إسلام ويب

شرح زاد المستقنع-باب حد القذف [1]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أعظم الفتن النازلة في زماننا، التكلم في أعراض العلماء والدعاة بلا علم باسم الدين، وهذه محنة عظيمة، عواقبها وخيمة، وشرورها كثيرة، وقد حرم الله ورسوله أن تنتهك الأعراض، وأعراض العلماء والدعاة والصالحين أشد حرمة، فوجب الحذر والتحذير من هتك أعراضهم.

    1.   

    معنى القذف

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [ باب حد القذف ]

    القذف في لغة العرب: الرمي، يقال: قذف بالشيء إذا رماه، والمراد به في الشريعة المعنى الخاص وهو الرمي بالفاحشة، وقولنا: بالفاحشة، المراد بها الزنا أو اللواط، وعلى هذا إذا اتهم شخصٌ شخصاً وقذفه بالفاحشة زناً أو لواطاً؛ فإنه قاذف، والعرب تجعل هذا المعنى الخاص من معاني الرمي، ويقال: رماه، إذا اتهمه، فالرمي هو التهمة:

    رماني بأمر كنت منه ووالدي بريئاً ومن أجل الطوي رماني

    والقذف باب عظيم، وهو حد من حدود الله عز وجل، اجتمع فيه دليل الكتاب والسنة، تعظيماً لشأنه، وتحذيراً للعباد منه، ومن أعظم الورطات التي تهلك الإنسان في دينه، ودنياه، وآخرته؛ أن يكون طليق اللسان في اتهام عباد الله عز وجل، وإذا أرادت عيناك أن ترى رجلاً يتقحم نار الله على بصيرة؛ فانظر إلى ذلك الذي لا يتورع عن اتهام الناس، والوقوع في أعراضهم، ويسهل عليه القبائح والأمور التي لا تليق بالمؤمنين والمؤمنات، فإذا وجدته كذلك، وسهل عليه أن يلفق التهم في الدين والعرض؛ فاعلم أنه من أعداء الله ورسوله، ولو تقمص في ذلك ثوب النصيحة وثوب الإحسان، فإن الله لا يطاع من حيث يُعصى، وما من مؤمن يقرأ نصوص الكتاب والسنة متجرداً إلا أورثه ذلك الخوف من الخوض في أعراض المؤمنين والمؤمنات، وعلم أن اللسان يقوده إلى النار شاء أو أبى إذا لم يردعه بالخوف من الله سبحانه وتعالى.

    ولذلك حذر الله عباده وإماءه من الخوض في أعراض المؤمنين، وجعل المسلم الحق على لسان رسول الهدى صلى الله عليه وسلم من عرف كيف يزم لسانه، فسلم المسلمون من ذلك اللسان، فلا يتهم مؤمناً أو مؤمنة بالزور والباطل، وكان السلف الصالح رحمهم الله يشددون في هذا الأمر أيما تشديد، فإذا أرادت عيناك أن ترى إنساناً مؤتسياً بالسلف؛ فانظر إلى ذلك الورع الذي يخاف الله في أعراض المؤمنين والمؤمنات، وإذا أرادت عيناك أن ترى عالماً بحق يلتزم منهج السلف في الخوف من الله ومن أعراض المؤمنين والمؤمنات؛ فانظر إلى ذلك العفيف اللسان، الذي يربي طلابه وأتباعه على ذلك.

    أنواع القذف

    القذف قذفان: قذف في الأعراض، اعتنى القرآن ببيانه؛ لأنه يقع بين العوام كثيراً، وهناك قذف أعظم منه وأشد منه، وهو حديثنا في هذه اللحظات، ونمهد به لهذا الباب العظيم، ألا وهو قذف العلماء، خاصة سلف هذه الأمة، وقذف الصلحاء، وقذف الدعاة إلى الله عز وجل، وأهل الخير وأهل الاستقامة، والتهكم والسخرية بهم، والحط من أقدارهم وحرماتهم، وانتقاصهم، وسهولة ذلك على اللسان، حتى يصبح الإنسان صفيق الوجه -والعياذ بالله- لا يرعوي، ويأتي أمام الناس يشهر بهم، فلا عقل يردعه، ولا دين يمنعه، وعندها فليقل عن نفسه ما شاء، وليأخذ بمفاتيح الجنة مزكياً ومثنياً على نفسه، وليجعل نفسه على أمة محمد صلى الله عليه وسلم كأنه حفيظ عليها ومسيطر عليها، يبدع من شاء، ويفسق من شاء، ويضلل من شاء، ما كنا نعرف هذا بين أهل العلم رحمهم الله، ووالله! لقد رأينا علماء أجلاء، تحمر وجوههم وتصفر ألوانهم؛ إذا ذكر عوام المسلمين فضلاً عن صالحيهم، فضلاً عن علمائهم، فضلاً عن خيارهم، فضلاً عن سلفهم الصالح الذين زكتهم الأمة، علماء أجلاء أطبقت الأمة على جلالة قدرهم، وحفظ مكانتهم كالإمام أبي حنيفة رحمه الله برحمته الواسعة، تجد من لا علم عنده، ولا فضل لديه، يتطاول على أمثال هؤلاء العلماء، وكأنهم سوق للألسنة!! نقول هذا؛ لأننا نعلم أن الله سيسألنا ويحاسبنا عن عدم التنبيه على ذلك، وسنلقيها من على ظهورنا أمانة لكم ولغيركم أن تحذروا أمثال هؤلاء، من يوم مشهود ولقاء موعود تُرْهَن فيه الألسنة بما قالت، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227].

    كان السلف الصالح رحمهم الله يجرحون، لكن متى؟ إذا بلغت الحلقوم، وما كانوا يرون التجريح إلا عند الحاجة الماسة، وكان الرجل منهم يرعد قلبه من الخوف من الله عز وجل، جلس أحد أئمة الحديث فتكلم في الرجال، فمر عليه أحد العلماء الصالحين -والقصة مشهورة- وقال له: لعلك تجرح في أقوام قد حطوا رحالهم في الجنة منذ سبعين عاماً، فخر مغشياً عليه، ما قال: هذا عدو للسنة، هذا عدو للحديث، أبداً؛ لأنهم كانوا يتهمون أنفسهم بالخطأ، وكان الرجل إذا تكلم في أحد بما يجرحه؛ يتكلم بعبارات شديدة ولكن عند الحاجة الماسة، ولا يتكلم إلا في حدود ضيقة، وبأساليب محدودة محسوبة؛ لأنه يعلم أنه سيسأل بين يدي الله عز وجل عن قوله.

    إن أعراض المسلمين ليست رخيصة، وما كانت أفكارهم ولا عقائدهم مكشوفة أمام الناس حتى أن الشخص يشق عن قلب الرجل، انظر في السنة تجد فيها أدب في كف الألسنة عن الأعراض، تجد فيها وعيد شديد عن الدخول في قلوب الناس واتهام عقائدهم، قال: (يا رسول الله! ما قالها إلا فرقاً من السيف)، هذا حديث واضح، ما قال: (لا إله إلا الله) إلا لما علاه الصحابي رضي الله عنه بالسيف، وما قالها قبل ذلك، التهمة واضحة، وبساط المجلس دال على أنه قالها فرقاً من السيف، فقتله، فقال له رسول الهدى صلى الله عليه وسلم -مع هذه الدلائل كلها- : (أشققت عن قلبه؟) وهو رجل كافر أسلم، فيقول له: (أشققت عن قلبه؟) فما زال يرددها عليه، قتله ثم قال: إنه قالها فرقاً من السيف، وهكذا كل من قال هذه الكلمة في حق إنسان دون أن يستبين أو يخبره عن مكنون قلبه؛ فنقول له: أشققت عن قلبه؟ ولذلك قل أن تجد إنساناً يتهم الناس إلا ويقول لك: هو يقصد كذا، وهو يعني كذا، وإذا أراد الإنسان أن يعلم حقيقة الإسلام والالتزام فليتدبر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه).

    1.   

