إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
في هذا اليوم طالبنا الإخوة بحفظ خمسة أحاديث في باب: آداب قضاء الحاجة.
مقصوده بقضاء الحاجة هو البول والغائط، وقد كنى عنه كما ورد في الحديث الآتي وهو حديث المغيرة بن شعبة من قوله: ( حتى توارى عني فقضى حاجته )، وهذا معهود عند العرب أنهم يكنون عما يكرهون ذكره صراحة، يكنون عنه بألفاظ أخرى كقوله هاهنا: فقضى حاجته، وقد يعبر عن هذا بلفظ الاستطابة عند الفقهاء؛ لما ورد في الحديث: ( ولا يستطب بيمينه )؛ وذلك لأن الإنسان إذا أزال عنه أثر البول أو الغائط فإنه يكون طيباً لذلك، وتطيب نفسه به، ويعبر عنه المحدثون بالتخلي؛ لوروده في أحاديث كثيرة، كما في قوله في حديث أنس وغيره: ( إذا دخل الخلاء )، والمعنى في الجميع واحد.
قال المصنف: أخرجه الأربعة، وهو معلول.
فأما رواة ومخرجو هذا الحديث فهم الأربعة أصحاب السنن، ويضاف إليهم ابن حبان والحاكم وغيرهم.
وكذلك قال أبو داود : إن لفظ الحديث مختلف، يعني: حديث ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري لفظه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتخذ خاتماً من ورق ثم ألقاه ) فليس فيه ذكر أنه: ( إذا دخل الخلاء وضع خاتمه ).
وكذلك قال النسائي : هذا حديث غير محفوظ، وتكلم عليه الإمام الدارقطني في العلل، وأشار إلى الاختلاف فيه، وإلى أنه شاذ، وكذلك ذكر النووي ضعف الحديث، وتكلم عليه من المعاصرين الشيخ الألباني، أو أشار إلى ضعفه في ضعيف الجامع، وفي تعليقه على مشكاة المصابيح، ولعله سوف يفصل في ذلك في ضعيف أبي داود الكتاب الذي لم يخرجه بعد.
وبالمقابل فقد وثق وصحح هذا الحديث علماء آخرون، منهم الترمذي صححه، وكذلك المنذري قال: الصواب عندي أن هذا الحديث صحيح، رواته ثقات أثبات، وكذلك صنع أبو الفتح القشيري في آخر كتابه الاقتراح في بيان الاصطلاح، وما أضيف إلى ذلك من الأحاديث المعدودة في الصحاح.
وأبو الفتح القشيري هذا من هو؟ من هو أبو الفتح القشيري؟
هو ابن دقيق العيد، وكتابه الاقتراح في علم المصطلح، وفيه أحاديث مختارة، في آخره أشار إلى صحة هذا الحديث.
لكن الراجح والله أعلم أنه ضعيف معلول، كما ذكره هؤلاء العلماء الذين أشرت إليهم، ويضاف إليهم الحافظ ابن حجر فإنه قال في هذا الموضع: وهو معلول.
وله شواهد لكنها ضعيفة أيضاً فلا يتقوى بها.
وعلاقة هذا الحديث بالباب ظاهرة، وهي: ما حكم الدخول بشيء فيه ذكر الله تعالى إلى الخلاء؟
وللعلماء في هذه المسألة قولان: أحدهما: القول بالكراهة، أنه مكروه، وهذا مذهب أكثر أهل العلم كالحنفية، والشافعية لا يختلفون في ذلك، وكثير من المالكية والحنابلة أنهم يقولون: يكره أن يدخل الخلاء بشيء فيه ذكر الله تعالى إلا لحاجة، ويحتجون بهذا الحديث وهو ضعيف كما سبق، ويحتجون أيضاً بأن اسم الله تعالى يجب أن يصان عن هذه المواطن التي فيها النجاسة، وذهب بعض السلف إلى الرخصة في ذلك، نقله ابن المنذر عن الحسن البصري، وابن سيرين، وسعيد بن المسيب، وكذلك نقله ابن أبي شيبة عن سعيد وابن سيرين : أنهما سئلا عن الدخول إلى الخلاء بشيء فيه ذكر الله؟ فقالا: لا بأس، ونقل عن عكرمة مولى عبد الله بن عباس، وإسحاق بن راهويه، والإمام أحمد : أنهم يرون أن الأفضل في حقه إن دخل فيه أن يجعل فصه في داخل راحته؛ لئلا يكون اسم الله ظاهراً، يرون أن هذا أولى وأفضل في حق من دخل بخاتمه.
