الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونصلي ونسلم على خاتم رسله وأفضل أنبيائه، وخيرته من خلقه محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
رقم هذا الدرس هو (183) من أمالي شرح بلوغ المرام، في هذه الليلة ليلة الإثنين الأول من شهر ربيع الثاني من سنة (1426هـ) في جامع الراجحي بـبريدة.
في الأسبوع الماضي أخذنا صلاة العيد، وتكلمنا عن العيد، وما هو، وأحكام صلاة العيد، وحكم حضور هذه الصلاة، وحكم حضورها للنساء، ومن فاتته صلاة العيد، والأكل قبل الصلاة في الفطر وبعدها في الأضحى.
اليوم عندنا أيضاً طائفة ثانية من الأحاديث المهمة في لب صلاة العيد.
الحديث الأول منها رقمه: (490)، وهو بحسب النسخة المعتمدة حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم و
وقد أخرجه أحمد في مسنده، والدارقطني والبيهقي وابن أبي شيبة والطبراني وابن المنذر وأبو يعلى .. وغيرهم.
منها: حديث ابن عباس المتفق عليه: ( شهدت الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ولولا مكاني منه لولا صغر سني ما شهدته ) وذكر أنه صلى قبل الخطبة.
وهكذا حديث جابر -وهو الشاهد الثاني- متفق عليه عند البخاري ومسلم .
وعند مسلم أيضاً شاهد ثالث من حديث أبي سعيد الخدري، وهو حديث معروف بقصته مع مروان بن الحكم .
وهناك آثار أخرى أو أحاديث عن أنس وعبد الله بن السائب .. وغيرهم.
فيها قوله رضي الله عنه: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم و أبو بكر عمر
وكذلك قوله: ( يصلون العيد قبل الخطبة )، هذا بضم الخاء، وهي كخطبة الجمعة الموعظة، بينما إذا كسرت الخاء فقيل: (الخِطبة) فالمقصود بها خطبة النكاح، وفي القرآن الكريم: فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ [البقرة:235]، فهي بكسر الخاء.
صلاة العيد قبل خطبة العيد، وحكم هذه المسألة.
هذا الحديث نص في أن الصلاة يوم العيد تكون قبل الخطبة في الفطر والأضحى، وعليه جماهير أهل العلم، بل حكى ابن قدامة : أنه لا يعلم فيه خلافاً بين العلماء، وهكذا قال العراقي : إنه مذهب الكافة من أهل العلم.
إذاً: المعروف عند الفقهاء والعلماء: أن الصلاة في العيد تكون قبل الخطبة.
لكن هناك قول -أو لا نستطيع أن نقول إنه قول- بل فعل لبعض أمراء بني أمية أنهم كانوا يخطبون قبل الصلاة.
وسبب خطبتهم قبل الصلاة؛ لأن الناس إذا صلوا العيد خرجوا، فكانوا يخطبون قبل الصلاة حتى يضطر الناس إلى البقاء لسماع الخطبة من أجل انتظار الصلاة.
وهذا القول الذي نُقل عن بني أمية لا شك أنه مخالفة للسنة، وما فعله أمراء بني أمية فليس بحجة في هذا الباب، بل هو من السياسة المخالفة للشريعة، وقد كان كثير من الناس -كما قال المؤرخون- يخرجون من خطب بني أمية لما يقع فيها من ذم لـعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه ولآل بيته، فما فعله بنو أمية ليس من الأقوال الفقهية العلمية، وإنما هو من الفعل السياسي المخالف للسنة.
وقد نقل عن غيرهم، فنقل عن عمر رضي الله عنه أنه خطب قبل الصلاة، وهذا النقل عن عمر قال بعض العلماء: إنه نقل لا يعتد به؛ لأن عمر رضي الله عنه ثبت عنه في الصحيحين كما في حديث ابن عمر هذا وحديث جابر وأبي سعيد وابن عباس وغيرهم، أنه كان هو وأبو بكر رضي الله عنه كانوا يصلون قبل الخطبة، فهذا النقل الثابت المتواتر عنهم، وإن كان النقل لا بأس بإسناده، فإن النقل عن عمر رضي الله عنه أنه خطب قبل الصلاة عند ابن أبي شيبة في المصنف، وقال الحافظ ابن حجر : إسناده حسن، لكنه يعتبر هنا في دائرة الشاذ لمخالفته للنقل الصحيح عن عمر رضي الله عنه .
