إسلام ويب

فقه المواريث - أدلة عدم توريث ذوي الأرحامللشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اختلف الفقهاء في توريث ذوي الأرحام، فذهب الحنفية والحنابلة إلى القول بتوريثهم إذا لم يوجد وارث من أهل الفروض أو العصبات سوى الزوجين، واستدلوا لذلك بأدلة، ومما استدلوا به ما ورد عن الصحابة والتابعين من القول بتوريثهم. وخالفهم الشافعية والمالكية فلم يجعلوا ذوي الأرحام من الوارثين إذا كان بيت المال منتظماً، واستدلوا لذلك بعمومات قرآنية وأحاديث نبوية؛ لكن أدلتهم ليست من القوة بمكان بحيث ترجح على أدلة القائلين بالتوريث، بل هي لا تسلم جميعاً من مقال.

    1.   

    ذكر بقية الآثار عن الصحابة والتابعين في توريث ذوي الأرحام

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.

    سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    إخوتي الكرام! ذكرنا في المبحث الثاني من توريث ذوي الأرحام اختلاف علماءنا الكرام في توريثهم، وكنا نتدارس حجج القول الأول الذين قالوا بتوريث ذوي الأرحام عند وجود عاصب أو صاحب فرض من النسب، وقلت: والذين قالوا بذلك: هم السادة الحنفية والسادة الحنابلة بدون شرط ولا قيد، وأما المالكية والشافعية فاشترطوا ألا ينتظم بيت المال، وإلا فالأصل ألا يورث ذوو الأرحام عندهم.

    إخوتي الكرام! قلت: استدل هؤلاء من القرآن الكريم، وذكرت وجه استدلالهم لذلك، واستدلوا بما ثبت عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام، وتقدم معنا أن الأحاديث لا تنزل عن درجة الصحة؛ بأن الخال وارث من لا وارث له، وقلت: ما ينسحب على الخال ينسحب على غيره من ذوي الأرحام.

    كنا نتدارس الدليل الثالث من أدلتهم ألا وهو آثار الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين.

    تكملة ما روي عن عمر بن الخطاب في توريث ذوي الأرحام

    بدأت بما ثبت عن سيدنا عمر رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي عبيدة رضي الله عنه وأرضاه بأن يورث الخالة.

    وتقدم معنا أيضاً في توريث ذوي الأرحام من قبل قضاء سيدنا عمر عند موت ابن الدحداح ، وتقدم معنا أيضاً أثر زياد هل هو ابن أبي مريم أو زياد ابن أبيه ؟

    وتقدم معنا أن الطحاوي يقول: إن الأثر إسناده صحيح ثابت أن عمر رضي الله عنه قضى في عمةٍ وخالة أن العمة لها الثلثان والخالة لها الثلث.

    انتهينا من هذه الآثار، وقضاء عمر رضي الله عنه بذلك ثابتٌ في آثار كثيرة، منها:

    ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (11/260) والأثر صحيح ثابت عن زر بن حبيش ، وهو مخضرم ثقة جليل إمام فاضل، توفي سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث وثمانين، أدرك الجاهلية والإسلام ولم ير نبينا عليه الصلاة والسلام.

    ولما توفي كان عمره سبعاً وعشرين ومائة سنة، توفي كما قلت: سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث وثمانين وأدرك الجاهلية، يعني: ضف إلى ثلاث وثمانين عشر سنوات قبل هجرة نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام أو ثلاث عشرة سنة هذه لا تحسب، فأضفها إلى هذه تصبح ستاً وتسعين، يعني: هذه كلها من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى وفاته، وقبلها أدرك الجاهلية، حيث كان عمره سبعاً وعشرين ومائة سنة عليه رحمة الله.

    وقد روى عن سيدنا عمر رضي الله عنه، كما روى عن عثمان وعن علي وعن عبد الله بن مسعود وأمنا عائشة رضي الله عنهم أجمعين.

    يقول زر بن حبيش : إن عمر رضي الله عنه قسم المال بين عمة وخالة.

    هنا كيفية القسم في رواية زر لم ترد، يعني: مات إنسانٍ وترك عمةً وخالة فقسم عمر المال بينهما، وكيفية القسم تقدمت وسيأتي أيضاً فتوى أخرى: أن العم بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الأم، وعليه للعمة ثلثان وللخالة ثلث.

    في رواية زر : قسم المال بين عمة وخالة، الشاهد: أنه ورث ذوي الأرحام، وأعطاهم مالاً من ميت من بني الإنسان.

    قال الإمام ابن التركماني : هذا سند صحيح متصل، ثم نقل عن شيخ الإسلام الحافظ ابن عبد البر أنه قال في الاستذكار: لم يختلف أهل العراق أن عمر رضي الله عنه ورثهما، يعني: العمة والخالة، لكن اختلفوا في ما قسمه لهما؟ وسيأتينا في آخر المباحث كيف نورث ذوي الأرحام على القول بتوريثهم في مذهب التنزيل ومذهب القرابة بالتفصيل إن شاء الله، لكنهم اتفقوا على أنه ورثهما، ثم اختلفوا في كيفية توريثهما.

    وثبت في سنن الدارمي -أثر آخر- وسعيد بن منصور ، ومصنف عبد الرزاق ، ومصنف ابن أبي شيبة ، والأثر رواه البيهقي في السنن الكبرى عن الحسن البصري إمام التابعين، وحديثه في الكتب الستة، فـزر بن حبيش حديثه في الكتب الستة، وهذا توفي سنة (110هـ)، لكن روايته عن عمر رضي الله عنه منقطعة لأنه لم يدرك عمر رضي الله عنه وأرضاه.

    عن الحسن البصري أن عمر رضي الله عنهم أجمعين أعطى الخالة الثلث والعمة الثلثين، لكن الآثار كما قلت: يعتضد بعضها ببعض، ومنها ما هو ثابتٌ صحيحٌ بنفسه، ومنه ما يتقوى بغيره.

    وروى الإمام الدارمي في سننه (2/379) عن بكر بن عبد الله المزني ، وهو ثقة جليل حديثه في الكتب الستة توفي سنة (106هـ)، قال الإمام الذهبي في السير: والأصح أنه توفي سنة (108هـ)، والحافظ ابن حجر في التقريب جزم بأنه (106هـ) وما حكى غير هذا، انظروا ترجمته في السير (4/535).

    عن بكر بن عبد الله المزني : أن رجلاً هلك على عهد سيدنا عمر رضي الله عنهم أجمعين، وترك عمته وخالته، فأعطى سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه العمة نصيب الأخ، وأعطى الخالة نصيب الأخت.

    يعني الذي يظهر لي أيضاً أن الرواية المتقدمة التي فيها للعمة نصيب الأخ أن المقصود أخوها الذي هو أب، والخالة نصيب الأخت، يعني: نصيب أختها، يعني: نصيب الأم، فأخت الخالة هي الأم، وأخو العمة هو الأب، فأعطى العمة نصيب الأخ، يعني: نصيب الأب، وأعطى الخالة نصيب الأخت نصيب الأم.