ولا شك أننا عرفنا ضعف هذا الحديث وأنه لا يستقيم للاحتجاج، لكن يبقى موضوع صيانة اسم الله تعالى عن الدخول في الخلاء، وهل ينتهض للقول بالكراهة أم لا ينتهض؟ وإذا علم أن هذا في الأمور الظاهرة -يعني كون الاسم ظاهراً- تبين أنه ليس هناك حرج في خلع هذا الشيء إذا كان خاتماً، أو في جعل فصه في داخل الراحة؛ لئلا يكون الاسم ظاهراً وهذا أولى، وليست المسألة مسألة تحريم كما علمتم.
الذي يظهر من كلام كثير من أهل العلم أن الكلام في القرآن الكريم يختلف، ولذلك ذهب الحنابلة وبعض المالكية إلى تحريم الدخول بالقرآن الكريم إلى الخلاء؛ صيانة للمصحف عن هذه الأماكن المحتظرة، التي تكون فيها النجاسات، وتكون فيها الشياطين، وهذا أمر قوي فيما يتعلق بالقرآن الكريم، حفظه عن هذه الأماكن أمر سائغ، إلا أن تدعو الحاجة إلى ذلك، كما إذا خشي عليه من عدو أو من ضرر، فيكون إدخاله حينئذ أولى من تركه.
لكن إن لم يكن ثم حاجة فلا ينبغي أن يدخله إلى الخلاء، إلا أن يكون ذلك خفياً غير ظاهر، كما لو كان جزءاً في جيبه مع أوراق أخرى، فلا يكلف حينئذ إخراجه؛ وذلك لأسباب -والله أعلم- منها: أنه كثيراً ما يضعه فينساه، وهذا أمر مشاهد، فإن بعض الناس إذا أراد أن يدخل إلى الخلاء أخرج الجزء، خاصة بعض الإخوة الحفاظ، لا تكاد تخلو جيوبهم من اقتناء مصحف أو جزء في جيوبهم، فإذا أراد أن يدخل وضعه في أي مكان، فكثيراً ما ينساه، وقد يترتب على النسيان ضرر آخر، وهو أن يتعرض هذا الجزء من القرآن لإهانة أعظم مما لو دخل به وهو مخفى في جيبه، مثل أن يسقط، أو يوطأ، أو تجري به الرياح، أو يهان، فيكون الضرر الناجم عن ذلك أعظم من الضرر المخوف.
والمصنف قال: وعنه يعني عن أنس؛ لقرب العهد به رضي الله عنه، وقد ذكر أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، وهذا الحديث رواه السبعة كما ذكر المصنف، وسبق بيانهم، من هم السبعة؟
هم الستة يعني: الشيخان وأصحاب السنن مع الإمام أحمد.
على أي حال قوله: (إذا دخل) يعني: إذا أراد دخول الخلاء، لا إشكال في ذلك.
و المقصود بالخلاء هو: المكان المعد لقضاء الحاجة؛ وإنما سمي خلاء لأن الإنسان يخلو به وينفرد، وما هو الدليل على أن المقصود بالخلاء هاهنا المكان المعد لقضاء الحاجة؟ ما هو الدليل من الحديث نفسه على ذلك؟
الدليل قوله: ( إذا دخل الخلاء )، فدل على أنه بيت أو مكان مخصص لقضاء الحاجة، وبذلك يكون الحديث نصاًُ في مشروعية هذا الذكر عند إرادة دخول الخلاء، وهل يدخل في ذلك ما إذا قضى الإنسان حاجته في غير المكان المخصص، كما إذا كان في الصحراء أو في مكان غير معد لهذا؟ هل يدخل في الحديث؟
نعم يدخل.. يدخل في ذلك، وهذا مذهب الجمهور، ويقول هذا الذكر إذا شرع في ذلك بتشمير ثيابه، أو حرث الأرض، أو ما شبه ذلك، فإذا شمر ثيابه، أو بحث الأرض برجله، أو ما شابه ذلك قال هذا الدعاء: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث.
