إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب تعليق الطلاق بالشروط [1]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الطلاق جائز في الشريعة الحكيمة سواء كان منجزاً أو معلقاً، ولتعليق الطلاق بالشروط أحكام كثيرة تدل على كمال الشريعة الإسلامية ورحمتها بالعباد.

    1.   

    تعليق الطلاق بالشروط

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تعليق الطلاق بالشروط ].

    التعليق: هو جعل الشيء على الشيء، وقد قال بعض العلماء: إن مادته في اللغة تدور حول ربط الشيء بالشيء ونوطه به؛ ولذلك يقال: علق الثوب على الشجرة، إذا كان الثوب على غصنٍ من أغصانها أو فرعٍ من فروعها فاتصل بذلك الشيء المعلق به.

    ومسألة تعليق الطلاق بالشروط مسألة مهمة تكثر بها البلوى بين الناس، فإن كثيراً من الناس إذا أراد أن يطلق زوجته علق الطلاق على وقوع شيء أو على عدم وقوعه، ومن هنا يرد السؤال عن حكم هذا النوع من الصيغ المتعلقة بالطلاق. والتعليق عند العلماء رحمهم الله له ضابط ذكره بعض أئمة الأصول والفقهاء رحمةُ الله على الجميع.

    فضابط التعليق هو: ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى، فهناك جملتان، وهناك أداةٌ تربط بين الجملة الأولى والجملة الثانية، ولذا فإن التعليق بالشروط يستلزم وجود شرط يترتب عليه وجود المشروط، والأداة التي تربط بين الشرط والمشروط، فهو إذا قال: أنت طالقٌ إن قمت، أو قال: إن قمت فأنت طالق، فقد ربط حصول مضمون جملة -وهي جملة الطلاق- بوقوع مضمون جملة أخرى -وهي جملة: إن قمت. أي: القيام- فكأنه يقول: زوجتي طالق إن وقع القيام منها، ولو قال لها: إن قعدت فأنت طالق. فقد ربط مضمون جملة الطلاق بوقوع مضمون جملة القعود، فإذا حصل القعود حصل الطلاق.

    وهذا الربط بين الشرط والمشروط يجعلُ الشرط مرتباً على المشروط، فعندنا شرط وجواب في قوله: إن قمت فأنت طالق. فالشرط: إن قمت، والجواب: فأنت طالق، فإذا اشترط لوقوع الطلاق قيامها فإننا نحكم بوقوع الطلاق إذا حصل القيام منها.

    فالتعليق هو: ربط حصول مضمون جملة -وهي جملة الطلاق- بحصول جملة أخرى -وهي الجملة التي اشترطها لوقوع الطلاق- إن قمتِ.. إن قعدت.. إن قرأت.. إن ذهبت إلى بيت أبيك.. إن كلمت أمك.. إن كلمت جارتك.. إن كلمت أختك ونحو ذلك من الشروط التي يربط وقوع الطلاق بها.

    ولذلك قال العلماء في القاعدة المشهورة: إذا وقع الشرط وقع المشروط.

    وتعليق الطلاق بالشروط بابٌ من أبواب الطلاق، اعتنى العلماء رحمهم الله به لعموم البلوى به، والناس تختلف الشروط التي تكون منهم فتارة يشترط أحدهم وجود شيء وتارةً يشترط نفي الوجود، فإذا قال: إن لم تخرجي فأنت طالق، فقد علّق الطلاق على عدم الخروج، فيكون تعليقاً بطريقة النفي، وإن قال: إن خرجت فأنت طالق فيكون قد علقه بطريقة الإثبات.

    الدليل على وقوع الطلاق المعلق بالشروط

    قال العلماء: إن الطلاق يقع إذا وقع الشرط؛ لأن الله سبحانه وتعالى أعطى المسلم الطلاق، فإن شاء نجزه وإن شاء علقه، والقياس الصحيح والنظر الصحيح يقتضي أنه إذا علق الطلاق على شيء فإنه يقع به من حيث الجملة، فإن الشرع أوقع العتق المعلق على شرط، فإذا أعتق عبيده بشرط وجود شيء ووجد ذلك الشيء فإنه يحكم بعتق العبيد، وهكذا إذا كان العبد مدبراً بحيث يعتق عليه بعد موته، فإنه يعتق عليه بوجود تلك الصفة، قالوا: والعتق والطلاق بابهما واحد؛ لأن الطلاق: التزامٌ من المكلف بما لم يلزمه في الأصل، فالطلاق ليس بواجب عليه وليس بلازمٍ عليه أن يطلق امرأته ولكنه التزم أن يطلقها، فالتزم ما لم يلزمه بالأصل، وكذلك العتق، فإنه إذا أعتق عبيده عن دبر وجعل عتقهم مدبراً فإنه قد علق العتق على وجود صفة وهي الموت، فإذا وجد الموت وجد العتق وحُكم به، ولهذا قالوا: ينفذ الطلاق بالشروط كما ينفذ العتق بالتدبير بجامع كون كلٍ منهما التزاماً من المكلف بما لا يلزمه بأصل الشرع، وجماهير العلماء والأئمة على أن الطلاق يقع إذا كان مرتباً على شرط ووقع ذلك الشرط، وصيغة الشرط معتبرة في كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن اشترط شيئا ووقع ذلك الشرط فإنه يلزمه ما التزمه في المشروط، فإن هذه الصيغة في أصل الوضع اللغوي صيغةٌ مؤثرة؛ ولذلك اعتبرت الشروط، قال صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم)، فإذا اشترط لامرأته أنها إن خرجت فهي طالق أو إن دخلت فهي طالق أو إن قامت فهي طالق، فهذا شرطٌ بينه وبين زوجه، فتطلق عليه إن وقع ذلك الشرط كما لو طلقها طلاقاً منجزاً.

