إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب ديات الأعضاء ومنافعها [1]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جاءت الشريعة الإسلامية ببيان ديات الأنفس، وجاء عند الفقهاء التفصيل في تحديد المقادير المختلفة لهذه الديات، وكما أن الدية تثبت بالجناية على النفس، فهي تثبت أيضاً بالجناية على العضو، والجناية على العضو إما أن تكون بالجناية عليه كقطع اليد أو الرجل أو الأذن، وقد تكون بالجناية على منفعة العضو، وقد بين العلماء رحمهم الله دية العضو والطرف إذا قطع وأبين، ودية منفعته ودية الشجاج والكسور.

    1.   

    دية الأعضاء التي في الإنسان منها شيء واحد

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    يقول المصنف رحمه الله تعالى :[ باب ديات الأعضاء ومنافعها ].

    تقدم معنا أن الديات تنقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: يتعلق بالديات من ذوات الأنفس، فإذا كانت الجناية بالقتل فإن الدية تكون كاملة.

    وأما القسم الثاني: فهو الجناية على ما دون النفس، وتقدم بيان الديات إذا كانت متعلقة بذوات الأنفس، فبينا فيها دية المسلم والكافر، على اختلاف أنواع الكافر، وكذلك أيضاً دية الرجل والمرأة ودية الجنين.

    بعد هذا شرع المصنف رحمه الله في بيان الدية المتعلقة بما دون النفس، وما دون النفس ينقسم إلى قسمين:

    الأطراف وغير الأطراف، فالجناية إذا كانت على الأطراف، مثل: أن يقطع عضواً كاليد أو الرجل أو الأذن أو الأنف ونحو ذلك.

    وإما أن تكون جناية على منفعة الطرف، أو جناية بالشجاج أو الكسور.

    فهذه كلها تتعلق بالجناية على ما دون النفس، والديات إذا بحثها العلماء رحمهم الله فيما دون النفس: إما أن يبينوا دية العضو والطرف إذا قطع وأبين، وإما أن يبينوا دية منفعته، وإما أن يبينوا دية الشجاج، وإما أن يبينوا دية الكسور. هذه أربعة مباحث سنتكلم عليها، وسيبينها المصنف رحمه الله:

    الأول: يتعلق بدية الأعضاء إذا قطعت وأبينت، وهو الذي يسميه العلماء رحمهم الله: بإبانة الطرف، فإذا قطع يده أو قطع أنفه أو أذنه، فإنه تجب عليه الدية في ذلك العضو الذي قطعه.

    الثاني: تكون الجناية على منفعة العضو، لا على العضو نفسه، فلو ضربه ضربة -والعياذ بالله- أذهبت سمعه، أو أذهبت بصره، أو أذهبت شمه، فهذه منفعة من المنافع، العضو موجود ولكن منفعة العضو غير موجودة, وحينئذ يكون الضمان للمنافع.

    الثالث: يتعلق بالشجاج، وهي الجروح التي تكون في الوجوه؛ خاصة في الرأس.

    والمبحث الرابع والأخير: ما يكون من الكسور؛ سواء كانت الكسور تامة أو قاصرة أو ناقصة، كل هذا سيبينه العلماء رحمهم الله في قولهم: (باب ديات الأعضاء ومنافعها).

    إذا كان الأمر يتعلق بأربعة أشياء: الأعضاء، منافع الأعضاء، الشجاج، الكسور، والمصنف رحمه الله قسم هذه الأربعة إلى بابين:

    الباب الأول: يتعلق بالأعضاء ومنافعها.

    والثاني: يتعلق بالشجاج والكسور.

    ففي الموضع الأول الذي سنبحثه اليوم -إن شاء الله تعالى- يتعلق بديات الأعضاء ومنافعها، والذي يليه سيتعلق بالشجاج والكسور.

    قسم هذا الباب إلى قسمين: الأول: يتعلق بديات الأعضاء، والثاني: يتعلق بمنافع الأعضاء.

    قال رحمه الله: [ من أتلف ما في الإنسان منه شيء واحد؛ كالأنف واللسان والذكر، ففيه دية النفس ].

    الأعضاء في بدن الإنسان تنقسم إلى أقسام:

    القسم الأول: ما كان منه في الإنسان شيء واحد، مثل ما ذكر المصنف رحمه الله؛ كاللسان والذكر.

    وهناك أعضاء في الإنسان منها شيئان، مثل: الأذنين، والعينين.

    وهناك أعضاء في الإنسان فيها ثلاثة أشياء منقسمة وهو: الأنف؛ لأن الأنف ينقسم إلى منخرين وحاجز بينهما.

    النوع الرابع: ما في الإنسان منه أربعة أشياء: كالأهداب والأجفان.

    النوع الخامس والأخير: ما في الإنسان أكثر من أربعة أقسام: مثل الأسنان والأصابع.

    هذا بالنسبة للأقسام الرئيسة الموجودة في أعضاء الإنسان، وابتدأ المصنف بما في الإنسان منه شيء واحد، فقال رحمه الله: [من أتلف ما في الإنسان منه شيء واحد].

    أجمع العلماء رحمهم الله على أنه إذا كان العضو واحداً في البدن وقطعه أن عليه الدية كاملة، وهذا له أحاديث وأصول وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاصة في كتاب عمرو بن حزم رضي الله عنه الذي كتبه عليه الصلاة والسلام لأهل اليمن.

    يقول رحمه الله: [من أتلف...]

    الإتلاف أصله: الإفساد، والمراد هنا: أن يقطع العضو كاملاً، أو يبينه من الجسد إبانة كاملة، فلو كان الإتلاف ناقصاً مثل: أن لا يقطع العضو كاملاً، ولكن يقطع نصف العضو، أو ربع العضو، أو ثلث العضو، فحينئذ تكون الدية بحصة ما قطع، فإن قطع النصف فالنصف، وإن قطع الربع فالربع، فمثلاً: لو قطع نصف اللسان، وأذهب نصف الحروف، فعليه نصف الدية، ولو أنه قطع نصف الأذن فعليه ربع الدية؛ لأن كل أذن فيها نصف الدية، فإذا قطع بعضها وأتلف بعضها، وكان هذا الإتلاف بقدر النصف، فإنه حينئذ يكون نصف النصف: الربع، فيكون عليه ربع الدية، ولو أنه قطع ثلث الأذن فحينئذ يكون ثلث النصف بالنسبة للأذن اليمنى، أو الأذن اليسرى.

    الأنف

    قال رحمه الله: [كالأنف]:

    الأنف هو العضو المعروف، والذي جعل الله عز وجل فيه حاسة الشم للإنسان، والمراد بالأنف: ما لان منه، وهو العضو البارز في الوجه، وقطع هذا العضو المراد منه: أن يستأصل ما لان منه، يعني: الزائد عن حد الوجه، لو أنه قطعه واستتم القطع، وهذا ما عبر عنه عليه الصلاة والسلام بقوله: (وفي الأنف إذا أوعب جدعاً)، يعني: إذا استوعبه كاملاً، وهذا يكون لما لان من الأنف، وهو الذي يسمى: مارن الأنف، وفيه ثلاثة أشياء: المنخر الأيمن، والمنخر الأيسر، والحاجز بينهما، فلو أنه قطع أنفه-والعياذ بالله- فاستتم القطع، فقد أذهب الجمال، وأذهب المنفعة، وفي بعض الأحيان تُذهب المنفعة، ولا يذهب العضو، لكن مادام أنه قد أزال العضو كاملاً فعليه الدية، وبناءً على ذلك: يرد السؤال: ما الدليل على إيجاب الدية في قطع الأنف؟ نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كتابه: (وفي الأنف إذا أوعب جدعاً: الدية) فأمر عليه الصلاة والسلام في الأنف إذا قطع كاملاً: الدية.

    ولو أنه قطع نصف أنفه، فأخذ النصف الأعلى، وترك النصف الأسفل، فإنه يجب عليه نصف الدية، أما لو أنه قطع المنخر الأيمن، أو قطع المنخر الأيسر فعليه ثلث الدية، ولو أنه قطع المنخرين فعليه ثلثا الدية، ولو أنه عمل له طبيب عملية جراحية فأزال الحاجز بين المنخرين، وقال الأطباء: إنه أخطأ الطبيب، وأن هذا ليس بسائغ طبياً، وليس له داع، فإذا تبين أن الطبيب أخطأ فعليه ثلث الدية.

    إذاً: في المنخر الأيمن ثلث، وفي الأيسر ثلث، وفي الحاجز بينهما الثلث، لكن المصنف رحمه الله هنا يتكلم على قطع الأنف كاملاً.

