إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب الخيار [5]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • هناك مسائل متعلقة بخيار العيب، ومن هذه المسائل: إذا كان الشيء المبيع لا يمكن أن يطلع المشتري على العيب فيه إلا بعد كسره، ومن هذه الأشياء ما ينتفع به بعد الكسر ومنها ما لا ينتفع به، فيختلف الحكم في ذلك. ومنها: مسألة التراخي والفورية في رد المبيع المعيب، ودلالة التراخي على الرضا بالعيب، ومنها: إذا اختلف المتعاقدان في وقت حدوث العيب. فهذه مسائل تقع في معاملات الناس ومبايعاتهم، ومن واجب كل مسلم يتلبس بالبيع والشراء أن يتعلمها.

    1.   

    العيوب التي لا تعرف إلا بكسر المبيع

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [وإن اشترى ما لم يعلم عيبه بدون كسره كجوز هند وبيض نعام، فكسره فوجده فاسداً فأمسكه فله أرشه]:

    قوله رحمه الله: [وإن اشترى ما لم يعلم عيبه بدون كسره]:

    في هذه الجملة شرع المصنف رحمه الله في بيان ما يتعلق ببيع الشيء المعيب الذي لا يمكن أن يطّلع المشتري على عيبه إلا بعد كسره، وقد تقدم معنا بيان ما يتعلق بخيار العيب، وأن من وجد في المبيع عيباً استحق به الرد إذا لم يكن على علم به أثناء العقد.

    وبناءً على هذا يرد السؤال: لو اشترى شيئاً ولم يستطع أن يطلع على عيبه إلا بعد كسره، فما الحكم؟

    هذه المسألة لها صورتان:

    الصورة الأولى: أن يمكن أن ينتفع به بعد الكسر.

    الصورة الثانية: أن يكون المبيع فاسداً، بحيث لو كسره المشتري أو فكه أو فتحه لا ينتفع به بحال، إذا تبين أنه فاسد.

    فمثال الأول: جوز الهند، فإنه إذا فتح يمكن أن ينتفع به بعد فتحه ولو كان ما بداخله معيباً.

    ومثال الثاني: بيض الدجاج ونحوه، فإنه إذا كان فاسداً وكسر فإنه لا ينتفع به بعد الكسر.

    فإن كان الشيء المعيب أو الشيء المبيع الذي فيه عيب يمكن أن ينتفع به بعد كسره، فحينئذٍ يكون البائع قد باع شيئاً فيه فساد، ولا يمكن أن ينتفع به أو ينتفع به على وجه النقص، إلا أن له حقاً في هذا الشيء؛ لأنه لا زالت فيه منفعة، فيجب على المشتري أن يرد ذلك الشيء وأن يضمن قيمة الكسر، فإذا قال: لا أريد بيض النعام، أو جوز الهند، فنقول له: رده ورد أرش الكسر، والدليل على ذلك: أن المشتري أخذ هذه الصفقة -أعني: جوز الهند وبيض النعام- وهي على صورة مغلفة كاملة القفل، فاعتدت يده بكسرها، فلما انكشف له الحال، قال: لا أرغب، فنضمّنه ما فعلته يده.

    والدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الشاة الْمُصَرّاة: (وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر) فالصاع هو ضمان ذلك الشيء الذي استهلكه المشتري، واعتدت يده عليه بالأخذ، فإذا اعتدت يد المشتري على السلعة بالتصرف بفتح المقفل وكسر البيض ونحو ذلك، فإن العدل أن نقول له: رد ذلك؛ لأن من حقك أن ترد إذا كان معيباً، ولكن رد أرش كسره، فيكون البائع قد ارتجع سلعته، وقد ضُمن حقه كاملاً، ويكون المشتري قد دفع الضرر عن نفسه.

    وبناءً على هذا قرر العلماء أن الشيء الذي يكسر أو يفتح ويكون كسره مخلاً به، ويمكن الانتفاع به بعد الكسر، ووجد المشتري فيه العيب، فإننا نقول: من حقك أن ترده بالعيب، ومن حق البائع أن يضمنك ما أتت عليه يدك، فنلزمه بضمان ذلك الكسر.

    أما لو كان المبيع كبيض الدجاج ونحوه مما لو كسر لم ينتفع به بعد الكسر، كما إذا كسر بيض الدجاج ووجده فاسداً، فحينئذٍ يكون غير منتفع به بوجه، فلا يبقى إلا ضمان القيمة كاملة، فيجب على البائع أن يرد للمشتري قيمة البيض كاملة؛ لأنه لا يمكن أن ينتفع بهذا المبيع بحال.

    وقد يسأل سائل لماذا لا يضمن الكسر؟

    والجواب: أنه إذا باعه بيض الدجاج، وتبين أنه فاسد، فإن الصفقة ليست محلاً للمال، أي: لا تستحق شيئاً من المال، فإذا أتلفها فإنه يتلف شيئاً فاسداً، ولو اعتدت يده عليه فإنه لا يرد بحيث ينتفع به بعد الاعتداء، بخلاف جوز الهند، وبخلاف بيض النعام، فإنه يمكن أن ينتفع به بعد الكسر.

    وبناء على هذا، قالوا: إذا باع البيض وهو فاسد ثم تبين ذلك بعد كسره فإنه لا يمكن أن ينتفع بالبيض بعد كسره بحال، فلا يلزم المشتري أن يرد؛ لأنه فاسد لا قيمة له، ولو قيل: إنه كسره فقد كسر شيئاً فاسداً لا قيمة له، فالمعاوضة ودفع المال على هذا الشيء الفاسد، توجب رد المال كاملاً لصاحبه أعني: المشتري.

    ومن هنا فرق أهل العلم رحمهم الله بين الشيء الذي يمكن أن ينتفع به بعد كسره وفتحه وفكه، وبين الشيء الذي لا يمكن أن ينتفع به بعد الفك والفتح، ويقاس على ذلك الأشياء الموجودة في عصرنا، فإذا كان الشيء مقفلاً في صندوق، أو موضوعاً في كرتون بطريقة معينة، يتكلف البائع وضعه في هذا الصندوق أو في هذا الكرتون، فإنه يجب ضمان ذلك الشيء الذي أتلفه المشتري، ويرد للبائع عين السلعة ويضمن ما أتلفه من ذلك الغلاف، كما قرر العلماء رحمهم الله، وأصل هذه المسألة في جوز الهند، وبيض النعام.

    قوله: [كجوز هند وبيض نعام، فكسره فوجده فاسداً، فأمسكه فله أرشه، وإن رده رد أرش كسره]:

    [فأمسكه] أي: المشتري، بأن قال: هذا الجوز -جوز الهند- فاسد، وسأنتفع به وهو فاسد؛ ولكن أريد أن يضمن لي حقي من الأرش، فنقدر جوز الهند كاملاً، ونقدره ناقصاً ويدفع الأرش بالصفة التي سبق بيانها.

    إذاً: إذا اشترى المشتري جوز هند أو بيض نعام، ووجده معيباً، فإنه يخير بين أمرين، بين أن يبقي الصفقة كما هي ويأخذ أرش النقص، وبين أن يرد الجوز ويدفع هو أرش الإتلاف لذلك الجوز وذلك البيض، فما ظُلم البائع ولا ظُلم المشتري.

    والعلماء اختاروا جوز الهند بيض النعام؛ لأنهم يريدون أن يمثلوا لك بشيء كان في زمانهم يمكن أن ينتفع به بعد كسره، فقد كان ينتفع به ويرتفق به، وبناءً على ذلك: ليست القضية مختصة بالجوز إنما القضية كقاعدة فقد تجد في كتب الفقهاء أمثلة غريبة؛ وهي بمثابة الأصول التي يمكن أن يقاس عليها غيرها ويمكن أن يخرج عليها غيرها، ولذلك قالوا: (جوز الهند)؛ لأنهم وجدوا بالتجربة أنه إذا بان شرابه فاسداً، فإنه ينتفع بقحطه ووعائه، وكذلك أيضاً بالنسبة لبيض النعام، فاختلف الأمر: فاحتاجوا أن يأتوا بمثال لشيء يكسر ولا ينتفع به بحال، فذكروا بيض الدجاج.

    ومثال ذلك اليوم الشيء الذي يباع داخل زجاجة، وإذا أردت أن تصل إلى هذا الشيء لا بد أن تكسر الزجاجة لكي تتوصل إلى هذا الشيء، وقد توجد أمثلة في أشياء مبيعة سواءً كانت كهربائية أو غيرها، تكون على صورة معينة بحيث لا تستطيع أن تصل إلى ما تريد إلا بالكسر، فتكسر الزجاج، فإذا كسرت الزجاج فإننا ننظر: إن كان فاسداً بحيث لا يمكن أن ينتفع به بحال، نقول: هذا ككسر بيض الدجاج، فكما أن العلماء رحمهم الله نصوا على أن من كسر بيض الدجاج ووجده فاسداً بحيث لا يمكنه أن يطبخه أو ينتفع به للبهائم فيجب على البائع أن يضمن القيمة كاملة، وترد إلى المشتري، فإن قال البائع للمشتري: أريدك أن ترد لي هذا الزجاج كما كان، نقول: هذا ليس من حقك؛ لأنه كسر شيئاً كان من حقه كسره بيد الملكية، فلما تبين أنه معيب، كان من حقه أن يرجع عليك بالمال، وليس من حقك أن تعجزه بما لا يمكنه من رد الزجاج كما كان، وعلى هذا لو قال له: أعد الزجاج كما كان، فهمنا أن المقصود الإضرار والتعجيز، حتى يأخذ ماله بالباطل.

    قد يقول قائل: إن المشتري قد كسره، فلو طالبناه بالرد كان شيئاً صحيحاً، ولا دخل لنا هل يمكنه أو لا يمكنه، نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال -كما في حديث أنس في الصحيحين في بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، قال يخاطب البائع: (أرأيت أخيك فبم تستحل أكل ماله)، فنحن نقول: لو كان بيض الدجاج فاسداً، فمعنى ذلك أن قيمته -مثلاً- خمسة، فلو كسره ولم يجد به شيئاً صالحاً، فلو قلنا: إنه بكسره له غنمه وعليه غرمه، ظلمنا المشتري؛ لأنه دفع الخمسة في شيء لا يستحق قيمة، هذا إذا قلنا: إنه يضمن وله نفعه وعليه ضرره، وإن قلنا: يرده كما كان، فهذا تكليف شرطه الإمكان، وقد تبايع مع أخيه المسلم على شيء صالح، وهذا الشيء فاسد، فهذا ليس بمحل للعقد، ولا بمورد للعقد، ومطالبته برده إلى ما كان تعجيز، ويؤدي إلى باطل وهو استحلال المال بدون حق، فكان باطلاً؛ لأن ما أدى إلى باطل فهو باطل.

    وبناءً على هذا: فليس من حق البائع أن يقول له: رد لي بيض الدجاج كما كان، أو رد لي الطبق كما كان، فلو أقام شاهدين عدلين أو شاهداً وحلف معه اليمين أن هذا الطبق فاسد، كان من حقه أن يرد له القيمة كاملة، ولا يطالبه بضمان عين البيض المنكسر.

    [وإن رده رد أرش كسره]:

    وإن رد المشتري المبيع رد أرش كسره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر) فأوجب عليه الصلاة والسلام أن يدفع ما أتلفت يده وهو اللبن، وذلك بالصاع من التمر، وهذا من ضمان الطعام بجنسه، وعلى هذا قالوا: إنه إذا أتلف المشتري شيئاً من المبيع، وكان مما يمكن أن ينتفع به بعد الإتلاف، رد المبيع مع ضمان النقص الذي أدخله بالتصرف، فحينئذٍ لم نظلم البائع، ولم نظلم المشتري.

    أما البائع فقد رجع له المبيع وضمن له النقص.

    وأما المشتري فقد رجع له ماله الذي دفعه، وأُخذ منه مقدار ما جنت يداه.

    قال رحمه الله: [وإن كان كبيض دجاج رجع بكل الثمن]:

    هذه الحالة الثانية: أي: وإن كان المبيع مثل بيض الدجاج لا يمكن أن يطلع على عيبه إلا بإتلافه، وإذا اطلع على عيبه وكان فاسداً لم يمكن أن ينتفع به بعد ذلك، فيجب على البائع أن يرد القيمة كاملة.

    1.   

    شروط خيار العيب

    قال رحمه الله: [وخيار عيب متراخ ما لم يوجد دليل الرضا]:

    خيار العيب لا بد فيه من شروط:

    أولها: أن يكون العيب مؤثراً، بألا يكون العيب يسيراً ليس له بال، فلا تستحق الخيار إلا إذا كان العيب مؤثراً ينقص المالية، وكان يمنع الانتفاع كما تقدم معنا في ضوابط العيوب المؤثرة.

    ثانياً: أن يكون العيب موجوداً حال العقد، فإذا وجد قبل العقد أو حال العقد فإنه يؤثر، أما لو طرأ بعد العقد فليس من حقك أن ترد؛ لأنه طرأ والمبيع في ملكك، فحينئذٍ لك غنمه وعليك غرمه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (الخراج بالضمان).

    فالشرط الثاني أن يكون العيب موجوداً حال العقد، وإذا قلنا: (حال العقد)، فإنه يشمل الصورتين، أن يطرأ حال العقد، أو يكون العيب وجد من قبل العقد، ففي كلتا الصورتين يعتبر عيباً مؤثراً.

    الشرط الثالث: ألا تكون على علم بهذا العيب.

    فإذاً: لا بد أن يكون العيب مؤثراً، وأن يكون سابقاً لتمام العقد ولو كان مصاحباً، وألا يكون عندك علم بهذا العيب، فلو أخبرك به ثم جئت لترد، قيل لك: قد أخبرك وبرأ ذمته بالإخبار، وليس من حقك أن ترده ما دام أنه قد أخبرك.

    ولا يشترط أن يكون العيب معلوماً أو أن يكتشف العيب بعد العقد مباشرة، فالعيب لو اكتشف بعد سنة أو بعد سنتين، بل ولو بعد عشر سنوات كان من حقك أن ترد.