وهكذا نقل عن عثمان أيضاً رضي الله عنه الخليفة الراشدي الثالث أنه خطب قبل الصلاة، وهذا النقل عن عثمان قال عنه الإمام أبو بكر بن العربي : إنه لا يصح، أو قال: إنه كذب، والواقع أن ابن العربي قد بالغ في ذلك، فإن النقل عن عثمان سنده صحيح، رواه ابن المنذر وغيره إلى الحسن البصري، فسنده صحيح إلى الحسن البصري، لكن لعله محمول على أن عثمان فعل ذلك مرة استثناء، ولم يكن مداوماً عليه في حاله وفعله .
وهكذا أيضاً نقل عن ابن الزبير وهو عنه صحيح أنه خطب قبل الصلاة، وفي صحيح مسلم : ( أن
ولكن هناك روايات عديدة تدل على أن ابن الزبير رضي الله عنه عَدَل عن ذلك لما ساء أمره مع ابن عباس فرجع إلى تقديم الخطبة على الصلاة.
إذاً: عندنا نقل عن عمر رضي الله عنه وهو شاذ مخالف للصحيح، ونقل عن عثمان، ونقل عن ابن الزبير، ونقل عن بني أمية كما ذكرت، وقد قيل: إن أول من خطب قبل الصلاة هو معاوية رضي الله عنه، وقيل: إن أول من خطب هو زياد بن أبي سفيان المعروف بـزياد بن أبيه، وقيل: إن أول من خطب هو عثمان رضي الله عنه، وقيل: عمر، ورجح العراقي : أن أول من خطب قبل الصلاة هو مروان بن الحكم، وهذا هو الذي في صحيح مسلم : ( لما جاء وأراد أن يصعد المنبر جبذه
طبعاً المسألة واضحة ولا إشكال فيها.
هذا فيه اختلاف:
فالمالكية قالوا: يجلس، وهذا هو أيضاً الصحيح المعتمد عند الشافعية، قالوا: يجلس قليلاً ثم يقوم للخطبة.
وحجتهم في ذلك: قالوا: لأنه إذا جلس يكون أكثر وقاراً وهيبة، ويهيئ نفسه حتى يستعد الناس لسماع الخطبة.
فإذن هذه الجلسة ليس عليها دليل أثري أو نقلي، وإنما هو دليل نظري أو عقلي من المصلحة.
أما القول الثاني وهو قول الحنفية: أنه لا يجلس، وهذا وجه عند الحنابلة والشافعية والمالكية أيضاً: أنه لا يجلس، وإنما إذا صلى قام على المنبر وخطب.
وهذا هو الأقرب وإن كان الأمر واسعاً، والكلام هنا في الجلسة قبل الخطبة، أما الفصل بين الخطبتين بجلسة فهذا باب آخر.
يقول ابن قدامة : وهكذا نقل عن إمام الحرمين من الشافعية أنه لا يعتد بخطبته في هذه الحالة، يعني: يكون كأنه لم يخطب فلا يعتد بالخطبة، وقاسوا هذا على ما لو خطب خطبة الجمعة بعد صلاة الجمعة؛ فإنها لا شيء.
فيه أولاً: مشروعية صلاة العيد، وقد سبق بينا حكمها والخلاف فيها.
وفيه ثانياً: مشروعية خطبة العيد، وأنه يُخطب للعيد كخطبة الجمعة.
وفيه: أن الصلاة قبل الخطبة.
وفيه: أن سماع الخطبة ليس بواجب؛ لأنه لما جعلها بعد الصلاة كأنه أذن للناس إذا صلوا أن يخرجوا من مصلاهم، فتأخير الخطبة دليل على أن سماعها ليس بواجب على الناس.
وفيه: الاقتداء بسنة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم كما قال ابن عمر هنا وابن عباس أيضاً، فذكروا سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، والنبي صلى الله عليه وسلم ورد أنه قال: ( اقتدوا باللذين من بعدي ) يعني: أبا بكر وعمر.
وفيه أيضاً: مسألة المنبر ووجود المنبر، وهل يشرع؟
أقول: إن المنبر كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكان يقف، ثم كان يخطب على جذع نخلة، ثم صنع له المنبر فصلى فيه وخطب فيه الجمعة.
وأما في العيد فكان يقوم صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل: إن المنبر بني بعد ذلك من الطين وغيره.
والسر والله أعلم: لأن المنبر في مصلى العيد خارج البلد فيكون عرضة للسرقة أو الأخذ أو التلف بخلاف المنبر الذي في المسجد.
إذاً: المسألة ليس فيها سنة معينة أن يكون المنبر من خشب، أو من حجارة، أو من الأسمنت، أو مما شاء الله، ليس في ذلك بأس، وإنما المقصود هو المحافظة عليه من أن يؤخذ أو يسرق.
حديث ابن عباس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم العيد ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها ) رواه السبعة.
والسبعة سبق أن بينا أكثر من مرة: من هم السبعة؟
هم أصحاب الكتب الستة مضافاً إليهم الإمام أحمد رحمه الله في مسنده.
فـالبخاري رواه في العيدين، باب الصلاة قبل العيد وبعدها، وهكذا مسلم رواه في العيدين، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم خرجوه في الصلاة أبواب العيدين، ورواه أحمد في مسنده كما أشار المصنف، والدارمي وابن حبان وابن أبي شيبة والبيهقي والطبراني وغيرهم.
وفي آخر الحديث قال: ( لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء فوعظهن وذكرهن فجعلن يلقين من أخراصهن في حجر
وللحديث شواهد، يعني في أنه صلى ركعتين لم يصل قبلها ولم يصل صلى الله عليه وسلم بعدها:
أولها: شاهد عن ابن عمر رضي الله عنه عند الترمذي وقال: حديث حسن.
والشاهد الثاني: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عند ابن ماجه، وقال البوصيري : رجاله ثقات وسنده صحيح.
والشاهد الثالث: عند ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري، وصححه البوصيري .
إضافة إلى شاهد رابع: عند عبد الرزاق عن أنس بن مالك، وقال الحافظ رحمه الله: سنده قوي.
كما جاء عن علي بن أبي طالب وعمر وسلمة بن الأكوع .. وغيرهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي قبل العيد ولا بعدها.
الحديث الذي بعد هذا هو رقم (493) -أحببت أن أقدمه- لأن موضوعه هو وموضوع حديثنا هذا واحد، وهو حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئاً، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين )، المصنف ذكره بعد حديث واحد، وقال: رواه ابن ماجه بإسناد حسن.
أخرجه ابن ماجه في إقام الصلاة، باب الصلاة قبل العيد وبعدها، وقال البوصيري : إسناده صحيح، رجاله ثقات، وكذلك المصنف هنا قال: إسناده حسن، والألباني حسنَّه في إرواء الغليل .
وفي سند هذا الحديث رجل يقال له: عبد الله بن محمد بن عقيل من آل أبي طالب، وهو منكر الحديث، وكلام الأئمة فيه خصوصاً في ضعفه ونكارة حديثه مشهور، وهذا الحديث غريب في معناه؛ فلذلك أنا أميل إلى أن الحديث من باب الحديث الضعيف وأنه لا يحتج به.
قول ابن عباس رضي الله عنه: ( صلى يوم العيد ركعتين )، ما المقصود بالركعتين هنا؟
صلاة العيد سواءً كان فطراً أو أضحى.