    اللسان

    قال رحمه الله: [واللسان]:

    والمقصود هنا اللسان المتكلم، أي: إذا قطع لسان متكلم لا أخرس، فقد أجمع العلماء رحمهم الله على أنه لو قطع لسان رجل يتكلم أن عليه الدية، سواء كان صغيراً أو كبيراً، يجب أن يضمن له ذلك، ولو قطع بعض اللسان، مثل: نصف اللسان، نظرنا: فإذا أذهب الحروف كاملة وأصبح لا يتكلم، فإنه حينئذ تجب الدية كاملة، لكن لو أنه بقي يتكلم ببعض الحروف، وذهبت بعض الحروف فإنه تقسم الدية على ثمانية وعشرين حرفاً، وهي حروف الهجاء، وينظر في كل حرف بحسبه، وينظر ما هي الحروف التي ذهبت، ثم تقسط الدية على قدر ما ذهب من الحروف.

    الدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (وفي اللسان الدية) وأجمع العلماء رحمهم الله على أنه لو قطع لسان شخص عليه الدية، لكن بعض العلماء يفصل في مسألة الحروف وانقسامها، ويفرق بين الحروف الأربعة التي تخرج من الشفة، والستة التي تخرج من الحلق، التي تخرج من باقي اللسان، فيجعل أقساط الدية على هذا، ولكن المحفوظ المشهور: أنها تقسم على الحروف كلها، وينظر: ما الذي أتلف من هذه الحروف ولم يستطع أن يتكلم به، فيجب عليه ضمانه.

    الذكر

    قال: [والذكر]:

    وفي الذكر الدية، أجمع العلماء أيضاً رحمهم الله على أنه لو قطع الذكر فعليه دية، مثلاً: لو أن طبيباً قرر: أن الشخص مصاب بالسرطان -والعياذ بالله- وقال له: لابد من استئصال هذا العضو، فلما استأصله تبين أنه ليس مصاباً به، فإنه يجب عليه ضمان الدية كاملة، ولو أنه جنى عليه جناية فقطع ذكره، فإنه يجب عليه الدية كاملة، ولو قطع بعضه كانت الدية بقسط ما قطع، لكن عند بعض العلماء مسألة: إذا منع انتشار الذكر، فإذا منع انتشار الذكر وجبت الدية كاملة، وهذا سيأتي في المنافع أنه أصل عندهم، فإذا ذهبت وجبت الدية.

    ذكر المصنف رحمه الله هذه الثلاثة الأشياء: الأنف، واللسان، والذكر، على أنها موجودة واحدة في الإنسان، وعلى أن هذه الأعضاء إذا قطعت ففيها الدية كاملة، إذن الضابط: أن يكون العضو واحداً في الإنسان فتجب به الدية، يلتحق بهذا الصلب؛ فإن الصلب إذا جنى عليه فأضره وأذهب منفعته، وجبت الدية كاملة، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام في كتاب عمرو بن حزم رضي الله عنه في الديات: (وفي الصلب الدية)، وأجمع العلماء رحمهم الله من حيث الجملة: أن الصلب فيه الدية.

    أيضاً يلتحق بالأعضاء الواحدة في الإنسان: الجلد، قالوا: فلو سلخ جلده-والعياذ بالله- مثل: أن يرميه في بركة فيها أسيد، أو مادة حارقة، فانسلخ جلده كله، ثم جاء شخص وقتله، لأن الجنايات -والعياذ بالله- والجرائم تتنوع، فلو أن شخصين اعتديا على شخص، فجاء الأول ورماه في هذا الموضع حتى سلخ جلده، ثم أدركه الثاني قبل موته، لأنهم يقولون: إذا انسلخ الجلد لا يعيش الإنسان، وهذا نص عليه بعض الأئمة رحمهم الله وذكروه عن بعض الأطباء، لكن لو أنه بقي بعد سلخه، وجاء الآخر وقتله، فحينئذ السلخ فيه الدية كاملة، والقاتل أيضاً يجب عليه القصاص إذا كانت النفس مستقرة على الأصل الذي قررناه في مسألة ما تقدم معنا في الحياة التي يشرف الإنسان معها على الهلاك، هل هي حياة مستقرة؟ أو هي كالعدم؟

    فالشاهد: أنه لو سلخ جلده وجبت عليه الدية كاملة، فلو أنه أخذه فرماه في بركة فيها أسيد، أو صب عليه الأسيد حتى سلخ جميع جسده، ثم جاء سبع وقتله، فإنه يجب على من سلخ الجلد الدية كاملة، والجلد واحد في البدن، فهو من الأعضاء التي لا تتعدد، كذلك أيضاً شعر اللحية، وشعر الرأس، هذه واحدة في البدن، فلو أنه سقاه الطبيب دواءً، أو قال له: أعالج لك تساقط الشعر، فسقاه دواءً فأسقط جميع شعره، فأصبح أصلع الرأس، ولا يمكن علاجه، وجب على الطبيب أن يضمن الدية كاملة، وكذلك اللحية، لو سقاه دواءً فأسقط لحيته، وتبين أن هذا الدواء مضر، أو أنه من الخطأ أن يأخذه المريض، أو لا حاجة لسقي المريض منه، فإنه حينئذ يضمن، لكن لو وجدت حاجة، مثلاً: في بعض أدوية السرطان -أعاذنا الله وإياكم- أو أدوية بعض الأمراض، إذا سقي الدواء تساقط شعر اللحية، فهذا ليس بمؤثر، خاصة إذا وجدت الحاجة والضرورة إلى ذلك.

    قال رحمه الله: [ففيه دية النفس]:

    أي: فيه الدية كاملة؛ لما ذكرناه من أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على هذه الأشياء كما في كتاب عمرو بن حزم ، وكذلك أجمع العلماء رحمهم الله على أن الدية كاملة إذا قطع لسانه، أو قطع أنفه، أو قطع ذكره، وكذا إذا اعتدى على صلبه، وإذا اعتدى على الجلد كما ذكرناه، فإنه يجب عليه أن يضمن هذا العضو الذي أتلفه بالدية كاملة.

    1.   

    دية الأعضاء التي في الإنسان منها شيئان

    قال رحمه الله: [وما فيه منه شيئان: كالعينين، والأذنين، والشفتين، واللحيين، وثديي المرأة، وثندوتي الرجل، واليدين، والرجلين، والإليتين، والأنثيين، وإسكتي المرأة، ففيهما الدية، وفي أحدهما نصفها]:

    قال: [وما فيه منه شيئان]:

    هذا النوع الثاني من الأعضاء، وهو ما في الإنسان منه شيئان، يشمل ذلك: العينين، والأذنين، واللحيين، والثديين، وثندوتي الرجل، وإسكتي المرأة، وإليتي الرجل، والرجلين، واليدين، فهذه كلها مثناة في الإنسان، يلتحق بها الأنثيان، وقد نص عليهما عليه الصلاة والسلام ولم يذكرهما المصنف، لكن تلتحق بالأعضاء المثناة، ويلتحق أيضاً حلمتا الثدي، وسيأتي-إن شاء الله- بيانهما.

    دية العينين

    قال رحمه الله: [كالعينين]:

    لو أنه قلع عينيه، أو اعتدى على العينين ففقأهما، وجبت عليه الدية كاملة، وذلك محل إجماع بين العلماء رحمهم الله : أن العينين فيهما الدية كاملة، وأن كل عين فيها نصف الدية، ولا تفضل اليمنى على اليسرى، وإذا كان أعور ففقأ عينه، أو قلع عينه، فقضى بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كـعمر ، وعلي، وغيرهم رضي الله عنهم أن عين الأعور فيها الدية كاملة؛ لأنها منزلة منزلة العينين، والأصل: أن العين الواحدة فيها نصف الدية، ولكن قالوا: لأنه لما لم تبق له إلا هذه العين واعتدى عليها، أذهب له منفعة النظر.

    ويستوي في العينين أن تكونا صغيرتين، أو تكونا كبيرتين، ولو أنه سقاه دواءً، أو عالجه طبيب فأذهب عينيه، وقال الأطباء: إن الطبيب قد أخطأ؛ لأن الأطباء يجب عليهم الضمان، فيشهد طبيبان عدلان: أن هذا الذي فعله الطبيب خطأ، ومسألة ضمان الطبيب فيها تفصيل، خاصة في عصرنا الحاضر، في بعض الأحيان يكون الخطأ من التشخيص الذي يُكتب للطبيب، ولا يتحمل الطبيب فيه المسئولية، إلا إذا كانت هناك أصول يجب عليه أن يتبعها من التأكد، ونحو ذلك، أما إذا كان العبء الأكبر على غيره، وكتب له ذلك الغير مثل التحاليل، والتصاوير، وكتب المصور تقريره، وبنى الطبيب على هذا التقرير، فحينئذ يكون المتحمل المشخص لهذا المرض؛ لأنه هو الذي تسبب في خطأ الطبيب، المهم أن هذا كله يحتاج إلى تفصيل، لكن من حيث الأصل: لا تذهب أرواح الناس وأجسادهم هدراً، وأن الطبيب إذا أخطأ يتحمل المسئولية؛ وذلك أدعى للاحتياط والمحافظة على أرواح الناس وأجسادهم، ولو أنه سقاه دواءً فأذهب البصر، أو أضر بعينيه، فإنه يجب عليه الدية كاملة، ولو أضر بإحدى عينيه، أو قال: أفعل لك عملية جراحية، فعمل له العملية الجراحية وأتلف عينه، أو أتلف عينيه فإنه يجب عليه الضمان.

    دية الأذنين

    قال رحمه الله: [والأذنين]:

    لو قطع الأذنين فعليه الدية، ولو قطع إحدى الأذنين ففيها نصف الدية، كما نص عليه الصلاة والسلام على هذا، والأصل يدل على هذا، فقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن في اليدين وفي الرجلين الدية، وفي العينين الدية، وقال عليه الصلاة والسلام: (وفي اليد الواحدة خمسون من الإبل) فبين أن الاثنين: وهما اليدان، والرجلان، والعينان، فيهما دية كاملة، أما الواحدة منهما: فيها شطر الدية، ومن هنا أخذ العلماء القاعدة: أن العضو الذي في الإنسان منه شيئان اثنان فيهما الدية كاملة، وإن أتلف واحداً منهما ففيه نصف الدية.

    دية الشفتين

    قال رحمه الله: [والشفتين]:

    الشفتان: عضوان في الإنسان، فيهما منفعة المحافظة على الأسنان، والمحافظة على اللثة، ويستفيد منهما في طعامه، ويستفيد منهما في شرابه، ففيهما منفعة للإنسان، وحدهما: مما أقبل منهما على الفم، العليا: إلى حدود المنخر أو الأنف طولاً، وبالنسبة للسفلى: من العالي منهما المنطبق مع الشفة العليا إلى الحد الذي ينفصل عن أسفل أصول الأسنان، فلو أنه استأصل الشفتين من المنخرين إلى ما سفل عند اللحي والذقن؛ فإنه يجب عليه أن يدفع الدية كاملة، لكن لو أنه أخذ جزء هذا المحدود بقدر النصف وجبت ربع الدية في الشفة السفلى إذا أخذ نصفها، وربع الدية في الشفة العليا إذا أخذ نصفها.

    فهذا العضو: أجمع العلماء رحمهم الله على أن فيه الدية كاملة، وأن في كل واحدة من الشفتين نصف الدية.

    دية اللحيين

    قال رحمه الله: [واللحيين]:

    وهما العظمان السفليان اللذان عليهما الأسنان والأضراس، اللحي الأيمن، واللحي الأيسر، فلو أنه ضربه ضربة أتلفت أحد لحييه، كما في بعض حوادث السيارات ونحوها-نسأل الله السلامة والعافية- فإنه يجب في كل واحد من اللحيين نصف الدية، ولو أنه قضى على اللحيين فأزال اللحيين كليهما فإنه يجب عليه الدية كاملة.

    دية ثديي المرأة

    قال رحمه الله: [وثديي المرأة]:

    ثديا المرأة فيهما منفعة الجمال للمرأة، وفيهما منفعة اللبن للرضيع-الولد- فهي ترضع ولدها، وتقوم عليه؛ لما جعل الله عز وجل في هذين الموضعين من الرزق له في شرابه، فلو أنه اعتدى على ثديي المرأة فأزالهما؛ وجبت الدية، ولو قرر طبيب استئصال الثديين مدعياً وجود مرض في المرأة، وتبين أن المرض غير موجود، وأن هذا الاستئصال ليس في محله؛ وجب عليه أن يضمن الثديين بدية كاملة، ولو استأصل واحداً من الثديين دون الآخر؛ وجب عليه نصف الدية، ثم الحلمتان: وهما في أعلى الثدي، ومنهما يكون سقاء الصبي، ويلتقمها الصبي عند ارتضاعه، هاتان الحلمتان: مذهب طائفة من أهل العلم أن في كل واحدة منهما نصف الدية، ولا يمتنع هذا، كما هو معروف في الأجفان والأهداب، فإن كل جفن فيه ربع الدية، ولو أنه اعتدى على جفنه فأتلف الشعر الموجود في الرمش الأسفل الذي في العين وجب عليه ربع الدية، فلا يمتنع أن يكون متشطراً في جزء الجزء الذي فيه نصف الدية، والحلمة جزء الجزء، ولكنها لوجود المنفعة الخاصة بها في التقام الرضيع لها، وحصول منفعة الارتفاق، حتى إن اللبن قد لا يستمسك، وهذا يضر بالمرأة، فمذهب جمهور العلماء رحمهم الله على أنه لو استأصل الحلمتين فقط، كأن يقول الطبيب: فيهما مرض، ثم تبين أن المرض غير موجود، وأخطأ فاستأصلهما، فإن عليه الدية كاملة، وهذا لا يلتحق بما ذكره المصنف رحمه الله، لكن لو أنه أزال الثدي كاملاً فالحلمة تبع، والتابع تابع، لا يعطى دية خاصة، ومن هنا يكون تابعاً، ولا يكون أصلاً، إنما يكون أصلاً إذا كانت الجناية متعلقة به برأسه.

    دية ثندوتي الرجل

    قال رحمه الله: [وثندوتي الرجل]:

    وهما موضع الثديين بالنسبة للرجل في مقابل المرأة، لو أنه استأصل هذا الموضع من الرجل، فهل عليه الدية؟ وجهان للعلماء: بعض العلماء يقول: إذا اعتدى على ثديي الرجل فاستأصلهما لا دية عليه، وإنما فيها حكومة، تقدر هذه الجناية عن طريق أهل الخبرة، ثم يجب عليه دفع وضمان ما يقوله أهل الخبرة في الحكومة.

    القول الثاني: وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله أن فيهما الدية، وهذا هو الصحيح؛ لأن فيهما جمالاً للرجل، وفي استئصالهما ضرر على الرجل، ولأن المرأة قد لا ترضع، ومع ذلك استئصال الثديين يضر بها، فإذن: استوى الرجل مع المرأة في وجود الجمال، وحصول الضرر في إتلاف هذا الموضع منه، فتجب الدية في ثندوتي الرجل، وفي كل واحد منهما النصف.

    دية اليدين

    قال رحمه الله: [واليدين]:

    نص عليهما عليه الصلاة والسلام فقال: (وفي اليدين الدية، وفي اليد الواحدة خمسون من الإبل)، فبين عليه الصلاة والسلام أن اليد إذا قطعت فيها نصف الدية، وأن اليدين إذا قطعتا فيهما الدية كاملة، وإذا قطع الكف فقد أذهب منفعة اليد، ومن هنا قالوا: تجب عليه الدية؛ لأن الله يقول: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا [المائدة:38]، فقالوا: وقد قال عليه الصلاة والسلام: (وفي اليد الواحدة خمسون) فإذا قطع اليد من الزندين وجبت الدية، ولو قطعهما من المنكب ففيهما الدية، مثلما ذكرنا في الأهداب والأجفان، فهذا كله مشطر لكنه يوجب، ولو قطع الكفين ففيهما الدية، قال بعض العلماء: إذا قطع الكفين فيهما الدية، ثم الزائد عن الكفين نقدر له الزيادة، وهذا مذهب مرجوح، والصحيح ما اختاره المصنف رحمه الله: أن الدية تشمل اليدين سواء قطعهما كاملة أو قطع الكفين، كما لو أخذ الأشفار والأهداب من الأجفان فإنها تجب الدية كاملة.

    دية الرجلين

    قال رحمه الله: [والرجلين]:

    وكذلك الرجلان: فلو قطع رجليه فإنه تجب عليه الدية كاملة، وهذا بإجماع العلماء، وإذا قطع رجلاً واحدة؛ فعليه نصف الدية.

    دية الإليتين

    قال رحمه الله: [والإليتين]:

    وهما في مؤخر الإنسان، وما بدا من ظهر الإنسان، وفيهما منفعة الجلوس، وهما كالوسادة للإنسان إذا جلس، وفيهما منفعة الستر للدبر بالنسبة للرجل والمرأة، فإذا قطعت الإليتان فإنه تجب الدية كاملة، وهذا مذهب جماهير العلماء رحمهم الله.

    دية أنثيي الرجل وإسكتي المرأة

    قال رحمه الله: [والأنثيين]:

    بينا أن السنة نصت على اليدين والرجلين، ونصت على العينين والأذنين، فنبهت بهذه المواضع على أمثالها، فيلتحق بها ما يشابهها من كل مثنى في جسد الإنسان، فذكر المصنف رحمه الله الإليتين، وإسكتي المرأة، وهما الشفران على الفرج، فلو أنه قطع أحد الشفرين فإنه تجب عليه نصف الدية، ولو قطعهما فإنه تجب عليه الدية كاملة، وفي الشفرين منفعة للفرج، واستمتاع في الجماع، وقد يستأصل الشفرين فيضر بالبكارة، وحينئذ إذا استأصل الشفرين-وهما إسكتا المرأة- وأضر بالبكارة، وجبت الدية في الإسكتين والشفرين، ووجب ضمان البكارة على الأصل الذي تقدم معنا في النكاح.

    قال:

    [وإسكتي المرأة ففيهما الدية، وفي أحدهما نصفها]:

    يلتحق بهذا الأنثيان، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وفي البيضتين دية) فالأنثيان وبيضتا الرجل إذا قطعهما وجبت الدية كاملة، وفي الواحدة نصف الدية، فلو أن طبيباً عالج مريضاً فقطع منه الأنثيين، -استأصل البيضتين- وجب عليه الدية كاملة إذا تبين أنه أخطأ في هذه الجراحة، وأنه لم يكن يجب قطعهما.

    1.   

    دية المنخرين

    قال رحمه الله: [وفي المنخرين ثلثا الدية]:

    (المنخرين): المنخر الأيمن، والمنخر الأيسر، والأنف فيه ثلاثة أشياء: المنخر الأيمن، والمنخر الأيسر، والحاجز بينهما، فهذه الثلاثة الأشياء توجب تقسيم الدية أثلاثاً، فإذا اعتدى على واحد منها وجب عليه ثلث الدية.

    قال: [وفي الحاجز بينهما ثلثها]:

    وفي الحاجز بينهما -يعني بين المنخرين- الثلث؛ لأنه قد ذكرنا أن المنخر الأيمن والأيسر في كل واحد منهما الثلث، والحاجز يجب فيه ثلث الدية.

    1.   

    دية الأجفان

    قال رحمه الله: [وفي الأجفان الأربعة الدية]:

    جعل الله الأجفان لحكمة عظيمة، ورحمة منه سبحانه وتعالى بالمخلوق.

    سبحان الله العظيم! عجيب أمر هذا الشرع، يعني الفقهاء رحمهم الله بحثوا في الطب، حتى إنك تجد في الجنايات علوماً طبية مفيدة جداً، وهذا الذي نذكره كله باختصار، فلو أردنا أن نتوسع في ضوابط هذه المواضع، وكيفية الجناية عليها وتدقيقها، وكلام العلماء فيها لأخذ منا وقتاً طويلاً، لكن تتعجب كيف أن العلماء رحمهم الله مع قدمهم، وتجد الكتب القديمة الصفراء قد بحثت هذه الأشياء وتناولتها كأنك تدرس علم التشريح، واليوم يفتخرون باكتشافات في الإنسان، وهذا كان يعرفه العلماء رحمهم الله ، ثم تأتي في الطب في كتاب الحج، وتأتي إلى مسائل الطيب، وكونه محظوراً من محظورات الإحرام، فيبحث العلماء ما هي الشجرة، أو الثمرة التي تعد طيباً، والتي لا تعد طيباً، وهناك عالم عجيب في عالم الأعشاب وخصائصها، وأنواعها، وما الذي يعتبر منها طيباً، وما الذي لا يعتبر منها طيباً. ثم تأتي إلى الصيد، فيتكلمون على ما أحل الله عز وجل صيده، وما حرم الله صيده، ويكشفون لك كنوز العلوم العجيبة الغريبة، وقد يعجز بعض من يدرس علم الأحياء عن اكتشاف تلك الدقائق؛ لأنها كانت تجربة واقعية مدروسة خلال قرون متعددة من أناس عاشوا هذه البيئات وعرفوها، حتى إنه في بعض الأحيان يقول: وهذا يجوز أكله، وقال فلان: لا يجوز أكله؛ لأنه يورث كذا وكذا، أي أن لحمه يورث مرضاً معيناً، وهذا من أغرب ما يكون، بل في بعض الأحيان يقول: وهو صيد، ولحمه ينفع من مرض كذا وكذا، فتجد فوائد عظيمة جداً، وهذا كله كتب بعض العلماء فيه في القرن الثالث الهجري، بل بعضهم في القرن الثاني الهجري، ولم يقتصروا على ذلك، بل بحثوا في الأفلاك، ومنازل القمر، وحسابات المنازل وترتيبها، ومتى يحكم بدخول الشهر، ومولد الهلال، ومتى لا يحكم. فتعيش في علم الفلك، والكسوف، والخسوف، ثم تدخل في علم الفلك في الجهات، واستقبال القبلة، وكيف تعرف القبلة إذا كنت في غيم، وكيف تعرف القبلة إذا كنت في سفر، وإذا كانت القبلة في الغرب تجعل الشمس أمامك عند غروبها، ووراء ظهرك عند شروقها، هذه الأشياء المفيدة القيمة درسها العلماء ونبهوا عليها، ومنها ما نحن فيه الآن؛ الأعضاء وصفاتها، وحينما يتكلمون عن الأدلة يفصلون فيها، يقولون مثلاً: الجفن فيه منفعة المحافظة على العين، فإذا استؤصل الجفن انكشفت عينه وتضرر، وفيه منفعة الجمال، ويقي ويحفظ، والشفة كذلك: تحفظ الأسنان، وتحفظ اللثة، وأيضاً فيها السقيا عند السقاء، واللسان فيه منفعة الكلام، وفيه منفعة إدارة الطعام على الطواحن، وإدارته على الأسنان، وأيضاً عند شربه، هذه كلها أشياء ذكرها العلماء رحمهم الله وفصلوا فيها، ثم فصلوا، وهذا ما نؤخره إلى مسألة المنافع كي يتضح أكثر؛ لأننا في الأعضاء نتكلم عن الجفن وإبانته، لكن في المنافع يتضح هذا أكثر، وهنا يبين رحمه الله ما في الإنسان منه أربع: وهي الأجفان: الجفن الأعلى، والجفن الأسفل في العين اليمنى، والجفن الأعلى والأسفل في العين اليسرى، فلو أنه جنى على الجفن الأعلى فيهما-يعني في العينين- وجبت عليه نصف الدية؛ لأن الجفن الأيمن فيه الربع، والجفن الأيسر فيه الربع، ولو جنى على جفن واحد من الأربعة الأجفان فعليه ربع الدية، كذلك أيضاً بالنسبة للشعر -الرموش- الموجودة في العين: إذا أعطاه دواءً أسقط رمش عينه في الجفن الأعلى وجب عليه ربع الدية، ولو أعطاه دواءً أسقط الرمش والشعر الذي في العينين وجبت الدية كاملة؛ لأن كل جفن فيه ربع الدية، وحينئذ يجب عليه أن يضمن الدية كاملة إذا أتلف الأربع، وإذا أتلف البعض فبحسابه.

    قال: [وفي كل جفن ربعها]:

    وفي كل جفن من أجفان العين الربع، فإذا كان الأسفل ففيه الربع، وإذا كان الأعلى ففيه الربع؛ من اليمنى، أو اليسرى، مثلما ذكرنا، العين نفسها لو فقأها فيها نصف الدية، وهذا لا يمنع؛ لأن العين نفسها فيها منفعة الإبصار، ثم الجفن له منفعة تغاير منفعة العين، ومن هنا فصل العلماء في مسألة قطع اليد-كما ذكرنا- وذكروا أنه تجب فيه الدية، ونصف الدية على إبانة الكف، وهي منفعة كاملة، فإذا قطع يده من الزندين؛ أذهب منفعة كاملة، لأنه لا يستطيع أن يمسك الأشياء، ولا يستطيع أن يحمل الأشياء، ولا يستطيع أن يرتفق في كتابته، وغير ذلك من المنافع الموجودة في الكف وليست موجودة في الساعد، ومن هنا تكون مستقلة, ويجب ضمانها بحقها كاملاً.

    1.   

    دية الأصابع

    قال رحمه الله: [وفي أصابع اليدين الدية كأصابع الرجلين, وفي كل أصبع عشر الدية]:

    الأصابع عشرة، والدية مائة من الإبل، ففي كل أصبع عشر من الإبل بالنسبة للذكر، وخمس من الإبل بالنسبة للأنثى، فكل أصبع يعادل العشر، فنوجب عليه إذا قطع أصبعاً واحداً عشر الدية، ولو قطع أصبعين، فعليه عشران، لو نظرنا إلى هذه الأصابع وجدناها مختلفة، فالسبابة ليست كالإبهام، والخنصر ليس كالبنصر، لكن الحكم واحد، تستوي هذه الأصابع كلها، فكل واحد من هذه الأصابع إذا جنى عليه وجب عليه أن يضمنه بقسطه من الدية.

    ثم لو أنه جنى على جزء الأصبع، فقطع مثلاً أنملة الخنصر العليا، ففيها ثلث العشر، ولو قطع الأنملة الثانية، ففيها ثلثا العشر، فالأنملة لها قسط من هذا العشر، إلا في الإبهام، ففي الإبهام ينقسم العشر إلى قسمين، فيكون نصف العشر في نصف الإبهام الأعلى، وهذا مبني على أن الله تعالى جعل الإبهام على هذه الخلقة، منقسم إلى اثنين، بخلاف بقية الأصابع، فهو الوحيد الذي يفارق جميع الأصابع عند قطع الجزء، لا عند قطع الكل، فإذا قطع الكل فهو مستو معها في وجوب عشر الدية.

    قال: [وفي كل أنملة ثلث عشر الدية]:

    أجمع العلماء على ما ذكرنا في دية الأصبع: أن فيها عشر الدية، وفي كل أنملة ثلث العشر، إلا في الإبهامين كما ذكرنا، ففي كل أنملة من الإبهام نصف العشر.