    مثال ذلك: لو باعك رجل أرضاً على أنها بالصك، ثم بعد عشرين سنة تبين أن الصك مزور، أو أن الصك ليس على هذه الأرض وإنما هو على أرض أخرى، أو أن في الصك خطأً، وحينئذٍ إذا ثبت هذا كان من حقك أن ترد ولو بعد عشرين سنة، فالعيب لا يتأقت، أي: من حقك الرد في أي وقت تعلم به، فلا يشترط أن يكون قريباً من وقت البيع، ولا يشترط أن يكون في نفس السنة، أو في نفس الشهر أو في نفس الأسبوع أو نفس اليوم، فهذا حق ثابت لك ولو بعد حين.

    التراخي في خيار العيب ودلالته على الرضا

    بناءً على هذا يرد السؤال بالنسبة للمطالبة بخيار العيب: إذا اشتريت سيارةً أو اشتريت أرضاً أو عمارةً، وتبين لك أن بها عيباً، فإنه من حقك أن تطالب برد المبيع الذي بان عيبه مباشرة، وهذا يسمى المطالبة بالفور، من حقك أن تطالبه فوراً، ومن حقك أن تتراخى بما تعذر به، فإن كان التراخي يشعر بالرضا، سقط حقك في المطالبة بأرش العيب ورد المبيع.

    إذاً: يشترط أن يطالب الإنسان على وجه لا يسبقه ما يدل على الرضا، فإن سبقه ما يدل على الرضا من تراخٍ دالٍ على الرضا، أو صريح قول، أو دلالة فعل، فإنه يسقط حقه في رد المبيع، ويسقط حقه في المطالبة بالأرش.

    فلو قال: قد رضيت، فهذا الرضا باللسان، ويعتبر إقراره بالرضا حجة عليه؛ لأن الإقرار أقوى الحجج، ولذلك يقول العلماء: إنه سيد الأدلة، والسبب في هذا: أنه لا أقوى من شهادة الإنسان على نفسه؛ لأنه لا يعقل أن يشهد العاقل على نفسه بما فيه الضرر إلا وهو صادق، ولذلك إذا قال: إني رضيت، أو حينما علمت بهذا العيب رضيت من نفسي، سقط حقه في المطالبة.

    ومسألة التراخي والفورية، بعض العلماء يقول: خيار العيب على الفور، فلو أخره سقط حقه، فمثلاً: اطلع على العيب الساعة التاسعة، وكان بإمكانه أن يذهب إلى البائع، فتأخر إلى اليوم الثاني؛ سقط حقه؛ لأن تأخره إلى اليوم الثاني وسكوته في هذه المدة يدل على الرضا.

    وبناءً على ذلك قالوا: لا بد وأن يطالبه فوراً، وهذا المذهب في الحقيقة أحوط المذاهب وفيه قوة، وأما التراخي فإن وجد عذر لتراخيه قبل، أما إذا لم يوجد عذر فإنه يقوى القول أن التراخي مشعر بالرضا؛ لأن الدلالة على الرضا تنقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: دلالة الأقوال.

    القسم الثاني: دلالة الأفعال.

    وأقوى القسمين: دلالة الأقوال، كأن يقول له ابنه: إن السيارة معيبة، أو وجدت في السيارة عيباً، أو جدت في الدار عيباً، فقال: لا بأس، رضيت، فهذا يدل على أنه رضي، أو اشترى من ابن عمه سيارة أو أرضا،ً فجاءه من يقول له: إن السيارة معيبة، أو هذه الأرض بها عيب، قال: هذا ابن عمي وقد رضيت، فهذا اللفظ: (قد رضيت) يدل دلالة صريحة على أنه لا يطالب بحقه، فيسقط حقه في المطالبة برد المبيع.

    ودلالة الفعل، تقدم معنا في بيع المعاطاة أنها تنزل منزلة القول في الرضا، ولذلك قلنا: إن البيع ينعقد بالأفعال كما ينعقد بالأقوال.

    والله اشترط في البيع الرضا، فقال سبحانه: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29] فأوجب الله عز وجل أن يوجد الرضا في التجارة أعني: البيع، وبينا هناك أن دلالة الفعل تدل على الرضا كدلالة القول:

    ينعقد البيع بما يدل على الرضا وإن تعاطى الكل

    فما قالوا إن البيع ينعقد بالأفعال كما ينعقد بالأقوال؛ إلا لأنهم نزلوا دلالة الأفعال منزلة الأقوال.

    ومن هنا قالوا: إذا وجد منه تصرف يدل على الرضا بعد العلم، سقط حقه في الرد، فإنه إذا قال له فلان: السيارة معيبة، فقال لغيره: بكم تشتري مني هذه السيارة المعيبة؟ فإنه لما باعها للغير دل على أنه راضٍ عن العيب الموجود فيها، وإذا رضي سقط حقه في المطالبة برد المبيع المعيب.

    قال رحمه الله: [ولا يفتقر إلى حكم ولا رضا، ولا حضور صاحبه]

    أي: ولا يفتقر خيار العيب إلى حكم القاضي؛ لأن هناك أشياء تتوقف على حكم القاضي:

    فمثلاً الخلع، قالوا: يتوقف على حكم القاضي، فالأشياء التي تتوقف على حكم القاضي لا يثبت فيها الحق إلا بعد الرفع إلى القاضي، فيثبت القاضي الحق ثم يحكم به، لكن خيار العيب لا يفتقر إلى حكم القاضي، فأنت إذا علمت العيب في المبيع كان من حقك أن تأتيه، وتقول له: يا فلان! هذه السيارة بها عيب، وأنا لا أريدها ما دام هذا العيب موجوداً فيها، فحينئذٍ مطالبتك برد المبيع لا تتوقف على أن ترفعه إلى القاضي، لكن لو أصر وقال: بعتها لك بدون عيب، وأنت تقول: يا فلان! ما كذبتك، ولا غششتك، وهذا المبيع معي، فقال لك: لا أرد، فاختصمتما إلى القاضي، فحينئذٍ يفتقر الأمر إلى حكم القاضي؛ لأنه لم يصدق، فلو أقمت البينة والشهود على وجود العيب، كان من حقك أن تلزمه بالرد ويجب عليه شرعاً أن يرد، وأما إذا لم تقم البينة ففيها تفصيل، وهو الذي سنذكره إن شاء الله في مسألة اختلاف البائع والمشتري.

    وقوله: (رضا)

    أي: ولا يفتقر إلى رضا الطرف الثاني، فلا يتوقف خيار العيب على رضا البائع، فلو جئت إلى البائع وقلت له: هذه السيارة التي بعتنيها فيها عيب كذا وكذا، وأنا لا أريدها، فإنه يجب عليه شرعاً أن يرد، ولا يشترط رضاه بالرد، بل يلزم شرعاً بالرد.

    فإذا وجد العيب فإنه يلزم شرعاً بإعطاء الناس حقوقهم ورد أموالهم إليهم، وإذا شاء المشتري أن يأخذ الأرش ويقبل المبيع على التفصيل الذي تقدم بيانه، فإنه لا حرج عليه في ذلك.

    وقوله: (ولا حضور صاحبه)

    أي: ولا يشترط أيضاً حضور صاحب المشتري وهو البائع، فيمكن أن يرده إلى وكيله أو العكس، فلو أنك وجدت في السيارة عيباً، فأرسلت رجلاً فقال: يا فلان! فلان يقرأ عليك السلام ويقول: سيارتك التي بعته إياها معيبة، ويقول لك: رد هذه السيارة فهو لا يريدها، فقال: لن أرد حتى يحضر لم يكن له ذلك، فلا يشترط حضور الطرف الثاني.