    التحذير من الخوض في أعراض العلماء والدعاة

    إن استطعت ألا تغيب عليك شمس يوم وأنت مرهون أمام الله بعرض مؤمن أو مؤمنة، إن استطعت ألا تغيب عليك شمس يوم وأنت مرهون بعالم من علماء المسلمين أو إمام من أئمة الدين؛ فافعل ذلك، ما لم تكن محتاجاً للجرح، لكن من الذي يحتاج؟ هل هم البسطاء وطويلبي العلم أم الأئمة والعلماء الذين يكشفون ويبينون؟ ثم إذا كشف العلماء، فكم من أخطاء كشفت وما قامت الدنيا ولا قعدت؟ فالجرح لا يلقن لعوام المسلمين الذين يحتاجون بدهيات المسائل لسلوكهم وأخلاقهم ودينهم وعقيدتهم، فقد تجد الواحد منهم لا يحسن أحكام صلاته، ولا مسائل السهو في عبادته، ولا حجه ولا عمرته؛ ومع ذلك يلوك لسانه في أعراض المسلمين: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:103-104]، منهم من ظل يلفق الأخطأ بالدعاوي العريضة والتضخيم دون أن تجد عنده ورعاً، أئمة الجرح والتعديل عرفوا بالورع، قال الإمام النووي رحمه الله وغيره من الأئمة: إن من يتكلم في الجرح والتعديل ينبغي عليه أن يصون نفسه صيانة عظيمة خوفاً من أن يسترسل فينتقل من الجرح لله والتعديل لله إلى الجرح لهوى النفس؛ لأن النفس ضعيفة، والله يقول: وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا [النساء:28].

    نقول هذا؛ لأنه من أعظم الفتن، والله عز وجل يحذر عباده من العرض، وما من أحد يرمي مسلماً أو مسلمة فيقذف المحصنات المؤمنات الغافلات إلا لعنه الله في الدنيا والآخرة، فإذا رمى مؤمنة أو مؤمناً لعنه الله في الدنيا والآخرة، وأعد له عذاباً عظيماً، وفضحه على رءوس الأشهاد، ثم يفضحه بأن يتكلم لسانه بأنه كذاب، وتتكلم عليه جوارحه، حتى رجله ويده تنطق بأنه من أهل الزور لا من أهل الصدق، ومن أهل الخيانة لا من أهل الأمانة، ولذلك ينبغي للمسلم أن يجعل هذا النص أمام عينيه، وهو هذه الآية الكريمة: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:23]، وهذا عظيم والله! ما هو بالسهل، والله إذا وعد لا يخلف الميعاد، والله يعفو عن حقه لكن لا يعفو عن حقوق عباده، عجبت من رسول الهدى يمر على مقبورين يشتعل عليهما القبر ناراً وعذاباً، وهو رسول الهدى يشفع فيشفع، فقال: (أما هذا فقد كان يمشي بالنميمة!) وأُذن له أن يضع الجريد حتى ييبس فقط، ولا يمكن أن يرفع العذاب عنه؛ لأنه وقع في إخوانه المؤمنين وأفسد ما بين المؤمنين. وهنا تجد من ينقل الأحاديث للجرح والتعديل، في العلماء، وفي الصلحاء، وفي الأتقياء، هل نسكت ولا ننبه على هؤلاء؟ وإذا جاء من ينبه قال: والله! هذا عدو للكتاب والسنة، حشفاً وسوء كيلة؛ لأن اللسان إذا زل زلت توابعه، فتجده لا يرعوي، وتحذره ولا يحذر، ثم بعد ذلك يتهم من يحذره ومن ينبهه، والله الموعد، فإذا قُلِب الإنسان إلى قبره ووضع في لحده قال الله: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق:22]، في تلك الساعة تنجلي الغشاوة، وينجلي الكذب، وتنجلي التزكية للنفس، ويجازى على التهكم في حدود الله عز وجل ومحارمه.

    على الإنسان أن يتقي الله عز وجل، وأن يعلم أن الله يدافع عن الذين آمنوا، وأن الله يتولى عباده المؤمنين، إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:38]، إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ [الأعراف:196]، تصور يوماً من الأيام، جاءك شخص وقال لك: والله! سمعنا في المجلس من يقول عنك: إنك تستعجل، تقوم الدنيا عليك ولا تقعد، وتذهب إلى فراشك لكي تنام، فتجد أن مضجعك قد تغير عليك، وأن الليل القصير صار ليلاً طويلاً بكلمة: إنك عجول، فكيف إذا قيل: والله سمعت أن الداعية فلاناً يقولون عنه كذا، والداعية الفلاني يقولون عنه كذا؟ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النور:15]، إذا كان منامك لم يطب لك عندما يقال لك: عجول، ويقال لك: مستعجل في الأمور، فكيف يطيب لأولياء الله وقد اُتهموا في عقائدهم، وقد اُتهموا فيما بينهم وبين ربهم؟ إلى أي حد بلغت الغفلة بالإنسان أن يصل إلى درجة -والعياذ بالله- لا يعرف قيمة الكلام في عقيدة الناس؟ إلى متى يبقى الإنسان غافلاً عن أعظم الأشياء للناس فيما بينهم وبين ربهم؟ والله يقول عن النبي عليه الصلاة والسلام: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:22]، وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ [الأنعام:107]، وهذا يقيم نفسه وكيلاً على من؟ إذا كان رسول الهدى على كفار يخاطبه الله بذلك! فكيف بمن أقام نفسه على أولياء الله وعباد الله؟

    ويل لمن جرح عالماً صلى الفجر في جماعة فكان في ذمة الله، فطلبه الله بذمته، فعندها: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227].

    وقل أن تجد قلباً خاشعاً، أو لساناً ذاكراً موفقاً مسدداً وهو جريء على أعراض المسلمين، ومن هذا المجلس اعرف ما الذي لك وما الذي عليك، واعرف من هم علماء الأمة وسلف الأمة، واعتقد فضلهم، واعتقد مكانتهم، علماء أجلاء سقطوا من أعين الناس، وعلماء عظم بلاؤهم، وقادوا هذه الأمة سنيناً وقروناً، ومع ذلك ذهبوا أدراج الرياح عند الذين انطمست بصائرهم -والعياذ بالله- وزلت أقدامهم. شيخ الإسلام له كتاب: رفع الملام عن الأئمة الأعلام، وكلمة الأعلام من شيخ الإسلام ليست سهلة، وهو إمام من أئمة الجرح والتعديل، فيذكر أولهم الإمام أبا حنيفة رحمه الله برحمته الواسعة، ثم ذكر الإمام مالكاً والشافعي وأحمد ، ما عاش علماء الأمة إلا على المحبة، ما عاشوا إلا على التقدير، ما عاشوا إلا على معرفة منازل أهل الفضل، وهل يعرف الفضل إلا أهله؟

    وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ فهي الشهادة لي بأني كامل

    الإمام أبو حنيفة رحمه الله في جلالة قدره وعلو شأنه إمام عظيم، نسأل الله بعزته وجلاله أن ينور قبره، وأن يقدس روحه، وأن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، ولنقولنّها وسنقولها إلى أن نلقى الله، بأننا وجدنا له القبول الذي وضعه الله له بين المسلمين، وإن كانت عنده مسائل اجتهد فيها وأخطأ رحمه الله، فغيره اجتهد كما اجتهد والله الموعد، سيجزي الذي أصاب بالأجرين، ويجزي الذي أخطأ أجراً واحداً، ولن نستطيع أن نقفل باب رحمة فتحه الله، ومن هذا الذي ليس عنده عقل ولا تمييز ينظر إلى هذا الإمام الذي وضع له القبول بعين الازدراء! وأئمة السلف كلهم على جلالة قدره ومعرفة فضله، لا يجوز أن تؤخذ الكلمة والكلمتان الطائرة من هذا وذاك؛ فيجرح بها، فهذا الإمام مالك يقول في ابن إسحاق : دجال من الدجاجلة! وما قُبلت كلمة مالك فيه، وقال ابن أبي ذئب في مالك في مسألة الخيار: يُستتاب مالك وإلا قتل! هذه كلمات قد يقولها بعض العلماء ولا يلتفت إليها، ولا ندري حقيقتها، ولا يستدل بها.

    والعجيب من هؤلاء أن يستدلوا بهذه الكلمة ونحوها، فإذا ذكرت لهم حجة عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي في مسائل وتقول لهم: قال الإمام كذا، يقول لك: هم رجال، ونحن رجال، تقولون: قال أبو بكر، وقال عمر، يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء! ما شاء الله، متى؟ إذا خالفهم، ثم يأخذون أقوال الرجال في القرن الثالث والرابع ويحتجون بها، في ماذا؟ في نقصان أهل الفضل، وتتبع عورات أهل الكمال والإحسان.

    ينبغي للمؤمن أن يربي نفسه على احترام العلماء والأئمة والفضلاء، عكرمة صاحب ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه حمل علم ابن عباس رضي الله عنه؛ لكن تجد الجاهل من هؤلاء المتأخرين لا يرعوي ويتكلم فيه، ويحاول أن ينقص قدره، ويتهمه بالإرجاء والبدعة، ما هذا؟! أهذه هي سوق العلم؟! وهل هذا هو سبيل المؤمنين والمحسنين؟!

    اللهم! أنت الله لا إله إلا أنت إليك المشتكى، ونسأل الله بعزته وجلاله أن يقوم للحق نصابه، وأن يقطع دابر أهل الفساد، فيهدي من كان راضياً هدايته، ويأخذ من كان منهم على ضلاله، وأن يريح العباد والبلاد من شرهم وكيدهم.

    سبحان الله! ينبغي أن نجرد أنفسنا لتربية أبناء الأمة على الكتاب والسنة، من هذا الذي يقول: إنه على الكتاب والسنة، وهو من أجهل الناس بأحكام القرآن والسنة؟ ومن هذا الذي يريد أن يربي الناس على الحقد على الأخيار والصالحين ثم يدعي أن ذلك هو منهج الكتاب والسنة؟

    لا والله يأبى الله ويأبى رسوله صلى الله عليه وسلم ويأبى الصالحون، وما قلناه سنلقى الله به، ولكن هذا الذي نعلمه من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي أدركنا عليه العلماء والصلحاء والأتقياء أنهم يحببون الناس في سلف هذه الأمة علماء وصالحين، ويعتقدون فضلهم، حتى أن بعض علماء العقيدة ذكر من عقيدة أهل السنة الترضي على علماء الأمة من السلف الصالح من الصحابة والتابعين، يقول الإمام الطحاوي : أهل الخير والأثر، والفقه والنظر، هؤلاء كلهم فقهاء الأمة وعلماؤها، لهم جلالة قدرهم، ومكانتهم تحفظ ولا تُضيع، يكرمون ولا يهانون، ويذكرون بالجميل -كذا قال رحمه الله:- ومن ذكرهم بغير ذلك فهو على غير السبيل؛ لأنه شاق الله ورسوله، فالسبيل الأقوم أن تحفظ فضل أهل الفضل.

    فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعصمنا من الزلل، وقد يلاحظ بعض طلاب العلم تشديدنا في بعض المسائل، بغض النظر عمن يقول ذلك وما هو قائل؛ لأن هذا هو الذي نريد أن نوصي به ونؤكده، ونريد من طالب العلم إذا أراد أن يطلب العلم أن يعرف حق العلماء. ووالله ثم والله! ما نصحنا بل غششننا، وما صدقنا بل كذبنا؛ إذا لم نربِ شباب الأمة على حفظ حق العلماء الماضين، ووالله! إنه لعار علينا أيما عار أن نرى علماء اكتحلت عيوننا بالسهر على كتبهم النافعة، وعلومهم النافعة، وكم من أمور استفدناها وحِكم من الكتاب والسنة فهمناها وعقلناها منهم؛ ثم بعد ذلك نسكت على حرماتهم التي تنتهك، ومكانتهم التي يُغظ منها ولا تحفظ، وكرامتهم التي تضيع!! فهذا ليس بسبيل نصح، فواجب علينا أن نربي أنفسنا ونربي طلاب العلم على محبة العلماء. ثم إنني أشهد الله الذي لا إله غيره ولا رب سواه، وأشهدكم حتى أشهد هذا الجماد الذي أنا عليه، ما وجدت في تعظيم السلف والعلماء إلا كل خير، ولا وجدنا منه إلا توفيقاً وسداداً ومعرفة بالصواب والحق، ولا رأينا من ذلك إلا حسن عاقبة، فمن أراد أن يسير على هذا السبيل فليكن أميناً في لسانه، أميناً في كلامه في سلف هذه الأمة وعلمائها، ناصحاً لها على الوجه الذي يرضي الله، فنسأل الله العظيم أن يجعلنا وإياكم ذلك الرجل، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله تعالى أعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756217046