    لو أنه قطع مثلاً أنملة الإبهام اليمنى، وقطع أنملة الإبهام اليسرى، فإن الواجب عليه عشر الدية، لكننا هنا أعطيناه نصف العشر لنصف إبهام اليمنى، ونصف العشر لنصف إبهام اليسرى.

    1.   

    دية الأسنان

    قال رحمه الله: [والإبهام مفصلان، وفي كل مفصل نصف عشر الدية كدية السن]:

    وهذا -كما ذكرنا- اختصار من المصنف رحمه الله .

    الإنسان فيه اثنتان وثلاثون سناً وضرساً، الثابت في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام: أنه جعل في كل سن خمس من الإبل، ولم يفرق بين سن وأخرى، ولذلك تستوي الثنايا، والرباعيات، والنواجذ، والطواحن، وبقية الأضراس، لكل واحد منها إذا جنى عليه يجب أن يدفع خمساً من الإبل، هذه هي السنة، مع أنها على خلاف القياس؛ لأنها تقارب مائة وستين من الإبل، لكن من حيث الأصل، لو أنه أعطاه دواءً أسقط جميع أسنانه وأتلفها، فإنه يجب عليه أن يدفع الدية كاملة، وأما بالنسبة للأشطار -التشطير والأجزاء- ففي كل سن ما ذكرناه: خمس من الإبل، يستوي السن الطويل، والسن القصير، لكن إذا كان صغيراً فيشترط أن يكون قد أثغر، وليست السن لبنية، فإذا أثغر الصبي فإنه يجب ضمان هذه السن، وهذا قول جماهير العلماء رحمهم الله، وهناك خلاف عن بعض الصحابة يروى عن عمر رضي الله عنه: أنه جعل في الضرس بعيرين، ويروى عنه بعير، ولكن ضعفه ابن المنذر رحمه الله، وأن السند لا يصح عنه رضي الله عنه في هذا، والسنة واضحة: أن في كل سن خمس من الإبل، وعلى هذا: لو أنه كسر نصف السن وبقي نصفها، فإنه حينئذ يجب عليه ضمان الجناية بحصتها من القدر الواجب في السن، وهو نصف الخمسة، فيقدر نصفها ويجب عليه ضمان ذلك.

    لكن لو أنه اعتدى على نصف السن؛ فاختلت وسقطت كاملة؛ وجب عليه ضمان الخمس كاملة، إنما المراد إذا بقي فيها منفعة-منفعة النصف- أما إذا أتلفها ولم يبق فيها شيء، أو اسودت، أو سقطت، فإنه في هذه الحالة وجودها وعدمها على حد سواء.

    1.   

    الأسئلة

    حكم الاعتداء على الذراع مقطوعة الكف

    السؤال: إذا كانت الكف مقطوعة، ثم اعتدى عليه في الذراع هل تجب عليه نصف الدية. أثابكم الله؟

    الجواب: باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    أما بعد:

    فمذهب طائفة من العلماء على أنه إذا جنى على اليد بعد استئصال منافعها في الكف وفي الساعد، أنه يقدر القدر الواجب من نصف الدية، فيجب عليه ضمانه؛ وذلك لوجود المنافع في الكف دون الساعد، واختار بعض العلماء رحمهم الله أنه يجب عليه نصف الدية؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (في اليدين الدية، وفي كل واحدة منهما خمسون من الإبل)، وهذا كان يختاره بعض مشايخنا لعموم النص، وإذا كان قد جنى على يده، خاصة إذا كانت يده مقطوعة خلقة كالأكتع ونحو ذلك، قالوا: تجب عليه؛ لأنه توجد له منفعة، ولأنه يحرك اليد، ويرتفق بها في بعض مصالحه، يقولون: إن هذا أشبه من جهة النص؛ لأن النص عام، قال: (وفي اليد الواحدة خمسون من الإبل) ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الأصل الذي ذكرناه من كونه يقطعها تامة كاملة، أو يقطع جزءها من مفصل الكف، بعد وجود المنفعة في الساعد، وفي العضد. والله تعالى أعلم.

    حكم إذهاب العقل عمداً أو خطأ

    السؤال: إذا جنى على شخص، فأذهب عقله عمداً أو خطأً، فما الحكم، أثابكم الله؟

    الجواب: سيأتينا-إن شاء الله- حكم الجناية على العقل، ولا شك أن فيه الضمان، وتجب الدية كاملة، فلو أنه ضربه بخشبة على رأسه ففقد عقله -والعياذ بالله- وقال الأطباء: إن هذه الضربة لا يرجى منها عود العقل إلى صاحبها، فإنه يجب عليه أن يضمن الدية كاملة، والعقل منفعة كاملة، وهذا بإجماع العلماء رحمهم الله: أن في العقل الدية كاملة، فلو أن طبيباً سقى مريضاً دواءً مخدراً وأذهب عقله، أو مثلاً عمل له عملية في دماغه فأخطأ، فترتب على الخطأ اختلال عقل المريض، فإنه يجب عليه أن يضمن الدية كاملة إذا ثبت خطؤه، والله تعالى أعلم.

    حكم ضمان التابع

    السؤال: كيف تكون الدية لو فقأ عينه مع إفساد جفنيه في نفس العين. أثابكم الله؟

    الجواب: قلنا: هذا تبع، والتابع تابع، ولذلك لا يجب ضمان أشفار العينين، ولا الأهداب، مع أن كل واحد من الأشفار فيه ربع الدية؛ لأنه وقع تبعاً، ولا يجب ضمان التابع، وهذا أصل في الشريعة: أنه يُغتفر في التابع ما لا يغتفر في الأصل، ولذلك يجوز بيع البستان قبل بدو صلاحه، وتكون الثمرة تابعة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه في الصحيحين من حديث ابن عمر ، وحديث أنس بن مالك رضي الله عن الجميع: (أنه نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحها)، لكنها وقعت تبعاً، فقال عليه الصلاة والسلام -كما في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما-: (من باع نخلاً قد أُبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع)، فهنا وقعت الثمرة بعد التأبير وقبل بدو الصلاح تبعاً، ولم تقع أصلاً، فيجوز حينئذ إعطاء حكم التابع، ولا يجب الضمان في مسألة الأجفان، فلو أنه فقأ عينه-والعياذ بالله- قلنا: عليه نصف الدية، سواء اشتمل الفقء على إتلاف الأجفان أو لم يشتمل، والعبرة بذهاب العين، ففي كل عين نصف الدية، سواء بقيت الأجفان أو تلفت، والله تعالى أعلم.

    سنن الاعتكاف وآدابه

    السؤال: من أراد الاعتكاف فما هي سننه وآدابه. أثابكم الله؟

    الجواب: الاعتكاف من أجل العبادات وأشرف الطاعات، شرعه الله في كتابه المبين, وبهدي رسوله المبين صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة:187]، وقال تعالى: أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ [البقرة:125]، وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف، وأمر أصحابه رضوان الله عليهم الذين اعتكفوا العشر الوسطى من رمضان: أن يعتكفوا العشر الباقية تحرياً لليلة القدر.

    والأصل عند الأئمة رحمهم الله: أن الاعتكاف جائز في كل زمان، وأنه لا يختص برمضان، ولكنه في رمضان مؤكد الاستحباب، والدليل على جوازه في سائر السنة: عموم الأدلة في كتاب الله عز وجل الواضحة في الدلالة على أن المساجد محل للمعتكفين، لم تخص رمضان عن غيره، وهذا أصل عند العلماء، وفيه شبه إجماع، وليس هناك أحد يقول: لا يجوز الاعتكاف في غير رمضان، هذا الذي يحفظ عن الأئمة رحمهم الله لثبوت النص في كتاب الله عز وجل دون تفريع.

    لكن عند العلماء: ما جاء الأصل باستحبابه، يقال مثلاً: يجوز الاعتكاف، ولكنه في العشر الأواخر آكد، وفي العشر الأواخر أكثر استحباباً، هذا الذي نص عليه الأئمة رحمهم الله وهو على أنه في العشر الأواخر أكثر استحباباً، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه في اعتكافه حينما نذر، ولم يسأل: هل نذرت في رمضان؟ أو غير رمضان؟ وهذا يدل على أن الاعتكاف جائز في سائر السنة، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، كما هو مقرر في الأصول.

    فالمحفوظ عند العلماء رحمهم الله أن الاعتكاف مشروع في كل وقت، ولكنه في العشر الأواخر آكد.

    المسألة الثانية: إذا ثبت أنه مشروع، والإجماع منعقد على شرعيته، فإنه يشرع في سائر المساجد، لكنه إذا نوى أن يعتكف العشر الأواخر، فلابد وأن يكون المسجد مسجد جمعة؛ لأنه يجب عليه أن يصلي الجمعة، وإذا كانت الجمعة واجبة عليه، فلا يمكن أن يشتغل بالنافلة حتى يضيع الفرض، ولو أنه خرج للفرض لبطل اعتكافه، ومن هنا: اشترط العلماء والأئمة رحمهم الله في العشر الأواخر إذا نواها كاملة أن يكون في مسجد جمعة.

    المسألة الثالثة: أن الأفضل في الاعتكاف أن يكون في المساجد الثلاثة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة)، وهذا نفي مسلط على حقيقة شرعية محمول على الكمال؛ لورود الدليل الذي يدل على صرفه عن ظاهره، مع أن هذا الحديث فيه ضعف عند طائفة من أئمة الحديث-رحمة الله عليهم- لكن على القول بتحسينه يحمل على الكمال: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة): محمول على الكمال، وهو النفي المسلط على الحقيقة الشرعية الذي دل الأصل على صرفه عن ظاهره، كقوله عليه الصلاة والسلام: (لا إيمان لمن لا أمانة له): فإنه لا يدل على كفر من خان الأمانة، وإنما المراد نفي الكمال.

    المسألة الرابعة: إذا ثبت أن الاعتكاف يكون في المساجد الثلاثة، فأفضلها وأعظمها ثواباً وأجراً المسجد الحرام؛ وذلك لأنه تجتمع فيه فضيلتان ليستا موجودة في غيره:

    الفضيلة الأولى: الطواف، حيث لا يشرع الطواف إلا بالبيت العتيق، وهذه العبادة لا تجوز ولا تكون إلا في هذا الموضع-أعني المسجد الحرام- ومن هنا فُضّل المسجد الحرام بوجود هذه المزية.

    ثانياً: أن فيه مضاعفة الصلاة إلى مائة ألف، وهذه المزية يفضل بها بقية المسجدين: مسجد المدينة، والمسجد الأقصى، فالمدينة بألف، والأقصى بخمسمائة على اختلاف في الروايات.

    إذا ثبت هذا نفهم من هنا أن قوله: (لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة) للكمال؛ لأن في الثلاثة الأشياء قرينة الوصف التي تدل على التفضيل، فدل على أنه للكمال، ولم يأخذ بظاهر هذا الحديث على النفي: (لا اعتكاف) إلا مجاهد ، وقال بعض العلماء: إنه قول شاذ.

    المسألة الخامسة: ما هو الاعتكاف؟ الاعتكاف: من العكوف على الشيء، والمراد به: لزومه، ومن هنا قال تعالى: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ [الأنبياء:52] أي: ملازمون لها، فالمعتكف هو الملازم لبيت الله عز وجل-أعني المسجد- بقصد التقرب لله سبحانه وتعالى وطاعته، فإذن لابد من أن يلزم المسجد، وأن تكون النية: إرادة ما عند الله سبحانه وتعالى، والتقرب لله جل وعلا، فلزوم المسجد يقتضي ألا يخرج منه إلا لضرورة وحاجة، مثل: أن يقضي حاجته، ومثل أن يتعذر أن يجد طعاماً داخل المسجد؛ فيخرج بقدر أن يطعم، ثم يعود.

    فالأصل يقتضي أنه يلزم المسجد، وأجمع العلماء رحمهم الله : على أن من نوى الاعتكاف، أو نذر الاعتكاف، فخرج من المسجد من دون حاجة بطل اعتكافه، وعليه أن يعود ويستأنف النية، ومن هنا لابد وأن يعلم المسلم: أن الاعتكاف: هو الملازمة للمسجد، فلا يخرج من المسجد إلا لضرورة وحاجة، فلا يخرج لعيادة مريض، ولا لتشييع جنازة، ولا يخرج لغسل؛ إلا إذا كان واجباً محتماً عليه كغسل يوم الجمعة على القول بوجوبه، أو غسل جنابة إذا أصابته جنابة، أما إذا لم توجد حاجة، فالأصل يقتضي عدم جواز الخروج.

    إذا عُلم أنه يلازم المسجد، ينبغي عليه أن يعلم أنها ملازمة لذكر الله عز وجل، وأن المعتكف الصادق في اعتكافه هو من ترسم هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل وقته وساعاته ولحظاته في ذكر الله سبحانه وتعالى، حتى إنه يحتسب عند الله عز وجل النومة ينامها من أجل أن يتقوى بها على طاعة الله، هذه العبادة مدرسة من مدارس رمضان، وانظر إلى حكمة هذه الشريعة كيف جعلت الاعتكاف في ثلث الشهر، ولم تجعله في كل الشهر؛ لأن الإسلام دين لا رهبنة فيه، وهذا يدل على أن الإنسان إذا تعبد واجتهد في العبادة، ينبغي أن يكون بحدود، وألا يغلو كغلو النصارى فيترهبن، ويصبح من الرهبان، فلا رهبانية في الإسلام، ومع أن الموسم موسم طاعة -شهر رمضان- لم يدع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الاعتكاف الكامل، وقد كان صلى الله عليه وسلم يترك شيئاً ويحب أن يفعله، لكن وقع منه اعتكافه عليه الصلاة والسلام تحرياً لليلة القدر، والدليل على ذلك: أنه اعتكف العشر الوسطى، فلما نزل عليه جبريل أن ليلة القدر في العشر الأواخر، وقال كما في الصحيح: (إن الذي تطلبه أمامك)، أصبح عليه الصلاة والسلام وأمر أصحابه أن يعتكفوا العشر معه عليه الصلاة والسلام.

    هذا الاعتكاف يقصد منه إصابة فضيلة ليلة القدر، وهو الاعتكاف المخصوص في رمضان، ويتعلم المسلم منه ذكر الله عز وجل وطاعته، فهذا الجو الإيماني الذي يهيئ العبد لمرضاة الله جل جلاله ومحبته، وبلوغ الدرجات العلا في جنته، ودار كرامته، كم من معتكف صادق في اعتكافه دخل إلى معتكفه ناقصاً، فخرج منه مكملاً، دخله شقياً فخرج منه سعيداً، دخله مذنباً فخرج منه مغفوراً مرحوماً، ودخله بعيداً عن الطاعات فخرج بالباقيات الصالحات، المعتكف الصادق في اعتكافه الذي تعلم من اعتكافه حفظ اللسان، وصيانة الجوارح والأركان، والإكثار من ذكر الله عز وجل في سائر الأوقات والأزمان، ومن الناس من خرج من اعتكافه بختم القرآن كل ثلاث ليال، ومنهم من خرج من اعتكافه بالبكاء عند سماع القرآن، ومنهم من خرج من اعتكافه بمحبة كل خير، وكل طاعة وبر، وهل يراد من العبد إلا أن يكون اعتكافه زيادة له في الخير، وزيادة له في البر، وكل معتكف حقيق وواجب عليه: أن يقف في آخر يوم من أيام اعتكافه فينظر إلى نفسه، وينظر إلى قلبه وعمله؛ لكي يسأل: ما الذي خرج به من هذه العبادة؟ فإن وجد أنه خرج بطاعة يحبها ويأنس بها، ويشتاق إليها، ويرتاح بالجد والاجتهاد فيها، فليحمد الله عز وجل عليها، ويسأل الله الثبات، ولذلك علينا أن ندرك أن الاعتكاف مدرسة للخير والبر، يُحبس ولي الله المؤمن في بيت الله عز وجل، الذي ترى عينه فيها الراكع والساجد، فينظر إلى هذا ساجداً بين يدي الله عز وجل، وينظر إلى هذا رافعاً كف الضراعة إلى الله، وينظر إلى ثالثٍ يتلو كتاب الله، وينظر إلى رابعٍ قد أقبل على نفسه يلومها في طاعة الله، وفي جنب الله، فعندها يطمئن قلبه، وينشرح صدره، مع رفقة إيمانية، وفي مجالس رمضانية، مليئة بذكر الله، مليئة بطاعة الله، يصبح ويمسي بوجوه مشرقة من طاعة الله سبحانه وتعالى، كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا أصبحوا من قيام الليل تلألأت وجوههم: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح:29] فهذه نعمة من الله عز وجل على المعتكف، كل معتكف يريد أن يكون موفقاً في اعتكافه؛ فليسأل الله، وليدع قبل أن يدخل معتكفه أن يرزقه الله عز وجل التوفيق، فالتوفيق أساس كل خير، وأساس كل بر، ومن وُفق أصاب الخير؛ لأن الأمور كلها لا تكون بحول الإنسان وقوته، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (يا حي يا قيوم! برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين) ، فإذا دخل الإنسان إلى المسجد مفتقراً إلى رحمة الله، وهو يقول: يارب! أسألك التوفيق، يارب! أسألك اعتكافاً يرضيك عني، وأسألك ساعات ولحظات معمورة بذكرك وشكرك.

    ثانياً: من الأسباب التي تعين على الاجتهاد في الاعتكاف: أن تستشعر نعمة الله عز وجل عليك، فكم من ميت تمنى هذه العشر -التي أنت فيها- فحيل بينه وبين ما يشتهي، وكم من مريض طريح الفراش يتمنى العافية التي أنت فيها، وكم من مشغول في تجارته وأمواله وأولاده، شُغل عن المكان الذي أنت فيه، فتحمد الله عز وجل أن هيأ لك ذلك، ويسر لك ذلك، فإذا دخلت مستشعراً أن الله أنعم عليك، وأن الله اختارك من بين الناس، عندها تعرف قيمة هذا الاعتكاف.

    ثالثاً: إذا دخلت المعتكف فاعلم أنه ليس لك من هذا الاعتكاف إلا ما قضيت في طاعة الله عز وجل، فليكن أنسك بالله عز وجل أعظم من أنسك بالناس، أي معتكف هذا الذي ينتقل من فلان إلى فلان؟!! أي معتكف هذا الذي جعل اعتكافه زيارة الأصحاب، والجلوس مع الأحباب، والتفكه بالنكت، والضحك في بيت الله عز وجل، لاهياً عن ذكر الله، شاغلاً غيره عن طاعة الله عز وجل؟!! أي اعتكاف هذا؟! لو جلس في بيته لكان خيراً له وخيراً لغيره ألا يشغله عن طاعة الله عز وجل ومرضاة الله، فعلينا أن نهيئ أنفسنا لهذا، وأنبه على قضية صحبة الأحداث للاعتكاف؛ لأن المساجد أصبحت مزدحمة، وأصبح من الصعب أن كل شخص يأتي بفتية أحداث إلى المسجد يعتكفون؛ لأنهم يضيقون على من هو أحق وأجدر وأولى، وأنا لا أشك -إن شاء الله- أن الإخوة يريدون الخير، وأنهم يريدون تعويد الفتية على مرضاة الله، ومحبة الله، لكن هذا سلاح ذو حدين، فوجود هؤلاء الفتية يسبب الزحام وبالأخص في المسجد الحرام؛ لأننا كلنا بدأنا نعاني، والناس تشتكي من الضيق والزحام، بل رأيت بعيني من هؤلاء الأحداث تصرفات لا تليق، قد تؤذي الأخيار، وقد تسمهم بأمور لا تليق بهم، وقد يكون بينهم من ليس بملتزم ذلك الالتزام، أو لا يستقيم تلك الاستقامة فيجر على غيره تبعات لا تحمد عقباها، ولذلك: أرجو إعادة النظر، لو أمكن أمثال هؤلاء أن ينتقلوا إلى المساجد الأخر، وأن لا يعتكف في المسجد الحرام إلا أناس يعقلون معنى الاعتكاف، وأناس فعلاً سبق أن جئنا بهم، ووجدنا فيهم الجد والاجتهاد والانضباط، فهؤلاء أولى وأحق، أما أن يؤتى بهؤلاء الأحداث يشوشون ويضيقون على من هو أولى وأحق، هذا أمر أخشى أن يكون فيه إثم ووزر على الإنسان؛ لأن تعاطي الأسباب التي تضر بالناس لا شك أن الإنسان يحمل المسئولية فيها، ونسأل الله أن يعظم للمربين والأساتذة أجورهم، وأن يجزل لهم المثوبة في الدنيا والآخرة بمحافظتهم على أبناء المسلمين، فوالله إننا نغبطهم على هذه النعمة، ونغبطهم على هذا الخير، وادعوا لإخوانكم، واسألوا لهم التوفيق والسداد، فأمثال هؤلاء على ثغور الإسلام؛ لأن شباب المسلمين لو لم يحفظوا لهلكوا، فجزاهم الله خيراً أنهم جروا مثل هؤلاء إلى بيوت الله، وعرفوهم طاعة الله، لكن ليس كل مجتهد مصيب، فينبغي أن تضبط هذه الأمور بالرجوع إلى العلماء واستشارتهم، وانتقاء النوعية التي مثلها أهل أن تعتكف، ومثلها أهل أن تدخل هذا البيت المعظم المشرف، فلا تصدر منهم الأخلاق المؤذية، والتشويش على الغير، والأفعال التي لا تليق، هذا الذي أرجو أن يكون من هؤلاء الذين أرجو من الله تعالى أنهم يريدون الخير لهم ولهؤلاء الشباب.

    المسألة الرابعة في الاعتكاف: هناك أمور ينبغي على المعتكف أن يراعيها من تحري سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعظمها: الاجتهاد في إحياء ليالي العشر، فالعشر الأواخر فيها سنة الإحياء، ويحيي ليلها كاملاً؛ لأنه سنة رسول صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة رضي الله عنها: (فإذا دخل العشر: شد مئزره، وأيقظ أهله، وأحيا ليله) فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانظر إلى ذلك العبد الموفق السعيد، الذي تكون عنده أجمل ساعة، وأجل ساعة في اعتكافه حينما يقول: الله أكبر، ويدخل في صلاته، وفي نافلته وعبادته، فإذا قال: الله أكبر؛ انشرح صدره، وخشع قلبه، واطمأن فؤاده، وأقبل على الله عز وجل بصدق، وكمال خشوع وخضوع، وتخشع وتذلل إلى ربه، أكره ما عنده أن يأتي أحد يشغله عن الله جل جلاله، لكن إذا كان الأمر على العكس، فليبك على نفسه، إذا أحس أنه أثناء الصلوات في ضيق وكرب، وأنه-والعياذ بالله- عندما يأتيه من يزوره ويجلس معه، فإنه يأنس وينشط، فإنا لله وإنا إليه راجعون، أصيبت مقاتله، فإذا كان أنسه بغير الله أكثر من أنسه بالله فليبك على نفسه، المعتكف يحب أن يناجي ربه، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تضرب له قبة فلا يرى الناس ولا يراه الناس، وهذا من أفضل الأسباب التي تعين على استجماع الفكر، وهذه النفس الآثمة الظالمة التي ظلت ترتع قرابة ثلاثمائة وستين يوماً في السنة لابد أن تحبس وتقسر على طاعة الله عز وجل، ومحبة الله ولو لساعات، لكي تتعود الخير، ووتعود مرضاة الله عز وجل، ومن الناس من تفتح له أبواب الرحمة فلا تغلق عنه أبداً، ومن الناس من تفتح له أبواب السعادة فلا يشقى بعدها أبداً، ولقد كنت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في قديم الزمان، حينما كنا في الصغر، ترى الرجل إذا دخل معتكفه لا تسمع منه إلا قرآناً، أو ذكراً، أو بكاءً من خشية الله عز وجل، يحبس نفسه على طاعة الله عز وجل حباسة الصادق المقبل المنيب لله سبحانه وتعالى، وكان الرجل منهم فيما رأيت إذا خرج من معتكفه لا يجاوز ببصره موضع قدميه، لا يمشي إلا وهو مطأطئ الرأس، حتى ينشغل بذكر الله عز وجل، فلا يعرف الناس، ولا يعرفه الناس، هذا فقط من باب الإعانة على الخير، لا نقول إنه حرام، بل يجوز لك أن تتكلم بقدر، فإن رسول الأمة صلى الله عليه وسلم زارته صفية رضي الله عنها في المعتكف، وقام يقلبها عليه الصلاة والسلام ويودعها، وهذا يدل على سماحة الشريعة، وبعدها عن التنطع في العبادة، والغلو في الدين، ولكن على المسلم أن يحرص كل الحرص أن يكون ذلك بقدر، وأن يكون في حدود معقولة؛ كأن يأتيك أخ في الله، تباسطه وتعينه على ذكر الله عز وجل، وحبذا أن يكون حديثك معه بما يعين على هذه العبادة الجليلة العظيمة.

    كذلك أيضاً من الأمور التي ينبغي التنبيه عليها: عدم إضاعة الوقت في الخلافات والنقاش في المسائل العلمية، فإن الشيطان إذا يئس من الإنسان في باب الشر، جاءه من باب الخير، فهذه الخلافات والمناقشات قد توغر الصدور، خاصة وأن طلاب العلم إذا أصبح كل منهم يفضل شيخه، وقد يغلو فيه، ويظن أنه لا صواب إلا ما قاله، وعلى هذا إذا جاءك أي شخص، وأنت قد قرأت على عالم يوثق بدينه وعلمه، بالدليل، قل له: هذا مبلغ علمي، وهذا الذي أخذت عمن رضيته حجة بيني وبين الله، فلا تشوش علي، إذا أراد مناقشة وأنت ما عندك حصيلة في الأصول، قل له: يا أخي! لو أن هذين الشيخين جالسان، هل تستطيع أن تجلس حكماً بينهما، يعني نتصرف تصرفات لا نعي معناها، ولا نعرف آثارها، كما أنه ليس من حقي أن أخطئك وأنت تتبع هذا العالم الجليل، وهو قول من أقوال السلف: ليس من حقك أن تخطئني وأنا على قول إنسان من أهل العلم، وله دليله.