    وهكذا عند القاضي لو أنك لا تستطيع الحضور عند القاضي فنصّبت وكيلاً، أو محامياً يدافع عن حقك في العمارة التي ظهر بها العيب، أو الأرض التي ظهر فيها العيب، كان من حقك، فلا يقول خصمك: أريد خصمي أن يحضر فليس من حقه هذا، إنما يقضى عن الشخص أصالة عن نفسه وكذلك وكالة عن غيره، ولا يشترط حضور خصمه بعينه.

    1.   

    اختلاف المتبايعين في وقت حدوث العيب

    قال رحمه الله: [وإن اختلفا عند من حدث العيب فقول مشترٍ مع يمينه]:

    العيوب منها ما يدل الدليل على أنه سابق للعقد.

    ومنها ما يحتمل أن يكون سابقاً، ويحتمل أن يكون طارئاً.

    وعلى هذا فما كان قبل العقد أو ظهرت الأمارات على أنه لا يكون إلا قبل العقد، كزوائد الخلقة، وهكذا بالنسبة للعاهات الخلقية التي حتى ولو كانت مغيبة فإنها تكتشف في ذلك المبيع، فإنه يعتبر دليل الظاهر دالاً على صدق المشتري، ولا يحتاج أن يحلف ويلزم البائع بالرد؛ لأن الدليل قام على أنها موجودة حال العقد، فإن نبات الأصبع الزائد، ووجوده ليس مثله يحدث في الزمن اليسير، وغالباً ما يكون مع الخلقة في الإنسان، وهكذا لو باع بهيمة فيها خلقة زائدة ونحو ذلك من العيوب التي يوجد الدليل أو تقوم الأمارة على أنها موجودة في المبيع من الأصل.

    أهمية معرفة المدعي والمدعى عليه

    هذه العيوب ليس بوسع البائع أن ينكر وجودها قبل العقد، فحينئذٍ إذا ادعى المشتري وقال: هذا العيب موجود، وقال البائع: لم يكن موجوداً، فإن دليل الظاهر دالٌ على كذب البائع، فيقبل قول المشتري ويلغى قول البائع، وهذا يسمونه: دليل الظاهر.

    إذا اختصم الرجلان في أمر، فأحدهما مدعٍ والثاني مدعى عليه، ولا بد لك إذا جئت تفصل بين اثنين في خصومة أن تعلم من المدعي ومن المدعى عليه، وإذا اختصم الرجلان ولا يُعرف من منهما المدعي ومن المدعى عليه، فإنه لا يمكن أن تحل هذه المشكلة.

    حتى طلاب العلم إذا تناظروا مع بعضهم واختلفوا في المسائل لا بد وأن يضعوا أصلاً يعرف به من المدعي ومن المدعى عليه؛ لأنه إذا علمنا من المدعي طالبناه بالدليل، وإذا علمنا من المدعى عليه بقينا على قوله، حتى يأتينا هذا المدعي بما يدل على خلاف ما ذكر المدعى عليه، ولذلك قال الله عز وجل: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:111] وقال صلى الله عليه وسلم: (لو يعطى الناس بدعواهم، لادّعى أناس أموال قوم ودماؤهم؛ ولكن اليمين على من أنكر)

    فإذاً: عندنا مدعٍ ومدعى عليه، المدعى عليه يكون عنده حجة تسند قوله، وضابطه أن يكون عنده دليل من أصل أو ظاهر.

    مثلاً: تجد طلاب العلم، يقول أحدهما للآخر: أعطني دليلاً على قولك، والآخر يقول: أعطني دليلاً على قولك، فكل منهما يطالب الآخر بالدليل، لكن لو علمنا من المدعى عليه، طالبنا المدعي بدليل يدل على صدق قوله؛ لأن هذا ظاهر القرآن وظاهر السنة، وبناءً على هذا: نستبين الحق في مسائل الاعتقاد وفي مسائل الفروع كلها.

    فمثلاً: نصوص القرآن أثبتت لله صفات، فأثبت لله: صفة اليد .. صفة السمع.. صفة البصر... إلى غير ذلك من الصفات، فنقول: هذه الصفات على الحقيقة، فأنت الذي تؤول العين وتخرجها عن ظاهرها، وتؤول : وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر:22] وتؤول النزول: (ينزل ربنا) وهذا خلاف الأصل، الأصل أنها على ظاهرها، فأعطني دليلاً على أن قوله: (ينزل ربنا) نزول رحمة؟ ولا يوجد دليل لا من الكتاب ولا من السنة، فأصبحت الحجة لمذهب أهل السنة والجماعة، فإذا جاء شخص يصرف هذا الظاهر عن ظاهره، علمنا أنه مدعٍ ولا نقبل قوله إلا بدليل من الكتاب والسنة، ولا دليل، فهذا بالنسبة لمسألة الاعتقاد.

    كذلك مسائل الفروع، لو جاء شخص وقال: هذا حرام، وقال الآخر: هذا حلال، فالأصل حل الأشياء حتى يدل الدليل على حرمتها، أو قال: هذا البيع لا يجوز، وقال الآخر: بل يجوز فأعطني دليلاً على التحريم، فقال المحرَّم: بل أنت أعطني دليلاً على أنه حلال، فإذاً: نقول: من قال: إنه حلال فهو على الأصل، ومن قال: إنه حرام فقوله خلاف الأصل فيطالب بالدليل. وهذه قاعدة.

    كيف نعرف المدعى عليه والمدعي

    إذاً: فالحق مع المدعى عليه دائماً حتى يقوم الدليل على خلافه، لكن متى تحكم بكونه مدعىً عليه؟

    هناك خلاف بين العلماء، بعض العلماء يقول: المدعي: هو من تجرد قوله عن الأصل والظاهر، والمدعى عليه من اعتضد قوله بالأصل أو الظاهر.

    أما الأصل: فمثاله: لو أن شخصاً اتهم شخصاً بتهمة، فنقول: المدعى عليه هو المتهم، والمدعي هو القاذف، فحينئذٍ نطالب القاذف بالدليل؛ لأن الأصل البراءة، والأصل أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.

    إذاً: حكمت بكون فلان مدعى عليه؛ لأن الأصل معه، إذ الأصل أنه لم يفعل هذا الحرام، فإذا جاء شخص وقال له: بل فعلت هذا الحرام، نقول: عليك الدليل، ولذلك قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6] فجعل الأصل خلاف من قال بالتهمة.

    وبناءً على ذلك نقول: المدعى عليه، من عضّد قوله الأصل كما ذكرنا؛ لكن ما هو الأصل؟

    قالوا: الأصل أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، فإذا قال شخص: أنت فعلت هذا، فالأصل أنه لم يفعل حتى يثبت أنه فعل.

    وكذا لو قالوا: أنت الذي ضربته، فقال: ما ضربته، فقوله: (أنت الذي ضربته) خلاف الأصل، حتى يثبت أنه ضرب، وقس على هذا.

    أما دليل الظاهر، فكرجلين اختصما في سيارة أو في بعير أو في بيت، فجاء شخص لشخص وقال: هذا البيت بيتي، وقال الآخر: بل بيتي، فنظرنا فوجدنا أحدهما ساكناً في البيت والآخر خارج البيت، فدلالة الظاهر تدل على أن الذي في البيت مدعىً عليه، وأن الذي خارج البيت مدعٍ؛ لأن الأصل أن يسكن الإنسان في ملكه، ولو أن رجلين على بعير، أحدهما في المقدمة والآخر في المؤخرة، وكلاهما يدعي البعير فنقول: إنه للذي في المقدمة؛ لأن الذي في المقدمة هو صاحب الدابة على الظاهر، وقس على هذا.

    ولذلك يقولون:

    تمييز حال المدعي والمدعى عليه جملة القضاء وقعا

    فالمدعي من قوله مجرد من أصل أو عرف بصدق يشهد

    وقيل من يقول قد كان ادعى ولم يكن لمن عليه يدعى

    من يقول: حدث كذا فهو المدعي، ومن يقول: لم يحدث فهو مدعىً عليه، وعلى هذا نطبق في مسألتنا: لو أن رجلاً اشترى عمارة فوجد فيها عيباً أو اشترى سيارة فوجد فيها عيباً، فقال المشتري: كان العيب موجوداً في السيارة، وقال البائع: هذا العيب طرأ وحدث عندك بعد أن اشتريت السيارة، ولم يحدث في ملكي، فأنا لا علاقة لي بهذا العيب، وإنما بعتك بيع المسلم لأخيه سالماً من العيب؛ فحينئذٍ من المدعي ومن المدعى عليه، وعليه فإذا قال العلماء: القول قول فلان، فمعناه أنه مدعى عليه، ومعنى ذلك أننا نطالب من خالفه بالبينة.

    دليل القائلين بأن القول قول المشتري

    بناءً على هذا ننظر: فإذا قال المشتري: إن العيب كان موجوداً في الصفقة قبل البيع، أو أثناء عقد البيع، فبعض العلماء يقول: القول قوله، فإذا قلنا: القول قول المشتري فمعناه أن المشتري مدعىً عليه، ومعناه أن البائع مدعٍ.

    والسبب في هذا: أن الأصل أن هذا المبيع حينما دفع المشتري فيه القيمة كاملة ينبغي أن نعلم أن المبيع كامل، فإذا ثبت أنه ناقص ورأينا نقصانه، فالمال الذي دفعه لا يستحقه البائع، فمثلاً: اشترى عمارة بخمسمائة ألف، وظهر بها عيب يسقطها إلى أربعمائة ألف، فإذاً لا نستطيع أن نقول بحل الخمسمائة ألف للبائع، إلا إذا تبين أن الصفقة كاملة، فإذا قال المشتري: بها عيب، وقال البائع: لم يكن بها عيب، فالثابت أمامنا أنها معيبة، وأن المال المدفوع الذي هو خمسمائة ألف ليس مدفوعاً في شيء يستحقه على هذا الوجه، فنطالب البائع بدليلٍ وبينةٍ على أن العمارة أثناء البيع لم يكن بها هذا العيب الذي يدعى عليه. فهذا وجه من يقول: إن القول قول المشتري.

    لأن الأصل عدم الخمسمائة ألف أو المال المدفوع حتى يكون المبيع سالماً من العيب، فلما شككنا فرأينا المبيع أمامنا معيباً، فإن الأصل ألا يعطيه إلا شيئاً كاملاً كما أنه أخذ الثمن كاملاً، فينبغي أن نتحقق أن المبيع كاملاً فنطالب البائع بما يثبت أن المبيع كان كاملاً أثناء البيع، فهذا وجه من قال: إن القول قول المشتري.

    دليل القائلين بأن القول قول البائع

    وهناك من يرى أن القول قول البائع؛ لأنه لما بيع المبيع وأخذ المشتري الصفقة فإن المشتري يقول: قد كان، والبائع يقول: لم يكن، وقد قلنا: إن من ضوابط المدعي والمدعى عليه.

    وقيل من يقول قد كان ادعى ولم يكن لمن عليه يدعى

    فيقولون: المشتري يقول: قد كان، والبائع يقول: لم يكن، فالبائع ينفي والمشتري يثبت، وحينئذٍ يطالب المشتري بالدليل على قدم العيب؛ لأن الأصل عدم وجود العيب، بدليل أن الصفقة تمت بينهما، ولا تتم في الغالب إلا وهي كاملة، فقالوا: الظاهر أن المبيع لم يكن به عيب.

    وأياً ما كان فقول من قال: القول قول المشتري أقوى، لما ذكرنا؛ لأن أموال الناس لا تستباح إلا بوجه معتبر، والصفقة على هذا الوجه لم يثبت أنها كاملة، فيطالب البائع بدليل يدل على أن المبيع لم يكن معيباً أثناء العقد.

    فقوله: (وإن اختلفا عند من حدث العيب فقول مشترٍ مع يمينه)

    هذه اليمين يسمونها (يمين التهم)، وتكون في المواطن التي تحصل فيها الريب كالشهادة على الوصية في السفر وفيها الأيمان، وهي أصل عند العلماء رحمهم الله في أيمان التهم، وبها يقول فقهاء المالكية، وكذلك الحنابلة والشافعية في مواضع يحكمون بها، وأيضاً فقهاء الحنفية رحمهم الله في بعض الصور ويسمونها يمين التهمة، فيقولون: يعتضد قول المشتري بيمينه، يقال للمشتري: احلف أن هذا العيب كان موجوداً أثناء العقد.

    يقبل قول من لا يحتمل إلا قوله

    قال رحمه الله: [وإن لم يحتمل إلا قول أحدهما قبل بلا يمين]

    وذلك كما ذكرنا في الأصبع الزائد، والعيوب التي يشهد أهل الخبرة أنها لا يمكن أن تحدث وتطرأ في زمن قريب، ويوجد الآن في بعض الآلات أن يدعي صاحب المؤسسة أو صاحب الشركة التي باع الآلة أن هذا العيب ما كان موجوداً، فيأتي خبير ويقول: بل هذا النوع من العيوب لا يمكن أن يحدث إلا من سنة، إذا أثبت أهل الخبرة أن هذا العيب لا يمكن أن يحدث إلا من سنة أو أنه موجود مثل الأصبع الزائد أو عيوب الخلقة، فحينئذٍ يطالب بالرد وليس على المشتري يمين، لدلالة الظاهر على صدقه.

    1.   

    خيار التخبير بالثمن

    قال رحمه الله: [السادس: خيار في البيع بتخبير الثمن]:

    مذهب الحنابلة رحمهم الله من أوسع المذاهب في باب الخيار، ولم يتكلم الفقهاء رحمهم الله في مسائل الخيار بالتفصيل والاستيعاب كفقهاء الحنابلة رحمهم الله، فقد توسعوا في الخيار وذكروا صوره، خاصة وأنهم يقولون بأنواع لا يقول بها غيرهم كفقهاء الحنفية والمالكية رحمة الله على الجميع، وهنا نوع من الخيارات وهو خيار التخبير بالثمن.

    وهو أن يأتي الإنسان إلى البائع يريد أن يشتري سلعة، فحينئذ لا يخلو البائع من حالتين:

    الحالة الأولى: أن يقول لك مثلاً: أبيعك هذه السيارة بعشرة آلاف، أو أبيعك هذه العمارة بمائة ألف، ولا يذكر لك رأس المال الذي اشترى به، فحينئذٍ لا إشكال.

    الحالة الثانية: أن يقول لك: هذه السيارة رأس مالي فيها مائة ألف، أو هذه العمارة رأس مالي فيها مليون ريال، فهذا الإخبار بالثمن فيه عهد من المسلم إلى المسلم ألا يكذب وألا يغش وألا يزور؛ لأنه إذا قال لك: رأس مالي في هذه العمارة مليون فمعنى ذلك: أنه إما أن يبيعك برأس المال وقد صدقته أنه اشترى بمليون، وإما أن يقول لك: كم تربحني؟ فتربحه العشر مثلاً، فيبيع بمليون ومائة، أو يقول لك: رأس مالي مليون، أسقط عنك عشر رأس المال، أو يقول لك: رأس مالي مليون، أدخلك شريكاً معي بالنصف. فإذا أخبرك برأس المال، فإقدامك على السلعة مركب من علمك بهذا القدر وهذه القيمة، فلا يخلو:

    إما أن يكون صادقاً فلا إشكال، وإما أن يكون كاذباً، أو يكون مخطئاً، هذه ثلاثة أحوال:

    إما أن يكون صادقاً، فلا إشكال، على حسب ما اتفقتما عليه.

    وإما أن يكون كاذباً فيقول: هذه العمارة اشتريتها بمليون، كم تربحني فيها؟ فتقول له: أربحك النصف، فمعناه أنك ستشتريها بمليون ونصف.

    فإذا شاء الله عز وجل أن دفعت له المليون والنصف، ثم تبين أنه اشتراها بنصف مليون، وأنه كذب عليك حينما أخبرك أنه اشتراها بالضعف، فيكون حكم الشرع بإعطائه قيمة ما أخذ من المغشوش بالنسبة، وسنبين هذا.

    كذلك أيضاً لو قال لك: رأس مالي فيها مليون ريال، ادخل معي شريكاً بالنصف، فأعطيته نصف مليون وتبين أنه اشترى بنصف مليون، فحينئذٍ كان من حقك أن ترجع عليه بربع مليون؛ لأنك دخلت بالخمسمائة ألف على أن رأس المال مليون ريال، وتبين أن رأس المال خمسمائة ألف، فمعناه أنك تدخل معه شريكاً بمائتين وخمسين ألفاً، ومن حقك أن تسترد منه المائتين والخمسين ألفاً المتبقية.

    لقد أبدع فقهاء الحنابلة رحمهم الله باعتبار هذا النوع من الخيارات وتكلموا عليه وفصلوا في أحكامه، وهذه ميزة من ميزات الفقه الحنبلي، وإن كان غيرهم نبه على هذه المسائل؛ لكن لماذا دخلت هذه المسألة في الخيار؟ قالوا: لأنه إذا ظهر كذبه، فقد صار للمشتري الحق في أن يطالب بضمان ما خدع به، ومن حقه أن تغفر.

    إذاً: كأنك مخير مثل العيب، فلما ظهر العيب الحسي في المبيعات واستحققت به الرد، والعيب المعنوي الموجود في المبيع واستحققت به الرد، كذلك العيب في الثمن حينما يظهر أن البائع كذب عليك فإن من حقك أن ترد وأن يضمن لك فضل ما بين القيمتين.

    قد ذكرنا صورة الصدق وصورة الكذب، ولكن في بعض الأحيان قد يكذب البائع تورية، ويقول لك: رأس مالي في هذه السيارة عشرة آلاف تشاركني فيها؟ قلت: أشاركك بالنصف، دفعت خمسة آلاف، وتبين أنه اشتراها بعشرة آلاف ولكن بالتقسيط، وليس بالنقد، ولم يخبرك أنها مقسطة، فحينئذٍ يكون قد غشك وورى عليك، فهو اشتراها بعشرة آلاف ولكنه إلى أجل، والأجل تقع فيه زيادة الثمن على المشتري، فلك أيضاً حق المطالبة إن تبين أنه قد خدعك أو ختلك من هذا الوجه.

    هناك صورة ثالثة وهي الخطأ، فمثلاً: قلت له: بكم اشتريت هذا القماش؟ وهذا كثيراً ما يقع في تجار الجملة، وكثيراً ما تقع مسألة البيع برأس المال، والمرابحة برأس المال بين التجار في الصفقات التي تقع بينهم في الجملة، وفي بعض الأحيان قد تشتري شاة -ولا يزال كبار السن يتعاملون بهذا النوع من البيوع- ويقول لك: رأس مالي بكذا، وتصدقه وتشتري إما برأس المال، أو تزيد على رأس المال، سواءً وقع هذا في بيع الجملة أو بيع المقطع.

    الذي يعنينا الآن أنه أخطأ في القيمة، قلت له: بكم اشتريت هذه الثياب؟ قال: انتظر حتى أنظر: فواتيرها أو مستنداتها، فنظر في الفواتير وقال: بعشرة آلاف، فقلت له: أنا أربحك العشر، بأحد عشر ألفاً، فدفعت المبلغ، ثم تبين أن هذه الفواتير ليست لهذه الثياب وإنما لثياب أخرى، فالرجل ما كذب ولكنه أخطأ.

    أو قال لك: هذه العمارة رأس مالي فيها مليون ريال، وتبين أنه كان يظن أنها عمارة أخرى اشتراها بالمليون، ولكن هذه اشتراها بثمانمائة ألف، فإذاً: من حكمة الله عز وجل أنه أعطى كل ذي حق حقه، والحكيم من يضع الأشياء في موضعها، فما دام أن المسلم قد أمن أخاه المسلم حين أخبره برأس المال، فمعناه أن له عليه حقاً أن يصدقه ولا يكذبه، وأن ينصح ولا يغش، ولذلك يقولون: بيع المسلم للمسلم لا كذب فيه ولا خيانة ولا غش ولا تدليس، فإذا ظهر أنه كاذب فله يضمن الحق، والقاضي يعزره، إذا ثبت عنده أنه كذب على فلان في رأس المال، فيعزره بما يناسبه ويناسب من كذب عليه.

    وكذلك أيضاً إذا ثبت أنه أخطأ فإنه يعذر، وحينئذٍ يبقى استحقاق صاحب الحق برده بما فضل.

    فإذاً: نحتاج أن نبحث مسائل في خيار التخبير:

    أولها: بيع المرابحة.

    ثانيها: بيع المواضعة.

    ثالثها: بيع التورية.

    رابعها: بيع الشركة.

    فهذه أربعة أنواع من البيوع.

    فبيع المرابحة: اصطلح العلماء رحمهم الله على أن بيع المرابحة أن تشتري الشيء ويأتي من يرغب فيه ويقول لك: كم رأس ماله؟ تقول: رأس مالي مائة، يقول: أو أربحك العشر، أو الربع، أو النصف، أو المثل، فلو اشتريته بعشرة، وقال لك: أربحك المثل، فمعناه أنه سيشتريه بعشرين، ولذلك يسمونه بيع المرابحة، ومنه القصة المشهورة لعثمان رضي الله عنه وأرضاه في عام الرمادة، حين جاءت إبله من الشام محملة بالزيت والطعام إلى المدينة، فجاءه التجار وقالوا له: بع يا عثمان ، قال: كم تعطونني؟ قالوا: نعطيك بالدرهم درهمين، أي: نربحك الضعف، قال: أعطيت أكثر، قالوا: نعطيك ثلاثة، أي: ثلاثة أضعاف، قال: أعطيت أكثر، قالوا: نربحك أربعة إلى خمسة، قال: أعطيت أكثر، قالوا: من أعطاك وليس بالمدينة تجار غيرنا؟ قال: أعطاني الله بالدرهم عشرة إلى سبعمائة ضعف، هل عندكم هذا؟ قالوا: لا قال: أشهدكم أنها للفقراء، وتصدق بها رضي الله عنه وأرضاه.

    فكان معروفاً عند التجار أن التاجر يأتي لأخيه ويقول له: صفقتك -مثلاً- من الزيت سأربحك الضعف، فيعرفون أنه سيدفع ضعف رأس مالها.

    لكن هنا سؤال وهو: هل في بيع المرابحة تحتسب رأس المال الأصلي، أو تحتسب الكلفة؟ هذا أمر يحتاج إلى نظر، فمثلاً: لو اشتريت طعاماً وقيمة الطعام مائة ألف، لكنك نقلته من جدة إلى مكة، وكلفك النقل عشرة آلاف، فهل نقول: رأس المال المائة ألف أو نقول: رأس المال مائة وعشرة آلاف؟

    الصحيح أنها مائة وعشرة، وأن عليه أن يبين ويقول: رأس مالي بكلفته مائة وعشرة، أي: كلفتني هذه الصفقة مائة وعشرة.

    إذاً: بيع المرابحة يشترط فيه أن تملك السلعة وأن تكون في حوزتك حتى تبيعها؛ لأنك لو بعتها قبل أن تملكها فقد بعت ما لم تملك، ومن هنا يتبين خطأ من يقول: يدخل في بيع المرابحة أن تذهب وتختار السيارة ثم تأتي إلى المؤسسة لكي تشتريها لك، ثم تأخذها منها بالتقسيط بعد أن تدفع المؤسسة ثمنها نقداً، وهذا عين الربا، وليس من المرابحة في شيء، فبيع المرابحة صورته معروفة ومعهودة ومشهورة عند العلماء: وهي أن تشتري الصفقة بقيمتها، دون أن يدلك عليها أو يخبرك أحد أنه سيشتريها منك مستقبلاً سواء كانت عقاراً أو منقولاً، وبعد أن نشتريها يأتيك من يساومك بعد أن حزتها وتبين رأس مالك فيها لكي يخبرك بما سيدفعه لك ربحا،ً ولذلك قال: ولا تكون المرابحة إلا بعد الملكية؛ لأنك ترابح في شيء قد ملكته، ولا ترابح في شيء ليس في ملكك.

    1.   

    الأسئلة

    ضمان التصرف في المبيع المعيب بعد رده

    السؤال: في حديث المُصَرّاة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يرد المشتري المبيع وصاعاً من تمر، وذلك لمنفعته في الحليب؛ ولكن في كسر الجوز لم ينتفع المشتري فيه بشيء، فلماذا يرد أرش ما انكسر؟ أثابكم الله.

    الجواب: باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

    فإنك حينما تلزم الإنسان بضمان شيء إنما هو مركب من الاعتداء ومركب من التصرف، بغض النظر عن كونه انتفع أو لم ينتفع، فلو أن إنساناً جاء وكسر زجاجاً للغير، ولم ينتفع بهذا الكسر، قلنا له: يدك كسرت فعليك أن تضمن لصاحب الحق حقه، ولو أنه أتلف طعاماً ولم يأكله، فإنه يجب عليه الضمان، وكأن الأمر مركب على كسر اليد، فلما اعتدت اليد، بغض النظر عن كونها ارتفقت أو لم ترتفق، أو قصدت الارتفاق أو لم تقصد، فقاعدة الضمان مطردة.

    وعليه فإننا نقول: يجب عليه الضمان ويلزمه أن يرد من هذا الوجه، وحديث الْمُصَرّاة مركب من هذا، فإنه احتلب الشاة وهذا الحدث كان من يده، سواء احتلب وشربه هو أو شربه غيره، أو حلب الحليب ثم أراقه فإن الحكم يلزمه، فكأن القضية مركبة من وجود الإتلاف ووجود التصرف، فعلى اليد ما أخذت حتى تؤدي.

    فلما أخذت شيئاً كاملاً وجب أن ترده كاملاً إن أمكن، وإن لم يمكن ردت ضمان ذلك الكامل، وهذا من عدل الله بين عباده، وقد بينا وجه ذلك، والله تعالى أعلم.

    التراخي في رد المعيب وحق الأرش

    السؤال: بعد أن تقرر أن التراخي قد يسقط حق المشتري في الرد، فماذا عن حقه في الأرش، أثابكم الله؟

    الجواب: بالنسبة لوجود العيب فمن حقه أن يطالب بالأرش، لكن الرد أهون من الأرش، فإبطال العقد الأول وفسخ العقد الأول ليس كاستدامة العقد وضمان النقص، وسكوته إن كان لا يدل على الرضا بالعيب على وجه الإسقاط للأرش والرد، فلا شك أن من حقه أن يطالب؛ لأن الأصل أن الشرع أثبت له حق المطالبة بصاع الْمُصَرّاة، كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة ، فحينئذٍ نقول: من حقه أن يطالب بالأرش وضمان ما انتقص من قيمته، ويكون تراخيه إذا لم يفهم منه الرضا عن إسقاط الأرش غير موجب لإسقاط الحق الثابت بأصل الشرع، والله تعالى أعلم.

    الضمان في التصرف في المبيع لأجل معرفته

    السؤال: بعض تجار العسل يبيعون العسل بداخل ما يسمى بـ(القدر)، ولا يظهر منه إلا واجهته، ولا يدرى ما بداخله، فما الحكم، أثابكم الله؟

    الجواب: ليس العسل وحده، بل العسل والفواكه كلها تباع على هذا الوجه، فلو اشتريت من الفواكه الرمان، مع أنه كبير الحب كبير الجذر فإنك لا تستطيع إلا أن تنظر إلى واجهته، أو اشتريت الرطب فإنك لا تستطيع إلا أن تنظر إلى ظاهر الصندوق، فمن حقك من ناحية شرعية أن تقلب أعلاه وأسفله، لكنه لا يمكّنك من هذا.

    فلو أخذته وقلبته أمامه ووجدت فيه عيباً فمن حقك أن ترده، ولو أخذت الصندوق وقلبته فوجدت باطنه غير ظاهره فمن حقك أن ترده.

    فالعسل لو قال لك: لا تفتشه أو قال لك: هذا عسل جيد وممتاز ومن نوع كذا، فلما أخذته إلى البيت وفتحت قرطاسه أو وعاءه إذا به ليس من النوع الذي ذكر، فمن حقك أن ترده، ثم هذا الفتح إن كان مثله يضمن ضمن، وإن كان مثله لا يضمن لم يضمن.

    فمثلاً: القدر إذا فتح ليس فيه إخلال ولا ضرر، لكن لو كان العسل له وعاء معين لا يمكن فتحه إلا بالإتلاف، فحينئذٍ يضمن هذا الإتلاف الذي ذكرناه في جوز الهند، وهكذا بالنسبة لبيض النعام، لأنه أصل عند العلماء.

    فالمقصود: أن من حقك الرد، إن تبين أنه غير النوع الذي اشتريته، فمثلاً: قال لك: هذا عسل السدر، وتبين أنه ليس من عسل السدر، وإنما هو نوع آخر، أو قال لك: هذا الرمان من نوع كذا، وتبين أنه من نوع آخر، فمن حقك أن ترد متى اتضح وجود العيب ومخالفة الصفقة لما تم بين البائع والمشتري.

    وحينئذٍ فمسائل الضمان يفرع فيها على نفس التفريع الذي ذكرنا، فإن كان العسل في غلاف بحيث إذا فتح تضرر البائع بفتحه، كان من حقه أن يطالبه بأرشه، وإن كان لا يتضرر فإنه ليس من حقه أن يطالب بالأرش، لكن مسألة العسل من حقك أن تقلبه وتذوقه من باب العلم بما فيه، وذلك حتى ترتفع الجهالة ويطمئن إلى حقه، وليس من حق البائع أن يمنعه من ذلك، إنما من حقه أن يمنعه من وسيلة تضر بالعسل، أو تضر به هو.

    فمثلاً: لو أدخل يده، فيده قد تكون ملوثة تؤذي العسل، ولو جاء بملعقة كبيرة يريد أن يذوق العسل، فهذا يضر، فحق المشتري أن يفعل ما تستبين به حقيقة الصفقة، فلو باعه إليك مغلفاً، وقال لك: أضمن أنه من النوع الفلاني أو الصنف الفلاني، أو باعك الورد الطيب والمشهور مثلاً في أوعية من النحاس مغلفة مختومة لا تستطيع أن تعرف حقيقة هذا الورد إلا بفك الختم، فحينئذٍ تفك الختم، وإذا فككت الختم وشممت الورد، وتبين أنه فاسد أو تالف فلك أن ترده، فإذا كان هذا الختم ليس فكه ينقص العلبة نفسها أو يؤثر فيها، فليس من حقه أن يطالبك بالأرش، فعلبة الورد معروفة، وهذا الختم ليس له أي قيمة إنما هو من باب الاستيثاق أنه من المؤسسة ومن الشركة، لكنه لا يؤثر في ذات العلبة، فذات العلبة تقفل وتحكم الإقفال، كالقدر إذا رفع ثم غطي، فلا يعتبر هذا مما يوجب الضمان، لكن الذي يوجب الضمان الأشياء التي تستهلك وتستنفذ وتكون اليد متصرفة بالإضرار فيها، فتضمن بحقها وهو قدر الأرش، والله تعالى أعلم.

    حق الفسخ في الإجارة

    السؤال: استأجرت داراً لمدة سنة، ودفعت الإيجار مقدماً، وبعد بضعة أشهر أحببت الخروج من الدار، فهل لي أن أطالب المالك بإرجاع ما تبقى لي من قيمة أشهر السنة، أثابكم الله؟

    الجواب: هذه المسألة مفرعة على مسألة وهي العقود اللازمة والعقود الجائزة.

    فالعقود اللازمة مثل البيع والإجارة ليس من حق أحد الطرفين أن يفسخ دون رضا الآخر، فالبيع عقد لازم، فليس من حق المشتري بعد أن تفترقا أن يأتيك ويقول: لا أريد؛ لأنك تقول له: هذا عقد يلزمك، وليس من حقك أن تفسخ هذا البيع إلا بإذني ورضاي، كذلك إذا استأجرت سيارة لتذهب بها إلى الحرم بعشرة ريالات، فركبت معه فإذا ركبت معه، وشرع يمشي فبمجرد مشيه لزمتك الإجارة، وحينئذٍ تمضي معه، فإن أتم لك المشوار استحق الأجرة، وإن امتنع أن يتم لك المشوار أو تعطلت سيارته فعليه أن يقيم غيره مقامه، ولو لم يجد الغير الذي يقوم مقامه، فعليه أن يقدر المسافة من الموضع الذي أخذك منه إلى الموضع الذي تعطلت فيه السيارة، فإن كان نصف المشوار استحق خمسة ريالات، أي: يقدر بقدر ما عمل.

    لكن لو جئت تقول له: أريد أن توصلني إلى المدينة، ثم لما مضى بك كيلو أو كيلوين أو نصف كيلو قلت: لا أريد، فذلك ليس من حقك فقد مضت الإجارة ولزمت. هذا بالنسبة لإجارة الركوب.

    وكذلك إجارة السكنى: فلو استأجرت داراً سنة بعشرة آلاف ريال، ثم بعد شهر أو شهرين، أو بعد أن افترقتما مباشرة جئت وقلت: لا أريد، يلزمك أن تدفع الأجرة كاملة إذا لم يقبل منك الإقالة، فإذا كنت لا تستطيع أن تستأجرها فيمكن أن تقيم غيرك مقامك.

    وهكذا الطبيب: فلو تعاقدت معه على أن يأتيك للكشف أو الفحص، فجاء الطبيب ومكنك من نفسه، وجلس ولم يكشف شيئاً ولم تأمره بالكشف حتى مضت المدة، يجب عليك أن تدفع الأجرة كاملة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] والإجارة عقد، والمسلم إذا اتفق مع أخيه المسلم على إجارة فليس من حقه أن يفسخها إلا برضا الطرف الثاني، فإذا لم يرض الطرف الثاني، فإن العقد لازم وعليه أن تتمه.

    وهناك أحوال مستثناة للفسخ منها:

    - العجز الشرعي.

    - العجز الحكمي.

    فالعجز الشرعي مثلاً: لو استأجرت من مؤسسة سيارةً تذهب بك للحج، ولما تحركت السيارة تعطلت، وكان خروجك من المدينة في يوم عرفة، بحيث لا يمكنك أن تدرك الحج، فهذا التعطل يفسخ الإجارة؛ لأن المقصود منها الحج، فهذا يعتبر عجزاً شرعياً، وكأن المنفعة الشرعية التي تريدها ليست بموجودة وليست بمحصلة، وحينئذٍ من حقك أن تفسخ الإجارة، وتطالبه بدفع القيمة أو رد الأجرة كاملة إليك.

    وهكذا بالنسبة للعجز الحكمي، فمثلاً: ما يقع في المستشفيات بأن يقع العقد بين المريض وبين المستشفى على إجراء عملية، فقبل أن يدخل المريض للعملية توفي، فالإجارة تمت والعقد تم، والأطباء مهيئون، لكن قبل الشروع توفي المريض، فحينئذٍ ليس من حق المستشفى أن يطالب الورثة بدفع القيمة؛ لأن هذا عجز، ولا يمكن للمستأجر بحال أن يتم العقد، كما أنه في العجز الشرعي لا يمكن أن يتم العقد بحال، كذلك أيضاً في العجز الصوري أو الحكمي.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756003564