والخُبُث بضم الخاء والباء على المشهور، بل قال الخطابي : لا يجوز غيره، ولكن وهّمه في ذلك النووي وابن حجر وغيرهما، وأثبتوا أنه يجوز فيه الوجهان: الخُبُث والخُبْث، بضم الباء وبسكونها، كما يجوز في كُتُب وكُتْب، وغيرها مما كان على هذا الوزن.
و المقصود بالخبث: جمع خبيث وهو الذكر من الشياطين.
وبالخبائث: جمع خبيثة وهي الأنثى، وبذلك يكون الإنسان إذا ذكر هذا الدعاء كأنه يستعيذ بالله من ذكران الشياطين وإناثهم، وهذا أشهر ما ورد، وقيل في ذلك أقوال أخرى، لعل من الطريف منها ما ذكره ابن الأعرابي في رواية الخُبْث بسكون الباء: أن الخبث يكون على هذا مصدر للشيء المكروه، وهو من الملل الكفر، ومن الطعام المحرم، ومن الشراب الضار، ومن الكلام السب، ولكن المعنى الأول هو الأشهر والأصح، أن المقصود الاستعاذة من ذكور الشياطين وإناثهم.
وهل يشرع دعاء آخر أو ذكر مع هذا الدعاء عند دخول الخلاء؟ نعم. يشرع التسمية أن يقول: بسم الله، وهذا أيضاً ورد من طرق منها: حديث علي رضي الله عنه عند أبي داود والترمذي وغيرهما .. وابن ماجه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدكم الخلاء أن يقول: بسم الله ). وهذا الحديث إسناده عندهم ضعيف، لكن له شواهد كثيرة عن ابن مسعود، وأبي سعيد الخدري، ومعاوية بن حيدة وغيرهم، يتقوى بها فهو حديث حسن، أو لا ينزل عن رتبة الحسن وصححه بعضهم، وهو دليل على مشروعية التسمية عند إرادة دخول الخلاء، بل وردت التسمية في حديث أنس ذاته .. حديث الباب وردت فيه التسمية، فقد رواه سعيد بن منصور وغيره بلفظ: ( إذا دخل أحدكم الخلاء قال: بسم الله، اللهم.. )، ولكن رواية سعيد بن منصور ضعيفة، فيها أبو معشر وهو ضعيف.
وورد عند المعمري كما ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح أنه كان يقول: بسم الله، اللهم أني أعوذ بك… وإسنادها صحيح، قاله الحافظ ابن حجر، وحكم عليها بعضهم بالشذوذ، لكن لعلها ليست شاذة، وقد وردت من طريقين، وورد ذكر التسمية في الأحاديث السابقة؛ حديث علي، وابن مسعود، وأبي سعيد، ومعاوية وغيرهم، فبذلك علم أنه يشرع عند دخول الخلاء أن يقول القائل: بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث.
أنا الغلام القرشي المؤتمن أبو حسين فاعلمن والحسن
إذا ورد الحجاج أرضاً مريضة تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هز القناة سقاها
لكن أكثر ما يستعمل الغلام في الصغير إلى سبع سنين أو قريباً من ذلك.