    هذا الذي عاشت عليه الأمة، وكان عليه سلفها: أن المسائل الخلافية الفقهية إذا قال إنسان فيها بالدليل، وله سلف، لا ينكر عليه، تقول له: يا أخي! هذا الذي أنت رضيته فيما بينك وبين الله، وهذا الذي أنا رضيته فيما بيني وبين الله، لا تعتب علي ولا أعتب عليك، أنت لك سلف، ولك حجة، وأنا لي سلف، ولي حجة، وينتهي الأمر، هكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم، مع وقوع الخلاف بينهم في المسائل، لكن يصلي بعضهم وراء بعض، ويترضى بعضهم على بعض، أما أن يدخل الإنسان في أي مسألة فقهية، وهو يحس أنه لا مصيب إلا شيخه ومن تلقى عنه العلم، فقد حجر واسعاً، واعتقد ما لا يجوز اعتقاده، فكلٌ يخطئ ويصيب، ولكن عليه أن يقول: قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري في اعتقادي خطأ يحتمل الصواب، وأتعبد الله بهذا، وكان مشايخنا -رحمة الله عليهم- يوصوننا بأن نلزم الدليل، مادام أنهم قالوا بقولهم، ولهم حجة ودليل، فإننا نلزم ذلك، ولا نلفت إلى تشويش أحد، وكنا نرى بعض زملائنا يختلفون ويتناقشون، وإذا بالشيطان يجرهم إلى طعن بعضهم في مشايخ بعض، وكلام بعضهم في شيخ الآخر، حتى-نسأل الله السلامة والعافية- يقع في هذا الإثم العظيم، ومن أعظم ما رأيت بلاءً وشقاءً على الإنسان عداوته لأهل العلم، إذا لم يكن أولياء الله تعالى العلماء فلست أدري من هو ولي الله، ولذلك ينبغي الحذر من مثل هذه الآفة، نقول هذا؛ لأنه بلغنا عن بعض طلاب العلم-أصلحهم الله- أنهم يجلسون في المساجد، ويتناقشون في بعض المسائل الخلافية في الاعتكاف، ويثرب بعضهم على بعض، إذا اختلف عالمان، فقال: أحدهما هذا جائز لكذا، وقال الآخر: لا يجوز لكذا، فلا تعتب على هذا، ولا تعتب على هذا، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة بني قريظة أن الصحابة اختلفوا في فهم قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة)، فصلت طائفة في الوقت مراعاة للأصل، وعندها حجة، وصلت طائفة بعد خروج الوقت مراعاة للمكان على ظاهر اللفظ، قال الراوي: فلم يعنف تلك الطائفة.

    هذه السنة، فالذي لا يعنف العلماء، والذي لا يعنف طلاب العلم الذين يخالفونه، يكون قد أصاب سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، والذي يعنف يكون قد خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لا يجوز لك أن تعنفه وعنده دليل وحجة، أو له سلف في قوله، أما إذا كان قولاً شاذاً، هذا أمر آخر، لا إشكال في رده وبيان عوره ونقصه، وأنه لا يجوز للمسلم أن يعمل به، وإنما يحكى من باب العلم والتنبيه عليه.

    من الأمور التي يوصى بها من يريد الاعتكاف -وهي الوصية الأخيرة-: أن طاعة الله عز وجل تلتمس من حيث بين في كتابه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا اعتكاف بإضاعة الواجبات، فلا يعتكف المعتكف وعنده حقوق وواجبات تضيع باعتكافه، فإن الفريضة مقدمة على النافلة، والله تعالى يقول في الحديث القدسي: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه)، فالذي عنده والد يحتاجه، أو والدة تحتاجه، أو والدان يحتاجان إليه، عليه أن يلزم رجلهما فإن الجنة ثمَ، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! أقبلت من اليمن أبايعك على الجهاد قال: أحيٌ والداك؟ قال:نعم، قال: ففيهما فجاهد)، وفي السنن أنه جاء رجل فقال: (يا رسول الله! أقبلت من اليمن أبايعك على الهجرة والجهاد، وتركت أبواي يبكيان، قال صلى الله عليه وسلم: أتريد الجنة؟ قال: نعم، قال: ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما، وأحسن صحبتهما، ولك الجنة)، هل هناك أفضل من صحبة النبي صلى الله عليه وسلم وصحبته في الجهاد؟ قال: (أقبلت من اليمن أبايعك على الهجرة والجهاد) وليس هناك أعظم من صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، ومع هذا يقول له: (ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما، وأحسن صحبتهما، ولك الجنة) فكل من كان له والدان يحتاجان إليه فليحتسب، وأوصي أمثال هؤلاء، وكل من شغل بوالد، أو والدة، أو زوجة مريضة، أو ابن مريض، أو أحد من قرابته كشيخ كبير من أعمامه وأخواله يحتاج إليه، أوصيه أن يلزم هذه المواطن التي فيها رحمة الله، وأن ينوي في قرارة قلبه أن لو زال هذا لكان من المعتكفين، حتى يبلغه الله أجر الفضيلتين، ويكون فائزاً برحمة الله عز وجل، هذا بعمله، وهذا بنيته، فينال بالعمل فضيلة الواجب، وينال بالنية فضيلة المندوب والمستحب، كذلك الحرص على تفريج الكربات أثناء الاعتكاف، هل من الاعتكاف أن الشخص يعتكف فيرى إخوانه الفقراء، أو يعلم أن أخاه مديون ولا يفرج كربته، يعني: رمضان مدرسة لحقوق الإخوان، فالمعتكف يتذكر إخوانه، فإنه إذا أصبح يدخل المسجد ويخرج على مرأى ومسمع من الفقراء والضعفاء والمساكين والمحتاجين, وهو غني ثري، قد أنعم الله عز وجل عليه بالنعم والمنن، فلم تحدثه نفسه أن يكفكف دمع يتيم، أو أرملة، أو يجبر كسر مسكين، أو محتاج، أو يفرج كرب مديون، أو ينفس عنه، فليبك على نفسه.

    فنسأل الله ألا يجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، فعلى المسلم أن يحرص على هذا، وأن يتخذ من اعتكافه زاداً، حتى قال بعض العلماء باستحباب تفريج الكربات، والتوسعة على المسلمين على الاعتكاف، وأن السعي في حاجة المسلم وتفريج كربته أفضل من الاعتكاف، وجاء هذا في حديث مرفوع فيه ضعف وفيه كلام، ولكن أثر عن أئمة السلف، وصح عنهم أنهم قالوا بتفضيل تفريج الكربات، والتوسعة على المسلمين على الاعتكاف؛ لأنه إذا اعتكف كانت منفعته قاصرة، وإذا فرج الكربات عن إخوانه المسلمين كانت منفعته متعدية.

    نسأل الله العظيم، رب العرش الكريم أن يرزقنا العلم النافع، والعمل الصالح، ويجعل ما تعلمناه وعلمناه خالصاً لوجهه الكريم، موجباً لرضوانه العظيم، اللهم لا تزل بذلك أقدامنا، اللهم ثبت به على الصراط أقدامنا، ويمن به كتابنا، ويسر به حسابنا، وأسعدنا في دنيانا وأخرانا يا حي يا قيوم! اللهم بارك لنا في شهرنا، اللهم بارك لنا في شهرنا، واجعلنا ممن صام الشهر واستكمل الأجر، وأدرك ليلة القدر، اللهم إنا نسألك في هذه الساعة من فواتح الخير وجوامعه، وأوله وآخره، يارب العالمين! اللهم امنن علينا برحمتك، واغمرنا بواسع مغفرتك، وتب علينا في التائبين، واشملنا برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم لا تجعلنا خزايا ولا مفتونين، ولا ضالين ولا مضلين، اللهم اجعلنا مرحومين، موفقين، سعداء، وتمم لنا ذلك بحسن الختام، والفوز بدار السلام، يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام! اللهم إنا نسألك في هذه الساعة أن تسبغ شآبيب رحماتك على موتى المسلمين، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، اللهم خص بذلك والدينا، ومشايخنا، ومحبينا، ومن له حق علينا، اللهم أفسح لهم في قبورهم، ونور لهم فيها، اللهم أفسح لهم في قبورهم، ونور لهم فيها، اللهم أفسح لهم في قبورهم، ونور لهم فيها، واجزهم لقاء ما صنعوا إلينا من الخير والعلم والبر خير ما جزيت معلماً عن علمه، وصاحب خير عن خيره، يا حي يا قيوم! اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تؤخرنا إلى شر، اللهم لا تؤخرنا إلى شر وفتنة، اللهم لا تؤخرنا إلى شر وفتنة، اللهم ثبتنا على الصراط المستقيم، وقنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أغث هذه الأمة، وعجل بتفريج الكربة، وزوال النكبة، اللهم انصر الإسلام وأهله، اللهم انصر دينك وكتابك، وسنة نبيك، وعبادك الصالحين، اللهم انصر دينك وكتابك، وسنة نبيك، وعبادك الصالحين، اللهم انصر دينك وكتابك، وسنة نبيك، وعبادك الصالحين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم، واقصم ظهورهم، اللهم زلزل أقدامهم، اللهم زلزل عروشهم، وصدع بنياهم، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، إنك أنت السميع العليم، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، ووفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم لكل بر وتقوى، اللهم انصر بهم دينك، وأعل بهم كلمتك، وانشر بهم رحمتك يا أرحم الراحمين! ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر وترحمنا لنكونن من الخاسرين، نستغفر الله ونتوب إليه، نستغفر الله ونتوب إليه، نستغفر الله ونتوب إليه، اللهم صل وسلم وبارك على نبيك وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756000966