    قال الإمام البيهقي في السنن الكبرى (6/217) قولاً كأنه يريد أن يضعف هذه الآثار ليرجح مذهب الشافعية، وقوله ضعيف قطعاً وجزماً، فاستمع لقطعه، قال بعد أثر زياد المتقدم.

    وهذا الأثر رواه الحسن وجابر بن زيد وبكر بن عبد الله وغيرهم أن عمر جعل للعمة الثلثين وللخالة الثلث.

    قال: وجميع ذلك مراسيل.

    أقول: هذا غير مسلم، فعندنا روايتان متصلتان: رواية زر ورواية زياد، وهو ما ذكر رواية زر بن حبيش ورواية زياد ذكرها وتقدم معنا أنها صحيحة متصلة، أما زياد فهو الذي حوله كلام إن كان زياد ابن أبيه .

    قال: وجميع ذلك مراسيل، ورواية المدنيين عن عمر أولى أن تكون صحيحة.

    وسيأتينا رواية المدنيين التي من طريقين، طريق منقطع وطريق فيه مجهولان، أن عمر قال: عجب للعمة تورث ولا ترث، وعليه لا يقول عمر رضي الله عنه بتوريث ذوي الأرحام، والأثر ضعيف عنه بلا شك، فأعجب للإمام البيهقي عليه رحمة الله عندما يقول: ورواية المدنيين عن عمر رضي الله عنهم أجمعين أولى أن تكون صحيحة، وقد تعقبه الإمام ابن التركماني في الجوهر النقي بقوله: أثر زياد وزر صحيحان ثابتان متصلان لا اعتراض عليهما، وبقية الآثار مراسيل كما قال البيهقي ، لكنها تعتضد ببعضها فتتقوى، ثم قال: هذه وجوه كثيرة عن عمر رضي الله عنه وأرضاه يشد بعضها بعضاً أنه ورث ذوي الأرحام، وقد قدمنا ما في رواية المدنيين -أي: عن سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه- من الجهالة والانقطاع. وستأتينا عند القول الثاني قول الشافعية والمالكية إن شاء الله.

    وقد ثبت في سنن الدارمي ومصنف عبد الرزاق عن قيس بن حبتر النهشلي ، ونهشل بطن من تميم لذلك يقال له: قيس بن حبتر التميمي ، وهو ثقة أخرج حديثه أبو داود في السنن.

    قال قيس بن حبتر : أتي عبد الملك بن مروان في عمة وخالة مات إنسان عنهما، فكتب يسأل: كيف يورثهما؟ فقال شيخ: سمعت عمر رضي الله عنه وأرضاه: جعل للعمة الثلثين وللخالة الثلث، فهم عبد الملك أن يكتب به -أي أن يظهر بذلك حكماً ويوزعه على أمراء الأمصار ليقضوا بهذا- ثم قال: أين زيد عن هذا؟

    يعني: لو أن عمر رضي الله عنه قضى بذلك لما غفل عن هذا زيد له اجتهاده، والمسألة لا إجماع فيها، لو كان هناك إجماع لما صح لزيد ولا لغيره أن يخالف.

    وثبت في سنن الدارمي أيضاً، ومصنف ابن أبي شيبة ، عن إبراهيم النخعي ، وروايته عن عمر رضي الله عنهم أجمعين منقطعة: أن عمر أعطى خالاً المال كله.

    وفي رواية لـابن أبي شيبة -هذه زيادة- قال: وكان خالاً ومولى.

    أقول: إذا كان مولى فلا إشكال فيها، لأنه عاصب عن طريق السبب.

    وفي مصنف ابن أبي شيبة عن عبيد بن عمير وهو من التابعين الكبار، بل قال الإمام مسلم : إنه ولد في عهد نبينا المختار عليه الصلاة والسلام فله حكم الصحبة؛ لأن الغالب في الصحابة الذين ولدوا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يؤتى بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبرك عليهم ويدعو لهم، لذلك الإمام مسلم يقول: ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ : وعده غيره من كبار التابعين، مجمع على ثقته، وتوفي قبل سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين.

    عن عبيد بن عمير : أن عمر رضي الله عنه وأرضاه ورث خالاً ومولاً من مولاه.

    يعني: هو خال وهو مولاه، ورثه من مولاه.

    ما روي عن علي وابن مسعود في توريث ذوي الأرحام

    خلاصة الكلام: قضاء عمر رضي الله عنه في توريث ذوي الأرحام ثابت، وقد وافقه على قضائه ذلك علي وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين.

    ففي مصنف ابن أبي شيبة (11/261) عن سليمان العبسي عن رجل عن علي رضي الله عنه وأرضاه أنه كان يقول في العمة والخالة بقول عمر : للعمة الثلثان وللخالة الثلث.

    هذا قضاء علي رضي الله عنه من طريق فيه مجهول.

    وثبت في سنن الدارمي وسنن سعيد بن منصور ومصنف عبد الرزاق والسنن الكبرى للإمام البيهقي عن مسروق وهو مسروق بن الأجدع ، توفي سنة اثنتين وستين حديثه في الكتب الستة، وهو أيضاً مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ولم ير نبينا عليه الصلاة والسلام، وهو من كبار أصحاب عبد الله بن مسعود ، وإسناد الأثر صحيح كالشمس، وينقل هذا عن عبد الله بن مسعود فيقول: قال عبد الله : الخالة بمنزلة الأم، والعمة بمنزلة الأب، وبنت الأخ بمنزلة الأخ، وكل ذي رحم بمنزلة رحمه التي يدلي بها إذا لم يكن وارث ذو قرابة.

    أي: لأنه لو وجد وارث رد عليه المال، والرد يقدم على توريث ذوي الأرحام، وهكذا لو وجد عاصب.

    وثبت في مصنف ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه: للعمة الثلثان وللخالة الثلث.

    قال الحافظ في الفتح (12/30): وقد روى أبو عبيدة بإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه أنه جعل العمة كالأب والخالة كالأم، وعليه هذا القضاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ثابت، وعن عمر رضي الله عنه ثابت، وعن علي قلت: في الإسناد رجل مبهم مجهول.

    وثبت في سنن الدارمي ومصنف ابن أبي شيبة عن الشعبي : أنه سئل عن امرأة أو رجل مات وترك خالة وعمة، ليس له وارث ولا رحم غيرهما؟ فقال الشعبي : كان عبد الله ينزل الخالة بمنزلة الأم، والعمة بمنزلة أخيها.

    وثبت في السنن الكبرى للإمام البيهقي (6/217) عن المغيرة بن مقسم الضبي الكوفي عن أصحابه .. أي: لم يسموا، والمغيرة بن مقسم ثقة متقن لكنه يدلس لا سيما في روايته عن إبراهيم النخعي ، وانتبه في تفريق الشيخ الألباني بين الأمرين عن أصحاب معاذ قال: مجاهيل، وهنا في إرواء الغليل (6/142) يقول: هم جماعة من التابعين يطمئن القلب لحديث مجموعهم وإن كانوا لم يسموا، طيب! لم أصحاب معاذ لا يطمئن القلب إلى مجموعهم مع أن الإمام ابن القيم تقدم معنا؟ قال: هم من الشهرة بمكان، وهذا أعلى وأقوى مما لو سمي واحد أو اثنان. أي: عندما قال: عن أصحاب معاذ فهذا أعلى مما لو قال: فلان وفلان من أصحاب معاذ؟

    وهذا نظير ذلك، اسمع لعبارته يقول: هم جماعة من التابعين يطمئن لحديث مجموعهم وإن كانوا لم يسموا! طيب لو قال هذا في حديث معاذ كذلك لاسترحنا وزال الخلاف، حديث معاذ : (بم تقضي...) والذي لا يوجد كتاب من كتب أصول الفقه إلا ويستشهد بهذا الحديث في مبحث القياس، جاء هو بشذوذه وقال: إنه ضعيف منكر. طيب لم؟ قال: فيه جهالة أصحاب معاذ لم يسموا! طيب، هنا ما في جهالة وهذا الأثر دون ذاك بكثير، فهنا يطمئن القلب لخبر مجموعهم؛ لأنهم جماعة وإن لم يسموا، وهناك يستنكر القلب!

    إخوتي الكرام! لابد من ضبط الأمور بالموازين العلمية، فكيف هنا جماعة لم يسموا نقبل خبرهم، وهناك جماعة لم يسموا نرد خبرهم؟ مع أن أصحاب معاذ أصحاب صحابي، وهنا أصحاب تابعي، فشتان بين هذا وذاك، واضح هذا؟ إذاً: بل المغيرة بن مقسم الضبي من أتباع التابعين، يعني: هو يروي عن التابعين الذين رووا عن علي وعبد الله كما ستسمعون، ولذلك أن يصحح قضاء علي وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه بهذا الأثر، كما قلت الشيخ الألباني في إرواء الغليل يقول: الإسناد صحيح وإن لم يسموا يطمئن القلب إليهم، فإذاً: هو من أتباع التابعين يروي عن أصحابه عن علي وعبد الله بن مسعود .

    إذاً: هنا عن المغيرة بن مقسم الضبي الكوفي عن أصحابه قال: كان علي وعبد الله إذا لم يجدوا ذا سهم أعطوا القرابة.

    يقول: أعطوا لبنت البنت.. أعطوا لبنت البنت المال كله، وأعطوا الخالة المال كله، وكذلك ابنة الأخ يعطونها المال كله، وكذلك ابنة الأخت للأم أو للأب والأم أو للأب، يعني: ابنة الأخت سواء كانت من أخت شقيقة أو أختٍ لأبٍ فقط أو لأم، المقصود بنت الأخت تنزل منزلة الأخت، فإذا انفردت أخذت المال كله، يعني: بنت أخت شقيقة بنت أخت لأب بنت أخت لأم؛ أي واحدة وجدت من هؤلاء تنزل منزلة أمها فتأخذ المال كله كما لو كانت هناك أختٍ لأم تأخذ المال كله فرضاً ورد، أو كما لو كان هناك أخت لأب، أو كما لو كان هناك أخت شقيقة.

    يقول: وكذلك العمة يعطونها المال كله إذا وجدت، وابنة العم المال كله، وابنة بنت الابن، والجد من قبل الأم، وما قرب أو بعد إذا كان رحماً إذا لم يوجد غيره، هذا كله أثر في السنن الكبرى للإمام البيهقي سنقرأ الأثر من نفس الكتاب إن شاء الله.

    فإن وجد ابنة بنت، وابنة أخت لأب، فالنصف والنصف، هذا قضاء سيدنا علي وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم وأرضاهم. نزل بنت البنت منزلة البنت لها النصف، ونزل بنت الأخت منزلة الأخت لها الباقي عصبة مع الغير، فالنصف هو النصف.

    وإن كانت عمة وخالة فالثلث والثلثان، أي فالعمة بمنزلة الأب، والخالة بمنزلة الأم.

    وابنة الخال وابنة الخالة لهما الثلث والثلثان؛ لأن ابنة الخال بمنزلة الخال أخو الأم، وابنة الخالة منزلة الخالة أخت الأم، فصار كما لو ماتت الأم وتركت أخاً وأختاً، الأخ له الثلثان والأخت لها الثلث.

    إخوتي الكرام! الأثر هو يقول: أنبأنا جرير عن المغيرة عن أصحابه أي: عن شيوخه الذين تلقى عنهم، قال: كان علي وعبد الله إذا لم يجدوا ذا سهم أعطوا القرابة، أعطوا لبنت البنت المال كله، والخال المال كله، وكذلك ابنة الأخت وابنة الأخت للأم أو للأب أو للأب والأم، أو للأب، والعمة، وابنة العم، وابنة بنت الابن، والجد من قبل الأم، وما قرب أو بعد إذا كان رحماً فله المال إذا لم يوجد غيره، فإن وجد ابنة بنت وابنة أخت، فالنصف والنصف، وإن كانت عمة وخالة فالثلث والثلثان، وابنة الخال وابنة الخالة الثلث والثلثان.

    يعني: حكم على الإسناد بالصحة مع أنه عن أصحابه لم يسموا، لكن يقول: القلب يطمئن لحديث مجموعهم بأنهم جماعة من التابعين يروون هذا الحديث عن صحابيين جليلين عن سيدنا علي وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وعليه القضاء ثابت عن ثلاثة من الصحابة: عن عمر رضي الله عنه من طرق متعددة برواة مختلفين.

    وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ثابت قطعاً، وعن علي من طريقين: من طريق ثابت ومن طريق فيه -كما تقدم معنا- مبهم مجهول.

    الإمام البيهقي أورد بابين هنا:

    باب: من لا يرث من ذوي الأرحام، وباب من قال بتوريث ذوي الأرحام، أورد هذه الآثار هنا.

    ثم هنا يقول: باب ترجيح قول زيد بن ثابت على قول غيره من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين في علم الفرائض، وأن زيداً قال بهذا: لا يرث ذوو الأرحام، فأورد هذا وأورد هذا.

    هنا الإمام البيهقي ما علق على هذا بشيء على الإطلاق، بعد أن أورده وقف عنده فقط عن أصحابه؛ لأنه أورده ضمن من قال بتوريث ذوي الأرحام، يعني: هذا من حججهم، قال الطحاوي : لا اختلاف عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما في توريث ذوي الأرحام.

    على كل حال: البيهقي ضعف الآثار عن عمر رضي الله عنه، وقد تقدم معنا أثران ثابتان متصلان: أثر زياد وأثر زر بن حبيش ، والمراسيل يعتضد بعضها ببعض. قال: رواية المدنيين أصح، رد عليه ابن التركماني فقال: رواية المدنيين من طريقين:

    طريق فيه انقطاع، وطريق فيه جهالة. فليست رواية المدنيين أصح.

    والبيهقي يقول: قول زيد مقدم، يعني: هي أقوال الصحابة في ذلك مختلفة، لكن ما ثبت أن ذوي الأرحام لا يورثون إلا من قول زيد بن ثابت من الصحابة، ونقل عن سيدنا أبي بكر رضي الله عنه كما سيأتينا في رواية المستدرك التوقف في توريث ذوي الأرحام.

    أما عمر رضي الله عنه فالمنقول عنه والثابت توريثهم، وعدم توريثهم نقل عن عمر بأسانيد ضعيفة، وهكذا عن علي وهكذا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ومن أجل هذا اختلف المذاهب الأربعة، وإلا لو أن الصحابة كلهم كانوا على قول واحد لما حصل الخلاف في المذاهب الأربعة، وهذه هي الساعة التي تعيشها الأمة الإسلامية إن شاء الله، فالإمام البيهقي شافعي والشافعي يأخذ بقول زيد بن ثابت في الفرائض ولا يقدم عليه أحداً، وهنا يضع عنواناً بارزاً: باب تقديم قول زيد على غيره في الفرائض.

    وثبت في سنن سعيد بن منصور (1/71) ومصنف ابن أبي شيبة (11/261) عن الأعمش عن إبراهيم النخعي أن عمر وابن مسعود كانا يورثان العمة والخالة إذا لم يكن غيرهم.

    قال إبراهيم النخعي : كانوا يجعلون العمة بمنزلة الأب، والخالة بمنزلة الأم. وقد تقدم أن رواية النخعي عن عمر منقطعة.

    وثبت في سنن الدارمي (2/380) عن عبيدة -وهو عبيدة بن عمرو السلماني بإسكان اللام وفتحها، أيضاً مخضرم، حديثه في الكتب الستة، توفي سنة سبعين- عن إبراهيم أن عمر وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين رأيا أن يورثا الخال. أي: أنه يكون وارثاً.

    هذه آثار عن الصحابة ثابت القضاء عن ثلاثة من الصحابة.

    ما ورد عن التابعين في توريث ذوي الأرحام

    أما آثار التابعين: فممن قال بتوريث ذوي الأرحام: مسروق من أئمة التابعين الكرام، وتقدم معنا أنه مخضرم، وهو ثقة فقيه رضي الله عنه وأرضاه، توفي سنة اثنتين وستين للهجرة، ثبت قوله في سنن الدارمي ومصنف ابن أبي شيبة عن عامر الشعبي عن مسروق أنه كان ينزل العمة بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الأم.

    وثبت في سنن سعيد بن منصور ومصنف عبد الرزاق ومصنف ابن أبي شيبة عليهم جميعاً رحمة الله، عن أبي إسحاق السبيعي ، قال: شهد عامر على مسروق أنه قال: أنزلوهم منزلة آبائهم، يعني: منزلة من أدلوا به.

    والأثر رواه البيهقي في المكان (6/217) عن مسروق عن شيخه عبد الله بن مسعود ، يعني: هذا الذي يقول مسروق منقول عن شيخه في رواية البيهقي ، قال مسروق : قال عبد الله : أنزلوهم منازل آبائهم، يقول: يورث كل إنسان بمنزلة أبيه.

    وثبت في سنن الدارمي ومصنف ابن أبي شيبة عن مسروق أنه قال في رجل توفي وليس له وارث إلا ابنة أخيه: للخال نصيب أخته، ولابنة الأخ نصيب أبيها.

    وعليه الأم ستعطيها الثلث والأخ له الباقي، المسألة تصبح من ثلاثة: اثنان واحد، ابنة أخ وخالة، هذا قضاء مسروق ، وهو ثابت عنه رحمة الله ورضوانه عليه.

    وثبت هذا القضاء عن إبراهيم النخعي في سنن الدارمي ، قال: من أدلى برحم أعطي برحمه التي يدلي بها، يعني: ينزل منزلة قريبه الذي أدلى به، فالخالة تدلي بالأم فتنزل منزلة الأم، والعمة منزلة الأب، وبنت الأخ منزلة الأخ، والجد من قبل الأم منزلة الأم، وهكذا.

    ونقل النخعي هذا عمن قبله فقال كما في مصنف ابن أبي شيبة (11/261، 279) قال إبراهيم : كانوا يورثون بقدر أرحامهم، وممن قال بهذا القول الشعبي .

    وهو إذاً ثابت عن مسروق والنخعي والشعبي ، وسيأتينا قول الشعبي عند بيان كيفية توريث ذوي الأرحام إن شاء الله.

    انتهينا الآن من حجج القول الأول، كتاب الله وسنة النبي عليه الصلاة والسلام وآثار عن الصحابة الأخيار والتابعين الأبرار رضي الله عنهم أجمعين في أن ذوي الأرحام يرثون، قلت: ثبت عن ثلاثة من الصحابة وعن ثلاثة من التابعين رضي الله عنهم أجمعين. والأحاديث الصحيحة الثابتة تقدمت معنا، ودلالة القرآن فيما يظهر من حيث الظاهر ظاهرة: وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75]، لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا [النساء:7]، فعلة الإرث القرابة، وتقدم معنا أن هذا هو أقوى أسباب الإرث، والعلم عند الله جل وعلا.

    1.   

    القول الثاني: عدم توريث ذوي الأرحام

    القول الثاني: لا يورث ذوي الأرحام، فالوارث إذا لم يوجد عاصب أو صاحب فرض نسبي هو بيت المال، قال بهذا إمامان جليلان: سيدنا الإمام مالك وسيدنا الإمام الشافعي عليهم جميعاً رحمة الله، الأستاذ وتلميذه، فالإمام مالك هو الأستاذ والشافعي هو التلميذ، وتلميذ التلميذ خالف وهو الإمام أحمد عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه.

    والمعتمد عند المذهبين: أن بيت المال إذا لم ينتظم نورث ذوي الأرحام كما تقدم معنا في الرد.

    الأدلة العامة للقول بعدم توريث ذوي الأرحام

    نذكر أدلتهم العامة ثم سنأتي إلى الأدلة الخاصة فهي محل البحث، فعمدتهم ما تقدم معنا مراراً أنهم حملوا المطلق على المقيد في آيات المواريث، فلا إرث لأحدٍ من ذوي الأرحام غير من بينت حقوقهم ومقادير إرثهم في القرآن، والله جل وعلا نص على الورثة وجعلهم أصحاب فروض وعصبة، فهؤلاء هم الذين يرثون، وعليه قول الله: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ [النساء:7]، أي: حسبما فرض الحي القيوم، فالابن عاصب والبنت لها النصف، والأب عاصب، ويكون له السدس حسب ما ذكر الله، هؤلاء كلهم من ذوي الأرحام وأهل القرابات، فالمطلق يحمل على المقيد، والذي لم ينص على إرثه ولم يحدد له شيء فلا شيء له، فإذا مات الإنسان وترك خالة أو عمة أو بنت أخ، فهؤلاء لا يرثون؛ لأن الله ما ذكرهم ضمن الورثة، وعليه يؤول المال إلى بيت المال.

    وتقدم معنا أيضاً ضمن مبحث الرد أنهم استدلوا أيضاً بما ثبت في صحيح السنة عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث).

    وتقدم معنا إخوتي الكرام! أن الحديث صحيح ثابت، وقلت: إنه في المسند والسنن الأربع إلا سنن أبي داود ، وقد رواه الإمام الدارقطني والبيهقي عن عامر بن خارجة .

    والحديث رواه الإمام أحمد أيضاً وفي السنن الأربع إلا النسائي من رواية أبي أمامة الباهلي ، فهو من رواية عامر بن خارجة وأبي أمامة رضي الله عنهم أجمعين.

    وتقدم معنا الجواب عن هذين الاستدلالين: فقلت إخوتي الكرام! أما ما يتعلق بحمل المطلق على المقيد فقلت أيضاً: فنحن نقدم هنا من ذكر له نصيبٌ محدد، ولا نهمل العموم والإطلاق الوارد في كلام الحي القيوم؛ لأنه يقول: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ [النساء:7]، فنحن من فرض الله له نصيباً قدمناه، ومن لم يفرض له لا نخرج عن مدلول الآية، فإذا لم يوجد بنت ولا أم لا نخرج عن مدلول الآية، لابد للرجال نصيب وللنساء نصيب، فإذا وجدت بنت البنت نقول: تنزل منزلة أمها وهي البنت، وإن وجدت الخالة فمنزلة أخته، وجدت العمة منزلة أخيك، وجدت بنت العم منزلة أبيك، كأنها عم تأخذ المال كله؛ لأنها قريبة.

    فإذاً: لا تعارض بين الإطلاق والتقييد، ذاك يقدم عند اجتماع الورثة، فإن وجدت أم وبنت عم فلا إرث لبنت العم مع الأم، لكن إذا لم يوجد صاحب فرض ولم يوجد عاصب من النسب، فيبقى قول الله لابد من استعماله: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ [النساء:7].

    وأما الحديث: (فلا وصية لوارث)، فهذا في ذات الوصية، وقد بينت الحقوق، فنقدم من بين حقه، ولا يجوز أن نهمل أيضاً ما ثبت في السنة من أن الخال يرث إذا لم يوجد وارث: (الخال وارث من لا وارث له)، كما تقدم معنا، فإذاً: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه)، هذا إذا وجد أحدٌ من أصحاب الفروض والعصبات أخذه، وإذا لم يوجد فإنها تأتي معنا أحاديث أخرى، فيأتي: (الخال وارث من لا وارث له) فيرث، والعلم عند الله جل وعلا.

    إذاً: هذه أدلة عامة تقدمت معنا واستدلوا بها، الذي يعنينا في بحثنا أنهم استدلوا بأدلة خاصة تنص على عدم توريث ذوي الأرحام، وهذه الأدلة تنقسم إلى قسمين:

    منها ما هو وارد في السنة، ومنها ما هو منقول عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين.

    فقالوا: ثبت في السنة أنه لا توريث لذوي الأرحام.

    أقول: حقيقة لو ثبتت كان هناك مجال للبحث، لكن الأحاديث هنا دون تلك الأحاديث بكثير، لا يسلم حديث منها عن مقال، إنها ضعيفة، نعم قد يقال: تعتضد، لكن ضعاف تتقوى بغيرها دون الأحاديث الصحيحة الحسنة بنفسها كما تقدم معنا: (الخال وارث من لا وارث له)، طرقه ثابتة صحيحة. وانتبه للأدلة الخاصة:

    حديث أبي هريرة في عدم توريث ذوي الأرحام

    أولاً: دليل السنة: روى الإمام الدارقطني في السنن من رواية أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ميراث العمة والخالة فقال: لا أدري حتى يأتيني جبريل، ثم قال: أين السائل عن ميراث العمة والخالة؟ فأتى الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سارني جبريل أنه لا شيء لهما)، أي: أخبرني سراً وخفية، وهذا هو طريق الوحي إعلامٌ في خفية وسرية.

    قال الإمام الدارقطني : لم يخرجه غير مسعدة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، مسعدة قال الدارقطني : هو ضعيف، والصواب أنه مرسل، يعني: من رواية أبي سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بحذف الصحابي.

    قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (3/94).

    إخوتي الكرام! التلخيص الحبير، في كثير من الكتب لا سيما المعاصرة الآن يقولون: تلخيص الحبير وهذا خطأ، فإن تلخيص الحبير يفهم أنه مختصر لكتاب اسمه الحبير وهذا تلخيص له، والصواب أنه التلخيص الحبير، بمعنى التلخيص الجيد.

    قال الحافظ ابن حجر في التلخيص: ضعفه الدارقطني بـمسعدة بن اليسع وتقدم معنا كلام الدارقطني يقول: ضعيف بـمسعدة بن اليسع الباهلي راويه عن محمد بن عمرو ، وتقدم معنا ذكر مسعدة بن اليسع الباهلي في مباحث النبوة عند تفسير قول الله: إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً [الواقعة:35]، في حديثٍ ذكرته كان في إسناد ذلك الحديث، وقلت هناك: قال عنه الإمام الذهبي في المغني: إنه هالك، وكذبه أبو داود ، انظروا كلام الذهبي في المغني (2/654).

    وقال الإمام الهيثمي في المجمع (10/419) نظير عبارة الدارقطني : ضعيف، والضعيف لا يستدل به بالاتفاق، فالحديث ضعيف ثابت لا يستدل به.

    حديث ابن عمر في عدم توريث ذوي الأرحام

    رواية ثانية: رواها الحاكم في المستدرك (4/343) عن عبد الله بن جعفر عن عبد الله دينار عن سيدنا عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (أقبل النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكب على حمار عليه صلوات الله وسلامه عليه، فلقيه رجلٌ فقال: يا رسول الله! رجل مات وترك عمته وخالته لا وارث له غيرهما؟ فرفع النبي عليه الصلاة والسلام رأسه إلى السماء وقال: اللهم رجل ترك عمته وخالته، ثم قال عليه الصلاة والسلام: أين السائل؟ قال: ها أنا ذا يا رسول الله! فقال: لا ميراث لهما)، قال الحاكم في المستدرك: هذا حديث صحيح، فإن عبد الله بن جعفر المديني وإن شهد عليه ابنه علي بن المديني في سوء حفظه، فليس ممن يترك حديثه. يعني: يقول: ليس في إسناد الحديث إلا عبد الله بن جعفر والد علي بن المديني ، الولد قال: والدي سيئ الحفظ، يقول الحاكم : لكن ليس ممن يترك حديثه. قال الذهبي في التلخيص معلقاً على كلام الحاكم : قلت: ولا احتج به أحد، أي: في تلخيص المستدرك قال الحافظ الذهبي: قلت: ولا احتج به أحد، يعني: والده علي بن المديني وهو عبد الله بن جعفر ما احتج به أحد.

    وقال في الميزان: متفق على ضعفه، وقال في المغني: اتفقوا على ضعفه. وقال ابن حجر في التقريب: ضعيف ويقال: تغير حفظه بآخره، يعني: ضعيف وأيضاً تغير حفظه. توفي سنة (178هـ)، وهو من رجال الترمذي وسنن ابن ماجة . وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (3/94): ضعيف.

    إذاً ابنه يقول: إنه شيء الحفظ، وأئمتنا أجمعوا على ضعفه وأنه لم يحتج به أحد، وعليه قول الحاكم هذا صحيح الإسناد، وهذا حديث صحيح، وعبد الله بن جعفر المديني وإن شهد ابنه عليه بسوء الحفظ، فلا يترك حديثه، يقول الذهبي : لم يحتج به أحد.

    إخوتي الكرام! مع وضوح الأمر، وهم شيخنا عليه رحمة الله الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان (2/421) وهماً غريباً عجيباً، فقال: تضعيف هذه الطريق بعبد الله بن جعفر غير مسلم، يقول: لأن عبد الله بن جعفر من رجال مسلم ، وأخرج البخاري حديثه تعليقاً في صحيحه، وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: ليس به بأس.

    وهم بين رجلين، يعني: هما رجلان كل منهما عبد الله بن جعفر المديني، واحد والد علي بن المديني وواحد آخر، والد علي بن المديني لم يخرج له مسلم ، ولا ذكر له في صحيح البخاري ، قلت: روى له الترمذي وابن ماجة -انتبه إذاً- عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي أبو جعفر المديني هذا والد علي ، هذا الذي هو في الإسناد.

    الراوي الثاني: عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن المدني أيضاً، لكن هنا المخرمي فيه زيادة، هناك أبو جعفر، وهذا أبو محمد ، ليس به بأس، توفي سنة 170 (خت م ع) بعد ذلك بصورة الأربعة؛ لأنه من رجال السنن الأربع، يعني: روى له مسلم وأهل السنن الأربع والبخاري تعليقاً، لا بأس به، هذا ليس كما قلت: الموجود معنا هنا

    إذاً: عندنا هنا عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي أبو جعفر المديني هذا هو الذي في الإسناد، وهو ضعيف بالاتفاق، فالشيخ وهم، قال: لا يصح تضعيف هذه الطريق بعبد الله بن جعفر ، لم؟ قال: هو من رجال مسلم وأخرج له البخاري تعليقاً، وقال عنه الحافظ ابن حجر : لا بأس به. فهذا وهم واضح كالشمس في رابعة النهار، وانظروا أضواء البيان، وانظروا تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر ، كما قلت: عبد الله بن جعفر بن نجيح ، عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن ، كل منهما مدني مديني كلٌ منهما، لكن كما قلت: يختلفان في الجد، هنا نجيح وهنا عبد الرحمن، والكنية هنا أبو جعفر وهنا أبو محمد، وذاك أخرج له الترمذي وابن ماجة ، وهذا أهل الكتب الستة، لكن البخاري أخرج له تعليقاً، ومسلم وأهل السنن الأربع، فشتان شتان، ذاك مجمع على ضعفه، وهذا لا بأس به، وحديثه إن شاء الله في درجة الحسن، وهو في صحيح مسلم ، فيختلف الأمر.

    فيقول: لا يصح تضعيف هذه الطريق بعبد الله بن جعفر لأنه من رجال مسلم ، هذا وهم، وكما قلت لكم مراراً: كتب المتأخرين لابد لها تمحيص، وأنا أرى دائماً لو أن إنساناً في هذه الأيام ألف، وقبل أن ينشر كتابه لو راجعه عدد من طلبة العلم من أتباعه وأصحابه وتلاميذه، وأقرانه ليتحقق الإنسان من هذه المعلومة.

    طيب! ولفظ الحديث كما ذكرناه: (اللهم رجلٌ ترك عمة وخالة، ثم قال: أين السائل؟ قال: ها أنا ذا يا رسول الله! قال: لا شيء لهما)، إذاً: هذه رواية ثانية من رواية ابن عمر ، والأولى من رواية أبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين، هذا ضعيف وذاك ضعيف، ذاك فيه مسعدة بن اليسع وهنا عبد الله بن جعفر المديني .

    شواهد حديث ابن عمر في عدم توريث ذوي الأرحام

    قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (3/94): روى الإمام الحاكم شاهداً لحديث ابن عمر هذا الذي فيه عبد الله بن جعفر المديني ، والشاهد انظروه في المستدرك (4/343) يعني: بعد أن روى حديث عبد الله بن عمر أورد له شاهدين أيضاً، وليس شاهداً واحداً كما سيأتي.

    يقول: روى له شاهداً من حديث شريك بن أبي نمر ، وشريك صدوق ويخطئ، توفي سنة (140هـ)، أخرج له الشيخان والنسائي وابن ماجة والترمذي في الشمائل.

    قال: من حديث شريك بن أبي نمر : أن الحارث بن عبد الله أخبره (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ميراث العمة؟ فسكت، فنزل عليه الوحي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حدثني جبريل ألا ميراث لهما).

    وروى له الحاكم شاهداً آخر من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه، قال: (ركب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قباء على حمارٍ له فقال: أستخير الله في ميراث العمة والخالة، فأوحى الله إليه أن لا ميراث لهما)، قال الحاكم : فقد صح حديث عبد الله بن جعفر المديني بهذه الشواهد، ولم يخرجاه، فتعقبه الذهبي فقال: الشاهد الأول -الذي من طريق شريك بن أبي نمر عن الحارث بن عبد الله - فيه الشاذكوني وهو مرسل، إذاً: علتان: إرسال، والشاذكوني ، أما الشاذكوني فما تكلم عليه الذهبي لأنه معروف، وقال عنه الحافظ في التلخيص: متروك، والشاذكوني هو سليمان بن داود متروك، لم يخرج له أحد من أهل الكتب الستة.

    إذاً: مرسل، وفيه متروك، كيف ستقوي به أثراً مجمعاً على ضعفه؟ هذا لا يصح.

    وهذا الأثر قبل أن ننتقل للشاهد الثاني، أعني: أثر الحارث بن عبد الله رواه البيهقي في السنن الكبرى (6/213)، قال الإمام ابن التركماني في الجوهر النقي: اختلف فيه، فرواه ابن أبي شيبة (11/263) عن شريك -أي فحذف الحارث بن عبد الله -: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمة والخالة؟)، قال الإمام ابن التركماني : وكذا ذكره الدارقطني في السنن (4/99) من طريقين. إذاً: كأنه يقول: فيه الشاذكوني وهو مرسل، واختلف في الإرسال فتارة يذكر الحارث بن عبد الله ، وتارة يحذف شريك بن أبي نمر يرفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ففي سنن الدارقطني والبيهقي لا وجود للحارث ، قال الإمام ابن التركماني : ثم إن الحارث هذا لم أعرف حاله، ولا ذكر له في شيء من الكتب التي بأيدينا سوى المستدرك، فإنه مذكور فيه في هذا الحديث مستشهداً به، يعني: جعله شاهداً لحديث عبد الله بن عمر .

    وحقيقة كتبت تراجم لم أقف على ترجمة للحارث بن عبد الله .

    أي أنه أولاً: فيه الشاذكوني متروك وهو مرسل، ثم روي بحذف الحارث بن عبد الله ، وعلى التسليم بذكره يقول: مجهول لا أعرف حاله، ولا وجود له في شيء من الكتب إلا في مستدرك الحاكم مستشهداً به في هذا الحديث، هذا كلام الإمام ابن التركماني ، وبعد بحث ما وقفت له على ترجمة، فابحثوا فإذا وجدتم فأخبروني وجزاكم الله خيراً.

    قال ابن التركماني : وشريك بن عبد الله بن أبي نمر فيه كلام يسير. وقد كنت ذكرت لكم حاله وقلت: إنه صدوق يخطئ، وهو من رجال الصحيحين فالكلام فيه لا يضر إن شاء الله، وحديثه لا ينزل عن درجة الحسن، لكن كما قلت: عندنا بلية من الشاذكوني ، وعندك بعد ذلك على التسليم بذكر الحارث بن عبد الله وهو مجهول الحال لا يعلم حاله، إذاً: هذا الشاهد الأول لا يثبت.

    والشاهد الثاني هو أثر أبي سعيد الخدري ، أو ليس كذلك؟ وعليه لو ثبت يصبح معنا حديث أبي هريرة وحديث ابن عمر وحديث أبي سعيد مع هذا المرسل الذي هو من طريق الحارث بن عبد الله .

    لكن الثاني يقول عنه الذهبي في التلخيص: فيه ضرار بن صُرد ، وهو هالك، وقال الحافظ في التلخيص: في إسناده ضعف، وانظر لكلام الحافظ في التقريب؛ ولا أراه متمشياً مع الموازين في توثيق الرجال.

    الآن الذهبي يقول هالك، وابن حجر في التلخيص يجزم بأنه ضعيف، انظر لكلامه في التقريب حيث يقول: هو أبو نعيم الطحان الذي هو ضرار بن صُرد أبو نعيم الطحان الكوفي صدوق له أوهام وخطأ، ورمي بالتشيع، وكان عارفاً بالفرائض، توفي سنة (229هـ)، ثم رمز له (عخ) إشارة إلى أن البخاري أخرج له في كتاب خلق أفعال العباد فقط، ولم يخرج له أحدٌ من أصحاب الكتب الستة، وهذا الحكم لا يتناسب مع حال ضرار بن صُرد حين يقول: هو صدوق له أوهام وخطأ، يعني: حقيقة لا يتناسب، استمع لترجمته في كتب الجرح والتعديل:

    يقول الذهبي في الميزان: قال البخاري وغيره: متروك، وقال ابن معين : كذاب، وقال النسائي : ليس بثقة، وقال الدارقطني : ضعيف، وقال أبو حاتم : صدوق لا يحتج به، وصدوق عند غير ابن حجر ليست كالصدوق عن ابن حجر فانتبه لذلك! أئمتنا إذا قالوا: إنه صدوق فهي من ألفاظ الجرح إلا الحافظ ابن حجر فهذا اصطلاح خاصٌ له في التقريب أن هذا لمن كان حديثه في درجة الحسن.

    أي أنه صدوق لا يحتج به، متروك، كذاب، كيف أنت تحكم عليه في التقريب بعد أن جزمت بضعفه في التلخيص، وجزم أئمتنا بذلك، ولو جاء التوثيق لنقلته، فلا تظنوا أني تخيرت ألفاظ التجريح، هذا ما هو موجود في ترجمته، فلا يقال: توسط الحافظ ابن حجر ، فحقيقة إطلاق الحكم عليه بأنه صدوق له أوهام عجيب، ويحتاج كما قلت لشيء من التحقق، يعني: هل يوجد وهم أو خطأ من الطابعين؟ العلم عند رب العالمين.

    وانظروا أيضاً ترجمته في المغني في الضعفاء، وقال الإمام ابن التركماني في الجوهر النقي في التعليق على سنن البيهقي (6/213): متروك الحديث، كذا قال النسائي ، وكان ابن معين يكذبه، أفمثل هذا يقال عنه: صدوق له أوهام وخطأ؟ لا ثم لا، يعني: أقل ما يقال عنه: إنه ضعيف، والحافظ جزم بهذا دون تردد في التلخيص، ولذلك الذهبي يقول: فيه ضرار بن صُرد وهو هالك، وعليه لا يثبت هذا الأثر الذي هو عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه.

    إخوتي الكرام! حديث أبي سعيد أخرجه الطبراني في الصغير كما في المجمع (4/230)، قال الإمام الهيثمي : وفيه يعقوب بن محمد الزهري وهو ضعيف، وقال الحافظ ابن حجر في ترجمته: صدوق كثير الوهم والرواية عن الضعفاء، توفي سنة 213 (خع ق)، أي روى له البخاري تعليقاً وابن ماجة القزويني في السنن.

    وحديث أبي سعيد رواه الدارقطني (4/98)، وسعيد بن منصور (1/70)، والبيهقي (6/212) مرسلاً من طريق عطاء بن يسار ، قال الحافظ ابن حجر في التلخيص: ورواه النسائي مرسلاً عن زيد بن أسلم ، ومرسل زيد رواه عبد الرزاق في مصنفه (10/281)، ومصنف ابن أبي شيبة (11/262)، وروي أيضاً مرسلاً من طريق عطاء بن يسار وزيد بن أسلم في الدارقطني .

    إخوتي الكرام! باب: من لا يرث من ذوي الأرحام.

    يقول: عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار ، وقلت: في رواية النسائي كما قال الحافظ ابن حجر ومصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: (أتى رجلٌ من أهل العالية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إن رجلاً هلك وترك عمة وخالة، انطلق حتى تقسم ميراثهم)، يعني: يريد من النبي عليه الصلاة والسلام أن يقسم ميراثهم، (فتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار وقال: يا رب! رجلٌ ترك عمة وخالة؟ ثم سار هنيهة، ثم قال: رب! رجل ترك عمة وخالة؟ ثم سار هنيهة، ثم قال: رب! رجل ترك عمة وخالة؟ قال: لا أرى ينزل عليَّ شيء لا شيء لهما).

    يقول هنا: وروى أبو داود في المراسيل عن عبد الله بن مسلمة عن عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب إلى قباء يستخير في ميراث العمة والخالة، فأنزل عليه: لا ميراث لهما)، ثم قال البيهقي : ورواه أبو نعيم ضرار بن صرد عن عبد العزيز ..

    وروى عن شريك بن أبي نمر أن الحارث بن عبد الله أخبره (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ميراث العمة والخالة فسكت، فنزل عليه جبريل عليه السلام فقال: حدثني جبريل أن لا ميراث لهما)، إذاً: هنا أثر أبي سعيد روي أيضاً مرسلاً عن عطاء وعن زيد بن أسلم .

    والحديث كما ترون إخوتي الكرام! ضعيف من جميع الطرق، طريق حديث عبد الله بن عمر وحديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد الخدري ، والمرسل الذي هو من طريق الحارث بن عبد الله ، وروي الحديث أيضاً مرسلاً في مصنف عبد الرزاق (10/281) عن صفوان بن سليم ، وهو العبد الصالح القانت ثقة مفتٍ عابد، توفي سنة (132هـ). انظروا ترجمته الطيبة في السير (5/364)، وفيه كلام للإمام أحمد فيه جرى حوله ضجيج ولغط.

    انظروه في الميزان وفي غيره يستشفى بحديثه، وينزل القطر عند ذكرك له، صفوان بن سليم ، كان آلى على نفسه ألا يضع جنبه على الأرض حتى يعلم مقعده من الجنة أو النار، فبقي ثلاثين سنة لا نام ولا اضطجع، وإذا غلبه النوم ينام وهو قائم، فلما اشتد به السياق قالوا له: وضعت جنبك الآن تستريح ترتفق، قال: إذاً: ما وفيت بنذري، فما وضع جنبه حتى مات، وبعد أن مات ضحك رحمة الله ورضوانه عليه، صفوان بن سليم ، هو العبد الصالح الذي كان في مسجد نبينا عليه الصلاة والسلام يصلي فدخل سليمان بن عبد الملك ، وكان معه سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم أجمعين، فلما نظر إلى سليمان وهو الخليفة إذ ذاك، وأعجب بطلعة هذا العبد الصالح المنور المشرق، أو كان يصلي صفوان بن سليم ، قال: من هذا؟ قال: هذا صفوان بن سليم ، قال: يا غلام! علي بالصرة، فوضع خمسمائة دينار في الصرة وقال: أعطها لهذا الرجل صفوان بن سليم ، فأطال الصلاة فلما سلم قال له: هذه الصرة من أمير المؤمنين، قال: لعلك أخطأت، قال: أو لست بـصفوان بن سليم ؟ قال: بلى. لكن لعله أراد غيري ووهمت، قال: هو قال: لـصفوان بن سليم ، قال: اذهب فتأكد، فلما ذهب خرج وولى، قال: فما رئي في المسجد حتى غادر سليمان بن عبد الملك المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه، حقيقة يستشفى بحديثه، وينزل القطر عند ذكرك له، رضي الله عنه وأرضاه.

    عن صفوان بن سليم رضي الله عنه وأرضاه: (أن رجلاً جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله! رجلٌ ترك خالته وعمته؟ فلم ينزل على النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك شيء، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: ليس لهما شيء)، والأثر رواه سعيد بن منصور في سننه عن عمران بن سليم : (أن رجلاً انقعر -يعني: انخلع، بمعنى: مات- عن مال له، فأتت ابنة أخته النبي عليه الصلاة والسلام تسأله عن الميراث، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: لا شيء لك، اللهم من منعت ممنوع، اللهم من منعك ممنوع)، مرتين.

    يقول الشيخ الأعظمي: المسمون بهذا الاسم -وهو عمران بن سليم - ثلاثة مذكورون في الجرح والتعديل، وقد أخرج عبد الرزاق نحو هذا عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صفوان بن سليم ، أثر صفوان (10/281) في مصنف عبد الرزاق ، أما هنا فعمران بن سليم يعني: حقيقة لا يوجد أحد من رجال الكتب الستة اسمه عمران بن سليم ، والذهبي حتى في المغني ما أورد أحداً اسمه عمران بن سليم .

    وهنا يقول في الجرح: رجعت إلى الجرح كما قال الشيخ الأعظمي: يوجد ثلاثة يسمون بذلك، انظروا الجرح والتعديل (6/299) باب السين، عمران بن سليم الحضرمي بصري سمع ابن عمر ، فهو تابعي، روى عنه عياش بن عباس وعمرو بن الحارث سمعت أبي يقول ذلك.

    والثاني: عمران بن سليم الكلاعي ، قاضي حمص روى عن يزيد بن ميسرة ، روى عنه معاوية بن صالح ... إلى آخره.

    الثالث: عمران بن سليم روى عن عبد الرحمن بن عيسى عن الزهري أو روى عنه سعيد بن أبي أيوب ، قال: سمعت أبي يقول ذلك. انتهى بعد عمران بن ثوالة، هؤلاء ثلاثة كلهم عمران بن سليم، فمن المراد هنا؟ على جميع الأحوال هو تابعي ولا يزيد حاله عن ذلك، فيبقى الأثر مرسلاً، والذي قبله كذلك، وجميع الآثار ما بين ضعيف وما بين مرسل.

    هذه الأحاديث إخوتي الكرام! هي عمدة من قال إنه روي في السنة عدم توريث ذوي الأرحام، لا يوجد أثرٌ آخر على الإطلاق، ولا يوجد واحد منها يسلم من مقال، فماذا نجيب عن هذه الأحاديث؟

    أولاً: هذه الآثار ضعيفة كما رأيتم فلا تقارن بما تقدم وعلمتم، تقدم معنا هناك آثار صحيحة: (الخال وارث من لا وارث له)، وأما هنا لا يسلم أثرٌ من مقال.

    فإن قيل: إن هذه الآثار تتقوى بتعدد طرقها واختلاف مخارجها من مراسيل وأسانيد متصلة ضعيفة، فالجواب: نعم، الأمر كذلك، لكن مهما قويت فهي دون الأخبار المصرحة بتوريث ذوي الأرحام في القوة، فعند التعارض يقدم الأقوى.

    وبهذا يجاب عن ما ذكره شيخنا عليه رحمة الله في أضواء البيان، مع ما في كلامه من وهم لا يخفى، وكنت نبهت عليه، فقال عليه رحمة الله: هذه الطرق الموصولة والمرسلة يشد بعضها بعضاً، فيصلح مجموعها للاحتجاج، لا سيما أن منها ما صححه بعض العلماء، كالطريق التي صححها الحاكم ، وتضعيفها بعبد الله بن جعفر فيه أنه من رجال مسلم ، وأخرج له البخاري في صحيحه تعليقاً، وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: ليس به بأس، هذا وهم كما قلت، وقوله: هناك طرق موصولة ومرسلة يشد بعضها بعضاً يصلح مجموعها للاحتجاج، كما قلت: نعم تكتسب قوة، لكن قوتها دون قوة الأحاديث المصرحة بتوريث ذوي الأرحام قطعاً وجزماً، ولا يرتاب في ذلك من وقف على تلك الأحاديث وعلى هذه الآثار.

    الجواب الثاني: هذه الأحاديث التي صرح بأنه لا نصيب لذوي الأرحام، يراد منها: ليس لهم ميراث محدد ونصيب مقدر يزاحمون به الورثة.

    قال الإمام ابن التركماني : ذكره الإمام عبد الحق هذا الحديث في أحكامه.

    ونذكر بقية الأجوبة في درس قادم إن شاء الله تعالى، والله أعلم.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756273021