    من يصح منه التعليق

    قال رحمه الله تعالى: [ لا يصح إلا من زوج ].

    أي: لا يصح الطلاق المعلق إلا من زوج، وهذه الجملة المراد بها: أن صيغة التعليق لا تصح إلا بعد وجود عقد النكاح، فلو أن رجلاً قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، أو قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، فمعنى ذلك: أنه علق تطليق المرأة بما إذا تزوج بها، فإذا نظرنا إلى هذا التعليق وجدناه وقع من غير الزوج، وهو الأعزب، فإذا قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق أو أيما امرأةٍ أتزوجها فهي طالق أو إذا نكحت فامرأتي طالق فإن هذه الصيغة لاغية ولا تأثير لها؛ لأن الطلاق لا يصح إلا بعد وجود العقد، فإذا علق الطلاق بالشرط ولم يعقد على المرأة، فإن الطلاق لم يصادف محلا، والدليل على ذلك قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ [الأحزاب:49]، ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى جعل الطلاق مرتباً على وجود العقد، فدل على أنه لا طلاق قبل عقد النكاح، فلو سألك سائل وقال: اشترطت على نفسي وقلت: كل امرأةٍ أتزوجها فهي طالق، هذا في حالة العموم، أو خصص وقال: إذا تزوجت خديجة أو تزوجت من قبيلة فلان، أو من بيت فلان أو من بني عمي أو من بني خالي فهي طالق، فحينئذٍ سواءً عمم أو خصص بذكر القبيلة أو ذكر المدينة أو غير ذلك فنقول: هذا لغوٌ، ولا يترتب عليه ثبوت الطلاق لدليلين:

    أولهما: دليل الكتاب، والثاني: دليل السنة، أما دليل الكتاب فإن الله تعالى جعل الطلاق مرتباً على وجود العقد، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ [الأحزاب:49]، فجعل الطلاق مرتباً على وجود العقد، وبهذا استدل الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه، وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: (لا طلاق فيما لا يملك)، وفي الحديث الآخر في السنن: (إنما الطلاق لمن أخذ الساق)، فدل هذان الحديثان -وقد صححهما غير واحد من أهل العلم- على أن الطلاق لا يقع إلا إذا وجدت العصمة، وأن من علق طلاقه على وجود العصمة أو طلق قبل العصمة فإنه قد طلق امرأةً أجنبية ولا يقع الطلاق، وقد بينا مذاهب العلماء وذكرنا أن هذه المسألة اختلف العلماء رحمهم الله فيها فقال بعض العلماء: إن الذي يشترط على هذا الوجه عموماً أو خصوصا فإن شرطه لازم وتطلق عليه المرأة بمجرد أن يعقد عليها، وعلى هذا سيبقى مدى عمره بدون نكاح، وهذا لا شك أنه خلاف شرع الله، لأنه سيؤدي إلى تحريم ما أحل الله عليه، ولربما وقع في الحرام، خاصة في الأزمنة التي لا يوجد فيها ملك اليمين، وقال بعض العلماء: إن هذا الشرط لاغ ولا طلاق إلا بعد نكاح، وهو الراجح كما ذكرنا، وقال بعض العلماء: إن عمم فإنه يلغى قوله: ولا يعتد به، وإن خصص اعتد بتخصيصه، وهذا مرويّ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقال به بعض أصحاب الإمام مالك ، والصحيح: أن الطلاق لا يقع إلا إذا وجد النكاح، وأن من قال كل امرأةٍ أتزوجها فهي طالق، أو أيما امرأة أتزوجها فهي طالق، أو أيما امرأة من بني فلان أو من قرية كذا أو من بلدة كذا، كل ذلك لغوٌ ولا تأثير له في إثبات الطلاق.

    عدم وقوع الطلاق المعلق بالشرط إلا عند حصول الشرط

    قال رحمه الله تعالى: [ فإذا علقه بشرط لم تطلق قبله، ولو قال: عجلته، وإن قال: سبق لساني بالشرط ولم أرده وقع في الحال ].