ومن هو هذا الغلام؟
قيل: إنه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهذا الذي يظهر من صنيع البخاري أنه قد يرجحه؛ لأن البخاري روى هذا الحديث في مواضع منها: باب الاستنجاء بالماء، ومنها: باب من حمل معه طهوره، ثم ساق أثر أبي الدرداء معلقاً، قال: وقال أبو الدرداء : أليس فيكم صاحب الطهور والنعلين والوساد؟ وصاحب الطهور والنعلين والوساد هو ابن مسعود رضي الله عنه، فكأن البخاري يرجح أن هذا الغلام هو ابن مسعود، وهذا يشكل عليه أمور منها السن، ومنها أن أنساً صرح في رواية البخاري الأخرى بقوله: وغلام منا، يعني من من؟ من الأنصار، وفي رواية الإسماعيلي التصريح بأنه من الأنصار: وغلام من الأنصار.
وقيل: إنه أبو هريرة، واستدل قائل ذلك بما عند أبي داود عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب إلى الخلاء أتيته بركوة من ماء )، وعند البخاري في صحيحه في خبر الجن عن أبي هريرة نحو ذلك.
وقيل: إنه جابر بن عبد الله، لما رواه مسلم في آخر صحيحه في حديث جابر الطويل، من مجيء جابر بالإداوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويحتمل أن يقال: إنه ابن عباس، لما في البخاري أيضاً: ( أن
وهناك احتمال خامس -ولعله الأقوى- أن يقال: هذا الغلام لم يذكر من هو، مبهم لم يحدد؛ لأنه لا تنطبق الصفات المذكورة في الروايات كلها على واحد من هؤلاء الأربعة.
وعلى كل حال الأمر في ذلك سهل قريب ولا يترتب على تحديده كبير فائدة.
وقوله: (فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة) الإداوة هي: الإناء الصغير من جلد يوضع فيه الماء، ولذلك قال: (إداوة من ماء) يعني: إداوة فيها ماء.
(وعنزة) العنزة بفتح النون، وهي: عصا طويلة يكون في رأسها سنان أو زج، وقيل: هي الحربة الصغيرة، وقد ذكر ابن سعد في طبقاته أن هذه العنزة أهداها النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(فيستنجي -يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم- بالماء)، وهذا من كلام أنس كما رجحه الحافظ، وورد في روايات صحيحة صريحة أنه من كلام أنس رضي الله عنه.
وكذلك لا يجوز الاستنجاء بالأشياء المحترمة مثل الأشياء التي فيها علم، أو ذكر من الأوراق أو غيرها، أو الأشياء التي ينتفع بها كالأطعمة ونحوها، أما ما عدى ذلك فيجوز الاستنجاء به، مثلاً الحجارة يجوز الاستنجاء بها، الورق الأبيض الذي ليس فيه كتابة.. الخرق.. المناديل وغيرها.
لا يحتاج، وهذا أمر على ظهوره يخفى على كثير من الناس، لا يحتاج إلى أن يغسل الموضع بعد ذلك بالماء فهو يطيب بهذه الأشياء، ثم إذا أراد الإنسان الصلاة توضأ دون أن يغسل القبل أو الدبر، وهذا هو القول الصحيح لجماهير العلماء، بل ذكر ابن قدامة في المغني أنه لا خلاف في هذه المسألة، لكن الواقع أن الخلاف في ذلك موجود، فقد نقل عن الحسن البصري، والحسن بن صالح حي، وابن أبي ليلى، أنهم لا يرون الاكتفاء بالأحجار ونحوها لمن أراد الصلاة، بل لابد له من الماء، وهذا قول يمكن أن يحكم عليه بأنه ضعيف جداً، وربما يقال بأنه قول شاذ؛ ولذلك لم يلتفت إليه ابن قدامة، فذكر أنه لا خلاف في هذه المسألة بين أهل العلم، وهذا هو المعروف من هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
نقول: فيما يتعلق بالماء والأحجار: الماء أفضل من الأحجار، إذا يعني يقتصر الإنسان على الماء أولى من أن يقتصر على الأحجار -مع أن الجميع جائز كما هو معروف- وذلك لأدلة منها: حديث الباب لأنه كونه يأتي هذا الغلام فيحمل معه الماء ويتكلف ذلك، دليل على أنه أولى وإلا لوجد الأحجار أو التراب أو غيرها.
ومما يرجح أن الأفضل الماء ما رواه أبو داود وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في سبب نزول قوله تعالى: فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة:108]، أنها نزلت في أهل قباء ؛ لأنهم كانوا يستنجون بالماء.
والحديث له شواهد عن عدد من الصحابة، فهو حديث حسن له شواهد عن جمع من الصحابة، ذكرها الحافظ ابن حجر في التلخيص وغيره، وهو دليل على أن الاستنجاء بالماء أفضل، ولذلك مدح الله تعالى أهل قباء في ذلك.
ومما يرجح أفضلية الاستنجاء بالماء أنه أبلغ في التطهير وإزالة النجاسة.
وقال بعض أهل العلم: إن الجمع بينهما أفضل، ذكره ابن قدامة في المغني ونقله عن الإمام أحمد وغيره، قال: الجمع بينهما أحب إلي، وروى في ذلك حديثاً ( عن
وهذا الحديث ذكره سعيد بن منصور واحتج به الإمام أحمد، والمشهور في الحديث في السنن وغيرها, أن عائشة رضي الله عنها قالت: ( مرن أزواجكن أن يستنجوا بالماء )؛ ولذلك فهو دليل ثالث على أن الاستنجاء بالماء أفضل من الاستجمار بغيره، ولكن جاءت الرواية هكذا.
واحتج بعضهم على أفضلية الجمع بينهما بما ورد في سبب نزول الآية السابقة يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا [التوبة:108]، من أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم فقالوا: ( يا رسول الله! إنا كنا نتبع الحجارة الماء )، وهذا اللفظ وإن كان مشهوراً عند الناس، وفي بعض المصنفات إلا أن بعض أهل العلم أنكر أن يكون ورد أصلاً، أنكر ذلك النووي، وابن الرفعة، والمحب الطبري وغيرهم، ولم يصيبوا في هذا الإنكار، فإن الحديث موجود في مسند البزار أنهم قالوا: ( كنا نتبع الحجارة الماء ).
ولكن سنده ضعيف لأنه من رواية أحمد بن محمد بن عبد العزيز عن أبيه، وأبوه ضعيف وكذلك الراوي عنه ضعيف، فالحديث لا يصح، وإنما الصحيح كما سبق أن الله أثنى عليهم؛ لأنهم يستنجون بالماء.
وعلى كل حال فيما يتعلق بـ الجمع بين الحجارة والماء إن لم يؤد إلى الوسوسة ففيما يظهر لي أنه أولى؛ لأنه أنظف وأطيب، كما ذكره ابن قدامة في الموضع المشار إليه سابقاً؛ لأن الإنسان بالحجارة أو غيرها يزيل النجاسة الموجودة عليه، ثم يأتي بالماء فيغسل الموضع فلا تباشر يده النجاسة، ويكون هذا أنظف للموضع وأنظف ليده وأطيب له، إلا أن يكون ذلك قد يؤدي إلى الوسوسة، فيسد هذا الباب عمن يخشى على نفسه دخول الوساوس.
والإداوة سبق تعريفها وقوله: ( حتى توارى عني ) يعني: غاب واختفى، وقضاء الحاجة سبق.
وهذا الحديث أيضاً متفق عليه، وهو طرف من حديث المغيرة بن شعبة الذي سبق في هذه المجالس.
وأين سبق حديث المغيرة بن شعبة؟
سبق في باب المسح على الخفين وهو حديث طويل، أظن أنني فصلت القول فيه في ذلك الموضع، وهذه الحادثة كانت في سفر كما في الصحيح، وبالذات في غزوة تبوك، وكان ذلك قبيل صلاة الفجر، وفي صحيح مسلم أنهما جاءا -يعني الرسول صلى الله عليه وسلم والمغيرة - فوجدا أن الناس قد صلوا ركعة.. صلى بهم عبد الرحمن بن عوف، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم خلفه ركعة، ثم قضى الركعة التي فاتته.
أسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا إنه أرحم الراحمين.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، والله أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر