إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب القطع في السرقة [1]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد حرم الله عز وجل السرقة، وجعل الله لقطع يد السارق حكماً عظيمة، والشفاعة في حدود الله إذا وصلت إلى القاضي لا تجوز. وهناك أصناف ممن يأخذون أموال الناس لا تقطع أيديهم لعدم اكتمال شروط السرقة فيهم، وهؤلاء هم: المختلس، والمنتهب، وجاحد العارية، والغاصب، وخائن الوديعة.

    1.   

    مشروعية قطع يد السارق

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    قال المصنف رحمه الله: [ باب القطع في السرقة ].

    القطع هو: الفصل بين الشيئين، وفصل الشيء عن الشيء، والمراد به هنا: قطع اليد من السارق.

    وقوله رحمه الله: (في السرقة) أي: في حد السرقة.

    والسرقة في لغة العرب مأخوذة من: سرق الشيء، إذا أخذه على وجه الخفية، وكل شيء يقع على وجه الخفية يسمى سرقة، ومنه مسارقة النظر، وهو أن ينظر إلى الشيء دون أن ينتبه الغير إليه، ومنه استراق السمع، كما يكون من الشياطين كما أخبر الله تعالى: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ [الحجر:18] .

    والسرقة: أخذ المال المحترم شرعاً على وجه الخفية من حرز مثله بالغ النصاب من مكلف ملتزم مختار، فإذا وقعت السرقة على هذا الوجه انطبقت عليها أحكام هذا الحد الشرعي.

    وحد السرقة من الحدود التي أجمع العلماء رحمهم الله عليها، وثبت بها دليل الكتاب والسنة، قال تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة:38]، وهي من التشريع المدني.

    وثبت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قطع في السرقة، فقطع عليه الصلاة والسلام يد المخزومية التي كانت تسرق وتستعير المتاع ثم تجحده، كما ثبت في السنة الصحيحة عنه عليه الصلاة والسلام، وقال في خطبته المشهورة حينما سألت قريش أسامة رضي الله عنه أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنها، فقال: (أتكلمني في حد من حدود الله؟) ، وفي بعض الروايات: (أتشفع في حد من حدود الله؟) فاعتبر السرقة حداً من حدود الله، وقال عليه الصلاة والسلام: (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم القوي -وفي لفظ: الشريف- تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، والذي نفسي بيده! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) فهذا يدل على مشروعية القطع في حد السرقة.

    وبيّن صلى الله عليه وسلم أن هذا الحد ليس خاصاً بأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من الشرائع الموجودة فيمن قبلنا، بدليل قوله: (كانوا إذا سرق فيهم القوي تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه) ، وهذا يدل على أن حد السرقة ليس من الحدود التي تختص بها الأمة المحمدية.

    وأجمع العلماء رحمهم الله على مشروعية القطع في حد السرقة، وفعل ذلك الأئمة والخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وفعله أئمة الصحابة رضي الله عن الجميع وأرضاهم، فالإجماع منعقد على هذا الحد الشرعي.

    وفي حد السرقة صيانة لأموال الناس، فكما أمر الله عز وجل بحفظ الدين، وبحفظ النفس من القتل، وبحفظ العرض من الانتهاك بالقول كما في القذف، وبالفعل كما في الزنا، شرع سبحانه وتعالى حد السرقة صيانة لأموال الناس من اعتداء المعتدين عليها، وهذا الحد فيه صيانة لحقوق الناس، وكبح لجماح الأنفس الدنيئة التي تعتدي على أموال الناس، وفيه زجر لأهل العقول السليمة عن الوقوع في رذيلة السرقة، ومن نظر إلى قوة هذا الحد ربما استغرب من شدة ألمه وعظيم موقعه، كيف تُقطع اليد من السارق لقاء هذا المال، مع أن حرمة الجسد أعظم من حرمة المال؟ ولكن من تأمل ما الذي يقع وما الذي يحدث للمسروق منه إذا أُخذ ماله من القهر والأذية والضرر والظلم وجد في هذا الحد حكمة عظيمة، ووجد فيه عدل الله جل وعلا الذي قامت عليه السموات والأرض.

    ولذلك استشكل الزنادقة والملحدون هذا الحد من حدود الله، وأوردوا الاعتراض على الشريعة، حتى قال بعضهم: إن الشريعة تناقضت، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، ونسأل الله بعزته وجلاله وعظمته وقهره لخلقه أن يقطع ألسنة أهل الزيغ وأهل الفساد، فقالوا: كيف إذا قطع الرجل يد الرجل وجب القصاص، وإذا قطعها خطأً وجب الضمان بنصف الدية، ثم إذا سرق ربع دينار قطعت يده؟ فكيف تضمن هذه اليد بنصف الدية ثم تقطع في ربع دينار؟ فظنوا أن هذا من التناقض قاتلهم الله! وهذا من انطماس بصائرهم حتى قال قائلهم:

    تناقض مالنا إلا السكوت عليـه وأن نعوذ ببارينا من النار

    يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار

    فقال له القاضي عبد الوهاب المالكي رحمه الله:

    قل للمعري: عار أيما عار لبس الفتى وهو عن ثوب التقى عاري

    عز الأمانة أغلاها وأرخصها ذل الخيانة فافهم حكمة الباري

    فلما عزت وصانت كانت كريمة، ولما هانت وسرقت واعتدت أصبحت رخيصة وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]، فالله يضع الرحمة حيث توضع الرحمة لمن يستحقها، ويوجب العقاب والعذاب على من يستحقه، ومن هنا لا تعارض في الشريعة؛ لأنها صانت اليد وهي كريمة، وقطعتها وهي خائنة لئيمة، والحكمة تقتضي وضع الشيء في موضعه.

    فقوله: [باب القطع في السرقة] أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل التي تتعلق بقطع يد السارق.

    1.   

    شروط قطع يد السارق

    قال المصنف رحمه الله: [إذا أخذ الملتزم]

    السرقة لا تكون إلا بصفة محدودة، وضبطت بالأدلة الشرعية، وهذه الصفة إذا وجدت حكم بثبوت الحد، وإذا فقدت فإنه لا يقام الحد.

    ومن هنا بيّن رحمه الله أن السرقة أخذ، وعلى هذا لو هجم رجل على مال يريد أن يسرقه فكشف أمره قبل أن يخرج به من حرزه ويتحقق الأخذ لم تقطع يده، فمثلاً: لو أنه كسر باب العمارة أو باب الشقة، أو دخل إلى الغرفة التي فيها النقود والأموال وكسر الباب أو عالجه فانفتح، ودخل وكسر الأقفال الموجودة على الصناديق، وقبل أن يأخذ المال ويخرج من هذا الحرز الذي هو حرز للمال أخذ، فلا تقطع يده حيث لم تتحقق السرقة.

    وعليه فلا بد من وجود الأخذ، حتى ولو حصل الأخذ بدون استصحاب منه، مثل: أن يكسر القفل ويأخذ ما قيمته النصاب، ثم يرميه من وراء الجدر، ثم يكشف أمره، فهنا قد حصل الأخذ؛ لأنه قد خرج المال من حرزه وهو نصاب ومال محترم شرعاً، وحينئذٍ تتحقق السرقة.

    إذاً: لابد من وجود الأخذ، فإذا لم يقع الأخذ لم نحكم بثبوت الحد.

    والسرقة تتعلق بالسارق والمسروق وفعل السرقة، هذه ثلاثة أركان تتحقق بها السرقة، ففعل السرقة في قوله: (أخذ)، وهذا الأخذ له ضوابطه، وسيبين رحمه الله الشروط المعتبرة للحكم بكون السارق قد تحقق فيه ما يوجب القطع بالأخذ المعتبر.

    والسارق هو الركن الثاني، والسارق يشترط فيه:

    أولاً: أن يكون مكلفاً، فالصبي لا تقطع يده، وكذا المجنون لا قطع عليه بإجماع العلماء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (رفع القلم عن ثلاثة -وذكر منهم- الصبي حتى يحتلم، والمجنون حتى يفيق)، فإذا سرق وهو صبي أو مجنون فإنه غير مكلف.

    ثانياً: أن يكون مختاراً، فلو أكره على السرقة، كما يقع في العصابات، حينما يكره بعض أفرادها، فيهدد بالقتل أو يهدد بالضرر على الوجه والشروط التي ذكرناها في تحقق شرط الإكراه، فإذا هدد وتحقق فيه شرط الإكراه وقالوا له: إذا لم تذهب معنا وتسرق فإننا نقتلك، أو نقتل ابنك، أو نؤذيك أذية هي أعظم من السرقة، فإذا تحقق فيه شرط الإكراه فإنه لا يقطع.

    وعلى هذا ينبغي أن يكون مكلفاً بالبلوغ والعقل، وأن يكون مختاراً لا مكرهاً على السرقة.

    ثالثاً: أن يكون ملتزماً بأحكام الشريعة الإسلامية، سواءً كان من المسلمين أو من أهل الكتاب كالذميين فإنهم التزموا بالعهد بأن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وخاصة على القول بأنه يقام عليهم حكم الله عز وجل إذا تخاصموا إلينا، وأنهم مخاطبون بفروع الشريعة، فيشترط أن يكون ملتزماً مسلماً أو ذمياً، وخرج بهذا الحربي، فالحربي غير ملتزم بأحكام الشريعة، وكذلك -كما قيل-: المستأمن، فإن المستأمن إذا أخذ له الأمان فإنه في مذهب بعض العلماء غير ملتزم.

    ومن هنا يشترط في السارق أن يكون مكلفاً ملتزماً مختاراً، فإذا تخلف أحد هذه الشروط لم يقطع، فبيّن رحمه الله شرط الالتزام بأحكام الشريعة.

    اشتراط النصاب

    قال المصنف رحمه الله: [إذا أخذ الملتزم نصاباً].

    هذا يتعلق بالركن الثالث، وهو: المال المسروق، فعندنا السارق والمسروق وفعل السرقة، فلما قال رحمه الله: (نصاباً) بين الركن الثالث، وهو: أن يكون المال المسروق نصاباً، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا قطع إلا في ربع دينار) كما في الصحيح، وكذلك في حديث السنن: (لا تقطعوا إلا في ربع دينار، ولا تقطعوا فيما دون ذلك)، وهذا يدل على أنه ينبغي التقيد بالنصاب، وقال في حديث الثمر: (فإذا أواه الجرين ففيه القطع إذا بلغ ثمن المجن)، والمجن هو الدرع الذي كان يستر المقاتل، وكانت قيمته تساوي ربع دينار أو أكثر من ربع دينار، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها سُئلت عن ثمن المجن فقالت: ربع دينار، ففسرت الحديث بما يتفق مع الأصل، فالنصاب ربع الدينار، وسيأتي تفصيله -إن شاء الله-، وفيه خلاف عن السلف رحمهم الله، ولكن الربع دينار هو الذي دلت عليه النصوص الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    إذاً: يشترط في هذا المال المسروق: أن يكون قد بلغ النصاب، فإذا كانت قيمته دون ربع الدينار فإنه لا تقطع يد السارق، فلو أنه سرق كتاباً أو قلماً أو ثوباً أو نحو ذلك مما قيمته لا تساوي الربع الدينار أو ما يعادله من الدراهم، فإنه لا يقطع.

    وذهب بعض العلماء إلى عدم اشتراط النصاب وهم الظاهرية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله السارق يسرق البيضة والحبل فتقطع يده) وقد أجيب عن هذا الحديث بأن المراد به الوعيد، فلا يلتفت إلى حقيقة ما ذكر فيه، وهذا شأن أحاديث الوعيد، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عقرى حلقى)، وليس المراد: عقرها الله، حلقها الله، وقال: (ثكلتك أمك يا معاذ ! )، وهو دعاء بالموت لكن لا يريد الحقيقة، وهنا أراد أن ينبه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا.

    وقيل: إن الحبل يساوي ربع دينار في السفن، والبيضة المراد بها: بيضة المقاتل، وهي التي تلبس في القتال، وقيمتها ربع دينار فأكثر، وليس المراد بها البيضة من نتاج الدجاج.

    وعلى كل حال سيأتي إن شاء الله بيان هذه المسألة، وأن الصحيح اعتبار النصاب؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص وقال: (لا قطع إلا في ربع دينار)، وهذا نص صريح، ولا يعارضه المحتمل، ولأننا لا ندري هل تأخر حديث: (لعن الله السارق) أو تقدم؟ ومن هنا لا يقوى على المعارضة من كل وجه، فيشترط في ثبوت حد السرقة: أن يكون المال المسروق نصاباً.

    اشتراط الحرز

    قال المصنف رحمه الله: [من حرز مثله].

    أصل الحرز: الحصن، والشيء المحفوظ فيما يحفظ فيه مثله يقال عنه: في حرز، والأحراز تكون في الأموال متفاوتة، وتتفاوت بحسب الزمان وبحسب المكان وبحسب الظروف والأشخاص، ومن هنا ينقسم الحرز إلى قسمين:

    الأول: ما يكون حرزاً بنفسه، مثل الدور والعمائر والشقق والبساتين، فهذه حرز بنفسها، بمعنى: أن عليها البناء والأغلاق، وفي حكمها الدكاكين، والحوانيت، والأحواش المسورة، فهذه أحراز بنفسها، ولذلك من تسور فدخلها ثم أخذ منها فقد أخذ من حرز.

    النوع الثاني من الحرز: حرز الحافظ، أو ما يقول العلماء عنه: حرز الغير، فهناك ما هو حرز بنفسه، وهناك ما هو حرز بغيره، والحرز بغيره هو المكان، ووضعوا ضابطاً يفرق بينه وبين الأول، فقالوا: حرز المكان هو الذي لا يدخل الشخص إلا بإذن من صاحبه، فالعمارة حرز مكان وحرز بالنفس، وهكذا الشقة والغرفة والمكتب إذا كان خاصاً بالشخص، فهذا حرز بنفسه، لا يدخله الغير إلا بإذن من صاحبه، وحرز الغير هو الذي يكون بالحافظ ويقع في الأشياء أو في الأموال أو في الأماكن العامة.

    فمثلاً: الأماكن العامة كالمساجد، ولو أن شخصاً سرق من مسجد فليس بسارق؛ لأن المسجد يرتاده الناس، ومفتوح للعامة، ومن هنا ليس له حرز، وليس حرزاً بنفسه، وإنما هو حرز بالحافظ، فلو نام شخص في المسجد ووضع كساءه أو ثوبه أو شنطته التي فيها النقود تحت رأسه فسرقها أحد فإنها تعتبر في حرز، ولذلك لما سُرِقَ رداء صفوان رضي الله عنه في المسجد من تحت رأسه، قطع النبي صلى الله عليه وسلم يد السارق؛ لأنه حينما وضعه تحت رأسه فقط حرزه وحفظه، صحيح أن المسجد عام لكنه حينما قام على ماله ووضعه على وجه يصان به فإنه حرز حفظ، فإذا سرقه من تحت رأسه أو جذب الفراش من تحته أو نحو ذلك فإنه يعتبر قد أخذ من حرز.

    وهكذا بالنسبة لحرز الغير، الإبل إذا كانت ترعى فإن حرزها بوجود الراعي معها، فإذا سرقها والراعي معها فهي سرقة من حرز، وإذا سرقها والراعي نائم فليست بسرقة من حرز، لابد من وجود الحفظ والصيانة فيما هو سائب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (ليس في حريسة الجبل قطع حتى تأوي إلى المراح)، فجعل الإبل وهي بين الجبال أو في الموضع راعية سائمة ليس فيها قطع؛ لأنها ليست في حرز، فإذا حفظت بالحافظ والأمين فإنه حينئذٍ تكون في حرز.

    أن يكون المال المسروق محترماً

    قال المصنف رحمه الله: [من مال معصوم].

    يشترط في السرقة أن يكون المال المأخوذ مالاً معصوماً، فخرج المال غير المعصوم، والمراد بالعصمة: عصمة الإسلام، وعبر الفقهاء بهذا المصطلح انتزاعاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله -وفي لفظ- حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم...) الحديث، فقوله: (قد عصموا) المراد بها: عصمة الإسلام، وعصمة الإسلام يدخل فيها الأمان والعهد للذمي، فإذا اعتدي على مال مسلم فهو اعتداء على مال معصوم، وإذا اعتدي على مال ذمي فهو اعتداء على مال معصوم؛ لأنه بموجب العهد يكون للذمي ما للمسلمين، وعليه ما على المسلمين.

    وخرج بهذا الحربي، فلو أنه مثلاً كان في القتال وتوقف مثلاً أو تقابل الزحفان ولم يحصل بينهما قتال فانسل مسلم وأخذ على وجه الخفية شيئاً منه فهي ليست بسرقة شرعية؛ لأن هذا من إغاظة الكافر بإيذائه في ماله إذا كان محارباً، ومن هنا لا تعتبر سرقة؛ لأن المال الذي أخذه مال غير معصوم.

    ألا يكون في المال المسروق شبهة للسارق

    قال المصنف رحمه الله: [لا شبهة له فيه].

    الشبيه: المثيل، وهذا يشبه هذا إذا كان قريباً منه في الصفات، والشبهة: أن يكون للإنسان شبهة في الملك، كما في السيد في مال عبده، والوالد في مال ولده، على تفصيل عند العلماء، وسيأتي إن شاء الله بيان ضوابط هذه الشبهة، ومتى تؤثر، ومتى لا تؤثر، والأصل في اشتراط عدم الشبهة قوله عليه الصلاة والسلام: (ادرءوا الحدود بالشبهات) فأمرنا أن نتقي الشبهات، وإذا وجدت في السارق شبهة، أو في المال المسروق شبهة توجب سقوط الحد وكانت مؤثرة فإنه لا حد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن ندرأ الحدود وندفعها بالشبهات.

    أن يؤخذ المال المسروق خفية

    قال المصنف رحمه الله: [على وجه الاختفاء].

    أن تكون هذه السرقة على وجه الاختفاء، وهذا أصل في السرقة، ومن هنا لو كانت السرقة عياناً بياناً أمام الناس، مثل: الغصب، فلو جاء واغتصب سيارته، أو أنزله من سيارته ثم أخذها بالغصب والقوة، فهذه ليست بسرقة، لكن لو أنه جاء إلى السيارة وهي في (كراجها) ومكان حفظها وحرزها ففتحها وأخرجها من مكان هو حرز لمثلها؛ فقد حصلت السرقة.

    فلا بد من وجود هذا الشرط: أن يكون على سبيل الخلسة والاختفاء، فلو كان على سبيل الظهور كما في الغاصب فإنه لا يقطع، وكما في المنتهب، والنهبة تكون بإغارة بعض القبائل على بعض، أو الجماعات على بعضهم، فهذا لا يعتبر سرقة، فقد كانوا في القديم يغيرون ويأخذون الإبل ويستاقونها، ويكون هذا على مرأى ومسمع، وهذا ليس بسرقة، إنما السرقة على وجه الخفية، ونفس مصطلح السرقة يتضمن ذلك، وهو وجود الخفية وعدم الظهور.

    1.   

    قطع يد السارق حد من حدود الله لا شفاعة فيه

    قال المصنف رحمه الله: [قطع].

    الحكم الشرعي أنه يجب قطع يده، وهذا محل إجماع بين العلماء رحمهم الله، وإذا توافرت الشروط لم يجز تعطيل حد الله عز وجل.

    ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم: (إذا بلغت الحدود السلطان فلعنة الله على الشافع والمشفع)، ولما سرق الرجل رداء صفوان ورفعه صفوان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعه؛ ما كان يظن صفوان أن الرجل ستقطع يده، فشفع له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: (ما علمت أن يده ستقطع فقال: هلا كان هذا قبل أن تأتيني به) أي: أنه كان المفروض ألا تأتيني به؛ لأنك لو أتيتني به أقمت حد الله عليه.

    ومن هنا قال المصنف: (قطع) أي: وجب القطع، وهو حد الله عز وجل، ومن أقام حد الله عز وجل فقد أطاع الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام، وتستقيم الأمة بتنفيذ حدود الله، وإقامة هذه الحدود، ويجب ألا تأخذ من يقيمها لومة لائم، وألا يبالي بسخرية الساخرين واستهزاء المستهزئين وإرجاف المبطلين، هذا كله لا يلتفت إليه؛ لأن الحكم لله الذي يحكم ولا معقب لحكمه سبحانه، والأمر أمر الله، والخلق خلق الله، يفعل بهم ما يريد، ويحكم فيهم ما يريد سبحانه وتعالى.

    أجمع العلماء رحمهم الله أنه إذا توافرت الشروط يجب على القاضي الحكم بالقطع، ويجب على السلطان تنفيذ هذا الحكم، وألا يتدخل أحد في حكم الله عز وجل، وهذا الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لما ثبت عن المخزومية موجب القطع وجاءت قريش بقضها وقضيضها تشفع وتريد أن تسقط عنها العقوبة، وقدموا الأموال من أجل أن يردوا ما سرقته ويطيبوا خاطر المسروق منه، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد هذه النعرات وهذه الحمية الجاهلية الممقوتة التي تعطل حدود الله عز وجل وتمنع من إقامة حق الله عز وجل، ردها بعبارة قوية شديدة، فقال: (والذي نفسي بيده -فأقسم بربه سبحانه الذي أنفس العباد بيده سبحانه- لو أن فاطمة بنت محمد -وحاشاها- سرقت لقطعت يدها) فأخرس ألسنتهم، وكف شفاعتهم، وردهم عليه الصلاة والسلام وأقام هذا الشاهد والمثال في أحب الناس إليه، الذي هو منه بضعة وقطعة، كما في الصحيح أنه قال: (إنما فاطمة بضعة مني) -أي: قطعة مني- يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها.

    ومع ذلك يقول: (والذي نفسي بيده! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) وهذا يدل على ما ذكره المصنف من ثبوت الحد وهو القطع.

    وأجمع العلماء رحمهم الله: على أنه لا تجوز الشفاعة ولا يجوز تعطيل الحدود بالمماطلة والعبث بحق الله سبحانه وتعالى، بل الواجب تنفيذ هذا الحد.

    والمراد باليد: من عند مفصل الزندين مع الكف، فيجب القطع من هذا الموضع، وسيأتي إن شاء الله بيان الضوابط الشرعية المعتبرة لتنفيذ هذا الحد وهذه العقوبة.

    1.   

    أصناف لا تقطع أيديهم عند أخذهم مال الغير

    قال المصنف رحمه الله: [فلا قطع على منتهب].

    يقول رحمه الله: (فلا قطع على منتهب)، وهذا ما ثبتت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا قطع على خائن، ولا مختلس، ولا منتهب)، والحديث صححه غير واحد من العلماء رحمهم الله، وأجابوا على ما أورد عليه من الانقطاع بين ابن جريج وأبي الزبير محمد بن تدرس المكي ، وصحح غير واحد إسناده، واختار الشيخ الألباني رحمه الله في الإرواء تصحيحه، والحديث صحيح أنه لا يقطع المنتهب، ولا المختلس، ولا الخائن، قال صلى الله عليه وسلم: (لا قطع على منتهب، ولا مختلس، ولا خائن)، وقال الإمام الترمذي : إنه حديث حسن، وأثبت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه مما يحتج به.

    والمنتهب -كما ذكرنا- هو: أن يأخذ المال على سبيل النهبة، وتكون عياناً، فذكر المصنف رحمه الله المنتهب؛ لأنه سبق وأن بيّن وجه الخفية، فخرج المنتهب؛ لأنه يكون على وجه العلانية.

    قال رحمه الله: [ولا مختلس].

    المختلس هو: الذي يتغفل الإنسان فيختلس منه الشيء دون أن يكون على علم، وغالباً المختلس يفقد فيه شرط الحرز، ومن هنا يكون الشخص غافلاً فيختلس ماله وهو على الطاولة، أو يختلس ماله وهو على المكتب، فهذا ليس بسرقة إنما هو اختلاس.

    فبيّن المصنف رحمه الله: أنه لا بد من شرط الحرز، والمختلس يأخذ من غير الحرز، لأنه لا يستطيع أن يختلس إلا إذا كان المال أمامه، ويكون مثلاً شخص أخرج النقود -كالصرّاف- ووضعها أمامه يريد أن يحاسب شخصاً ثم غفل أو كانت يد ذلك المختلس خفيفة فأخذ من هذا المال، هذا من غير حرز، وحينئذٍ لا تقطع يده.

    قال رحمه الله: [ولا غاصب].

    وهو الذي يأخذ المال بالقهر والقوة، فلو أن شخصاً أخذ أرض شخصٍ بالغلبة، أو اغتصب منه شبراً من أرضه أو متراً، أو أخذ مزرعته أو أخذ بيته وعمارته فإنه لا يقطع؛ لأنه أخذ المال على غير وجه الخفية؛ لأن الغصب يكون علانية.

    قال رحمه الله: [ولا خائن في وديعة].

    الخائن هو: الشخص الذي يؤتمن على أموال الناس، فيضيع الأمانة نسأل الله السلامة والعافية، فلو أنه وضع المال عنده لكي يحفظه وديعة، فسرق من هذا المال أو أخذ منه فإنه لا تقطع يده؛ لأنه حينما أعطي المال نزّل منـزلة الوكيل، وحينئذٍ لا يتأتى فيه ما في السارق من كونه يأخذ المال على سبيل الخفية دون علم من صاحبه، والخائن لا يتوافر فيه أخذ المال من الحرز؛ لأنه هو في الأصل أعطي كحافظ للمال فهو حرز المال وهو حفظه، ومن هنا لا يعتبر شرط الحرز متحققاً في الخائن، ولو أنه أعطي وديعة ثم أنكرها وجحدها، فإنه إذا تبين أنه جاحد للوديعة لم يقطع؛ لأنه لا قطع في خيانة كما نص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عنه.

    قال رحمه الله: [أو عارية أو غيرها].

    الوديعة: تأتي للشخص وتقول له: هذه عشرة آلاف ضعها عندك أمانة إلى نهاية السنة، وهذا محدد الوقت، أو إلى أن أطلبها منك، وهذا غير محدد الوقت، فهذه وديعة.

    أما العارية: كأن يأتي شخص مثلاً ويأخذ سيارتك ويقول: أريد هذه السيارة من أجل أن أسافر بها إلى المدينة، ثم أخذ السيارة وفرّ بها، ففي هذه الحالة لا نعتبرها سرقة؛ لأنه ليس على سبيل الخفية، وأنت على علم أن سيارتك عنده.

    1.   

    ما يجب على المسلم عندما ترد الشبهات من أعداء الله

    من هنا تدرك عظيم ضرر السرقة حينما راعى الشرع فيها قضية الخفية لعظيم ضررها؛ لأنه إذا سرق المال من الشخص اتهم جميع الناس في الأصل إلا من رحم ربك، وحينئذٍ تسوء ظنون المسلمين بعضهم ببعض، وفي المغتصب يعرف من أخذ ماله، وفي الخائن يعرف من خانه، وفي الجاحد للعارية والوديعة معلوم من قام بهذا.

    ومن هنا: فعل السارق ليس أذية للأموال فقط بل أذية إلى نفسية الناس، فمن الناس من إذا سرق ماله فقد عقله والعياذ بالله، ومنهم من تأخذه الحمية والقهر حينما يؤخذ ماله وهو لا يدري من الذي أخذ، فيشك حتى في ولده، ويشك حتى في أقرب الناس منه، ومن هنا تراعى عظم شأن هذه الجريمة، فالبعض ينظر إلى ظاهرها من كونها متعلقة بالأموال، ولكن لا ينظر إلى ضرر المأخوذ منه.

    ومن هنا تجد من ينتقد الشريعة -وهو أحقر من ذلك ودون ذلك- ينظر إلى المقطوع يده وهو الجاني ولا ينظر إلى المجني عليه، ويقولون: كيف تقتصون من القاتل؟ هذه بشاعة، كيف تقتلونه؟ يأتون ويسفكون الدماء وينتهكون الأعراض ويعتدون على أموال الناس ثم يأتي أهل الحقوق ويتكلمون وينتقدون ويقولون: إنهم أهلُ حقوق، وإنهم دعاةٌ إلى الحقوق: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا [فاطر:8]، فيرون أنهم دعاة للحق، وأنه لا يمكن أن تقطع اليد، ويقولون: ما هذه البشاعة في الإسلام؟ -قاتلهم الله- ولا ينظرون إلى الأعراض التي تنتهك، والدماء التي تسفك، والأموال التي تسرق، أبداً ما ينظرون إلى هذا، بل ينظرون إلى المجرم ويقولون: وراءه أسرة وعائلة، وهم بهذا يعينون أهل الجرائم على جرمهم.

    فلو كانوا أهل حقوق بحق لنظروا إلى الطرفين، وأنصفوا الطرفين، حتى حينما نقول لهم: هذا قاتل، هذا قتل غيره، فكما سلب غيره نفسه سنسلبه نفسه، وما ظلمناه، فلا يمكن أن ينظروا إلى المقتول! وهذا عين الظلم والجور، ولا شك أن الكافر كما قال تعالى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]؛ لأن الموازين عندهم مضطربة، ولكن أهل الإسلام هم أهل العدل وأهل الحق بتوفيق الله عز وجل، بصرهم الله عز وجل فنظروا إلى الجريمة وآثارها وأضرارها، وحجم ما اكتسبت الأيدي، وأعطوا كل جريمة حقها بأمر الله سبحانه وتعالى، فالسارق ما دام أنه سرق فإنه لا يمكن أن ينزجر إلا إذا قطعت يده، فإذا قطعت يده وحدث نفسه بالسرقة مرة ثانية إذا بيده تذكره بالعقوبة وعندها يرتدع، ولو جئت بالسراق ووقفوا على سارق تقطع يده لهالهم الأمر، ولوقع ذلك في أنفسهم موقعاً بليغاً.

    ومن هنا: تطبيق حدود الله عز وجل ليس بمنقصة ولا بشاعة، وليس فيه ظلم ولا ضرر ولا أذية، ومن هنا ينبغي أن يعتز المسلم بهذا الدين ويعتز بأحكامه، وعليه بدل أن يكون مدافعاً عن شبهات الأعداء أن يكون مهاجماً على الأعداء، فيهجم عليهم بالعكس والضد، ويقول: نحن دعاة الحقوق للمجني عليهم، وأنتم دعاة حقوق للجاني، ونقول: نحن دعاة الحقوق للمجني عليه، والمفروض أن ينصر المجني عليه؛ لأن الجاني لا يحتاج إلى نصر إلا بكفه عن ظلمه وزجره عن أذيته للناس، فتقطع اليد حتى تذكره بالجريمة وتذكر غيره، وليتأمل الإنسان حينما يصبح المجرم مجرماً فيسرق، فإذا قطعت يده يكون بين أمرين:

    إما -والعياذ بالله- أن يبقى سارقاً فيذهب ويعيش بين السراق، فكلما أصبح وأمسى يذكرهم بيده، لأن من ينظر إليه يتذكر عاقبة السرقة، فهي من أبلغ المواعظ والعظات.

    وأما إذا رجع وتاب إلى الله زجر غيره، فإذا نظر إلى يده مقطوعة هاب السرقة وهاب أموال الناس، وفي ذلك آيات وعظات بالغات، وكفى بالله عز وجل عليماً حكيماً، ولطيفاً خبيراً، يضع الشدة في موضعها، ويضع اللين في موضعه، ولا ينبئك مثل خبير.

    فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كانا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق.

    والكلمة الأخيرة: أننا نوصي في هذا الزمان بأمر مهم جداً وخاصة في مسائل الحدود ومسائل الشبهات التي ترد على الإسلام عموماً، ألا وهي: مسألة التمسك بالحق، فما عليك من إرجاف المرجفين، وسخرية الساخرين، وانظر كيف كان السلف الصالح والأئمة رحمهم الله في زمانهم، فترد الشبهات حتى قالوا: كيف تقطع اليد بربع دينار ويجب ضمانها بنصف دية؟ وهذا من القديم، وللشر أهله؛ فهم لا يخرصون ولا يسكتون؛ لأن الله ابتلى بهم أهل الحق، قال تعالى: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ [الفرقان:20] قال الله: (أَتَصْبِرُونَ) وهذا يقتضي أن نصبر على الحق.

    فأثناء إيراد الشبهات -سواءً في السرقة وغيرها- وحينما يتبجح أعداء الإسلام، وأعظم من هذا أن يتبجح من هو من بني جلدتنا بأمور فيها استخفاف بالشريعة أو استهزاء؛ فعلى كل مسلم أن تأخذه الغيرة والحمية لهذا الدين، غيرة الحق لا غيرة الباطل، وحمية الدين لا حمية الجاهلية، ومن غار لحق الله أحبه ربه، فإن الغيرة على الحق تزكي نور الإيمان في القلوب، ومن غار على حق الله عز وجل وتألم وتمعر وجهه نجي من العذاب، فإنه إذا كان الإنسان معجباً بما يقوله أهل الباطل ويدافع عنهم أو يهون من أمرهم دون أن يرد عليهم ودون أن يقارعهم الحجة فإن هذا بلاء عظيم، وشر وخيم، فيوصى الإنسان بالصبر على الحق الذي هو مؤمن به.

    ومن أحب الأعمال إلى الله -إذا أرجف المرجفون أو طعن الطاعنون أو شوش المشوشون- أن تكون عندك ثقة كاملة بهذا الحق، وأن تعتز به؛ ولذلك قال تعالى: وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا [الأحزاب:10-11]، فإذا زلزل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسيزلزل من كان على نهجهم في كل زمان بحسبه، ولكن الله تعالى يقول: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [الأحزاب:22] ثم قال الله: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ [الأحزاب:23] ليسوا كلهم! مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب:23]؛ لأن بينك وبين الله هذا العهد من الإسلام والاستسلام، وإذا جاء حكم الله عز وجل أمعنت وسلمت ورضيت وكنت على قوة من الحق والثبات ولا تتزلزل، قال أبو بكر رضي الله عنه: (والله! لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلهم عليها) وهذا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والحال في شدة وضيق، وحال المدينة كان من أصعب ما يكون؛ لأن العرب ارتدت، وكان بأشد الحاجة رضي الله عنه إلى جيش أسامة الذي جهزه النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك أمضى ما أمضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبت على الحق رضي الله عنه وأرضاه، فكان هذا من دلائل يقينه بالله عز وجل، فكل صاحب حق يثبت على حقه ثباتاً يرضي الله عز وجل؛ لأن الله في الفتن ينظر إلى القلوب، فمن الناس من يلين مع أهل الباطل، ومنهم من تنكسر شوكته، والعياذ بالله!

    وقال الحكماء والعلماء والصلحاء: الفتن حصاد المنافقين لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال:42]، وكل فتنة وراءها فتنة، فمن صبر في الفتنة الأولى ازداد إيمانه تهيئة للفتنة التي بعدها، ثم تأتي الفتنة التي بعدها أشد من الأولى كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكلما انتهى مرجف جاء مرجف آخر، وقد يكون المرجف كاتباً واحداً ثم أصبحوا كتاباً، ثم أصبح إرجافاً على مستوى الدول والجماعات، حتى يعظم الإرجاف، ولكن الله غالب على أمره.

    الكون كون الله، والأمر أمر الله عز وجل، وكلمة الله ماضية، ولتخرص الأفواه، ولن يبقى إلا الحق الذي فيه كلمة الله جل جلاله، التي سيمضيها بعز عزيز وذل ذليل، فوالله! لقد حصل لهذه الأمة من النكبات والفجائع والأهوال ما لا يعلمه إلا الله سبحانه، وما انطفأ نور الله يوماً من الأيام، بل كلما وقعت فتنة رجع الحق أشد ضياءً ونصاعة وقوة ورهبة وهيبة؛ لأنه من الله!

    وتأمل قوله تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21] أولاً: التعبير بالكتب؛ لأن التعبير به دليل على أنه لا يغير ولا يبدل، ثم ما قال: كتبت، ولكن كَتَبَ اللَّهُ [المجادلة:21] فالتعبير بالاسم الظاهر، فحينما تقول: كتبت، شيء، وحينما تقول: كتب محمد، وكتب فلان، فتذكر اسمك ولك مكانة أو لك قوة شيء آخر، وما قال: أن يغلب، إنما قال: لَأَغْلِبَنَّ [المجادلة:21]، واللام هي الموطئة للقسم، أي: والله! لأغلبن، والتعبير هنا بالغلبة، ثم قال: لَأَغْلِبَنَّ [المجادلة:21] توكيد أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21] ما أحد أبداً يشك في قدرة الله على خلقه، وهذه الشنشنة وهذا الإرجاف من المبطلين أياً كانوا وبأي اسم تسموا، وتحت أي ستار استتروا؛ فليكشفن الله عوارهم وذلهم، وليلبسنهم الصغار كما ألبس من قبلهم، والله عز وجل له حكم.

    ومن هنا تجد في بعض الفترات المرجفين يرجفون، والكتّاب يكتبون ما فيه استهزاء بالدين أو سب لله عز وجل والعياذ بالله، فيتمعر قلب المؤمن، ويرفع الله درجاته بهذا التمعر بما لا يبلغها بكثرة صلاة ولا صيام، ولربما تسمع بمن يطعن في كتاب الله، أو في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أو في حد من حدود الله عز وجل، فتجد ذلك السفيه المغمور المتهتك الذي لا دين عنده ولا عقل يلمز الإسلام أو يلزم الأخيار، ثم تجد أن هذه الكلمة لها أثر في قلبك فتتألم وتتغير، ومن الناس من يمنعه قول أهل الباطل النوم!

    وكان بعض العلماء قد يمرض! وإن كان الأمر لا ينبغي أن يبلغ هذا؛ لأن الله نهى وقال: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النمل:70]، هذا أمر الله عز وجل، ولذلك أهل الحق يسيرون في الحق، وينفذون الحق ويمشون في سبيل الحق، ولا عليهم لو أن الأرض عن بكرة أبيها اجتمعت عليهم، فاعلم والله! أنه نصر وعزة، الخوف على المسلمين حينما يندس أعداؤهم بينهم.

    أما إذا كشف العدو عن أنيابه وطعن في الدين ونضح ما في قلبه -والعياذ بالله- من الخبث والدناءة، أو استخف بالأخيار والصالحين أو لمزهم، أو انتقصهم، أو اتهمهم بالسوء، عند ذلك تنكشف الحقائق، والعجيب! أنك تجد بعض الناس ضعيف الإيمان أو عنده تقصير في الطاعة والخير فبمجرد ما يسمع هذا الكلام يغار للحق، فإذا بها ترد الناس إلى الله عز وجل، وتقوي في نفوسهم الغيرة.

    حمزة رضي الله عنه كان في جاهليته وفي صيده ثم يرجع فيقال له: لو رأيت ما فعل أبو جهل بابن أخيك لساءك ما رأيت، فجاء إلى أبي جهل لعنه الله، وقال له قولته المشهورة: أتسبه وأنا على دينه؟! فجعل الله أذية أبي جهل لرسول الله صلى الله عليه وسلم سبباً في إسلام حمزة ، وبها أمر حمزة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج إلى صحن بيت الله الحرام وأن يصلي على مرأى من الكفار، ولذلك تأتي العزة من الذلة؛ لأن الإسلام لا يذل، وتأتي الكرامة للإسلام من إهانته!

    وهنا عظمة الله جل جلاله، ومن قرأ التاريخ أدرك عجائب تصريف الله لهذا الكون، فإنك تجد في فترة من الفترات يتمالأ أهل الشر ويكثر الاستخفاف بالحرمات ولربما تجد من يكتب ويتهتك ويستهزئ وإذا بهذه الكتابات لا يعلم أحد كيف يقلبها الله مقلب القلوب والأبصار وبالاً على أهلها! وكيف يجعلها الله عز وجل في قلوبهم ظلمات بعضها على بعض!

    وإذا كان الإنسان عدواً لله ربما كانت عدواته -والعياذ بالله- خفية، ولكن الله يظهر منه الكلمة التي فيها العداوة لدينه وأهل طاعته حتى يشهد الخلق بخبثه، ويلقى الله عز وجل بجرمه، والناس شهداء الله في الأرض، فلربما تألم الإنسان من انتشار بعض الأذية والإهانة للإسلام في مسائل الحدود أو في مسائل الأحكام، فليحفظ وصية الله: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النمل:70]، وهذا هو الذي وصى الله عز وجل عباده الأخيار الصالحين، وقبل ذلك وصى به رسوله صلى الله عليه وسلم وخيرته من خلقه، وهي وصية للأمة كلها.

    وما كان أحد أشد شفقة ولا رحمة ولا عطفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته، ولذلك قال الله: فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ [هود:12]، وقال تعالى: لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشعراء:3]، وهذا من أعظم ما خاطب الله به نبيه لكي يبيّن مقدار ما في قلب النبي صلى الله عليه وسلم من الحرص على هداية الناس، كما وصفه بقوله تعالى: عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].

    نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجزيه خير ما جزى نبياً عن نبوته، وصاحب رسالة عن رسالته.

    وعلى كل حال ليتكلم من تكلم، وليكتب من يكتب، فالله الموعد.

    كتبت وأيقنت أن يدي ستبلى ويبقى كتابها

    فإن كتبت خيراً أعاد بمثله وإن كتبت شراً على الله حسابها

    فالعبد مرهون بما كسبت يداه، والله يقول: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227]، فالله الموعد، وبين يدي الله تكون الخصومة بين أهل الحق والباطل، ولا شك أن هذا لا يمنعنا أن نغار على دين الله عز وجل، وأن يدلي كل إنسان بدلوه، لكن مع هذا كله ينبغي أن تكون هناك عقيدة وأن يكون هناك إيمان وثبات وطمأنينة؛ لأن الله يحب من أهل الحق ذلك؛ ولذلك قال الله في صفة أهل طاعته ومحبته: فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146]، وانظر كيف أنعم الله عز وجل على أوليائه وصفوته من خلقه، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم فَمَا وَهَنُوا [آل عمران:146]، والوهن: ضعف، فقال: فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا [آل عمران:146]، والاستكانة هي: الذلة، بل إنهم اعتزوا وقووا حتى جاءهم نصر الله عز وجل، ونسأل الله بعزته وجلاله أن يقطع عن هذه الأمة فتن المفتونين، وإرجاف المرجفين، وأن يعلي كلمته، وأن ينصر دينه، ونسأله بعزته وجلاله أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعته، وأن يجعلنا منهم، وأن يبرم لها أمر رشد يذل فيه أهل معصيته، وألا يجعلنا منهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله تعالى أعلم.

    1.   

    الأسئلة

    حكم جاحد العارية

    السؤال: أشكل عليّ حديث المخزومية بأنها تستعير المتاع ثم تجحده وسماها النبي صلى الله عليه وسلم سرقة مع ما قررنا أنه لا يكون في العارية قطع؟

    الجواب: تعرف هذه المسألة بمسألة قطع جاحد العارية، وفيها قولان مشهوران للعلماء رحمهم الله، والصحيح ما رجحناه أنه لا قطع على جاحد العارية، وهذه المرأة ثبت في الرواية الصحيحة أنها سرقت، ولذلك قال في نفس الحديث: (ولو أن فاطمة بنت محمد سرقت)، وقال: (أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الضعيف) وسرقت قطيفة من إحدى البيوت، وكانت هذه القطيفة تساوي النصاب وتزيد، فـعائشة رضي الله قالت: أهم قريش شأن المخزومية التي كانت تستعير المتاع ثم تجحده؛ لأنها كانت هذه الصفة غالبة، ولا يمنع أن جريمتها في الأصل هي السرقة، والقطع لا لجحد العارية وإنما قطع عليه الصلاة والسلام؛ يدها لأنها سرقت.

    ولذلك لما قطع عليه الصلاة والسلام يدها لم يستفصل عن المتاع مما يدل على أن القطع إنما وقع بسبب أنها سرقت، وقد جاءت الرواية صحيحة بهذا، ومن هنا قال الجمهور: إنه لا يقطع جاحد العارية؛ لأن الأصل أنه لم ينطبق عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجود الأخذ من الحرز على سبيل الخفية، والله تعالى أعلم.

    الشفاعة في الحدود

    السؤال: كيف نجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اشفعوا تؤجروا) وبين قوله: (أتشفع في حد من حدود الله؟)، فمتى تكون الشفاعة في الحد ممنوعة؟

    الجواب: (اشفعوا تؤجروا) عام، و(أتشفع في حد من حدود الله؟) خاص، والقاعدة: (لا تعارض بين عام وخاص)، والحد الذي يمنع من الشفاعة منه حد الزنا.. حد القتل.. القصاص.. حد الحرابة.. حد السرقة، هذه الحدود لا شفاعة فيها، وكذلك حد القذف، ومحل المنع أن ترفع إلى القاضي فإذا رفعت إلى القاضي لا شفاعة، أما قبل وصولها إلى القاضي فتجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هلا كان ذلك قبل أن تأتيني به)، وقال في الرواية الأخرى في الحديث الآخر: (إذا بلغت الحدود السلطان... ) فقال: (إذا بلغت)، وهذا يدل على أنه إذا رفع الأمر إلى الوالي أو القاضي لا تجوز الشفاعة، والله تعالى أعلم.

    حكم أخذ المرأة من مال زوجها فوق حاجتها خفية

    السؤال: هل أخذ المرأة من مال زوجها دون علمه إذا كان فوق حاجتها من السرقة؟

    الجواب: هذا فيه تفصيل؛ لأنه في بعض الأحيان يكون سرقة، ويقع به القطع ويثبت به الحد، وبعض الأحيان لا يكون سرقة؛ لأن فيه شبهة، وهذا سنذكره -إن شاء الله تعالى- في ضابط الشبهات التي تدرأ حد السرقة، لكن من حيث الأصل، أنه إذا خرجت عن الأصل الشرعي أو عن الحد الشرعي أو الضابط الشرعي؛ فإنها تقطع، فمثلاً: لو كسرت قفلاً في غرفة الزوج، وكان للزوج غرفة خاصة به، أو (شنطة) خاصة به، فجاءت وكسرت أقفال هذه (الشنطة) وأخذت المال الموجود فيها، ثم خرجت ونحو ذلك، فهذا كله ظاهره سرقة، فلا يعتبر داخلاً تحت قوله: (خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف)، ولا تؤثر الشبهة في هذا؛ لأن قصد استباحة المال والاعتداء عليه موجود، ومن هنا سيفصل في هذه المسألة إن شاء الله تعالى، والله تعالى أعلم.

    اشتراط استمرار عذر جمع التقديم إلى الدخول في الصلاة الثانية

    السؤال: من جمع صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم ثم وصل إلى بلده قبل دخول وقت العصر، فهل عليه الإعادة؟

    الجواب: الجمهور على أن من جمع ثم رجع إلى بلده قبل دخول وقت الثانية فيجب عليه أن يعيد الصلاة؛ ذلك لأنه يشترط في صحة جمع الصلاة الثانية في وقت الأولى أن يدخل وقت الثانية وهو مسافر، فإذا دخل عليه وهو مقيم فقد خاطبه الله بأربع ركعات؛ لأنه إذا أذن عليه الأذان فقد خاطبه الله بأربع ركعات، وهو قد صلى ركعتين، ومن هنا تجب عليه الإعادة، ولا يستبيح بهذا الوجه الرخصة، ومن هنا قال العلماء: ويشترط في جمع التقديم أن يستمر عذر الجمع -الذي هو السفر- إلى دخول وقت الصلاة الثانية، بأن يدخل وقت الثانية وهو مسافر، مثلاً أذن الأذان قبل دخوله بلده ولو بثلاث دقائق أو بدقيقة أو بدقيقتين، فإنه في هذه الحالة قد خوطب بركعتين، ولم يخاطب بأربع فيجزيه ما صلى، والله تعالى أعلم.

    حكم صلاة المفترض خلف المتنفل

    السؤال: ما حكم من صلى الفرض خلف من يصلي النفل؟

    الجواب: لا بأس بذلك ولا حرج؛ لأن معاذاً رضي الله عنه كان يصلي العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي قومه بقباء فيصلي بهم، وهم مفترضون وهو متنفل، وهذا يدل على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل، والأفضل أن يخرج الناس من الخلاف في هذه المسألة فيكون الإمام هو المفترض، ولكن لو وقع ذلك فلا بأس ولا حرج؛ لثبوت السنة بالتقرير في هذا، والله تعالى أعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755775584