لكن هناك خلاف فيمن فاتته صلاة العيد، لم يصل مع الناس كم يصليها؟
فهذا الخلاف فيه أكثر من قول:
من فاتته صلاة العيد، بمعنى أنه ما حضر الخطبة، قيل: يصليها أربعاً، وهذا قول الثوري ونقل عن ابن مسعود رضي الله عنه، قالوا: إذا فاتته صلاة العيد فهي كصلاة الجمعة إذا فاتت يصليها أربع ركعات؛ لأنه فاتته الخطبة.
وحجتهم في ذلك:
أولاً: أثر منقول عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند ابن أبي شيبة والبيهقي قال: إن من فاتته صلاة العيد صلاها أربعاً.
وعند الأحناف حديث لا يصح في هذا الباب، لكن الأثر عن علي رضي الله عنه.
كما أن دليلهم على ذلك من النظر أنه كصلاة الجمعة.
القول الثاني: للأوزاعي إمام أهل الشام قال: يصليها ركعتين فقط كصلاة النافلة، يعني: من غير زيادة في التكبير ولا شيء، وإنما يصلي ركعتين فحسب.
والقول الثالث: أنه يصليها ركعتين كصلاة العيد، يعني: ما معنى قوله كصلاة العيد؟ يكبر في الأولى سبعاً، وفي الثانية خمساً، على حسب الأقوال والروايات، وكذلك تكون القراءة: يستحب له أن يقرأ بسبح ويقرأ بالغاشية، فهذا معنى أنها كصلاة العيد، وهذا هو مذهب الجمهور، فهو قول مالك والشافعي ورواية عن الإمام أحمد .
ومن حجتهم في ذلك: ما جاء عن أنس رضي الله عنه: [ أنه كان إذا فاتته صلاة العيد جمع غلمانه وأولاده وصلى بهم كصلاة العيد ]، وهذا رواه عبد الرزاق والبيهقي عن أنس رضي الله عنه.
ويحتج لهم أيضاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )، فهكذا من فاتته الصلاة.
وأن الفقهاء يقولون: القضاء يحكي الأداء، يعني: أن الإنسان إذا قضى شيئاً يقضيه كما كان يؤديه .
ولذلك نقول: إن هذا القول هو أجود الأقوال أنه يصلي ركعتين كصلاة العيد.
أولاً: نقل النووي وغيره إجماع العلماء على أن صلاة العيد ليس لها سنة لا قبلها ولا بعدها، يعني: ليس مستحباً أو سنة راتبة كسنة الفريضة أن يصلي الإنسان قبل صلاة العيد أو يصلي بعدها، فهذا نقل النووي الإجماع عليه.
ولكن العلماء اختلفوا في حكم النفل، يعني: لو تنفل قبل الصلاة أو تنفل بعدها، اختلفوا على أربعة أقوال:
القول الأول: أنه لا يكره أن يتنفل الإنسان قبل الصلاة أو بعدها إلا للإمام، وهذا مذهب الشافعي وقول ابن حزم، يرون أن المنهي هو الإمام فقط أن يتنفل قبلها أو بعدها، أما بقية الناس فلا حرج عليهم أن يتنفلوا ما شاءوا.
واحتجوا أولاً بآثار عن جماعة من الصحابة والتابعين، وهي موجودة في مصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق وسنن البيهقي .. وغيرهم، أن منهم من كان يتنفل قبل صلاة العيد ومنهم من كان يتنفل بعدها. هذا أولاً.
ثانياً: قالوا: إن حديث الباب خاص بالإمام، فهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم: ( لم يصل قبلها ولا بعدها )، وأما المأمومين فلم يذكر في شأنهم شيء، وقالوا: الإمام قد يكون جاء فأول ما يأتي يبدأ بصلاة العيد، وكذلك بعد الصلاة فإنه يقوم يخطب، وبعد الخطبة يكون محتاجاً إلى تصريف أموره وشئونه فيذهب إلى بيته.
فقالوا: إن الأمر خاص بالإمام ويكره له ذلك، أما ما سواه من الناس فإنه لا يكره لهم، بل هذا من النفل المطلق، والوقت ليس وقت نهي، خصوصاً إذا جاء بعد ارتفاع الشمس في مصلى العيد.
وهذا الكلام فيمن جاء إلى المصلى، أما لو صلوا العيد في المسجد هنا يدخل فيه صلاة ركعتين تحية المسجد، فليس داخلاً في البحث أصلاً، وإنما الكلام لو صلوا في المصلى وجاء أيضاً بعد وقت النهي, وإلا لو كان وقت طلوع الشمس وقت بزوغها أو قبل ذلك لا يصلي؛ لأنه وقت نهي.
إذاً: لا يدخل في البحث الآن تحية المسجد، ولا يدخل في البحث وقت النهي، وإنما البحث فيما إذا جاء في غير المسجد -في المصلى- وفي غير وقت النهي.
فالقول الأول إذاً: أنه لا يكره، وأن هذا النفل مطلق كما ذكرنا.
القول الثاني: أنه يكره قبل الصلاة وبعدها أن يتنفل.
وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله، ونقل عن جماعة من الصحابة: كـعلي بن أبي طالب وابن عباس وجابر وابن مسعود وأبي مسعود البدري رضي الله عنهم وابن عمر وسواهم أنهم كانوا يكرهون، بل منهم من كان ينهى الناس عن ذلك، وإذا رأى أحداً يصلي جذبه أو جبذه، فقالوا: هذا دليل على أنه يكره، وأن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم سنة لأصحابه، فلا يسن؛ بل يكره لهم أن يصلوا قبل العيد وبعد العيد، وهذا هو المعمول به عندنا كما تلاحظون في مصليات العيد.
القول الثالث: أنه يصلي بعد الصلاة ولا يصلي قبلها.
وهذا مذهب أبي حنيفة وجماعة من السلف.
واحتجوا بآثار عن بعض الصحابة:
منها: أثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن مسعود والحسن وابن سيرين .. وغيرهم أنهم كانوا يصلون بعد العيد، وجاء في هذا حديث كما قلت: ( أنه من صلى ركعتين استغفر له، أو كتب له بعدد ما طلع في ذلك اليوم من ورق أو نبت أو شجر )، وهذا حديث موضوع لا يعرف.
القول الرابع: أن ذلك مكروه في المصلى وليس مكروهاً فيما عداه.
وهذا قول للإمام مالك، يعني يكره له أن يصلي قبل الصلاة أو بعدها في مصلى العيد، لكن لو كان في غيرها، بمعنى: أنه قام من مصلاه وذهب إلى بيته فصلى مثلاً أو صلى في مسجد طريق.. أو ما أشبه ذلك؛ فذلك ليس بمكروه.
وكما تلاحظ كل هذه الأقوال متقاربة، وليس عليها دليل واضح صريح، وحديث الباب هو أقوى ما يحتج به: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل قبلها ولا بعدها )، ولعل إجراءه على ظاهره أنه يشمل المأمومين أحسن وأولى، خصوصاً مع وجود عدد من النصوص.
فنقول: إنه لا يشرع لمن جاء لصلاة العيد في مصلى أن يصلي قبل العيد ولا بعدها، لكن لو صلى بعد ذلك في بيته أو في مسجد فلا حرج عليه في ذلك.
بيان صلاة العيد وصفتها وأنها ركعتان.
كراهية النفل قبل العيد وبعدها.
أن صلاة العيد تفعل في المصلى: أنه كان إذا رجع إلى بيته صلى ركعتين، يعني: أنها تفعل في المصلى وهو ما يسمى بالجبانة، وهي الصحراء، وسيأتي مزيد من الإيضاح لهذه النقطة، ولو أن الناس صلوها في المساجد -خصوصاً لحاجة بسبب المطر أو الريح أو الزحام وكثرة الناس- فلا حرج في ذلك، فإن الناس في مكة منذ القدم يصلون في الحرم.
ومن فوائد الحديث: أن الفعل سنة والترك سنة فيما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، يعني: كما يحتج بفعله يحتج بتركه، فإن ابن عمر وابن عباس .. وغيرهم، احتجوا بترك النبي صلى الله عليه وسلم صلاة ركعتين قبل العيد وبعدها.
وقال الحافظ ابن حجر : إسناده صحيح.
منها: شاهد عن جابر وابن عباس رضي الله عنهما رواه البخاري ومسلم، وشاهد آخر عن جابر عند البخاري، وشاهد عن جابر بن سمرة عند مسلم .
الأذان والإقامة:
الأذان معروف: وهو النداء للصلاة بالكلمات المعروفة الواردة، وقد سبق في باب الأذان.
وهكذا الإقامة أيضاً: فهي دعوة المصلين الحاضرين للقيام للصلاة والتهيؤ لها بألفاظ مخصوصة، وقد سبق بيانها.
يقول ابن قدامة وابن عبد البر : إنهم لا يعلمون خلافاً بين أهل العلم أنه لا يشرع النداء لصلاة العيد، وقد نقل عن الشافعي رضي الله عنه أنه يرى النداء لصلاة العيد بـ: الصلاة جامعة، وهكذا قال الشافعي في الأم، وساق أثراً مرسلاً: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر منادياً ينادي للعيد )، وهذا الأثر لا يصح، والصواب الكسوف وليس العيد، فالكسوف ينادى لها، أما العيد فلا ينادى لها.
كذلك سبق معنا أن ابن الزبير كان ينادي لصلاة العيد، وقد أنكر عليه ابن عباس وكتب له في ذلك فتركه.
وقد أُحدث الأذان في بعض البلاد، والأذان بـ: الصلاة جامعة أهون؛ لأنه مألوف في الكسوف وغيرها، أما الأذان بالجمل المعروفة فهو مما أُحدث في بعض البلاد، ويقال: إن أول من فعله ابن الزبير ثم تركه كما ذكرنا وهو عند ابن أبي شيبة، ويقال: معاوية بن أبي سفيان وهو أيضاً عند ابن أبي شيبة، ويقال: زياد بن أبي سفيان أو مروان بن الحكم، والله أعلم.
ومن فوائد الحديث:
النهي عن الأذان لصلاة العيد بالجمل المعروفة، وأنه مخالف للسنة والنهي عن الإقامة أيضاً لها، وأن ترك ذلك سنة كما أسلفنا.
رواه البخاري في العيدين، باب الخروج إلى المصلى بغير منبر، ومسلم في العيدين أيضاً، ورواه النسائي في العيدين، استقبال الإمام الناس، ورواه ابن خزيمة وأحمد والبيهقي .. وغيرهم.
قال: ( كان يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى ).
المصلى بينا أنه مكان مخصص في الصحراء، وهي التي تسمى الجبانة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيها صلاة العيد الفطر والأضحى.
القول الأول: أنها تؤدى في المساجد، وهذا قول الشافعي رضي الله عنه، ونص عليه في الأم وغيره.
وبيَّن أن حجته في ذلك بالدرجة الأولى هي التعليل، وقال: إن خروج النبي صلى الله عليه وسلم للصحراء كان بسبب ضيق المسجد وأنه لا يسعهم؛ ولذلك الناس يصلون في مكة في المسجد لأنه واسع، فحجته أولاً: التعليل، وأن صلاته في الصحراء بسبب ضيق مسجده صلى الله عليه وآله وسلم.
كذلك من حجج الشافعي : أثر رواه عن عمر رضي الله عنه: ( أنه أصابهم مطر فصلوا في المسجد وخطبهم عمر رضي الله عنه وقال: إننا كنا نصلي في الصحراء؛ لأنه أرفق وأوسع، فإذا جاء الناس مطر أو نحوه صلوا في مساجدهم )، وهذا الأثر لا يصح عن عمر، بل هو أثر منكر فلا يستدل به.
القول الثاني: أنهم يصلون في المصلى، يصلون في الصحراء أو في الأماكن المعدة للصلاة، وأن ذلك هو السنة، وهذا عليه جمهور أهل العلم كما هو واضح.
وقد استدل أصحاب هذا القول بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، كما نقله ابن عباس -مثلما ذكرنا- وأبو سعيد الخدري وجابر والبراء بن عازب .. وغيرهم، وهذا هو السنة، والأمر كله دائر على السنة، فإذا احتاج الناس إلى الصلوات في المساجد كما يفعلونه الآن بسبب ضيق المصليات المخصصة للعيد، أو بسبب المطر، أو كثرة الناس، أو المشقة، صلى الناس في مساجدهم ولا حرج عليهم.
فنقول: إن خطبة العيد سنة كما أسلفنا، والدليل على ذلك وضعها بعد الصلاة، بحيث من شاء أن يحضرها ومن شاء أن ينصرف، وقد جاء هذا في حديث عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم ثم خطب، فقال لهم بعد ذلك: إننا نصلي ثم نخطب، فمن شاء أن يجلس فليجلس، ومن شاء أن ينصرف فلينصرف، أو: من شاء أن يذهب فليذهب )، وهذا الأثر رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وهو حديث مرسل.
فيه: مشروعية صلاة الفطر والأضحى.
وفيه: مشروعية أدائها في المصلى وليس في المساجد.
وفيه: البداءة بالصلاة قبل الخطبة.
وفيه: أنه يشرع للخطيب أن يقوم مقابل الناس وجهه إلى وجوههم، يعني: ظهره إلى القبلة.
وفيه: أنه يستحب للناس أن يبقوا على هيئتهم وألا يتقاربوا أثناء الخطبة وإنما يبقوا على صفوفهم.
وفيه: بيان مضمون الخطبة، فإنه قال: ( فيعظهم ويأمرهم )، والمقصود بالوعظ هنا التذكير، وأما الأمر فقد يشمل الأمر والنهي، يعني: الحلال والحرام، وقد يشمل الأمر ما إذا كان ثمة ما يؤمر به من الخروج مثلاً في جيش أو سرية أو إطعام.. أو ما أشبه ذلك من النوازل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان له مقام النبوة ومقام الولاية والسلطة أيضاً، والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الجواب: لا يسلم؛ لأنه موجود أصلاً وقد صلى بهم، والسلام هو لمن دخل كما في خطبة الجمعة.
الجواب: لا، إذا لم تصل في المساجد المبنية فلا تحية لها.
الجواب: لا.
الجواب: نعم، الرجل المنفرد يقيم الصلاة.
الجواب: ماذا تقولون؟
نعم، يقضيها على صفتها.
الجواب: لا، إذا كنت لا ترى القصر فإذا سلم هو تقوم وتأتي بركعتين.
الجواب: هو لا يجب بدون شك، لأن صلاة العيد ليست واجبة وقضاؤها ليس واجباً؛ ولذلك بعضهم يقولون: إذا قضاها قضاها بهذه الصفة.
الجواب: هذا لدعوة الحاضرين، ولعل الحامل له كثرة الناس وتهيئهم مع أنه قد لا يكون له سبب.
الجواب: الطواف بالبيت هو نهي عن الطواف وليس عن البقاء في البيت.
الجواب: هذا الكتاب جميل، وقد قرأته قبل طباعته.
الجواب: إذا تبين هذا بيقين فإنهم يقفون بـعرفة في اليوم التاسع.
الجواب: أهم شيء في الإنسان أن يكون معتدلاً هادئاً في موقفه من الآخرين، وإلا فالشمولية لا تتحقق للفرد، شمولية الإسلام لا تعني شمولية المسلم، فإن الإنسان طاقته محدودة، وقد يكون محتاجاً إلى نوع من الاختصاص.
الجواب: والله هذا يحتاج أولاً: إلى قدر من التربية في صعيد الأفراد، والتوازن مهم جداً في هذا الجانب، ويحتاج إلى أن يكون هناك وعي وإطلاع على ما يكتب وما يقال حول الخطاب الإسلامي ليستفيد ويستنير حتى مما يقوله خصومه وأعداؤه.
الجواب: نعم هي صحيحة، بل هي في الصحيح.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر