إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.
أما اليوم فعندنا أربعة أحاديث ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أعجبه صوته فعلمه الأذان ) .
أبي محذورة
فعلمه الأذان: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله )، قال: ( وعلمه الإقامة مثنى ) هذا لفظ الحديث عند ابن خزيمة وغيره ممن ذكرت.ومما يلاحظ أن هذا الحديث هو طرف من الحديث السابق الذي رواه مسلم عن أبي محذورة رضي الله عنه، وهو على شرط مسلم من حيث الإسناد، فهو صحيح على شرط مسلم، وقد صححه ابن دقيق العيد وغيره، لكن لم يذكر في هذا الحديث الترجيع، هو كالحديث الأول إلا أنه لم يذكر فيه الترجيع، ولعل هذا سقط من بعض الرواة، أو أنهم تركوه على سبيل الاختصار.
أبي محذورة
فعلمه الأذان وألقاه عليه، ثم عهد إليه أن يكون مؤذناً بـمكة، فظل الأذان بـمكة فيه، ثم في بنيه من بعده، وقد ورد ما يدل على فضيلة اختيار المؤذن رفيع الصوت حسن الصوت، وردت نصوص كثيرة: منها حديثعبد الله بن زيد بن عبد ربه
، وهو أول أحاديث الباب؛ فإن فيه: (عبد الله بن زيد
: اذهب فألقه علىبلال
فإنه أندى منك صوتاًالبخاري
عنأبي سعيد الخدري
أنه قال له: (عمر بن عبد العزيز
رحمه الله ما قد يفهم منه أنه يخالف هذا، وهو ما ذكرهابن أبي شيبة
وغيره: (أنعمر بن عبد العزيز
كان له مؤذن يطرِّب في الأذان -بتشديد الراء، وقال أهل العلم: التطريب: هو مد الصوت وتحسينه- فقال لهعمر بن عبد العزيز
: إما أن تؤذن أذاناً سمحاً سهلاً وإلا فاعتزلنا)، والحديث رواه -كما ذكرت-ابن أبي شيبة
عنعمر بن عبد العزيز
وسنده صحيح، وقد ذكرهالبخاري
رحمه الله تعليقاً في صحيحه : (باب: رفع الصوت بالنداء)، فقال: وقالعمر بن عبد العزيز
: (أذن أذاناً سمحاً)، فذكره البخاري تعليقاً في هذا الباب، ثم ساق بعده حديثأبي سعيد الخدري
السابق. وقد ورد الأثر هذا المأثور عنابن عبد العزيز
ورد عندالدارقطني
مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن سنده ضعيف جداً، فيهإسحاق بن يحيى الكعبي
، وهو ضعيف جداً لا يحتج به، فلا يصح مرفوعاً، إنما الصحيح أنه من قولعمر بن عبد العزيز
، ويحمل هذا القول منعمر بن عبد العزيز
رضي الله عنه على أن هذا المؤذن بالغ في مد صوته وتحسينه حتى خرج عن الاعتدال، وغلا في ذلك فنهرهعمر بن عبد العزيز
، أما رفع الصوت وتحسينه بالأذان فالأصل أنه مشروع للأدلة السابقة. ومن فوائد الحديث: استحباب رفع الصوت بالأذان، فيستحب للمؤذن أن يرفع صوته بالأذان؛ للأدلة السابقة، فرفع الصوت بالأذان أفضل؛ لأن حديثأبي سعيد
يقول: (أبي هريرة
: (أبي محذورة
أن يؤذنوا كلهم، حتى يختار الرسول صلى الله عليه وسلم من بينهم من يكون أجدر بالأذان وأحسن صوتاً وأندى صوتاً. ومن فوائد الحديث أيضاً: جواز أذان من ليس له فقه ولا فضل ولا علم ما دام مسلماً عدلاً، وإنما تؤخذ هذه الفائدة من رواية الحديث عندالنسائي
وغيره، فإن فيها: (أبو محذورة
في نفر من أصحابه فسمعوا الأذان، فطفقوا يقلدون صوته يهزءون به -يسخرون به- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألم أسمع هنا صوت إنسان حسن الصوت؟ فأتوا بهم فأذنوا بين يديه، فعرف الرسول عليه السلام صوتأبي محذورة
فدعاه، ووضع يده -كما في بعض الروايات- على رأسه، ثم على صدره وثندونه، ثم على بطنه إلى سرته ودعا له عليه الصلاة والسلام حتى ذهب ما يجد من بغض النبي صلى الله عليه وسلم، فألقى عليه الأذان فأذن بهأبي محذورة
آنذاك -حيث كان حديث العهد بالإسلام، هو من مسلمة الفتح، يعني: أسلم بعد فتح مكة - فلم يكن له كبير فقه أو فضل أو علم، ومع ذلك اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم للأذان. وفي الحديث جواز اتخاذ أكثر من مؤذن في المسجد الواحد، وهذا قد يؤخذ من كون الرسول عليه الصلاة والسلام أمر العشرين كلهم أن يؤذنوا، وأصرح من هذا الحديث بالدلالة على هذه الفائدة حديثابن عمر
المتفق عليه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (بلالاً
يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذنابن أم مكتوم
. قال الراوي: وكان رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال: أصبحت أصبحتبلال
ويؤذن بعدهابن أم مكتوم
، فدل على جواز اتخاذ أكثر من مؤذن في المسجد الواحد. وهذه بعض فوائد الحديث.منها حديث ابن عمر الذي رواه النسائي قال: ( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فصلى بغير أذان ولا إقامة ).
ومنها حديث ابن عباس الذي رواه أبو داود بسند صحيح -كما يقول الحافظ ابن حجر في الفتح - قال: ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد بغير أذان ولا إقامة ) .
ومنها ما رواه الشيخان من حديث ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس : ( أنه بعث إلى ابن الزبير ابن عباس ابن عباس ابن الزبير ابن الزبير ابن الزبير
وهذا الحديث -كما أسلفت- أصله في الصحيحين من حديث ابن عباس، وقد روى البخاري ومسلم أيضاً من رواية ابن جريج عن عطاء عن جابر وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا: ( لم يكن يؤذن في الفطر ولا في الأضحى )، هذه رواية الشيخين من حديث عطاء عن ابن عباس وجابر .
وزاد مسلم من قول جابر أنه قال: ( شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن يؤذن في الفطر ولا في الأضحى ).
مجموع هذه النصوص يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يؤذن للصلاة -صلاة العيد- ولا أحد من أصحابه، ولذلك قال الإمام مالك في الموطأ : (سمعت غير واحد من علمائنا يقول: إن صلاة العيد لم يكن لها أذان منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم الناس هذا) لم يكن لها أذان، قال مالك رحمه الله: (ولا اختلاف في هذه السنة عندنا)، يعني: أن العيد ليس لها أذان ولا إقامة، وهذه سنة لا اختلاف فيها، والإمام مالك يحكي هذا من عمل أهل المدينة كما هو معروف، وأنه لا اختلاف في هذا عندهم.
يقول الإمام النووي رحمه الله في المجموع : إنه لا أذان لغير الصلوات الخمس المفروضة بلا خلاف بين أهل العلم، سواء المنذورة أو الجنازة أو النافلة، وسواء ما يسن لها الاجتماع كصلاة الكسوفين، وصلاة العيدين، وصلاة الاستسقاء، أو ما لا يسن لها الاجتماع كصلاة الضحى، هذا كلام النووي ؛ حكى الإجماع على أن الأذان لا يشرع إلا للصلوات الخمس المكتوبة، ولكن وجد الأذان في الواقع لصلاة العيدين ونحوهما؛ وجد منذ زمن متقدم، ولكن على نطاق ضيق، فيقال: إن أول من أحدث الأذان لصلاة العيد: هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وقد جاء هذا عند ابن أبي شيبة بسند صحيح عن سعيد بن المسيب: (أن أول من أذن للعيدين معاوية رضي الله عنه)، ونقل نحو هذا عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وكذلك نقل عن ابن زياد وابن الزبير والحجاج وغيرهم: أنهم أذنوا لصلاة العيد، وحين نقول: أذنوا لصلاة العيد ماذا نعني بالأذان؟ ماذا نعني بأنهم أذنوا لصلاة العيد؟ كيف أذنوا؟
أنهم نادوا لصلاة العيد بالألفاظ المعروفة: الله أكبر.. الله أكبر.. إلى آخره، هذا المقصود؛ أنهم أذنوا لصلاة العيد، وهذا ثابت عن جماعة منهم، والعذر لهم في ذلك -والله تبارك وتعالى أعلم- أنه لم تبلغهم السنة بهذا الأمر، وإلا فلو بلغتهم لم يكن لأحد منهم أن يختار أو يقترح أو يخالف ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك حكى جماعة من أهل العلم الإجماع على عدم شرعيتها، فقد ذكرت لكم قبل قليل كلام النووي في المجموع، وكذلك قال الإمام ابن قدامة في المغني عند قول الخرقي : بلا أذان ولا إقامة، قال: ونقل عن ابن الزبير وعن ابن زياد أنهما أذنا، وهذا دليل على أن الإجماع منعقد قبلهما، يعني: على أنه لا يؤذن لصلاة العيد.