    (فإذا علقه بشرط لم تطلق قبله) يعني: إذا علق الطلاق بشرط لم تطلق المرأة قبله، أي: قبل وجود الشرط؛ لأن الذي بينه وبين الله عز وجل: أن امرأته طالق إن وجدت هذه الصفة المشروطة، فهو يقول لها: إن قمت فأنت طالقٌ، فإننا لا نحكم بطلاقها إلا إذا وجد القيام؛ لأن الطلاق تعلق على صفة فإن وجدت الصفة حكمنا به وإلا فلا، فلو أنها ماتت قبل قيامها لم تطلق، ولو قال لها: إن خرجت من الدار فأنت طالقٌ فلم تخرج من دارها فإنها امرأته ويحل له أن يستمتع بها وهي امرأته حتى تخرج، فيسري عليها حكم المطلقة على حسب ما علق من طلاق.

    فهاتان مسألتان:

    الأولى: أنه لا يقع الطلاق إلا بعد وقوع الشرط.

    الثانية: أنها زوجته فيما بين التلفظ بالشرط وما بين وقوعه وحدوث الطلاق.

    فلو سألك سائل: لو أن رجلاً علق طلاق امرأته على صفة، فقال لها: إن خرجت أو إن دخلت أو إن انتهى الشهر أو نحو ذلك فأنت طالق، فهل هي زوجةٌ له قبل وجود الصفة أو لا؟ تقول: هي زوجةٌ له حتى يقع الشرط وحينئذ يحكم بوقوع الطلاق.

    ادعاء الزوج تعجيل إيقاع الطلاق المعلق بالشرط

    (ولو قال: عجلته).

    ولو قال: عجلت الطلاق، قوله: (ولو) إشارة إلى خلاف المذهب، قال بعض العلماء: إذا قال لامرأته: أنت طالقٌ إن تكلمت اليوم وبقي من اليوم عشر ساعات فننتظر خلال العشر ساعات حتى يتم اليوم، فإذا مضت ولم تتكلم فلا طلاق، فنقول: الأصل أن يبقى الطلاق معلقاً على صيغة الخطر، وصيغة الخطر أن يبقى الأمر متردداً، ولذلك صيغة الشرط التعليق بها منبن على الخطورة كما يقول بعض الفقهاء رحمهم الله، بمعنى: أنه يحتمل أن يقع فيقع الطلاق ويحتمل أن لا يقع الشرط فلا طلاق، فتصبح صيغة مترددة على خطر، يحتمل أن تبقى المرأة في عصمته إذا لم يقع الشرط، ويحتمل أنها تطلق إذا وقع الشرط فالأمر متردد، والحال على خطر، فلا نحكم بالطلاق إلا إذا وجد الشرط، وعلى هذا لو قال لها: أنت طالقٌ إن جاء أبوك اليوم فلم يأت أبوها، وجلست تنتظر فما جاء أبوها، فيبقى الأمر معلقاً، فإن قال: عجلت الطلاق، لم يقبل منه؛ لأن الأصل أن الطلاق معلق، فإذا أراد تعجيله فليأت بصيغةٍ ثانية يراد بها التعجيل.

    وقال بعض العلماء: إن قال عجلته أوقعنا الطلاق بقوله: أنت طالقٌ، وأسقطنا قوله: إن جاء أبوك اليوم، وتصبح طالقة بقوله: أنت طالق، فأصبحت الصيغة في ذاتها بين التنجيز والتعليق، قالوا: نحكم بطلاقه بقوله: أنت طالق، لأنه ألغى التعليق فبقي الأصل وهو قوله: أنت طالق، والصحيح ما اختاره المصنف: أنه إذا قال لها: أنت طالق إن جاء أبوك، أو: أنت طالق إن غربت الشمس، فإنها لا تطلق إلا بوقوع الصفة، وإن قال: عجلت لا يعتد بقوله؛ لأن الصيغة ليست دالة على ما قال، فهي صيغة تعليق في أصل الوضع اللُّغوي، ودالة على التعليق، فلا نحكم بكونها مطلقة بقوله: عجلت، وهذا هو أصح أقوال العلماء رحمهم الله.

    قال رحمه الله: (ولو قال: عجلته)، يعني: لو قال: عجلت وقوع الطلاق، فإنه لا يعتد بقوله، لكن لو أنه قال: أنت طالق ونوى في قلبه أنها طالق، ثم قال: إن جاء أبوك اليوم، فنيته أنه معجل فيكون قوله: إن جاء أبوك، صيغة تعليق جاءت بعد وقوع الطلاق وتنجيزه، وهذا شيءٌ بينه وبين الله، فلو أقر عند القاضي أن الصيغة قالها على هذا الوجه، وأنه أدخل التعليق كحيلة ثم تاب واستغفر؛ فإنه يحكم بكونها طالقاً لقوله: أنت طالق، ويكون طلاقاً منجزا، ولا يحكم بكونه طلاقاً معلقاً.

    ومن عجيب ما ذكره بعض العلماء -رحمهم الله- أنه لو قال: أنت طالق بعدد شعر إبليس -وهذا ذكره الإمام النووي رحمه الله- قال بعض العلماء: إنها لا تطلق؛ لأننا لا نعلم هل لإبليس شعر أو لا! والأصل: أنها زوجه، لكن قال بعض العلماء وهو أصح: قوله: أنت طالق، إثبات للطلاق، وقوله بعد ذلك: بعدد شعر إبليس زيادة على الواحدة، يعني: أنه يريد أكثر من واحدة، فنبقى على الأصل من أنه طلق، والزائد ملغي وهذا هو الصحيح.

    فبعض العلماء يرى أنه إذا قال: أنت طالقٌ، وذكر صيغة الشرط بعد ذلك، ونوى في قلبه أنها طالق مباشرة، فصيغة الشرط جاءت على سبيل اللغو، فيحكم بكونها طلقاً بالقول الأول وبالجملة الأولى وتلغو صيغة الشرط.

    قوله: (وإن قال: سبق لساني بالشرط ولم أرده وقع في الحال).

    فهو يريد أن يقول: أنت طالق البتة، فسبق لسانه وقال: أنت طالقٌ إن جاء أبوك، نقول له: هذا الشرط الذي قلته: إن جاء أبوك قصدته أو لم تقصده؟ قال: سبق لساني به وأقر أنه لم يقصده، فيكون التعليق غير مقصود وتكون مطلقة بقوله: أنت طالق.

    ادعاء الزوج التعليق في لفظ الطلاق

    قال المصنف رحمه الله: [ وإن قال: أنت طالق وقال: أردت: إن قمت، لم يقبل حكما ].

    العلماء -رحمهم الله- من دقتهم أنهم يذكرون الأمور المحتملة، فقد يذكر التعليق ويقصده، وقد يذكر التعليق ولا يقصده، وقد لا يذكر التعليق ويقصده، فالقسمة العقلية تقتضي ثلاث حالات:

    الحالة الأولى: أن يذكر التعليق ويقصده، ففي هذه الحالة اجتمع عندنا اللفظ والنية، فاجتمع الظاهر والباطن على إرادة التعليق، مثال ذلك: أنت طالق إن قمت، فاللفظ لفظ تعليق والنية والقصد أنه تعليق، فالحكم في هذه الحالة أننا نبقى إلى وقوع الشرط.

    الحالة الثانية: أن يعلق باللفظ ولكن لم يرد ذلك التعليق ولم ينوه، وسبق لسانه بالتعليق، فنقول: العبرة بنيته، والمرأة طالق بقوله: أنت طالق، فيكون قوله: إن قمت، حشواً ولغواً لا تأثير له؛ لأنه لم يقصد تعليق الطلاق، ويثبت طلاقه.

    الحالة الثالثة: أن يقصد ولا يتلفظ، فيقول لامرأته: أنت طالق، ويسكت، وهنا معناه: أنها تطلق منجزاً، فقلنا له: قد طلقت عليك زوجك! قال: لا، أنا قصدت في نيتي: أنت طالق إن قمت، فنوى التعليق بقلبه، فالصورتان الأخيرتان متضادتان، إما أن يكون الظاهر للتعليق والباطن خلاف التعليق أو العكس: أن يكون الباطن للتعليق وقصد التعليق والظاهر لا يريد التعليق، وليس فيه ذكرٌ لصيغة الشرط، فإن تلفظ بالطلاق ونوى في قلبه أنها مطلقةٌ بالتعليق فالعبرة بالظاهر، والباطن لا عبرة به، قال عليه الصلاة والسلام: (إنما أمرت أن آخذ بظواهر الناس)، فالقاضي يحكم بطلاق المرأة مباشرة ولا يلتفت إلى تعليقه، فنحكم بالظاهر؛ لأن هذا هو الأصل، ولو فتحنا الباب لأمكن كل زوج أن يدعي أنه نوى التعليق في قلبه فيقول: لا، أنا قصدت: إن قمت، قصدت: إن طرت، قصدت: إن فعلت، ولربما جاء بالمعجز حتى يخرج من تبعة طلاقه، فهذا بالنسبة للحالة الثالثة وهي: أن ينوي في قلبه التعليق ولا يتلفظ به، والحالة الثانية عكسها: أن يتلفظ بالتعليق ولا ينوي ذلك التعليق قال: لم أرده، ولم أقصده، بل سبق به لساني، فقال بعض العلماء: إذا تلفظ وقال لها: أنت طالقٌ إن قمت، وبينه وبين الله أنه قصد تطليق امرأته في الحال قبل قيامها، وجملة: إن قمت، زلة من لسانه، واعترف بذلك فإنها مطلقة عليه بمجرد قوله: أنت طالق، وهذا لا إشكال فيه، فأصبحت ثلاث صور:

    إما أن يكون التعليق بالظاهر والباطن، ومثالها أن يقول: أنت طالق إن قمت، أنت طالق إن غربت الشمس، أو إذا غربت الشمس فأنت طالق، إذا جاء الغد فأنت طالق، فحينئذٍ نحكم بكون الطلاق معلقاً على الصفة أو على الشرط الذي ذكره على حسب الأحوال، وأما إذا كان قد تلفظ ولم ينو التعليق، أو نوى التعليق ولم يتلفظ به فالحكم في الحال الأولى: إذا تلفظ بالتعليق ولم ينوه وقال: سبق به لساني، فالعبرة بنيته ولا يلتفت إلى وجود التعليق؛ لأنه لم يرده وسبق به اللسان، فوجوده وعدمه على حد سواء، وأما إن قال: أنت طالقٌ، وقصد التعليق في الباطن فتطلق عليه امرأته على الظاهر ولا يلتفت إلى النية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بالظاهر وقال: (إنما أمرت أن آخذ بظواهر الناس) .

    وقوله: (لم يقبل حكماً) أي: في القضاء، لكن يقبل فيما بينه وبين الله عز وجل، مثلاً: قالت المرأة: سأخرج، قال: لا تخرجي، قالت: سأخرج، قال: لا تخرجي أنت طالق، ونوى بقلبه: إن خرجت، ففي هذه الحالة يقول جمهور العلماء رحمهم الله: إنها لا تطلق إلا إذا خرجت ديانة بينه وبين الله، لكن إذا رُفع إلى القاضي حكم بالظاهر وقال: زوجتك مطلقة عليك؛ لأنك قلت: أنت طالق، ولم تقل: إن خرجت، فيحكم بكونها طالقاً سواءً خرجت أو لم تخرج، وإذا كان بينك وبين الله أنك لا تطلقها إلا إذا خرجت فننظر: لو أن هذا الرجل قالت امرأته: سأخرج، قال: لا تخرجي، قالت: سأخرج، قال: لا تخرجي، أنت طالق، وقصد أنها طالق إن خرجت ونوى بذلك أنها طالق في ذلك اليوم إن خرجت، ومضى اليوم كله ولم تخرج، فإنها امرأته ولا يحكم بكونها طالقة، فإن غابت شمس ذلك اليوم ولم تخرج فهي امرأته، فلو أن القاضي حكم بكونها مطلقة فتطلق بالظاهر، لكن فيما بينه وبين الله عز وجل أنه لم يرد إلا التعليق ولم تخرج المرأة فإنها امرأته يرثها وترثه وتسري عليها أحكام الزوجية، ولو أنه جامعها؛ فإنه يحكم بكونها امرأةً له فيما بينه وبين الله عز وجل، وحكم القاضي بكونها ليست امرأته حكم في الظاهر، ولكنها زوجه في الباطن، كما لو حكم القاضي بأن بيتك لشخص آخر جاء بشهود كاذبين، فإن البيت بيتك، وملكٌ لك فيما بينك وبين الله، ولا يحل له، وليس من حقه، وإذا علم بذلك من اشترى منه فيكون قد اشترى المغصوب والمأخوذ بالحرام.

    فالمقصود أننا نحكم على الظاهر والسرائر نكلها إلى الله، فنفرق بين كونه نوى التعليق أو لم ينو التعليق على التفصيل الذي ذكرناه في الثلاث الصور.

    أدوات الشرط التي يقع بها التعليق

    قال رحمه الله تعالى: [ وأدوات الشرط: إن وإذا ومتى وأي ومن وكلما وهي وحدها للتكرار، وكلها ومهما بلا لم أو نية فور أو قرينة للتراخي، ومع لم للفور إلا إن مع عدم نية فور أو قرينة ].

    هذه الشريعة شريعة كاملة، وفصّل الله عز وجل فيها كل شيء تفصيلا، فهي شريعة تقوم على إعطاء كل شيء حقه وقدره، حتى الألفاظ التي يتلفظ بها المسلم: إن كانت بالطلاق منجزاً حكمنا بكون الطلاق منجزاً، وهذا هو لفظه، وهذا هو الذي بينه وبين الله: أنه يطلق امرأته طلاقا منجزا، وإن تلفظ بلفظ وكان اللفظ دالاً على التعليق فبينه وبين الله أن امرأته تطلق إذا وُجِدت هذه الصفة، أو وجد هذا الزمان أو وُجد هذا الحال ..الخ.

    فإذا قلنا: إن كل لفظٍ وكل حرف وكل جملة لها معنى ولها دلالة، فلا بد أن نعطي كل زوجٍ حقه فيما تلفظ به من صيغ الطلاق، وصيغ التعليق تكون بحروف الشرط: إن وإذا ومتى ومن ومهما وكلما وأي ونحوها من أدوات الشرط، فينبغي أن تعطى كل أداة دلالتها، فتوجد أدوات تدل على الشرط، وهناك أدوات تدل على الشرط المقترن بالزمان، وأدوات تتمحض في الزمان؛ ولذلك يختلف الحكم بحسب اختلاف هذه الأدوات، ودلالتها، وما وضعت له في أصل اللغة، وقد قرر جمهور العلماء من الأصوليين أن اللغة من وضع الشارع سبحانه وتعالى، فلا يستطيع أحد أن يأتي بصيغة أو بلفظ أو بجملة لها دلالتها في اللغة ويصرفها عن هذه الدلالة.

    مثلاً: لو قال: إن قمت فأنت طالق، قلنا له: إذا قامت طلقت قال: لا، أنا أقصد بهذه الصيغة التمجيد، نقول: هذا قصدك لك أنت، لكن من ناحية وضع اللغة ووضع الألفاظ فإن هذه الألفاظ وضعها الشارع دالة على هذه المعاني، فيؤاخذ بلفظه، واستدل جمهور الأصوليين على هذا بقوله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلّهَا [البقرة:31]، فأصل اللغة أنها من وضع الشارع، فلو أن شخصاً قال: والله لا أكتب، فقلنا له: إذا كتبت لزمتك كفارة اليمين قال: لا، أنا أقصد: لا أسوق السيارة أو لا أخرج من البيت، نقول: إن الكتابة وضعت للدلالة على هذا المعنى الذي يجري به البنان بحروف معينة، فإذا وقعت منك الكتابة على هذه الصفة فحينئذٍ تلزمك اليمين وعليك الكفارة، وكونك تقصد شيئاً آخر هذا لك أنت، لكنه لا يؤثر في الأحكام الشرعية.

    ولهذا ينبغي على الفقيه وعلى العالم أن يقف مع كل حرف وكل صيغة فيما تدل عليه، فهذا كتاب الله عز وجل، قد جاء بصيغة الشرط وجاء بدلالاتها ومعانيها، فلا بد من التقيد بهذه الدلالات والمعاني.

    1.   

    الأسئلة

    حكم من علق الطلاق بشرط فوقع الشرط في وقت نهي عن الطلاق فيه

    السؤال: هل يأثم من علق طلاق امرأته على شرط، وحصل الشرط في وقت بدعي كأن يحصل الشرط وهي حائض أو في طُهر جامعها فيه؟

    الجواب: باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد:

    فستأتي هذه المسألة في مسألة تعليق الطلاق بالحيض، ويتبعها الكلام على مسألة الطهر، وإذا علق تطليق امرأته على صفة ووجبت حال حيضها، فيأتي الخلاف في مسألة وقوع الطلاق في الحيض وقد قدمنا هذه المسألة، وبينا فيها كلام العلماء والحكم فيها على التفصيل الذي سبق بيانه، والله تعالى أعلم.

    حكم من أراد بتعليق الطلاق المنع لا الطلاق

    السؤال: ما الحكم إذا أراد الزوج بتعليق الطلاق المنع دون نية الطلاق وإنما قصد أن يمنعها من الخروج؟

    الجواب: هذه المسألة خلافية، جمهور العلماء -رحمهم الله- على أن صيغة الشرط يترتب فيها الطلاق على وجود الشرط، سواءً قصد المنع أو قصد غير ذلك، وبناءً على ذلك: لا فرق عندهم بين كون المطلق يقصد المنع أو لا يقصده، وذهب طائفة من العلماء -رحمهم الله- إلى القول بالتفصيل: فإن كان التعليق لا يقصد منه المنع كأن يرتبه على زمان كقوله: إذا غابت الشمس فأنت طالق، طلقت لمغرب الشمس، وإن قصد به المنع فإنه لا يقع الطلاق، ويكون حكمه حكم اليمين، ويكفر عنه، ويخرج من تبعته، والصحيح من حيث الأصل مذهب جمهور العلماء رحمهم الله؛ لكن لو أن شخصاً وقع عليه ذلك وقصد منع زوجته وارتفع إلى قاضي أو عالم يرى أنه لا يقع ويعتبر نية المطلق في ذلك فإنه توسعة من الله عز وجل، ولا تطلق عليه امرأته؛ لأن العبرة بمن أفتاه، وبمن قضى عليه، والله تعالى أعلم.

    العبرة في العدة بزمن الطلاق لا بزمن بلوغ الخبر بالطلاق

    السؤال: امرأةٌ فارقها زوجها ما يزيد على عام وعندما سئل عنها قال: إنه مطلقٌ لها، فهل تعتبر خارجة من العدة أم لا بد من الاعتداد بعد قوله؟

    الجواب: مذهب جمهور العلماء على أن من طلق امرأةً فإنه يحتسب في العدة من الطلاق لا من بلوغ الخبر، وقالوا: أن المقصود من الطلاق استبراء الرحم، فلو أنه طلقها ومضى لها ثلاث حيضات أو ثلاثة أطهار -على الخلاف: هل العبرة في العدة بالحيض أو الطهر؟- فإنه يحكم بكونها أجنبية إذا لم يراجعها، وكانت الطلقة بعد الدخول، وبناءً على ذلك قالوا: إذا طلقها طلقة واحدة، ومضت مدة العدة ولم تعلم، وجاءها الخبر بعد تمام مدة العدة، فإنها تصبح حلالاً، والعبرة بوقت الطلاق، لكن في الحداد الحكم يختلف، فإن الحداد عبادة، فلو أن امرأةً مات زوجها ولم يبلغها خبر وفاته إلا بعد سنة أو بعد سنوات فإنها تبتدئ حدادها أربعة أشهر وعشراً من بلوغ الخبر، والفرق بينهما: أن عدة الطلاق لا تحتاج إلى نية، وعدة الحداد فيها وجه التعبد فاحتاجت إلى النية، فلا بد من نيتها للحداد حتى يقع ذلك على الوجه المعتبر، والله تعالى أعلم.

    حكم زواج الرجل من امرأته التي خالعها

    السؤال: إذا طلقت المرأة نفسها هل للزوج أن يعيدها بعقد جديد إذا اصطلحا؟

    الجواب: يجوز للزوج إذا خالع امرأته وأراد أن يراجعها أن ينكحها بعقد جديد؛ لأن الخلع طلقة بائنة، وقد بينا هذا فيما تقدم، قال صلى الله عليه وسلم: (اقبل الحديقة وطلقها تطليقة)، فإذا طلقها طلقة وأراد أن يراجعها بعد ذلك فإنه يعقد عليها عقداً جديداً، ولا بد من وجود الولي وشاهدي عدل والمهر والصداق على الشروط المعتبرة في صحة عقد النكاح، والله تعالى أعلم.

    معنى القوامة في قوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء)

    السؤال: ما المقصود بالقوامة التي في قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34]؟

    الجواب: فضل الله الرجل على المرأة، والله سبحانه وتعالى إذا حكم لا يعقب حكمه، وهو -جل جلاله وتقدست أسماؤه- عليمٌ بخلقه، حكيم في تدبيره وأمره وشأنه، فالله تعالى جعل في الرجال ما لم يجعله في النساء، كما جعل في القوة ما لم يجعله في الضعف، وقد بين الله تعالى أن الرجل لا يستوي مع المرأة، ومن قال: إن الرجل كالمرأة سواءً بسواء فقد ناقض شرع الله، وخالف نصوص الكتاب والسنة، قال الله تعالى: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى [آل عمران:36]، وقال سبحانه وتعالى: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18]، والمراد بذلك: المرأة، والسبب في هذا التفضيل: أن الله سبحانه خلق آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، ثم خلق منه زوجه، وخُلقِت من ضلع آدم كما أخبر صلى الله عليه وسلم (أنها خلقت من ضلع أعوج) وهذا حكم الله عز وجل كما تجد في الخلق من هو عالم وجاهل، فالعلماء أفضل من الجهال، وتجد الغني والفقير، هذا كله تفضيل من الله، لا يستطيع أحد أن يقول: لماذا؟ أو يريد أن يعطل حكم الله عز وجل، فالأصل أن الله فضل الرجال على النساء، ولكن جعل الفضل المشترك بينهم التقوى، فإن كانت المرأة صالحة قانتة حافظة للغيب بما حفظ الله؛ فلها فضلها ولها قدرها ولها حقها ولها مكانتها، والرجل إذا كان فاسقاً فاجراً متنكباً عن صراط الله عز وجل؛ كان كالبهيمة إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ [الفرقان:44]، فهذا التفضيل في الأصل يبقى موقوفاً على اتباع الشرع كما قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، فذكر خلق الناس من ذكر وأنثى ثم بين التمايز والتفاضل، وكون المرأة دون الرجل لا يمنع أن تكون في الفضل أفضل من الرجل إن كان الرجل عاصياً لله عز وجل، فالمرأة ينبغي أن تعلم أن الله فضل الرجل عليها، وهذا التفضيل حكم من الله سبحانه وتعالى، وقد دلّت دلائل الكتاب والسنة على هذا؛ ولذلك جعل الله شهادة الرجل كشهادة اثنتين من النساء؛ لأن الله جعل في المرأة من الحنان والرحمة والعطف والعاطفة ما لم يجعل في الرجل، وهذه العاطفة تؤثر في المشاعر، وجعل في الرجل من القوة ما لم يجعل في المرأة، وانظر إذا أردت أن تعرف الفرق بين المرأة والرجل في مواقف الشدة والضعف؛ فإن المرأة إذا وقفت أمام قتل أو دماء تسيل لا تستطيع أن تتم النظر وسرعان ما تصرخ، وسرعان ما يغشى عليها، وسرعان ما تضع يديها أمام بصرها؛ لأن الله لم يعطها من القوة ما أعطى الرجل، ولا نستطيع أن نقول للضعيف: كن قوياً، ولا نستطيع أن نقول للقوي: اخرج عن فطرتك التي فطرك الله عليها حتى تصير كالمرأة ضعيفاً جباناً، ينبغي أن نعلم أن هذا التفاضل وراءه حكم عظيمة، لو أن الكون كله خلق على صفة واحدة لتضادت الأشياء، فالمرأة بضعفها وحنانها ورحمتها وعاطفتها قد تفوق الرجل بكثير، وهذا يكون إذا وضعت رحمتها وعاطفتها في مكانها، فالمرأة حين ترعى الصغير، وتحسن التبعل لزوجها، وتشعر أنها تحت الرجل وتحسن التبعل له، وتحسن القيام على بيته وولده، وترعى المسئولية التي ألقاها الله على عاتقها؛ تكون كأكمل ما أنت راءٍ من امرأة، ولكن ينقلب الحال إذا صارت كالرجل تحاكي الرجال وتحاول أن تكون مثل الرجل سواءً بسواء؛ حتى إن بعض الأدعياء -قاتلهم الله- يقولون: إن الإسلام لم يفرق بين الرجل والمرأة: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا [الكهف:5]، فعلى الرجال الجهاد، وليس على النساء جمعة ولا جماعة ولا جهاد، ومن قال: إن المرأة مثل الرجل، فقد شق على المرأة، ولن يستطيع أحد أن يعطي المرأة حقوقها -على أتم الوجوه وأكملها- إلا الله جل جلاله وحده لا شريك له، الذي أعطاها الضعف، وهذا الضعف كمالٌ لها، وزينة لها وجمال، فإذا نظرت إلى حنانها وهي تمسح صبيها وربما تذكر الإنسان ولادته وحنان أمه وعطفها وشفقتها فلم يتمالك دمعة عينه ويترحم عليها إن كانت ميتة أو يدعو لها إن كانت حية، فالذي يريد أن يجعل المرأة كالرجل فإنه يخرج المرأة عن فطرتها، بل إنه يعذبها، يريد أن تخرج كالرجل سواء بسواء فيحملها ما لا تطيق ويعميها، ويجعلها في وضع لا تستطيع أن تقوم به مهما كانت الأمور؛ لأن فيها من الخصائص وفيها من الطبائع ما لا تقوى أن تكون فيه مثل الرجل؛ لأن هذا حكم الله، وحكم الله إذا خرج الإنسان فيه عن الفطرة السوية، والخلقة المرضية؛ فإنه سيشقى ويتعب، ولذلك الله تعالى يقول: فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى [طه:117]، وأطرد الخطاب للرجال تفضيلا وتكريما؛ لأنهم فضلوا بأصل الخلقة، وخلق الله آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، فلا بد للمرأة المؤمنة الصالحة أن تدرك هذه الحقيقة، وأن تترك أوهام من يدعي أن المرأة كالرجل، ويحاول أن يجعل المرأة كالرجل سواءً بسواء، بل ينبغي للمرأة أن تعلم علم اليقين أنه لا سعادة في بيت الزوجية إلا إذا علمت أن الرجل قائم عليها، وأن الله لم يجعلها قائمة على الرجل إلا في حالة واحدة، وهي: إذا تنكب الرجل عن صراط الله؛ زجرته بزواجر الله وذكرته بأوامر الله وأوقفته عند حدود الله، وعندها تكون قد أقامته على صراط الله ومرضاة الله، والخاص لا يقتضي التفضيل من كل وجه على سبيل العموم، وأياً ما كان فإن القوامة ينبغي للرجال أن يضعوها في موضعها، فيكون الرجل في بيته كاملاً يراعي حق الرجولة، ويوقف المرأة عند حدودها، فعلى المرأة أن تذل لزوجها، وتكون تحته مطيعة له، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وتوفيت وزوجها عنها راض قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبوابها شئت)، ولم يجعل ذلك للرجال، ما قال: إذا صلى الرجل خمسه وصام شهره وأرضى زوجه ورضيت عنه زوجه؛ لأن الأصل أن الرجال هم القائمون، وعلى هذا: فينبغي للمرأة أن تعلم أن سعادتها أن تعطي الرجل حقوقه.

    وهنا أذكر أن على الرجل أن يتقي الله وأن لا يتخذ من هذه القوامة إساءة وإضراراً خاصة إذا كانت تحته امرأة صالحة، تخاف الله عز وجل، فالمرأة الصالحة لها حق على كل رجل صالح بأن يحفظ صلاحها، خاصة عند كثرة الفتن والمحن، وأن يقبل منها حبها لله وطاعتها لله، وأن يحمد الله جل جلاله أن وفقه لمثل هذه المرأة، فيثبتها حتى يعينه الله عز وجل على القيام بحقوقها.

    نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يأخذ بنواصينا إلى سبيل البر والرضا.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755772393