إسلام ويب

شرح زاد المستقنع باب الشروط في البيع [1]للشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • دلت الأدلة من الكتاب والسنة والآثار على مشروعية الشروط في البيع، والشروط في البيع منها ما هو صحيح وأذن الشرع به، فمنها ما يكون من مقتضيات العقد، أو مما يعين على إمضائه، أو مما اشتمل على منفعة لا دليل على تحريمها، سواء كانت منفعة للبائع أو منفعة للمشتري أو لهما معاً، أما الشروط غير الصحيحة فهي ما كانت مخالفة للشرع، وقد يترتب عليها أحياناً فساد البيع بالكلية.

    1.   

    تعريف الشروط وأقسامها

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فيقول المصنف رحمه الله: [باب الشروط في البيع] الشروط: جمع شرط، وقد بينا تعريف الشرط لغة واصطلاحاً.

    وقلنا: إنه في اللغة: العلامة، ومنه الشرطة وهي العلامة على الشيء.

    وأما في الاصطلاح: فالشرط هو الذي يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود، ومثلنا لهذا بالطهارة في الصلاة، فإنه إذا انتفت الطهارة انتفت الصلاة ولا يجوز لك أن تصلي، وإذا وجدت الطهارة فلا يستلزم من وجودها وجود الصلاة فقد تتوضأ ولا تصلي.

    وقوله: (باب الشروط في البيع) الشروط في البيع تنقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: شروط شرعية.

    القسم الثاني: شروط جعلية.

    أما الشروط الشرعية: فهي الأمارات والعلامات التي نصبها الشرع للحكم بصحة البيع، كما تقدم معنا ومنها: أن يكون البائع مالكاً للمبيع وأن يكون المشتري مالكاً للثمن أو مأذوناً له بالتصرف، فإذا تخلفت الملكية كما لو أن رجلاً باع شيئاً لا يملكه، فلا يصح البيع، وكذلك أيضاً إذا باع بدون رضاً كأن يكره أو غصب منه فلا يصح البيع.

    إذاً: الشرط كأنه علامة على الصحة متى ما وجد حكمنا بالصحة، وهذا النوع من الشروط شروط شرعية؛ لأن الكتاب والسنة نصا على علامات وأمارات ينبغي توفرها في البيع، فمثلاً: قال سبحانه وتعالى: لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29] فقال: عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النساء:29] فاشترط الرضا، فهذا يدل على أنه لا يصح البيع إلا بالرضا، كذلك نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر فنقول: من شرط صحة البيع أن يكون الثمن والمثمن معلوماً لا غرر فيه ولا جهالة.

    وهذه الشروط الشرعية سبق الكلام عليها، وتبقى الشروط الجعلية، والشروط الجعلية: هي الشروط التي يدخلها البائع أو المشتري أو هما معاً في صفقة البيع، فمثلاً يشترط المشتري ويقول: أشترط عليك أن توصل هذا الشيء إلى بيتي، كأن يشتري طعاماً ويقول لصاحب المطعم: أشترط أن تحضره إلى بيتي الساعة التاسعة مثلاً، فهذا بيع وفي هذه الحالة اشترط عليه أن يحضره إلى بيته، أو اشترى ثلاجة واشترط على البائع أن يحملها إلى بيته، أو اشترى سيارة واشترط على البائع أن يوصلها إلى مدينته، كأن يكون اشتراها في جدة وهو مقيم في مكة فيقول: أشترط أن توصلها إلى مكة.

    أو يشترط البائع على المشتري ويقول له: أبيعك هذه السيارة بعشرة آلاف بشرط أن تدفعها نقداً أو يقول له: أبيعك هذه السيارة أو هذه الثلاجات أو الغسالات أو الأثاث الذي تريد أن تشتريه بعشرة آلاف مقسطة، كل شهر تدفع ألفاً؛ ولكن بشرط أن تحضر كفيلاً مليئاً يكفلك، أو كفيلاً غارماً أو تحضر لي رهناً، بحيث لو تعذر السداد أبيعه وآخذ الذي لي عليك، فهذا شرط من البائع على المشتري.

    فعندنا شروط من البائع على المشتري، وشروط من المشتري على البائع، وقد تقع مقابلة، فيشترط البائع، ويشترط المشتري، ويسمي العلماء هذا النوع من الشروط بالشروط الجعلية، أي: هي في الأصل ليست موجودة في العقد وإنما جعلت في العقد، اشترطها كل منهما إما لمصلحته أو لمصلحة البيع إمضاءً له، كأن يشترط لمصلحته ويقول: أشترط أن يكون البيت فيه كهرباء، فهذا لمصلحته حتى ينتفع بالبيت، أو أشترط في هذه الأرض أن يكون لها صك، فهذا لمصلحته حتى إذا نوزع في هذه الأرض يستطيع أن يثبت ملكيته عليها، وغيرها من الشروط التي يقصد بها مصلحته، وقد تشترط الشروط لإتمام البيع وتكون لمصلحته كالرهن، كما سيأتي إن شاء الله، وقد تكون الشروط من مقتضيات العقد.

    فهذه الشروط لما كان الناس يتعاملون بها وتقع بين الناس احتاج العلماء عند بيانهم لأحكام البيع أن يبينوا أحكام هذه الشروط، فهناك شروط أذن الله بها ويجب على البائع والمشتري أن يمضياها، وهناك شروط حرمها الله عز وجل ولم يأذن بها، وهذا الذي حرمه الله عز وجل منه ما يوجب فساد البيع، أي: إذا وجد يفسد الشرط ويفسد البيع، ومنها ما يكون فاسداً في نفسه لكنه لا يفسد البيع، فنقول: البيع صحيح وعلى البائع أن يمضي الصفقة وعلى المشتري أن يمضي الصفقة؛ ولكن يسقط هذا الشرط فوجوده وعدمه على حد سواء.

    هذه الشروط الجعلية مهمة جداً وطلاب العلم يحتاجون إلى معرفة أحكامها وبيان ما الذي يترتب على الشرط المشروع، وما الذي يترتب على الشرط الممنوع، وعلى هذا قال المصنف رحمه الله: [باب الشروط في البيع] وهناك فرق بين قولنا: (باب شروط البيع) وبين قولنا: (باب الشروط في البيع)، فشروط البيع هي الشروط الشرعية، والشروط في البيع هي التي يدخلها المتعاقدان أو أحدهما، أو تقول: يدخلها أحد المتعاقدين أو هما معاً، ولذلك لو سئلت: ما الفرق بين شرط الشيء والشرط في الشيء؟

    تقول: شرط الشيء: هو ما نصبه الشرع من أمارة وعلامة لصحته أو وجوبه، ومن الأمثلة على ما يكون لوجوبه: أن الزوال شرط لوجوب صلاة الظهر، ومن الأمثلة على ما يكون لصحته: أن الطهارة شرط لصحة الصلاة وأما الشرط في الشيء فتقول: هو ما يدخله المتعاقدان أو أحدهما، سواء المتعاقدان في بيع، أو المتعاقدان في نكاح، فالآن لو تعاقد شخص مع ولي امرأة قال له: زوجتك بنتي بعشرة آلاف، تدفع خمسة آلاف نقداً، وخمسة آلاف إلى أجل، فهذا شرط في النكاح، ويسمى: (شرطاً في النكاح) ولا يسمى: (شرطاً للنكاح)، فهذا معنى قول المصنف: [باب الشروط في البيع] كأنه يقول رحمه الله: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من المسائل والأحكام التي تتعلق بالشروط التي تكون بين المسلمين في بيوعاتهم.

    والشروط الكلام فيها في مواضع:

    الموضع الأول: ما هو موقف الشرع من الشروط في البيع؟

    نقول: دلت الأدلة على مشروعية الشروط في البيع، والدليل الأول: قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] فإن هذه الآية الكريمة ألزم الله فيها المتعاقدين بالوفاء بالعقد، والعقد هنا مطلق يشمل العقد المشتمل على الشروط والعقد الذي لا شرط فيه، فإذا اشترط عليه فكأنه من العقد، وعلى هذا يكون قوله: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] أي: أمضوها بشروطها إذا كانت مشروعة.

    الدليل الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم) فهذا يدل دلالة واضحة على أنه ينبغي للمسلم أن يفي بشرطه، وأنه يلزمه أن يفي لأخيه المسلم بما اشترط على نفسه تجاهه، ولا يجوز له أن يختله ولا أن يخدعه ولا أن يغشه وعليه أن يمحضه النصيحة بالوفاء له.

    وكذلك أيضاً دل دليل الأثر فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في كلمته المشهورة: (مقاطع الحقوق عند الشروط)، أي: إذا أردت أن تقطع الحق فتعطي مال الناس للناس، وتأخذ مالك من هذه الحقوق فإنما يكون بالشروط، فإذا كان بينك وبين أخيك المسلم شرط ووفيت له الشرط على أتم الوجوه وأكملها فقد قطعت له حقه كاملاً، وعلى هذا (مقاطع الحقوق عند الشروط) معناه: أنه يلزم المسلم إذا أراد أن يؤدي حق أخيه المسلم أن ينظر ما الذي اشترطه على نفسه تجاهه فيؤدي له ذلك الشرط كاملاً تاماً.

    وأداء الشروط والقيام بها من النصيحة، والله عز وجل أوجب على المسلم أن ينصح لأخيه المسلم.

    ومن الغش أن يشترط عليه ويقول له: هل السيارة من نوع كذا؟ قال: من نوع كذا، فجاء فإذا السيارة ليست كما قال، فمعنى ذلك أنه غشه وأنه كذب عليه، والغش والكذب لا يأذن الله بهما، وإذا وفى له وأدى له الأمر كما اتفقا فقد صدق وبيَّن، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما) فالله يبارك لك في المال الذي تأخذه ويبارك لك في الصفقة التي تأخذها إذا وفيت بشروطها، وعلى هذا أجمع المسلمون من حيث الجملة على جواز الشروط في البيع.

    والشروط في البيع تنقسم إلى أقسام:

    القسم الأول: ما هو صحيح وأذن الشرع به.

    القسم الثاني: ما هو غير صحيح ولم يأذن الشرع به، بل هو يخالف الشرع ويضاده.

    فأما الشروط الصحيحة: فهي التي تكون من مقتضيات العقد أو مما يعين على إمضاء العقد، أو مما يشتمل على منفعة لا دليل على تحريمها وأذن الله عز وجل بها، سواءً كانت منفعة للبائع أو منفعة للمشتري أو لهما معاً، فهذه ثلاثة أنواع للشروط الصحيحة، والشروط الصحيحة هي الأساس، والأساس أننا إذا قلنا: إن الشروط مشروعة فالمراد منها ما لم يعارض الشرع، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) وذلك أن بريرة رضي الله عنها لما جاءت إلى عائشة رضي الله عنها وأرضاها وأخبرتها أن أولياءها قبلوا من عائشة أن تدفع الثمن -ثمن بريرة - ويكون ولاء بريرة لهم، وهذا خلاف الشرع؛ لأن الشرع أن من أعتق الأمة أو العبد فالولاء له؛ لقوله صلوات الله وسلامه عليه: (كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق، إنما الولاء لمن أعتق) فالولاء لمن أعتق، فهم خالفوا الشرع وقالوا: الولاء لنا وهم لم يعتقوا، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) فدل هذا الحديث على أن من الشروط ما ليس من كتاب الله عز وجل، ومفهومه: أن ما كان منها موافقاً لكتاب الله وموافقاً لشرع الله فليس بباطل بل هو صحيح، ومن هنا: اصطلح العلماء على تقسيم الشروط إلى:

    شروط شرعية، وشروط غير شرعية، وهي الشروط المشروعة والشروط الممنوعة.

    1.   

    الشروط الصحيحة في البيع

    فقال المصنف رحمه الله: [منها صحيح كالرهن]

    [منها] أي: من الشروط ما هو صحيح، والصحيح ضد الفاسد والباطل، وهذا الصحيح لا يحكم بصحته إلا إذا وافق الشرع، ولا نحكم بصحة الشيء إلا إذا وافق الشرع ولم يشتمل على محذور يعارض كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، والشروط الصحيحة تنقسم إلى الثلاثة الأقسام التي ذكرناها وهي:

    الشروط التي تكون من مقتضيات العقد

    النوع الأول: ما يكون من مقتضيات العقد ومستلزماته، فالآن مثلاً: حينما تشتري السيارة من المعرض قال لك: أبيعك هذه السيارة بخمسين ألفاً نقداً، فقلت: قبلت، فالأصل يقتضي أنك إذا دفعت الخمسين تستلم السيارة، ويقتضي أيضاً أنك إذا استلمت السيارة تدفع الخمسين، فصاحب المعرض يطالبك بالخمسين وأنت تطالبه بالسيارة، فلو قال صاحب المعرض: أشترط أن تكون الخمسين نقداً وتكون يداً بيد، ولا أقبلها شيكاً، ولا أقبلها إلى أجل، ويشترط عليك في نفس المجلس، فحينئذٍ يجب عليك أن تحضر الخمسين وتعطيه إياها في نفس المجلس، فهذا شرط يقتضي تسليم الثمن، وتسليم الثمن من مستلزمات البيع، فإذا اشترط صاحب المعرض أن يأخذ حقه حالاً فقد اشترط شيئاً من مقتضيات العقد.

    كذلك لو قلت له: أنا أشتري منك هذه السيارة بخمسين ألفاً؛ ولكن بشرط أن أخرجها الآن، فإنه إذا تم البيع من حقك أن تأخذ السلعة مباشرةً، فكأن هذا الشرط هو موجود في العقد؛ لكن كونك تشترطه وتلزم به المعرَض؛ لأنه قد يجري العرف بتأخيرها يوماً، وقد يجري العرف بتأخير السيارة ثلاثة أيام في المعرض، والمعروف عرفاً كالمشروط لفظاً، وبناءً على ذلك: تريد أن تخرج من هذا العرف فتقول: أشترط أن أستلمها حالاً، فيكون اشتراطك لاستلام السيارة حالاً، أو اشترطت أن العمارة تستلمها حالاً -يُخْرِج منها متاعَه، ويخرج منها أغراضه، وتستلمها- فهذا من حقك، أو تقول له: أشترط أن يكون الإفراغ فورياً، والإفراغ الفوري من مقتضيات العقد فهو يمكنك من بيعها، ويمكنك من حقك، وتحس أن حقك بيدك؛ لكن لو تأخر الإفراغ وطرأ أي شيء على الصفقة تتضرر أنت، وأيضاً لو جئت تعرضها للبيع وعلم المشتري أنها لم تفرغ لك بعد، فلا يمكن أن يقبل، وقد يتأخر في القبول.

    إذاً: هذه الشروط التي تكون من مقتضيات العقد؛ كتسليم الثمن، والتعجيل به، أو تسليم المثمن، والتعجيل بالتسليم من الشروط المشروعة.

    الشروط التي تكون من مصلحة إمضاء العقد

    النوع الثاني: الشروط التي يقصد منها مصلحة أو إمضاء العقد، أو تتضمن مصلحة العقد، فمثلاً: لو جاء رجل وقال لك: أريد أن أشتري منك هذه الأرض بمائة ألف إلى نهاية السنة، أو أعطيك خمسين ألفاً في منتصف السنة وخمسين ألفاً في نهاية السنة، فهذا بيع أجل، ومن مصلحة العقد حتى يتم ويستوثق صاحبُ الحق بحقه أن يقول له: قبلت؛ ولكن أشترط الرهن، أو أشترط أن ترهن لي شيئاً أستوثق به من حقي، فلو جاء الوقت المحدد ولم تسدد لي حقي أجد ما أسدد به الحق.

    فكأن الرهن إذا وُجِد من مصلحة العقد؛ لأن بيع الرهن يتمم الصفقة؛ لكن لو أنك أعطيته ديناً بدون رهن وجاء في نهاية السنة وصار معسراً ألْزِمت بالانتظار وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]، وعلى هذا يكون الشخص حينما يشترط الرهن كأنه يستوثق من حقه، ويكون هذا من مصلحة العقد؛ لأن وجود هذا الرهن يمكِّن من إمضاء الصفقة، فإذا لم يستطع دفع الثمن عند انتهاء الأجل بعتَ الرهن وأخذتَ حقك فمضى البيع؛ لكن لو أنه أُنْظِر وطرأ ما يوجب فساد البيع فهذا يختل به العقد، فكأن شرط وجود الرهن من مصلحة العقد، أي: مما يعين على إمضاء العقد لا إلغائه.

    قال رحمه الله: [منها صحيح كالرهن] أي: منها شروط صحيحة كالرهن.

    وهنا مسألة: ذكرنا من أن الشروط المشروعة ما كان من مقتضيات العقد وما كان من مصلحة العقد، فلماذا اقتصر المصنف على قوله: (منها صحيح كالرهن) وذكر الذي هو من مصلحة العقد ولم يذكر الذي هو من مقتضيات العقد؟

    والجواب: أن الذي من مقتضيات العقد معلوم بداهةً؛ لأنه من مقتضيات العقد، فلو قال له: تسلم فوراً، أو أشترط أن تكون نقداً، أو قال المشتري: أشتري منك؛ لكن بشرط أن تمهلني شهراً أو شهرين أو ثلاثة، هذا يعتبر من الأمور المعلومة بداهةً إذا اشترط عليه النقد والفورية.

    قال: [منها صحيح كالرهن وتأجيل الثمن].

    فعندنا مثالان:

    المثال الأول: الرهن.

    المثال الثاني: تأجيل الثمن.

    وهذا إذا تأملته وجدت فيه دقة للمصنف وحسن ترتيب؛ لأن قوله: (منها صحيح كالرهن) هذا نوع يتعلق بالبائع، أي: أن يشترط البائع على المشتري الرهن، أما قوله: (وتأجيل الثمن) يشترطه المشتري على البائع، فذكر النوعين، فلو قال: (منها صحيح كالرهن) وسكت، لظن ظان أن الشرط الصحيح يكون من البائع على المشتري فقط ولا يكون من المشتري على البائع، فجاء بالاثنين؛ جاء بشرط صحيح من البائع على المشتري من مصلحة العقد وهو الرهن، وجاء بشرط صحيح من مصلحة المشتري وهو قوله: (تأجيل الثمن)، أي: يشترط أن يكون الثمن مؤجلاً، والشرطان كلاهما صحيح وجائز، فإن باعه إلى أجل أو برهن صح.

    فلو قال البائع: بعتك هذه الأرض من هذا المخطط بمائة ألف، وقال له المشتري: أشترط أن تكون إلى نهاية السنة، فهذا شرط من المشتري على البائع، فقال له البائع: قبلت، بشرط أن تحضر لي كفيلاً غارماً، فصار الشرط من البائع اشتراط الكفيل الغارم، والشرط من المشتري اشتراط التأجيل، فاشترط البائع الكفيل الغارم استيثاقاً لحقه، واشترط المشتري تأجيل الثمن رفقاً بنفسه، وعلى هذا يكون كل منهما قد اشترط على الآخر شيئاً هو من مصلحته، ومما يعين أيضاً على إمضاء العقد والاستيثاق في العقد؛ لأنك عندما تشترط التأجيل فأنت تريد أن تدفع المال للبائع ولكن إلى أجل؛ لأنك تعلم أنك لا تستطيع أن تدفع، فحتى تخرج من الإحراج أو تخرج من المماطلة قلت له: إلى أجل وصارحته بحقيقة أنك لا تستطيع أن تدفعها نقداً وأنك تريد منه التأجيل، فيقول البائع: بشرط أن تحضر لي كفيلاً غارماً، وفي بعض الأحيان يقول: أشترط أن يكون الكفيل الذي يكفلك عنده سجل تجاري مثلاً، وهذا يجري كثيراً بين التجار، والسبب في هذا: أن التاجر الذي له سجل تجاري ليس كمن يكون دون ذلك، خاصة إذا كانت المبالغ كبيرة، وحينئذٍ كأن اشتراطه للسجل التجاري زيادة في الاستيثاق ويكون شرطاً شرعياً.

    الشروط في الصفات

    قال رحمه الله: [وكون العبد كاتباً أو خصياً أو مسلماً]

    (كاتباً): كانوا في القديم إذا اشترى أحدهم أمة أو مملوكاً يحتاجه مثلاً للكتابة في دكانه أو تجارته فقال: أنا أريد مملوكاً يعرف الكتابة ولا أريده جاهلاً بالكتابة؛ لأن الذي يعرف الكتابة أحتاجه لكتابة ديون الناس فاشترط أن يكون كاتباً، وهذا من مصلحة المشتري، وبناءً على هذا الشرط: لو باعه على أنه كاتب ولم يكن كذلك كان من حقه أن يبطل البيعة ويفسدها؛ لأنه اشترط عليه وجود صفة وهي صفة كمال (كاتباً).

    قال: [أو خصياً] كأن يخشاه على عرضه، ولا يجوز أن يختصي؛ لكن لو وقع أنه صار خصياً أو مجبوباً، فقال: أشترط أن يكون من هذا النوع خوفاً على العرض؛ لأنه يحتاجه لخدمة النساء أو يكون حول النساء أو أنه إنسان يتاجر فيتركه في بيته أو يتركه في مزرعته فيخاف على عرضه، أو لا يريد منه النسل ونحوه فاشترط أن يكون خصياً، فهذا الشرط من مصلحة المشتري، فإذا اشترى على هذه الصفة تم البيع.

    وهذه أمثلة قديمة وسنمثل بأمثلة جديدة ومعاصرة، فلو قال له: أبيعك أرضاً في مخطط (20×20)، قال له: أشترط أن تكون على شارعين.. أشترط أن تكون على شارع.. أشترط أن تكون بجوار مسجد.. أشترط أن تكون -مثلاً- الكهرباء والماء قد وصلت إلى المكان، فهذه شروط كمالية، كما اشترط الكتابة في المملوك واشترط الإسلام فيه أو اشترى منه مزرعة قال: أشترط أن يكون لها صك شرعي حتى أستوثق بحقي، وأستطيع بيعها إن أردت ذلك، فلو أنه باعها بهذا الشرط وتبين أن الأرض لا صك لها أو أن المخطط الذي فيه الأرض لم يصله الماء والكهرباء كان من حقه أن يفسخ البيع؛ لأنه تم البيع بشرط ويلزم المسلمون أن يوفوا بالشروط، وهذا شرط شرعي وفيه مصلحة للمشتري ومن الظلم أن يدفع مائة ألف لقاء أرض على أن فيها هذه المصلحة ثم لا توجد فيها هذه المصلحة، وعلى هذا: إذا اشترط هذه الشروط الكمالية وجب على البائع أن يفي له، وإذا لم توجد كان من حقه أن يفسخ البيع ويبطله.

    قال رحمه الله: [والأمة بكراً]

    كأن يريد أن يتسراها فيعف نفسه عن الحرام فقال: أشترط أن تكون بكراً، فلو أنها ظهرت ثيباً كان من حقه أن يردها، وكان من حقه فسخ البيع؛ لأن هذا بيع بشرط، ومن حق المشتري إذا لم يجد المبيع على الصفة التي اشترطها أن يرد البيع ويفسخه.

    الشروط التي فيها منافع

    قال رحمه الله: [ونحو أن يشترط البائع سكنى الدار شهراً].

    هناك شروط فيها منافع تتعلق بأحد المتعاقدين، كأن يبيعك البيت ويقول: اشترط أن أبقى في البيت سنة، حتى أجد أرضاً أبني عليها، أو حتى أتمكن من إتمام عمارتي التي أبنيها، المهم أنني سأسكن سنة كاملة، فاستثنى السكنى سنة كاملة، فهذا الاستثناء شرط من البائع وليس من المشتري، أما الشروط الأولى فكانت من المشتري، وهذا من البائع، والغالب أن شروط البائع تكون في المنافع.

    فكونه يقول: أستثني سكنى الدار شهراً أو سنة أو نصف سنة من حال البيع أو من العقد فإنه من حقه، والدليل على ذلك حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر وكان مع جابر بعير، وكان جابر رضي الله عنه قليل ذات اليد -أي: ليس من أثرياء الصحابة ولا من أغنيائهم- وكان على بعير قد أعياه السير، وكان صلى الله عليه وسلم إذا خرج للغزو أو خرج معه الصحابة يمشي في آخر القوم حتى يحمل الكل ويعين الضعيف ويتفقد أصحابه وهذا من فضله وبره وحلمه وشفقته، بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه، فكان أرحم بالناس من الوالد بولده، قال جابر : (فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لي وضربه فسار سيراً لم يسر مثله وقال لي: -وكان صلى الله عليه وسلم كريم المعشر، دمث الأخلاق، موطأ الكنف لأصحابه وكان ينظر إلى جابر نظرة خاصة؛ لأن أباه قتل معه في أحد، وكان يحب جابراً ويعطف عليه كثيراً -فقال: بعنيه -أي: هذا الجمل الذي أصبح بهذه الصفة وبهذه المثابة، وكأنه يشعره بالنعمة التي أنعم الله عليه فيه- قال: يا رسول الله! هو لك -فساومه واشترى منه الجمل- فاشترط جابر حملانه إلى المدينة -لأنه ليس له جمل آخر- فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، قال: فلما قدمت المدينة أتيته بالجمل فنقدني ثمنه، ثم رجعت فأرسل في أثري، وقال: أتراني ماكستك لآخذ جملك؟ خذ جملك ودراهمك. فهو لك).

    فالشاهد: أن جابراً اشترط حملان البعير إلى المدينة، وهذا شرط من البائع على المشتري، فاشتراط الحملان إلى المدينة يعني الظهر والركوب، كأن تشتري سيارة فيقول لك صاحب السيارة: أشترط عليك أن أصل بها إلى المنزل، ويتم البيع وتتم الصفقة ولكن توصله إلى منزله، فيركب السيارة ويصل بها إلى منزله ثم بعد ذلك شأنك والسيارة، فهذا شرط من البائع على المشتري وهو لا يخالف مقتضى العقد، ولا يتضمن الغرر، ولا يتضمن ضررك، فيصح هذا النوع من الشروط ويلزم.

    قال رحمه الله: [وحملان البعير إلى موضع معين]

    الحملان مصدر من الحمل، والمراد بذلك: أن تشترط ظهر البعير الذي يحملك أو ما على البعير من متاع تريد أن توصله إلى بيتك، كرجل يلقاك وأنت في سيارتك ويقول لك: بكم تبيع هذه السيارة؟ تقول: بعشرة آلاف، وعلى السيارة أغراض لك وأمتعة، فقال لك: أنا أشتريها منك بعشرة آلاف، قلت له: إذاً بارك الله لك وبارك لي؛ ولكن أشترط أنني أذهب بالسيارة إلى جدة -وعليها متاع لك وتريد أن توصله إلى جدة- فحينئذٍ يتم البيع ويكون الاستثناء فقط لإيصال المتاع إلى جدة، وقوله: (إلى موضع معين) أخرج الموضع المجهول؛ لأنه لا تجوز الجهالة، فالجهالة فيها غرر، فلو قال لك البائع: أعطيك السيارة بعد أن أفرغ المتاع منها، فتقول: متى؟ يقول: حتى أفرغ المتاع، قد يبقي المتاع عليها سنة ويقول: اشترطت عليك أن أبقيها حتى أفرغ، قد لا نقول: سنة؛ لكن في بعض الأحيان قد يبقي المتاع عليها شهراً أو أسبوعاً وتتضرر.

    فإذاً لما يقول لك: أشترط أن أبقي المتاع عليها فلا تصرح بالجواز ما لم يكن بشيء معلوم لا جهالة فيه ولا غرر، ولابد أن يكون الشرط واضحاً لا جهالة فيه ولا غرر، وبناءً على ذلك: إذا اشترط حملان السيارة أو ظهر السيارة فإنه يجوز له ذلك ويحدد الزمان أو يحدد المكان إلى موضع معين، ولو قال: بعد يوم أحضر لك السيارة -كما يقع الآن، يقول: أشترط أن تبقيها عندي يوماً أخرج منها أغراضي وبعد ذلك أسلمها لك- فلا بأس بذلك ما دام أنه لا يتضمن الضرر ولا الغرر.

    1.   

    حكم الشروط التي يشترطها المشتري

    يقول المصنف رحمه الله تعالى: [أو شرط المشتري على البائع حمل الحطب أو تكسيره].

    تقدم بيان مسائل الشروط في البيع، وأنها تنقسم إلى قسمين: منها ما هو مشروع ولا يؤثر في البيع، ومنها ما هو غير مشروع، وبَيَّنا أن الشروط المشروعة منها شروط تقتضيها العقود -أي: عقود البيع- كأن يشترط عليه تعجيل الثمن أو التمكين من الاستلام أو إفراغ الأرض أو العقار أو نحو ذلك من الشروط، وهناك شروط هي من مصلحة العقد، كأن يشترط الرهن والكفيل الغارم إذا كان البيع بالأجل ونحو ذلك من الشروط، ثم يتبع هذا ما كانت فيه منفعة لأحد المتعاقدين فيشترط البائع شرطاً لنفسه فيه مصلحة، ويشترط المشتري لنفسه شرطاً فيه مصلحة، وبَيَّنا أن هذا النوع من الشروط جائز ومشروع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع من جابر بعيره، واشترط جابر حملان البعير إلى المدينة، فهذه منفعة للبائع، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر في الصحيح: (من باع نخلاً قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع، ومن باع عبداً وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع)، فهذا يدل على أنه يجوز أن تشترط مصلحة ومنفعة في العقد، خاصة إذا كانت متولدة من المبيع، مثل مال العبد ومثل النخل المؤبر، ويلتحق بالنخل المؤبر بقية الزروع، على التفصيل الذي سيأتي إن شاء الله في بيع الثمرة والأصول، لكن بالنسبة للصورة التي ذكرها المصنف أن يشتري منه حطباً ويشترط على البائع أن يكسره، ففي هذه الحالة المبيع هو الحطب يقول لك: أبيعك هذا الكوم من الحطب بمائة ريال. تقول: اشتريت ولكن بشرط أن تكسره لي. جرت العادة أن تكسير الحطب يكون بطريقة معيّنة وصفة معيّنة فيقوم البائع بتكسيره للمشتري، إذا قلت: اشتريت هذا الحطب وأشترط عليك تكسيره فهذا شرط واحد. كذلك أيضاً لو قلت له: أشتري منك هذا الحطب ولكن بشرط أن توصله إلى منزلي، فحينئذٍ اشترطت منفعة لمصلحتك، فكأن المصنف حينما ذكر: (كأن يشترط حملان البعير)، فالمنفعة للبائع وليست للمشتري، يبيعك بعيراً ويقول: هذا البعير قيمته مائة؛ ولكن أشترط عليك أن أركب عليه إلى منزلي ثم تأخذه. كما فعل جابر مع النبي صلى الله عليه وسلم فقد اشترط أن يركب البعير إلى المدينة وأذن له النبي صلى الله عليه وسلم وأقرّه.

    إذاً: هذا الشرط الذي اشترطه هو من البائع والمنفعة للبائع، فالمصنف رحمه الله من دقته ذكر لك مثالاً على المنافع التي يشترطها البائع، ثم أتبع بتكسير الحطب كمثال على المنافع التي يشترطها المشتري؛ لأن تكسير الحطب من مصلحة المشتري، فتقول: أشتري منك هذا الحطب وأشترط أن تكسره لي، ومن أمثلة ذلك في عصرنا: كأن تقول للجزّار: بكم هذا الكيلو من اللحم؟ يقول: بعشرين، تقول: أشتري منك الكيلو على أن تكسره أو تفصل اللحم عن العظم، فحينئذٍ اشترطت منفعة لمصلحتك أنت المشتري. وفي حكم هذا -في زماننا- ما لو اشترى البضاعة من المحل واشترط توصيلها إلى منزله. لكن هنا أمر لابد من التنبيه عليه وهو: أنّه إذا اشترط المشتري على البائع منفعة زائدة في البيع فينبغي أن يبين حدود هذه المنفعة، فإذا قال له: أشترط أن توصله إلى منزلي، فلابد أن يحدد مكان منزله؛ وذلك لأنها منفعة لها قيمة وثمن، وعلى هذا فلابد وأن تكون معلومة، فيحدد أين منزله، فإن كان باستطاعة البائع أن يوصله قال: رضيت. وإن لم يكن باستطاعته قال: لا أرضى. ويتفقان أو يتراضيان على حسب ما يكون بينهما بالمعروف.

    قال رحمه الله: [أو خياطة الثوب أو تفصيله].

    القماش الخام هو الذي يوجد في طاقة القماش ولم يفصل بعد، فعندما يشتري الإنسان هذا النوع من القماش فله أحوال: تارةً يشتري القماش خاماً ولا يطلب تفصيله ولا خياطته، فيشتري -مثلاً- طاقة من القماش، فيقول للبائع: بكم هذه الطاقة؟ يقول: بمائة، قال: اشتريت، حينئذٍ لا إشكال. لكن هناك صورة أخرى وهي أن يقول له: بكم هذا القماش؟ يقول له: هذا القماش متره بستة ريالات مثلاً، يقول: كم يكفيني من الأمتار؟ قال: ثلاثة أمتار، قال: إذاً أشتري منك ثلاثة أمتار، وبكم تفصلها؟ قال: بعشرين، حينئذٍ يقول: أشتري منك الثلاثة الأمتار، على أن تفصلها لي ثوباً بعشرين، فهذه الصورة التي يَفْصِلُ فيها قيمة الخام من القماش عن قيمة التفصيل فهذه لا إشكال فيها؛ لأن المشتري اشترى ما هو مباح بيعه وهو القماش وحدد المبيع وثمنه، وليس هناك أي إشكال في جواز هذا النوع من البيع، فوقع البيع على ثلاثة أمتار من هذا القماش، فإذا كان المتر بستة ريالات فمعنى ذلك أنه اشترى بثمانية عشر، ثم تعاقد معه إجارةً على التفصيل وذلك بعشرين، فيكون مجموع القيمة ثمانية وثلاثين ريالاً، إذاً: هذان عقدان منفصلان، البيع على حدة والإجارة على حدة.

    الحالة الثانية: أن يقول له: بكم هذا الثوب؟ والثوب قد فصل وهو جاهز -كما يوجد الآن عند بعض الخياطين، حيث يُجهَّز الثوب ويكون على المقاس الذي يريده المشتري- بمائة، قال: اشتريت، ولكن بشرط أن تكويه لي، أو يشترط أن يغسله، فيقوم الخيّاط بغسل الثوب وكيّه وإعطائه للمشتري وهذه كلها منافع تختلف أذواق الناس ومقاصد الناس فيها، حتى لو قال له: أشترط أن تضعه لي في ورق، هذا كله من شروط المنافع التي يقصد بها حفظ المبيع أو وجود المنفعة الناشئة عن المبيع، وهذا النوع من الشروط لا بأس به، لكن لو قال له: أشترط عليك أن تخيط الثوب وأن تغسله وتكويه فحينئذٍ أدخل أكثر من شرط في عقد البيع، وهذا سيأتي إن شاء الله في مسألة الشرطين في البيع.

    1.   

    حكم الجمع بين شرطين في البيع

    قال رحمه الله: [وإن جمع بين شرطين بطل البيعُ].

    أي: وإن جمع المتعاقدان بين شرطين في بيع بطل البيع، وهذه المسألة دليلها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك)، وهو حديث حسّنه غير واحد من أهل العلم، والعمل على ما تضمنه من دلالة.

    والعلماء رحمهم الله في مسألة الشرطين في البيع عندهم تفصيل وكلام، بعض العلماء يقول: أيُّ بيع اشتمل على شرطين فأنا أبطله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولا شرطان في بيع) فنهى عن الشرطين في البيع، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، وبعض العلماء فَصَّل:

    وتوضيح ذلك: أن الشرطين في البيع إما أن يكونا مفضيان إلى الربا، أو مفضيان إلى الغرر، أو يتضمنان محظوراً شرعياً، أو يكون الشرطان لا بأس بهما، ولو أردنا أن نختصر هذه الأحوال نختصرها بنوعين من الشروط نقول: إمّا أن يكون الشرطان متفقين مع الشرع، وإمّا أن يكونا مخالفين للشرع، أي يتضمنان محظوراً شرعياً.

    فأما الشرطان اللذان يتفقان مع الشرع فكأن يقول لك: أبيعك هذه السيارة وأشترط عليك أن يكون بيعها مؤجلاً -أقساطاً-، وأشترط عليك كفيلاً غارماً، فاشترط عليك في العقد شرطين: البيع المؤجل وهو لا ينافي الشرع، والشرع أذن به كما أذن بالمعجل ما لم يتضمن غرراً، وكونه يشترط كفيلاً غارماً هذا من مصلحة العقد؛ لأنه إذا عجز المشتري قام الكفيل بالسداد فتمّ البيع، فهذان الشرطان دخلا في العقد على وجه يوافق الشرع وليس هناك أيّ معارضة للشرع، فإذا كانت الشروط موافقةً للشرع فتنقسم أيضاً إلى قسمين: تارةً تكون من مصلحة عقد البيع، كما ذكرنا في تأجيله وأيضاً اشتراطه للكفيل، وتارةً يكون الشرطان لا يخالفان الشرع لكن فيهما منفعة لأحد المتعاقدين، أي: أن يشترط شرطين لمصلحته هو بائعاً أو مشترياً. ففي الصورة الأولى اشترط شرطين، وصحيح أن فيهما مصلحة للبائع؛ لكن فيهما إمضاء للعقد وحفاظ على إتمامه؛ لأن الكفيل سيسدّد ويمضي العقد، وهذا أضمن للحقوق، وهذا يسمونه من مصلحة العقد، لكن في الصورة الثانية من الشروط التي لا تعارض الشرع أن يكون فيه منفعة للمشتري أو منفعة للبائع -كما ذكرنا- يشتري منه القماش ويقول: أشتري منك هذا القماش بشرط أن تخيطه وتغسله، فحينئذٍ تضمن العقد شرطين مشروعين بأصلهما؛ ولكنهما لمنفعة أحد المتعاقدين.

    إذاً: الصورة الأولى جائزة بالإجماع وهذا مثال آخر لها: أن يقول له: أبيعك هذه الأرض، فيقول المشتري: بشرط أن يكون لها صك، وأن يكون إفراغها فوراً، فإنّ الصك لاستيثاق البيع وضمان الحق، وإفراغها فوراً مما يمضي الحق ويمليه، فهذا لا إشكال فيه وهذه شروط مشروعة، وحكى الإجماع على ذلك غير واحد من العلماء: أنّه لا بأس بهذه الشروط؛ لأنها من مقتضيات العقد أو مما يعين على صحة العقد.

    والصورة الثانية من الشروط المشروعة والتي تتضمن منفعة لأحد المتعاقدين -كما ذكرنا- أن يقول له: أشتري منك هذا الحطب بمائة على أن تكسره وتحمله إلى بيتي -هناك في المثال السابق قلنا: تكسره فقط؛ لكن هنا: تكسره، وتحمله إلى بيتي -فأصبح عندنا شرطان، وهذه الصورة وقع فيها الخلاف بين العلماء رحمهم الله. فقال بعض أهل العلم: هذان الشرطان لا يعارضان الشرع، بل لو زاد شرطاً ثالثاً صح ولا بأس. واستدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام: (ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، كل شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل) فمنطوق الحديث يدل على بطلان الشروط التي تخالف الشرع، ومفهوم الحديث: أن الشروط لو كانت توافق شرع الله فإنه لا بأس بها وليست بباطلة، وهذا دليلهم الأول.

    الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلمون على شروطهم، أو عند شروطهم) قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين ما تكررت فيه الشروط وبين ما كان شرطاً، وعلى هذا فإن الاشتراط جائز للشرطين كما هو جائز للشرط الواحد.

    وأما الذين منعوا، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمة الله عليه ويقول به طائفة من أهل الحديث واستدلوا بظاهر السنة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ولا شرطان في بيع) أي: لا يحلُّ الشرطان إذا وقعا في بيع، قالوا: فنأخذ بظاهر هذا الحديث، ثم قالوا: لو قلنا: إن الحديث المراد به: شرطان فاسدان -أي: يعارضان الشرع- لما كان للحديث معنى؛ لأن الشرط الواحد المعارض للشرع يبطل البيعن فمن باب أولى إذا كانا شرطين، فيكون ذكر النبي صلى الله عليه وسلم للشرطين خالياً من الفائدة.

    توضيح ذلك: أنه لو كان مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ولا شرطان في بيع) الشرطان المعارضان للشرع فإن الشرط الواحد منهما محرم فكيف يقول: (شرطان)، إنما يقول: شرط واحد وينّبه على ذلك، لكن كونه يقصد الشرطين يدل على أن الأصل فيهما الجواز ولكنهما حظرا لكونهما يوجبان شيئاً من الغرر أو الفتنة.

    مثال ذلك: نذكر المثال الذي ذكره المصنف: إذا اشتريت الحطب على أن يكسره ويحمله إلى بيتك، فقد أصبحت ثلاثة عقود: عقد بيع، وعقدان للإجارة: الأول: التكسير، والثاني: الحمل إلى البيت. فأصبح إجارةً بدلاً من كونه عقد بيع؛ لأن الحكم للأغلب فهو بيع وفي حقيقته تغلبه الإجارة، ولذلك قالوا: تداخلت العقود، وحينئذٍ لا نفرق بين كونه مشروعاً أو ممنوعاً، فإذا تضمن البيع شرطين لمنفعة أحد المتعاقدين فإنه لا يجوز، ولا شكّ أن هذا القول أشبه وأقوى من ناحية الدليل وظاهر الدليل أقوى. وكون أحد المتعاقدين يشترط منفعتين في شرطين لا شك أنه لا يؤمن من دخول الغرر.

    وأما الشرطان الممنوعان شرعاً: كأن يشترط شرطين محرمين موجبين للغرر، إذ لو انفرد شرط واحد محرم فإن هذا يقتضي فساد البيع، فكيف وقد اشتمل على شرطين محرمين؟! كأن يقول له مثلاً: أبيعك هذه الأرض على ألا تبيعها لأحد ولا تهبها لأحد، فإن قوله: هذا يعارض شرع الله عز وجل؛ لأن الذي يشتري الشيء من حقه أن يبيعه ويهبه، وقد حرم عليه ما أذن الله له به، فإن من ملك السلعة من حقه أن يبيعها ومن حقه أن يهبها وأن يتصرف فيها بالمعروف أو يقول له: أبيعك هذه السيارة على ألا تركبها، فإن السيارة تُشترى من أجل مصلحة الركوب. أو يقول له: أبيعك هذه السيارة على ألا تحمل عليها أحداً، أو على ألا تسافر بها إلى جدة أو إلى مكة، فهذه كلها شروط تخالف الأصل الشرعي، فالأصل أنني إذا اشتريت الشيء فأنا حرٌّ فيه أتصرف فيه كيفما أشاء، فما دام أن هذا البائع قد باع ذات الشيء، فكأنه يعارض شرع الله عز وجل بكلا الشرطين، وعلى هذا فهذان الشرطان محرمان بالإجماع، على أنه لو اشترط شرطاً واحداً يخالف مقتضى العقد فهو فاسد، فكيف إذا جمع بين شرطين، فإنه من باب أولى وأحرى.

    1.   

    الأسئلة

    الفرق بين الشروط التي تفسد البيع والتي لا تفسده

    السؤال: متى يكون الشرط لاغياً والبيع صحيحاً؟ ومتى يكون الشرط لاغياً والبيع فاسداً، أثابكم الله؟

    الجواب: باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    أما بعد:

    فالشرط الذي يفسد البيع هو الذي يتضمن غرراً يوجب بطلان البيع، وذلك كبيع الأشياء مشترطة بشروط تدخل الغرر عليها، مثلاً: لو قال: أنا أشتري منك البستان لكن بشرط أن تكون فيه ثمرة السنة القادمة، فأنا لا أضمن، ومسألة الثمرة ليست بيدي، أو اشترى منه الناقة أو الشاة واشترط أن تكون حاملاً السنة القادمة، فالحمل علمه عند الله سبحانه وتعالى، فهذه شروط يسمونها: شروط الغرر، وهي تستلزم فساد العقد كله؛ لأن العقد قام عليها وبني عليها، فكأنه اشترى من أجل هذه المنفعة المقصودة من المبيع، لكن هذه المنفعة المقصودة من البيع تارة تكون واضحة، فيشتري البعير بما فيه، أو الناقة بما فيها، أو البقرة بما فيها، أو الشاة بما فيها؛ لكن أن يشترط أن المزرعة تكون منها ثمرة السنة القادمة، فهذا ليس بوسع أحد، ولذلك ينص العلماء رحمهم الله على بطلان البيع وفساده؛ لأن هذا الشرط يوجب الغرر ولا يمكن أن تتم الصفقة إلا به؛ لأنه مركب عليه؛ لأن نفس الثمرة مقصودة، فلو قلت: نصحح البيع ونلغي الشرط ظلمت المشتري؛ لأن المشتري إنما أشترى من أجل الثمرة.

    وأما الشرط الذي يصح معه البيع ويفسد الشرط، فهذا مثل الشرط الذي لا يكون في صلب العقد، أي: ليس بمؤثر في صلب العقد، فلا يتضمن غرراً ولا يتضمن رباً، ولا يئول إلى غرر ولا إلى ربا، فمثلاً: لو اشترط أن يكون الولاء له كما في حديث عائشة رضي الله عنها، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قضاء الله أوثق، وشرط الله أحق، إنما الولاء لمن أعتق) فصحح البيع وألغى الشرط، مع أن أهل بريرة باعوها بشرط أن يكون الولاء لهم.

    ولذلك لابد من معرفة طبيعة الشرط، فما كان منها مبنياً على الثمرة المقصودة من العقد، فمن الظلم أن نصحح العقد فنلزم المشتري بشيء لم يرده ولم يقصده، وفي هذه الحالة نبطل البيع فنرد الثمن للمشتري ونرد المثمن للبائع إنصافاً ورداً للحقوق إلى أصحابها، والله تعالى أعلم.

    حكم الشروط في النكاح

    السؤال: تكلمتم عن الشروط في البيع فهل تجوز الشروط في النكاح، أثابكم الله؟

    الجواب: النكاح تجوز فيه الشروط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيح: (إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج) والشروط في النكاح تنقسم كما تنقسم الشروط في البيع، فتارةً تكون مشروعة وتارةً تكون ممنوعة، فالشروط المشروعة هي التي توافق مقتضى العقد، كأن يقول الولي للزوج: زوجتك بنتي بعشرة آلاف حاضرة، قال: قبلت، على أن يكون الزواج هذا الأسبوع، فإن استعجال الزواج يمضي العقد ويوافق مقصود الشرع من إمضاء العقد، أو اشترط أن يدخل على زوجته هذا الأسبوع، ويُمَكَّن منها، قال الولي: قبلت، فيلزم ولي المرأة أن يمكِّن الزوج من زوجته في الوقت الذي اتفقا عليه، فهذا الشرط يوافق مقصود العقد.

    كذلك أيضاً لو قال: زوجتُك بنتي بعشرة آلاف. قال: قبلت، بشرط أن تكون مطيعةً ولا تعصي لي أمراً إلا إذا عصيت الله عز وجل فلا طاعة لي، فإن كون الزوجة مطيعة لزوجها وتحت أمر زوجها هذا موافق لمقصود الشرع، أو أشترط ألاَّ تخرج من بيتها وألا تخرج من بيتي إلا بإذني؛ لأنها قد تخرج لبيع وشراء، وقد تخرج لمصلحة كالتعليم ونحوه؛ لكن قال: أنا أريدها أن تبقى في البيت، مصلحتي أن تبقى في البيت، كأن تكون في بيئة يخشى عليها الحرام أو يخشى عليها أن يؤذيها أحد، فقال: أشترط أن تبقى في البيت، في هذه الحالة هذا الشرط من حقه، وموافق لمقصود الشرع، فإذا نظر وليها أنه لا يُدْخِل الضرر على المرأة قبله، وإذا أدخل الضرر على المرأة قال له: ابحث عن زوجة، بنتي لا تصلح لك؛ لأني أرى أن بنتي لابد لها من الخروج.

    هذه الشروط التي تقع في النكاح لمصلحة العقد ومما يوافق مقتضى العقد معتبرةٌ، كأن يقول له: أشترط عليك أن تدفع المهر معجلاً. قال: قبلت. فهذا شرطٌ في عقد النكاح، ويجب عليه أن يبر بالشرط ويوفي له.

    وأما الشروط التي تخالف الشرع: كأن يدخل فساداً على العقد، كما لو قال: زوجتك بنتي بعشرة آلاف على أن تزوجني أختك بخمسة آلاف، فهذا نكاح شغار، وهذا يوجب بطلان العقد؛ لأنه ينبني عليه الشغار الذي حرمه الشرع وفي هذه الحالة يفسد العقد. لكن في بعض الأحيان يفسد الشرط ويبقى العقد كما لو قال: زوجتك بنتي بخمر، أي: على أن يعطيه خمراً صداقاً لها، فالخمر محرم، فيُلْغَى المسمى ويجب لها مهر المثل ويمضي العقد؛ لكن الشافعية يخالفون في هذا، ويقولون: إذا فسد المهر فسد العقد.

    الشاهد: أن الشروط في النكاح منها ما هو صحيح وشرعي ومنها ما هو غير شرعي، والغير الشرعي منه ما يوجب فساد العقد، ومنه ما لا يوجب فساد العقد، كالبيع سواءً بسواء، ويجب على المسلم أن يتقي الله، خاصةً إذا اشترطت عليه المرأة شروطاً وكان بوسعه أن يوفي بهذه الشروط؛ لأن الشرع أمر بالوفاء بالعقود.

    وبعض الأزواج ينتهك حدود الله ويغشى محارم الله بالتلاعب بهذه الشروط، فإن الله سائله، قال الله تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً [الإسراء:34]، فإذا أخذ عليك العهد والميثاق وكتب بينك وبينه الكتاب على شرط، فإن الله سائلك عن هذا الشرط حفظت أو ضيعت، ولذلك قال الله تعالى: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً [النساء:21].

    وقد كان السلف إذا زوج الرجل ابنته يقول: أزوجكها على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أزوجها لك لتحملها أمانةً في عنقك على كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا الشرط والميثاق الذي وصفه الله بأنه غليظ يُسأل عنه الزوج، فكيف بالحقوق؟! إذا اشترطت عليه أن يعجل لها مهرها، أو اشترطت عليه أن يعطيها مؤخر الصداق، فتلاعب بمثل هذه الشروط فالله سائله، ومن خان وضيع فإن الله محاسبه، وقد يبتليه الله بنكبة في نفسه، من بلاء في جسده، وقد يبتليه الله بنكبة في دينه فيسلبه الخشوع في صلاته، وقد يحرمه إجابة الدعوة -والعياذ بالله- لأن الظلم ظلمات؛ ظلمات في الدنيا وظلمات في الآخرة، وقد تفسد على العبد دنياه وآخرته بسبب مظلمة، فإن المظلوم إذا اشتكى إلى الله فإن الله يقول: (وعزتي وجلالي لأنصرنكِ ولو بعد حين) فدعوة المظلوم مستجابة، والظلم في الحقوق والشروط شنيع خاصة ظلم النساء؛ لأن المرأة ضعيفة وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عظم حق المرأة وقال -كما في الصحيح-: (إني أحرِّج حق الضعيفين).

    وقد يغتنم الزوج ضعف المرأة وقد يرى أنها أصبحت الآن في بيته بعيدة عن والدها أو توفي والدها، فإن بعض الأزواج يفي بالشروط ما دام والدها حياً، ويخاف من والدها، فإذا توفي والدها لم يبالِ بأي شرط كان ويفعل ما شاء، ولا شك أنه إذا توفي والدها فإن ربها أعظم لها من والدها.

    فالله سبحانه وتعالى عظم أمر المرأة، قال صلى الله عليه وسلم: (إني أحرِّج -أي: أعظم الحرج والإثم- حق الضعيفين: المرأة، واليتيم) فجعل المرأة قرينةً لليتيم، وإذا تأملت المرأة وجدتها يتيمة؛ لأنها إذا دخلت بيت الزوجية جاءتها الضغوط النفسية وجاءتها الضغوط من ناحية أولادها، ولا تستطيع أن تحاسب زوجها ولا تستطيع أن تعترض على زوجها، وإذا جاءت تعترض تخاف على حقوقها، وتخاف أن يؤذيها في فراش أو مبيت، ولا تستطيع أن تبوح بكلمة واحدة خوفاً على أولادها، فحالها أشد من اليتيم، فإن اليتيم على الأقل يصرخ ويبدي ما في نفسه من الألم والحزن؛ ولكن المرأة لا تستطيع أن تبوح بما في نفسها.

    فإذا كان ولي المرأة قد أخذ العهد والشرط على الزوج أن يعطي شيئاً للمرأة أو يؤخر لها الصداق إلى وقت معين، أو يفي لها بأمور معينة في بيتها أو في أولادها فإن الواجب عليه أن يتقي الله وأن يعلم أن الله سبحانه وتعالى مطلع عليه ومحاسب له، والمظالم إذا كانت بين العبد وربه قد تُغْفَر للعبد في طرفة عين، فهذه امرأةٌ بغي زانية -والعياذ بالله- مرت على كلب فسقته وهو في شدة الظمأ فغفر الله ذنوبها؛ ولكن إذا كان الحق لمخلوق، فلا. حتى قال بعض العلماء في حديث القبرين: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، -قال في أحدهما-: أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة) لأن النميمة إفساد ما بين الناس، فالحق للمخلوق، فلما شفع صلى الله عليه وسلم لَمْ يُرْفع عنه العذاب، انتبهوا! ما رُفِعَ العذاب إلا بقدر أن تيبس الجريدة، ما ملك أن يشفع برفع العذاب بالكلية؛ لأنه حقٌ لمخلوق، وهذا أمر يُعَظِّم حقوق المخلوقين.

    ولذلك ينبغي للإنسان أن يتقي الله، خاصةً إذا كان المخلوق من ذوي القرابة؛ لأن ظلم القريب ذي الرحم يشتمل على مظلمتين: الظلم، وقطيعة الرحم، والله تعالى يقول: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء:1].

    نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يسلمنا ويسلم منا، وأن يغفر لنا ويتوب علينا.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755957552