وقال الصنعاني في سبل السلام : هو كالإجماع، وكلام الصنعاني هو الأدق، قال: هو كالإجماع، يعني: ليس في المسألة إجماع قطعي ثابت، إنما هو كالإجماع، وإلا فقد خالف في ذلك صحابة أجلة كـمعاوية رضي الله عنه، وكذلك ابن الزبير أذن، وخالف فيه من التابعين عمر بن عبد العزيز، وأذن ابن زياد، وإن كان مثل ابن زياد ومثل الحجاج ليسوا ممن ينقل قولهم أو يعتد بهم، فهم أمراء وظلمة جورة لا يؤخذ بهم، وهم مجرد مقلدين في هذا الأمر، ولا يذكر قولهم في الإجماع ولا في الخلاف، لكن مثل معاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز هؤلاء يعتد بأقوالهم، ولكنه خلاف يسير ضعيف جداً، والنصوص الصريحة متظافرة على غيره، فلذلك لا إشكال في أن القول الصحيح في هذا الأمر: أنه لا يشرع للعيد نداء، يعني: بألفاظ الأذان.
هذه مسألة أخرى، المهم أن تفهموا أن هذه مسألة أخرى غير الأولى، الكلام الأول في النداء بألفاظ الأذان: الله أكبر الله أكبر. أما مسألة: هل ينادى للعيد بألفاظ أخرى كما يوجد في بعض الأمصار: الصلاة الصلاة الصلاة رحمكم الله، الصلاة جامعة؟ فهذه مسألة أخرى، والخلاف فيها أوسع؛ فإن الإمام الشافعي رحمه الله نص في أول كتاب الأذان في كتابه الأم على أنه يستحب أن ينادى لصلاة العيد بمثل قول: الصلاة الصلاة، الصلاة جامعة، وإن كان -رحمه الله- يكره أن ينادى لها بمثل (حي على الصلاة)، لأن هذا من ألفاظ الأذان، نص الشافعي على ذلك، وهذا مذهب الشافعية: أنهم يرون استحباب النداء لصلاة العيد ونحوها من الصلوات -كصلاة الاستسقاء مثلاً، والصلوات التي يشرع فيها الاجتماع- أن ينادى لها بألفاظ، كلفظ: (الصلاة جامعة)، وهذا أيضاً قال به بعض فقهاء الحنابلة كما نقلة ابن قدامة في المغني وغيره، قال: وقال بعض أصحابنا: يستحب أن ينادى لها بلفظ: الصلاة جامعة. قال ابن قدامة : وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع.
وكذلك قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العيدين، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة بغير أذان ولا إقامة ولا قول: (الصلاة جامعة) ولا غير ذلك، والسنة ألا يُفعل شيء من ذلك، هذا كلام ابن القيم يقول: السنة ألا يُفعل شيء من ذلك، ووافقه على ذلك أكثر العلماء المحققين: أنه لا يشرع للعيد نداء أي نداء، أما من زعم بأنه يستحب أن ينادى للعيد بلفظ: (الصلاة جامعة)، قياساً على صلاة الكسوف فهذا القياس باطل:
أولاً: لأنه قياس في مواجهة النص، فهو قياس فاسد الاعتبار كما يقول الأصوليون، الأصوليون يقولون في القياس الذي يخالف النص: هذا قياس فاسد الاعتبار.
وثانياً: لأن عندنا مجموعة نصوص -كما سبق- عن جابر وابن عباس وابن عمر وجابر بن سمرة كلهم يشهدون أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم ينادِ للصلاة.
وثانياً: لأن عندنا قاعدة مفيدة تقول: إن الأمر الذي انعقد سببه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ففعله بعده بدعة، الأمر الذي انعقد سببه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ففعله بعده يعتبر بدعة، فمثلاً: هل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد أم لم يصل؟ صلى قطعاً لا شك فيه، وهل كان الناس بحاجة إلى تنبيههم إلى الصلاة أم لم يكونوا؟ كانوا بحاجة، لا شك أنهم كانوا بحاجة، بل ربما كانوا -خاصة أول ما شرعت صلاة العيد- أحوج من غيرهم؛ لمعرفة وقت الصلاة، وقد يكون في البيوت من لم يتفطن لهذا الأمر، وقد يكون هناك أناس ليسوا في وسط المدينة، بل في أطرافها وفي مزارعها يحتاجون إلى أن يسمعوا النداء، كما أنهم يحتاجون إلى ذلك في النداء لصلاة الفريضة، ومع أنهم محتاجون إلى ذلك فالسبب منعقد، ومع هذا فإن الرسول عليه السلام لم يناد لصلاة العيد، فعلم أن السبب وجد ولم يفعله صلى الله عليه وسلم، فالفعل بعده يعتبر بدعة، والقياس هنا قياس غير صحيح.
بالغ الإمام ابن حزم رحمه الله في المحلى فأنكر الأذان لجميع الصلوات غير المفروضة، وقال: إن النداء دعاء إلى الصلاة وأمر بالخروج إليها، وهو لا يكون إلا في صلاة فريضة، أما صلاة العيد والكسوف وغيرها فلا أذان لها، لا يقال لها: (الصلاة جامعة) ولا غير ذلك، والصحيح: أن النداء لصلاة الكسوف بـ (الصلاة جامعة) -كما سيأتي، يجوز فيها الوجهان: الصلاةُ جامعة، أو الصلاةَ جامعة- النداء لصلاة الكسوف بهذا ثابت في الصحيحين: أنه نودي لها في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا النداء، فإنكار ابن حزم له إنكار في غير محله.
و(نحوه) يعني: نحو حديث جابر بن سمرة في: ( أنه صلى الله عليه وسلم صلى العيد بغير أذان ولا إقامة )، وقد سبق أن أشرت إلى أن المقصود بهذا الإشارة من المصنف رحمه الله إلى ما رواه ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وجابر : ( أنه لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى )، (أنه لم يكن يؤذن) يعني: في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوم الفطر ولا يوم الأضحى).
ابن جريج
سألعطاء
بعد ذلك-، فقال لي: أخبرنيجابر بن عبد الله الأنصاري
رضي الله عنه: أن لا أذان لصلاة العيدين ولا إقامة حين يخرج الإمام ولا بعد خروجه ولا عند الصلاة، لا أذان ولا إقامة ولا شيء )، هكذا: ( لا أذان ولا إقامة ولا شيء، لا ينادى للصلاة ولا يقام لها )، فأكد ما ذكره من قبل: أنه سمع من جابر أنه لم يكن يؤذن ولا يقام لصلاة العيد.إذاً: قول المصنف رحمه الله في الحديث في المتفق عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من يقصد بغيره؟
يقصد جابر بن عبد الله وليس جابر بن سمرة، والمعنى نفسه ثابت عن جابر بن سمرة كما سلف، وذكره المصنف، وعن ابن عمر كما عند النسائي، وهناك ألفاظ يفهم منها ذلك، ولكنها ليست نصاً فيه.
والحديث رواه مسلم ضمن حديث طويل في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، (باب: قضاء الفوائت واستحباب تعجيلها).
والشاهد من هذا الحديث: قوله: ( ثم أذن
المسألة الموجودة في الحديث: هي مسألة الأذان للصلوات الفائتة: هل يؤذن لها أم لا يؤذن لها؟ ومثل الفائتة الصلوات المنسية التي فاتت لنسيان أو نوم أو ما أشبه ذلك من الأعذار، ثم أراد أن يصليها دفعة واحدة؛ يصلي مجموع صلوات مفروضة دفعة واحدة: هل يؤذن لها ويقيم أم لا يؤذن؟
أما بالنسبة للإقامة فقد أجمع أهل العلم على أنه يقيم لكل صلاة، هذا لا كلام فيه، الإقامة يقيم لكل صلاة، فلو كان عليه عشر صلوات كلها فائتة أقام عشر إقامات، كل صلاة يقيم قبلها معها، وكذلك كاد أهل العلم أن يجمعوا على أنه لا يؤذن للصلوات كلها، لا يؤذن لما بعد الأولى، فإذا كان عليه عشر صلوات فإنه لا يؤذن للثانية والثالثة والرابعة.. إلى العاشرة، وهذا كاد أن يكون إجماعاً، بل قال النووي في المجموع : إنهم أجمعوا على أنه لا يؤذن لغير الأولى، لكن الواقع أن هناك خلافاً منقولاً عن أبي حنيفة في هذا، نقل عن أبي حنيفة : أنه يرى أنه يؤذن لكل صلاة، وهذا قول ضعيف، حتى عن أبي حنيفة نفسه فيما أعلم.
ويستدلون بأدلة:
أولها: حديث أبي قتادة حديث الباب، فإن فيه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر
والدليل الثاني: حديث جابر في صحيح مسلم في قصة سياقه لحجة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه ذكر قصة حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمامها، وضمنها أنه قال: ( حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين )، وهو المعتمد والصحيح، وإن كانت اضطربت الرواية في ذلك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، وكذلك عن ابن مسعود، لكن المعتمد ما في حديث جابر : ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أمر بأذان واحد وأقام مرتين لكل صلاة إقامة )، قالوا: فالصلاتان المجموعتان إحداهما إلى الأخرى هما مثل الصلوات التي تصلى دفعة واحدة بسبب نوم أو نسيان أو نحوه؛ يؤذن للصلاة الأولى، ثم يقيم للصلوات البواقي.
وحجتهم في هذين الحديثين ظاهرة لا إشكال فيها، وهذا هو قول الجماهير كما أسلفت.
واحتج هؤلاء بأدلة، منها:
أولاً: ما رواه أحمد والشافعي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قصة الخندق غزوة الأحزاب، قال أبو سعيد : ( حبسنا عن الصلاة حتى مضى هوي من الليل )، و(هوي) بفتح الهاء وكسر الواو على الراجح المشهور، يعني: مضى طائفة من الليل وهم لم يصلوا: ( حتى كفينا، وذلك قول الله عز وجل: وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ [الأحزاب:25]، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً فأقام صلاة الظهر كأحسن ما كان يقيم، ثم صلى، ثم أقام العصر كذلك، ثم المغرب كذلك، ثم العشاء كذلك ) هكذا رواية أحمد والشافعي، وقال النووي في المجموع: سندها صحيح، وكذلك الحديث.
... بسند صحيح، لكن لم يذكروا فيه المغرب والعشاء، ذكروا فيه صلاة الظهر والعصر فحسب، ولم يذكروا صلاة المغرب والعشاء.
والشاهد من هذا الحديث: أنه لم يذكر أنه أذن لهذه الفوائت، ذكر الإقامة ولم يذكر الأذان، قالوا: فدل على أنه لا يؤذن للصلوات الفائتة.
واستدلوا أيضاً بما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم حين انصرف من غزوة خيبر نام هو وأصحابه، وقال لـ
وأما حديث أبي سعيد في غزوة الخندق، وحديث أبي هريرة في غزوة خيبر- فإن الجواب عليها سهل.
قال الإمام الصنعاني -وتفطنوا إلى ما قال في سبل السلام -: إن هذا مثبت وهذا ناف، والمثبت مقدم على النافي.
لكن قول الصنعاني رحمه الله: (إن هذا مثبت وهذا ناف)، في النفس منه شيء؛ لأنه قال: هذا مثبت، صحيح في الحديث الأول يثبت الأذان، مثل حديث جابر وحديث أبي قتادة فيهما إثبات الأذان للفائتة، لكن قوله: وهذا ناف، يعني: حديث أبي سعيد وأبي هريرة هل فيهما أنه لم يؤذن؟ لا، إذاً: ليس نافياً، ولهذا الأصوب والأجود أن يقال: إن هذا ناطق وهذا ساكت، كما يقول بعض الأصوليين: هذا ناطق وهذا ساكت.
فالأول ناطق يعني: نطق بأنه أذن، لكن الثاني سكت، فما الذي يدرينا أنه أذن في يوم الأحزاب وأذن في نومتهم تلك حين قفلوا من خيبر، لكن لم ينقل الراوي لنا الأذان لسبب أو لآخر، وما أكثر ما وقع الاختصار في بعض الروايات! فالصحيح المعتمد: أنه يشرع الأذان للصلاة الأولى من الفوائت.
الجواب: يؤذن لها، بحيث لا يرفع صوته فيسمعه أناس بعيدون؛ لأن الأذان للفائتة المقصود به من فاتتهم الصلاة لا غير، فإذا وجد خوف اللبس -كما ذكرت في آخر الصلاة- يخشى أن تكون دخل وقت الصلاة الأخرى أو غير ذلك أذن بحيث لا يسمع الناس الذين يمكن أن يحدث عندهم هذا الالتباس. نعم.
الجواب: أثناء الالتفات، تقول: (حي على الصلاة) أثناء الالتفات.
الجواب: هو الذي يؤذن، نحن نستثني الآن من السنة أن يؤذن للفائتة، بل قد يقال بوجوبه، لكن كيف يؤذن؟ المهم أن يؤذن، وبالنسبة للأذان للفائتة، المقصود به من فاتتهم الصلاة، ليس المقصود بهم جمهور الناس، المقصود: من فاتتهم الصلاة، ولذلك -مثلاً- المبالغة في رفع الصوت بالأذان للفائتة إذا كان يترتب عليها ضرر مثلما ذكر الأخ يوسف، مثلاً: بعض الناس قد يلتبس الأمر عنده فيظن أن وقت الصلاة الأخرى دخل، أو قد يترتب عليه سوء ظن بهذا المصلي أو ما أشبه ذلك، فلا يلزم أن يبالغ في رفع الصوت. نعم يا أخي؟
الجواب: الأحاديث الواردة في إثبات أنه أذن للفائتة هذه فيها زيادة، فيها أنه أذن، والأحاديث الأخرى ساكتة كما ذكرنا، فيرجع الأمر إلى ما أسلفت: أن هذه الأحاديث ناطقة، وتلك الأحاديث ساكتة، حتى في الأحزاب، يعني: يترجح أن الرسول عليه السلام أذن في الأحزاب للفائتة، وكذلك عند قفوله من خيبر أن يكون أذن، لكن الراوي لم يذكر هذا، رواه واختصره ضمن الحديث. نعم يا أخي.
الجواب: بالنسبة لحديث أبي قتادة متى كان؟ يحتمل أن يكون قفولهم ومنصرفهم من غزوة خيبر، ويحتمل أن يكون من غزوة تبوك، وهو الراجح، الراجح في حديث أبي قتادة أنه كان منصرفهم من غزوة تبوك، وهو مباين لحديث أبي هريرة مباينة من وجوه عديدة، لو تأملت اللفظين -لفظ حديث أبي قتادة الطويل، ولفظ حديث أبي هريرة في نومهم عن الصلاة- لوجدت مباينة كبيرة بين القصتين، فهما قصتان بلا إشكال، ولذلك لم يرد في القصة الأولى -قصة أبي قتادة - لم يرد لـبلال ذكر أنه كان يكلأ الصبح، وأنه كان ضمن النفر السبعة مثلاً، لم يرد هذا في قصة أبي قتادة، في حين أن في قصة أبي هريرة ذكره وأنه كان معهم، كما أن في قصة أبي قتادة أن الرسول عليه السلام اختلف مع أصحابه في المكان فتاهوا عنه، وأصبح يبحث عنهم حتى اجتمع إليه سبعة ركب، وليس في حديث أبي هريرة ذلك، وفي قصة أبي قتادة المعجزة -أو بالأصح نقول: الآية النبوية- بجريان الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، وليس في قصة أبي هريرة ذلك، ففيها فوارق من وجوه عديدة، فهما حادثتان بلا إشكال فيما يظهر لي.
الجواب: نعم، يسن أن يختار الأولى صوتاً الأرفع والأحسن صوتاً، وهذا ينبغي أن يرضى بالجملة؛ لأنه هذا عدل النبي صلى الله عليه وسلم، فمن كمال الاتباع أن يقبلوا بذلك: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].
الجواب: طبعاً هذه فيها مشكلة، فيها حرج عظيم، سؤال الأخ يقول: مجموعة من الناس في مخيم، مخيمات تكون مثلاً عشرات الخيام وأروقه ومباني مقامة فأحياناً تفوتهم الصلاة، فهل يقال: يرتحلون عن هذا المخيم لأنه مجلس حضر فيه الشيطان.
هو على أي حال حتى لو قلنا بأنه حضرها الشيطان، ليس هذا يلزم منه أن يرتحلوا؛ لأن الذين أقاموا المخيم وانتقلوا فيه أكثر ما يكونون بالمستوطن في بيت أو نحوه، فمن الصعب أن يقال: يرتحل؛ لأنه فاتته الصلاة وحضر الشيطان هنا مثلاً، فأصحاب المخيمات يبنون خياماً طويلة ومباني ودورات مياه وأماكن مياه ومرافق عامة، وقد يقيمون فيه أياماً أو أسابيع وربما شهوراً، فليس من السهولة أن يقال لهم ذلك، ولا أرى أنه مما يعنى به.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر