأنت لن تحصل ذلك النعيم إلا في جنة النعيم، فعلام تقول إذاً: أنا لا أسأل الله جنة ولا أعوذ به من النار؟ أين ستحصل رضوان الله؟ وأين ستحصل النظر إلى نور وجه الله؟

    تأمل قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185]، فلا يمكن أن تحصل الفوز إلا إذا دخلت الجنة وإلا فأنت من الخاسرين المبعدين عن رضوان رب العالمين وعن النظر إلى نور وجهه الكريم.

    ويشير الله جل وعلا إلى هذا أيضاً فيقول جل وعلا: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ * وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:19-35].

    فيا من تريد رضوان الله والنظر إلى وجه الله! استمع لآخر هذه الآيات: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35]، وهذه الزيادة فيها جميع ما يفيض به الله على أهل الجنة من نعم لا تخطر على بالهم، وأعظم ذلك النظر إلى وجه ربهم جل وعلا.

    ثبت في تفسير الطبري وغيره عن أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين عليهم جميعاً رضوان رب العالمين أنه قال: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35] النظر إلى وجه الله جل وعلا، وهذا التفسير ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه في مسند البزار ، ورواه الإمام اللالكائي في شرح أصول أهل السنة، ورواه البيهقي في كتاب البعث والنشور، ورواه أهل التفاسير الذين يروون التفاسير بأسانيدهم كـابن أبي حاتم وابن مردويه وابن المنذر رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين، وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35] أي: تجلي الله لأهل الجنة يوم القيامة ونظرهم إلى نور وجهه جل وعلا.

    والأحاديث متواترة إخوتي الكرام! في رؤية المؤمنين لوجه الله الكريم في جنات النعيم، ومنكر ذلك كافر بالله العظيم، وإذا أنكر ذلك فأسأل الله جل وعلا أن يحرمه لذة النظر إلى وجهه الكريم، كما اختار لنفسه هو الحكم العدل سبحانه وتعالى.

    إخوتي الكرام! إذاً: النعيم العظيم يكون في جنة النعيم، ورأس ذلك النعيم النظر إلى وجه الله الكريم، وأنت تقول: أريد رضوان الله، أريد النظر إلى وجه الله، كما تقول: لا أسأل جنة ولا أعوذ به من النار، هل هذا إلا تناقض؟ مقصودك صحيح، لكن عبارتك عليلة ليست سليمة.

    ولذلك إخوتي الكرام! من قال: (الراضي لا يسأل الله جنة ولا يعوذ به من النار)؛ لأنه يعبد الله إجلالاً له وتعظيماً وحياءً منه، ولأنه يريد رضاه والنظر إلى نور وجهه، قل له: وهل يكون ذلك في غير جنته؟ فكأنك ما فقهت وما عرفت حقيقة الجنة وحقيقة النار.

    إخوتي الكرام! الجنة دار أعدها الله للمؤمنين الطيبين، كما أن النار دار أعدها لله للجبابرة المتكبرين، وقد ثبت في الصحيحين من رواية أبي هريرة والحديث في صحيح مسلم من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم أجمعين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: فيَّ الجبارون والمتكبرون، وقالت الجنة: فيَّ الضعفاء والمساكين، فقال الله جل وعلا: لكليكما عليَّ ملؤها، أما أنت -للجنة- فأنت رحمتي أرحم بك من أشاء، وأما أنت -فللنار- فأنت عذابي أعذب بك من أشاء ).

    إخوتي الكرام! فهذا الكلام -أن الراضي لا يسأل الله- كلام كما قلت خطأ وغلط. فرؤية الله، والنظر إلى نور وجهه جل وعلا لا يحصل هذا إلا في دار النعيم، في جنة النعيم.

    نعم إخوتي الكرام! إن مطلوب من طلب عبادة الله، ومن طلب النظر إلى نور وجه الله ورضوان الله مطلوب شريف جليل، لكن ينبغي أن يدل عليه بعبارة ليس فيها خطأ وليس فيها غلط، إن الجنة كما قلت: ما طابت إلا بالنظر إلى نور الله وبشهادته.

    وتقدم معنا عند مبحث أسباب الخوف، إلى أن خوف النار عند خوف الفراق كقطرة في بحر لجي، وهذا الكلام تقدم معنا مأثور على العبد الصالح ذو النون المصري ، أي: إن خوفنا من النار قليل بجنب خوفنا من عدم مشاهدة ربنا الجليل، إن خوف النار عند خوف الفراق كقطرة في بحر لجي، نعم، إن من أعذب العذاب يصبه الله على أعدائه يوم القيامة أن يحرمهم من النظر إلى نور وجهه جل وعلا، كما في قوله: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ [المطففين:15-17]، كما أن أعظم نعيم يتكرم الله على المؤمنين أن ينظروا إلى وجهه الكريم. وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23].

    نتيجة المعرفة الحقيقية للنار

    والأمر الرابع إخوتي الكرام! الذي يدل على خطأ هذا القول وغلطه: أن الراضي لا يسأل الله شيئاً، لا يسأله جنة ولا يعوذ به من النار, هذا القول الذي نقل عن رويب خطأ، لو وقع في النار لاستعاذ بالله من النار بعدد أنفاسه، لكنه لما لم يجد حر النار ونفث النار وجد في قلبه تعظيماً لربه جل وعلا, تكلم بما هو خطأ وغلط، وعزم على هذا الأمر، لكن لو وقع به العذاب ماذا سيكون حاله؟ انظر لرجل آخر عزم على شيء دون ذلك فابتلاه الله بما يؤدبه في هذه الحياة، فرجع بعد ذلك عن خطئه وغلطه، سمنون الذي سمى نفسه سمنون الكذاب , وقد توفي سنة ثمان وتسعين ومائتين للهجرة، وهو سمنون بن حمزة وقيل: ابن عبد الله الذي كما قلت: لقب نفسه بـسمنون الكذاب ، أنشد بيتاً يخاطب به الحق جل وعلا فقال:

    وليس لي في سواك حر فكيف ما شئت فاختبرني

    والدعوى بلوى وإن صحت, فابتلاه الله بعسر البول من ساعته، وبقي أربعة عشر يوماً لا يستطيع أن يبول، فبدأ يتقلب على الرمل كما تتقلب الحية، ويأخذ في جيبه الجوز والسكر ويطوف به على الصبيان وهم عند الشيوخ يتعلمون القرآن، فيعطيهم الجوز والسكر ويقول: سلوا لعمكم الكذاب أن يطلق الله بوله.

    فإذا ما أطقت الصبر على عسر البول كيف ستطيق الصبر على حر جهنم؟ وكيف تقول: لو أن جهنم وضعت عن يمينك لما سألت الله أن يجعلها عن شمالك لأنك راض، هذا عزم وسرعان ما تنفسخ العزائم عندما تحق الحقائق. أيها الإنسان! أنت ضعيف، فلا داعي بعد ذلك أن تقول هذه العبارات التي هي خطأ، نعم لك مقصود صحيح، لكن هذه العبارة لا تدل على ذلك المقصود فهي خطأ.

    ينبغي للراضي أن يعبد الله جل وعلا إجلالاً له وحياء منه وشكراً له وتعظيماً لحقه سبحانه وتعالى، ثم يسأل الله المزيد من فضله فيسأله جنته ويستعيذ به من النار، وأما أنه لا يسأل الله جنة ولا يستعيذ به من النار هذا كلام باطل.

    إخوتي الكرام! ومع اعتراضنا على من قال هذه المقولة من النساك والصالحين في هذه الأمة، فنلتمس لهم عذراً فيما قالوه، ونرد خطأهم، ونقول: عندهم مقصود صحيح، ألا وهو أنهم أرادوا تعظيم الله إجلالاً له وحياء منه ثم أخطئوا بعد ذلك في الدلالة على ذلك، وهذا ما قرره شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوى في الجزء العاشر صفحة تسعين وستمائة فقال: كثير من العباد الصالحين من أصحاب الأحوال والمقامات في هذه الأمة، يكون عنده وجد صحيح وذوق سليم، لكن لا يستطيع أن يعبر عما في قلبه بكلام صحيح، فيخطئ في التعبير فيجري في تعبيره خطأ وسوء أدب مع صحة مقصوده.

    وعليه: عبادة الله تعظيماً له وإجلالاً له وحياء منه وشكراً له هذا واجب، لكن مع ذلك ينبغي أن نضم إلى ذلك ما أمرنا الله به من سؤاله الجنة ومن الاستعاذة به من النار.

    اللهم إنا نسألك من كل خير أحاط به علمك في الدنيا والآخرة، ونعوذ بك من كل شر أحاط به علمك في الدنيا والآخرة.

    أقول هذا القول، وأستغفر الله.

    1.   

    حكم دعاء الإنسان على نفسه بالبلاء

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين.

    اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، وارض اللهم عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

    عباد الله! لا يجوز للإنسان أن يتعرض إلى ما لا يطيقه من البلاء، فقد نهانا عن ذلك خاتم الأنبياء على نبينا وأنبياء الله ورسله جميعاً صلوات الله وسلامه.

    ثبت في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم وسنن الترمذي ، والحديث رواه الإمام البخاري في الأدب المفرد، ورواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير، ورواه البيهقي في شعب الإيمان وأبو يعلى في مسنده, والحديث صحيح صحيح، فهو في صحيح مسلم من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً من أصحابه قد خفت، أي: ذبل وضعف ونحل حتى صار كالفرخ، كأنه طائر صغير من هزاله وضعفه وذبوله، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ما لك ويحك؟ ماذا كنت تقول؟ ماذا كنت تدعو؟ قال: كنت أقول: اللهم ما كنت معذبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا، قال: ويحك لا تطيقه، لا تستطيعه، هلا قلت: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201] ).

    ولذلك كان أكثر دعاء النبي عليه الصلاة والسلام هذه الجملة المباركة كما ثبت في المسند والصحيحين وسنن أبي داود من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه قال: ( كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، وإذا دعا بدعاء دعا بها فيه، وكان أنس رضي الله عنه إذا دعا بدعوة دعا بهذه الجملة: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

    اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادنا، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، بفضلك ورحمتك يا أرحم الرحمين.

    اللهم صل على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار.

    اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وارحمهم كما رَبَّوْنا صغاراً.

    اللهم اغفر لمشايخنا، ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا.

    اللهم صل على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك.. اللهم اغفر لمن عبد الله فيه.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

    وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً.

    والحمد لله رب العالمين.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755966663